تتمة الباب التاسع فيما جاء في النص عليه من رسول الله صلى الله عليه وآله

بسم الله الرحمن الرحيم

ومنها: ما ذكره مسلم والبخاري وغيرهما من قول النبي صلى الله عليه وآله في خيبر لما فر الشيخان برايته: لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، كرار غير فرار، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه، فدعا بعلي فجيئ به أرمد، فبصق في عينيه، فبرأتا وأعطاه الراية فمضى، وكان الفتح.

وقد عرض النبي صلى الله عليه وآله بالهاربين بقوله (غير فرار) وصرح بمدحه في قوله (كرار) وفي محبة الله ورسوله التي هي عبارة عن كثرة الثواب، المستلزمة للأفضلية، المقتضية للإمامة، وثبوت الإمامة ومحبة الله وإن كانت لكل طائع إلا أنها تتفاوت فزاد الله عليا من فواضله بقطع شواغله، وتطهير باطنه، عن تعلقه بكدورات الدنيا ورفع الحجاب عن أحوال الأخرى.

قالوا: محبة الله دليل فيها على نفي غيره من محبته، لأنه دليل خطاب، قلنا:

لم يثبت تخصيصه بمجرد القول، بل بحال غضبه عليه السلام عليهما.

وقد روى فرهما وثباته الحافظ في حلية الأولياء عن سلمة بن الأكوع و ابن حنبل في مسنده عن عبد الله بن الزبير وفي موضع آخر عن بريدة وفي موضع ثالث عن رجال شتى والبخاري في الجزء الثالث من صحيحه، وفي الكراس الرا؟

من الجزء الخامس ورواه مسلم في الكراس الأخير من الجزء الرابع والترمذي في الجزء الثالث وفي الجمع بين الصحيحين للحميدي والثعلبي في تفسيره وابن

الصفحة 2      

المغازلي عن أبي هريره تارة وعن الخدري تارة.

فعلي الإمام الكرار، حصل به الغنيمة وسرور النبي صلى الله عليه وآله والأنصار والهارب الفرار حصل منه الهزيمة وغم النبي المختار، بظهور الكفار، وهذه صحاحهم تخبر أنما أحبه الله لجده في الإقدام، وإخلاصه في جهاد الطغام، يدل على ذلك قول الله سبحانه (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون(1)) الآية ثم أكد ذلك بقوله (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا(2)) فأبان بما تحصل به محبته، ثم أوضحها بقوله (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين(3)) ثم كشف في تمام الآية عن حال من يحب الله ويحبه بقوله (يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء(4)) وهذه نزلت في علي خاصة كما ذكر في تفسيره.

كل ذلك جاء في فرهما وثباته، ولو دانى عليا في الشجاعة بطل، لما اختص بضرب المثل، كسخاء حاتم، وقد تبين من رب العباد أن محبته في مقابلة الجهاد، ولذلك مدح النبي صلى الله عليه وآله عليا على الكر والإقدام، وذم غيره على الفرار والإحجام، واستأذنه حسان أن يقول في وصف الحال، فأذن له فقال:

 

وكان علي أرمد العين يبتغي    دواء فلما لم يحس مداويا

شفاه رسول الله منه بتفلة         فبورك مرقيا وبورك راقيا

وقال سأعطي الراية اليوم صارما حميا مجيبا للرسول مواليا

يحب إلهي والإله يحبه به يفتح الله الحصون الأوابيا

فأصفا بها دون البرية كلها        عليا وسماه الوزير المواخيا

 

قالوا: ذلك لا يقتضي تخصيص علي بمحبة الله، بل هذه صفة لجميع المؤمنين

____________

(1) براءة: 111.

(2) الصف: 4.

(3) المائدة: 54.

(4) المائدة: 54.

الصفحة 3      

كما قال في عسكر عمر بالقادسية [ وكانوا كفارا ]: فسوف يأتي الله بقوم يحبهم و يحبونه، قلنا: ذكرتم أن أهل القادسية كانوا كفارا، والآية فيها خطاب للمؤمنين بقوله (من يرتد منكم عن دينه) وقد روى كثير من الناس أنها نزلت في المرتدين يوم الجمل بحربهم لعلي عليه السلام.

إن قيل: انقطع الوحي قبل الجمل، قلنا قد ذكر العلماء أن كل من انطبق عليه آية جاز أن يقال إنها نزلت فيه، على أن وصف النبي له بالكرار، ونفي الفرار، يخرج عن هذه المحبة الموصوف بالفرار.

قالوا: لفظة (قوم) في الآية لا تصلح لواحد، قلنا: قد سلف جواز إطلاق الجمع على الواحد للتعظيم، ولغيره كما قال تعالى (لا يسخر قوم من قوم(1) نزلت في ثابت ابن قيس، سخر به رجل (ولا نساء من نساء) نزلت في عائشة سخرت بأم سلمة.

قالوا: تفتخرون لعلي بفتح قرية فيها يهود طغام، ونحن لا نفتخر للمشايخ الثلاثة بإزاحة الملوك العظام، مثل قيصر وهرقل والشام، وكسرى والروم وغيرهم من الأنام، وأين خيبر من القادسية التي قتل فيها الأبرار، مائة ألف من الكفار واليرموك الذي كان فيه من الروم أربعمائة ألف مقاتل، وكان في الصحابة ثلاثون ألف مقاتل.

قلنا: ليس في جر العساكر مثل شجاعة المباشر، ولم يكن لهم في الاسلام قتيل يذكر، ولا جريج يشهر، وناهيك ما جرى في بدر واحد وخيبر، وقد نفى جبرائيل عن الرب العلي، من يقارب عليا الولي، في قوله:

 

لا سيف إلا ذو الفقار   ولا فتى إلا عـلـــي

 

وأما تصغيرهم خيبر فكلمة لا يخفى قبحها وقد فرح النبي بعد الغم الشديد بفتحها، وقد عجز الشجعان(2) عنها قال ابن حمدون في التذكرة: شجاعة علي معجزة

____________

(1) الحجرات: 11.

(2) الشيخان، خ.

الصفحة 4      

للنبي إذ لو قيل له ما دليل صدقك؟ فقال شجاعة علي لم يمكن أحدا إنكاره، وقد ذكر قتله لمرحب مسلم، والبخاري، والعاقولي وخطيب دمشق، وابن قتيبة.

وكان الواجب أن يقاس أصحاب مشايخهم بالقادسية بأصحاب علي إذ لا قياس بين الثلاثة وبين علي، إذ الثلاثة كانوا من القاعدين، وعلي من المجاهدين، ولا يخفى ما في الكتاب المبين، من تفضيل المجاهدين على القاعدين، وقتل علي ببدر شجعان المشركين، وفيهم نوفل وكان من شياطين قريش، وقتل بالخندق عمرا بعد إحجام المسلمين عنه، وقد قال عدوه معاوية لابن الزبير(1): لا جرم إن عليا قتلك وقتل أباك بيسرى يديه، وبقيت يمناه فارغة يطلب بها من يقتله غيركما.

وفي كتاب ابن مسكويه قال ابن العاص يوم الهرير: لله در ابن أبي طالب ما كان أكثره عند الحروب ما آنست أن أسمع صوته في أول الناس إلا وسمعته في آخرهم ولا في الميمنة إلا وسمعته في الميسرة، فهذا اعتراف أعدائه بشجاعته لما لم يتمكنوا من استتارها لاشتهارها.

قال سعد لمعاوية: لقد رأيته يوم بدر يحمحم ويقول:

 

بازل عامين حديث سني         سجسجة الليل كأني جني

لمثل هذا ولدتني أمي

 

فما رجع إلا وقد خضب من دماء القوم.

وادعوا لأبي بكر الشجاعة(2) بقتال أهل الردة، وأشار علي بالكف عنهم قلنا: ذلك لعلمه بعدم استحقاقهم القتال، ولم يشتهر لأبي بكر قتيل من الأرذال فضلا عن أحد من الأبطال، وقد قدمنا أن الشجاعة إنما تكون بمصادمة الرماح، و مصافحة الصفاح، ولهذا لما ذكرنا فرارهم عن النبي صلى الله عليه وآله اعتذروا بأن الله عفا عنهم.

قلنا: كان العفو عن العاجل خاصة لقوله تعالى (وكان عهد الله مسؤولا)(3)

____________

(1) قاله حين افتخر ابن الزبير بخروجه مع أبيه يوم الجمل على علي عليه السلام.

(2) الاشجعبة: خ.

(3) الأحزاب: 15.

الصفحة 5      

والآية محكمة بالاجماع.

قالوا: وصف الله كل الصحابة بالشجاعة في قوله (والذين آمنوا معه أشداء على الكفار(1) قلنا صحيح لكنها متفاوتة فيهم باعترافكم، فلبس في ذلك حجة لكم، وقد روى أبو نعيم في قوله تعالى (فاستغلظ فاستوى على سوقه)(2) قال اشتهر الاسلام بسيف علي ابن أبي طالب، وهم يدعون الشجاعة للهارب الجالب للمثالب قال بعض الفضلاء:

 

وما بلغت كف امرء متناول      بها المجد إلا حيثما نلت أطول

ولا بلغ المهدون في القول مدحة        وإن صدقوا إلا الذي قيل أفضل

 

وقد ظهر مما أسلفناه اختصاصه بمزيد محبة الله دون من سواه.

تذنيب:

روى ابن حنبل عن مشيخته أنه اقتلع باب خيبر فحمله سبعون رجلا فكان جهدهم أن أعادوه.

وأسند الحافظ أنه لما اقتلعه دحى به خلف ظهره، ولم يطق حمله أربعون رجلا وقال البستي في كتاب الدرجات: كان وزن حلقة الباب أربعين منا فهزه حتى ظنوا أنها زلزلة، ثم هزه أخرى فاقتلعه ودحى به أربعين ذراعا، وقال الطبري صاحب المسترشد: حمله بشماله وهو أربعة أذرع في خمسة أشبار في أربعة أصابع، و كان صخرا صلدا، فأثرت إبهامه فيه، وحمله بغير مقبض. وقال ميثم: كان من صخرة واحدة. قال ديك الجن:

 

سطا يوم بدر بأبطاله     وفي أحد لم يزل يحمل

ومن بأسه فتحت خيبر ولم ينجها بابها المقفل

دحى أربعين ذراعا به   هزبر له دانت الأشبل

 

وقيل: كان طول الباب ثمانية عشر ذراعا، وعرض الخندق عشرون، فوضع

____________

(1) الفتح: 29.

(2) الفتح: 29.

الصفحة 6      

على طرف الخندق جانبها وضبط الآخر بيده حتى عبر الجيش، وهو ثمانية آلاف وسبعمائة رجل.

وروي أن بعض الصحابة قال: يا رسول الله ما عجبنا من قوته وحمله ورميه بل من وضع إحدى يديه تحت طرفه، فقال صلى الله عليه وآله: انظروا إلى رجليه، قال فنظرت الصحابة إليها فرأينها معلقين فقلن: هذا أعجب، رجلاه على الهواء؟ قال صلى الله عليه وآله:

لا بل على جناحي جبرائيل.

وهذا حسان قد أنشأ فيه أبياته الحسان:

 

إن امرءا حمل الرتاج بخيبر     يوم اليهود بقدرة لمؤيد

حمل الرتاج، رتاج باب قموصها         والمسلمون وأهل خيبر تشهد

فرمى به ولقد تكلف رده        سبعون كلهم له متشدد

 

وهذا كله خرق العادات، لا يتفق إلا لنبي أو وصي نبي، ولما لم يكن نبيا اتفاقا، كان وصيا التزاما.

وقال ابن زريك:

 

والباب لما دحاه وهو في سغب من الصيام وما يخفى تعبده

وقلقل الحصن فارتاع اليهود له وكان أكبرهم عمدا يفنده

نادى بأعلى العلى جبريل ممتدحا       هذا الوصي وهذا الطهر أحمده

 

وبالجملة فقد أنشأت الفضلاء فيه مدايحهم، ونورت الشعراء بذكره أشعارهم مثل الوراق، والناشي، وابن حماد، والعوني، وابن العلوية، والحميري وتاج الدواير وابن مكني.

ومنها: توليته على أداء سورة براءة بعد بعث النبي صلى الله عليه وآله أبي بكر بها، فلحقه بالجحفة، وأخذها منه ونادى في الموسم بها، وذكر ذلك ابن حنبل في مواضع من مسنده والثعلبي في تفسيره، والترمذي في صحيحه، وأبو داود في سننه، و مقاتل في تفسيره، والفراء في مصابيحه، والجوزي في تفسيره والزمخشري في كشافه، وذكره البخاري في الجزء الأول من صحيحه في باب ما يستر [ من ]

الصفحة 7      

العورة(1) وفي الجزء الخامس في باب (وأذان من الله ورسوله)(2) وذكره الطبري والبلاذري والواقدي والشعبي والسدي والواحدي والقشيري والسمعاني والموصلي وابن بطة وابن إسحاق والأعمش، وابن السماك في كتبهم.

وبالجملة فإجماع المسلمين عليه لا يختلفون فيه، وفي القصة أنه لما رجع أبو بكر قال: يا رسول هل نزل في شئ؟ قال: لا ولكن جاءني جبرائيل، وقال:

لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك، فظهر بهذا أن أبا بكر ليس من النبي صلى الله عليه وآله وأن عليا الوفي من النبي الأمي، فلينظر العاقل إلى الأمر السماوي، والسر الإلهي، كيف عزل أبا بكر بالجحفة جهرا، ونصب عليا بعده أميرا.

ولما عاد النبي إلى ذلك الموضع في حجة الوداع، نص على علي كما شاع ذلك في الخلائق وذاع، لنبيه اللطيف الخبير، بالعزل والتأمير على أن من لم يصلح إرساله إلى بلد، لم يصح أن يحكم على كل أحد، وقد جرى في الأمثال أن العزل طلاق الرجال.

وقد ذكر في كتاب الفاضح أن جماعة قالوا له: أنت المعزول والمنسوخ من الله ورسوله عن أمانة واحدة، وعن راية خيبر، وعن جيش العاديات، وعن سكنى المسجد، وعن الصلاة، فكيف تولي في الأمور العامات والخاصات، وليس للأمة تولية من عزله الله في السماء ورسول الله في الأرض، أدرجنا الله والمؤمنين في زمرة العاقلين، وأخرجنا وإياهم من حيرة الغافلين.

قالوا: يلزم نسخ تبليغ أبي بكر، قبل حضور وقته، قلنا: إنما كان حاملا لا مبلغا.

قالوا: ظاهر الحديث (لا يؤدي عنك إلا رجل منك) ينافي ذلك.

قلنا: لا يلزم من النهي سبق الأمر بالتأدية، فإن كثيرا من المنهيات لم يسبق من العبد ما ينافيها، ولو صرح النبي صلى الله عليه وآله بكونه مبلغا جاز أن يكون

____________

(1) راجع ج 1 ص 77.

(2) راجع ج 3 ص 134.

الصفحة 8      

مشروطا بشرط لم يظهره، والفائدة تميز على بها، وأبي بكر بعدم صلاحه لما هو أعلى منها.

تذنيب:

خاف موسى من قتل نفس واحدة من القبط، كما حكاه القرآن عنه، ولم يخف علي من تلهف أهل الموسم على قتله لقتله أقاربهم وأعزاءهم وهذا فضل على موسى عليه السلام فكيف على من ليس له بلاء حسن في الاسلام.

وهذا النداء من علي أخيرا اقتفاء لنداء إبراهيم بالحج أولا فكان في العزل من الله والتأمير التنعية على منازل الرجال وفي النداء ممن هو كنفس العاقد اتساق الأحوال إذ لو لم يبعث بالأمر غير علي أولا ثم يعزله لم يجزم الناس بأنه ليس في الجماعة من يصلح له، قال الصاحب:

 

براءة استرسلي في القول وانبسطي      فقد لبست جمالا من موليه

 

وقال ابن حماد:

 

بعث النبي براءة مع غيره        فأتاه جبريل يحث ويوضع

قال ارتجعها وأعطها مولى الورى        بأدائها وهو البطين الأنزع

فانظر إلي ذي النص من رب العلى     والله يخفض من يشاء ويرفع

 

قالوا: كان أبو بكر الأمير العام على الحاج، فله الترجيح على علي حيث بعث لأمر خاص في ولاية أبي بكر، قلنا: قد جاء من طرقكم أنه رجع وقال من شدة خوفه: أأنزل في شئ؟ ذكره الثعلبي في تفسيره وهذا يبطل أيضا ما يقولونه من أنه إنما رده لاحتياجه إليه وأي حاجة في التام الكامل إلى الناقص الجاهل وهل ذلك إلا قدح في رأي النبي صلى الله عليه وآله إذ فيه تسديد الذكي بالغبي وآية المشورة للتأليف والتأديب، لا للحاجة إلى رقيب(1) ونمنع كونه أميرا على الحاج لظهور

____________

(1) دفع دخل مقدر كأن قائلا قال: قد يحتاج التام الكامل إلى الناقص، ولذلك أمر الحكيم تعالى رسوله صلى الله عليه وآله بأن يشاور المؤمنين في قوله تعالى: (وشاورهم في الأمر).

الصفحة 9      

عزله، ولم يرد ذلك إلا من الخصم ونقله، وكون علي في ولايته في حيز الامتناع لأن النبي صلى الله عليه وآله لم يول عليه أحدا بالاجماع، وقد أسند الإصفهاني الأموري أن النبي صلى الله عليه وآله بعث إليه مع علي يخيره في الرجوع أو يتوجه معه وعلي أمير عليه فرجع ولم يذكر أنه عاد.

قالوا: النداء أمر صغير لا يليق بالآمر، فلهذا صرف أبا بكر عنه، وهو لعلي فضيلة حيث إنه فسخ العقد، ولا يكون إلا من العاقد أو قريبه.

قلنا: لا نسلم أن النداء لا يليق بالآمر، لقول جبرئيل، لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك، ونمنع كون الفسخ لا يصلح إلا من القريب، فإن يد المستناب يد المستنيب، فليس عزله إلا لعدم صلاحه، ومعاذ الله أن يجري النبي صلى الله عليه وآله أحكامه على سنن الجاهلية، ولو كان كذلك لم يبعث أبا بكر بها أولا.

تنبيه:

قول جبرئيل (إلا رجل منك) أي من أهل ملتك، ولهذا قال جبرئيل و (أنا منكما) لما قال: (إن هذه لهي المواساة قال النبي صلى الله عليه وآله إنه مني وأنا منه) وقال إبراهيم (فمن تبعني فإنه مني) وهذا شاهد عدل على أن أبا بكر ما هو من النبي بهذا المعنى.

قالوا: قال النبي صلى الله عليه وآله المؤمنون يسعى بذمتهم أدناهم. قلنا: إن صح هذا فهو للمبالغة لا للحصر، وإلا لا تنقض قوله: لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك.

ومنها: أن النبي صلى الله عليه وآله خص ناسا من صحابته بطرف من العلم، فقال:

أقرأكم أبي، أفرضكم زيد، أعلمكم بالحلال والحرام معاذ، أرقكم أبو بكر أشدكم عمر، وقال أقضاكم علي، والقضاء يحتاج إلى جميع العلوم، فيكون أعلم فيكون أقدم.

ولما وازره يوم الدار تفل في فيه، وبين كتفيه ويديه، فقال له أبو لهب:

بئس ما حبوت به ابن عمك إذ أجابك، فقال: ملأت فاه حكمة وعلما.

قالوا: يلزم أن يكون كل واحد من المذكورين أعلم بالخصلة التي خصه

الصفحة 10   

النبي بها، فيكون أبي أقرأ منه، وزيد أفرض منه، ومعاذ بالحلال والحرام أعلم منه.

قلنا: في كتبكم عموم علم علي عليه السلام فروى العاقولي في شرح المصابيح عن ابن مسعود: كنا نتحدث أن أقضى أهل المدينة علي، وفيه عن ابن المسيب: ما كان أحد يقول: سلوني، غير علي، وفي الوسيلة عن ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وآله علي أقضى أمتي بكتاب الله، ورواه الخوارزمي بقراءته وأسنده إلى الخدري و أسند نحوه عن سلمان الفارسي وهذان أعم من الأول لخصوصه بالمخاطبين، وذكر فيها أن ذلك من خصائصه، والقضاء الحكم فيكون في القراءة تبين الراجح و الشاذ، وكذا في الفرائض والأحكام، والحلال والحرام، فلو دخل القضاء تحت هذه الأقسام، لزم تناقض الكلام، وهو محال من النبي، فالحديث الذي فيه خصوص كل واحد بشئ إن صح فمخصوص بغير علي، إذ لا دليل فيه على حضور علي عند الخطاب لأولئك الأصحاب.

ولو حضر فقد خرج بما في كتبكم من عموم علمه عن عموم الخطاب، فقد أخرج صاحب الوسيلة عن ابن عباس قول النبي [ لما ] نزلت (إنما أنت منذر و لكل قوم هاد) أنا المنذر، وعلي الهادي، يا علي بك يهتدي المهتدون، وأخرج أيضا: من أراد أن ينظر إلى إبراهيم في حلمه، وإلى نوح في علمه، وإلى يوسف في احتماله، فلينظر إلى علي ابن أبي طالب. فأثبت له الهدى، ومثل علم نوح، ولم يقل في أحد مثل ما قال فيه في الحديث المجمع عليه.

وأخرج في الوسيلة حديث أم سلمة وفيه (علي عيبة علمي) فلو لم يكن أعلم من غيره، كان بعض الصحابة أعلم من النبي صلى الله عليه وآله.

وأخرج أيضا أن عليا أعظم المسلمين حلما، وأكثرهم علما، فلو كان فيهم أعلم من أمير المؤمنين، لزم أن يخرج علي من المسلمين.

