مسقطات الشفعة وتوريثها والتنازع

المسقطات :

تسقط الشفعة بأحد الأسباب التالية :

1 ـ أن يتلف المبيع بتمامه قبل الأخذ بالشفعة، فتسقط لارتفاع موضوعها، وإذا تلف بعضه بآفة سماوية تخير الشفيع بين ترك الشفعة، أو أخذ الباقي بتمام الثمن الذي وقع عليه العقد، وتقدم الكلام في ذلك في الفصل السابق فقرة: «نقص المبيع في يد المشتري» .

2 ـ أن يتنازل الشفيع عن الشفعة بعد البيع، لأنها حق له، ولكل ذي حق أن يتنازل عن حقه .

3 ـ أن يتنازل عن الشفعة قبل البيع.. وقيل: لا أثر لهذا التنازل، لأنه اسقاط للحق قبل ثبوته .

ونحن مع صاحب الجواهر الذي أسقط الشفعة بهذا التنازل، فقد جاء في الحديث الشريف عن الرسول الأعظم  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم: «لا يحل أن يبيع، حتّى يستأذن شريكه، فان باع، ولم يأذن فهو أحق به» ومعنى هذا أن الشريك إذا أذن بالبيع فلا شفعة له، لأن الاذن بالبيع يشعر بالاعراض عن الشفعة، فالرسول الأعظم  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم أعطى للشريك الحق بالاذن بالبيع والمنع عنه قبل صدوره، وإذا كان له الحق قبل البيع فله اسقاطه قبل البيع أيضاً، قال صاحب الجواهر: «لا ينبغي الاشكال في عدم الشفعة مع صدور البيع مبنياً على أنّه لا شفعة للشريك بإذنه ـ ثمّ قال ـ ويكفي لصحة الاذن تعلق الحق على الوجه الذي سمعته من النص».. يريد بالنص الحديث النبوي المذكور. هذا، إلى أن الشفعة انما شرعت للارفاق بالشريك، ودفع ما يتوقع من ضرر الدخيل، أي الشريك الجديد، ولا ضرر مع الرضا بترك الشفعة، سواء تقدم على البيع، أو تأخر عنه .

4 ـ جاء في كتاب مفتاح الكرامة نقلاً عن كتاب المقنعة، والنهاية، والوسيلة، وجامع الشرائع: «ان البائع اذا عرض على الشفيع البيع بثمن معين فرفض الشراء، وباع الشريك بذلك الثمن، أو زائداً عليه لم يكن لصاحب الشفعة المطالبة بها، أما إذا باع بأقل من الثمن الذي عرضه على الشفيع كان له المطالبة بها» .

5 ـ إذا علم بالشفعة، ولم يبادر إلى الأخذ بها من غير عذر يوجب التأخير، بحيث يعد مقصراً ومتوانياً سقط حقه في الشفعة .

6 ـ إذا وقع البيع على ثمن معين، ثمّ ظهر انّه مستحق للغير بطلت الشفعة لبطلان عقد البيع الذي هو موضوع الشفعة، وكذلك إذا تلف قبل قبضه .

7 ـ إذا أخرج الشفيع سهمه عن ملكه بالبيع أو الهبة، وما إليها بعد أن باع الشريك سقط حقه في الشفعة، سواء أكان عالماً بالبيع أو جاهلاً به، لأن ضابط الأخذ بالشفعة أن يكون شريكاً حين الأخذ بها، لا قبلها، ولذا لا تثبت الشفعة بعد القسمة، كما تقدم .

8 ـ قال جماعة من الفقهاء: تسقط الشفعة إذا وجدت القرائن التي تدل على رضا الشفيع بالبيع، مثل أن يشهد البيع، ويسكت، أو يبارك للبائع أو المشتري، أو يكون وكيلاً عن الأول في البيع، أو عن الثاني في الشراء، أو يضمن للمشتري درك المبيع اذا ظهر مستحقاً للغير، أو يضمن للبائع درك الثمن كذلك .

ويلاحظ بأن الرضا بالبيع شيء، والرضا بترك الشفعة والاعراض عنها شيء آخر، والذي تسقط معه الشفعة هو الرضا الثاني، دون الأول، اذ من الجائز أن يكون غرض الشفيع ايجاد السبب الذي يستحق به الشفعة، كما قال صاحب الجواهر.. أجل، اذا دلت القرائن على أنّه أراد من الرضا بالبيع الرضا بترك الشفعة سقطت، وإلاّ فلا أثر للرضا بالبيع من حيث هو .

9 ـ اذا تصالح المشتري والشفيع على ترك الشفعة لقاء عوض يدفعه الأول للثاني صح الصلح، وسقطت الشفعة، لأنها حق مالي كالخيار، فينفذ فيها الصلح، لأن دليله، وهو قول الرسول الأعظم  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم: «الصلح جائز» عام للشفعة ولغيرها إذا لم

يحلل حراماً، أو يحرم حلالاً، وإذا اصطلحا على أن يكون عوض الشفعة بعض المبيع صح، لأنه من الصلح الجائز .

