باب الحادس عشر فيما جاء في خاتمهم وتملكه وبقائه عليه السلام

الصفحة 218 

وفيه فصول:

فصل (1)

إنه قد مضى في النصوص المتواترة على آبائه عليهم السلام أخبار جمة في خروجه و بقائه وسنورد إن شاء الله في هذا الباب أخبارا من طرق العامة والخاصة توجب القطع بوجوده، والانكار على جاحده، وقد أسلفنا في كتابنا هذا بيان أن الإمامة ركن عظيم من أركان الاسلام، وأن الدين يكون متلاشيا بفقد الإمام، وقد أنزل الله على نبيه عند نصبه عليا علما لدينه (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي(1)).

والمخالف يقول بهواه المزين: إن الإمامة ليست من أركان الدين فقد اتبع ما تتلو الشياطين، حيث عدل عن الكتاب المبين، وقد جعلوا من أركان الدين أصول العبادات، وإنما هو حاصل بجحد المعبود الأعظم، والنبي الأكرم والإمام الأقدم، ونحو ذلك مما علم ضرورة من الدين القويم، وتلقته الأمة بالقبول و التسليم.

إن قلت: فإذا كان كمال الدين قد حل بأمير المؤمنين فلا حاجة في كماله إلى الباقين قلت: الأئمة كلهم في حكم والدهم، وسنورد من ذلك طرفا في اتحادهم في التقدم، والفضل، والخلق، والعقل، والعدل، والجد، والأصل، والمجد

____________

(1) المائدة: 6.

الصفحة 219 

والنبل، حتى قيل: إنهم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها، وكالنقطة التي تستوي الدائرة بها.

ولأن كل من قال بإمامته لعصمته ونص الله ورسوله، قال بإمامتهم لوجود العلة فيهم، فمن قال بغيرهم فقد خرج عن إجماعهم.

ولأن الإمامة لطف عقلي في التكليف، واجب في الحكمة على الخبير اللطيف وقد علم موت آباء المهدي عليهم السلام، فلولا وجوده لخلا الزمان عن اللطف الذي هو الإمام، وقد جرت عادة الملك الديان، بنصب الأنبياء والأوصياء في جميع الأزمان.

وقد أسند أبو داود ذلك في صحيحه إلى علي عليه السلام وإلى أم سلمة أيضا والبغوي في شرح السنة، ومسلم والبخاري إلى أبي هريرة والترمذي إلى ابن مسعود والثعلبي إلى أنس وسيأتي.

وأسند الثعلبي في تفسير (يوم ندعوا كل أناس بإمامهم(1)) قول النبي صلى الله عليه وآله: كل قوم يدعون بإمام زمانهم.

قالوا: فابن قانع وعبد الرزاق وابن الجوزي ومحمد بن إسحاق أجمعوا على أن العسكري مات لا عن عقب، قلنا: ذلك باطل، أول ما فيه أنهم خصوم هذه المسألة، والثاني شهادتهم على نفي فهي مردودة، والثالث أنه منقوص؟ بما جاء من طريق المخالفين فضلا عما تواتر من أحاديث المؤمنين.

فقد ذكر الكنجي الشافعي في كتاب المناقب قريبة من آخره من أعقب من أولاد أمير المؤمنين وذكر أن العسكري خلف ابنه وهو الإمام المنتظر، ونختم الكتاب بذكره مفردا. هذا آخر كلامه.

وقال أبو المظفر سبط الجوزي في الخصائص: وقد ذكرنا وفاة الحسن بن علي وأنها سنة ستين ومائتين وذكر أولاده منهم محمد الإمام ومثله رواه محمد بن طلحة الشافعي خطيب دمشق وقال فخر المحققين رحمه الله في كتابه: تحصيل النجاة:

الصحيح أن العسكري توفي بعد أن بلغ ولده الخلف الصالح عشر سنين.

____________

(1) الإسراء: 71.

الصفحة 220 

وبالجملة فتواريخ مواليد الأئمة مشهور في إرشاد المفيد وكشف الغمة وغيرهما، ولله النعمة، وقد أسلفنا ذلك قريبا ولو سلم نقصه عن ذلك لم يضر شيئا في إمامته كما في يحيى ونحوه، فقد قال الله فيه: (وآتيناه الحكم صبيا(1)) وجعل عيسى في المهد نبيا وقد روى الخصم تفضيل المهدي على عيسى. عليهما السلام وقد ذكر أبو العلاء وهو من أعاظم الجمهور: أن عيسى بن مريم يصلي خلفه وأخرج نعيم بن حماد في كتاب الفتن وهو من أعيانهم وثقاتهم قول عيسى للمهدي:

إنما بعثت وزيرا ولم أبعث أميرا، ولا شك أن الأمير فوق الوزير.

ومن الكتاب أيضا عن محمد بن سيرين وذكر فتنة تكون فقال: إذا كان ذلك فاجلسوا في بيوتكم حتى تسمعوا على الناس بخير من أبي بكر وعمر، قيل: خير من أبي بكر وعمر؟ قال: قد كان يفضل [ علي ] على بعض الأنبياء.

ومن الكتاب المذكور أيضا سئل ابن سيرين: المهدي خير أم أبو بكر و عمر؟ قال: هو خير منهما.

وقد روى أبو نعيم في كتاب نعوت المهدي وخروجه، وما يكون في زمانه ومدته ونحو ذلك، مائة وستة وخمسين حديثا بأسانيدها وروى الجعب المنادي في كتابه الذي سماه (الفيض على محدثي الأعوام بنباء ملاحم غابر الأيام) في خروج المهدي ثمانية عشر حديثا بأسانيدها أيضا وسيأتي في الفصل الخامس والثاني عشر أحاديث من ذلك من ثقاتهم فلتلحظ منها.

قالوا: يبعد بقاؤه هذه المدة الطويلة قلنا: وهل يستبعد ذلك إلا من سلب الله قدرته، وقد مضى في السوالف نحوه، فقد بعث الله شعيب إلى خمس أمم، ولبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، وروي أنه عاش ألفا وأربعمائة سنة، وعاش لقمان النسوري ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة، وقيل: عاش عمر سبعة أنسر، وسمي آخرها لبد، وقال: طال الأبد على لبد. وقيل فيه:

 

يا نسر كم تعمري تعيش وكم  تسحب ذيل الحياة يا لبد

 

____________

(1) مريم: 12.

الصفحة 221 

وقال الأعشى:

 

بنفسك أن تحيى لسبعة أنسر   إذا ما فنى نسر خلوت إلى نسر

فعمر حتى خال أن نسوره       خلود وهل تبقى النفوس على الدهر

وقال لأدناهن أدخل ريشه       هلكت وأهلكت ابن عاد وما تدري

 

وسببه أنه سأل نبيا أن يسأل الله أن يطيل عمره، فأوحى الله إليه: خيره في أن عمره عمر سبع بعراة في ظل جبل لا يصل إليها ريح ولا مطر إذ يقال: البعر إذا لم تصبه شمس ولا مطر [ أو سبعة أنسر كلما هلك نسر خلف بعده نسر ](1).

بقي دهرا وعمر عمر سبعة أنسر، وسمى آخرها لبد تفاؤلا بالأبد، فلما كبر النسر ضعف لقمان وكان يدخل القصب تحت جناحه ويقول: انهض لبد فإن هلكت أهلكتني وعاشت الأنسر ثمان مائة سنة.

وقد روى المنكر لبقاء المهدي عن نافع عن ابن عمر خبر الدجال وغيبته، وبقاءه المدة الطويلة، وظهوره آخر الزمان، وقال النبي صلى الله عليه وآله: ما بعث الله نبيا إلا أنذر قومه فتنة الدجال، وإن الله أخره إلى يومكم هذا.

قالوا: إنما أجرى الله عادته بالتطويل في غير هذه الأمة قلنا: لا يضرنا ذلك بحال، مع اتفاق الأكثر على بقاء الخضر والدجال، على أن ذلك وإن لم يقع لغيره لم يدل على نفيه عنه ويكون معجزة له، فإن كل المعجزات خوارق للعادات.

قالوا: نمنع حياة الخضر لقول النبي صلى الله عليه وآله: لو كان الخضر حيا لزارني قلنا: أخرج مسلم عن النبي صلى الله عليه وآله في الدجال أنه محرم عليه أن يدخل المدينة فينتهي إلى بعض السباخ فيخرج إليه رجل هو خير الناس فيقول: أشهد أنك الدجال الذي حدثنا النبي بحديثه. فيقول الدجال: إن قتلت هذا ثم أحييته أتشكون في أمري؟ فيقولون: لا، فيقتله ثم يحييه فيقول: ما كنت فيك قط أشد بصيرة مني الآن فيريد الدجال قتله ثانيا فلا يسلط عليه، فقال إبراهيم بن سعد:

يقال: هذا الرجل الخضر.

____________

(1) الزيادة من مجمع الأمثال ج 1 ص 429.

الصفحة 222 

وذكر قول الخضر (حدثنا رسول الله صلى الله عليه وآله) دل حديثه على اجتماعه برسول الله صلى الله عليه وآله، وفيه تكذيب (لو كان حيا لزارني).

تذنيب:

ذكر الصدوق في رواية أن اسمه خضرون ابن قابيل ابن آدم ويقال: جعليا وإنه إنما سمي الخضر لأنه جلس على روضة بيضاء فاهتزت خضرا، قال: و الصحيح أن اسمه تاليا بن ملكان ابن عامر بن ارفخشد بن سام بن نوح وقد أخرجت الخبر فيه مسندا في كتاب العلل.

ثم نرجع ونقول: عيسى أيضا حي إلى الآن، قال الضحاك وجماعة أيضا من مفسري المخالف في قوله تعالى: (إني متوفيك ورافعك إلي)(1) أي بعد إنزالك من السماء، وقال الكلبي والحسن وابن جريج: رافعك من الدنيا إلي من غير موت.

ويؤكد ذلك ما رواه الفرا في كتابه شرح السنة وأخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة قول النبي صلى الله عليه وآله: كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم؟ وفي تفسير (وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته)(2) قال ابن المرتضى: قال قوم: الهاء في (موته) كناية عن عيسى أي قبل موت عيسى عند نزوله من السماء في آخر الزمان، فلا يبقى أحد إلا آمن به حتى يكون به الملة واحدة ملة الاسلام ويقع الأمنة في الناس حتى ترتع الأسود مع الإبل، والنمور مع البقر، والذئاب مع الغنم، وتلعب الصبيان بالحيات.

ولا شك أن هذه المقالة معها ظاهر الآية، إذ لم يؤمن بها منهم منذ نزولها إلى الآن، فلا بد من كون ذلك في آخر الزمان، وفي الحديث ينزل عيسى في ثوبين مهرودين أي مصبوغين بالهرد وهو الزعفران.

قالوا: في الحديث يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، ومحمد بن الحسن ليس كذلك قلنا: هذه الزيادة من طريقكم فليس حجة علينا، وقد طعن الأصوليون في ناقل الزيادة قال الكنجي وقد ذكر الترمذي الحديث في جامعه وليس فيه

____________

(1) آل عمران: 55.

(2) النساء: 159.

الصفحة 223 

(اسم أبيه اسم أبي) وذكره أبو داود وليس فيه ذلك(1).

ولو سلمت الزيادة فقد قال خطيب دمشق: المراد بالأب الحسين الذي هو الجد الأعلى وقد شاع في لسان العرب إطلاق الأب عليه، وفي الكتاب (ملة أبيكم إبراهيم)(2) (واتبعت ملة آبائي إبراهيم)(3) والمراد باسم الأب الذي هو الحسين كنيته وهو أبو عبد الله، وقد استعمل الفصحاء الاسم في الكناية وقد أسند البخاري ومسلم إلى سهل بن سعد الساعدي أن النبي صلى الله عليه وآله سمى عليا أبا تراب ولم يكن له اسم أحب إليه منه، فأطلق النبي على الجد اسم الأب، وعلى الكنية لفظة الاسم، لتكون الألفاظ مختصرة جامعة لتعريف صفات الإمام، وأنه من ولد الحسين عليه السلام وهذا بيان شاف كاف في إزالة ذلك الإشكال، فافهمه انتهى كلام الخطيب الشافعي.

قالوا: قلتم أنصاره ثلاثمائة وثلاثة عشر، فلم لا يخرج اليوم وأنصاره أكثر؟

قلنا: علمنا ذلك بالخبر، على أن الكثرة؟ لا تعتبر، فإن النبي حارب في بدر بذلك العدد، ولم يكن فيهم إلا سبعة أسياف، والباقي بجريد النخل، ولم يحارب في الحديبية ومعه ألف وسبعمائة بحسب المصلحة، وصالح الحسن معاوية في آلاف وحارب الحسين في قوم قليلين.

قالوا: كيف يمكن الغاصب التوبة وهي بتسليم حقه إليه مع غيبته، قلنا:

يكفيه خروج الغصب من يده والوصاءة لكل أحد به، وشهرة أمره.

قالوا: ظهوره مشروط بزوال خوفه، ولا علم له بما في قلوب الناس له، فلا يزول خوفه، قلنا: عندنا أن آباءه أعلموه بمدة غيبته وبعلامات وقت ظهوره بما نقلوه عن جده عن جبرائيل عن ربه، على أن خروجه يجب إذا غلب السلامة في ظنه، كما يجب النهي عند أمارة إنجاعه، وغير ممتنع أن يعلمه الله بآياته وبإلهامه أنه متى غلب على ظنه زوال خوفه، وجب خروجه تبعا لظنه الذي هو طريق إلى علمه بزوال خوفه.

____________

(1) والعجب أن ذلك موجود في نسخة سننه ج 2 ص 422.

(2) الحج: 78.

(3) يوسف: 37.

الصفحة 224 

قالوا: في حال ظهوره زوال الشبهات عن رعيته، فاللطف معدوم أو ناقص حال غيبته قلنا: هو معارض بالنبي واستتاره، على أن حال ظهوره إنما الطريق هو الاستدلال على إمامته فكان حال ظهوره مساويا لحال غيبته في لطفيته.

قالوا: قد ادعيت المهدية لإسماعيل بن جعفر، ولمحمد ابنه، ولأبي جعفر ولموسى بن جعفر، ولابن الحنفية، ولا يمكن الجمع بين هذه الأقوال، وإذا تناقضت تساقطت قلنا: إذ قامت الأدلة على ما ذهبنا إليه من قول النبي صلى الله عليه وآله:

لن يفترقا حتى يردا علي الحوض. ونحو ذلك من النصوص الواضحة، بطل ما عارضتم به.

على أن المناقضة لا توجب التساقط لامتناع كذب لنقيضين، ولو أوجبت التساقط بطل وجود الرب لقول المعطلة بعدمه، وبطل دين الاسلام لقول الكفار بكذبه، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله: ستفترق أمتي على نيف وسبعين فرقة منها واحدة ناجية، فعلى التساقط لا ناجية، والمذاهب الأربعة ساقطة لرد بعضها بعضا، ولعنة بعضها بعضا، يظهر ذلك لمن تأمل المنتظم والبخاري وتعرضه بأبي حنيفة.

قالوا: ليس فيما ذكرتم بطلان مهدية ابن الحنفية لقولهم ببقائه إلى آخر الزمان قلنا: يبطله ما أسنده أبو داود في صحيحه إلى أم سلمة من قول النبي عليه السلام:

المهدي من عترتي من ولد فاطمة. ومن كتاب الفتن مرفوعا إلى الزهري قال:

المهدي من ولد فاطمة.

ومنه عن علي عليه السلام: سمى النبي صلى الله عليه وآله الحسين سيدا وسيخرج الله من صلبه رجلا اسمه اسم نبيكم يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا. وعن عبد الله ابن عمر يخرج رجل من ولد الحسين من قبل المشرق لو استقبلها الجبال لهدها وأخذ منها طرقا.

فهذه الأحاديث، والأحاديث بأن الأئمة اثنى عشر، واشتراط العصمة المنفية عن غيره تبطل أقوال من خالفنا فيه.

قالوا: ما كفاكم ما تدعون من الهذيان، حتى سميتموه صاحب الزمان

الصفحة 225 

ولا صاحب الزمان، إلا خالق الأكوان؟ قلنا: بل البهتان منسوب إلى من أنكر القرآن، في قوله: (تؤتي الملك من تشاء(1)) وقد ملك الأمر لغيره، في قوله:

(وأولوا الأمر منكم)(2) ولم ينف ذلك قوله: (ألا له الخلق والأمر)(3) لأنه المالك لما ملكهم والمالك لما عليه أقدرهم.

قالوا: من ضحكاتكم تدخرون له سيوفا، وتجعلون له من أموالكم أقساطا وتدعون لأئمتكم الإحاطة بالغيب علما، وقد قال الإمام الأعظم ابن تيمية الحنبلي:

مهدي الرافضة لا خير فيه إذ لا نفع ديني ولا دنيوي لغيبته قلنا: وأي عاقل ينكر ادخار السيوف لإمام وقع الاتفاق على خروجه و جهاده، فقد أخرج أبو نعيم في كتاب الفتن قول أبي جعفر: ويظهر المهدي بمكة عند العشاء، ومعه راية رسول الله، وقميصه، وسيفه، وعلامات، ونور، وبيان وينادي من السماء: إن الحق في آل محمد وآخر من الأرض إن الحق في آل عيسى.