وفي مسند ابن حنبل (أقضاكم علي) وفيه أنه عليه السلام قضى قضاء أعجب النبي صلى الله عليه وآله فقال النبي: الحمد لله الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت.

الصفحة 11   

وفيه أن ثلاثة وقعوا على جارية في طهر واحد: فولدت، فأقرع بينهم علي عليه السلام فعرضت على النبي صلى الله عليه وآله فقال: ما أجد إلا ما قال علي.

وفي صحيح مسلم: أمر عثمان برجم امرأة ولدت لستة أشهر، فقال عليه السلام (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا(1) وفصاله في عامين(2)) فردها.

قالوا: اجتمعت الأمة على تقديم المشايخ، فلزم كونهم أعلم. قلنا: نمنع الاجماع أولا بما في قول الزهري، وشارح الطوالع، وصاحب الصحائف، وغيرهم:

إن خيار الصحابة كان مع علي في التخلف عن البيعة، ولو سلم عدم تخلفهم جدلا لم يلزم حصول الاجماع، لقول الرازي في معالمه (لا يكون الاجماع إلا بكل الأمة) وقال في المعتمد: التمسك بقوله تعالى (وكونوا مع الصادقين) وليس المراد الصادق في بعض الأمور، وإلا لكان أمرا بموافقة الخصمين، لأن كلا منهما صادق في بعض، فالمراد الصادق في الكل، فهو إما بعض الأمة، ولا شك أنا لا نعرفه، فيكون كلها وهو المطلوب، ولو سلم إجماع الكل، لكن قد نقل الرازي عن النظام عدم حجية الاجماع ساكتا عليه، ولو سلم الاجماع وحجيته لم يلزم كونهم أعلم، وأنتم تجوزون المفضول، وتواتر في كتبكم كونه عليه السلام أعلم ففي صحيح مسلم في تفسير غافر عن ابن عباس: كان علي تعرف به الفتن وروى عنه أنه قال اسألوني قبل أن تفقدوني عن كتاب الله ما من آية إلا وأنا أعلم حيث نزلت، وما من فتنة إلا وقد علمت كبشها، ومن يقتل فيها، والعلم بما يكون لا يكون إلا للرسول لقوله تعالى (لا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول(3)) والرسول يطلع الإمام، ليستدل به على استحقاقه لذلك المقام، وفي مناقب ابن المغازلي قال النبي صلى الله عليه وآله عهد الله إلي عهدا في علي أنه غاية الهدى، و إمام أوليائي، ونور من أطاعني، وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين، من أحبه أحبني

____________

(1) الأحقاف: 15.

(2) لقمان: 14.

(3) الجن: 27.

الصفحة 12   

ومن أطاعه أطاعني.

ومن قضاياه ما ذكره القطان أن جماعة من أهل الكتاب سألوا عمر عن قول الله تعالى (وجنة عرضها السماوات والأرض(1)) فأين بقية الجنان؟ فقال لا أعلم فقال علي عليه السلام فأين يكون النهار إذا أقبل الليل؟! قالوا: في علم الله، قال فكذا هنا فجاء علي فأخبر النبي فنزلت (فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون(2)).

وروى الواقدي والطبراني أن عمر بن نائل ادعى على النبي صلى الله عليه وآله بعد خروجه من مكة مائتي مثقال ذهبا، وذلك بمواطأة أبي جهل وعكرمة وعقبة وأبي - سفيان وحنظلة، فقلب علي الودائع فلم يجدها فقال: إنها مكيدة تعود على من دبرها، من يشهد لك؟ فأحضر المذكورين، ففرقهم علي وسألهم عن أوقات الوديعة فاختلفوا فقال لعمر أراك قد اصفر لونك، فأسلم واعترف أنهم برطلوه مائة مثقال(3).

وروى ابن حنبل في مسنده وابن منيع في أماليه أنه قضى في الأربعة الذين وقع أحدهم في الزبية(4) فتمسك بثان، والثاني بثالث، والثالث برابع، أن على الأول ثلث دية الثاني، وعلى أهل الثاني ثلثا دية الثالث وعلى أهل الثالث كمال دية الرابع فصوبه النبي صلى الله عليه وآله.

ورى ابن مهدي في نزهة الأبصار: قضى علي في الجارية الواقعة عن ثانية بقرض ثالثة أن عليها ثلثا ديتها فصوبه النبي صلى الله عليه وآله ولا يجوز لأحد الحكم في زمن النبي صلى الله عليه وآله إلا بنيابة، فالنبي قد نوه باسم علي عليه السلام حين أخبر بإصابته، ونبه الأمة بغزارة علمه على استحقاق خلافته، إذ غاية ما يراد من السفراء إجراء الأحكام على وجهها، ورد الحقوق إلى أهلها، وإقامة الحدود على مستحقها، وتعليم الأمة

____________

(1) آل عمران: 133.

(2) النحل: 43، والأنبياء: 7.

(3) البرطيل: الرشوة، يقال: برطله فتبرطل: أي رشاه فارتشى، ومنه قولهم (إن البراطيل تنصر الأباطيل).

(4) الزبية: حفرة تحتفر لصيد الأسد والذئب.

الصفحة 13   

شرايعها وذرايعها، وكفها عن تتايعها(1).

وقضى في طفلين اشتبه الحر منهما بالقرعة، فأمضاه النبي صلى الله عليه وآله وفي خصائص الرضي وواحدة ابن جمهور عن الباقر والصادق أن رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وآله في بقرة قتلت حمارا فقال صلى الله عليه وآله: سلا أبا بكر، فقال: لا شئ فيها فأشار بهما إلى عمر فقال كالأول، فقال: سلا عليا فقال: إن كانت دخلت عليه في مراحه فعلى ربها قيمته وإن كان دخل عليها في منامها فلا غرم، فقال صلى الله عليه وآله: لقد قضى بينكما بقضاء الله تعالى.

فانظر إلى غزارة علمه وجهلهما، وكيف نبه النبي صلى الله عليه وآله على ذلك حيث أمر الخصمين بسؤالها كما نبه على جهلهما حيث تقاضا مع الأعرابي في ثمن الناقة إليهما، فتحاكما إلى علي فضرب عنقه لما كذبه، وكما نبه على عدم صلاح أبي بكر للخلافة بإرساله عليه السلام ببراءة وعزله بعلي، والعلم من خصائص الأنبياء والأوصياء.

فقد روي عن الصادق عليه السلام أن بني إسرائيل سألوا سليمان أن يستخلف عليهم ابنه، فقال: لا يصلح فألحوا عليه، فقال: إني سائله عن مسائل إن أحسن جوابها أستخلفه، فسأله فما أجابه.

جابر عن ابن عباس عن أبي قال قرأ النبي صلى الله عليه وآله عند قوم فيهم أبو بكر وعمر وعثمان (وأسبغ عليكم نعمه(2)) فقال صلى الله عليه وآله: قولوا ما أول نعمه؟ فخاضوا في الرياش والمعاش، والذرية والأزواج، فقال يا أبا الحسن قل، فقال: إذ خلقني ولم أك شيئا مذكورا، وأحسن بي فجعلني حيا متفكرا، واعيا شاعرا ذاكرا، و هداني لدينه، ولن يضطرني عن سبيله وجعل لي مردا في حياة لا انقطاع لها، و النبي صلى الله عليه وآله يقول في كل كلمة: صدقت، ثم قال فما بعد ذلك؟ فقال: (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها(3)) فتبسم النبي وقال: لتهنئك الحكمة، ليهنئك العلم، أنت وارث علمي والمبين لأمتي.

وفي الحلية قال: يا أبا الحسن لقد شربت العلم شربا، ونهلته نهلا:

____________

(1) تتابع في الأمر: ركب فيه على خلاف الناس، وفي الشر: تهافت وأسرع إليه.

(2) لقمان: 20.

(3) إبراهيم: 34.

الصفحة 14   

 

العلم قالوا لعلي ولا      ملك له واستكبروا فيها

ما سلموا لله في نصه    قل لمن الأرض ومن فيها

 

وروى العامة والخاصة أن أبا بكر أتي برجل شرب خمرا فأراد حده، فقال:

لم أعلم تحريمها فارتج عليه الأمر، فأرسل إلى علي يسأله، فقال: طوفوا به على المهاجرين والأنصار، إن كان أحد تلا عليه آية التحريم فأقم عليه الحد، وإلا خل عنه ففعل، وكان الرجل صادقا فخلى عنه.

وأتى إليه رجل بشخص وقال: هذا ذكر أنه احتلم بأمي فدهش، فقال عليه السلام:

أقمه في الشمس وحد ظله، فإن الحلم ظل.

أبو بصير عن الصادق عليه السلام أراد قوم بناء مسجد بساحل عدن، فكلما بنوه سقط، فسألوا أبا بكر فخطب وسأل الناس، فلم يجد عندهم شيئا، فقال عليه السلام احفروا تجدوا قبرين مكتوب عليهما (أنا رضوي وأختي حبى، متنا ولا نشرك بالله شيئا) فغسلوهما وكفنوهما وصلوا عليهما وادفنوهما ثم ابنوا، يقوم البناء، فوجدوا كما قال عليه السلام.

قال ابن حماد:

 

وقال للقوم امضوا الآن واحتفروا          أساس قبلتكم تفضوا إلى حزن

عليه لوح من العقبان محتفر     فيه بخط من الياقوت مندفن

نحن ابنتا تبع ذي الملك من يمن       حبي ورضوي بغير الحق لم ندن

متنا على ملة التوحيد لم نك من         صلى إلى صنم كلا ولا وثن

 

وفي أمالي ابن دريد وضياء الأولياء عن عبد الله الأندلسي دخل يهودي على أبي بكر وقال: أخبرني عما ليس لله، ولا عند الله، ولا يعلم الله، قال هذه مسائل الزنادقة، فقال ابن عباس: ما أنصفتموه اذهبوا به إلى من يجيبه فإني سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول لعلي: اللهم اهد قلبه، وثبت لسانه، فقام أبو بكر إليه فيمن حضره وسألوه عن ذلك فقال عليه السلام: ليس لله ولد ولا عنده ظلم، ولا يعلم له شريك، فأسلم اليهودي.

 

 

 

 

الصفحة 15   

وسأل رسول الروم أبا بكر عمن لا يرجو الجنة، ولا يخاف النار، ولا يخاف الله، ولا يركع ولا يسجد، ويأكل الميتة والدم، ويشهد بما لم ير، و يحب الفتنة ويبغض الحق، فقال عمر: ازددت كفرا على الكفر. فبلغ ذلك عليا عليه السلام فقال: هذا من أولياء الله: لا يرجو الجنة بل يرجو الله، ولا يخاف النار بل يخاف الله، ولا يخاف الله من ظلم، ولا يركع ولا يسجد في صلاة الجنازة، و يأكل الجراد، والسمك والكبد، ويحب الفتنة: المال والولد، ويشهد بالجنة والنار ولم يرهما، ويكره الحق وهو الموت.

وأسند الطوسي في أماليه وابن جبر في كتاب الاعتبار في إبطال الاختيار إلى سلمان أنه قدم على أبي بكر نصارى وفيهم جاثليق فقال وجدنا في الإنجيل رسولا بعد عيسى وفي كتبنا لا تخرج الأنبياء من الدنيا إلا ولهم أوصياء فقال عمر: هذا خليفة رسول الله.

فقال الجاثليق: بم فضلتم علينا؟ قال أبو بكر: نحن مؤمنون، وأنتم كافرون قال: فأنت مؤمن عند الله أم عند نفسك؟ فقال: عند نفسي ولا علم لي بما عند الله فقال: أنا كافر عندك أم عند الله؟ قال عندي ولا علم لي بما عند الله قال: أنت شاك في دينك، ولست على يقين من دينك، قال أفتصل بما أنت عليه من الدين إلى الجنة؟

قال لا أعلم، قال أفترجو لي ذلك؟ قال أجل، قال فما أراك إلا راجيا لي وخائفا على نفسك، فما فضلك علي، وكيف صرت خليفة النبي صلى الله عليه وآله ولم تحط علما بما تحتاج إليه الأمة؟

قال عمر: كف عن هذا العبث وإلا أبحنا دمك، قال: ما هذا عدل على من جاء مسترشدا، دلوني على من أسأله.

فجاء سلمان به إلى علي عليه السلام فسأله، فقال عليه السلام في جوابه: أنا مؤمن عند الله وعند نفسي، وأصل إلى الجنة بوعد نبيي، المعلوم صدقه بمعجزاته، قال: أين الله اليوم؟ قال عليه السلام: إن الله أين الأين، فلا أين له، قال فيحس؟ أم بم يعرف؟

قال عليه السلام تعالى الله عن الحواس، ويعرف بصنايعه، قال: فما عندكم في المسيح؟

الصفحة 16   

قال مخلوق لتغيره، قال: فبم بنت الرعية قال عليه السلام: لعلمي بما كان وما يكون قال: هات برهانه، قال: أظهرت في سؤالك الاسترشاد، وأضمرت خلافه، وأريت في منامك مقامي، وحذرت من خلافي، فأسلم الجاثليق ومن معه، وأقروا بوصايته.

فقال عمر: يجب أن تعلم أن الخليفة هو من خاطبت أولا برضى الأمة، فأبى ذلك، فقال عمر: لولا أن يقول الناس قتل مسلما لقتلته، وإني أظنه شيطانا يريد إفساد هذه الأمة، ثم توعد من يذكر هذه القصة.

تذنيب:

قال ابن ميثم للعلاف: إبليس ينهى عن الخير كله ويأمر بالسوء كله؟ قال:

نعم، قال: أفيجوز منه ذلك كله في كليهما، وهو لا يعلم مجموعهما؟ قال لا قال:

فقد علم الخير كله والشر كله؟ قال: نعم، قال: فإمامك بعد الرسول يعلم الخير كله والشر كله؟ قال: لا، قال: فإذن إبليس أعلم من إمامك.

وفي عهد عمر ذكر الشريف النسابة أن غلاما طلب مال أبيه من عمر، وذكر أنه مات بالكوفة، فطرده، فخرج يتظلم فأتي به إلى علي عليه السلام فنبش قبر أبيه، و أخرج منه ضلعا له، وأمره بشمه، ففعل فخرج الدم من أنفه، فقال عمر: وبهذا يسلم إليه المال؟ قال: هو أحق به منك ومن سائر الخلق، ثم أمر الحاضرين بشمه فلم ينبعث الدم فأعاده إلى الغلام فانبعث دمه فسلم إليه مال أبيه، وقال: والله ما كذبت ولا كذبت.

عمر بن داود عن الصادق عليه السلام لما مات عقبة قال علي لرجل: حرمت عليك امرأتك، قال عمر: كل كلامك عجب، يموت رجل فتحرم امرأة آخر؟ قال: هذا عبد عقبة تزوج بحرة ترث اليوم بعض ميراثه فصار بعض زوجها رقا لها، وبضع المرأة لا يتبعض، قال عمر: لمثل هذا أمرنا أن نسألك عما اختلف فيه.

وأمر عمر برجم رجل فجر غائبا عن أهله فقال علي: إنما عليه الحد، فقال:

لا أبقاني الله لمعضلة لم يكن لها أبو الحسن.

الصفحة 17   

وذكر الجاحظ عن النظام في كتاب الفتيا أن عليا لما ورث فضة زوجها من أبي تغلبة فأولدها ولدا ومات فتزوجها سليك، فمات ابنها فامتنعت من سليك فشكاها إلى عمر، فقالت: إن ابني من عيره مات فأردت أن أستبرئ بحيضة، فإن حضت علمت أن ابني مات ولا أخ له، وإن كنت حاملا فالذي في بطني أسوه؟، فقال عمر: شعرة من آل أبي طالب أفقه من عدي.

وفي الحدائق والكافي وتهذيب الطوسي أن غلاما أنكرته أمه بحضرة عمر فنفاه عنها، فشكا إلى علي عليه السلام أمره، فطلب أن يزوجها منه، فأقرت به، فقال:

لولا علي لهلك عمر.

وأتي عمر بابن أسود انتفى منه أبو، فأراد تعزيره، فقال علي: جامعتها في حيضها؟ قال: نعم، قال: فلذلك سوده الله، غلب الدم النطفة، فقال: لولا علي لهلك عمر.

أبو القاسم الكوفي والنعمان القاضي؟ رفع إلى عمر أن عبدا قتل مولاه، فأمر بقتله، فأتي به إلى علي فقال علي عليه السلام ولم قتلته؟ قال: غلبني على نفسي، و أتاني في ذاتي، فحبس الغلام ثلاثا ثم مضى علي عليه السلام والأولياء فنبشوا قبره، فلم يجدوه فيه، فقال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول: (من عمل من أمتي عمل قوم لوط حشر معهم).

عن عطا وقتادة وأحمد وشعبة أن مجنونة قامت عليها البينة أن رجلا فجر بها، فأراد عمر أن يحدها، فبعث إليه علي عليه السلام يقول النبي صلى الله عليه وآله رفع القلم عن المجنون فقال عمر فرج الله عنك، لقد كدت أن أهلك.

وأشار إلى ذلك [ أبو نعيم ] في حلية الأولياء والبخاري في صحيحه.

وقضى في عهد عثمان روته العامة والخاصة أن شيخا نكح امرأة ولم يصل إليها فحملت فأنكر حملها. فأمر عثمان بالحد، فقال علي عليه السلام لعله كان ينال منها سم حيضها، فجئ به فاعترف أنه أنزل الماء في قبلها من غير وصول إليها وفي كشف الثعلبي وأربعين الخطيب وموطأ مالك: أتي عثمان بامرأة

الصفحة 18   

ولدت لستة أشهر، فأمر برجمها، فتلا علي عليه السلام (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) (وفصاله في عامين(1)) فخلى عنها.

وقضى في رجل ادعى نقص نفسه بجناية آخر، فأقعده من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وعد أنفاسه وعد أنفاس آخر في سنه، وأخذ منه الدية بحسب التفاوت.

وبعث ملك الروم إلى معاوية يسأله عن لا شئ فتحير، فقال عمرو ابن العاص:

أرسل فرسا تباع بلا شئ فجاء إلى علي بالفرس فأخرجه وقنبرا إلى الصحراء فأراه السراب أخذا من قوله تعالى (حتى إذا جاءه لم يجده شيئا(2)).

وسئل عن المد والجزر، فقال: إن لله ملكا موكلا بالبحر يضع قدميه فيه ويرفعهما.

وسأله ابن الكواء عن بقعة ما طلعت عليها الشمس إلا لحظة، فقال عليه السلام:

ذاك البحر لما فلقه الله لموسى عليه السلام، وعن شئ شرب وهو حي وأكل وهو ميت قال: عصاة موسى شربت وهي؟ حرة، وأكلت حبال السحرة.

وعن مكذوب عليه لا من الجن ولا من الإنس، فقال: ذئب يوسف.

ابن عباس أتى أمير المؤمنين عليه السلام أخوان يهوديان وسألاه أن في الكتب الأربعة: واحد لا ثاني له وثاني لا ثالث له، إلى المائة فتبسم عليه السلام وقال: الواحد الله، والاثنان آدم وحوا، والثلاثة جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، والأربعة:

الكتب الأربعة، والخمسة الخمس صلوات، والست أيتام الخلق، والسبع السماوات، والثمانية حملة العرش، والتسع آيات موسى، والعشرة (تلك عشرة كاملة)(3) ولم يزل عليه السلام يعد إلى آخر المائة فاعترفا وأسلما، ومن أراد تمامها فليطلبها من كتاب ابن شهرآشوب في الجزء الرابع منه.

____________

(1) الأحقاف: 15، لقمان: 14.

(2) النور: 39.

(3) البقرة: 196.

الصفحة 19   

وسئل عن ابن أكبر من أبيه، فقال: عزير بعثه الله ابن أربعين سنة، وله ابن مائة وعشرة، وسئل عن شئ لا قبلة له، فقال عليه السلام الكعبة.

فهذه نبذة يسيره من عجائبه وغرائبه، والمخالف يدعي زيادة العلم لأعدائه وتاه في بيداء الضلالة، حيث لم يذكر جهل أبي بكر بميراث الجد والكلالة.

 

حسدوا الفتى إذ لم ينالوا فضله فالناس أعداء له وخصوم

كضرائر الحسناء قلن لوجهها   حسدا وبغضا إنه لذميم

 

آخر:

 

يا سائلي عن علي والذي فعلوا به من السوء ما قالوا وما عملوا

لم يعرفوه فعادوه لما جهلوا     والناس كلهم أعداء ما جهلوا

 

آخر:

 

إذا تليت آيات ذكري قابل       المحبون ذكري بالسجود لحرمتي

وأوجب كل منهم الوقف عندها          وسلم أن لا قصة مثل قصتي

 

آخر:

 

ذنبي إلى البهم الكوادم أنني     الطرف المطهم والأغر الأقرح

يؤلونني خزر العيون لأنني      غلست في طلب العلى وتصبحوا

نظروا بعين عداوة لو أنها        عين الرضا ما استقبحوا استحسنوا

لو لم يكن لي في القلوب مهابة لم يقذف الأعداء في ويقدح

فالليث من حذر تشق له الربا   أبدا وتتبعه الكلاب النبح

 

ومنها: قوله صلى الله عليه وآله (أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب) فجعل نفسه الشريفة تلك المدينة ومنع الوصول إليها إلا بواسطة الباب فمن دخل منه كان له عن المعصية جنة واقية، وإلى الهداية غنية وافية، حيث أوجب الرجوع إليه في كل وقت المستلزم للعصمة، المستلزمة لاستحقاقه.

ولقد أحسن الأعرابي حين دخل المسجد فسلم على علي قبل النبي صلى الله عليه وآله فضحك الحاضرون فقال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول (أنا مدينة العلم وعلي بابها

الصفحة 20   

فمن أراد المدينة فليأت الباب) فقد فعلت كما أمر صلى الله عليه وآله.

