الأشياء المخلوقة لمآرب الإنسان و إيضاح ذلك

 فكر يا مفضل في هذه الأشياء التي تراها موجودة معدة في العالم من مآربهم فالتراب للبناء و الحديد للصناعات و الخشب للسفن و غيرها و الحجارة للأرحاء و غيرها و النحاس للأواني و الذهب و الفضة للمعاملة و الذخيرة و الحبوب للغذاء و الثمار للتفكه و اللحم للمأكل و الطيب للتلذذ و الأدوية للتصحح و الدواب للحمولة و الحطب للتوقد و الرماد للكلس و الرمل للأرض و كم عسى أن يحصي المحصي من هذا و شبهه أ رأيت لو أن داخلا دخل دارا فنظر إلى خزائن مملوءة من كل ما يحتاج إليه الناس و رأى كلما فيها مجموعا معدا لأسباب معروفة أ كان يتوهم أن مثل هذا يكون بالإهمال و من غير عمد فكيف يستجيز قائل أن يقول هذا من صنع الطبيعة في العالم و ما أعد فيه من هذه الأشياء اعتبر يا مفضل بأشياء خلقت لمآرب الإنسان و ما فيها من التدبير فإنه خلق له الحب لطعامه و كلف طحنه و عجنه و خبزة و خلق له الوبر لكسوته فكلف ندفه و غزله و نسجه و خلق له الشجر فكلف غرسها و سقيها و القيام عليها و خلقت له العقاقير لأدويته فكلف لقطها و خلطها و صنعها و كذلك تجد سائر الأشياء على هذا المثال فانظر كيف كفى الخلقة التي لم يكن عنده فيها حيلة و ترك عليه في كل شي‏ء من الأشياء موضع عمل و حركة لما له في ذلك من الصلاح لأنه لو كفى هذا كله حتى لا يكون له في الأشياء موضع شغل و عمل لما حملته الأرض أشرا و بطرا و لبلغ به ذلك إلى أن يتعاطى أمورا فيها تلف نفسه و لو كفى الناس كلما يحتاجون إليه لما تهنئوا بالعيش و لا وجدوا له لذة أ لا ترى لو أن امرأ نزل بقوم فأقام حينا بلغ جميع ما يحتاج إليه من مطعم و مشرب و خدمة لتبرم بالفراغ و نازعته نفسه إلى التشاغل بشي‏ء فكيف لو كان طول عمره مكفيا لا يحتاج إلى شي‏ء فكان من صواب التدبير في هذه الأشياء التي خلقت للإنسان أن جعل له فيها موضع شغل لكيلا تبرمه البطالة و لتكفه عن تعاطي ما لا يناله و لا خير فيه إن ناله