قال أبو عبد الله: إذا سمعتم ذلك فاعلموا أن كلمة الله هي العليا، وكلمة الشيطان هي السفلى فهذه كتبهم تشهد بأن قول من يقول: المهدي هو المسيح قول الشيطان.

وأما السهم من الأموال فمنطوق الكتاب حيث قال: (واعلموا أنما غنمتم من شئ) الآية(4) وهذا القسط يصرف إلى الذرية، وقولكم ندعي لهم علم الغيب فليس بصحيح، بل ما اطلع الله عليه نبيه منه بقوله: (إلا من ارتضى من رسول(5)) أوصله إليهم.

وقد ذكر في كتاب الفتن أن عمر وهو بالمدينة - قال لسارية - وهو بنهاوند - (الجبل الجبل) وقد ذكر في ذلك الكتاب أنه عليه السلام خير من أبي بكر وعمر.

وقد جاء في كتبهم قول علي عند الامتناع من البيعة لعمر: احلب حلبا لك شطره، أسدده له اليوم يرده عليك غدا وقال للجعشمي: كأني بك وقد نعرت في

____________

(1) آل عمران: 26.

(2) النساء: 59.

(3) الأعراف: 53.

(4) الأنفال: 43.

(5) الجن: 28.

الصفحة 226 

هذه الفتنة وكأني بحوافر خيلي وقد شدخت رأسك فكان كما قال، وقال قبيصة:

لله در أبي حسن ما حرك شفتيه بشئ قط إلا كان كما قال، وإذا جاز أن الله يحصي كل شئ في جسم جامد، وهو اللوح المحفوظ، فإحصاؤه في جسم ناطق هو الإمام أجوز.

وقد صنفتم في فضائل سيدي أحمد كتابا مملوءا من الحكايات والسخريات منها أنه جر سفينة على الأرض فراسخ فينسب ذلك ونحوه إلى جاهل فتسلموه، ولو نسب مثله إلى أمير المؤمنين لأنكرتموه، وقولكم في ابن تيمية الإمام الأعظم فلله الحمد حيث أجمعتم على قتله لكفره بإنكار نص الكتاب، حيث أباح شحم الخنزير وقال: إن الله إنما حرم لحم الخنزير، وكذا مضى في سالف الأزمان، فعل الصحابة والتابعين بعثمان، لأحداثه الخبيثة في دين الله.

وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وآله من يفعل مثل ذلك فقال صاحب كتاب الشفا منكم:

قال النبي صلى الله عليه وآله: من أحدث في المدينة حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله، وأسنده مسلم والبخاري والحميدي وسيأتي في أحداث عثمان.

ولا نسلم عدم انتفاعنا بالإمام، بل هو كالشمس المحجوبة بالغمام، ولو سلم فعدم الانتفاع به لا يبطل حقية إمامته، كما لم يبطل نبوة النبي بغيبة، مع جواز أن يعرض لعالم يزيل ما يشكل عليه ولا يعرفه.

قالوا: إذا كان الإمام لطفا واجبا عليه تعالى وجب أن يخلق له أنصارا ولما لم يخلق بطلت لطفيته قلنا: لا يتم لكم ذلك، وعندكم لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.

قالوا: لم لا يخلق له خلقا يطيعونه ويسقط عنهم التكليف وينفعهم بالأعواض قلنا: يلزم الالجاء فيستغنى عن الإمام، إذ لم يبق من يكون الإمام لطفا لهم.

قالوا: قلتم: يظهر في سن الشباب على طول عمره وذلك متناقض قلنا: لا ينكر ذلك إلا من رفع قدرة ربه، وألحق العجز به، وقد عاش ضبيعة السهمي مائتين وخمسين سنة ومات شابا فقالت أخته:

 

من يأمن الحدثان بعد   ضبيعة السهمي ماتا

 

الصفحة 227 

 

سبقت منيته المشيب   وكان ميتته انفلاتا

 

وقد ذكر أبو سعيد أن السمندل إذا انقطع نسله وهرم، ألقي في النار فعاد شبابه.

قالوا: مضت الآباء والأعصار، وأنتم في هذا الانتظار قلنا: ليس في ذلك شناعة مع قوله تعالى: (اقتربت الساعة(1)).

قالوا: كم من واحد ادعى أنه المهدي أو نائبه قد تبين بموته كذبه قلنا:

لو كان ذلك يبطل إمامته لبطلت نبوة محمد بمن ادعى النبوة بعده.

(2)

فصل

 

أسند الشيخ أبو جعفر محمد بن علي، إلى سدير الصيرفي قال: دخلت أنا والمفضل بن عمر وأبان بن تغلب على الصادق عليه السلام فقال: إن الله تعالى إذا آن لقائمنا قدر ثلاثة لثلاثة: قدر مولده بمولد موسى، وغيبته بغيبة عيسى، وإبطاءه بإبطاء نوح، وجعل له بعد ذلك عمر العبد الصالح يعني الخضر دليلا على عمره.

ثم قال بعد ذلك: وأما غيبة عيسى، فإن الكتابيين اتفقوا على قتله فكذبهم الله بقوله: (وما قتلوه)(2) وغيبة القائم تنكرها الأمة لطولها، فمن قائل لم يولد، وقائل ولد ومات، وقائل إن حادي عشرنا(3) كان عقيما، وقائل يتعدى الأمر عن اثني عشر وقائل: إن روح القائم تنطق في هيكل غيره.

وأسند علي بن أحمد إلى أبي بصير قول الصادق عليه السلام: إن سنن الأنبياء من الغيبات لجارية في القائم منا، وهو الخامس من ولد ابني موسى، يغيب غيبة يرتاب فيها المبطلون، ثم يظهر ويفتح مشارق الأرض ومغاربها، حتى لا يبقى بقعة يعبد فيها غير الله.

____________

(1) القمر: 1.

(2) النساء: 156.

(3) يعني الإمام العسكري عليه السلام.

الصفحة 228 

وأسند سعيد بن عبد الله إلى الصادق عليه السلام إذا اجتمعت ثلاثة أسماء متوالية محمد وعلي والحسن كان رابعهم قائمهم، من أقر بالأئمة من آبائي وولدي وجحد المهدي، كان كمن أقر بالأنبياء وجحد محمدا، منا اثنا عشر مهديا مضى ستة، و بقي ستة، يسمع الله في السادس ما أحب وقال: (الذين يؤمنون بالغيب(1)) هم من أقر بقيام القائم أنه حق وإن لصاحب هذا الأمر غيبة فليتمسك بدينه.

قال زرارة: ولم ذلك؟ قال: يخاف، وهو الذي يشك الناس في ولادته، و نحوه أسند الحسن بن إدريس إلى الصادق عليه السلام ومحمد بن الحسن ومحمد بن أحمد وأسند بعضه محمد بن إسحاق برجاله من طرق ثلاثة.

وأسند محمد بن العطار إلى عبيد بن زرارة قول الصادق عليه السلام: يفقد الناس إمامهم، ويشهد الموسم فيراهم ولا يرونه، سيكون بعد الحسين تسعة أئمة تاسعهم قائمهم، سيصيبكم شبهة وتبقون بلا علم ولا إمام هدى ظاهر، ولا ينجو منها إلا من دعا بدعاء الغريق: يا الله رحمن يا رحيم، يا مقلب القلوب والأبصار، ثبت قلبي على دينك.

وأسند علي بن موسى الدقاق قول المفضل بن عمر للصادق عليه السلام: لو عهدت إلينا من الخلف بعدك؟ فقال موسى، والخلف المنتظر م ح م د ابن الحسن بن علي ابن محمد بن علي بن موسى.

وأسند علي بن محمد إلى الكرخي قال: دخل موسى وهو غلام على الصادق عليه السلام فقبله فقال يا إبراهيم: إنه لصاحبك من بعدي: فلعن الله قاتله، يخرج الله من صلبه خير أهل الأرض في زمانه تكملة اثني عشر إماما اختصهم الله بكرامته المنتظر للثاني عشر كالشاهر سيفه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله.

قال: ودخل رجل من موالي بني أمية فانقطع الكلام فعدت إليه إحدى عشر مرة أريد تمامه فما قدرت فدخلت عليه في السنة القابلة فقال: هو المفرج لكرب شيعته بعد ضنك شديد، وبلاء طويل، حسبك يا إبراهيم فما رجعت بشئ أسر من هذا

____________

(1) البقرة: 2.

 

 

 

 

الصفحة 229 

لقلبي ولا أقر لعيني ونحوه روى الشيخ عن علي بن أحمد بطريقه إلى إبراهيم الكرخي.

وأسند عبد الواحد إلى السيد الحميري قال: كنت أقوال بالغلو، وأعتقد غيبة ابن الحنفية فلما صح عندي بالدلائل التي شاهدت من الصادق أنه الإمام سألته عن الغيبة فقال: ستقع بالسادس من ولدي، وهو الثاني عشر من الأئمة، لم يخرج من الدنيا حتى يطهرها، فرجعت عما كنت [ عليه ].

وأسند الشيخ أبو جعفر إلى علي بن جعفر إلى أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام إذا فقد الخامس من ولد السابع، فالله الله من أديانكم لا يزيلنكم أحد عنها، إنه لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة حتى يرجع عنه من كان يقول به. وأسنده علي بن محمد إلى سعيد بن عبد الله أيضا.

وأسند الهمداني قول الكاظم عليه السلام ليونس بن عبد الرحمن: القائم بالحق الذي يطهر الأرض من أعداء الله هو الخامس من ولدي: له غيبة يطول أمرها خوفا على نفسه، يرتد فيها قوم، ويثبت فيها آخرون، ورواه أيضا علي بن محمد.

وأسند أحمد بن زياد سؤال محمد بن زياد الكاظم عليه السلام عن قوله تعالى: (وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة(1)) فقال: الظاهرة، والباطنة الإمام الغائب، قلت: وفي الأئمة من يغيب؟ قال: نعم، هو الثاني عشر يبير الله به كل جبار عنيد، ويهلك على يده كل شيطان مريد، ورواه أيضا أحمد بن عبد الله برجاله إلى علي بن إبراهيم بن هاشم(2).

وأسند ابن بابويه إلى الريان بن الصلت قال: قلت للرضا عليه السلام: أنت صاحب هذا الأمر؟ قال: نعم، ولكني لست بالذي أملاها عدلا كما ملئت جورا وكيف يكون ذلك على ما يرى من ضعف بدني، وإن القائم قوي في بدنه، لو مد يده إلى أعظم شجرة على الأرض لقلعها، ولو صاح بين الجبال لتدكدكت صخورها ذلك الرابع من ولدي، يغيبه الله ثم يظهره.

وأسند علي بن محمد إلى الرضا عليه السلام: لا بد من فتنة صماء صيلم عند فقدان

____________

(1) لقمان: 21.

(2) في النسخ: هشام.

الصفحة 230 

الشيعة الرابع من ولدي.

وأسند علي بن محمد قول الرضا صلوات الله عليه: لا إيمان لمن لا تقية له قيل: إلى متى؟ قال: إلى خروج قائمنا، الرابع من ولدي هو الذي يغيب و يشك الناس في ولادته، فإذا خرج أشرقت الأرض بنوره، ووضع ميزان العدل وتطوى الأرض، وينادي من السماء باسمه: ألا إن حجة الله ظهر عند بيت الله فاتبعوه.

وروى محمد بن زياد قال دعبل: لما أنشدت الرضا عليه السلام قصيدتي التائية قال:

فلما قلت:

 

خروج إمام لا محالة خارج      يقوم على اسم الله والبركات

يميز فينا كل حق وباطل         ويجزي على النعماء والنقمات

 

بكا بكاء شديدا وقال: نطق روح القدس على لسانك، أتدري من هذا؟

قلت: لا، إلا أني سمعت بخروج إمام منكم يطهر الأرض، فقال: الإمام بعدي محمد ابني، وبعده ابنه علي، وبعده ابنه الحسن، وبعده ابنه الحجة القائم المنتظر في غيبته، المطاع في ظهوره، وقد حدثني أبي عن آبائه أن النبي سئل عن وقت خروجه فقال: مثله كالساعة لا يجليها لوقتها إلا هو، وأسند ذلك علي بن محمد بن علي إلى علي بن إبراهيم.

(3)

فصل

 

أسند أبو جعفر محمد بن علي إلى الصقر بن [ أبي ] دلف قول الجواد عليه السلام: الإمام بعدي ابني علي أمره أمري، وقوله قولي، وطاعته طاعتي، والإمام بعده الحسن أمره أمر أبيه، وقوله قوله، وطاعته طاعته، وسكت، قلت: فمن بعده؟ فبكى بكاء شديدا وقال: القائم المنتظر، يقوم بعد موت ذكره، وارتداد أكثر القائلين بإمامته، وسمي المنتظر لانتظار المخلصين خروجه بعد غيبته، له غيبة يطول أمدها

الصفحة 231 

ويكذب الوقاتون فيها، ويهلك المستعجلون بها.

وأسند أيضا إلى زيد بن الحسن بن علي عليه السلام قال: دخلت على الجواد عليه السلام وأنا أريد أسأله عن القائم أهو المهدي أم غيره؟ فابتدأني بأن القائم منا هو المهدي وهو الثالث من ولدي، إن الله يصلح له أمره في ليلة وإن أفضل أعمال شيعتنا انتظار الفرج.

وأسند الشيخ الجليل محمد بن علي وعلي بن محمد القمي قول الهادي عليه السلام:

الخلف من بعدي ابني الحسن، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟ قلت: ولم؟

قال: لأنكم لا ترون شخصه، ولا يحل لكم ذكره باسمه.

وأسند أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني إلى الصقر بن أبي دلف قول الهادي عليه السلام: الإمام بعدي الحسن ابني وبعده ابنه القائم، ورواه أيضا علي بن محمد بطريقه عن علي بن إبراهيم.

وأسند الشيخ أبو جعفر محمد بن علي أن يعقوب بن منقوش دخل على العسكري وسأله عن صاحب الأمر، فأمره برفع ستر عن بيت في الدار ففعل، فخرج غلام خماسي له نحو عشر أو ثمان، فقال: هذا صاحبكم، ثم دخل البيت فقال الإمام:

انظر في البيت فدخلت فما رأيت أحدا.

وأسند أيضا أن جارية العسكري عليه السلام لما حملت قال لها: لتحملين ذكرا واسمه محمد، وهو القائم من بعدي.

وأسند إلى العسكري عليه السلام قوله: الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا حتى أراني الخلف من بعدي، أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله خلقا وخلقا، يحفظه الله في غيبته، ثم يظهره فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما وأسند إلى علي بن سعد الوراق إلى سعد بن عبد الله إلى أحمد بن إسحاق قال: دخلت على العسكري عليه السلام أريد أسأله عن الخلف من بعده، فابتدأني: إن الله لا يخلي الأرض منذ خلق آدم عليه السلام ولا يخلها إلى أن تقوم الساعة من حجة له على خلقه قلت: ومن الخليفة بعدك؟ فأسرع ودخل البيت وخرج وعلى عاتقه

الصفحة 232 

غلام وقال: لولا كرامتك على الله وعلى حججه ما عرضت عليك ابني هذا، إنه سمي رسول الله صلى الله عليه وآله وكنيه، مثله في هذه الأمة كالخضر وذي القرنين، ليغيبن غيبة لا ينجو من الهلكة فيها إلا من ثبته الله على القول بإمامته، ووفقه الدعاء بتعجيل فرجه، ويرجع من هذا الأمر أكثر القائلين به، هذا سر الله فخذ واكتمه، وكن من الشاكرين، تكن معنا في عليين.

فقلت: هل من علامة؟ فنطق الغلام فقال: أنا بقية الله في أرضه والمنتقم من أعدائه.

وأسند سعد بن عبد الله أنه خرج في توقيع العسكري: زعموا أنهم يريدون قتلي ليطفئوا هذا النسل، فقد كذب الله قولهم، والحمد لله.

وأسند أيضا قول العسكري عليه السلام: كأني بكم وقد اختلفتم بعدي في الخلف مني إن المقر بالأئمة المنكر لولدي، كالمقر لجميع الأنبياء والمنكر لنبوة محمد صلى الله عليه وآله لأن المنكر لآخرنا كالمنكر لأولنا، إن لولدي غيبة يرتاب فيها الناس إلا من عصمه الله، ورواه علي بن محمد برجاله أيضا.

وأسند محمد بن عثمان العمري إلى أبيه قول العسكري عليه السلام: الأرض لا تخلو من حجة إلى يوم القيامة، ومن مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية له غيبة يحار فيها الجاهلون، ويهلك فيها المبطلون، ويكذب فيها الوقاتون، ثم يخرج فكأني أنظر إلى الأعلام البيض فتخفق فوق رأسه بنجف الكوفة.

وأسنده أيضا علي بن محمد إلى ابن همام، وأسند إلى معاوية بن حكيم وإلى محمد بن أيوب بن نوح ومحمد بن عثمان العمري قالوا: عرض علينا العسكري ابنه ونحن أربعون رجلا وقال: هذا إمامكم بعدي، فلا تتفرقوا فتهلكوا في أديانكم أما إنكم لا ترونه بعد يومكم هذا، وقد كان له عليه السلام وكلاء يأخذون عنه ما أخذ عن آبائه منهم عثمان بن سعيد العمري وابنه محمد والحسين بن روح النوبختي و علي بن محمد السمري.