وسبب الحديث ما حكاه ابن طلحة عن بعض الشافعية أنه وجد بخطه أن أعرابيا قال للنبي صلى الله عليه وآله (طمش طاح فغادر شبلا لمن النشب)؟ فقال عليه السلام النشب للشبل مميطا فدخل علي عليه السلام فذكر له النبي لفظ الأعرابي فأجاب بما أجاب النبي صلى الله عليه وآله فقال عليه السلام (أنا مدينة العلم وعلي بابها.) فائدة: ليس في قوله صلى الله عليه وآله (من أراد المدينة فليأت الباب) تخيير بل هو إيجاب وتهديد، مثل قوله (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)(1) ودليل الايجاب أنه ليس بعد النبي صلى الله عليه وآله نبي آخر حتى يكون المكلف مخيرا في الأخذ عنه، وعن علي عليه السلام، فمن أخذ علما من غير الباب فهو سارق غاصب.

وقد أسند ابن بابويه إلى الرضا عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله من دان بغير سماع ألزمه الله التيه إلى الفناء، ومن دان بسماع من غير الباب الذي فتحه الله لخلقه فهو مشرك، والمأمون على وحي الله محمد وآله، والآل علي وأولاده المعصومون، لحديث (مدينة العلم) ولما رواه الطوسي عن الصادق عليه السلام كان أمير المؤمنين باب الله الذي لا يؤتي إلا منه، وسبيله الذي من تمسك بغيره هلك كذلك جرى حكم الأئمة بعده واحد بعد واحد، ولنعم ما قال البشنوي:

 

فمدينة العلم الذي هو بابها      أضحى قسيم النار يوم مآبه

فعدوه أشقى البرية في لظى     ووليه المحبور يوم حسابه

 

قال المخالف: (وعلي بابها) أي بابها علي، قلنا تأويل بالهوى، لم ينقله ذي هدى ويبطله ما أخرجه ابن المغازلي في المناقب من قوله عليه السلام (أنا مدينة العلم وأنت الباب، كذب من زعم يصل إلى المدينة إلا من الباب) وقال ابن المغازلي في كتابه أيضا عن النبي صلى الله عليه وآله فلما صرت بين يدي ربي، ناجاني فما علمني شيئا إلا وعلمته عليا فهو باب علم مدينتي، وعلى هذا الحديث إجماع الأمة.

روي عن جابر بطريق، وعن أم سلمة بطريق، وعن علي بطريقين، وعن

____________

(1) الكهف: 18.

الصفحة 21   

ابن عباس بطريقين، ورواه الخطيب ويحيى بثلاث طرق، وابن شاهين بأربعة، و الجعابي بخمسة، وابن بطة بستة والثقفي بسبعة، وأحمد بثمانية، ورواه ابن جبر في نخبه، والمفيد في إرشاده، وابن بابويه في نصوصه، وأخرجه صاحب المصابيح وصاحب المستدرك، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجه البخاري ومسلم.

قال: في الحديث زيادة هي أن أبا بكر وعمر وعثمان حيطانها وأركانها، و ظاهر فضل الحائط الملا، على الباب الخلا. قلت: الزيادة مكذوبة، ويكفي الثلاثة على تقدير صحتها كونهم حائلين بين العلم والناس، وعلى الموصوف بمشرعته و بابه، من دخله كان آمنا من الزيغ برفع حجابه.

 

قالوا: لا رجحان لعلي بذلك، لقول النبي صلى الله عليه وآله: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم.

قلنا: إثبات الاهتداء بهم لا يدل على نفي زيادة علي عليه السلام عليهم، كالأنبياء السابقين، ولما أخرجه أبو نعيم في حليته من قول سيد المرسلين في أمير المؤمنين عليه السلام قسمت الحكمة عشرة أجزاء أعطي علي عليه السلام تسعة وأعطي الناس كلهم واحدا، مع أن منهم الناكثون والقاسطون والمارقون، وقد عرف ما جاء في حقهم، فيلزم كون الاقتداء بمن يمرق من الدين اهتداء، وقد أجمع من الصحابة خلق على قتل عثمان فإن كان صوابا كفاه خزيا، وإن كان خطأ كان الاقتداء بهم اعتداء لا اهتداء، وقد عرفت إيضاحه لمشكلات أعجزت غيره، وتحير فيها من تقدمه.

ومنها: قصة الأرغفة والمسألة الدينارية، وعلم زنة قيد العبد قبل فكه وقد سلف ذلك ونحوه في الفصل التاسع عشر من باب فضائله(1) وغير ذلك من عجائبه.

 

فإن قلت إنهم كالنجوم فنور علي هو الأزهر

ولا ريب في فضلهم جملة      وبينهم رتب تبصر

فإن مدح المصطفى صحبه      فمدح علي هو الأظهر

 

____________

(1) راجع: ج 1 ص 323 و 324.

الصفحة 22   

 

فكيف يفضل مفضوله  ويدفع عن حقه حيدر

 

قالوا: لو سلمت الأعلمية لجاز أن يكون الإمامة العظمى للمفضول فيها كما كانت الرياسة العامة لموسى والخضر أعلم منه، والهدهد في رعية سليمان واستفاد منه وأصاب سليمان في حكم الحرث دون أبيه وولى عمر عليا على قضاء المدينة حين خرج إلى العراق وهو عندكم أعلم منه.

قلنا: لا عموم لرياسة موسى لقصور دعوته على بني إسرائيل، وقد قيل إن الخضر عليه السلام كان نبيا وقيل كان ملكا.

وقد أخرج البخاري عن البكالي أن موسى المذكور غير موسى بني إسرائيل وقد جاء في التفسير أنه لما لقي موسى، قال: علمني الله ما لا تعلم، وعلمك ما لا أعلم، فجاز أن يعلم الخضر ما لا يتعلق بالأداء، ويكون موسى أعلم منه بما يتعلق بالأداء، وأما الهدهد فلا شك أنه إلهام لا اكتساب، فلله أن يخص به من يشاء، ولم يدع أحد أن النبي صلى الله عليه وآله يعلم الغيب إلا بالإعلام فضلا عن الإمام ولم يستدل عاقل بـ (- هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون(1)) على أن سليمان لا يستوي بالهدهد، وحكم سليمان عليه السلام كان ناسخا لحكم داود كما قال الجبائي لا أن داود عليه السلام أخطأ، ولا نسلم أن سليمان في ذلك الوقت كان في رعية أبيه لقوله تعالى (كلا آتينا حكما وعلما(2)) وظاهره أن الحكم النبوة.

وقولهم ولى عمر عليا قلنا: إن صح فلعلي التوصل بما أمكن إلى حقه إذ يجب عليه إقامة شرع نبيه، وقد تولى يوسف الطاهر الفاضل من قبل العزيز الكافر الجاهل، وقد تولت القضاة من قبل الظلمة فلا فرح للمخالف في هذه الكلمة وقد رجع إليه عمر عن خطائه في مواضع كما في المجنونة التي أراد أن يحدها على الزنا، فقال له علي: أما علمت أن القلم رفع عن المجنون، على ما أخرجه البخاري.

فاعتذر له الرازي بعدم علمه بالجنون قلنا: هذا ساقط بأنه عرفه بما

____________

(1) الزمر: 9.

(2) الأنبياء: 79.

الصفحة 23   

يترتب على المجنون ولم يعرفه بنفس الجنون. وقد أخرج ابن المغازلي أن رجلا سأل معاوية فقال سل عليا فإنه أعلم مني، قال أنت أحب إلي قال: بئس ما قلت، لقد كرهت من كان النبي يغره العلم غرا، ولقد كان عمر يسأله ويأخذ عنه ثم قال له قم، ومحى اسمه عن ديوان العطاء.

وقولهم: لا نسلم أن الأعلمية توجب الإمامة قلنا: هذا خلاف ما ذكرتم أن فقهاء المذاهب الأربعة نصوا على استحقاق الأعلم، ومع ذلك نقول لهم: إن عنيتم بالاستحقاق على سبيل الوجوب، فقد خالفتم مذهبكم، إذ لا وجوب للإمامة عندكم، وإن قلتم على الوجوب بطل احتجاجكم.

قالوا: رجع علي في مسألة المذي إلى غيره، فالغير أعلم منه، قلنا: ذلك الغير هو النبي صلى الله عليه وآله فإنه سأله بواسطة وهو حاضر يسمعه حياء منه لمكان فاطمة كما أخرجه البخاري وغيره.

قالوا: خولف علي في الفروع مثل بيع أمهات الأولاد، قلنا: ذلك جرأة من المخالف على من دعا النبي صلى الله عليه وآله له بإدارة الحق معه، والمخالف له لم يوجب خطأه، وإلا لكان النبي صلى الله عليه وآله مخطئا حيث خالفه عمر وجماعة في منع الكتاب.

وقد خالف أبو حنيفة النبي صلى الله عليه وآله في مواضع وقال لو كان رسول الله صلى الله عليه وآله في زماني لأخذ بكثير من أقوالي ذكره ابن الجوزي في المنتظم، ولما نقل الغزالي ما قال الناس في مثالب الثلاثة، قال: أما علي فلم يقل فيه ذو تحصيل شيئا.

ومنها: ما أسنده الحافظ في الحلية من قول النبي صلى الله عليه وآله لأبي برزة: إن الله عهد إلي في علي عهدا: إنه راية الهدى، ومنار الإيمان، وإمام أوليائي، و نور جميع من أطاعني، وصاحب رايتي في القيامة، وأميني على مفاتيح خزائن ربي وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين، من أطاعه أطاعني، ومن أحبه أحبني، ومن أبغضه أبغضني، وقد سلف نحو هذه.

وقد نظم الضعيف مصنف هذا الكتاب اللطيف نحو هذه في معاني الحديث الظريف بما قيل لبعض الفضلاء: لم عدلت عن النثر إلى النظم فقال: لم يحفظ؟ س من

الصفحة 24   

النظم عشرة ولم يحفظ من النثر عشرة، وقد أشار الشيخ تاج الدين بن راشد في قوله:

 

والنظم أولى بقبول الذهن        له وأحلى موقفا في الأذن

 

فقلت:

 

قد أسند الحافظ في حليته       قول النبي في علي مستطر

عهد من الله إلي قد أتى          بأنه منار ديني المفتخر

وأنه إمام أوليائه          ونور من أطاعه من البشر

وحامل الراية في العرض وقد   أمنته على المفاتيح الغرر

وأنه كلمة الله التي       ألزمها للمتقين في الأثر

وأن من أحبه أحبه      وعكسه كذا أتى به الخبر

عن رجل ليس بذي حمية      لأنه يولي عتيقا وعمر

 

ومنها: لما نزلت (إنما المؤمنون إخوة(1)) ونزلت (إخوانا على سرر متقابلين(2)) قال جبرائيل: هم أصحابك يا محمد، أمرك الله تعالى أن تواخي بينهم في الأرض كما وآخى الله بينهم في السماء، فقلت: إني لا أعرفهم قال: أنا قائم بإزائك كلما أقمت مؤمنا قلت لك أقم فلانا فإنه مؤمن وكلما أقمت كافرا قلت لك أقم فلانا فإنه كافر، فواخ بينهما فلما فعل ذلك ضج المنافقون فأنزل الله تعالى (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب(3)) فحزن علي عليه السلام إذ أخره بأمر جبرائيل فأنزل الله تعالى إليه إنما خبأته لك، وآخيت بينكما في السماء و الأرض، فقام النبي صلى الله عليه وآله وذكر لنفسه مزايا وذكر لعلي نحوها ليدل بها على

____________

(1) الحجرات: 10.

(2) الحجر: 47.

(3) آل عمران: 179.

الصفحة 25   

عظيم منزلته، فإنه مستحق خلافته، أوردها محمد بن جعفر المشهدي في كتاب ما اتفق من الأخبار حذفناها طلبا للاختصار، وهذه المواخاة أدل على الفضل من مواخاة النسب، لأن الكافر قد يكون أخو المؤمن من النسب، وفي هذه المماثلة من الأوصاف (ما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها(1)) (يا أخت هارون(2)) ولم يكن بينهما نسب كما ذكر ذلك جماعة من المفسرين، وأسند ابن حنبل وابن المغازلي أن النبي صلى الله عليه وآله رأى في الإسراء على باب الجنة (محمد رسول الله علي أخو رسول الله) ورواه في الجزء الثالث من الجمع بين الصحيحين من صحيح أبي داود و صحيح الترمذي.

فانظر إلى مرتبته حيث أمر الله نبيه بالمواخاة بين صحابته، فلم يجد فيهم غير علي يصلح لأخوته، لأنه نظيره في النسب وصراحته، وفي آية التطهير المفوهة بعصمته، وفي آية (إنما وليكم الله(3)) المبينة لإمامته، وفي كونه منه في حديث سورة براءة وتأديته، وفي قوله تعالى: (قل تعالوا ندع(4)) يوم المباهلة، وفي استطراق مسجده جنبا وفتح باب سدته.

شعر:

 

آخا النبي عليا والأخوة لا        تدعوا سوى المثل عند الضرب للمثل

 

وقد تمدح به علي عليه السلام في قوله:

 

ومن حين آخا بين من كان حاضرا      دعاني وآخاني وبين من فضلي

 

وقد علم كل ذكي أن من تقدم على علي فقد تقدم على نظيره أي النبي صلى الله عليه وآله.

____________

(1) الزخرف: 48.

(2) مريم: 28.

(3) المائدة: 55.

(4) آل عمران: 61.

الصفحة 26   

نكتة:

قيل لابن بابويه: أتفضل عليا على أبي بكر؟ قال: لا، قيل: أتفضل أبا بكر على علي؟ قال: لا، قيل: فلا تفاضل بينهما؟ قال: نعم، قيل: وكيف تقول؟

قال: الأشياء إما أضداد، وظاهر أنه لا تفاضل بينهما، أو أشباه وأمثال، وأبو بكر لا يشابه عليا، لما علم من مساواته للنبي صلى الله عليه وآله حين واخاه.

وحديث المواخاة له قد اتفق الفريقان على صحته وقد أورده شارح المصابيح في مناقبه، والترمذي في صحيحه، وابن حنبل في مواضع بطرق مختلفة في مسنده والبلاذري والسلامي وأبو عمرو القاضي، وابن بطة من طرق ستة، والقطان في تفسيره، وذكره الحسن ووكيع، وأبو داود في سننه، والثعلبي في تفسيره، و في الجزء الثالث من الجمع بين الصحاح الستة لرزين العبدي وهذه تبطل ما رووه من قوله: (ادعوا إلي أخي وصاحبي(1)).

وذكره أيضا ابن المغازلي الشافعي في مناقبه وفي بعضها أنه عليه السلام أرقاه المنبر وقال: اللهم إن هذا مني وأنا منه، ألا إنه بمنزلة هارون من موسى، ألا من كنت مولاه فهذا علي مولاه. فبخبخ الثاني واعترف بأنه مولاه، ثم أنكر المواخاة يوم طلبه للبيعة، فأبى، فقال: نقتلك، فقال: إذن تقتلوا عبد الله وأخو رسول الله، قال: أما عبد الله فنعم، وأما أخو رسول الله فلا.

وقد جرى الأعور الواسطي على سنة إمامه الغوي، ولو أمكن إنكار هذا الحديث القوي، أمكن هدم أحكام شريعة النبي، وما احتج به أن النبي صلى الله عليه وآله لم يواخ إلا بين المهاجرين والأنصار للتأليف بينهما، فلا فائدة في مواخاته لعلي فاسد بما أنه آخا بين أبي بكر وعمر، وكل منهما مهاجري.

قالوا: الاحتجاج بطرقنا لا ينفعكم لفسق رجالنا عندكم، والاحتجاج بطرقكم لا تضرنا لكونكم خصومنا قلنا: هذه الطريقة تسد باب الاحتجاج بالأحاديث من الجانبين، والحق أن ما نذكره من طرقكم إنما هو إلزام لكم، ويعز عليكم

____________

(1) يريدون أبا بكر بن أبي قحافة.

الصفحة 27   

أن تذكروا من طرقنا ما هو إلزام لنا.

قالوا: روينا في أئمتنا ما يوافق مذهبنا، فنحن آمنا بالكل، وأنتم بالبعض فكنتم كما قال الله تعالى: (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض(1)) الآية قلنا: إذا رويتم ما يوافقكم ويخالفكم، وجب الأخذ بالمجمع عليه، وإلا اجتمع النقيضان، وليس ذلك من باب الإيمان ببعض، بل هو من قبيل (يستمعون القول فيتبعون أحسنه(2)) قال مؤلف الكتاب في هذا الباب:

 

واخاه من بين الصحابة كلهم    والأقربين وليس ذاك بخاف

فمن اعتراه الشك فيه فخارق   الاجماع حيث أتى بغير خلاف

قد صار يوسف خارجا عن ملة الاسلام إذ قذفوه بالاعساف

فعليه لعن الله ثم رسوله والمؤمنون وذا من الإنصاف

 

ومنها ما أورده الحاكم أبو القاسم الحسكاني في كتاب شواهد التنزيل وقد ادعى إجماع المسلمين عليه في رواية ابن عباس لما نزل قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة(3)) قال النبي صلى الله عليه وآله: من ظلم عليا مقعده هذا بعدي فكأنما جحد نبوتي ونبوة الأنبياء من قبلي، وأسنده ابن السراج في كتابه إلى ابن مسعود إلى النبي صلى الله عليه وآله حتى قيل له: فكيف وليت الظالمين؟ وسمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: حلت عقوبته علي لأني لم أستأذن إمامي كما استأذنه جندب وعمار وسلمان، وأنا أستغفر الله وأتوب إليه.

ولو لم يكن لنا في تعيين علي للخلافة وفي نفي غيره كافة سوى هذا الحديث لكفى وشفى، فإنه الكحلة الواحدة التي تزيل العمى، وتقمع العدا، والشربة الرائقة التي تذهب الظمأ، وتنقع الصدا، ولها بحمد الله نظائر من الآيات المحكمات

____________

(1) البقرة: 85.

(2) الزمر: 18.

(3) الأنفال: 25.

الصفحة 28   

والروايات المشهورات ما في بعضه كفاية لمن طلب الحق بالدلالات، وجانب تقليد الآباء والأمهات.

وقد روى ابن المغازلي الشافعي في كتاب المناقب عن أبي ذر قول النبي صلى الله عليه وآله: من ناصب عليا للخلافة بعدي فهو كافر، ومن شك فيه فهو كافر وقد شهد النبي صلى الله عليه وآله لأبي ذر بالصدق، ولولا تواتر الوصية لعلي لم يستحقوا الكفر بقول النبي صلى الله عليه وآله ولفظة (بعدي) تقتضي عموم خلافته، فكل من نازعه في أمره حكم النبي صلى الله عليه وآله بكفره، وهذا يغني عن تدقيق الانتصار، وتحقيق الأفكار فلله الحمد على رفع الحجاب، وإصابته الصواب.

وقد ارتجز مؤلف الكتاب فقال في هذا الباب:

 

قد أورد الحاكم في كتابه         شواهد التنزيل في أصحابه

قول النبي تفهموا يا أمتي        إياكم أن تجحدوا نبوتي

بظلمكم بعدي عليا مقعدي     فمن أتاه فهو طاغ معتدي

وقد روى لنا علي الشافعي      قول النبي الأبطحي النافع

يا من يناصب لعلي بعدي       خلافتي فقد أتى بجحدي

وإن من يشك في توزيره        قد كتب الكفر على ضميره

فهذه شهادة الخصوم    توضيح ما قد جاء في الظلوم

 

فصل

 

قد أوصى النبي صلى الله عليه وآله إلى علي ابتداء يوم الدار، وقد سلف، ويوم الغدير وعند الوفاة، فقد أسند الحسين بن جبر إلى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله دعا عمه ليقبل وصيته فاعتذر منها فدعا عليا فقبلها، فألبسه خاتمه، ودفع إليه بغلته، وسيفه ولامته، وأوصى إليه بين ذلك في عدة مواضع.

وقد أسند الطبري إلى سلمان قول النبي صلى الله عليه وآله: لم يكن نبي إلا وله وصي فمن وصيك؟ فقال صلى الله عليه وآله: هو خير من أترك بعدي علي بن أبي طالب.

 

 

 

 

الصفحة 29   

وأسند نحوه ابن جبر في نخبه عن سفيان الثوري إلى سلمان عن عدة طرق وفي بعضها قول النبي صلى الله عليه وآله له لما سأله عن وصيه من وصي موسى؟ قال: يوشع لأنه كان أعلم أمته، فقال: وصيي أعلم أمتي بعدي علي بن أبي طالب. و قريب منه عن ابن حنبل، وعن أبي رافع وعن زيد بن علي أن أبا ذر لقي عليا عليه السلام فقال: أشهد لك بالموالاة والأخوة والوصية.

وأسند في نخبه المذكور قول النبي صلى الله عليه وآله: خلق الله مائة ألف نبي وأربعة وعشرين ألف نبي أنا أكرمهم عند الله، ومثلهم من الأوصياء وعلي أكرمهم على الله.

وأسند الطبري إلى أبي الطفيل قول علي لأصحاب الشورى: أناشدكم بالله هل تعلمون للنبي وصيا غيري؟ قالوا: اللهم لا، وفي كتاب المناقب لابن المغازلي مرفوعا إلى ابن عباس من قول النبي صلى الله عليه وآله: من انقض هذا الكوكب في منزله فهو الوصي بعدي، فقام فئة من بني هاشم، فرأوه في منزل علي عليه السلام فقالوا: غويت في حب علي: فأنزل الله تعالى (والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى).