 

 

إذا سقطت الشفعة بأحد الاسباب الموجبة، ثمّ مات الشفيع فلا يحق لورثته المطالبة بها، لأن الساقط لا يعود.. أما إذا مات الشفيع، وهو يملك حق الشفعة فقد ذهب أكثر الفقهاء بشهادة صاحب الحدائق وغيره إلى أن الشفعة تنتقل إلى ورثته، تماماً كسائر أمواله، واستدلوا بالآيات والأحاديث الدالة على أن الوارث يقوم مقام المورث، ومنها الحديث الشريف: «ما ترك الميت من حق فهو لوارثه»، وبأن الفقهاء قد اجمعوا على أن حق الخيار، وحق المطالبة بحد القذف والقصاص ينتقل إلى الوارث.. وبديهة أن الشفعة في معنى الخيار، فيكون حكمها حكمه في عدم السقوط .

وقال آخرون: تبطل الشفعة بموت الشفيع، واستدلوا برواية ضعيفة، وبأن الشفعة ترتبط وجوداً وعدماً بالبيع، وملك الورثة حادث بعد البيع .

والواقع أن هذا القول ضرب من المغالطة، لأن الورثة يستحقون الشفعة بسبب مورثهم الذي استحقها عند البيع، فحدوث ملك الورثة لا يمنع من سبق الشفعة، ووجودها من قبل، كما لا يمنع كثرة الورثة وتعددهم إذا كان الأصل الأول الذي ورثوا الشفعة منه واحد.

 

 

قد يتعدد الورثة، وتكون سهامهم متفاوتة، كما لو ترك الشفيع بنتاً وابناً، فان للبنت في كتاب اللّه‏ سبحانه الثلث، وللابن الثلثين، هذا في الأموال، أما حق الشفعة فهل يقسم كذلك على السهام المفروضة في كتاب اللّه‏، فيكون للبنت من الشفعة الثلث، والباقي للابن، أو يقسم على الرؤوس لا على السهم، فيكون لكل من البنت والابن النصف من الشفعة؟.

اتفق الفقهاء بشهادة صاحب الجواهر على أن كلّ وارث يستحق من الشفعة باعتبار سهمه من تركة المورث، لا باعتبار نفسه، وذلك أن جميع الورثة قد ملكوا من الموت، لا من المشتري، ولا فرق بين حق الشفعة وغيرها مما ترك الميت .

ثمّ أن الشفعة لما كانت واحدة لا تتجزأ فحق الورثة فيها أيضاً واحد لا يتجزأ، وعليه، فاما أن يأخذ الورثة المبيع كاملاً، وامّا أن يتركوه كذلك.. واذا عفى أحد الورثة، وأسقط نصيبه من الشفعة ينحصر حق الشفعة بمن لم يسقط حقه، وهذا بدوره أما أن يأخذ الجميع، وامّا أن يدع الجميع، وليس له أن يأخذ بمقدار سهمه فقط حذراً من التبعيض.. وبالايجاز ان حق الشفعة لا يمكن فيه التجزئة بحال، سواء اتحد المستحق، أو تعدد، فاذا كان أكثر من واحد فليس له أن يأخذ بالشفعة ما لم يوافقه الشركاء الباقون، وان اسقط حقه كان كأنّه لم يكن، وانحصر الحق بمن لم يعف.. كلّ ذلك للفرار من التبعيض والتجزئة.

 

 

اذا اختلف المشتري والشفيع فى مقدار الثمن، فقال الأول: اشتريته بألفين. وقال الثاني: بل بألف، فمن هو المدعي، ومن المنكر ؟

ينبغى التنبيه قبل كلّ شيء إلى أن شهادة البائع هنا لا أثر لها، ولا تقبل اطلاقاً، سواء أشهد مع المشتري، أو مع الشفيع، لأن المعيار لقبول شهادة الشاهد أن لا يكون الشيء المشهود به من فعله، وبديهة أن الثمن المتنازع عليه قد جرى بين البائع والمشتري، فلا تقبل شهادة فيه. ثمّ أن وجدت بينة شرعية تثبت قول المشتري، أو الشفيع تعين العمل بها، وإلاّ فقد ذهب المشهور بشهادة صاجب الجواهر إلى أن القول قول المشتري بيمينه، لأنه لا يدعي شيئاً على الشفيع، وكلّ امنيته أن يترك وشأنه. ومن هنا ينطبق عليه تعريف المنكر، وهو ما لو ترك لم يترك.. هذا، إلى أن المشتري مالك للمبيع، ويده عليه، والشفيع يريد انتزاعه منه، وقد تسالم الجميع على أن الأصل أن لا يؤخذ المال ممن هو في يده إلاّ بالبينة .

وتسأل: ان من الأصول المتسالم عليه أيضاً ان التخاصم اذا وقع بين اثنين على الأقل والأكثر أخذ بقول من يدعي الأقل، لأن الأصل عدم الزيادة .