وقد ذكر الجهضمي في تاريخه برواية رجال المذاهب الأربعة حالهم وأسماءهم

الصفحة 233 

وأنهم كانوا وكلاء المهدي عليه السلام وأمرهم أشهر من أن يحتاج إلى الإطالة به.

وأخبر عليه السلام السمري بيوم موته، وأمره أن لا يوكل أحدا من بعده، فقد جاءت الغيبة التامة التي يمتحن الله فيها المؤمنين، والغيبة سنة الله في عباده تشهد كتب التواريخ بها، من أرادها نظر فيها، وسيأتي في حديث السمري زيادة عن هذا.

ومن الخواص به داود بن القاسم الجعفري والوصافي الأسدي.

وقد أسند المفيد أن رجلا قدم من مكة بمال صاحب الأمر فأرشد إلى جعفر فسأله عن شئ فعجز ورجع إلى الباب، وأنفذ الكتاب الذي معه إلى نفر فرجع الجواب: أجزل الله أجرك في صاحبك، فقد مات، فكان كما قال، ونحو ذلك كثير من كتاب [ محمد بن ] إبراهيم النعماني في الغيبة وغيره، وقد سلف في باب المعاجز طرق من ذلك، وهي دالة على وجوده بالضرورة، فيسقط ما تهول به الكلاب الممطورة.

وأسند أبو جعفر ابن بابويه إلى غانم الخادم أنه ولد للحسن ولد سماه محمدا وعرضه على أصحابه يوم الثالث، وقال: هذا صاحبكم بعدي، وخليفتي عليكم وهو القائم الذي تمتد إليه الأعناق بالانتظار، فإذا امتلأت الأرض جورا وظلما خرج فملأها قسطا وعدلا.

وأسند أحمد بن علي الرازي إلى سهل النوبختي أنه قال: م ح م د بن الحسن ابن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب عليهم السلام ولد بسامراء في سنة ست وخمسين ومائتين أمه صقيل وهو الحجة المنتظر صاحب الزمان، وقال إسماعيل بن علي: دخلت على العسكري في المرض الذي مات فيه، فقال لخادمه: ادخل البيت فإنك ترى صبيا ساجدا فائتني به، فدخلت فوجدته ساجدا رافعا سبابته إلى السماء فسلمت فأوجز في صلاته، فقلت:

سيدي يأمرك بالخروج، فجاءت أمه فأخرجته إليه، فقال: أبشر أنت صاحب الزمان المهدي، حجة الله في أرضه، وأنت وصيي، وأنت م ح م د وعد آباءه إلى علي عليهم السلام ثم قال: أنت خاتم الأئمة الطاهرين.

وهذا وإن كان خليقا ذكره في باب الأسماء إلا أن الكلام انجذب إليه

الصفحة 234 

فأثرنا أن نعثر عليه.

وأسند الشيخ أبو جعفر إلى محمد بن علي إلى محمد بن عبد الله المطهري قال: قصدت حكيمة أسألها عن الحجة فقالت: لما حضرت نرجس الولادة قال الحسن العسكري عليه السلام: اقرئي عليها (إنا أنزلناه) فقرأت فجاوبني الجنين بمثل قراءتي، وسلم علي ففزعت، فقال أبو محمد: لا تعجبين من أمر الله إنه منطقنا بالحكمة صغارا ويجعلنا حجة في الأرض كبارا.

فغيبت عني نرجس فصرخت إليه فقال: ارجعي فستجدينها، فرجعت فإذا بها عليها نور غشيني فإذا الصبي ساجدا لوجهه، رافعا إلى السماء سبابته، ناطقا بتوحيد ربه، ورسالة نبيه، وإمامة آبائه، إلى أن بلغ إلى نفسه، وقال: اللهم أنجز لي وعدي، وأتمم لي أمري، ثم سلم على أبيه فتناوله، والطير يرفرف على رأسه فصاح طيرا منها فقال: احمله واحفظه ورده إلينا بعد أربعين يوما فطار به فبكت نرجس فقال: سيعود إليك كما عاد موسى إلى أمه قالت حكيمة: فما هذا الطير؟

قال: روح القدس الموكل بالأئمة، يعلمهم فيربيهم.

فبعد الأربعين رد الغلام فدخلت عليه فتعجبت، فقال أبوه: أولاد الأنبياء و الأوصياء ينشاؤن بخلاف غيرهم وإن الصبي منا إذا أتى عليه شهر كان كمن يأتي عليه سنة، قالت: فما زلت أراه بعد كل أربعين إلى أن رأيته رجلا قبل موت أبيه فقال لي: هذا خليفتي بعدي، وعن قليل تفقدوني، فاسمعي له وأطيعي، فمضى عليه السلام وافترق الناس كما ترى، فوالله إني لأراه وأسأله فيجيبني عن مسائلي ابتداء وقد أخبرني البارحة بمجيئك، وأمرني أن أخبرك بالحق.

قال محمد بن عبد الله: فوالله لقد أخبرتني بما لم يطلع عليه إلا الله فحكمت على كلامها بصدقها، وعلمت أن الله اطلعهم على ما لم يطلع عليه أحدا من خلقه.

وهذا الحديث رواه الشيخ أبو جعفر الطوسي عن حكيمة بطريقين من رجاله وفيه مغايرة قليلة أحدهما منتهيا إلى حنظلة بن زكريا، والأخرى إلى مارية و نسيم خادم الحسن عليه السلام وقد أسلفنا في معاجزه طرفا منه.

الصفحة 235 

قال إبراهيم: وحدثتني نسيم أنها دخلت على صاحب الزمان بعد مولده بليلة فعطست فقال: يرحمك الله ففرحت، فقال: ألا أبشرك في العاطس؟ قلت بلى:

قال: أمان من الموت إلى ثلاثة أيام.

وفي خرائج الراوندي أن علي بن مهزيار رآه بجبال الطائف وسلم عليه ورد عليه وأمره بالتقية فسأله متى الخروج؟ قال: إذا حيل بينكم وبين الكعبة.

وأسند أبو جعفر ابن بابويه أن جارية العسكري عليه السلام لما ولد الإمام قالت:

رأيت نورا ساطعا إلى السماء، وطيورا بيضا تهبط من السماء، وتمسح أجنحتها برأسه ووجهه وسائر جسده وتطير، فأخبرت أبا محمد بذلك فضحك وقال: هذه الملائكة تتبرك به، وهي أنصاره عند خروجه.

وعنه قال: وجدت بخط سعد بن عبد الله توقيعا كان خرج من صاحب الزمان إلى العمري وابنه وفيه وصايا أوجبت(1) علي الثبوت على إمامته، ذكره الكيدري في بصائره تركناه خوف الإطالة.

وذكر الشيخ الموثوق به عثمان بن سعيد العمري أن ابن أبي غانم القزويني قال:

إن العسكري لا خلف له، فشاجرته الشيعة وكتبوا إلى الناحية، وكانوا يكتبون لا بسواد بل بالقلم الجاف على الكاغذ الأبيض، فتكون علما معجزا، فورد جوابا إليهم:

(بسم الله الرحمن الرحيم عافانا الله وإياكم من الضلال والفتن، إنه انتهى إلينا شك جماعة منكم في الدين، وفي ولادة ولي أمرهم، فغمنا ذلك لكم لا لنا، لأن الله معنا والحق معنا، فلا يوحشنا من بعد علينا، ونحن صنايع ربنا والخلق صنايعنا، ما لكم في الريب تترددون، أما علمتم ما جاءت به الآثار مما في أئمتكم يكون أفرأيتم كيف جعل الله لكم معاقل تأوون إليها، وأعلاما تهتدون بها من لدن آدم عليه السلام إلى أن ظهر الماضي، كلما غاب علم بدا علم، وإذا أفل نجم طلع نجم فلما قبضه الله إليه ظننتم أنه أبطل دينه، وقطع السبب بينه وبين خلقه، كلا ما كان ذلك ولا يكون، حتى تقوم الساعة، ويظهر أمر الله وهم كارهون، فاتقوا

____________

(1) وحث على الثبوت، خ.

الصفحة 236 

الله وسلموا لنا، وردوا الأمر إلينا فقد نصحت لكم والله شاهد علي وعليكم.) قال الشيخ أبو جعفر حدث أبو محمد الحسن بن أحمد المكتب: كنت بمدينة السلام في السنة التي توفي فيها علي بن محمد السمري فحضرته فأخرج توقيعا فيه أعظم الله أجور إخوانك فيك فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد، فقد وقعت الغيبة التامة، فلا ظهور إلا بإذن الله بعد بعد طول الأمد، و قسوة القلوب، وامتلاء الأرض جورا وسيأتي من شيعتي من يدعي المشاهدة، فمن ادعاها قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب، فنسخت هذا التوقيع وقضي في اليوم السادس وقد كان غيبته القصرى أربعة وستين سنة.

وذكر محمد بن أبي جعفر أن المهدي عليه السلام قام بأمر الله يوم الجمعة لأحد عشر مضت من ربيع الأول سنة ستين ومائتين سرا إلا عن ثقاته وثقات أبيه، وله أربع سنين وسبعة أشهر.

والحسن بن جعفر الصيمري: الصحيح أنه ولد يوم الجمعة طلوع الفجر لأربع عشرة خلت من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، فقد كتب بخبر مولده إلى مشايخنا محمد بن إسماعيل بن صالح وعلي بن محمد بن زياد ومحمد بن إسحاق.

وروى هذا التاريخ الشيخ الطوسي في حديث حكيمة وقال في موضع آخر:

قد ثبت بالأخبار الصحيحة أنه عليه السلام ولد سنة ست وخمسين ومائتين.

وأسند الشيخ أبو جعفر بن بابويه إلى غانم قال: كنت وأربعون رجلا نقعد حول كرسي الملك بقشمير الداخلة وقد قرأنا التوراة والإنجيل والزبور، ويفزع إلينا في العلم فتذاكرنا محمدا وأنه موجود في كتبنا، فاتفقنا على الخروج في طلبه فخرجت فقطع علي الترك وشلحوني فوقعت إلى بلخ، وأتيت أميرها فعرفته خبري فجمع العلماء المناظرين فسألتهم عن محمد فقالوا: هو نبينا قلت: فمن خليفته؟ قالوا:

أبو بكر ونسبوه إلى قريش، قلت: هذا ليس بنبي إن النبي الذي نجده في كتبنا خليفته ابن عمه، وزوج ابنته، وأبو ولده، فدعا لي الأمير بالحسين بن اشكيب فخلا بي وأعلمني أن خليفته ابن عمه علي بن أبي طالب، فأسلمت، وقلت: إنا

الصفحة 237 

نجد في كتبنا أنه لا يمضي خليفة إلا عن خليفة، فمن خليفته؟ قال: الحسن ثم الحسين وسمى الأئمة إلى الحسن عليهم السلام.

ثم قلت: إني محتاج إلى طلب خليفة الحسن، فخرجت في طلبه، فأتاني آت وقال: أجب مولاك، فلم يزل يخترق بي المحال حتى أدخلني دارا وبستانا فإذا مولاي قاعد، فكلمني بالهندية، وسلم علي، وذكر الأربعين رجلا بأسمائهم ثم قال: تريد الحج مع أهل قم؟ فلا تحج في هذه السنة وانصرف إلى خراسان ولا تدخل في بغداد دار أحد ولا تخبر بشئ مما رأيت، قال محمد بن شاذان: عن الكابلي رأيت الرجل فذكر أنه وجد صحة هذا الدين في الإنجيل وبه اهتدى.

وروى الشيخ أبو جعفر أن صاحب الأمر خرج على جعفر الكذاب عند منازعته في ميراث العسكري عليه السلام وقال: ما لك يا جعفر تتعرض في حقوقي؟ فتحير جعفر وبهت، ثم غاب عنه. فطلبه في الناس فلم يره، ولما ماتت الجدة أم الحسن أمرت أن تدفن في الدار قال جعفر: هي داري لا تدفن فيها، فخرج عليه السلام وقال:

يا جعفر! أدارك هي؟ ثم غاب فلم ير بعد ذلك.

(4)

فصل

 

أسند الشيخ إلى عبد الله الفضل الهاشمي أنه سمع الصادق عليه السلام يقول: لصاحب هذا الأمر غيبة لا بد منها، لأمر لم يؤذن لنا في كشفه، ولا ينكشف إلا بعد ظهوره كما لم ينكشف الحكم في فعل الخضر لموسى إلا عند فراقه. يرتاب فيها كل مبطل والحكمة فيها كما في غيبة من تقدم من حجج الله، ومتى علمنا أنه حكيم صدقنا بأن أفعاله حكمة، وإن كان وجهها غير منكشف.

وأسند الحافظ الدارقطني من أهل السنة فيما جمعه من مسند فاطمة أن العبدي سأل الخدري عما سمع من النبي صلى الله عليه وآله في فضائل علي عليه السلام فقال: دخلت فاطمة على أبيها في مرضه فبكت، فقال: اطلع الله على الأرض اطلاعة فاختار منها

الصفحة 238 

أباك فبعثه نبيا، وثانية فاختار بعلك فأوحى إلي أن اتخذه وصيا ثم قال: أعطينا خصالا لم يعطها أحد: نبينا خير الأنبياء وهو أبوك، ووصينا خير الأوصياء وهو بعلك، وشهيدنا خير الشهداء وهو حمزة عم أبيك، وسبطا هذه الأمة ابناك، ومنا مهدي هذه الأمة الذي يصلي عيسى خلفه ثم ضرب على منكب الحسين عليه السلام وقال:

من هذا مهدي هذه الأمة، وهذا الحديث قد أسلفناه آنفا فأعدناه استئناسا.

وأسند أبو جعفر بن بابويه إلى الحسن محمد بن صالح البزاز أنه سمع العسكري يقول: إن ابني هو القائم من بعدي تجري فيه سنن الأنبياء من التعمير والغيبة حتى تقسو قلوب الناس لطول الأمد، فلا يثبت على القول بها إلا من كتب الله في قلبه الإيمان، وأيده بروح منه.

وأسند الشيباني إلى سعيد بن جبير قول زين العابدين عليه السلام: في القائم سنة من نوح؟ هي طول العمر، ومن إبراهيم الخفاء للولادة واعتزال الناس إياه، و من موسى الخوف والغيبة، ومن عيسى اختلاف الناس فيه، ومن أيوب الفرج بعد البلوى، ومن محمد صلى الله عليه وآله الخروج بالسيف.

وأسند صاحب المقتضب من طريق العامة قول جبرائيل للنبي صلى الله عليه وآله: إن الله يأمرك أن تزوج عليا بفاطمة، فدعاه وقال: إني مزوجك بها وكائن منكما سيدا شباب أهل الجنة، والشهداء المضرجون، المقهورون في الأرض من بعدي، عدتهم عدة أشهر السنة، آخرهم يصلي المسيح خلفه.

وأسند الشيخ الفاضل أحمد بن محمد بن عياش إلى السدوسي أنه لقي في بيت المقدس عمران ابن خاقان الذي أسلم من اليهودية على يد أبي جعفر عليه السلام وكان يحاج اليهود، فلا يستطيعون جحد علامات النبي والخلفاء من بعده، فقال لي يوما: إنا نجد في التوراة محمدا واثني عشر من أهل بيته خلفاء، وليس فيهم تيمي ولا عدوي ولا أموي، قلت: فأخبرني بهم، قال: لتعطيني عهود الله أن لا تخبر به الشيعة في حياتي فيظهرونه علي، فأعطيته، فقال: شمعوعيل، شمعيشيحو، وهنى

الصفحة 239 

پيراخشى، اوتو، هموتني، بمايذ، عايذ، شنيم، عوسون، نيتيتو، توليد، كفى كودل(1).

قال: إن شمعوعيل يخرج من ظهرين، مبارك صلاتي عليه وتقديسي، يلد اثني عشر ولدا يكون ذكرهم باقيا إلى القيامة، وعليهم تقوم الساعة، طوبى لمن عرفهم بحقيقتهم. وهذه الألفاظ أملاها علي بعض اليهود من حفظه، ووجد في الكتاب ألفاظ تغاير هذه وأظنها من تصحيف الكتاب.

وأسند محمد بن لاحق بن سابق من طريق العامة إلى الجارود العبدي أسلم عن النصرانية عام الحديبية، ووفد على النبي صلى الله عليه وآله في رجل من عبد القيس وأنشأ:

 

يا نبي الهدى أتتك رجال        قطعت فدفدا والأفلالا

 

إلى أن قال:

 

أنبأ الأولون باسمك فينا ثم أسماء بعده تتلألأ

 

فقال عليه السلام: أفيكم من يعرف قسا؟ قال الجارود: نعم كان ينتظر زمانك، و يهتف باسمك وأسماء لا أراها فيمن اتبعك، فقد شهدته خرج من ناد من أندية أياد إلى ضحضح ذي قتاد، فوقف رافعا إلى السماء وجهه وأصبعه وقال: اللهم رب هذه السبعة إلا رفعة، والأرضين الممرعة، وبمحمد والثلاثة المحاميد معه، والعليين الأربعة، وسبطيه لنبعة إلا رفعة، وسمي الكليم من الفرعة، والحسن ذي الرفعة.