وأسند أيضا إلى ابن بريدة قول النبي صلى الله عليه وآله: ما من نبي إلا وله وصي ووارث وإن وصيي ووارثي علي بن أبي طالب وفي الجمع بي الصحيحين للحميدي أنه ذكر عند عائشة أن عليا [ كان ] وصيا فقالت: سمعته من النبي حين وفاته.

وأسند ابن مردويه وهو حجة عند الخصم إلى أم سلمة أنه كان لها مولى يسب في عقب كل صلاة له عليا، فقالت: ما حملك على سبه؟ فقال: قتل عثمان وشرك في دمه، فقالت: لولا أنك ربيتني وأنت بمنزلة والدي ما حدثتك بسر رسول الله صلى الله عليه وآله اجلس فجلس فحدثته بمناجاة رسول الله له في بيتها وأنه من دخولها عليهما منعها حتى ظنت أنه قد ذهب يومها، ثم أذن النبي صلى الله عليه وآله لها، وقال: لا تلوميني فإن جبرائيل أتاني فيما هو كائن بعدي، وأمرني أن أوصي به عليا من بعدي، وكان جبرائيل عن يميني، وعلي عن شمالي، فأمرني أن آمره بما هو كائن إلى يوم القيامة، فاعذريني، إن الله تعالى اختار من كل

الصفحة 30   

أمة نبيا، ولكل نبي وصيا، فأنا نبي هذه الأمة، وعلي وصيي في عترتي وأهل بيتي وأمتي من بعدي، فتاب مولاها من ذلك، وجعل يناجي الله تعالى ليلا ونهارا بالمغفرة منه.

وأسند إلى أنس أنه قال: كنا نهاب أن نسأل النبي صلى الله عليه وآله فنسأل سلمان أن يسأله فقال له يوما: يا رسول الله من أسأل بعدك؟ فقال صلى الله عليه وآله: إن أخي ووزيري و خليفتي في أهل بيتي يقضي ديني وينجز موعدي علي بن أبي طالب، وقد سلف قريب منه و [ مسند ] إلى زيد بن أرقم قول النبي صلى الله عليه وآله: علي بن أبي طالب إمامكم ودليلكم فوازروه، فإن ربي أمرني بما قلت لكم.

قال عبد المحمود: تصفحت بعض كتب ابن مردويه فوجدت فيه مائة واثنين وثمانين منقبة لعلي بن أبي طالب من النبي صلى الله عليه وآله منها تصريحاته بالنص على خلافته، وأنه القائم مقامه في أمته.

 

كم معجز وفواضل وفضائل     لم تنتمي إلا لمجدك يا علي

أصغى لها سمع الغوي وقلبه    حتى أناب فكيف ظنك بالولي

 

فصل

 

أنكر بعض المخالفين وصية سيد المرسلين إلى أمير المؤمنين، فقلنا: قال الله تعالى في كتابه العزيز: (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين(1)) فهذه الآية نسخت بآية المواريث وجوبها فإنه قد استمر جوازها كما قرر في الأصول، وقد أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله بالاقتداء بالنبيين وقد روى ابن حنبل وغيره أنهم نصبوا الوصيين، و سنذكر شيئا منه قريبا إن شاء الله.

وأيضا فترك الوصية إن كان معصية فالنبي صلى الله عليه وآله منزه عنها، وإن كان طاعة وجب تأسي الأمة فيها، فلا فائدة في الأمر بها، ولو جاز في كل آية ظاهرها

____________

(1) البقرة: 180.

الصفحة 31   

الأمر أن يراد خلافه، سقطت الأوامر، وسقطت ثمرة (اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم(1)) وكيف يترك الأمة في حيرتها مع شدة شفقته عليها، وقد أثنى الله عليه في قوله: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم(2)).

إن قيل: إنما كتب الله الوصية بأمور الدنيا للوالدين والأقربين، ولمن عليه دين أو كان له طفل ونحو ذلك، أما في أمور الدنيا فلا، قلنا: الوصية بالدين أعظم، وخصوصا من النبي المرشد إلى الدين فذكر الوصية للدنيا تنبيه بالأدنى على الأعلى، فالوصية به أولى، وبالدين قد أوصى يعقوب بقوله: (يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون(3)) وقد اعترف الخلفاء والعلماء والصدر الأول وغيره من الشعراء بوصية سيد الأنبياء.

قالوا: أسند مسلم والبخاري في الحديث التاسع من المتفق عليه أن طلحة ابن مصرف سأل ابن أبي أوفى: هل أوصى النبي؟ صلى الله عليه وآله فقال: لا، قال: فكيف كتب على الناس الوصية وأمر بها؟ قال: أوصى بكتاب الله وفي حديث وكيع كيف أمر الناس بالوصية؟ وفي حديث نمير: كيف كتب على المسلمين الوصية؟

قال الحميدي: وفي الحديث زيادة لم يخرجها مسلم والبخاري ذكرها أبو مسعود وأبو بكر البرقاني وهي أن أبا بكر كان يتأمر على وصي رسول الله.

فنقول: في صحيح مسلم من طرق عدة ما حق مسلم أن يبيت إلا ووصيته عنده مكتوبة وأخرجه البخاري أيضا وخبر ابن أبي أوفى الذي لم يذكر فيه الوصية بالعترة مردود لأنه لم يسنده إلى أحد ولأنه منحرف عن علي عليه السلام ولأن شهادته على نفي فلا تسمع، ولأنه خبر واحد، ومخالف للشهرة والكتاب وقد أمر النبي صلى الله عليه وآله باطراح ما خالف الكتاب والسنة، وقد روته الفرقة المحقة في مواضع لا تحصى

____________

(1) الأعراف: 3.

(2) براءة: 128.

(3) البقرة: 132.

الصفحة 32   

قول النبي صلى الله عليه وآله: إني تارك فيكم الثقلين إن أخذتم بهما لن تضلوا أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله، وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض.

وروى نحوه ابن حنبل في مسنده من عدة طرق، ومسلم في موضعين من الجزء الرابع من صحيحه، وفي كتاب السنن، وصحيح الترمذي، وابن عبد ربه في كتاب العقد، وابن المغازلي من عدة طرق في كتابه، والثعلبي في تفسيره في سورة آل عمران في قوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا(1)) ورواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين من طرق عدة.

وأسند الزمخشري إلى النبي صلى الله عليه وآله: (فاطمة مهجة قلبي وابناها ثمرة فؤادي وبعلها نور بصري، والأئمة من ولدها أمناء ربي، حبل ممدود بينه وبين خلقه من اعتصم به نجى، ومن تخلف عنه هوى.

وقد ذكر أهل التواريخ أن المأمون جمع أربعين عالما من أهل المذاهب الأربعة وناظرهم بعد أن أوثقهم من نفسه بالإنصاف لهم فأورد نصوصا من النبي صلى الله عليه وآله على علي عليه السلام فاعترفوا له بالخلافة، وله في ذلك أشعار تشعر بما ذكرناه، منها ما نقله الصولي في كتاب الأوراق:

 

ألام على شكر الوصي أبي الحسن       وذلك عندي من عجائب ذي المنن

ولولاه ما عادت لهاشم إمرة     وكانت على الأيام تفضى وتمتهن

خليفة خير الناس والأول الذي أعان رسول الله في السر والعلن

 

وروى ابن المغازلي في كتاب المناقب عن أنس أن النبي صلى الله عليه وآله أهدي له بساط، فأجلسن عليه العشرة بعد أن ناجى عليا طويلا ثم قال: يا ريح احملينا فحملتهم، ثم قال: ضعينا، فوضعتهم على أهل الكهف، فسلموا عليهم فلم يردوا فسلم علي فردوا، فقال لهم علي في ذلك، فقالوا: لا نكلم بعد الموت إلا نبيا أو وصيا ثم قال: احملينا فحملتهم، ثم قال: أوضعينا فوضعتهم بالحيرة، فقال عليه السلام:

إنكم تدركون النبي صلى الله عليه وآله في آخر ركعة فأدركناه فيها، وهو يقرأ (أم حسبت

____________

(1) آل عمران: 103.

الصفحة 33   

أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا(1)).

وذكره الثعلبي في تفسيره وزاد فيه: ثم صاروا في رقدتهم إلى آخر الزمان عند خروج المهدي فيحييهم الله تعالى ثم يرقدون إلى يوم القيامة، وروى الفرقة المحقة هذا الحديث من طرق كثيرة وقد اشتمل طاعة الريح لعلي عليه السلام كسليمان وإحياء الموتى لعيسى، وشهادتهم له بالوصية وعلم الغيب، وقد أسلفنا قول النبي صلى الله عليه وآله: لكل نبي وصي ووصي ووارثي علي بن أبي طالب. وفي حديث ابن مهدي زيادة ذكرها أبو مسعود وأبو بكر البرقاني وهي أن أبا بكر كان يتأمر على وصي رسول الله.

وروى أخطب خوارزم: صاح نخل المدينة: هذا محمد سيد النبيين وهذا علي.

سيد الوصيين.

فهذه الآثار ليست من كتب الروافض كما تزعمون، ولا من تدليس الشيعة كما تتوهمون.

إن قيل: قوله: (وصيي) لا يقتضي نفي وصية غيره، قلنا: لم أجد لغيره وصية نبي، مع أن تالي الخبر يبنى على مقدمته، ومقدمته (لكل نبي وصي) وأيضا فيجب حصر المبتدأ في الخبر، بحكم العربية؟، فالقوم يعز عليهم أن يأتوا بخبر من طرقنا فيه قريب مما ذكرنا من طرقهم.

ولقد حلف عبادة بن الصامت أن عليا كان أحق بالخلافة من أبي بكر كما أن النبي صلى الله عليه وآله أحق بالنبوة من أبي جهل، وقال: دخل أبو بكر وعمر على النبي صلى الله عليه وآله ثم دخل على أثرهما علي، فكأنما سفي الرماد في وجهه أي وجه النبي صلى الله عليه وآله وقال: أيتقدمان عليك وقد أمرك الله تعالى عليهما؟ فقالا: نسينا يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وآله: لا والله وكأني بكما وقد سلبتموه ملكه ثم بكى، وقال:

يا علي صبرا صبرا فإذا أمنك الأمر فالسيف السيف، القتل القتل، حتى يفيئوا إلى أمر الله، فإنك وذريتك على الحق إلى يوم القيامة، ومن ناواك على الباطل.

____________

(1) الكهف: 9.

الصفحة 34   

وأسند الخوارزمي إلى سلمان قول النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: تختم تكن من المقربين جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، قال: يا رسول الله بما أتختم؟ قال صلى الله عليه وآله: بالعقيق الأحمر، فإنه أول حجر أقر لله بالوحدانية، ولي بالنبوة، ولك بالوصية، ولولدك بالإمامة، ولمحبيك بالجنة، ولشيعة ولدك بالفردوس.

وأسند ابن المغازلي الشافعي إلى أبي أيوب الأنصاري أن فاطمة دخلت على النبي صلى الله عليه وآله في مرضه، فبكت، فقال: إن الله تعالى اطلع على الأرض اطلاعة فاختار منها أباك فبعثه نبيا، ثم اطلع ثانية فاختار منها بعلك، وأوحى إلي فأنكحته واتخذته وصيا، نبينا أفضل الأنبياء وهو أبوك، ووصينا خير الأوصياء وهو بعلك، ومنا مهدي هذه الأمة. وفي هذا الحديث عدة فضائل أخذنا منها موضع الغرض، وأما الفرقة المحقة فروت من ذلك ما لا يحصى.

وروى الشيخ محمد بن جعفر المشهدي الحائري في كتاب ما اتفق من الأخبار في فضل الأئمة الأطهار إلى الباقر، إلى أبيه، إلى جده، إلى رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: علي بن أبي طالب خليفة الله وخليفتي، وحجة الله وحجتي، وباب الله وبابي وصفى الله وصفيي، وحبيب الله وحبيبي، وخليل الله وخليلي، وسيف الله وسيفي، وهو أخي وصاحبي، ووزيري، ووصيي، محبه محبي، ومبغضه مبغضي، ووليه وليي وعدوه عدوي، وحربه حربي، وسلمه سلمي، وقوله قولي. وأمره أمري، وزوجته ابنتي، وولده ولدي، وهو سيد الوصيين وخير أمتي أجمعين.

وأسند علي بن الحسين عليه السلام أن جابرا انكب يوما على أيدي الحسنين وأرجلهما وجعل يقبلهما، فقال له رجل قرشي في ذلك، فقال له: لو علمت ما أعلم من فضلهما، لقبلت ما تحت أقدامهما، إن رسول الله صلى الله عليه وآله أمرني يوما أن: آت بهما! فحملت هذا مرة وهذا مرة وجئته بهما، فلما رأى تكريمي إياهما قال لي:

يا جابر أتحبهما؟ قلت: كيف لا أحبهما ومكانهما منك مكانهما؟

فقال صلى الله عليه وآله: ألا أخبرك يا جابر بفضلهما؟ قلت: بلى جعلت فداك قال:

الصفحة 35   

إن الله خلقني من نطفة بيضاء، فنقلها من آدم في الأصلاب والأرحام الطاهرة فافترقت شطرا إلى أبي فولدني، وختم الله تعالى بي النبوة، وشطرا إلى أبي طالب فولد عليا فختم الله به الوصية، ثم اجتمعت النطفتان مني ومن علي وفاطمة فولدنا الجهر والجهير، فختم الله بهما أسباط النبوة، وجعل ذريتي منهما، وأقسم ربي ليظهرن بهما ذرية طيبة يملأ بهم الأرض عدلا كما ملئت جورا فهما طاهران مطهران، وهما سيدا شباب أهل الجنة، طوبى لمن أحبهما، وأباهما وأمهما، و ويل لمن عاداهم وأبغضهم.

وأسند ابن المغازلي في مناقبه إلى النبي صلى الله عليه وآله أنه قال صلى الله عليه وآله: كنت أنا وعلي نورا قبل أن يخلق آدم بألفي عام، فلما خلق آدم ركب ذلك النور في صلبه ولم يزل كذلك حتى افترقنا في صلب عبد المطلب، ففي النبوة، وفي علي الخلافة.

وأسند نحوه أيضا بطريقين آخرين، ونحوه أسند الديلمي في الباب الخامس من كتاب الفردوس.

وأسند عثمان بن عفان أن راهبا نصرانيا دخل المسجد ومعه بختي موقور ذهبا وفضة، فقال: من أميركم؟ فأومأنا إلى أبي بكر، فقال: ما اسمك؟ قال:

عتيق، قال: ثم ما اسمك؟ قال: صديق، قال: ثم ما اسمك؟ قال: لا غير، قال:

لست بصاحبي، قال: ما حاجتك؟ قال: مسألة إن أجبت عنها أسلمت، وهذا المال فيكم فرقت، وإن عجزت عنها رجعت، قال: سل.

قال: ما شئ ليس لله، وليس عند الله، ولا يعلمه الله؟ فلم يحر جوابا، ودعا عمر، وسأله فعجز، فجاء سلمان بعلي عليه السلام، ففرح المسلمون به، فقال أبو بكر:

سل هذا فإن عنده ما سألت من ملتمسك وهو يغنيك، فقال: ما اسمك؟ فقال: أما عند اليهود أليا، وعند النصارى أيليا وعند والدي عليا وعند أمي حيدرة، فقال:

ما محلك من نبيك؟ قال: أخوه وصهره وابن عمه، قال: أنت صاحبي ورب عيسى ثم سأله فقال علي عليه السلام: على الخبير سقطت(1) ليس لله صاحبة ولا ولد، وليس عنده

____________

(1) مثل سائر للعرب، أي على العارف وقعت وعثرت، يقال: إن المثل لمالك بن جبير العامري وكان من حكماء العرب، وتمثل به الفرزدق للحسين بن علي عليه السلام حين أقبل يريد العراق فلقيه وهو يريد الحجاز فقال له الحسين عليه السلام: ما وراءك؟

قال: على الخبير سقطت، قلوب الناس معك، وسيوفهم مع بني أمية، والأمر ينزل من السماء فقال الحسين عليه السلام: صدقتني. راجع مجمع الأمثال ج 2 ص 24.

الصفحة 36   

ظلم للعباد، ولا يعلم له شريكا في ملكه.

فقطع الراهب الزنار من رقبته، وقبل بين عينيه، وأسلم على يدي علي عليه السلام، واعترف له بالخلافة والتسمية، وأنها في كتبهم، وأخذ المال وفرقه في المحاويج من وقته.

فقد اشتمل هذا الحديث على اعتراف أبي بكر له بالعلوم، وهي موجبة للخلافة لآية: (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع(1)) وبالإمامة حيث قال: هذا يغنيك وإنما طلب الخليفة، وعلي ذكر اسمه في الكتب السالفة كما ذكر اسم النبي صلى الله عليه وآله فيها، كما قال الرب الجليل: (يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل(2)).

وذكر الراوندي في خرائجه عن أبي خيثمة قال: خرجت إلى الروم لئلا أكون مع علي أو عليه، فسمعت على نهر ميا فارقين(3):

 

يا أيها الساري بشط فارق        مفارقا للحق دين الخالق

 

فالتفت فلم أر أحدا، فقلت:

 

أنا أبو خيثمة التميمي   تركت قومي عازما للروم

حتى يكون الأمر بالصميم

 

فقال:

 

إسمع مقالي واوع قولي ترشد  ارجع إلى نحو علي المسدد

إن عليا هو وصي أحمد

 

____________

(1) يونس: 35.

(2) الأعراف: 157.

(3) قال الفيروزآبادي: ميابنت أدبنت مدينة فارقين فأضيفت إليها.

الصفحة 37   

قال: فرجعت إلى علي عليه السلام فهذه الجن مع الإنس، قد شهدت له بالوصية.

وأسند سليم بن قيس الهلالي إلى علي قول النبي صلى الله عليه وآله: افترقت اليهود أحدا وسبعين فرقة: واحدة ناجية، وهي التي اتبعت وصي موسى عليه السلام وافترقت النصارى اثنين وسبعين فرقة: واحدة ناجية، وهي التي اتبعت وصي عيسى عليه السلام وستفترق أمتي ثلاثة وسبعين فرقة واحدة ناجية وهي من اتبعت وصيي، وضرب بيده على منكب علي.

وقد اشتهر في الأزمان والبلاد، ما استغنى عن الإسناد، لتلقيه بالقبول من سائر العباد(1) أنه عليه السلام لما توجه إلى صفين عطش عسكره عطشا شديدا، فأخذوا يمينا وشمالا يلتمسون ماء، فعدل بهم عليه السلام عن الجادة قليلا، فلاح لهم دير فسألوا صاحبه عن الماء، فقال: هو على رأس فرسخين فأرادوا المشي إليه فقال لهم عليه السلام:

لا حاجة لكم إلى ذلك ثم أمرهم بكشف مكان بقرب الدير، فوجدوا صخرة ملساء أعجزهم قلعها، فقلعها عليه السلام ودحى بها أذرعا، فشربوا ثم ردها وأعفى أثرها، فنزل الراهب، وقال له: أنت نبي؟ فقال: لا، قال: فمن أنت؟ قال عليه السلام: وصي محمد فأسلم وأقر له عليه السلام بالوصاية، وقال: إنا نجد في كتبنا أن هنا عينا. لا يعرف مكانها إلا نبي، وآية معرفته كشفها، وقلع الصخرة عنها، وإنما بني هذا الدير طلبا لها، فلما سمع المسلمون ذلك شكروا الله على معرفة حق أمير المؤمنين.

وفي هذا الحديث علمه بالأشياء الغائبة، وقوته الباهرة، وذكره في الكتب الخالية وتثبيت الوصية، والمزية السامية، وقد أنشأ السيد الحميري في ذلك قصيدته البائية المذهبة(2) فمن أرادها وقف عليها، وله أيضا في ذكر الوصية:

____________

(1) وفي بعض النسخ: وقد اشتهر في الأزمان والبلدان، ما استغنى عن الإسناد والإعلان لتلقيه بالقبول من سائر العباد والاذعان.

