بيع الثمار والخضار والزرع

هل يجوز بيع ثمار الشجر وحدها دون الاصل؟.. فيه تفصيل :

1 ـ أن يبيع الثمر قبل أن يظهر ويبرز إلى الوجود ولا ريب في بطلان هذا البيع اطلاقاً مع الضمية ودونها سنة واحدة أو أكثر لأن التعاقد على المعدون لا يصح حتى ولو وجد فيما بعد وما خالف ذلك من النص فهو شاذ متروك عند الفقهاء .

ويظهر من صاحب الجواهر أن بيع المعدوم باطل من حيث هو بصرف النظر عن الغرر والجهالة قال ما نصه بالحرف: «يبطل للاجماع وللانعدام فضلاً عن الغرر والجهالة».. ثم قال بعد اسطر: «لا يجوز البيع لقاعدتي المعدوم والغرر» .

ويلاحظ بأن سبب البطلان هو الغرر لا العدم اذا لا مانع من بيع المعدوم لولا الغرر ـ اذا كان التسليم ممكناً عند الاستحقاق.. ومهما يكن فان العبرة بالنتيجة لا بالمقدمات وهي واحدة على كلا التقديرين أعني عدم جواز بيع الثمر قبل وجوده .

2 ـ بين الثمار عند بروزها في مرحلتها الأولى وقبل بدو صلاحها وقد ذهب المشهور إلى البطلان للجهالة والغرر ولقول الإمام عليه‏السلام: «لاتباع الثمرة حتى يبدو صلاحها» .

وقيل: يجوز بيعها مع الضميمة عاماً واحداً. وقال ثالث: يجوز البيع منفردة بشرط السلامة .

3 ـ بيعها بعد بدو صلاحها وقبل نضوجها وقد أجمع الفقهاء بشهادة صاحب الجواهر على جواز بيعها عاماً واحداً أو أكثر منفردة ومنضمة فقد جاء الحديث عن الرسول الأعظم صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم: لا تبتاعوا المثرة حتى يبدو صلاحها. وسئل الإمام الصادق عليه‏السلام عن النخل والثمر يبتاعهما الرجل قبل أن تثمر؟. قال: لا حتى تثمر وتأمن ثمرتها من الآفة فاذا اثمرت فابتعها أربعة أعوام مع ذلك العام أو أكثر أو اقل.. وقال: اذا كانت فاكهة في موضع واحد فاطعم بعضها فقد حل بيع الفاكهة كلها واذا كان نوعاً واحداً ـ

أي لم يطعم بعضها ـ فلا يحل بيعه حتى يطعم فان كان انواعاً متفرقة فلا يباع منها شيء حتى يطعم كل منها وحده ثم تباع تلك الانواع .

ويجوز بيع الثمر مع اصولها قبل بدو الصلاح وبعده.. والمراد ببدو الصلاح أن تبلغ المثرة مبلغاً يؤمن عليها من الآفة كثمر النخل يصفر أو يحمر والحب ينعقد وما إلى ذاك مما يعرفه أهل الخبرة والاختصاص .

 

 

يجوز بيع أصول الخضار والقبول مطلقاً كاصل الباذنجان والطماطم والخيار والباقلاء ـ أي الفول ـ يجوز بيعها بالذات قبل ان يظهر ثمرها لأنها من الاعيان التي لها مالية في نظر العرف فتكون والحال هذه لها قابلية التملك والتمليك أمّا بيع ثمرها من غير أصولها كبيع لقطة منها أو أكثر فلا يجوز إلاّ بعد الظهور والانعقاد فاذا ظهر جاز البيع لقطة أو لقطتين أو ثلاثاً اجماعاً بشهادة صاحب الجواهر حيث لا جهالة ولا غرر بعد الضطهور والانعقاد. وسئل الإمام عليه‏السلامعن ورق الشجر: هل يصلح شراؤه ثلاث خرطات أو اربعاً؟. قال: اذا رأيت الورق في شجرة فاشتر منه ما شئت من خرطات .

وقال الفقهاء: ان ظهور اللقطة الاولى بمنزلة الضميمة إلى الثانية ومن هنا صح البيع والذي نراه أن سبب الصحة ليس انضمام الموجود إلى المعدوم بل لأن ما ظهر من الاولى يدل على ما لم سيظهر من الثانية ـ في الغالب ـ والمرجع في معرفة اللقطة إلى  العرف فما دل على صلاحيته للقطع يقطع وما دل على عدمه لصغره فلا يقطع . واستثنى الفقهاء من ذلك الخضار المستورة في الأرض كالبطاطس والثوم والجزر وقالوا: لا يجوز بيعها ولا الصلح عليها ولا يحكّم العرف فيها وان كانت موجودة لأنها غير مرئية ولا موصوفة فبطل بيعها للجهالة والغرر .

ويلاحظ بأن التعليل بالجهالة والغرر معناه أن الاستتار في الارض من حيث هو لا يوجب البطلان وانما الموجب هو نفس الجهالة وهذا اعتراف صريح بأن الجهالة اذا ارتفعت صح البيع وان كان المبيع مستوراً وما من شك أن التعرف على الخضار المستورة في الارض غير محال فاذا امكنت معرفتها بطريق من الطرق صح بيعها .

 

 

لا يجوز بيع ناتج الزرع قبل انعقاده بحيث يكون الزرع للبائع وناتجه للمشتري لأن الناتج والحال هذه معدوم وبيعه يستلزم الغرر كما تقدم أجل يجوز بيع الزرع نفسه مطلقاً سواء انعقد الحب أو لم ينعقد لأنه من الاعيان المملوكة ولقول الإمام الصادق عليه‏السلام: لا بأس بأن تشتري زرعاً أخضر ثم تتركه حتى تحصده ان شئت أو تعلفه قبل أن يسنبل وهو حشيش .