أولئك النقباء الشفعة، والطريق المهيعة، درسة الإنجيل، وحفظة التنزيل وعدد نقباء بني إسرائيل، محاة الأضاليل، ونفاة الأباطيل، الصادقون القيل، عليهم تقوم الساعة، ولهم فرض الطاعة، ثم أنشأ شعره، وآب يكفكف(2) دمعه، ويرن كرنين البكرة ويقول:

 

أقسم قس قسما         ليس له مكتتما

لو عاش ألفي عمر      لم يلق منها سأما

حتى يلاقي أحمدا       والنقباء الحكما

 

____________

(1) في النسخ اختلاف في سرد الأسماء.

(2) أي يمسح دمعه مرة بعد أخرى.

الصفحة 240 

 

هم أوصياء أحمد        أكرم من تحت السماء

ذرية من فاطمة أكرم بها من فطما

يعمى الأنام عنهم        وهم جلاء للعمى

لست بناس ذكرهم      حتى أحل الرجما

 

قال الجارود: فقلت: يا رسول الله أخبرني بهذه الأسماء التي لم نشهدها، و وأشهدنا قس ذكرها؟ فقال: أوصى الله إلي ليلة الأسرى أن اسأل من أرسلنا قبلك من رسلنا على ما بعثتهم؟ فسألتهم فقالوا: على نبوتك وولاية علي بن أبي طالب والأئمة منكما، فأوحى الله إلي أن التفت فالتفت فإذا علي، والحسن، والحسين وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي، والحجة بن الحسن فقال: هؤلاء أوليائي، وهذا المنتقم من أعدائي، وقد أسلفنا جانبا من ذلك.

وأسند المفيد في إرشاده برجاله إلى محمد بن إسماعيل بن موسى الكاظم عليه السلام قال: رأيت محمد بن الحسن عليه السلام بين المسجدين وهو غلام.

وأسند إلى الرازي أنه سمع أبا علي بن مطهر يذكر أنه رآه ووصف قده.

وأسند إلى خادم النيسابوري(1) وكانت من الصالحات قالت: كنت واقفة مع سيدي ومولاي على الصفا، وجاء صاحب الزمان وقبض على كتاب مناسكه وحدثه بأشياء.

وأسند إلى عبد الله بن صالح، أنه رآه بحذاء الحجر والناس يتجاذبون عليه وهو يقول: ما بهذا أمروا.

وأسند إلى إبراهيم بن إدريس عن أبيه أنه رآه فقبل يده.

وأسند إلى العنبري أنه قال: رآه جعفر(2) مرتين.

وأسند إلى الأهوازي قال: أرانيه أبو محمد وقال: هذا صاحبك.

____________

(1) يعني خادم إبراهيم بن عبيدة النيسابوري.

(2) يعني جعفر الكذاب كما مر في ص 237.

الصفحة 241 

وأسند إلى طريف الخادم أنه رآه عليه السلام.

والأخبار كثيرة في معنى ما ذكرناه والذي اختصرنا كاف في ما قصدناه.

(5)

فصل

 

أسند صاحب المقتضب إلى جماعة قالوا: كان علي عليه السلام إذا أقبل الحسن قال:

مرحبا با ابن رسول الله، وإذا أقبل الحسين قال: بأبي أنت وأمي يا أبا خير الأمناء قلنا: من خير الأمناء؟ قال: ذلك الفقيد الطريد الشريد، محمد بن الحسن بن علي ابن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين.

وأسند الخزاز إلى مسعدة قال: كنت عند الصادق عليه السلام فإذا بشيخ قد انحنى فسلم فرد عليه، فبكى فقال: ما يبكيك؟ قال: قمت على قائمكم أنتظره مائة سنة أقول: هذا الشهر، هذه السنة، وقد اقترب أجلي ولا أرى فيكم ما أحب فدمعت عينا الصادق عليه السلام وقال: إن بقيت حتى ترى قائمنا كنت في السنام الأعلى معنا، و إن حلت بك المنية جئت يوم القيامة مع ثقل محمد، فقال الشيخ: لا أبالي بعد سماع هذا الخبر.

ثم قال: يا شيخ اعلم أن قائمنا يخرج من صلب الحسن، والحسن من صلب علي، وعلي يخرج من صلب محمد، ومحمد يخرج من صلب علي، وعلي يخرج من صلب ابني هذا، وأشار إلى موسى وهذا خرج من صلبي، نحن اثنى عشر كلهم معصومون مطهرون، والله لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج قائمنا أهل البيت، إلا أن شيعتنا يقعون في فتنة وحيرة في غيبته، هناك يثبت على هداه المخلصون، اللهم أعنهم على ذلك.

وأسند الديلمي في الفردوس إلى ابن عباس قول النبي صلى الله عليه وآله: المهدي طاووس أهل الجنة.

وأسند إلى حذيفة قول النبي صلى الله عليه وآله: المهدي ولدي، وجهه كالقمر الدري

الصفحة 242 

اللون لون عربي، والجسم جسم إسرائيلي، يملأ الدنيا عدلا كما ملئت ظلما يحبه أهل السماء والأرض، يملك عشرين سنة، وجمع أبو نعيم الحافظ كتابا سماه كتاب ذكر المهدي ونعوته وحقيقة مخرجه.

وأسند الثعلبي في تفسير (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى(1)) إلى أنس قول النبي صلى الله عليه وآله: نحن ولد عبد المطلب سادة أهل الجنة، وذكر نفسه وخمسة سماهم من أهل بيته، ثم قال: والمهدي، وفي تفسيره أن أهل الكهف يحييهم الله للمهدي.

وروي في الجمع بين الصحاح الستة عن الخدري قول النبي صلى الله عليه وآله: المهدي فتى أجلى الجبهة أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما يملك سبع سنين، وفي رواية هشام والفراء في المصابيح تسع سنين.

وفيه أيضا عن علي عليه السلام أنه نظر إلى ابنه الحسين وقال: إن ابني هذا سيد كما سماه رسول الله صلى الله عليه وآله يخرج من صلبه رجل باسم نبيكم يشبهه في الخلق يملأ الأرض عدلا.

وأسند ابن المغازلي أخبارا كثيرة تتضمن البشارة بالمهدي وذكر فضائل دولته.

وأسند الفراء في مصابيحه قول النبي صلى الله عليه وآله: يصيب هذه الأمة بلاء حتى لا يجد الرجل ملجأ من الظلم، فيبعث الله رجلا من عترتي فيملأ به الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا يرضى عنه ملائكة السماء والأرض، لا تدع السماء من قطرها شيئا إلا أخرجته، حتى تتمنى الأحياء الأموات أن تعيش، يكون ذلك سبع سنين، أو تسع، حتى يقول الرجل يا مهدي أعطني فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله.

وذكر ابن الخشاب الحنبلي في تاريخ أهل البيت و؟ صر بن علي الجهضمي في تاريخ أهل البيت ما يتضمن تسمية الاثني عشر عليهم السلام، وقد ذكرنا في أخبار أعدادهم وأسمائهم وكون المهدي في جملتهم، من تصفح كتابا منه عثر على الزلال البارد

____________

(1) الشورى: 31.

الصفحة 243 

فينتقع صداء الصادر والوارد، ويقمع به رأس كل شيطان مارد.

قال عبد المحمود(1): وجدت كتابا لبعض الشيعة اسمه [ كشف ] المخفي في مناقب المهدي، روي فيه مائة وعشرة أحاديث من طرق المذاهب الأربعة منها في صحيح البخاري 3، ومسلم 11، والجمع بين الصحيحين 2، ومن الجمع بين الصحاح الستة 11، ومن فضائل الصحابة 9، ومن تفسير الثعلبي 5، ومن غريب الحديث للدينوري 6، ومن فردوس الديلمي 4، ومن كتاب الدارقطني 9، ومن المفتقد للسكسكاني(2) 2، ومن المصابيح 5، ومن الملاحم لأحمد بن جعفر 34، ومن كتاب الحضرمي 3، ومن الرعاية لأهل الدراية للفرغاني 3، ومن كتاب الاستيعاب للنميري 2، وخبر سطيح رواه الحميدي.

قال: ورأيت في كتاب السنن سبعة أحاديث بأسانيدها في خروج المهدي.

(6)

فصل

 

غاية طعن المنكرين لولادته متعلقة بنفي مشاهدته، قلنا: قد أسلفنا مشاهدة قوم من أوليائه، على أن نفي رؤيته لا يدل على نفي وجوده، ولا يقدح فيه قول المنحرف عنه بجحوده، إذ ليس طرق العلم محصورة في المشاهدة فإذا دلت البراهين على إمامته ووجوده، لم تكن غيبته عن الأبصار مانعة عن تولده، وأكثر المواليد إنما تثبت بالشيعة(3) وهي حاصلة هنا من الشيعة، وكيف ينكر وجوده لعدم مشاهدته والأبدال موجودون ولا يشاهدون.

قال [ ابن ] ميثم في شرحه للنهج: قد نقل أنهم سبعون رجلا منهم أربعون بالشام

____________

(1) هو سيد ابن طاووس، وقد أخرجه العلامة المجلسي في البحار راجع ج 51 ص 105 من طبعته الحديثة.

(2) في نسخة البحار: ومن كتاب المبتدأ للكسائي حديثان (3) يعني الشياع.

الصفحة 244 

وثلاثون في سائر البلاد، وفي الحديث عن علي عليه السلام الأبدال بالشام، والنجباء بمصر، والعصائب بالعراق، يجتمعون فيكون بينهم حرب.

وغيبته عليه السلام ليست من الله لحكمته، ولا منه لعصمته، فهي من خوفه عن رعيته.

إن قلت: لو كان سبب ستره خوفه لاستتر آباؤه، قلت: آباؤه خوطبوا بالتقية وخوطب هو بالخروج بالسيف، ومن ثم لم يخافوا كخوفه، خصوصا فيمن عرف من أعدائه أنه القائم بأمر ربه، دون آبائه، وستره لم يخرجه عن إمامته كما أن ستر النبي صلى الله عليه وآله في شعبه وغاره لم يخرجه عن نبوته.

إن قيل: إنما استتر النبي صلى الله عليه وآله بعد أداء ما وجب عليه، فلا ضرورة حينئذ إليه قلنا: ومن الذي يسوغ استغناء الأمة عن النبي حال ستره، وأكثر الأحكام إنما ظهرت بعد خروجه عن غاره قالوا: غيبة النبي قصيرة غير ضائرة، وغيبة مهديكم طويلة وهي ضائرة، قلنا:

لا فرق بين طول الغيبة وقصرها، إذا استمر سببها.

إن قيل: كلما بعد الإمام عنهم زاد فسادهم، فزاد خوفه منهم، وذلك يوجب أن لا يخرج أبدا إليهم، قلنا: ومن الذي يقطع بزيادة فسادهم، فكم من متأخر صالح، ومتقدم طالح، على إنا إذا أثبتنا عدل الله وعصمة الإمام، أحلنا سبب الغيبة على العلام، كما في خلق المؤذيات المجهول وجه حسنها.

إن قيل: لم لم يظهر لأوليائه؟ قلنا: لخوف الإشاعة، فيشهره الولي بالعدو ولأن الولي لا يعلم أنه الإمام إلا بمعجز وجائز تشكيك الولي فيه، فتمنعه هذه الوصمة من ذلك شفقة منه عليه.

إن قيل: فحال غيبته إن أمكن الوصول إلى الحق بغيره، استغني عنه، و إن امتنع كان الناس في حيرة لأجله، قلنا: النظر كاف في العقليات، والأصول المتواترة والقواعد التي ألقوها إلى الناس، كافية في السمعيات، فإذا انقطعت فإن ظهر فلا كلام، وإلا كان اللوم على من أخاف الإمام، على إنا إذا علمنا إمامته من

 

 

 

الصفحة 245 

الآيات والروايات، لم تقدح فيها هذه الإيهامات الواهيات.

تذنيب:

وجد بخط الشيخ السعيد أبي عبد الله الشهيد وذكره أيضا شيخنا المفيد في أخبار كثيرة: لا يخرج القائم إلا على وتر من السنين، ويمكن أن تكون ولادته في وقت يقتضي طول غيبته، فقد حكي عن علماء المنجمين أن دور الشمس ألف وأربعمائة، وإحدى وخمسون سنة، وهو عمر عوج بن عنق، عاش من نوح إلى موسى ودور القمر الأعظم ستمائة واثنان وخمسون، وهو عمر شعيب بعث إلى خمس أمم ودور زحل الأعظم مائتان وخمسة وخمسون، قيل: وهو عمر السامري من بني - إسرائيل، ودور المشتري الأعظم أربعمائة وأربعة وعشرون قيل وهو عمر سلمان الفارسي، ودور الزهرة الأعظم ألف ومائة وإحدى وخمسون قيل: وهو عمر نوح ودور عطارد الأعظم أربعمائة وثمانون قيل: وهو عمر فرعون، وقد كان في اليونان مثل بطلميوس، وفي الفرس مثل الضحاك عاش ألف سنة وأقل وأكثر، وقد حكي عن سام إذا مضى من ألف السمكة سبعمائة سنة يكون العدل ببابل، وعن سابور البابلي نحو ذلك، وعن بعض العلماء إذا انقضت سبعمائة سنة يكون الآيات والعدل.

(7)

فصل

* (في شئ من دلائله عليه السلام) *

 

1 - أسند المفيد في إرشاده إلى ابن مهزيار قال: اجتمع عند أبي مال جزيل فحمله فوعك، فقال: ردني فهو الموت، واتق الله في هذا المال، ومات، فحملت المال إلى العراق وكتمت أمري أياما فإذا رقعة مع رسول فيها يا محمد معك كذا وكذا حتى قص منه شيئا لم أعلمه، فسلمته إلى الرسول، واغتممت بعده أياما فخرج إلي: قد أقمناك مقام أبيك فأحمد الله، وقد أسلفنا هذا الحديث في شئ من معاجزه عليه السلام.

الصفحة 246 

2 - قال القاسم بن العلا: ولد لي عشر بنين وكنت أكتب أسأله الدعاء لهم فلم يكتب إلي شيئا فماتوا، فولد لي الحسين فكتبت فأجبت وبقي. والحمد لله.

3 - قال محمد بن يوسف الشاشي: خرج بي ناسور فأريته الأطباء فأنفقت عليه مالا فلم يصنع الدواء فيه شيئا، فكتبت رقعة أسأل الدعاء، فوقع ألبسك الله العافية وجعلك معنا في الدنيا والآخرة، فما أتت الجمعة حتى عوفيت، فأريت الموضع طبيبا من أصحابنا، فقال: ما عرفنا لهذا دواء، وما جاءتك العافية إلا من قبل الله بغير احتساب.

4 - علي بن الحسين اليماني قال: تهيأت للخروج من بغداد فكتبت أستأذن فيه، فكتب: لا تخرج فلا خيرة، فخرجت بنو حنظلة على القافلة فاجتاحتهم.

فكتبت أستأذن في ركوب الماء فلم يأذن لي فخبرت أن المراكب في تلك السنة قطع عليها البوارج فلم يسلم منها مركب.

5 - علي بن الحسين قال: دخلت العسكر ولم أتعرف بأحد، فجاءني خادم وقال: قم إلى المنزل فقلت: ومن أنا لعلك أرسلت إلى غيري؟ فقال: لا أنت علي ابن الحسين، وقد كان مع الخادم غلام فساره بشئ فأتاني بجميع ما أحتاج إليه و أقمت عنده ثلاثة أيام واستأذنته في الزيارة من داخل الدار فأذن لي فزرت.

6 - الحسين بن الفضل الهمداني قال: كتب أبي بخطه كتابا فورد جوابه وكتب رجل من فقهاء أصحابنا فلم يرد جوابه، فنظرنا فإذا الرجل قد تحول قرمطيا.

7 - ابن الفضل خرجت إلى العراق أريد الحج وقلت: لا أخرج إليه إلا عن بينة، وأخاف أن يطول أمري فيفوتني الحج فجئت محمد بن أحمد وكان السفير يومئذ أتقاضاه فقال: سر إلى مسجد كذا، فسيلقاك رجل. فسرت فدخل وضحك وقال: لا تغتم فستحج وترجع سالما، فسكن قلبي، فأردت العسكر فخرج إلي صرة فيها دنانير وثوب فرددتها، ثم ندمت، وقلت: كفرت بردها على مولاي، وكتبت رقعة أعتذر فيها وقلت في نفسي: إن ردت إلي لم أفتحها وأحملها إلى أبي، فخرج

الصفحة 247 

إلي الرسول الذي حملها ومعه جواب: أخطأت في ردك برنا فإذا استغفرت الله فالله يغفر لك، وإذا كانت عزيمتك أن لا تحدث فيه حدثا، فقد صرفناه عنك فأما الثوب فخذه لتحرم فيه.

8 - الحسن بن عبد الحميد قال: شككت في أمر حاجز، فجمعت شيئا و صرت إلى العسكر فخرج إلي: ليس فينا شك ولا فيمن يقوم بأمرنا، فرد ما معك إلى حاجز بن يزيد.

