!مَن يشتري مَن ؟

نقل الخيّر التقي الحاج مهدي البهبهاني الذي ساهم في تشييد حرم السيدة زينب عليها السلام مساهمة سخيّة في الشام : انني كنت جالساً عند المرجع العظيم المرحوم آية الله السيد أبي الحسن الاصفهاني (رحمه الله) المتوفّى سنة 1365 هـ و رأيت الحاج عبد الهادي الاسترابادي عنده و هو من الشخصيات المرموقة في العراِ آنذاك ، قد دخل و قبّل يد السيد الاصفهاني و قال : انه مُرسل من طرف نوري السعيد ـ رئيس الوزراء العراِ و كانت سلطته أوسع من سلطة ملك العراِ ـ يريد منكم لقاء لمدة دقائق للسفير البريطاني و مندوب بريطانيا الخاص القادم من لندن . 

 

و كان هذا بعد المعارك الدامية التي جرتْ على أرض العراِ بين المسلمين بقيادة علماء الدين و المرجعية الشيعية و بين جنود الاحتلال البريطاني .

 

فقال له السيد الاصفهاني : انّ مندوب الحكومة البريطانية و سفيرها يريدوننا و نحن نتهرّب ، لأنهم خدعوا الناس و خانوا العهود و جنوا عليهم .

 

فأصرّ الاسترابادي على أن يسمح السيد بهذا اللقاء .

 

فقال السيد بعد تأمل قليل : لابأس .

 

فقال الاسترابادي : اسمحوا أن يكون اللقاء سريّاً مغلقاً !

 

فردّ السيد الاصفهاني بصرامة : أبداً ، لايمكن هذا الشيء .

 

و هكذا أمر السيد أن يحضر في هذا اللقاء كلّ من آية الله ضياء الدين العراقي و آية الشيخ محمد حسين الكمپاني و المرحوم الخونساري و الشيخ محمد كاظم الشيرازي و المرحوم جمالي الخراساني و غيرهم من كبار الفقهاء و الاساتذة في الحوزة ، ذلك لأن المرجع الأعلى السيد الاصفهاني يؤمن بمبدأ الشورى و المشاركة الجماعية ، خاصة في الامور المتعلقة بالجميع و فيها مصير و سمعة الأمة و المذهب و الحوزة ، و الشورى صيغة لتتضيج رأي وليّ الفقيه و ليس بديلا عنه .

 

و هكذا حان وقت اللقاء ، فدخل السفير البريطاني و مندوب الحكومة البريطانية و معهما رئيس وزراء العراِ نوري السعيد . . قبّلوا يد السيد الاصفهاني الكبير و جلسوا ثم قدّموا تحيات الحكومة البريطانية عبر المترجم المرافق ، و قالوا : ان بريطانيا في الحرب العالمية الثانية ( نذرتْ ) إنْ غلبتْ المانيا سوف تقدّم مساعدات مالية الى المعابد و كبار علماء الدين في العالم كله ، و ذلك شكراً لله على نعمة الغلبة على العدوّ ! و الآن حيث انتصرتْ بريطانيا في الحرب جئنا نقدّم الى زعماء الاديان الكبرى في العالم ما نذرناه ! فلقد ذهبنا الى البابا في الفاتيكان و قدّمنا اليه المنحة المنذورة ، و الآن جئنا الى سماحتكم في النجف الاشرف لنقدّم لكم المساعدة المنذورة !

 

تأمل السيد الاصفهاني لحظات و قال : لامانع .

 

فاستغرب العلماء الحاضرون من قبول السيّد بهذه المنحة البريطانية لأن المعهود منه و من المرجعية الشيعية رفض هذه الامور جملةً و تفصيلا . خاصة أن السفير و المندوب البريطانيَّيْن كانا قد أُخبَرا من قبل أن زعيم المسلمين الشيعة ليس كالبابا زعيم المسيحية .

 

فأسرع المندوب البريطاني و أخرج الصكّ قبل أن يتغير رأي السيد الاصفهاني ، و فيه مائة ألف دينار عراقي يعادل ( ميليونَيْ تومان ) و هو مبلغ غير قليل بالنسبة الى ذلك الزمان . إلاّ أن السيد الاصفهاني فاجأ الجميع بأخذه الصكّ و الاطلاع على محتواه و كتابة حوالة قدرها مائة ألف دينار عراقي فقدّمه مع صكّه الى المندوب البريطاني قائلا : هذه مائتا ألف دينار مساعدة منا الى أهالي الجنود المسلمين الذين جنّدتهم بريطانيا من بلاد الهند و قُتلوا في حرب العراِ ، فالرجاء إيصالها و صرفها عليهم في الهند !

 

هنا نكس أعضاء الوفد رؤوسهم دقائق ثم قاموا مودِّعين في الوقت الذي انبهر الحاضرون بحنكة السيد الاصفهاني .

 

يقول الحاج ناقل هذه القصة : لمّا خرجوا من عند السيد عاد نوري السعيد بسرعة و قبَّل يد السيد الاصفهاني بشوِ و سرور و هو يقول له : أنا فداء لكم ، إنني من أهل البيت ( يقصد انه سيّد من ذرية رسول الله ) إن العلماء الذين يمتلكون هذه الروح الكبيرة قليلون مع الأسف . و أضاف هل تعلم ماذا قال مندوب بريطانيا بعد خروجنا من عندك ؟ !

 

فقد قال بانبهار و دهشة : يجب على ( شرشيلنا ) أن يستقيل عن منصبه ، و يجلس مكانه هذا السيد العظيم . نحن نريد أن نستعمر الاسلام و قد غفلنا عن أن هذا السيد العظيم بعلمه و درايته و عقله و تدبيره جعل بريطانيا مستعمرة للاسلام .

 

و على حدّ تعبير الخطيب الشهير سماحة الشيخ محمد تقي الفلسفي : إن المندوب البريطاني قال : جئتُ لأشتري مرجع الشيعة فاشتراني !