 

 

المراد بالمزابنة ـ هنا ـ أن تبيع ثمر النخل وهو على أصله بمقدار معلوم من التمر أمّا المحاقلة فهي بيع السنبل بمقدار معين من حبه .

وأجمع الفقهاء على عدم جواز بيع ثمار النخل بتمر منها لقول الإمام الصادق عليه‏السلام: نهى رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلمعن بيع المزابنة والمحاقلة ولأنه يستلزم اتحاد الثمن والمثمن واختلفوا في بيعها بتمر من غيرها والمشهور المنع وعدم الجواز لأنه لا يؤمن أن يؤدي إلى الربا إذ المفروض أن بيع الجنس بجنسه مع التفاضل ربا محرم اذا كان من المكيل أو الموزون كما تقدم في الفصل السابق .

أمّا الفواكه الاُخر غير التمر اذا كنت موزونة فحكمها عند المشهور حكم التمر لا يجوز بيعها مقدار منها ولا من غيرها اذا كان من جنسها كبيع العنب بالعنب والتفاح بالتفاح ويجوز بغير جنسها .

واتفقوا على أن بيع السنبل بحب منه لا يجوز واختلفوا في بيعه بحب من غيره ولكنه من جنسه كبيع سنبل الحنطة بحنطة أخرى وذهب المشهور إلى عدم الجواز .

ويصح بيع الزرع قبل أن يصير سنبلاً يصح بيعه بحب من جنس ما يؤول إليه أو من جنس آخر لأنه حشيش غير مطعوم ولا مكيل ولا موزون فلا يتحقق الربا . وخير الوسائل لمن أراد أن يبيع الثمرة على أصلها بمقدار من جنسها أو يبيع السنبل كذلك خير الوسائل أن يبيعها بثمن معين نقداً ثم يشتري من المبتاع مقداراً معيناً من الثمرة أو الحب بالثمن الذي باعه فيه ويعين وقت التسليم فيدخل في باب السلم .

 

 

العرية هي النحلة الواحدة يملكها الرجل في دار رجل آخر أو أرضه وقد استثنى الفقهاء من عدم جواز بيع ثمر النخل بالتمر استثنوا العرية وقالوا: يجوز أن يشتري ثمرها بمقدار معين من التمر يدفعه حالاً ولا يجوز تأجيله ولا يشترط القبض في المجلس بل التعجيل باية صورة تكون كما جاء في الحدائق والجواهر قال الإمام الصادق عليه‏السلام: رخص رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلمأن تشتري العرايا بخرصها تمراً ([1]) .

وهذا الحكم يختص بالنخلة الواحدة فقط ولا يتعدى إلى النخلتين فأكثر ولا إلى شجرة من غير النخل اقتصاراً فيما خالف الاصل على موضع اليقين من حرفية النص .

___________________________________________

[1] من معاني الخرص التقدير يقال خرص النخلة اذا قدر ما عليها من الثمر .

 

مسائل  :

1 ـ اذا اشترى الثمرة على الشجرة أو اشترى الزرع ولم يحدد المتعاقدان وقتاً للقطف أو الحصاد حين التعاقد وجب أن يبقى كل شيء إلى أوانه فلا يتعجل البائع على المشتري ولا يؤجل هذا عن الأوان والمرجع في ذلك العرف وحده .

2 ـ يجوز للبائع أن يستثني ثمرة شجرة بعينها أو أكثر اجماعاً ونصاً ومنه أن الإمام عليه‏السلامسئل عن رجل يبيع الثمر ويستثني كيلاً أو ثمراً؟ قال: لا بأس به .

3 ـ اذا قبض المشتري الثمرة أي أن البائع خلى بينه وبينها ثم تلفت كان التلف من مال المشتري لا من مال البائع قال صاحب الجواهر: «هذا هو الأشبه بالاصول والقواعد لخروجه عن الضمان بالقبض فلا انفساخ ولا فسخ» .

واذا كان الهلاك قبل القبض فهو من مال البيع لقاعدة: «كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه» .

واذا هلك البعض دون البعض انفسخ العقد بالنسبة إلى الهالك بحصته من الثمن وصح بالنسبة إلى الباقي السليم بحصته من الثمن أيضاً وللمشتري حق الخيار في الفسخ لتبعيض الصفقة قال صاحب الجواهر: «بلا خلاف فيه عندنا» .

واذا أتلف الثمار والزرع اجنبي قبل القبض فالمشتري بالخيار بين الفسخ وبين مطالبة المتلف بالبدل من المثل أو القيمة .

4 ـ يجوز أن بيع ما اشتراه من الثمار والخضار والزرع قبل القبض وبعده بزيادة أو نقيصة لأنه مالك وسئل الإمام عليه‏السلامعن رجل اشترى الثمرة ثم باعها قبل القبض؟. قال: لا بأس به.. اذا وجد ربحاً فليبع .

5 ـ اذا مر الانسان صدفة ومن غير قصد بشجرة الفاكهة أو الخضار جاز له أن يأكل منها قدر حاجته على شريطة ان لا يحمل منها شيئاً وان لا يعلم أو يظن بعدم رضا المالك.. قال صاحب الجواهر: «هذا ما رواه اصحابنا واجمعوا عليه لأن الاخبار بذلك متواترة والاجماع منعقد ولا عبرة بخبر أو قول شاذ متروك.. قال الإمام الصادق عليه‏السلام: «لا بأس بالرجل يمر بالثمرة ويأكل منها ولا يفسد ولا يحمل شيئاً فقد نهى رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلمأن يبنى الحيطان في المدينة لمكان المارة» .