9 - محمد بن صالح: لما مات أبي كان له على الناس سفاتج من مال الغريم - قال المفيد: يعني صاحب الأمر عليه السلام لأن هذا زمن كانت الشيعة تعرفه وتخاطب به لأجل التقية - قال محمد: فكتبت إليه اعلمه، فكتب: طالبهم واستقض عليهم، فقضوني إلا واحدا مطلني فأخذت بلحيته وسحبته فصاح ابنه هذا قمي رافضي قد قتل والدي فاجتمع علي الأكثر من أهل بغداد فقلت: أنا رجل من أهل السنة وهذا يرميني بالرفض ليذهب بحقي، فطلبوا أن يدخلوا حانوته فسكنتهم عنه، فحلف ليوفيني فاستوفيت منه.

10 - الحسن بن علي بن عيسى قال: لما مضى العسكري عليه السلام جاء رجل من مصر بمال لصاحب الأمر إلى مكة فقيل له: قد مضى بغير خلف، وقيل: خلف أخاه جعفرا، وقيل ولدا. فبعث رجلا بكتاب إلى العسكر يبحث عنه فجاء فسأل جعفرا عن برهان، فقال: لا يتهيأ لي الآن، فصار الرجل إلى الباب ودفع إلى السفراء الكتاب فخرج الجواب: آجرك الله في صاحبك فقد مات وأوصى بالمال الذي معه إلى ثقة. فكان الأمر كما قيل له.

محمد بن شاذان: اجتمع عندي خمسمائة تنقص عشرون فتممتها من عندي، و بعث بها إلى الأسدي ولم أعلمه بالذي من عندي، فورد الجواب: وصل خمسمائة لك منها عشرون.

12 - كتب علي بن زياد يسأل كفنا فخرج إليه: إنك تحتاج إليه سنة ثمانين فبعث به إليه فمات في تلك السنة وقد سلف ذلك في معاجزه.

الصفحة 248 

13 - محمد بن هارون قال: كان للناحية علي خمسمائة دينار فقلت في نفسي:

لي حوانيت قد جعلتها للناحية بذلك، ولم أنطق بها فكتب إلى محمد بن جعفر اقبض الحوانيت بالخمسمائة التي لنا عليه.

فهذه الأمور ونحوها كثيرة تجري مجرى المعاجز الدالة على استحقاق الإمامة ولا يضر نقلها بالآحاد، لتواترها معنى بين خواص الأنام، كما في أكثر معجزات النبي عليه السلام.

(8)

فصل

* (في علامات القائم ومدته وما يظهر في دولته) *

 

وردت الروايات بأنه يكون أمامه دلالات: خروج السفياني، وقتل الحسني واختلاف بني العباس، وكسوف الشمس في نصف رمضان، والقمر في آخره، و خسف بالمشرق والمغرب، والبيداء، وركود الشمس من الزوال إلى العصر، و طلوعها من المغرب، وقتل نفس زكية بظهر الكوفة، ورجل هاشمي بين الركن والمقام، وإقبال رايات سود من خراسان، وخروج اليماني والمعربي، ونزول الترك الجزيرة، والروم الرملة، وطلوع نجم بالمشرق يضئ كالقمر يتقوس، و نار تظهر بالمشرق وتبقى أياما، وسنورد تفصيل شئ من ذلك وغيره في آثار واردة به.

أسند المفيد في إرشاده أن المنصور قال لسيف بن عميرة: لا بد من مناد من السماء باسم رجل من ولد أبي طالب ومن ولد فاطمة، ونحن أول من يجيبه، لولا أني سمعته من أبي جعفر محمد بن علي ما قبلته لو حدثني به أهل الأرض.

وأسند إلى عبد الله ابن عمر قول النبي صلى الله عليه وآله: لا تقوم الساعة حتى يخرج المهدي من ولدي، ولا يخرج حتى يخرج ستون كذابا كلهم يقول: أنا نبي.

وأسند إلى أبي جعفر عليه السلام أن من المحتوم خروج السفياني وطلوع الشمس

الصفحة 249 

من المغرب، واختلاف بني العباس، وقتل النفس الزكية، وخروج القائم، و النداء من السماء أول النهار: الحق مع علي وشيعته، وفي آخره ينادي إبليس:

الحق مع عثمان وشيعته، فعند ذلك يرتاب المبطلون.

وأسند إلى الصادق عليه السلام: لا يخرج القائم حتى يخرج قبله اثنى عشر من بني هاشم كلهم يدعو إلى نفسه.

وأسند إلى علي عليه السلام: بين يدي القائم موت أحمر هو السيف، وأبيض هو الطاعون، وجراد في حينه وغير حينه.

وأسند إلى جابر الجعفي قول أبي جعفر عليه السلام: الزم الأرض ولا تحرك يدا حتى ترى علامات اختلاف بني العباس، ومناد من السماء، وخسف الجابية من قرى الشام، ونزول الترك الجزيرة، والروم الرملة، واختلاف كثير، و تخرب الشام بثلاث رايات: الأصهب والأبقع والسفياني.

وأسند إلى أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى: (إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين(1)) قال أبو بصير: قلت: من هم؟ قال: بنو أمية وشيعتهم، قلت: وما الآية؟ قال: ركود الشمس من الزوال إلى العصر، وخروج يد ورجل ووجه يخرج من عين الشمس، يعرف بحسبه ونسبه، وذلك في زمان السفياني، عندها يكون بواره وبوار قومه.

وأسند إلى أبي جعفر عليه السلام: آيتان تكونان قبل القائم كسوف الشمس في نصف الشهر، والقمر في آخره، فتعجب السامع فقال: أنا أعلم بما قلت، إنهما آيتان لم تكونا منذ هبط آدم عليه السلام.

وأسند إلى أبي جعفر عليه السلام: ليس بين قيام القائم والنفس الزكية أكثر من خمس عشرة ليلة.

وأسند إلى الصادق عليه السلام: إذا هدم حائط مسجد الكوفة مما يلي دار عبد الله ابن مسعود، زال ملك القوم، وعند زواله خروج القائم.

____________

(1) الشعراء: 4.

الصفحة 250 

وأسند إلى الصادق عليه السلام: خروج السفياني والخراساني واليماني في يوم واحد ليس فيهم أهدى من اليماني لأنه يدعو إلى الحق.

وأسند إلى أبي الحسن عليه السلام: كأني برايات من مصر مقبلات خضر مصبغات حتى تأتي الشامات، فتهدي إلى ابن صاحب الوصيات.

وأسند إلى الصادق عليه السلام: أن لولد فلان عند مسجد الكوفة لوقعة في يوم عروبة، يقتل فيها أربعة آلاف، بين باب الفيل وأصحاب الصابون، فإياكم وهذا الطريق، فاجتنبوه، وأحسنهم حالا من يأخذ في درب الأنصار.

وأسند إلى الصادق عليه السلام: سنة الفتح تنبثق الفرات، حتى تدخل أزقة الكوفة.

وأسند إلى الصادق عليه السلام في قوله تعالى: (لنبلونكم بشئ من الخوف و الجوع إلى قوله: وبشر الصابرين(1)) قال: بتعجيل خروج القائم عليه السلام.

وأسند إلى الصادق عليه السلام: تزجر الناس قبل قيام القائم عليه السلام عن معاصيهم وتظهر في السماء حمرة، وخسف ببغداد، والبصرة، ودماء تسفك بها، وخراب دورها، وفناء يقع في أهلها، وشمول أهل العراق خوف لا يكون لهم معه قرار.

(9)

فصل

 

أسند المفيد في إرشاده إلى الصادق عليه السلام: ينادي باسم القائم في ليلة ثلاث و عشرين، ويقوم في يوم عاشورا يوم السبت بين الركن والمقام، جبرئيل عن يمينه ينادي (البيعة لله تعالى) فتصير إلى شيعته من أطراف الأرض تطوى لهم طيا حتى يبايعوه فيملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما.

وأسند إلى الباقر عليه السلام كأني بالقائم على نجف الكوفة قد سار إليها من مكة في خمسة آلاف من الملائكة، جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن شماله، و المؤمنون بين يديه، وهو يفرق الجنود في البلاد.

____________

(1) البقرة: 151.

الصفحة 251 

وعن أبي جعفر عليه السلام: يدخل الكوفة وبها ثلاث رايات قد اضطربت، فتصفو له فيخطب فلا يدري الناس ما يقول من البكاء، يسأله الناس صلاة الجمعة فيأمر أن يخط له مسجد على الغري فيصلي به.

وفي رواية صالح بن أبي الأسود: قال الصادق عليه السلام: مسجد السهلة منزل صاحبنا إذا قدم بأهله.

وفي رواية المفضل بن عمر قال: قال الصادق عليه السلام: إذا قام قائم آل محمد بنى في ظهر الكوفة مسجدا له ألف باب، واتصلت بيوت الكوفة بنهر كربلا.

وفي رواية [ عبد الكريم ] الجعفي عن الصادق عليه السلام: يملك القائم سبع سنين تطول له الأيام والليالي، فتكون السنة مقدار عشر سنين، فإذا آن قيامه مطرت الأرض في جمادى الآخرة وعشر من رجب مطرا شديدا تنبت به لحوم المؤمنين في قبورهم، فكأني أنظر إليهم مقبلين من قبل جهينة، ينفضون شعورهم من التراب.

وفي رواية أبي بصير: يأمر الله الفلك بقلة الحركة فتطول الأيام والسنون كما قال في القيامة: إنه (كألف سنة مما تعدون) وروي أن مدة ملكه تسع سنين يطول فيها الأيام والأشهر. والرواية الأولى أشهر.

إن قيل: استقر الدين على أنه لا بعث إلا في الحشر، قلنا: ذلك هو البعث العام فإن القرآن ورد ببعث آخر في قوله: (ويوم نحشر من كل أمة فوجا(1)) وفي موضع آخر (وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا(2)) فلو لا اختلاف القولين لزم تناقض الكلامين، وكذا قوله تعالى: (أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين(3)) فالموتة الأولى في الدنيا والحياة فيها، والآخرة بعدها، والحياة في الآخرة.

إن قيل: بل الموتة الأولى قبل الخروج إلى الدنيا لقوله: (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم الآية(4)) قلنا:: لا شك أن ذلك من المجاز، إذ يطلق

____________

(1) النمل: 86.

(2) الكهف: 46.

(3) المؤمن: 11 (4) البقرة: 28.

الصفحة 252 

الموت على ما لا يقع فيه، قال الله تعالى: (بلدة ميتا(1)) (الأرض الميتة(2)) وما نحن فيه لا ضرورة إلى ردة إلى المجاز. وفي القرآن (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين، ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون(3)) فقد ورد أن المستضعفين آل محمد صلى الله عليه وآله، وفرعون وهامان الشيخان المتقدمان.

إن قيل: الآية ظاهرة في بني إسرائيل قلنا: ظاهر (نرى) وأخواتها تدل على الاستقبال، ويؤيده ما في ذلك من الأخبار. وقد ورد فيها رجوع الأئمة الأطهار.

إن قيل: فعلى هذا يكون علي عليه السلام في دولته، وهو أفضل منه، قلنا: قد قيل: إن التكليف سقط عنهم، وإنما يحييهم الله ليريهم ما وعدهم، وبهذا يسقط ما خيلوا به من جواز رجوع معاوية وابن ملجم وشمر ويزيد وغيرهم، فيطيعون الإمام فينقلون من العقاب إلى الثواب، وهو ينقض مذهبكم من أنهم ينشرون لمعاقبتهم والشقاية فيهم.

قلنا: مع ما سلف، لما ورد السمع بخلودهم في النيران، وتبرأ الأئمة منهم، ولعنهم إلى آخر الزمان، قطعنا بأنهم لا يختارون الإيمان، كما أخبر الله بتخليد قوم، وقال فيهم: (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه(4) ولأنه إذا أنشرهم للانتقام، لم تقبل توبتهم لو وقعت، لكونها إلجاء كما لو وقعت في الآخرة، قال الله لإبليس: (الآن وقد عصيت(5) وآمن فرعون عند الغرق فلم يقبل منه، وقد تظافرت عن الأئمة بمنع التوبة بعد خروج المهدي، وفسروا على ذلك قوله تعالى:

(يوم يأتي بعض آيات ربك لا تنفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل(6)) [ وقوله تعالى: (وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس

____________

(1) ق: 11.

(2) يس: 33.

(3) القصص: 5 و 6.

(4) الأنعام: 28 (5) يونس: 91، والخطاب لفرعون لا إبليس.

(6) الأنعام: 28.

الصفحة 253 

كانوا بآياتنا لا يوقنون * ويوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون) إلى تمام الآيات وهي في سورة النمل ](1).

هذا وفي رواية المفضل قال الصادق عليه السلام: إذا قام عليه السلام أشرقت الأرض، و ذهبت الظلمة، واستغنى الناس عن الشمس، وعمر الرجل حتى يولد له ألف ذكر، و أظهرت الأرض كنوزها حتى يطلب الرجل منكم من يأخذ منه زكاة ماله فلا يجد أحدا.

وروى عمرو بن شمر عن جابر الجعفي قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:

سأل عمر بن الخطاب عليا عليه السلام عن اسم المهدي فقال: عهد إلي حبيبي أن لا أحدث به حتى يبعثه الله، فسأله عن صفته، فقال: شاب مربوع، حسن الوجه يسيل شعره على منكبيه، ويعلو نور وجهه سواد شعر لحيته.

وفي رواية المفضل: يخرج وعليه قميص يوسف، فيشم المؤمنون رائحته شرقا وغربا، وهو الذي شم رائحته يعقوب في قوله: (إني لأجد ريح يوسف(2).

وروى المفضل بن عمر قال: قال الصادق عليه السلام: إذا قام قائمنا صعد المنبر ودعا إلى نفسه، وناشد الناس بحق ربه، وسار فيهم بسيرة رسوله، فيبايعه جبرائيل وثلاثمائة وبضعة عشر من أنصاره فيقيم بمكة حتى تتم أصحابه عشرة آلاف، فيسير فيه إلى المدينة.

وفي رواية ابن المغيرة عن الصادق عليه السلام: أنه يقتل ثلاثة آلاف من قريش و من مواليهم.

وفي رواية سليمان الديلمي قلت للصادق عليه السلام: (هل أتاك حديث الغاشية(3)) قال: يغشاهم القائم بالسيف، قلت (وجوه يومئذ خاشعة) قال: خاضعة لا تطيق الامتناع، قلت: (عاملة) بغير ما أنزل الله قلت: (ناصبة) قال: نصبت غير ولاة الأمر، قلت: (تصلى نارا حامية) قال: الحرب في الدنيا على عهد القائم وفي الآخرة جهنم.

____________

(1) النمل: 84 - 87.

(2) يوسف: 94.

(3) سورة الغاشية: 1، وما بعدها ذيلها.

الصفحة 254 

وفي رواية أبي بصير أنه يهدم المسجد الحرام حتى يرده إلى أساسه، ويحول المقام إلى موضعه الذي كان قبله، ويقطع أيدي بني شيبة ويعلقها بالكعبة ويكتب عليها: هؤلاء سراق الكعبة.

وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام: إذا قدم الكوفة خرج إليه بضعة عشر ألف بالسلاح يدعون البترية يقولون: ارجع من حيث جئت فلا حاجة لنا في بني فاطمة، فيقتلهم عن آخرهم، ويقتل كل منافق ومرتاب، ويهدم قصورها، و يقتل مقاتلها.

وفي رواية أبي بصير عنه عليه السلام يهدم بها أربعة مساجد، ولم يبق بدعة إلا أزالها ولا سنة إلا أقامها، ويفتح قسطنطينية والصين وجبال الديلم.

وفي رواية المفضل عن الصادق عليه السلام يخرج معه من ظهر الكوفة خمسة عشر من قوم موسى، وسبعة من أهل الكهف، ويوشع وسلمان وأبو دجانة والمقداد ومالك الأشتر فيكونون بين يديه أنصارا وحكاما.

وفي رواية ابن عجلان عن الصادق عليه السلام أنه يحكم بحكم داود ولا يحتاج إلى بينه: يلهمه الله فيحكم بعلمه، ويخبر كل قوم بما استبطنوه، ويعرف وليه من عدوه بالتوسم.

تذنيب:

ليس بعد دولة القائم عليه السلام دولة واردة إلا في رواية شاذة من قيام أولاده من بعده، وهي ما روي عن ابن عباس من قول النبي صلى الله عليه وآله: كيف تهلك أمة أنا أولها، و عيسى بن مريم آخرها، والمهدي في وسطها، ونحوها روي عن أنس وزاد: ولكن يهلك بين ذلك ثبج أعوج، ليس مني ولا أنا منهم، وهاتان تدلان على دولة بعد دولته.

ونحن قد أسلفنا الكلام في دلك؟ عند النص على آبائه وأكثر الروايات أنه لن يمضي إلا قبل القيامة بأربعين يوما يكون فيها الهرج، وعلامة خروج الأموات للحساب، والله ولي الصواب، وإليه المرجع والمآب.