(2) في بعض النسخ: اليائية، وفي بعضها التائية، والصحيح ما في المتن، والقصيدة على ما في إرشاد المفيد ص 159 هكذا:

 

ولقد سرى فيما يسير بليلة      بعد العشاء بكربلا في موكب

حتى أتى متبتلا في قائم         ألقى قواعده بقاع مجدب

يأتيه ليس بحيث يلقى عامرا    غير الوحوش وغير أصلع أشيب

فدنا فصاح به فأشرف ماثلا      كالنسر فوق شظية من مرقب

هل قرب قائمك الذي بوأته     ماء يصاب؟ فقال: ما من مشرب

إلا بغاية فرسخين ومن لنا       بالماء بين نقي وقى سبسب؟

فثنى الأعنة نحو وعث فاجتلى  ملساء يلمع كاللجين المذهب

قال اقلبوها إنكم إن تقلبوا       ترووا ولا تروون إن لم تقلب

فاعصو صبوا في قلعها فتمنعت منهم تمنع صعبة لم تركب

حتى إذا أعيتهم أهوى لها       كفا متى ترد المغالب تغلب

فكأنها كرة بكف حزور          عبل الذراع دحى بها في ملعب

؟ سقاهم من تحتها متسلسلا    عذبا يزيد على الألذ الأعذب

حتى إذا شربوا جميعا ردها      ومضى فخلت مكانها لم تقرب

 

الصفحة 38   

 

علي وصي المصطفى وابن عمه          وأول من صلى لذي العزة العالي

وناصره في كل يوم كريهة       إذا كان يوما ذو هرير وزلزال

 

وذكر ابن عبد ربه في الجزء الأول من كتاب العقد أبيات المذحجية:

 

إما هلكت أبا حسين فلم تزل   بالحق تعرف هاديا مهديا

فاذهب عليك صلاة ربك ما دعت       فوق الأراك حمامة قمريا

قد كنت بعد محمد خلفا لنا     أوصى إليك بنا وكنت وفيا

فاليوم لا خلف يؤمل بعده       هيهات نأمل بعده إنسيا

 

وقال ابن العودي:

 

وقلتم مضى عنا بغير وصية      ألم أوص لو طاوعتم وعقلتم

وقد قلت من لم يوص من قبل موته    يمت جاهلا بل أنتم قد جهلتم

نصبت لكم بعدي إماما يدلكم  على الله فاستكبرتم وضللتم

 

وقال خزيمة ذو الشهادتين في أبياته المشهورة:

 

إذ نحن بايعنا عليا فحسبنا       أبو حسن مما نخاف من المحن

 

الصفحة 39   

 

وصي رسول الله من دون أهله  وفارسه قد كان في سالف الزمن

 

ومن أبيات لعبد الرحمن بن حنبل:

 

لعمري إن بايعتم ذا حفيظة      على الدين معروف العفاف موافقا

أبا حسن فارضوا به وتبايعوا     فليس كمن فيه لذي العيب منطقا

عليا وصي المصطفى ووزيره    وأول من صلى لذي العرش واتقى

 

ومن أبيات النعمان بن زيد:

 

يا ناعي الاسلام قم وانعه         قد مات عرف وأتى منكر

يا لقريش لا علا كعبها  من قدموا اليوم ومن أخروا

ولست تطوي علما باهرا         سام يد الله به تنشروا

حتى تزيلوا صدع ملمومة        والصدع في الصخرة لا يجبر

كبش قريش في وغى حربها    صديقها فاروقها الأكبر

وكاشف الكرب إذا خطة         أغلى على واردها المصدر

 

وقال المهيار فيه:

 

الناس للعهد ما لاقوا وما قربوا  وللخيانة ما غابوا وما اشتبعوا

هذي وصايا رسول الله مهملة   غدرا وشمل رسول الله منصدع

أطاع أولهم في الغدر ثانيهم     وجاء ثالثهم يقفو ويتبع

تضاع بيعته يوم الغدير لهم      بعد الرضا وتحاط الروم والبيع

 

تتمة:

سمع حارثة بن زيد عمر بن الخطاب يقول: اللهم حببني إلى وصي نبيك قلت: من هو يا عمر؟ قال: علي بن أبي طالب فإن النبي صلى الله عليه وآله قال لي عند موته:

إنه خليفته، قلت: فلم تقدمت عليه؟ قال: بأمر منه.

وأنا أقول: ما اشتهر من تظلماته يبطل هذه الدعوى، ولأن المنصوب من الله ورسوله لا يجوز له خلع نفسه عن الإمامة، وجعلها في غيره، فقد ظهر للناظر بقول الخمصين المتعاديين، والقبيلين المتباينين، إثبات وصية النبي صلى الله عليه وآله إلى علي عليه السلام

الصفحة 40   

والجهال تهذي بتركها، وتعتمد على نفيها.

قالوا: روى الحكم وأبو وائل وصعصعة بن صوحان أنه قد قيل لعلي: ألا توصي؟ فقال: أوصى رسول الله فأوصي؟ قلنا: ذلك شاذ نادر مختلف، فلا يعارض ما ذكرناه من المتواتر المؤتلف، لأن في الخبر (ما أوصى رسول الله فأوصي ولكن إن أراد الله بالناس خيرا فسيجمعهم على خير كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم) فهذا يدل على أفضلية أبي بكر على علي عليه السلام والمشهور منه أنه كان يقدم نفسه على أبي بكر وغيره، وقد علم طرف من ذلك في باب فضائله، على أن الخبر يقبل التأويل بأن يكون (ما) بمعنى (الذي) أي الذي أوصى رسول الله فأوصي، ويكون قوله:

إن أراد الله بالناس خيرا فسيجمعهم على خيرهم، عنى به ولديه وذريته، وإضافة الجمع إلى الله يعني بألطافه الزائدة عن القدر الواجب، وقوله: كما جمعهم بعد نبيهم: أي جمعهم على علي حين أوحى النص فيه، فبلغ النبي صلى الله عليه وآله.

فإن قلت: لو جمعهم الله عليه لم يتخلفوا عنه، قلت: لا يلزم من جمعهم اجتماعهم إذ ليس يواقع كل مراد على سبيل الاختيار، بل ذلك إنما يكون بالاكراه و الاجبار، وستأتي وصيته على أولاده في النصوص إن شاء الله تعالى.

ولقد رأيت ثلاثا وثلاثين طرفة في الوصية المذكورة نقلها السيد الإمام ابن طاؤوس رضي الله عنه، في خبر مفرد سأضع محصلها في هذا الباب، ليهتدي به أولوا الألباب، ولأتيمن بذكرها، وأتقرب إلى الله تعالى بنشرها، فإن فيها شفاء لما في الصدور، يعتمد عليها من يريد تحقيق تلك الأمور، وقد روى يونس بن الصباح المزني عن الصادق عليه السلام أن الله تعالى عرج بالنبي صلى الله عليه وآله مائة وعشرين مرة، ما من مرة إلا ويوصيه الله بالولاية لعلي عليه السلام والأئمة، أكثر مما يوصيه بالفرائض.

الصفحة 41   

 

(3)

فصل

 

أذكر فيه ما وعدت فيه من نص النبيين على الوصيين أسند ابن جبر في كتاب نخب المناقب إلى أمير المؤمنين وإلى الصادق والرضا من أولاده الغر الميامين، ما قاله الرسول الأمين: إن آدم أوصى إلى ابنه شيث وشيث إلى شبان وشبان إلى محلث، ومحلث إلى محوق، ومحوق إلى عتميشا، وعتميشا إلى أخنوخ، وهو إدريس، وإدريس إلى ناحور، وناحور إلى نوح، ونوح إلى سام وسام إلى عثامر، وعثامر إلى برغيشاثا، وبرغيشاثا إلى يافث، ويافث إلى برة، وبرة إلى حفيسة، وحفيسة إلى عمران، وعمران إلى إبراهيم، وإبراهيم إلى إسماعيل، وإسماعيل إلى إسحاق، وإسحاق إلى يعقوب، ويعقوب إلى يوسف ويوسف إلى بثريا، وبثريا إلى شعيب، وشعيب إلى موسى، وموسى إلى يوشع ويوشع إلى داود، وداود إلى سليمان، وسليمان إلى آصف، وآصف إلى زكريا وزكريا إلى عيسى، وعيسى إلى شمعون، وشمعون إلى يحيى، ويحيى إلى منذر، ومنذر إلى سلمه، وسلمه إلى برده.

ثم قال صلى الله عليه وآله: ودفعها بردة إلي وأنا أدفعها إليك يا علي وأنت ادفعها إلى وصيك، ويدفعها وصيك إلى أوصيائك من ولدك واحدا بعد واحد، حتى تدفع إلى خير أهلي بالأرض.

وقد روى الشيخ محمد بن بابويه القمي أن الله تعالى أمر آدم أن يستخلف شيثا ففعل، ثم توالى الاستخلاف في أولاده يوصي ماضيهم إلى باقيهم، إلى أن بعث الله تعالى إبراهيم عازما على الأمة بترك عبادة الأوثان، فلما استوفى أجله، أمره أن يستخلف ابنه إسماعيل ففعل، ثم أوصى إسماعيل إلى أخيه إسحاق لأن أولاد إسماعيل كانوا صغارا.

فلما كبروا قاموا مقام أبيهم، وتوالت الوصية فيهم، إلى أن بعث الله موسى

الصفحة 42   

عازما على الأمم بترك ما كانوا فيه من عبادة غير الله، ثم سأل الله أن يجعل له أخاه هارون وزيرا، ففعل، فتوفي قبله، فأوصى إلى ابن أخيه يوشع لأن أولاد هارون كانوا صغارا ثم استخلف يوشع كوكب بن لفتى، وتوالوا ذلك بينهم إلى أن بعث الله تعالى عيسى عازما على الأمم بترك ما كانوا عليه، واستخلف عيسى شمعون.

وأسند ابن بابويه في كتاب التوحيد عن الباقر عليه السلام في تفسير الزيتونة أن المصباح نور العلم، والمشكاة صدر النبي صلى الله عليه وآله والزجاجة صدر علي (نور على نور) إمام في أثر إمام من آل محمد صلى الله عليه وآله، وذلك من لدن آدم لم تخل الأرض من واحد منهم إلى يوم القيامة.

قال أبو طالب:

 

أنت الأمين محمد       فيهم أغر مسودد

لمسوددين أطاهر        كرموا وطاب المولد

من لدن آدم لم يزل     فينا وصي مرشد

ولقد عرفتك صادقا     والقول لا يتفند

 

فهذه سنة الأنبياء في نصب الأوصياء، وقد قال الله سبحانه: (سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا) و(1) (لا) لنفي المستقبل، فلا تبديل لذلك في جميع الأوقات المستقبلة، وقد أمر الله نبيه بالاقتداء بهم في قوله تعالى: (فبهداهم اقتده(2)) وقد فعل ذلك في نصوصه على أئمة الاسلام، وستسمع شيئا من ذلك مفصلا إن شاء الله تعالى، وهنا نصوص أخر عن الأنبياء، نقلناها من كتاب الأوصياء، وجدنا زيادات فيها فأردنا أن نعثر عليها.

____________

(1) الإسراء: 77.

(2) الأنعام: 90.

 

 

 

 

الصفحة 43   

(4)

فصل

 

خلق الله تعالى قبل آدم الجن والنسناس، وأسكنهم الأرض، فأفسدوا فيها وسفكوا الدماء، فخلق آدم خليفة فيها وأسجد له الملائكة فأبى إبليس تعظما لقوله:

(خلقتني من نار وخلقته من طين(1)) ولم يدر أن الطين أنور من النار، لأن النار من الشجر الذي هو من الطين.

وعهد الله إلى آدم وإلى صور ذريته في السادة عليهم السلام، فعزم بعضهم أن ذلك كذلك فسموا أولي العزم، أي القوة، ثم ولد هابيل وقابيل، فلما تقربا تقبل من هابيل دون قابيل، فعاداه فقتله، فأولد الله لآدم شيث، وهو هبة الله فأوحى الله تعالى إلى آدم أني متوفيك فأوص إلى خير ولدك وهو هبة الله فإني لا أخلي الأرض من عالم أجعله على خلقي ففعل، وأوصاه أن يفعل مثل ذلك، إذا حضرته الوفاة، وأن يوصي من بعده إلى من بعده، وهكذا.

فلما قبض آدم أوحى الله إلى هبة الله أن: صل عليه وكبر خمسا، فصلى و كبر فجرت السنة، وكبر سبعين أخرى سنة بعدد صفوف الملائكة كلهم، ممن صلى خلفه، ودفن بأبي قبيس، ثم حمل نوح عظامه ودفنها بالغري، فقام هبة الله بأمر الله، فجاء قابيل إليه وتوعده أنه إن أظهر أنه وصي أبيه قتله.

فلما حضرت هبة الله الوفاة أوحى الله إليه أن يوصي إلى ريسان ابن نزله و هي الحورية التي نزلت إليه من الجنة، وروي أن اسمه ايونش ففعل، فلما حضرته الوفاة أوحى الله إليه أن يوصي إلى ابنه أمخوق وروي اسمه قينان ففعل، وظهر عوج بن عناق من ولد قابيل فأفسد في الأرض، فاشتدت المحنة على الشيعة، فلما حضرت أمخوق الوفاة أوحى الله إليه أن يوصي إلى ابنه مخليب ففعل، فقام بأمر الله متخفيا من عوج فلما حضرته الوفاة أوحى الله إليه أن يوصي إلى ابنه عميشا ففعل.

فلما حضرته الوفاة أوحى الله إليه أن يوصي إلى ابنه أخنوخ وهو إدريس

____________

(1) الأعراف: 12.

الصفحة 44   

ثم نشأ في زمنه بنو راسب، من ولد قابيل، فعمل السحر، وكان له قصبة من ذهب ينفخ فيها فيأتيه كلما يريد، فلما أراد الله رفع إدريس أوحى الله إليه أن يوصي إلى ابنه يزد ففعل فقام بأمر الله متخفيا فلما حضرته الوفاة أوحى الله إليه أن يوصي إلى ابنه اختوخ ففعل فلما حضرته الوفاة أوحى الله إليه أن يوصي إلى ابنه متوشلخ ففعل.

فلما حضرته الوفاة أوحى الله إليه أن يوصي إلى ابنه أرفخشد، ففعل، فلما حضرته الوفاة أوحى الله إليه أن يوصي إلى ابنه نوح ففعل.

وكان اسم نوح عبد الغفار سمي نوحا لنوحه على قومه، فلما حضرته الوفاة أوحى الله إليه أن يوصي إلى ابنه سام ففعل، فآمن به شيعته وخالف عليه أخواه حام ويافث، وولد لحام كنعان أبو نمرود، وأقام أولاد قابيل وعوج على كفرهم، فلما حضر سام الوفاة أوحى الله إليه أن يوصي إلى ابنه أرفخشد ففعل، وملك في زمانه افريدون وهو ذو القرنين، وروي أن الخضر عليه السلام وهو ابن أرفخشد بن سام كان على مقدمته.

فلما حضرت أرفخشد الوفاة أوحى الله إليه أن يوصي إلى ابنه شالخ ففعل فلما حضرته الوفاة أوحى الله إليه أن يوصي إلى ابنه هود ففعل، فلما حضرته الوفاة أوحى الله إليه أن يوصي إلى ابنه قالع ففعل، فلما حضرته الوفاة أوحى الله إليه أن يوصي إلى ابنه يروع ففعل فقام يروع بأمر الله مستخفيا حتى قتله عوج فعند ذلك اختار الله لأمره بوسيا بن أمين الله، وجمع له المؤمنين، فلم يزل يجاهد حتى رفعه الله إليه بغير موت، وأمره قبل ذلك أن يوصي إلى ضارع بن يروع بن قالع، ففعل فلما حضرته الوفاة أوحى الله إليه أن يوصي إلى ابنه ناخور ففعل فلما حضرته الوفاة أوحى الله إليه أن يوصي إلى ابنه تارخ ففعل، وهو أبو إبراهيم عليه السلام وأمر نبوته مشهورة، وكان آزر جده لأمه منجما لنمرود بن كنعان بن حام بن نوح، وهذا نمرود الذي ملك المغربين وهو صاحب النسور والتابوت.

فلما حضرت إبراهيم الوفاة أوحى الله إليه أن يوصي إلى ابنه إسماعيل، فلما

الصفحة 45   

حضرته الوفاة أوحى الله إليه يوصي إلى أخيه إسحاق فلما حضرته الوفاة أوحى الله إليه أن يوصي إلى ابنه يعقوب، ففعل، فخالفه العيص أخوه وغلبه على البيت المقدس، وهو أول من قطع القطائع، وأخذ الخراج، فصارت سنة إلى اليوم.

فلما حضرت يعقوب الوفاة أوحى الله إليه أن يوصي إلى ابنه يوسف ففعل فلما حضرته الوفاة أوحى الله إليه أن يوصي إلى ابنه لاوا، فلما حضرته الوفاة قام ابنه يزد مقامه فلما حضرته الوفاة أوحى الله إليه أن يوصي إلى ابنه ميتاح فاتبعه المؤمنون مستخفون من الجبابرة، فلما حضرت ميتاح الوفاة أوحى الله إليه أن يوصي إلى ابنه عاف ففعل، فلما حضرته الوفاة أوحى الله إليه أن يوصي إلى ابنه حتام ثم أوصى إلى ابنه أدوم، وأوصى أدوم إلى شعيب، وهو ابن ثابت بن إبراهيم ثم ظهر فرعون موسى واسمه الوليد بن مصعب ثم بعث الله آبور بن آمون بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم ثم ولد هارون وموسى وأمرهما مشهور.

فلما ماتا كان وصي موسى يوشع بن نون، فخرجت عليه صافورا، وهي غير صفرا بنت شعيب امرأة موسى ثم أوصى يوشع إلى ابنه فنحاس، وفنحاس إلى ابنه شبر، وشبر إلى ابنه حيويل، وحيويل إلى ابنه آثاب، وآثاب إلى ابنه أحمر وأحمر إلى ابنه عرق، وعرق إلى ابنه طالوت، وطالوت إلى داود، وداود إلى سليمان، وسليمان إلى آصف، وآصف إلى ابنه صفور، وصفور إلى ابنه منبه ومنبه إلى ابنه هند، وهند إلى ابنه أسفر، وأسفر إلى ابنه خامر، وخامر إلى ابنه إسحاق، وإسحاق إلى زكريا ابن أذن.

وقبل أن تنشره اليهود(1) سلم الأمر إلى عيسى عليه السلام وقيل: إلى شايع وأوصى شايع إلى ابنه دوييل، فلما مات بعث الله المسيح عليه السلام فلما رفعه الله قام شمعون مقامه، فلما حضرته الوفاة أمره الله أن يسلم الأمر إلى يحيى، فلما أراد الله قبضه أوحى إليه أن يجعل الإمامة في ولد شمعون فجعلها في ابنه منذر بن شمعون وفي زمان منذر خرج بخت نصر بن بلينصر.

____________

(1) أي يقطعوه بالمنشار.

الصفحة 46   

ثم بعث الله العزير وأوحى الله إليه أن يوصي إلى دانيال ففعل، وفي زمانه ملك مهرقية بن بخت نصر وكان كافرا خبيثا وهو صاحب الأخدود، وأوحى الله إلى دانيال أن يوصي إلى ابنه مكيخا ففعل، وفي خبر آخر أن دانيال وعزير كانا قبل المسيح ثم أوصى مكيخا إلى ابنه انسوا وفي زمانه ملك هرمز ثم ملك بعد ابنا سابور، ثم أخوه أردشير وفي زمان أردشير بعث أصحاب الكهف.

ثم أوصى انسوا إلى ابنه وسيخا وملك في زمانه سابور بن سابور، ثم ابنه يزدجرد، وأوصى وسيخا إلى ابنه نسطورش، وملك في زمانه بهرام بن يزدجرد أيضا ثم ابنه فيروز ثم أوصى نسطورش إلى مرعيد، ومرعيد إلى بحير.

ثم استخلص الله من الشجرة الطاهرة سيد الأولين والآخرين محمدا صلى الله عليه وآله كل واحد ممن قدمناه بوحي الله إليه أن يوصي عند وفاته بمن أخرناه.

وفي خبر آخر إن الله تعالى لما أراد قبض يحيى بن زكريا أوحى إليه بالوصية إلى منذر بن شمعون، ففعل، فأوصى شمعون إلى ابنه سلمة، وسلمة إلى ابنه برزة، وبرزة إلى أبى، وأبى إلى دوس، ودوس إلى أسيد، وأسيد إلى هوف وهوف إلى ابنه يحيى، ويحيى إلى قانا، وهو السيد محمد صلى الله عليه وآله.

فهذا ما أجراه من سننه في الأنبياء السالفين من الوحي إليهم بالنص على الوصيين فكيف يخرق عادته في سيد المرسلين، وقد وجدت نحو ذلك في بصائر الأنس مرويا برجاله، ولكن فيه زيادات ومغايرات في الأسماء، فاقتنعت بهذا عن إيراده، وفي آخره:

ودفعها إلي بردة، وأنا أدفعها إليك يا علي وأنت تدفعها إلى ولدك واحدا بعد واحد، وسماهم عليهم السلام، تركتهم هنا لألحقهم بالفصل المخصوص بإفراد الأسماء فمن توسع إلى ذلك طلبه منه، ووجدته أيضا في الكتاب المذكور مرويا برجال آخرين وفيه أسماء الأئمة عليهم السلام واحدا بعد واحد، وسأورده إن شاء الله تعالى.

الصفحة 47   

 

(5)

فصل

* (من غير هذا) *

 

أسند ابن جبر في نخبه عن الصادق عليه السلام قال: إذا كان يوم القيامة نودي أين خليفة الله في أرضه؟ فيقوم داود فيقال له: لسنا إياك أردنا، وإن كنت لله خليفة فيقوم أمير المؤمنين فيأتي النداء: يا معشر الخلائق، هذا علي بن أبي طالب خليفة الله في أرضه، وحجته على عباده، فمن تعلق بحبله في الدنيا فليتعلق بحبله اليوم فيستضئ بنوره ويتبعه إلى الجنة.

وأسند أيضا في الكتاب المذكور أن عليا قال: من لم يقل: إني رابع الخلفاء فعليه لعنة الله، ثم ذكر عليه السلام آدم، وداود، وموسى عليهم السلام(1).

وأسند الشيرازي إلى علقمة بن الأسود: وقعت الخلافة من الله لثلاثة: آدم:

(إني جاعل في الأرض خليفة(2)) داود (إنا جعلناك خليفة في الأرض(3)) علي بن أبي طالب (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض(4)) ونحوه في تفسيره ابن أبي عبيدة والطائي وقد سلف ذلك.

وأسند ابن حنبل إلى ابن عباس قول النبي صلى الله عليه وآله يوم خرج إلى تبوك: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي، وهذا يعم كل ذهاب، وإن كان سببه ذلك، فإن السبب لا يخص كما تبين في الأصول، وقد سلف ذلك مستوفى.

 

وأسند أيضا حديث الدار وفيه ذكر الخلافة وأسند ابن المغازلي والثعلبي وقد مضى وأسند أيضا إلى سلمان قول النبي صلى الله عليه وآله: كنت أنا وعلي نورا واحدا ثم

____________

(1) بل هارون لقول موسى فيه بأمر الله (اخلفني في قومي).

(2) البقرة: 30.

(3) ص: 26.

(4) النور: 55.