والجواب: ان هذا الأصل صحيح فيما اذا ادعى أحد المتخاصمين أن له في ذمة الاخر عشرة ـ مثلاً ـ وقال المدعى عليه: بل لك عليّ خمسة، لا عشرة، فيؤخذ بقول مدعي الأقل، لأصل عدم الزيادة، وهذا اجنبى عما نحن فيه، لأن المفروض أن المشتري لا يدعي شيئاً على الشفيع، وانما الشفيع هو الذي يدعي الاستحقاق على المشتري، قال صاحب الجواهر :

«القول قول المشتري بيمينه، لأنه هو الذي ينتزع الشيء من يده، ولأنه هو اعرف بالعقد، ولأنه الغارم، ولأنه ذو اليد، ولأنه الذي يترك لو تُرك، ولأن المشتري لا دعوى له على الشفيع، اذ لا يدعي عليه شيئاً في ذمته، ولا تحت يده، وانما الشفيع يدعي استحقاق ملكه بالشفعة بالقدر الذي يعترف به الشفيع، والمشتري ينكره، ولا يلزم من قوله اشتريته بالأكثر أن يكون مدعياً، وان كان خلاف الأصل، لأنه لا يدعي استحقاق ذلك على الشفيع، ولا يطلب تغريمه إياه» .

وكلّ هذا حقّ وصحيح، ومع ذلك ينبغي أن لا يؤخذ بقول المشتري اذا وجدت قرائن تدل على اتهامه، كما لو ذكر ثمناً باهظاً جداً، أكثر بكثير من الثمن المالوف والمعتاد .

2 ـ اذا قال المشتري للشفيع: أنا غرست وبنيت بعد أن اشتريت فقال الشفيع: كلا، بل كان الغرس والبناء قبل أن تشتري فالقول قول المشتري بيمينه، لأن البناء والغرس ملك له، والشفيع يدعي عليه الحق في تملكهما فعليه الاثبات .

3 ـ اذا ادعى أحد الشريكين أنّه باع نصيبه من اجنبي، وانكر الأجنبي ذلك، وحلف اليمين سقطت دعوى الشريك، ولكن هل للشريك الثاني أن يطالب شريكه الذي ادعى أنّه باع سهمه أن يطالبه بحق الشفعة، لمكان اعترافه بالبيع ؟

قال جماعة من الفقهاء: له ذلك، لحديث: «اقرار العقلاء على أنفسهم جائز» .

وذهب آخرون منهم صاحب الجوهر، إلى عدم ثبوت الشفعة في هذه الحال، لأن ثبوتها فرع من ثبوت البيع، والمفروض عدم ثبوته، والاجماع والنص صريحان بأن الشفيع يأخذ من المشتري، لا من البائع، أما اقرار البائع بأنه باع الأجنبي فلا أثر له اطلاقاً بالنسبة إلى الشفيع، بخاصة بعد أن سقطت دعواه .

4 ـ اذا قال المشتري لمدعي الشفعة: أنت أجنبي، ولست بشريك، فلا شفعة لك فان كانت يد مدعي الشفعة على المبيع فالاثبات على المشتري، وإلاّ فعلى مدعي الشفعة أنى ثبتها بالبينة .

5 ـ سبق أن الشفعة انما تثبت لمن كان شريكاً حين البيع، ويخرج سهمه عن ملكه قبل الأخذ بالشفعة، وعليه فمن أراد أن يأخذ بالشفعة يجب أن يثبت أنّه كان مالكاً عند البيع، ويتفرع على ذلك أن أحد الشريكين اذا باع سهمه من زيد ـ مثلاً ـ والشريك الآخر باع سهمه من عمرو، وحصل البيع من الاثنين دفعة واحدة فلا شفعة لأحد المشتريين على الآخر، للتساوي وعدم السبق.. واذا تقدم شراء أحدهما، وتأخر شراء الآخر فالشفعة للسابق على اللاحق.. واذا ادعى السبق كلّ منهما، ولا بينة تعيّن تاريخ بيعهما، أو بيع أحدهما فكل منهما مدعٍ ومنكر في آن واحد، أي يدعي الشفعة لنفسه، وينفيها عن غيره، والحكم في المتداعيين هو التحالف، فاذا حلف كلّ من المشتريين استقر ملكه على ما اشتراه، وتكون النتيجة عدم الشفعة لكل منهما .

وإذا طالب أحدهما بالشفعة دون الآخر فعلى مدعي الشفعة البينة، وعلى الآخر اليمين، لأن الشرط في ثبوت الشفعة هو سبق ملكية الشفيع، كما أشرنا، وبديهة أن مجرد الشك في وجود الشرط كافٍ لنفي المشروط.. ويكفي أن يحلف المنكر على نفي الشفعة، ولا يطلب منه أن يحلف على أنّه السابق دون غيره، لأن الغرض من الدعوى استحقاق الشفعة، واليمين على نفي الاستحقاق يحقق الغرض المطلوب.. وهكذا في جميع الدعاوى لا يطلب من الحالف إلاّ نفي موضوع الدعوى الذي يراد اثباته .