الصفحة 255 

وهنا أبيات اخترناها من نظم الشيخ محمود بن نبهان تتعلق بهذا الشأن وبآبائه من أئمة الأزمان:

 

آل طه وآل حم والحشر          عليهم وفيهم التنزيل

هم أولوا الأمر والمودة في القربى        وكل عن ودهم مسؤول

طالبيون فاطميون عليون         لا علة ولا تعليل

نسب طاهر المعارس للشمس  بمعناه غرة وحجول

كل فرع إذا رسى الأصل بالفرع سمت بالغصون منه الأصول

كلهم للورى أئمة عدل تتساوى شبانهم والكهول

الهداة المعرفون إذا استعجم     عند التلاوة التأويل

بهم استدفع ابن متى وموسى    خوف بحربهما وفاز الخليل

طاعة حكمها على الماء والنار   عصاها للإمرة المستقيل

أنا مولى لسادة كل أمر  لجميع الورى إليهم يؤل

إذا ما الكتاب أفصح بالمدح     فماذا عسى فصيح يقول

ليت شعري متى تقوم لأخذ     الثار ليث على الأعادي تقول

قائم يقعد الضلالة والكفر        ويسمو به الهدى ويطول

يملأ الأرض عدله ونداه          ليس للعالمين عنه عدول

طال مطل الغريم يا آل طه       واقتضى دينه الذميم المطول

 

وقال عامر البصري في عروض نظم السلوك:

 

إمام الهدى حتى متى أنت غائب        فمن علينا يا أبانا باوبة

مللنا وطال الانتظار فجد لنا      برأيك يا قطب الوجود بلفتة

فأنت لهذا الأمر قدما مينا        لذلك قال الله أنت خليفتي

فعجل ظهورا كي نراك فلذة    المحب لقا محبوبه بعد غيبة

 

الصفحة 256 

 

(10)

فصل

 

أسند ابن بابويه أن له عليه السلام علما وسيفا، إذا حان خروجه انتشر العلم بنفسه، وخرج السيف من غمده، ونادى: يا مهدي اخرج فلا يحل لك أن تقعد فيخرج وجبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، وشعيب ابن صالح على مقدمته.

وأسند ابن بابويه في كتاب النبوة أن هشام بن عبد الملك بعث يستخرج بئرا فحفروا فيها مائتي قامة فإذا جمجمة طويلة فحفروا حولها فإذا رجل قام على صخرة وعليه ثياب بيض، وكفه اليمنى على رأسه فكنا إذا نحيناه سال الدم، وإذا تركناه عاد، فسد الجرح. وإذا في ثوبه مكتوب: أنا شعيب ابن صالح رسول شعيب، بعثني إلى قومه فضربوني وطرحوني ههنا.

فكتبوا إلى هشام فكتب: أعيدوا عليه التراب.

وفي الخرايج والجرايح: بهمدان بيت مؤمنون، فسئلوا عن سبب إيمانهم فقالوا: حج جدنا سنة، فرجع قبل الحاج بكثير فسألناه فقال: نمت وانتبهت فلم أجد أحدا، فسرت فرأيت قصرا فقصدته فوجدت شابا حسن الوجه، فقلت: من أنت؟ قال: أنا الذي ينكرني قومك وأهل بلدك، فقلت: متى تخرج؟ قال: إذا انسل هذا السيف عفوا ثم قال: أتريد بيتك؟ فقلت: نعم، فقال لغلامه: خذ بيده فخرجنا نمشي والأرض تطوى لنا، فأراني منزلي وانصرف، فدخل الحاج بعد مدة وحدثوا الناس بانقطاعي فتعجبنا واستبصرنا.

وأسند في الخرايج إلى الباقر عليه السلام: سمي المهدي لأنه يهدي لأمر خفي يبعث إلى الرجل من أصحابه لا يعرف له ذنب فيقتله.

قال أبو الأديان خادم العسكري عليه السلام: بعثني بالكتب إلى المدائن وأخبرني بالعود إليه بعد خمسة عشر يوما، وقد مات، فقلت: إذا كان ذلك فإلى من؟ قال:

الصفحة 257 

إلى من يطلب منك جوابات كتبي، ويصلي علي، ويخبرك بما في الهميان، فهو القائم بعدي، فخرجت وجئت فكان كما قال، فتقدم أخوه جعفر ليصلي عليه فخرج صبي أسمر بأسنانه فلج، فنحاه وصلى عليه، ثم قدم نفر من قم، ومعهم هميان فأخبرهم أن فيه ألف دينار.

(11)

فصل

 

من كتاب عقد الدرر في أخبار المنتظر ليوسف بن يحيى السلمي عن سالم الأشل قال: سمعت الباقر عليه السلام يقول: نظر موسى بن عمران في السفر الأول إلى ما يعطى قائم آل محمد فقال: رب اجعلني قائم آل محمد، فقيل له: ذلك من ذرية أحمد، فنظر في السفر الثاني فقال: فقيل له، وفي الثالث فقال: فقيل له.

وعن حذيفة قال للنبي صلى الله عليه وآله: يلتفت المهدي وقد نزل عيسى بن مريم كأنما يقطر من شعره الماء، يقول له المهدي: تقدم فصل، فيقول: إنما أقيمت الصلاة لك فيصلي عيسى خلف رجل من ولدي.

وعن أمير المؤمنين عليه السلام لا تبقى مدينة دخلها ذو القرنين إلا دخلها المهدي ويأتي إلى مدينة فيها ألف سوق في كل سوق مائة دكان، فيفتحها ويأتي مدينة يقال لها القاطع على البحر المحيط، طولها ألف ميل وعرضها خمسمائة ميل، فيكبرون الله ثلاثا فتسقط حيطانها، فيخرج منها ألف ألف مقاتل ثم يتوجه إلى القدس الشريف بألف مركب، فينزل شام فلسطين بين مكة، وصورة وغزوة وعسقلان.

وعن حذيفة يبنى مدينة مما يلي المشرق، يكون فيها وقعة لم يسمع أهل ذلك الزمان بمثلها، ثم تنجلي هي، والواقعة التي قبلها في أهل الشام عن أربعة مائة ألف قتيل ثم يخرج المهدي في أثر ذلك في ثلاثمائة راكب، منصورا لا يرد له راية.

ومن كتاب الهداية. قال الصادق عليه السلام للمفضل بن عمر: ليس للمهدي وقت لأنه كالساعة، إنما علمها عند ربي (ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال

الصفحة 258 

بعيد(1)) قال: يقولون: متى ولد، وهو أين يكون ومتى يظهر؟ استعجالا لأمر الله، وشكا في قضائه وقدرته، لا يوقت لمهدينا وقتا إلا من شارك الله في علمه وادعى أنه أظهره على سرة.

ومن كتاب الروضة للكليني عن يعقوب السراج قلت للصادق عليه السلام: متى فرج شيعتكم؟ قال: إذا اختلف ولد العباس ووهى سلطانهم، وخلعت الأعراب أعنتها، ورفع كل ذي صيصية صيصيته، وظهر الشامي، وأقبل اليماني، وخرج صاحب هذا الأمر من المدينة إلى مكة بتراث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلاحه.

وعن حذيفة وجابر، هبط جبرئيل على النبي صلى الله عليه وآله وبشره بأن القائم من ولده لا يظهر حتى يملك الكفار الأنهر الخمسة سيحون، وجيحون، والفراتين، و النيل، فينصر الله أهل بيته على الضلال فلا ترفع لهم راية إلى القيامة.

وسئل الصادق عليه السلام عن ظهوره، فقال: إذا حكمت في الدولة الخصيان والنسوان، وأخذت الإمارة الشبان والصبيان، وخرب جامع الكوفة من العمران وانفقدت الجيران، فذلك الوقت زوال ملك بني عمي العباس، وظهور قائمنا أهل البيت.

ومن كتاب عبد الله بن بشار رضيع الحسين عليه السلام: إذا أراد الله أن يظهر آل محمد بدأ الحرب من صفر إلى صفر، وذلك أوان خروج المهدي عليه السلام.

قال ابن عباس: يا أمير المؤمنين ما أقرب الحوادث الدالة على ظهوره؟ فدمعت عيناه، وقال: إذا فتق بثق في الفرات، فبلغ أزقة الكوفة فليتهيأ شيعتنا للقاء القائم.

وعن ابن عباس يبعث الله المهدي بعد الياس، حتى تقول الناس لا مهدي، و أنصاره ناس من أهل الشام عدتهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا.

ومن كتاب عجائب البلدان قال عمار: قلت للصادق عليه السلام: متى يقوم قائمكم قال: عند هدم مدينة الأشعري.

وأسند الصادق إلى آبائه عليهم السلام أن عليا عليه السلام قال: إذا وقعت النار في حجازكم وجرى الماء بنجفكم، فتوقعوا ظهور قائمكم.

الصفحة 259 

وعن زين العابدين عليه السلام إذا ملأ هذا نجفكم السيل والمطر، وظهرت النار في الحجارة والمدر، وملكت بغداد التتر، فتوقعوا ظهور القائم المنتظر.

وفي كتاب الشفا عن أمير المؤمنين عليه السلام قال النبي صلى الله عليه وآله: عشرة قبل الساعة لا بد منها: السفياني، والدجال، والدخان، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى، وخسف بالمشرق وخسف بالمغرب، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر.

ومن كتاب الغيبة لا يخرج المهدي إلا على حرب شديد وزلازل وفتن وطاعون.

(12)

فصل

 

روى أبو العلاء الهمداني من أفضل علماء الجمهور، وقد أثنى عليه الحافظ محمد بن النجار في تذييله على تاريخ الخطيب، حتى قال: تعذر وجود مثله في أعصار كثيرة ذكر في كتاب أخبار المهدي أحاديث في ذلك.

1 - منها عن عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يخرج المهدي وعلى رأسه ملك ينادي: ألا إن هذا المهدي فاتبعوه.

2 - عن شهر بن حوشب: قال النبي صلى الله عليه وآله: في المحرم ينادي مناد: ألا إن صفوة الله من خلقه فلان فاسمعوا له وأطيعوا.

3 - عبد الله بن عمر قال النبي صلى الله عليه وآله: يخرج المهدي من قرية يقال لها:

كرعة، على رأسه غمامة فيها مناد ينادي هذا خليفة الله فاتبعوه.

4 - عن أبي رومان قال علي عليه السلام: بعد الخسف ينادي مناد من السماء أول النهار: إن الحق في آل محمد، وفي آخر النهار الحق في ولد عيسى، وذلك ونحوه من الشيطان ويظهر المهدي على أفواه الناس ويشربون حبه.

5 - إذا التقى فلان المهدي يسمع صوت من السماء ألا إن أولياء الله أصحاب فلان يعني المهدي.

الصفحة 260 

وعنه من طريق آخر يخرج من مكة بعد الخسف في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ويلتقي هو وصاحب جيش السفياني، وأصحاب المهدي يومئذ جننهم البراذع يعني ترأسهم ويسمع صوت مناد من السماء ألا إن أولياء الله أصحاب فلان يعني المهدي وتكون الدائرة على أصحاب السفياني.

ومن كتاب مواليد أهل البيت: يظهر المهدي في آخر الزمان، على رأسه غمامة، تدور معه حيث دار، ينادي بصوت هذا المهدي وروي أن المنادى يفهمه كل قوم بلسانه.

ومن كتاب البصاير: لا يقوم القائم إلا على وتر من السنين، ونحوه في كتاب النعماني وفي إرشاد المفيد أيضا.

قال أبو جعفر عليه السلام: والله لكأني أنظر إليه بين الركن والمقام، يبايع الناس بكتاب جديد، وأمر شديد، وسلطان من السماء لا ترد له راية.

أبو جعفر عليه السلام إذا خرج قائم آل محمد، نصره الله بالملائكة: جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، والرعب أمامه شهر وخلفه شهر.

(13)

فصل

 

قال محمد بن أحمد: إن والده لما سمع أن المهدي يخرج من كرعة كان يكثر السؤال عنها لوفد الحاج كل سنة قال: فجاء بي شخص إلى شيخ تاجر ذي مال وخدم، وقال: هذا يسأل كل وقت عن كرعة ولا يدري أين هو؟ فإن كان عندك خبرها فأخبره به فرحب الشيخ بي، وقال: من أين تعرفها؟ قلت: سمعت في الكتب حديثها وشأنها.

فقال: كان والدي كثير الأسفار، فحمل جماله وسرت معه، فطلبنا موضعا فضللنا عن الطريق أياما حتى نفد زادنا وكدنا نتلف، فأشرفنا على قباب وخيام من الأدم فخرجوا إلينا فحكينا لهم أمرنا.

 

 

 

 

الصفحة 261 

فلما كان الظهر خرج شيخ ذو هيبة لم أر أحسن منه وجها، ولا أعظم منه هيبة، ولا أجل قدرا حتى كنا لا نشبع من نظره لهيبته، فصلى بهم الظهر مسبلا كصلاتكم يا أهل العراق، فلما سلم سلم عليه والدي، وحكى له قصتنا، فأقمنا أياما ولم نر مثلهم ناسا: لم يسمع عندهم هجر ولا لغو، ثم طلبنا منه المسير فبعث معنا شخصا فسار بنا ضحوة فإذا نحن بالموضع الذي نريده، فسأله والدي عن الرجل من هو؟ فقال: هو المهدي، والموضع الذي هو فيه يقال له: كرعة، مما يلي بلاد الحبشة من بلاد اليمن مسيرة عشرة أيام مفازة بغير ماء قال الشيخ السعيد علي بن طاووس: هذه القرية وجدنا ذكرها في أخبار المخالف والمؤالف، وأن المهدي يخرج منها، وقد ذكره أبو نعيم الحافظ مع عظم شأنه وتدينه وقد مدحه ابن النجار في تذييله بما يضيق هذا الكتاب من تفصيله.

ذكر أبو نعيم المذكور في كتابه الذي سماه نعوت المهدي فأسند فيه حديثا إلى عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يخرج المهدي من قرية يقال لها:

كرعة، على رأسه غمامة، فيها مناد ينادي هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه.

ثم ذكر أول لواء يعقد له، وما يكون من عدله، وطرفا من أخباره.

وفي كتاب البطائني: رايات ولد فاطمة صوف نسجت نسجا، لها أجنحة تطير كطيران الطير، فيها الحق والعدل، فائتوها ولو حبوا على الثلج.

وفيه عن أبي جعفر عليه السلام: إذا رأيتم الرايات السود من قبل المشرق من أطراف الأسنة إلى زج القناة صوف أحمر فتلك رايات الحسني التي لا تكذب.

وفي كتاب الربيع مسندا إلى أبي جعفر عليه السلام كأني بصاحبكم وقد علا نجف كوفان في عدد أهل بدر ينصر بالرعب والملائكة.

وفيه عن علي بن الحسين عليه السلام: إذا قام قائمنا أذهب الله عنهم العاهة وجعل قلوبهم كزبر الحديد، قوة كل رجل [ قوة ] أربعين رجلا وفي كتاب الملاحم: يذبح المهدي إبليس، ويموت كل شيطان، ثم تلا:

(إن الأرض يرثها عبادي الصالحون وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات

الصفحة 262 

ليستخلفنهم في الأرض(1)) ومن كتاب الفتن لأبي نعيم: يظهر المهدي بمكة ومعه سلاح النبي ورايته وقميصه، وعلامات، ونور، يأتيه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا رهبان بالليل أسود بالنهار.

ومن كتاب الشفا والجلا مسندا إلى الصادق عليه السلام: إذا قام قائمنا أشرقت الأرض بنوره واستغني عن ضوء الشمس، وذهبت الظلمة، ويعمر الرجل حتى يولد له ألف ذكر، وقد سلف نحو ذلك في الفصل التاسع.

وعن الصادق عليه السلام: يمد الله لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم، حتى لا يكون بينهم وبين قائمهم حجاب، يريد يكلمهم فيسمعونه وينظرون إليه في مكانه.

وفي كتاب الروضة عن الصادق عليه السلام إذا تمنى أحدكم القائم فليتمنه في عافية، فإن الله بعث محمدا رحمة وبعثه نقمة وفي الجزء الخامس من تفسير النقاش عن الصادق عليه السلام (العذاب الأدنى(2)) غلاء السعر (والأكبر) خروج المهدي بالسيف.

(14)

فصل

 

وقد كانت الأئمة صلوات الله عليهم تتألف قلوب الشيعة بتقريب خروج المهدي عليه السلام وقد أسند الكليني في كتاب الروضة إلى الباقر عليه السلام أن عبد الحميد الواسطي قال له: قد تركنا أسواقنا انتظارا لهذا الأمر حتى يوشك أن الرجل يسأل في يده، فقال عليه السلام: أترى من حبس نفسه على الله لا يجعل له فرجا؟ بلى والله، فرحم الله من حبس نفسه علينا قال: فإن مت قبل إدراكه؟ فقال: إذا قال القائل منكم إذا أدركته نصرته كان كالمقارع معه بسيفه والشهادة معه شهادتان.

____________

(1) النور: 55.

(2) السجدة: 21.

الصفحة 263 

ومن عجيب رواية ابن قتيبة في الجزء الأول من كتاب عيون الأخبار: كتب مسيلمة بن عبد الملك إلى يزيد بن المهلب: والله ما أنت صاحب هذا الأمر، إن صاحب هذا الأمر مغمور موتور، وأنت مشهور موثور.

وأسند محمد بن إبراهيم النعماني في كتاب الغيبة إلى الصادق عليه السلام ثلاث عشر مدينة وطائفة تحارب المهدي عليه السلام.