الصفحة 48   

قسم ففي النبوة، وفيه الخلافة ونحوه في كتاب الفردوس للديلمي، وذكره أيضا ابن المغازلي عن أبي ذر الثابت صدقه بقول النبي صلى الله عليه وآله: من ناصب عليا الخلافة بعدي فهو كافر، ومن شك في علي فهو كافر، والبعدية تقتضي العموم، فلا تخص بما بعد الثلاثة بغير دليل، ولا دليل، وقد سلف ذلك كله، أعدناه استيناسا ولأن هذا محله.

وأسند ابن مردويه والسمعاني إلى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وآله تنفس فقلت:

ما لك؟ قال: نعيت إلي نفسي فقلت: استخلف، قال من؟ قلت: أبا بكر فسكت صلى الله عليه وآله ثم تنفس، فقلت: ما لك؟ قال: نعيت إلى نفسي، قلت: استخلف قال: من؟

قلت: عمر، فسكت صلى الله عليه وآله ثم تنفس فقلت: ما شأنك؟ قال: نعيت إلي نفسي، قلت:

استخلف، قال: من؟ قلت: عليا فسكت ثم قال: أما والذي نفسي بيده، لو أطاعوه ليدخلن الجنة أجمعين أكتعين. فأقسم عليه بذلك بعد أن سكت عن الأولين مؤكدا بقوله: أجمعين أكتعين والحق لا يكون إلا في واحدة، وهي هنا جهة علي بقول النبي صلى الله عليه وآله.

وفي مناقب ابن مردويه قالت عائشة: قال النبي صلى الله عليه وآله في مرضه: ادعوا لي حبيبي فدعوت أبا بكر فنظر إليه، ثم وضع رأسه، وقال: ادعوا لي حبيبي، فقلت:

ادعوا له عليا فوالله ما يريد غيره، فجاءه فأفرج له الثوب الذي عليه، وأدخله فيه، فلم يزل يحتضنه حتى قبض. ورواه الطبري في الولاية والدارقطني والسمعاني والموفق المكي، وفي بعضها أن عمر ادخل أيضا إليه، ففعل معه مثل ما فعل بأبي بكر.

وفي مناقب ابن المغازلي قالت: لقد فاضت نفسه في يد علي فردها في فيه.

فهذه أخبار الفريقين بلفظ الخلافة المقتضية لسلبها عن غيره في زمانه كافة ولم يبق بعدها لمقتبس نارا، ولا لملتمس منارا.

وأنشأ السيد المرتضى في ذلك:

 

إذا ذكروه للخلافة لم تزل        تطلع من شوق رقاب المنابر

 

الصفحة 49   

 

إذا عدد المجد التليد تنحلوا     علا يتبرا من عقود الحناجر

جريون إلا أن تهز رماحه        ضنينون إلا بالعلا والمفاخر

 

وقال زيد بن مزيد:

 

خلافة الله في هارون ثابتة        وفي بنيه إلى أن ينفخ الصور

إرث النبي لكم من دون غيركم حق من الله في القرآن مسطور

 

(6)

فصل

 

أذكر فيه أخبارا من القبيلين تجري مجرى النص عليه.

منها: ما أسنده ابن مردويه إلى النبي صلى الله عليه وآله لو أن عبدا عبد الله ما قام نوح في قومه وكان له مثل أحد ذهبا فأنفقه في سبيل الله ومد في عمره حتى حج ألف حجة على قدميه ثم قتل بين الصفا والمروة مظلوما ثم لم يوالك يا علي لم يشم رائحة الجنة.

قلت: لأنه ليس بمؤمن، والإيمان شرط وجوب الثواب، في نص الكتاب (ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن(1)).

وفي شرف المصطفى وتاريخ النشوي عن النبي صلى الله عليه وآله لو أن عبدا عبد الله بين الركن والمقام ألف عام، ثم ألف عام، ولم يكن يحبنا أهل البيت لكبه الله على منخره في النار.

ونقل ابن المغازلي عن مجاهد عن ابن عباس قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وآله فأقبل علي غضبانا وقال: آذاني فيك بنو عمك، فقام النبي غضبانا فقال: أيها الناس من آذى عليا فقد آذاني، إن عليا أولكم إيمانا وأوفاكم بعهد الله، من آذى عليا بعث يوم القيامة يهوديا أو نصرانيا، فقال جابر: وإن أقر بالوحدانية والرسالة؟ فقال صلى الله عليه وآله: إن ذلك كلمة يحتجبون بها عن أن تسفك دماؤهم، و تؤخذ أموالهم.

____________

(1) طه: 112.

الصفحة 50   

وفي كتاب الخوارزمي والديلمي عن جابر الأنصاري قال النبي صلى الله عليه وآله:

جاءني جبرائيل بورقة آس أخضر. مكتوب فيها ببياض: افترضت محبة علي بن أبي طالب على خلقي، فبلغهم ذلك عني.

وفي معجم الطبراني من أهل الخلاف قالت فاطمة: قال لي النبي صلى الله عليه وآله: إن الله باهى بكم وغفر لكم عامة، ولعلي خاصة، وإني رسول الله إليكم غير هائب لقومي، ولا محاب لحق قرابتي، هذا جبرائيل يخبرني أن السعيد كل السعيد من أحب عليا في حياته وبعد موته، والشقي كل الشقي من أبغض عليا في حياته وبعد موته.

وفي فردوس الديلمي عن عمر قال النبي صلى الله عليه وآله: حب علي براءة من النار.

وروى ابن حنبل في مسنده، وابن بطة في أماليه، والخطيب في أربعينه، والثعلبي في ربيع المذكرين، عن زيد بن أرقم قول النبي صلى الله عليه وآله: من أحب أن يتمسك بالقضيب الأحمر الذي غرسه الله في جنة عدن بيمينه، فليتمسك بحب علي بن أبي طالب.

وأسند المفيد في إرشاده عن حنش قول علي بن أبي طالب عليه السلام على المنبر:

والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إنه لعهد النبي إلي: لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق، ونحوه عن حنش بطريق آخر ونحوه عن الحارث الهمداني و مثله في مسند ابن حنبل ونحوه عن أم سلمة بطريقين، ورواه الحميدي في الحديث التاسع من الجمع بين الصحيحين في الجزء الثاني من الجمع بين الصحاح الستة من صحيح أبي داود ومن صحيح البخاري.

وأسند ابن حنبل أيضا عن الخدري: كنا نعرف منافقي الأنصار ببغضهم عليا وأسند إليه أيضا قول النبي صلى الله عليه وآله: من أبغضنا أهل البيت فهو منافق، وأسند إلى الزبير: ما كنا نعرف المنافقين إلا ببغضهم إياه. وأسند إلى عمار قول النبي صلى الله عليه وآله لعلي: طوبى لمن أحبك وصدق فيك، وويل لمن أبغضك وكذب فيك.

وأسند إلى عروة أن رجلا وقع في علي بحضرة عمر، فقال عمر: إن أبغضته آذيت هذا في قبره، يعني النبي صلى الله عليه وآله.

الصفحة 51   

وذكر ابن جبر في نخبه معنى هذا الحديث، وزيادات عليه يؤل إليه بعدة رجال في عدة كتب، منهم عطية وابن بطة في الإبانة، من طرق ستة، وأم سلمة وأنس وابن ماجة والترمذي ومسلم والبخاري وأحمد وابن البيع والإصفهاني وابن [ أبي ] شيبة، والعكبري، والحلية، وفضائل السمعاني، وتاريخ بغداد والآلكاني وابن عقدة، وجامع الموصلي، وعبادة بن يعقوب، والثقفي، والهروي والطبري.

وهذه الأحاديث ونحوها حذفت إسنادها للتطويل بذكرها، ولأن المسلم لها لا يحتاج إلى ذكرها، والطاعن فيها قد يطعن في سندها وقد اتضح بين الأمة بالاتفاق أن حبه علم الإيمان، وبغضه علم النفاق، ولأجل محبة الله ورسوله أمر بمحبته.

وفي الخبر عن الرسول: إذا أحب الله عبدا حببه إلى خلقه. فكيف من فرض حبه على كل مكلف من عباده، وجعله علما لطهارة ميلاده، إذ قال النبي صلى الله عليه وآله فيه: لا يبغضه ويعاديه إلا منافق أو كافر أو ولد زنية.

وأسند ابن خلاد قول عقبة ابن عامر الجهني: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وآله على وحدانية الله، وأنه نبيه، وعلي وصيه، فأي الثلاثة تركنا كفرنا، وقال لنا:

حبوا هذا فإن الله يحبه، واستحيوا منه فإن الله يستحيي منه.

ويعضده قول النبي صلى الله عليه وآله في رواية جابر: أول ثلمة في الاسلام محالفة علي وأول حق فيه اتباع علي، والمحبة هنا الاتباع له والاقتداء به، وقد ظهر أن المتقدم عليه ومن تبعه لا يحبه، لأنه أغضبه وغصبه حقه، وقد سلف في ألفاظ النبي صلى الله عليه وآله (الشقي كل الشقي من أبغضه، ومن آذاه بعث يهوديا أو نصرانيا) فوجب تقديمه وجوبا ومحتوما لا بد له.

قال الخليفة القاضي العباسي:

 

قسما بمكة والحطيم وزمزم     والراقصات وسعيهن إلى منى

بغض الوصي علامة مكتوبة     تبدو على جبهات أولاد الزنا

من لا يوالي في البرية حيدرا    سيان عند الله صلى أو زنى

 

الصفحة 52   

وقال آخر:

 

وقول رسول الله فيه مصدق     رواه ابن عباس وزيد وجابر

محب علي لا محالة مؤمن       وباغضه - والله والله - كافر

 

(7)

فصل

* (في تسمية على أمير المؤمنين وهو يؤيد ما سبق) *

 

أسند المفيد في إرشاده إلى أنس قول النبي صلى الله عليه وآله: يدخل عليك الساعة أمير المؤمنين، وسيد الوصيين، وأقدم الناس إسلاما، وأكثرهم علما، وأرجحهم حلما، فدخل علي، فقال: حدث في حدث؟ فقال صلى الله عليه وآله: ما أحدث فيك إلا خير أنت مني وأنا منك، وتفي بذمتي، وتغسلني، وتلحدني، وتسمع الناس عني وتبين لهم ما يختلفون فيه من بعدي. ونحوه روى القاسم به جندب وبشير الغفاري وأبو الطفيل عن أنس، ونحوه أيضا في حلية أبي نعيم وولاية الطبري عن أنس.

وأسند أيضا إلى ابن عباس قول النبي صلى الله عليه وآله لأم سلمة: اسمعي واشهدي هذا علي أمير المؤمنين، وسيد المرسلين، وأسنده الأعمش إلى السدي إلى ابن عباس.

وأسند علي بن الحسين أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: هو أمير المؤمنين بولاية من الله عقدها له.

وأسند المفيد أيضا وابن مردويه إلى معاوية بن ثعلبة قول أبي ذر: أوصيت إلى أمير المؤمنين قبل عثمان؟ قال: لا ولكنه أمير المؤمنين حقا علي بن أبي طالب.

وروي أيضا عن بريدة قال: وهو مشهور بأسانيد يطول شرحها قال: أمرني النبي صلى الله عليه وآله وأنا سابع سبعة، فيهم أبو بكر، وعمر، وطلحة، والزبير بالسلام على علي بإمرة المؤمنين، فسلمنا والنبي صلى الله عليه وآله حي بين أظهرنا.

وأسند ابن جبر في نخبه قول الله للنبي في المعراج: من خلفت لأمتك؟

الصفحة 53   

قال: الله أعلم، قال: علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، وقال في نخبه: روى جماعة من الثقات عن الأعمش والليث والعوام عن مجاهد وابن أبي ليلى عن داود بن جريج عن عطا وعكرمة عن ابن عباس ما أنزل الله في القرآن آية فيها (يا أيها الذين آمنوا) إلا وعلي أميرها وشريفها، ونحوه في تفسير وكيع والقطان، و نحوه روى الثقفي والعكبري وفي تفسير مجاهد: ما في القرآن (يا أيها الذين آمنوا) إلا وعلي سابقه ذلك، لأنه سابقهم إلى الاسلام، فسماه الله تعالى في تسعة وثمانين موضعا أمير المؤمنين.

تذنيب:

لا يدل سبق إسلامه على تقدم كفره، لأنه دعوة إبراهيم عليه السلام في قوله:

(واجنبني وبني أن نعبد الأصنام(1)) بل المراد أنه صدق بسيد المرسلين، وقد قال إبراهيم عليه السلام: (أنا أول المسلمين(2)) وموسى (وأنا أول المؤمنين(3)) وقد قال الله تعالى في نبينا صلى الله عليه وآله: (آمن الرسول بما أنزل إليه) (ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان(4)).

وأسند السعودي وعباد الأسدي وهما من أهل الخلاف إلى بريدة الأسلمي أن النبي صلى الله عليه وآله أمر أبا بكر وعمر بالسلام على علي بإمرة المؤمنين فقالا: يا رسول الله وأنت حي؟ قال صلى الله عليه وآله: وأنا حي. وفي رواية السبيعي أن عمر قال: عن أمر الله وأمر رسوله؟ قال صلى الله عليه وآله: نعم.

وأسند الثقفي إلى الكناني إلى المحاربي إلى الثمالي إلى الصادق عليه السلام أن بريدة قدم من الشام فرأى قد بويع لأبي بكر، فقال له: أنسيت تسليمنا على علي بإمرة المؤمنين، واجبة من الله ورسوله؟ فقال له: إنك غبت وشهدنا، وإن

____________

(1) إبراهيم: 35.

(2) الأنعام: 163.

(3) الأعراف: 143.

(4) البقرة: 285، الشورى: 52.

الصفحة 54   

الله يحدث الأمر بعد الأمر، ولم يكن ليجمع لأهل هذا البيت النبوة والملك.

وفي رواية الثقفي والسدي أن عمر قال: إن النبوة والإمامة لا تجتمع في بيت واحد، فقال بريدة: (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة [ والنبوة ] وآتيناهم ملكا عظيما(1)) فقد جمع لهم ذلك.

وروى ابن عباس أن عليا سلم على النبي صلى الله عليه وآله فرد عليه بإمرة المؤمنين قال: وأنت حي؟ قال: سماك جبرائيل من عند الله وأنا حي، فإنك مررت علينا ونحن في حديث فلم تسلم، فقال: ما بال أمير المؤمنين لم يسلم علينا، ولو سلم لسررنا ورددنا عليه.

وفي رواية ابن مخلد أنه سلم فرد عليه جبرائيل بإمرة المؤمنين، وقال:

خذ رأس نبيك في حجرك، فأنت أحق به، فلما انتبه قال: هذا جبرائيل أتى ليعرفك أن الله سماك بذلك.

وأسند الخوارزمي إلى ابن عباس نحوه إلا أن فيه سلم فرد عليه دحية الكلبي وقال: إن عندي مدحة أزفها إليك أنت أمير المؤمنين وقائد الغر المحجلين وسيد ولد آدم ما خلا النبيين، ولواء الحمد بيدك تزف إلى الجنان مع محمد أنت وشيعتك، قد أفلح من تولاك، وخسر من تخلاك، لن تنالهم شفاعة محمد.

ونحوه روى محمد بن جعفر المشهدي وزاد: إن النبي صلى الله عليه وآله قال: لجبرائيل كيف سميته أمير المؤمنين؟ قال: إن الله تعالى أوحى إلي يوم بدر: اهبط على محمد فمره أن يأمر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يجول بين الصفين قال النبي صلى الله عليه وآله:

فسماك الله [ أمير المؤمنين ] فأنت أمير من الله على من مضى ومن بقي: لا يجوز أن يسمى به من لم يسمه الله.

ولما سمى رجل الصادق عليه السلام بذلك أنكره وقال: لا يرضى به أحد إلا ابتلي ببلاء أبى؟ ل.

____________

(1) النساء: 54.

الصفحة 55   

الحارث بن الخزرج: قال النبي صلى الله عليه وآله لعلي: يا علي لا يتقدمك إلا كافر ولا يتأخر عنك إلا كافر، وأذن لأهل السماوات أن يسموك أمير المؤمنين.

قال سلمان: سألت النبي صلى الله عليه وآله عن ذلك فقال: تمتارون منه العلم ولا يمتار من أحد.

وفي أمالي القطان وكافي الكليني قال أبو جعفر: لو علم الناس متى سمي أمير المؤمنين، ما أنكروا ولايته، قلت: فمتى سمي بذلك؟ قال: إن الله تعالى حين أخذ من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم قال:(1) (ألست بربكم ومحمد رسولي وعلي أمير المؤمنين وليي؟ قالوا: بلى).

وذكر الخطيب في مواضع من تاريخ بغداد أن النبي صلى الله عليه وآله أخذ بيد على يوم الحديبية وقال: هذا أمير البررة، وقاتل الكفرة، منصور من نصره، مخذول من خذله، يمد بها صوته، ونحوه روى الشافعي ابن المغازلي عن جابر الأنصاري.

وأسند ابن جبر في نخبه إلى الباقر عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله سئل عن قول الله تعالى: (واسأل الدين يقرؤن الكتاب من قبلك(2)) من المسؤول؟ قال:

الملائكة والنبيون والشهداء والصديقون، حين صليت بهم في السماء، قال لي جبرائيل: قل لهم: بم تشهدون؟ قالوا: نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله وأن عليا أمير المؤمنين.

وأسند المشهدي أيضا إلى أنس قول النبي صلى الله عليه وآله لعلي: طوبى لمن أحبك وويل لمن أبغضك، أنت العلم لهذه الأمة، أنا المدينة وأنت الباب، أنت أمير المؤمنين ذكرك في التوراة والإنجيل، وذكر شيعتك قبل أن يخلقوا بكل خير، أهل الإنجيل يعظمون اسمك اليا، وشيعتك وما يعرفونهم، خبر أصحابك أن ذكرهم في السماء أعظم وأفضل من الأرض، ليفرحوا وليزدادوا اجتهادا فإنهم على منهاج الحق

____________

(1) راجع سورة الأعراف: 172.

(2) يونس: 94.

الصفحة 56   

لا يستوحشون لكثرة من خالفهم، ليسوا من الزنا ولا الزنا منهم، أولئك مصابيح الدجى.

وأسند أيضا إلى عائشة قول النبي صلى الله عليه وآله: أنا سيد الأولين والآخرين، و علي سيد الوصيين، وهو أخي ووارثي وخليفتي في أمتي، ولايته فريضة، أولياؤه أولياء الله، وأعداؤه أعداء الله، هو إمام المسلمين ومولى المؤمنين، وأميرهم بعدي فقال لها الراوي: وهو سعيد بن جبير: فما حملك على حربه؟ فبكت وقالت:

بغض بيت الأحماء.

وأسند ابن مردويه إلى الأصبغ بن نباتة أن زيد بن صوحان لما أصيب يوم الجمل، وقف عليه فرفع رأسه إليه، وقال: والله ما قاتلت معك عن جهل، و لكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: علي أمير البررة، وقاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله، ألا وإن الحق معه يتبعه، فميلوا معه، وقد ذكرنا هذا في موضع آخر.

وأسند ابن جبر في نخبه إلى الصادق عليه السلام إنما سمي أمير المؤمنين عليه السلام ميرة العلم(1) لأن العلماء من علمه امتاروا، ومن ميرته اشتغلوا وقد روي أن رجلا من الشام قال لعمر: يا أمير المؤمنين! فسمعه العباس فقال: أنا أحق به منك، فقال له عمر: أحق به والله مني ومنك رجل خلفناه بالأمس في المدينة يعني عليا.

وقد تضمنت أحاديث الفريقين، وكتب القبيلتين، بالتصريح بإمامة علي عليه السلام لا بالتضمين والالتزام، وهي قطرة من بحره الزخار، وقبة من ضوء النهار، وقد أنشأ الفضلاء فيه أنواع الأشعار، تركنا أكثرها طلبا للاختصار قال السيد الحميري:

 

وفيهم علي وصي النبي بمحضرهم قد دعاه أميرا

وكان خصيصا به في الحياة      وصاهره واجتباه عشيرا

 

____________

(1) الميرة: الطعام يمتاره الانسان.

الصفحة 57   

ولما جاءت النوبة إلى جامع الكتاب، أنشأ يقول في هذا الباب:

 

علي أمير المؤمنين صريمة      ففي الوحي والأخبار ما فيه مقنع

رواها الموالي والمولي فلم يكن لمنكرها عنها محيد ومرجع

سوى بغضه الموروث من شر سالف    وأنف الذي لا يتبع الحق يجدع

ويصلى عذابا واصبا ومؤبدا      يجر إليه كارها يتدفع

 

تذنيب:

أسند صاحب المراصد إلى سهل الساعدي أن النبي صلى الله عليه وآله دخل على فاطمة عليها السلام وقال: أين ابن عمك؟ قالت: جرى بيننا كلام وخرج، فقال صلى الله عليه وآله:

مه لا تعودي إلى مثله، فإن رضا علي رضا الله، وغضبه غضب الله، ثم خرج في طلبه فوجده نائما والتراب على ظهره، فنفضه بيده، وقال: قم يا أبا تراب، ودخلا على فاطمة عليها السلام فطافت حول علي سبع مرات قائلة: نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله وغضب وصيه، حتى سكن غضبه، فما كان إلى علي اسم أحب إليه من أبي تراب.

(8)

فصل

 

في قول النبي صلى الله عليه وآله: (أنت مني وأنا منك) في مقام بعد مقام حتى شاع ذلك وظهر، وذاع واشتهر، دليل على إمامته واستحقاقه لخلافته، لأن (من) هنا ليست لابتداء الغاية، وإلا لكان كل منهما مبدءا للآخر، وهو دور، ولا للتبعيض وإلا لكان كل منهما جزءا للآخر، وهو دور، نعم قد يحمل ذلك على لازم الجزء من إرادة حراسته ودفع الأذية عنه والسعي في إيصال المنافع إليه، والاشفاق التام عليه.