وذكر أبو بشر في كتابه: يغيب الإمام طويلا حتى ييأس المؤمنون، ويشك المرتابون، ويكذب الضالون، وهو مع ذلك يطالع أمرهم، ويعرف وحشتهم، و يتجاوز عن قبيحهم، ويدعو بالصيانة والصلاح لهم، وإنه ليخترق من وراء قاف إلى حضور الحج كل سنة، فيغفر الله بدعائه للخاطئين من شيعته، ويحضر المشاهد والزيارات.

قال مؤلف هذا الكتاب علي بن محمد بن يونس: خرجت مع جماعة نزيد على أربعين رجلا إلى زيارة القاسم بن موسى الكاظم، فكنا عن حضرته نحو ميل من الأرض، فرأينا فارسا معترضا فظنناه يريد أخذ ما معنا، فخبينا ما خفنا عليه، فلما وصلنا رأينا آثار فرسه ولم نره فنظرنا ما حول القبة فلم نر أحدا فتعجبنا من ذلك مع استواء الأرض، وحضور الشمس، وعدم المانع، فلا يمتنع أن يكون هو الإمام أو أحد الأبدال، فلا ينكر حضور شخص لا يرى لسر أودعه الله فيه.

إن قيل: فهذا يبطل أصل وجوب الرؤية عند حصول شرائطها قلنا: فإن من شرائطها عدم المانع، والمانع هو السر المذكور، وقد وجد في أبواب السحر و الشعبذة إخفاء الأعيان، واشتباه الشئ بغيره، وقد ذكر عن أهل السيميا إخفاء الأشخاص.

وقد ذكر الإمام الطبرسي في تفسير (تبت) أن النبي صلى الله عليه وآله تحرس بقرآن من أم جميل زوجة أبي لهب، فلم تره فيجوز أن يكون الله تعالى قد عكس الشعاع أو فرقه قبل وصوله إليه، أو ضلب المهدي فلم ينفذ فيه الشعاع وفي كتاب علي بن حسان الواسطي: يملك القائم ثلاثمائة وتسع سنين، و

الصفحة 264 

من كتاب الغيبة للطوسي: يدخل المهدي الكوفة فيخطب، وهو قول النبي صلى الله عليه وآله:

كأني بالحسني وقد قادها فيسلمها الحسيني فيبايعوه، ثم يأمر بعمارة جامع له ألف باب.

وفي كتاب الحضرمي عن الباقر عليه السلام أيام الله ثلاثة: يوم القائم ويوم الكرة ويوم القيامة، ومثله في كتاب الشفا عن الصادق عليه السلام.

ووجد كتاب بخط الكمال العلوي النيشابوري في خزانة أمير المؤمنين فيه وصية لابنه محمد بن الحنفية:

 

بني إذا ما جاشت الترك فانتظر ولاية مهدي يقوم فيعدل

وذكر ملوك الظلم من آل هاشم وبويع منهم من يلد ويهزل

صبي من الصبيان لا رأي عنده ولا هو ذو جد ولا هو يعقل

فثم يقوم القائم الحق فيكم      وبالحق يأتيكم وبالحق يفعل

سمي نبي الله نفسي فداؤه       فلا تخذلوه يا بني وعجلوا

 

وحدث علي بن الفتح عن عبد الوهاب ابن أبي الفوارس أن صاحب الأمر مساكنه بيوت أديم كبار، يدخل فيها الفارس برمحه، وأن التي يسكنها يكون فيها الماء والكلاء، فإذا رحل عنها زال ذلك، ووجدت آثار الاعلاف بها، وقد روي عن الإمام الهادي عليه السلام نحو ذلك.

(15)

فصل

 

حدث كمال الدين الأنباري قال: أمسينا عند عون الدين الوزير، فرأينا يقرب شخصا لا نعرفه، ونستمع كلامه، فتجارينا المذاهب، فقال الوزير، أقل طائفة الشيعة. فقال الرجل:

خرجت مع والدي في البحر من مدينتنا الزاهية، فأوغل بنا المركب، فجئنا جزيرة واسعة فسألنا أهلها عن اسمها واسم سلطانها، فقالوا: المباركة، واسم السلطان

الصفحة 265 

الطاهر، قلنا: فأين سرير ملكه؟ قالوا: بالمدينة الزاهرة فدخلنا عليه، فإذا رجل عليه عباءة وتحته عباءة فأخذ منا الجزية وكان معنا مسلمون، فناظرهم فقال:

أنتم خوارج ولستم مسلمين وتحل أموالكم، فسألوه الحمل إلى سلطانه، فأجابهم فأخذوا دليلا عارفا، قال: وخرجنا معهم في البحر ثلاثة عشر يوما بلياليها، فأقبلنا على جزيرة ومدينة مليحة كثيرة الماء، طيبة الهواء، ترعى النعاج مع السباع و أهلها على أحسن قاعدة في ديانتهم وأمانتهم، ليس فيهم لغو ولا تساب ولا نميمة، ولا اغتياب.

فدخلنا على سلطانهم فإذا هو في قبة من قصب فلما أذن المؤذن اجتمعوا إليه في أسرع وقت فصلى بهم وانصرف، فما رأت عيني أخضع لله منه، ولا ألين جانبا للرعية، ثم التفت إلينا وخاطبنا، وكان معنا رجل يعرف بالمقري الشافعي فقال له: أنت تقول بالقياس؟ قال: نعم، قال: هل تلوت آية المباهلة؟ قال: نعم قال: وآية التطهير؟ قال: نعم، قال: فهل بلغك أن غير علي وزوجته وولديه خرج إلى المباهلة؟ ونزلت آية التطهير فيه، ولف النبي صلى الله عليه وآله الكساء عليه؟ أفمن طهره الله يقدر أحد ينجسه؟

ثم بسط لسانا أمضى من السهام، وأقطع من الحسام، فقام الشافعي قائلا عفوا عفوا انسب لي نفسك فقال: أنا الطاهر بن محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الذي أنزل الله فيه (وكل شئ أحصيناه في إمام مبين(1)) وأنزل في حقنا (ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم(2)) فبكى الشافعي وآمن به، وحمد الله على انتقاله من التقليد إلى اليقين وكان معنا رجل مالكي فآمن أيضا.

وأقمنا في تلك المدينة سنة كاملة، وتحققنا أن ملك تلك مسيرة شهرين برا وبحرا، وأن بعدها مدينة اسمها الرائقة، سلطانها القاسم ابن صاحب الأمر، و

____________

(1) يس: 12.

(2) آل عمران: 34.

الصفحة 266 

بعدها مدينة اسمها طلوم، سلطانها عبد الرحمن بن صاحب الأمر، رستاقها وضياعها شهران، وبعدها مدينة اسمها عاطن سلطانها هاشم بن صاحب الأمر، هي أعظم المدن مسيرة ملكها أربعة أشهر، فهذه المدن على كبرها لم يوجد فيها سوى الشيعة الذين لو اجتمع أهل الدنيا لكانوا أكثر منهم، فأقمنا سنة نتوقع ورود صاحب الأمر فلم يوفق لنا.

قال كمال الدين: فلما سمعه الوزير شدد علينا في كتمان ذلك.

تذنيب:

إن قيل: إذا كان في هذه الكثرة، فلم لا يخرج وينتصر بهم؟ قلنا: إن علام الغيوب قد يعلم عدم نصرتهم وإن كثروا، وقد أخر الله إغراق فرعون وقوم نوح مع إمكان تقديمه، ونصر نبيه بالملائكة في بدر مع إمكان تقديمه، ولعل نصرته بهم كانت مشروطة باجتماع الأنصار من الناس، وتكون نصرة المهدي موقوفة على اجتماع ثلاثمائة وثلاثة عشر من غيرهم، لاشتمالهم على صفات تختص بهم، فلا اعتراض للفجار الأشرار، على الحكيم المختار، العالم بالأسرار.

(16)

فصل

 

نذكر فيه شيئا مما اختلف الناس فيه من تعيين الأئمة بعد أمير المؤمنين عليه السلام.

فأول فرقة شذت من الإمامية الكيسانية قالت: بإمامة محمد بن الحنفية فذهب شذاذ منهم إلى أنه الإمام بعد أبيه، وأنه حي لم يمت، وأنه المهدي، و آخرون منهم قالوا بموته، وسيعود وهو المهدي، وأن الحسن والحسين إنما كانا يدعوان إليه. والأكثرون قالوا: إنه الإمام بعدهما، واحتجوا لإمامته بأنه كان صاحب رايته بالبصرة، كما كان علي صاحب راية رسول الله صلى الله عليه وآله.

قلنا: معلوم أن النبي صلى الله عليه وآله أعطى الراية لمن ليست له إمامة.

الصفحة 267 

قالوا: قال له: أنت ابني حقا قلنا: حقية بنوته لا تدل على إمامته إذ لا خلاف في أن الحسن والحسين ابناه، وله أولاد غيرهم، ولا إمامة لهم، وإنما أراد الإبانة عن شجاعته ونجدته، ولو دلت البنوة على الإمامة دلت بنوة الحسن والحسين على النبوة لقول النبي صلى الله عليه وآله: هذان ابناي، وقال لهما: أبوهما في ذلك اليوم بعينه، لما رأى فيهما انكسارا عند مدحه لأخيهما: أنتما ابنا رسول الله صلى الله عليه وآله قالوا: وقال له:

 

أطعن بها طعن أبيك تحمد     لا خير في الحرب إذا لم توقد

 

ولا يطعن طعن الإمام إلا الإمام قلنا: إن سلم فلا شك أن المراد المشابهة وقد علم أصحابه كيفيات الحروب بقوله: غضوا الأبصار، وغضوا على النواجذ ولا إمامة لهم.

واحتجوا لمهديته بقول النبي صلى الله عليه وآله: لن تنقضي الأيام حتى يبعث الله رجلا من أهل بيتي اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي فيملأها قسطا كما ملئت جورا ومن أسماء علي عبد الله لقوله: أنا عبد الله وأخو رسول الله قلنا: قد أجبنا عن هذا في باب مهدية محمد بن الحسن فليراجع منه، وقول أبيه: (أنا عبد الله) لا يدل على التسمية، بل هو صفة، ويلزم من ذكرها التخصيص بها كما حقق في الأصول.

واعلم أنه لا بقية للكيسانية إلا ما يحكى شاذا لا نعلم صحته من بقية شاذة لا يعلم وجودها، وفي انقراضها بطلان قولها، ولا يخرج الحق عن الأمة بأجمعها وإن علم وجودها فقلتها تمنع القطع بقولها.

على أنه لا عصمة لابن الحنفية، ولا نص عليه، ولا ادعى ذلك، ولا أخرج معجزا على يديه، وما تلوناه من النصوص على الأئمة المنقولة عن المؤالف والمخالف يدل على بطلان قول هذه وغيرها من الطوائف.

قالوا: بعث المختار يدعو إليه ويأخذ بثأر أخيه قلنا: بل المشهور في السير أنه لما بلغه ذلك أنكره، وقد كان كثير عزة كيسانيا ومات عليها وله أشعار فيها منها:

الصفحة 268 

 

ألا إن الأئمة من قريش لدى التحقيق أربعة سواء

علي والثلاثة من بنيه    هم الأسباط ليس بهم خفاء

فسبط سبط إيمان وبر  وسبط غيبته كربلاء

وسبط يملأ الأرضين عدلا       إمام الجيش يقدمه اللواء

يغيب لا يرى فيهم زمانا         برضوى عنده عسل وماء

 

وكان السيد الحميري كذلك وله فيه:

 

ألا حي المقيم بشعب رضوي   وأهد له بمنزله السلاما

أضر بمعشر والوك منا  وسموك الخليفة والإماما

وما ذاق ابن خولة طعم موت    ولا وارت له أرض عظاما

 

فلما دعاه الصادق عليه السلام إلى إمامته استجاب له، ورجع عن ضلالته، وقد شهر ذلك في قصيدته:

 

تجعفرت باسم الله والله أكبر     وأيقنت أن الله يعفو ويغفر

ودنت بدين غير ما كنت داينا   به ونهاني سيد الناس جعفر

فقلت له هبني تهودت برهة     وإلا فديني دين من يتنصر

فلست بقال ما حييت وراجعا   إلى ما عليه كنت أخفي وأضمر

ولا قائلا قولا لكيسان بعدها     وإن عاب جهال علي وأكثروا

ولكنه ممن مضى لسبيله         على أحسن الحالات يعفى ويؤثر

 

وقال:

 

أيا راكبا نحو المدينة جسرة     غذافرة يطوى بها كل سبسب

إذا ما هداك الله عاينت جعفرا  فقل لولي الله وابن المهذب

ألا يا ولي الله وابن وليه أتوب إلى الرحمن ثم تأوب

أتوب من الذنب الذي كنت مطنبا       أجاهد فيه دائبا كل معرب

وما كان قولي في ابن خولة دائبا         معاندة مني لنسل المطيب

ولكن روينا عن وصي محمد   وما كان فيما قال بالمتكذب

 

الصفحة 269 

 

بأن ولي الأمر يفقد لا يرى      سنين كفعل الخائف المترقب

إذا قلت لا فالحق قولك والذي تقول فحتم غير ما متعصب

وأشهد ربي أن قولك حجة      على الخلق طرا من مطيع ومذنب

بأن ولي الأمر والقائم الذي      تطلع نفسي نحوه وتطرب

له غيبة لا بد أن يستغيبها        فصلى عليه الله من متغيب

فيمكث حينا ثم يظهر أمره      فيملأ عدلا كل شرق ومغرب

بذاك أدين الله سرا وجهرة       ولست وإن عوتبت فيه بمعتب

 

وهؤلاء بعد محمد بن الحنفية اختلفوا في وصيته بها على أقوال ليس هذا موضعها وأكثر الإمامية ساقوها من علي عليه السلام إلى ولده الحسن وبعد موته منهم شذاذ قالوا: هي لابنه الحسن الملقب بالرضا، ومنهم من نقلها إلى غيره أيضا، والأكثر قالوا: هي لأخيه الحسين، واختلفوا بعد قتله فمنهم من قال: هي لابن الحنفية ومنهم من قال: هي لزيد والأكثر قالوا: هي لزين العابدين عليه السلام.

(17)

فصل

 

افترقت الزيدية ثلاثا: السليمانية، والصالحية، وهما قائلان بإمامة الشيخين لرضا علي بهما، ولو لم يرض لهلكا، والمطاعن الواردة على الجمهور كافية في إبطال هاتين.

وأما الجارودية وهي الفرقة الثالثة فتبرؤا من الثلاثة وطعنوا عليهم، وهؤلاء لم يشترطوا العصمة، والنص الجلي، ونحن قد بينا اشتراطهما، وفي أئمتنا حصولهما، واكتفوا في تعيين الإمام، بالدعوة والقيام.

قلنا: الإمامة أعم من [ القيام ] إذ كم من قائم كاذب، ولو كان القيام شرطا مع أنه لم يجز إيقاعه إلا من الإمام، لزم الدور، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وآله الإمامة في الحسنين سواء قاما أو قعدا، فليس القيام شرطا.

الصفحة 270 

ولأنه عندهم يجوز تعدد القائمين، فيبايع كلا قوم، فيقع الحرب الموجب لعدم النوع، وذلك يناقض فائدة الإمام، ولأن تعيين الإمام إما من نفسه، أو من الرعية، ويبطل هذين ما أبطل الاختيار، وإما من الله وذلك هو النص منه، أو من رسوله، أو إمام حكم بصدقه، فبطل اشتراط القيام.

إن قيل: لم لا يجوز أن يكون بإيجاد الشرائط فيه، وهي الولادة من الحسن أو الحسين والعلم والشجاعة والزهد والقيام وعلائم تجري مجرى النص عليه.

قلنا: أولا فأنتم لا تقولون بالنص الفعلي، وأما ثانيا فالصفات إن كانت من عند غير الله، لم تكن نصا من الله، وإن كانت منه فمن أين علمتم أن إيجادها فيه دليل الإمامة؟ وبهذا يبطل القسم الثالث وهو كون بعضها من الله، وبعضها من غيره هذا.

وقد روى ابن بابويه عن الرضا عليه السلام لما قيل له: إن زيدا ادعى الإمامة وقد جاء في ذلك ما جاء فقال: إن زيدا كان أتقى لله من ذلك، وإنما دعا إلينا.

تنبيه:

قال سليمان بن جرير شيخهم: وضعت الرافضية مقالتين لا يظهر معهما لأئمتهم على خطأ لتتم لهم العصمة، أولاهما البداء، فإذا أخبروهم بأنهم تملكوا فلم يكن قالوا: بدا لله فيه، وثانيهما كلما تكلموا بشئ فظهر بطلانه قالوا: خرج على التقية.

قلنا: لا يرتاب في كون ذلك عنادا وبغضا، وقد جاء عن الصادق عليه السلام النواصب أعداؤنا والزيدية أعداؤنا وأعداء شيعتنا، فأما البداء فلم يقل به أحد منا(1) نعم يجوز النسخ وقد عرف في الأصول الفرق بينهما وأما التقية فلم ينفك أحد منها ولا يمكن عاقل إنكارها لدفع الضرر بها، لمجيئها في آيات القرآن (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان(2)) (إلا أن تتقوا منهم تقاة(3)) (ولا تلقوا بأيدكم إلى التهلكة(4)).

____________

(1) يعني بالمعنى الذي يستلزم الجهل.

(2) النحل: 106.

(3) آل عمران: 28.

(4) البقرة: 195.

الصفحة 271 

على أن الزيدية في دولة العباسيين نقلوا مذهبهم من اليقاطين إلى الجرار تحت الأرض، حتى سمي مذهبهم مذهب الجرة، وكم عدت إساءات لقوم وهي إحسان.

(18)

فصل

 

القائلون بإمامة زين العابدين عليه السلام اختلفوا بعد موته، فمنهم من خرج بها عن ابنه محمد الباقر، والأكثرون أثبتوها له، والمثبتون منهم من قال بعدم موته والأكثرون أثبتوه، واختلفوا فمنهم من قال: هي لعبد الله بن الحسن، ومنهم من قال: هي لأبي منصور العجلي، والأكثرون قالوا إنه ابنه جعفر الصادق عليه السلام.

وهؤلاء اختلفوا فقالت الناووسية: إنه لم يمت بل غاب، ورووا عنه أنه قال: لو رأيتم رأسي يدهده عليكم من الجبل لا تصدقوا فإني صاحبكم صاحب السيف ومن أخبركم أنه غسلني وكفنني ودفنني فلا تصدقوه، فإني صاحبكم، و هؤلاء انقرضوا.

وقال آخرون بعدم غيبته: بل يراه أولياؤه، وقال الأكثر بموته، ثم اختلفوا فقالت فرقة إنه يرجع وهو القائم، وقالت طائفة: الإمام ابنه الأفطح وأخرى إسماعيل، وأخرى محمد، وقال الأكثرون أنه موسى، وقالت الفضيلية كانت الإمامة في الأربعة بالاشتراك، وقيل: أوصى بها إلى موسى الطبري وقيل:

إنه بزيع.

وقالت الأقمصية أنه معاذ، والجعدية أنه أبو جعدة، والتميمية أنه عبد الله ابن سعيد التميمي والقائلون بإمامة الكاظم عليه السلام اختلفوا فالممطورة شكت في موته والأكثرون قالوا هو ابنه علي الرضا عليه السلام.

الصفحة 272 

واختلفوا بعده فمنهم من لم يقل بإمامة محمد ابنه لصغره، والأكثرون قالوا به، ولا يضر صغره كما في نبوة عيسى، واختلفوا بعده فمنهم من قال بابنه موسى والأكثرون قالوا: ابنه علي الهادي، ومن هؤلاء شذاذ زعموا أنه لم يمت، و الأكثرون قطعوا به.

واختلفوا من بعده، فمنهم من قال بابنه جعفر، والأكثرون قالوا بأنه الحسن العسكري، ثم اختلفوا فيه فقال قوم: لم يمت، وقال آخرون: مات و سيجئ، وقيل: بل أوصى إلى أخيه جعفر، وقيل: إلى أخيه محمد، وقال الأكثرون:

أوصى إلى ولده محمد وهو القائم المهدي الذي لا يحتمل المرا، ممن انصرف من الورا ولا يشك فيه من قراودرا.

وقد أوردنا في كتابنا هذا في الأئمة الاثني عشر طرفا من النصوص، وذكرنا فيه ما جاء عن كل واحد من المعاجز بالخصوص، وهذه الاختلافات لا اعتداد بها لشذوذها، بل أكثرها لا وجود لها، وفي انقراضها بطلان قولها.

إن قلت: فذا لا يتم في الإسماعيلية، قلت: سنبين أنهم خارجون عن الملة الحنيفية بالاعتقادات الرديئة، وذلك أنهم قالوا: كل ظاهر فله باطن، وأن الله بتوسط كلمة (كن) [ أوجد ] عالمي الخلق والأمر، فجعلوه محتاجا في فعله إلى الواسطة والآلة.

وقالوا: إن العالمين ينزلان من الكمال إلى النقصان، ويعودان من النقصان إلى الكمال، وهكذا دائما وهذا يقتضي قدم (كن) ويلزمه قدم العالم وأبديته لأن (كن) إن كانت حادثة فقد سبقها مثلها، ويتسلسل أو يدور، ولأن المخاطب بها إما موجود فعبث، أو معدوم فقبيح.

وقالوا: العلم بالله لا يحصل بدون الإمام، وفي هذا دور ظاهر، وقد اعتذر لهم عن هذا بأنهم يقولون: بمساعدته لكمال عقله.

وقالوا: الإمام؟ مظهر العقل، وهو الحاكم في العالم الباطن، والنبي مظهر النفس، وهو الحاكم في العالم الظاهر ففضلوا الإمامة على النبوة حيث جعلوا

الصفحة 273 

الإمامة مظهرا للأشرف وهو العقل، وحاكمة في الباطن، فظهر من هذا الكلام خروجهم عن الاسلام.

احتجوا بأن إسماعيل هو الأكبر ويجب النص على الأكبر، قلنا: الأكبرية لا توجب الإمامة كما لا توجب النبوة ولو سلم فإنما ذلك لو بقي الأكبر بعد أبيه، و إسماعيل مات في حياة أبيه، فالنص عليه من الله أو من أبيه عبث وسفه وكذب، ولم يرو؟ أحد عن أبيه نصا فيه وأما ادعوه منه فكذب عليه.

إن قيل: إمامته لا يبطلها موته قبل أبيه، كما أن خلافة هارون عندكم لم يبطلها موته قبل أخيه قلنا: الكلام في خليفته الذي أوصى إليه القيام بعد موته، فلو كان لا خليفة له في البرية، دخل في الموتة الجاهلية، ولهذا أوصى موسى إلى يوشع بعد موت أخيه.

احتجوا بقول أبيه: ما بدا لله في شئ كما بدا في إسماعيل قلنا: فلا يقع منه البداء في الإمامة، وقد روي عنهم عليهم السلام مهما بدا لله فلا يبدو في نقل نبي عن نبوته ولا إمام عن إمامته، ولا مؤمن قد أخذ الله عهده بالإيمان عن إيمانه.

والبداء الذي ذكره عليه السلام في ابنه هو القتل فقد روي عنه أنه قال: إن الله كتب القتل على ابني إسماعيل مرتين فسألته فيه فعفى عنه، فما بدا له في شئ كما بدا له في إسماعيل. وإذا بطلت إمامته بطلت إمامة ابنه محمد كما قيل فيه، فإن المتفرع على الفاسد فاسد.

ومنهم من زعم أن الصادق عليه السلام بعد موت إسماعيل نص على ابنه محمد بن إسماعيل، بناء على أن القياس يقتضي نقلها من إسماعيل إلى ابنه إذ هو أحق الناس به قلنا: قد أبطلنا النص على إسماعيل ولو سلم فالإمامة ليست بالمواريث، وإلا لاشترك وراث الإمام جميعهم فيها، وإنما هي تابعة لصفات مخصوصة، ومصلحة معلومة.

وأما القائلون بإمامة محمد بن جعفر الصادق عليه السلام فشذاذ جدا، وقد انقرضوا احتجوا بأن أباه مسح التراب عن وجهه، وضمه إلى صدره، وحكى عن أبيه الباقر أنه سيولد لك ولد يشبهني فسمه باسمي فإنه على سنة جدي رسول الله صلى الله عليه وآله.

الصفحة 274 

قلنا: لا نسلم ورود ذلك، ولو سلم فهو خبر واحد لا يوجب علما، ولو سلم فليس فيه دليل النص عرفا، ولا فحوى، ولا عادة، على أن محمدا ظهر بالسيف ودعا إلى نفسه، وتسمى بأمير المؤمنين، وذلك منكر. إلا علي عليه السلام حيث سماه به النبي صلى الله عليه وآله.

وأما الفطحية فلم يدعوا على عبد الله نصا من أبيه، بل عملوا على ما رووه من أن الإمامة لا تكون إلا في الأكبر، وهذا الحديث لم يذكر إلا مقيدا بعدم العاهة، وهو أن الإمامة في الأكبر ما لم يكن به عاهة، ومن المتواتر أنه كان من المرجئة، ولم يرو عنه شئ من الحلال والحرام، وامتحن بمسائل صغار، لما ادعى الإمامة، فلم يجب فيها بشئ من الأحكام، ولا علة في الدين آكد من هذه الأشياء ولولاها لم يجز من الله صرف النص عنه، وإلا لنقل وظهر، وعلم ما قد قال فيه أخوه الكاظم عليه السلام.

(19)

فصل

 

القائلون بإمامة الكاظم عليه السلام منهم شذاذ أنكروا موته، وقالوا: هو المهدي، و آخرون أقروا بموته، وقالوا: سيبعث وهو المهدي.

احتجوا بما رووا أن الصادق عليه السلام دخل على أم موسى وقت ولادته، وقال لها: بخ بخ حل الملك في بيتك، قلنا: إذا سلم الخبر لم يدل حلول الملك على الإمامة إذ هو أعم من الإمامة، ولو سلم أنه الإمام فمن أين لهم أنه القائم بالسيف إذ من الجائز أن يكون هو القائم بأمر أبيه فلا مهدوية له.

ثم إنهم يعارضون بالواقفة قبلهم فأنكرت المحمدية موت النبي صلى الله عليه وآله و السبائية موت علي، والكيسانية موت محمد بن الحنفية، والمفوضة قتل الحسين والناووسية موت الصادق، فبما يكسرون هذه المذاهب ينكسر مذهبهم.

الصفحة 275 

وأما القائلون بإمامة الرضا عليه السلام فاختلفوا، فشذوذ منهم رجعوا عن إمامته إلى الوقف على موسى، فشاركوا الواقفية في الإبطال السالف، وآخرون مثلهم قالوا: إن الرضا أوصى بها إلى أحمد بن موسى، واعتل الفريقان بصغر الجواد عليه السلام ولم يتفطنوا أن الله خص الأنبياء والأولياء(1) بالأحلام قبل الاحتلام فقال عيسى في مهده: (وجعلني نبيا(2)) وقال الله في يحيى: (وآتيناه الحكم صبيا(3)) ودعا النبي إلى الاسلام عليا ولم يدع غيره صبيا، وأتى بالسبطين إلى لبهال، ولم يباهل بغيرهما من الأطفال.

وآخرون منهم قالوا: أوصى إلى ابنه محمد، وقد كان مات في حياة أبيه، فأنكروا موته، وقالوا: هو المهدي.

وأما القائلون بإمامة الجواد فشذت منهم فرقة إلى القول بعده بمحمد ابنه ثم رجعوا إلى الحق وانضموا إلى الباقين، وقالوا بإمامة الهادي، وزعمت فرقة أن الإمام بعد الجواد أخوه جعفر، وهؤلاء لا دليل عندهم، ولا تواتر لهم لشذوذهم وقلتهم.

وأما القائلون بإمامة الهادي فافترقوا، منهم من قال: إنه حي، والأكثرون قطعوا بموته، واختلفوا فشذت منهم طائفة بالقول بإمامة ابنه جعفر، وآخرة قالت:

بإمامة ابنه محمد، وأنه بعث بعد موته بمواثيق الإمامة مع غلام له يقال له: نفيس إلى أخيه جعفر، فدفعها إليه وكان جعفر الإمام بعد أخيه، ويبطل ذلك موت محمد في حياة أبيه، وعدم نصه عليه، وعدم حصول العلم والعلائم فيه، والجمهور قالوا:

بإمامة ابنه العسكري.

وأما القائلون بإمامة العسكري فاختلفوا فيه، فقالت فرقة: إنه لم يمت بل غاب، وسيعود، وهو القائم المنتظر، فإذا قلنا ما الفصل بينهم وبين الفرقة الواقفة

____________

(1) الأوصياء خ ل.

(2) مريم: 32.

(3) مريم: 14.

 

 

 

 

الصفحة 276 

لم يجدوا فرقا؟ وقالت فرقة إنه مات وعاش وهو القائم، لخبر رووه أن القائم هو الذي يقوم بعد الموت قلنا: إن صح الخبر، فالمراد بعد موت ذكره، دون موت شخصه، ويعضده ما روي أنه إنما سمي قائما لقيامه بدين قد اندرس، على أنهم إذا اعترفوا بموته فمن أين لهم العلم بحياته، وإذا جاز خلو يوم من الإمام عليه السلام جاز شهرا بل دهرا بل أبدا وهذا اعتزال عن رأي الإمامية إلى رأي المعتزلة، و خروج عنها إلى مذهب الخوارج.

وقالت فرقة إنه لما مات لا عن عقب، كان الإمام أخوه جعفر بعده، لما روي عن الصادق عليه السلام أن الإمام هو الذي لا يوجد منه ملجأ وفي هذه الصورة لم نجد ملجاء من جعفر.

قلنا ولم زعمتم أنه لا ملجأ من جعفر؟ وقد قامت الأدلة على وجود محمد بن الحسن، على أن كل من ادعى إمامة شخص فله أن يقول: لم أجد ملجأ منه إلا إليه.

إن قالوا لا نثبت وجود ولد لم نشاهده، قلنا: إذا قامت على وجوده الدلالة أغنت عن المشاهدة؟؟؟ لزم من نفي المشاهدة مع الدلالة النفي، لانتفى الرب والأنبياء السالفة والأئمة الخالفة، وكثير من الموجودات؟؟ المشاهدات، وهذا دخول في الجهالات، على أنه ما خرج عن جعفر من نقصان المعرفة، وارتكاب القبايح، والاستخفاف بالدين، ينافي إمامته.

وقالت فرقة: لما مات لا عن ولد، علمنا بطلان إمامته لأن الإمام لا؟؟؟

من الدنيا إلا عن عقب، قلنا: لو وجب أن يعقب الإمام إماما لزم التسلسل، وعدم تناهي الدنيا، على أن إنكار العقب مكابرة بعد قيام الأدلة من النبي والأئمة على وجوده، من أراده عثر به من هذا الكتاب ومن غيره.

وقالت فرقة: الإمام بعد الحسن أخوه محمد وادعوا حياته بعد إنكارها، وهؤلاء أسقاط جدا لأنهم يدعون إمامة من مات في حياة أبيه، مع خلوه عن العلوم، و العلائم والنصوص، وأنكروا من كان بعد أبيه أعني العسكري، فإنهم رجعوا عنه

الصفحة 277 

مع وجود العلوم والنصوص فيه.

وزعمت فرقة أن الإمام بعد الحسن ولده علي، وهم قائلون بالغيبة والانتظار حرفا بحرف، والنزاع معهم في التسمية وقد انتشرت الأحاديث أن اسم القائم اسم النبي صلى الله عليه وآله وليس عليا من أسماء النبي.

وقالت فرقة: ولد له ولد بعده بثمانية أشهر وهو القائم المنتظر قلنا: يلزمكم خلو الزمان من إمام، وقد مضى فيه الكلام، ثم إن ذلك منكم على الظن والترجيم والخبط والتوهم، إذ العقل لا يدل عليه، والسمع لم يوجد فيه، ولم يعد إليه.

وقالت فرقة: إن الحسن خلف حملا ببعض جواريه، ولم يولد بعد، وجوزوا أن يبقى مائة سنة حملا، قلنا: أول ما يلزمكم خلو الزمان من إمام وقد أسلفناه ويلزمكم خرق العادة بحمل مائة سنة.

إن قالوا: هو مقدور قلنا: مسلم، ولكن ليس كل مقدور يحكم بوقوعه بغير دليل، وإلا يحكم بوجود انقلاب البحار النائية حطبا والأشجار البعيدة ذهبا، و لعل بالبلاد البعيدة نساء يحبلن اليوم، ويلدن غدا، وهذا جهل محض فتحه على نفسه من اعتمد على خرق العادة من غير حجة، واعترف بوقوع ذلك بمجرد القدرة.

وقالت فرقة: بطلت الإمامة بعد الحسن وخلت الأرض من حجة إلا أن يغضب على أهل الدنيا قلنا: يفسد هذا قضاء العقل بوجوب الإمام في كل زمان، مع بقاء كل مكلف من نوع الانسان، ويعضده قوله تعالى: (يوم ندعو كل أناس بإمامهم(1)) وقول رسوله: من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية، وقوله: في كل خلف من أمتي عدل من أهل بيتي ينفي عن هدا الدين تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وقول علي عليه السلام: اللهم إنك لا تخلي الأرض من حجة لك على خلقك إما ظاهر مشهور أو خائف معمور، وعلى هذا؟ حمل قول الصادق عليه السلام بخلوها من حجة إذا غضب، أي من حجة ظاهرة، ولا يلزم خلوها من حجة باطنة.

____________

(1) الإسراء: 71.

الصفحة 278 

وفرقة قالت: لا بد بعد الحسن من إمام ولا نعلمه بعينه، وهذه يرد عليها النقل الصحيح في إمامة المنتظر، والنص عليه من أبيه.

قال فرقة: إن ابنه المنتظر هو الإمام ولكنه مات وسيجئ ويقوم بالسيف وهذه يرد عليها بوجوب عموم الإمامة، وعدم جواز الخلو منها، وقد أسلفنا ما تواتر من النصوص على عدد الأئمة وأسمائهم من الرب الجليل، والنبي النبيل، ومن كل إمام على من بعده بالتفصيل، وقد جاء ذلك من طرق المخالفين الجاحدين لأئمة العالمين، الطيبين الطاهرين، فضلا عما تواتر من الشيعة المؤمنين، رضوان الله عليهم أجمعين.