ولا زائدة وإلا لكان كل منهما هو الآخر، وهو اتحاد، وليست بمعنى اللام كقوله تعالى: (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق(1)) أي: لأجل إملاق وإلا لكان كل منهما علة للآخر، وهو دور، ولا غير ذلك فلم يبق إلا أنها للجنسية، ومن ثبتت له المجانسة المشابهة بخير البشر، فالاتباع له والاقتداء به أجدر.

____________

(1) الأنعام. 151.

 

 

 

 

الصفحة 58   

وفي صريح وصف النبي صلى الله عليه وآله له وكلامه دليل ظاهر على أنه أحق بمقامه إذ تخصيصه بهذا القول دون غيره من أمته، دليل فضيلته الموجب لاستحقاق رتبته وسيأتي شئ من ذلك في باب المطاعن، وسنورد ذلك أيضا في هذا الكتاب من طريق الخصم، ليكون أدعى إلى التسليم.

ففي الجزء الرابع من أجزاء ثمانية في صحيح البخاري قال عمر: توفي النبي صلى الله عليه وآله وهو راض عن علي، وقال له: أنت مني وأنا منك، ونحوه في الجزء الخامس في رابع كراس من أوله.

وفي الجزء الثاني من الجمع بين الصحيحين من عدة طرق عن أبي جنادة قال النبي صلى الله عليه وآله لعلي: علي مني وأنا من علي، لا يؤدي عني إلا أنا وعلي، و مثله في سنن أبي داود وصحيح الترمذي ورواه ابن حنبل أيضا.

ورواه ابن المغازلي الشافعي من عدة طرق وفي بعضها: (علي مني وهو ولي كل مؤمن بعدي) ومثله في فردوس الديلمي ونحوه عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس ونحوه في رواية الخدري وفيها (علي مني كخاتمي من ظهري، من جحدر ما بين ظهري من النبوة فقد كفر) وروى نحوه الواعظ في شرب النبي صلى الله عليه وآله ورواه التميمي في الجزء الثالث من جواهر الكلام، ورواه ابن سيرين أيضا وفي تاريخ الخطيب وفضائل السمعاني وفردوس الديلمي زيادة: علي مني مثل رأسي من بدني.

وأسند ابن حنبل إلى عبد الله بن أخطب قول النبي صلى الله عليه وآله لبني ثقيف: لتسلمن أو لأبعث إليكم رجلا مني - أو قال: مثلي أو مثل نفسي - يضرب أعناقكم، ويسبي ذراريكم، ويأخذ أموالكم، قال عمر: فوالله ما اشتهيت الإمارة إلا يومئذ، فنصبت صدري رجاء أن يقول علي(1)، فأخذ بيد علي وقال: هو هذا.

وروى ابن حنبل أيضا من طريقين قول جبرائيل للنبي صلى الله عليه وآله يوم أحد وقد قتل علي أصحاب الألوية: إن هذه لهي المواساة فقال صلى الله عليه وآله: إنه مني وأنا منه.

____________

(1) عنى: خ. إلى، ظ، ويقول أي يشير.

الصفحة 59   

وروي أن الشيخين هربا ورجع عمر وهو ينشف دموعه، ويسأل عليا العفو فقال له: ألست المنادي: قتل محمد ارجعوا إلى أديانكم؟ فقال: إنما قاله أبو بكر فقال عليه السلام: أنتما ومن اتبعكما حينئذ حصب جهنم، أنتم لها واردون، ثم نزلت (إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان(1)).

وروى ابن حنبل أيضا أن عليا أخذ في اليمن جارية فكتب خالد مع بريدة إلى النبي صلى الله عليه وآله فأعلمه فغضب وقال: يا بريدة لا تقع في علي فإنه مني وأنا منه.

وأورده ابن مردويه من طرق عدة وفي بعضها أن النبي صلى الله عليه وآله قال لبريدة:

إيها عنك فقد أكثرت الوقوع في علي، فوالله إنك لتقع في رجل أولى الناس بكم بعدي، وفي بعضها إنه طلب من النبي صلى الله عليه وآله الاستغفار، فقال له: حتى يأتي علي فلما أتى علي قال النبي صلى الله عليه وآله لعلي: إن تستغفر له(2) فاستغفر، وفي بعضها أن بريدة امتنع من بيعة أبي بكر لأجل النص الذي سمعه من النبي صلى الله عليه وآله بالولاية بعده، وفي بعضها أن بريدة بايع النبي صلى الله عليه وآله على الاسلام جديدا، ولولا أن الانكار على علي يوجب تكفيرا، لم يكن لبيعة بريدة ثانيا معنى، وهذا شئ لم يوجد لغيره من أصحابه قطعا.

فهذه كتب القوم التي هي عندهم صادقة، بولاية علي عليه السلام ناطقة، إذ في جعله من بدنه مثل الرأس، دليل تقديمه على سائر الناس.

إن قيل: فقوله: لا يؤدي عني إلا هو، فيه رفع الإمامة عن أولاده، وليس ذلك من مذهبكم قلنا: لا، فإن حكمهم واحد، وأمرهم واحد، لأن ما أداه علي أخذه أولاده منه واحد بعد واحد، فكان المؤدي إلى الناس هو وإن كان بواسطة ولأن النبي صلى الله عليه وآله كان يعلم تغلب القوم على أمره، فنفى التأدية عنهم لا عن أولاده، كيف ذلك وقد نص عليهم في مقام بعد مقام، وسيأتي ذلك في جملة من نصوصه عليه السلام، فيجب حمل نفي التأدية على غيرهم، دفعا لتناقض الكلام.

____________

(1) آل عمران: 155.

(2) أي إن شئت أن تستغفر له.

الصفحة 60   

إن قيل: لو كان أمرهم واحدا لم تختلف أقوالهم، والروايات الصادرة عنهم قلنا: الاختلاف من سهو الرواة، أو خرج على التقية، وفي الروايات ما هو موضوع عليهم ولم يكن صادرا منهم.

قال ابن البطريق في كتاب الخصائص:

 

علوت عن المشابه والمداني    إذا يتلى مديحك في المثاني

غدا المختار منك وأنت منه     نظير[ اً ] في المناصب والمعاني

 

ولقد أنشأ جامع هذا الكتاب النبيه، قول النبي صلى الله عليه وآله فيه:

 

قول النبي أنت مني يا علي وأنت        الرأس من بدني لم يخف عن أحد

وغيره لا يؤدي ما أمرت به      عني إليكم ويحددكم عن الفند

وما تشاجرتم فبه؟ يبينه لكم ويرشدكم للواحد الصمد

قل فيه واسمع له وانظر إليه تجد        فضائلا جمة جلت عن العدد

هذي مزاياه دون الناس قاطبة   تجري على ولده نصا إلى الأبد

وقد رواها لنا الجمهور ظاهرة   وخالفوها وحلوا في عذاب غد

 

(9)

فصل

 

قال النبي صلى الله عليه وآله لعلي: لولا أني أخاف أن يقال فيك ما قالت النصارى في المسيح، لقلت فيك مقالا لا تمر بملا من المسلمين إلا وأخذوا تراب نعليك، و فضل وضوئك يستشفون به، ولكن حسبك أن تكون مني وأنا منك، فقال الحارث الفهري: وما وجد لابن عمه مثلا إلا عيسى، يوشك أن يجعله نبيا بعده، والله إن آلهتنا التي نعبد خير منه، فنزل قوله تعالى: ((ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون - إلى قوله: - وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعوني هذا صراط مستقيم(1)) وفي رواية أن الحارث قال: (اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك

 

____________

(1) الزخرف: 61.

الصفحة 61   

فأمطر علينا حجارة(1) فأنزل الله تعالى: (ما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم(2)) فقال النبي صلى الله عليه وآله للحارث: إما أن تتوب أو ترحل عنا، فرحل فرماه الله بحجر على هامته فأخرج من دبره وأنزل الله (سأل سائل بعذاب واقع الكافرين (بولاية علي) ليس له دافع(3).

قال الصادق عليه السلام في رواية أبي بصير: هكذا نزلت.

وأسند ابن حنبل قول النبي صلى الله عليه وآله: يا علي إن فيك مثلا من عيسى بغضه اليهود حتى بهتوا أمه، أي: جعلوه ولد زنية، وأحبه النصارى حتى أنزلوه المنزل الذي ليس له، وقال علي عليه السلام: هلك في رجلان: محب مفرط بما ليس في، ومبغض يحمله شأني على أن يبهتني.

وقد أسند ابن حنبل بطرق مختلفة في روايات ثمان في ذلك وروى نحوه الفقيه الشافعي ابن المغازلي وعبد الواحد التميمي الأموي في الجزء الثالث من جواهر الكلام، وابن عبد ربه في كتاب العقد.

ومن المعقول أنه عليه السلام أخبر بالمغيبات، وظهر في بدنه ونفسه كرامات أوجبت التباس أمره حتى اختلف كثير لقصور فكرهم فاعتقدته النصيرية إلها يعطي ويمنع، وقوم عادوه وحاربوه وكتموا النصوص عليه، وسبوه، ولا عجب من ضلال أكثر الأمة المخالفة، فإن ذلك في سنن الأمم السالفة.

اعتبر حال بني إسرائيل إذ قالوا: (اجعل لنا إلها كما لهم آلهة(4)) والمقتصدون رفعوه عن مهابط الناقصين، ووضعوه عن منزلة إله العالمين، فجعلوه إماما متوسطا بين الخالق والمخلوقين، فأصابوا حق اليقين، حيث نزلوا عن علو غلو الشبيه، و صعدوا عن حضيض خفيض التشبيه، فلا يرجعون في أخراهم إلى ندم، بل يرجعون

____________

(1) الأنفال: 32.

(2) الأنفال: 33.

(3) المعارج: 1 و 2.

(4) الأعراف: 138.

الصفحة 62   

لبنا خالصا سائغا من بين فرث ودم، فخلاف الأمة في إمامة علي وإلهيته، وفي خلافة أبي بكر وكونه من رعيته، وهذا تباين عظيم يرفع الالتباس، ويبطل التماثل والقياس، ولله در من نظر في هذا الحال فقال:

 

تبا لناصبة الإمام فقد    تهافتوا في الضلال بل تاهوا

قاسوا عتيقا بحيدر سخنت       عيونهم بالذي به فاهوا

كم بين من شك في إمامته      وبين من قيل إنه الله

 

وقال عبد الحميد بن أبي الحديد:

 

تقيلت أفعال الربوبية التي        عدرت بها من قال إنك مربوب

 

(10)

فصل

* (في حديث خصف النعل) *

 

روى البخاري ومسلم قول النبي صلى الله عليه وآله في موضع: يا معشر الناس لتنتهن عن مخالفة أمر الله أو ليبعثن عليكم من يضرب رقابكم بالسيف، الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى والمراد بالجمع هنا التعظيم، وقد جاء مثله في مواضع من الذكر الحكيم، وروى حديث خصف النعل رزين في الجزء الثالث من الجمع بين الصحاح الستة والترمذي في سننه، وزاد أنهم قالوا: من هو يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وآله: هو خاصف النعل.

وذكر نحوه الخطيب في تاريخه والسمعاني في فضائله وأحمد بن حنبل أيضا من طرق أربعة في مسنده وابن بطة في إبانته، وفي بعضها: قالوا يا رسول الله! هو أبو بكر؟ فقال: لا، قالوا: عمر؟ فقال صلى الله عليه وآله: لا ولكنه خاصف النعل بالحجرة.

وفي حلية الأولياء قال الخدري: انقطع شسع نعل رسول الله صلى الله عليه وآله فتناوله علي ليصلحها فقال النبي صلى الله عليه وآله: إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله، قال أبو بكر: هو أنا يا رسول الله؟ قال: لا، قال عمر:

الصفحة 63   

هو أنا؟ قال: لا ولكنه خاصف النعل، فابتدرنا فإذا بعلي يخصف نعل رسول الله صلى الله عليه وآله.

وفي هذا الحديث دليل ظاهر، على نص قاهر، من الله تعالى ومن رسوله على علي بالإمامة، حيث قال الرسول، الذي لا ينطق عن الهوى: أو ليبعثن الله عليكم، وفي قوله: (يضرب رقابكم) إشارة أخرى لأن ضرب الرقاب، لا يكون إلا للرئيس دون المرؤس، وفي تشبيه المقاتلة على تأويله بالمقاتلة [ على تنزيله ] إشارة أخرى لأن التشبيه بالفعل الذي لا يكون إلا من النبي، لا يكون إلا من الإمام الذي هو مشابه النبي، فإن جاحد العمل بالتأويل كجاحد العمل بالتنزيل ومرجع قتال الفريقين ليس إلا إلى النبي أو الإمام، فمراد النبي بذلك القول الإمامة لا غير.

 

وقد روى البخاري ومسلم قول النبي صلى الله عليه وآله: فرقتان تخرج من بينها فرقة ثالثة يلي قتلهم أولاهم بالحق، فانظر كيف سمى عليا عليه السلام أنه أولى بالحق، و حيث أطلق الأولوية من غير تقييد بزمان، عمت الأوقات وأفراد الانسان، وقد أشار الحميري في شعره، إلى ما ذكره ابن جبر في نخبه:

 

وفي خاصف النعل البيان وغيره          لمعتبر إذ قال والنعل يرقع

لأصحابه في مجمع إن منكم    وأنفسهم شوقا إليه تطلع

إماما على تأويله غير جائر       يقاتل بعدي لا يضل ويهلع

فقال أبو بكر أنا هو؟ قال لا      وقال أبو حفص أنا هو؟ فاشفع

فقال لهم: لا لا، ولكنه أخي      وخاصف نعلي فاعرفوه المرقع

 

وقال العبدي:

 

لما أتاه القوم في حجراته        والطهر يخصف نعله ويرقع

قالوا إن كان أمر من لنا خلف إليه من الحوادث نرجع

قال النبي خليفتي هو خاصف  النعل الزكي العالم المتورع

 

الصفحة 64   

 

* (كلام في المناشدة) *

 

أسند ابن مردويه من أهل المذاهب الأربعة وأخطب خوارزم إلى عامر بن واثلة قال: كنت على الباب يوم الشورى فارتفعت الأصوات بينهم، فسمعت عليا عليه السلام يقول: بايع الناس أبا بكر وأنا والله أولى بالأمر منه وأحق، فأطعت مخافة أن يرجع القوم كفارا ويضرب بعضهم رقاب بعض، ثم بايع أبو بكر لعمر وإني أولى بالأمر منه، فأطعته لذلك ثم تريدون أن تبايعوا عثمان إذا لا أسمع ولا أطيع.

وفي رواية أخرى لابن مردويه: إذا أسمع وأطيع، ولو أشاء أن أتكلم بما لا يستطيع عربيهم ولا عجميهم ولا المعاهد منهم ولا المشرك، أن يرد خصلة منها ثم افتخر باختصاصه بأخوة رسول الله وعمومة حمزة، وأخوة جعفر، وزوجية فاطمة وأبوة الحسنين، وقتل المشركين، وسبقه إلى الاسلام بالتوحيد، وتغسيله لرسول الله، وأكله من الطائر بدعوة نبي الله، ورد الشمس له بأمر الله، وكشف الكرب عن وجه رسول الله، وفتح بابه إلى المسجد دون باب غيره عن أمر الله، وتطهيره في كتاب الله، وتقديمه الصدقة ستة عشر مرة في مناجاة رسول الله، وبأن له سهما في الخاص وسهما في العام، ومودة القربى، وتغميض النبي، ودفنه صلى الله عليه وآله.

وفي رواية أخرى للخوارزمي أسندها إلى أبي ذر أنه عليه السلام ألزمهم بقول جبرائيل: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي، وبأن جبرئيل أمر النبي صلى الله عليه وآله عن الله بمحبته ومحبة من يحبه، وقال: إن الله يحبه ويحب من يحبه، ثم ذكر أن النبي صلى الله عليه وآله نودي ليلة الأسرى في السماء: نعم الأب أبوك إبراهيم، و نعم الأخ أخوك علي، فاستوص به.

قال ابن عوف: سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله وإلا فصمتا ثم ذكر دخوله المسجد جنبا، وذكر قول النبي له: أنت مني بمنزلة هارون من موسى.

الصفحة 65   

ولقد علمتم(1) موضعي من رسول الله صلى الله عليه وآله وقربي وتخصيصي بمس جسده وشم عرفه، ولا يجد لي كذبة في قول: ولا خطلة في فعل، وكنت أتبعه اتباع الفصيل أمه، يرفع لي كل يوم علما من أخلاقه، ويأمرني بالاقتداء به، ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي على رسول الله فقلت له: ما هذه؟ قال: رنة الشيطان قد أيس من عبادته، إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى، إلا أنك لست بنبي، ولكنك وزير.

ولقد كنت معه حين طلب منه الملاء مجئ الشجرة، فدعاها فجاءت فقالوا:

ارددها، فردت، فقالوا: فليأت نصفها، فجاء نصفها، فقالوا: رده فرده، فقالوا:

ساحر، فقلت: إني أول مؤمن بأن ذلك من أمر الله تصديقا لنبيه.

وحيث كان ذلك كله معلوم عند أهل الشورى وغيرهم، لم يمكنهم جحده ولو أمكن لسارعوا إليه إذ هو مقام التوصل إلى الخلافة، فدل إقرارهم على أنه حق عندهم قد عرفوا صحته وسمعوها؟، واستوضحوا قضيته ورعوها، وعلموا أنهم لو أنكروه مقامه قامت عليهم البراهين، واعترف به غيرهم من العالمين، و أبو بكر أقام الحجة يوم السقيفة بقرابته من النبي صلى الله عليه وآله وأمس منها قرابة علي عليه السلام.

فإذا حصلت له الخلافة ببعض خصلة من خصال علي، فكيف لم يكن علي المخصوص بجميعها أولى بقام النبي صلى الله عليه وآله.

وكذا بغيره مثل مساواته للنبي في نفسه، وهوي النجم في داره، وأخذه براءة من أبي بكر وعزله، والنص على ولايته حين آتى الزكاة في ركوعه، وقلع الصخرة عن القليب من غرائبه، ودحو باب خيبر من عجائبه، وكلام الثعبان و الجمجمة من آياته، ونزول الجام والمنديل من كراماته، إلى غير ذلك مما يطول الكتاب بذكره، ويعول الخطاب بنشره، وقد صرح فيما ذكر برواية أعيانهم

____________

(1) مقال له عليه السلام في خطبته المسماة بالقاصعة تراها في النهج تحت الرقم 190.

الصفحة 66   

وأركان أديانهم، مع صدقه وعدله، أنه أولى ممن تأمر عليه، وسعى في هضمه و عزله.

قال بعضهم:

 

مساع أطيل بتفصيلها    كفى معجزا ذكرها مجملا

 

ولما حصل الخوارزمي من هذه المزايا في علمه، نضد شيئا منها في تأليفه و نظمه، فقال:

 

هل فيهم من له زوج كفاطمة   قال لا وإن مات غصا كل ذي حسن

هل فيهم من له في ولده ولد    مثل الحسين شهيد الطف والحسن

هل فيهم من له عم يوازره       كمثل حمزة في أعمام ذي الزمن

هل فيهم من له صنو يكانفه     كجعر ذي المعالي الباسق الفتن

هل فيهم من تولى يوم خندقهم          قتال عمرو، وعمرو خر للذقن

هل فيهم من رمى في حال سطوته      بباب خيبر لم يضعف ولم يهن

هل فيهم سابق في السابقين إلى         حق اليقين وما صلى إلى وثن

وهل أتى هل أتى إلا إلى أسد  فنى الكتائب طود الحلم في المحن

أطاع في النقض والابرام خالقه وقد عصى نفسه في السر والعلن

الناس في سفح علم الشرع كلهم        لكن علي أبو السبطين في القنن

 

(11)

فصل

 

في دعاء النبي صلى الله عليه وآله لعلي حين نزل قوله تعالى: (وتعيها أذن واعية(1).

أسند الكلبي إلى ابن عباس قول النبي صلى الله عليه وآله لما نزل (وتعيها أذن واعية):

اللهم اجعلها أذن علي، فما سمع شيئا بعدها إلا حفظه، ونحوه روى ابن جبر في نخبه من طريقين، وقريب منه في حلية الأولياء، وفي أسباب النزول للواحدي، و

____________

(1) الحاقة: 12.

الصفحة 67   

في محاضرات الراغب، وهو من أهل المذاهب الأربعة، وفي كتاب الياقوت وأمالي الطوسي والكشف والبيان للثعلبي، وفي خصائص النطنزي، أمرني أن أدنيك ولا أقصيك، وأن أعلمك ولا أجفوك، وحق علي أن أطيع ربي فيك، وحق عليك أن تعي.

ونحوه في تفسير أبي القاسم بن حبيب وفي تفسير الثعلبي أيضا إلا أن فيه:

وحق على الله أن تسمع وتعي، فنزلت (وتعيها أذن واعية).

أنشأ مؤلف الكتاب في هذا الباب:

 

دعا النبي له قولا يكرره يا رب اجعلها أذن العلي علي

وقال قد قال لي ادنيه منك ولا  تقصيه يوما ولا تجعله في الهمل

فقلت حقا على الرب الكريم بأن         تعي وتسمع ما ألقيه عن كمل

فما نسي بعدها مما ألقنه         شيئا ولا حاد عن قول إلى خطل

فهذه آية خص الوصي بها       فيا لها نعمة لم تلف عن رجل

 

وقد سلف كونه عليه السلام النبأ العظيم، فيما أوردناه من آيات الذكر الحكيم أعني بذلك قوله: (ومن يتول الله ورسوله(1)).

تذنيب:

روى جابر أن النبي صلى الله عليه وآله قال لعلي عليه السلام قل: اللهم اجعل لي عندك عهدا واجعل لي في قلوب المؤمنين ودا، فنزلت: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا(2)) قال ابن عباس: الود محبة علي في قلوب المؤمنين.

قال الربيع: إذا أحب الله مؤمنا قال لجبرائيل: إني أحببت فلانا فأحبه فيحبه ثم ينادي في السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه، ثم يوضع له قبول في أهل الأرض.

____________

(1) المائدة: 56.

(2) مريم: 96.

الصفحة 68   

إن قلت: فعلى هذا لم يحب الله عليا إذ قد سب في الأرض ألف شهر قلت:

هذا؟ عارض بسب الكفار للنبي صلى الله عليه وآله طول الدهر، على أن (قبول) نكرة مثبتة فلا تعم.

إن قلت: فإذ لم يكن القبول عاما لم يخل أحد من مطلق القبول، قلت:

فائدة الذكر ترجيح الخاص على العام، وعلى قول ابن عباس: المراد بوضع القبول إيجاب محبة الله، ولا يلزم إيجاب الشئ عموم وقوعه، وقد ارتجل جامع الكتاب فقال:

 

من جعل الله له ودا      مجانبا للأمر والإدا

ذاك علي المرتضى في الورى  لم ير في الناس له ندا

 

(12)

فصل

* (في كون علي بن أبي طالب خير البرية بعد) *

* (النبي صلى الله عليه وآله) *

 

أسند الإصفهاني من أعيانهم أن قوله تعالى: (أولئك هم خير البرية(1)) نزلت في علي عليه السلام ونحوه أبو بكر الشيرازي وابن مردويه من نيف وأربعين طريقا والخطيب الخوارزمي.

وأسند ابن جبر في نخبه إلى الزبير وعطية وخوات أنهم رأوا جابرا يدور في سكك المدينة ومجالسها، ويقول: قال لي النبي صلى الله عليه وآله: علي خير البشر ومن أبى فقد كفر، ومن رضي فقد شكر، معاشر الأنصار أدبوا أولادكم على حب علي، فمن أبى فلينظر في شأن أمه.

وأسند نحوه الدارمي عن عائشة وابن مجاهد في الولاية والديلمي في الفردوس وأحمد في الفضائل والأعمش عن أبي وائل وعن عطية عن عائشة وابن أبي حازم

____________

(1) البينة: 7.

الصفحة 69   

عن جرير. وروى ابن جبر في نخبه عن أبي وائل ومعاوية ووكيع والأعمش و شريك ويوسف أنهم أسندوا إلى جابر وحذيفة: علي خير البشر لا يشك فيه إلا كافر، قال: وروى عطاء عن عائشة مثله.

وأسنده سالم بن الجعدي بأحد عشر طريقا إلى جابر، وفي تاريخ الخطيب أخرج المأمون القول بخلق القرآن وتفضيل علي على الناس سنة اثني عشر ومائتين.

وأسند الخطيب في تاريخه أيضا قول النبي صلى الله عليه وآله: إن من لم يقبل أن عليا خير البشر، فقد كفر، وأسند فيه قول النبي صلى الله عليه وآله: خير رجالكم علي وخير شبابكم الحسن والحسين، وخير نسائكم فاطمة عليها السلام ومسند إلى عقبة قول الجهني للنبي صلى الله عليه وآله: إن قوما يقولون: خير هذه الأمة أبو بكر، وقوما عمر، وقوما عثمان، فمن خير الناس بعدك؟ قال: من اختاره الله واشتق له اسما من أسمائه و زوجه أمته، ووكل به ملائكته يقاتلون معه، فذكر ذلك لأبي ذر، فقال: و أزيدك ما سمعته من النبي صلى الله عليه وآله: فضل علي على هذه الأمة كفضل جبرائيل على سائر الملائكة.

وفي رواية الهذلي عن الشعبي أن عليا أقبل على النبي صلى الله عليه وآله فقال: هذا من الذين يقول الله فيهم: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية(1)).

وأسند ابن جبر في نخبه إلى الباقر عليه السلام قول النبي صلى الله عليه وآله لعلي: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) أنت وشيعتك شباعا مرويين، و ميعادي وميعادكم الحوض، وإذا حشر الناس جئت أنت وشيعتك شباعا مرويين غرا محجلين.

وأسند في كتابه إلى جابر: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وآله إذا أقبل علي قالوا: هذا خير البرية، وفي تاريخ البلاذري عن جابر: كان علي خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله.

____________

(1) البينة: 7.

الصفحة 70   

وفي مسند ابن حنبل قال جابر: علي خير البشر، ما كنا نعرف المشركين والمنافقين إلا ببغضهم إياه.

وأسند الخوارزمي وابن عبدوس عن سلمان قول النبي صلى الله عليه وآله: إن أخي ووزيري وخير من أخلفه بعدي علي أمير المؤمنين.

وأسند الطبراني في المناقب والولاية قول النبي صلى الله عليه وآله في الخوارج: هم شر الخلق والخليقة: يقتلهم خير الخلق والخليقة، وأقربهم إلى الله وسيلة.

وأسند ابن جبر في نخبه أن سعد بن أبي وقاص دخل على معاوية فقال له:

مرحبا بمن لا يعرف حقا فيتبعه ولا باطلا فيجتنبه، فقال: أردت [ أن ] أعينك على علي بعد ما سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول لفاطمة: أنت خير الناس أبا وبعلا؟

وأسند أيضا شهر بن حوشب أن عمر لما بدأ بالحسنين في العطاء قال له ابنه:

قدمتهما علي، ولي صحبة وهجرة دونهما؟ فقال: أسكت لا أم لك أبوهما والله خير من أبيك، وأمهما خير من أمك.

وقد أسند صاحب المراصد إلى ابن عباس قول النبي صلى الله عليه وآله: خلق الله [ ذا ] الفقار، وأمرني أن أعطيه خير أهل الأرض، قلت: يا رب من ذلك؟ قال: خليفتي في الأرض علي بن أبي طالب، قال: و [ ذو ] الفقار كان يحدثه حتى أنه هم يوما بكسره، فقال: يا أمير المؤمنين! إني مأمور وقد بقي في أجل المشرك تأخير.

وحدث إسحاق بن راهويه عن يحيى بن آدم أنه قيل لشريك: ما تقول فيمن مات ولا يعرف أبا بكر؟ قال: لا شئ عليه، قال: فإن هو لا يعرف عليا؟ قال:

في النار لأن النبي صلى الله عليه وآله أقامه علما يوم الغدير.

تذنيب:

ظهر من ذلك بطلان ما عارض به الجاحظ أن النبي صلى الله عليه وآله باهى بخاله، وقد كان علي خال جعدة بن هبيرة، ولم يستثنه، قلنا: هذا غير معروف ولا مسند ويلزمه كون خال النبي صلى الله عليه وآله أشرف من أبي بكر.

الصفحة 71   

تنبيه:

إذا كان علي خير البرية لعموم اللفظ، وجب ترك غيره والتعويل عليه، لعموم الحاجة إليه، وإذا كان دين الاسلام لا يحصل العمل به إلا بعد تنفيذه، الموقوف على نصرته عليه السلام ومحاماته، كان سببا للصغار والكبار في خلاصهم من عذاب النار فلذلك كان ثوابه أفضل، وفضله أكمل، إن الخير من كان للثواب أحرز، لكونه في أعمال الخير أحمز.

فلا يغرنكم قول عمر وابنه وعثمان وأبي هريرة والحسن البصري وعمرو بن عبيد والنظام والجاحظ بأفضلية أبي بكر لاستنادهم إلى هوى أنفسهم وميلهم إلى عاجلتهم إذ لم يوجد له فضل في كتاب ربهم، وسنة نبيهم، وإن وجد فعلى الطريقة النادرة لا تقاوم أدنى ما لعلي من المزايا المتظاهرة، مع أن قولهم معارض بقول الزبير، والمقداد، وسلمان، وعمار، وجابر، وحذيفة، وعطا، ومجاهد، وسلمة وأبي عبد الله البصري، وسليمان بن جرير الرقي، ومن تابعه، وابن التمار، و من تابعه، وكثير النوا، وسالم بن أبي حفصة، والحكم بن عتيبة، وثابت الحداد بأفضلية علي وهو اختيار البغداديين كافة، والشيعة بأجمعها، والحجة في إجماعها لدخول المعصوم فيها، وقد ذكرته الإمامية في كتبها، واعتمد المرتضى في كتاب الانتصار عليه.

وبالجملة: فالفضائل إما نفسية متعلقة بالشخص نفسه، أو في غيره، وإما بدنية متعلقة بنفسه أو غيره، فالنفسية المتعلقة به، فكعلمه، وحلمه، وزهده، و كرمه، والمتعلقة بغير فكرجوع أرباب العلوم والقضايا إليه، والبدنية المتعلقة بنفسه فكعبادته، وشجاعته، وصدقه، والمتعلقة بغيره فمتابعته في عبادته والتأسي به ولا خفاء في اختصاصه عليه السلام بهذه دون غيره، ومعيار ذلك تفاسير القبيلين، وأخبار الخصمين، وقد امتلأت نواحي الأقطار، بالانشاء في ذلك من الأشعار، ولم يأت عليها من الانكار، قال الفضل بن عتبة بن أبي لهب:

 

ألا إن خير الناس بعد محمد    مهيمنه التاليه في العرف والنكر

 

الصفحة 72   

 

فذاك علي الخير من ذا يفوقه   أبو حسن خلف القرابة والصهر

 

وقال زهير:

 

صهر النبي وخير الناس كلهم   وكل من رامه بالفخر مفخور

صلى الصلاة مع المختار أولهم قبل العباد ورب الناس مكفور

 

وقال أبو الطفيل:

 

أشهد بالله وآلائه         وآل يس وآل الزمر

إن علي بن أبي طالب   بعد رسول الله خير البشر

 

وقد أسند الواحدي والخوارزمي قول النبي صلى الله عليه وآله يوم الخندق: لمبارزة علي لعمرو أفضل من عمل أمتي إلى يوم القيامة، ونحوه ما ورد في ليلة المبيت، لو وزن عمله تلك الليلة بأعمال الخلائق لرجح.

فكيف يقاس به من كان ضعيف الجنان، عن مبارزة الأقران، ولم ينقل أحد لفظا صريحا ولا تلويحا، له في الاسلام قتيلا ولا جريحا.

تذنيب:

أقام أبو بكر يعبد الأصنام، ونبت لحمه على ما ذبح على النصب والأزلام، وغير ذلك من شرب الخمور، وأعمال الجاهلية والفجور، لو عرضت هذه على علي وغيره من الأبرار، لتعوذ منها من النار، ولو عرضت صفات علي على أبي بكر وغيره من ذوي الأنظار، لتمناها إذ فيها رضى الجبار، فكيف يشتبه على عاقل تقاربهما وقد وضح لكل ناظر تباعدهما، وعلي يتعوذ من أفعاله، وأبو بكر يتمنى الكون على بعض خصاله:

 

يقولون خير الناس بعد محمد  أبو بكر الصديق والضير ضيركم

أكذبتم صديقكم في مقاله       وليتكم أمرا ولست بخيركم

 

وقال الجماني:

 

قالوا أبو بكر له فضله    قلنا لهم هيأه الله

نسيتم خطبة خم وهل  يشتبه العبد بمولاه

إن عليا كان مولى لمن  كان رسول الله مولاه

 

 

الصفحة 73   

 

غيره: علا المجد فانخزلت دونه          نقائص لا ترتقى مجده

وحنت إليه مزايا العلى  فنجم السماء غدا عنده

فكل كمال له صاحب   يدافع عن مجده ضده

 

وتعجب الجاحظ كيف اختلف في رجلين أحدهما خير أهل الأرض، والآخر شر أهل الأرض، ولا موضع لتعجبه، وقد أنكر القوم البديهيات والمحسوسات وادعي في قوم الإلهية مع دلائل الحدوث الواضحات، وأنكرت الأشاعرة فعل العباد مع أنه من الضروريات.

(13)

فصل

 

في كونه عليه السلام الشاهد، والنور، والهدى، والجنب، والحجة، ومثال الكعبة وعنده علم الكتاب فهذه سبع.

1 -: أسند الطبري إلى زين العابدين والباقر والصادق والرضا قول علي عليهم السلام (أفمن كان على بينة من ربه(1)) محمد (ويتلوه شاهد منه) أنا، ونحوه أسند ابن جبر في نخبه إلى أنس، وزاد أنه كان والله لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وذكر نحوه النظنزي في الخصائص والحافظ وأبو نعيم من طرق ثلاثة، وأسنده الثعلبي إلى ابن عباس ورواه القاضي أبو عمرو عثمان ابن أحمد وأبو نصر ورواه الفلكي المفسر عن مجاهد وعن عبد الله بن شداد وفي صبح الخطيب سأله ابن الكوا ما أنزل فيك فتلا الآية، وفي كونه شاهدا ثبوت عدالته، وفي كونه تاليا ثبوت تقديمه، وفي كونه منه لزوم مجانسته، ولم يقل النبي صلى الله عليه وآله لأحد سواه: أنت مني وأنا منك.

قال جامع الكتاب:

 

من أنزل الله فيه الذكر متضحا   بكونه تاليا لا يمترى فيه

 

____________

(1) هود: 17.

الصفحة 74   

 

وأنه من رسول الله متصلا        وشاهد معلنا من ذا يدانيه؟

 

2 - أسند ابن جبر في نخبه إلى الصادق عليه السلام (ليخرجكم من الظلمات(1)) يعني الكفر (إلى النور) يعني إلى ولاية علي.

وأسند إلى الباقر عليه السلام (والذين كفروا (بولاية علي) أولياؤهم الطاغوت) أعداؤه وأتباعهم أخرجوا الناس (من النور) وولاية علي (إلى الظلمات) ولاية أعدائه.

وفي سبط الواحدي وأسباب النزول عن عطا (أفمن شرح الله صدره للاسلام فهو على نور من ربه(2)) نزلت في علي وحمزة عن مالك بن أنس عن أبي شهاب عن أبي صالح عن ابن عباس (وما يستوي الأعمى(3)) أبو جهل (والبصير) أمير - المؤمنين (ولا الظلمات) أبو جهل (ولا النور) أمير المؤمنين.

قال ابن رزيك:

 

هو النور نور الله في الأرض مشرق      علينا ونور الله ليس يزول

سما بين أفلاك السماوات ذكره نبيه فما أن يعتريه خمول

 

3 - الهدى: أسند ابن جبر في نخبه إلى أبي الحسن عليه السلام في تفسير (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق(4)) قال: أمر رسول الله بالولاية لوصيه والولاية هي دين الحق (ليظهره على الدين كله) عند قيام القائم (والله متم نوره(5)) بولاية القائم (ولو كره الكافرون) بولاية علي.

وأسند أيضا في تفسير (إنا لما سمعنا الهدى آمنا به(6) قالوا: الهدى

____________

(1) الحديد: 9.

(2) الزمر: 22.

(3) فاطر: 19.

(4) الصف: 9، براءة: 33، الفتح 28.

(5) الصف: 8.

(6) الجن: 13.

الصفحة 75   

الولاية وأسند إلى أبي جعفر عليه السلام في تفسير (وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى(1)) في أمر علي.

قال مؤلف الكتاب:

 

موالاة الوصي هدى ونور        ودين الحق جاء به الكتاب

فيا من ضل عنه إلى التعامي     لك الخزي المؤبد والعذاب

 

4 - الجنب: أسند الحافظ إلى ابن عباس قول النبي صلى الله عليه وآله: رأيت ليلة المعراج لا إله إلا الله، أنت محمد رسول الله، علي جنب الله، الحسن والحسين صفوة الله فاطمة أمة الله، على محبيهم رحمة الله، وعلى مبغضيهم لعنة الله.

5 - الحجة: في تاريخ الخطيب وفي الإحن والمحن عن أنس قال: نظر النبي صلى الله عليه وآله إلى علي فقال: أنا وهذا حجة الله على خلقه، ونحوه في فردوس الديلمي ورواه الشافعي ابن المغازلي إلا أنه قال: حجة الله على أمتي يوم القيامة، وفي كونه حجة على جميع أمته لأجل عمومه، وجوب تقديمه بلا فصل على غيره، فلو كان رابعا خرجت الثلاثة، ومن مات في زمانهم، عن العموم بغير دليل.

6 - الكعبة أسند ابن جبر في نخبه إلى الصادق عليه السلام: نحن كعبة الله، ونحن قبلة الله، وفي هذا وجوب استقبالهم فمن أخرهم فقد استدبرهم.

وأسند ابن المغازلي إلى أبي ذر قول النبي صلى الله عليه وآله: علي فيكم كمثل الكعبة النظر إليها فريضة. والنبي لا ينطق عن الهوى، فلا يشبه شيئا بغير نظيره، فكما فرض حج الخلق إليها، فرض ولاية علي عليها، وكما أن وجوب الحج غير مخصوص بسنة، فوجوب الولاية غير مخصوص بوقت، فمن جعله رابعا، كان لظواهر النصوص دافعا.

7 - علم الكتاب: روت الفرقة المحقة والثعلبي في تفسيره من طريقين أن قوله تعالى: (ومن عنده علم الكتاب(2)) هو علي بن أبي طالب، وإذا كان المعول

____________

(1) القتال: 32.

(2) الرعد: 43.

الصفحة 76   

في علم الكتاب عليه، رجعت حاجة الخلق إليه، إذ كان هو المبين لما فيه من الحلال والحرام، وبقية الأحكام، ولما وجب سلوك طريق النجاة بعمل الكتاب، وجب التمسك بمن عنده علم الكتاب.

إن قلت: التخصيص بالذكر لا يدل على التخصيص بالحكم، وقد عرف في الأصول قلت: بلى وقد ظهر في الأصول.

إن قلت: فلو دل خرج النبي صلى الله عليه وآله والأئمة من علم الكتاب قلت: لم يخرجوا لدليل خارج أما النبي فظاهر أنه المعلم لعلي وأما الأئمة فلما تواتر من النصوص، علمنا انتقال علوم أبيهم إليهم.

قال ابن حماد:

 

فهم أولئك لا تحاط علومهم    وليس لهم في الخلق شبه ولا مثل

هم أمناء الله في الأرض والسماء         وهم عينه والأذن والجنب والحبل

وهم أنجم الدين الذي صال ضوؤها     على ظلم الاشراك فهو لها يجلو

وفي كتب الله القديمة نعتهم(1)         وقد نطقت عن عظم فضلهم الرسل

هم القبلة الوسطى بدا الوفد حولها       لها حرم الله المهيمن والحل

وآيته الكبرى وحجته التي       أقيمت على من كان منا له عقل

 

(14)

فصل

* (في ذكر الدرجات) *

 

قال الله تعالى: (نرفع درجات من نشاء(2)) وهي تسع لم تجتمع في أحد من الصحابة سوى علي عليه السلام:

1 - السبق إلى الاسلام والهجرة: (والسابقون السابقون أولئك المقربون(3)).

____________

(1) في بعض النسخ: (وفي كتب الأمم القديمة نعتهم).

(2) يوسف: 76.

(3) الواقعة: 10.

الصفحة 77   

2 - القرابة (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى(1)).

3 - العلم بالكتاب (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون(2)).

4 - العلم بالسنة (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون(3)).

5 - معرفة الحكم (يحكم به النبيون(4)).

6 - المجاهدة (وفضل الله المجاهدين على القاعدين(5)).

7 - الإنفاق (وأنفقوا مما رزقناكم * من ذا الذي يقرض الله(6)).

8 - الورع (لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله * قد أفلح المؤمنون الآية(7) 9 - الزهد (فلا تغرنكم الحياة الدنيا(8)).

ونحوها قال الشيخ المرشد أبو عبد الله الحسين بن علي البصري في كتاب الايضاح اجتمع أصحاب الحديث ومن ينتحل السنة وقالوا: اجتمعت هذه الصفات في علي لأن السبق له ولزيد بن حارثة، وأبي بكر، وعثمان، وطلحة، و الزبير، وعبد الرحمن، والمقداد، وابن مسعود، وعمار، والسعدين، وأبي ذر وسلمان.

والقرابة له ولولديه ولعميه وأخويه، ولابني الحارث: عبيدة، وأخيه أبي سفيان، والفضل بن العباس فهؤلاء أقرب الناس.

والعلم بالكتاب له ولأبي، وعثمان، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، و جابر.

____________

(1) الشورى: 33.

(2) النحل: 43 والأنبياء: 7.

(3) الزمر: 9.

(4) المائدة: 44.

(5) النساء: 95.

(6) المنافقون: 10، البقرة: 245.

(7) النور: 37، المؤمنون: 1.

(8) فاطر: 5.

الصفحة 78   

والعلم بالسنة له ولابن مسعود، وعمر بن الخطاب، ومعاذ، وجابر، و سلمان، وحذيفة بن اليمان.

ومعرفة الحكم له، وللعمر [ و ] ين، وابن مسعود، وابن حنبل، وأبي - موسى الأشعري.

والجهاد له ولحمزة، وجعفر، وعبيدة بن الحارث، وطلحة، والزبير، و البراء، وأبي دجانة، ومحمد بن مسلمة، والسعدين.

والإنفاق له ولأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعبد الرحمن.

والورع له ولأبي بكر، وعمر، وابنه، وابن مسعود، وأبي ذر، وسلمان والمقداد، وعمار.

فنقول: إذا كانت هذه اجتمعت في علي عليه السلام وتفرقت فيهم استحق بذلك التقدم عليهم، بل نقول: وإن شاركوه في بعض هذه المراتب لم يلحقوه في كل واحدة إلى الغاية التي كان عليها، ولم يدانوه في النهاية التي استوى إليها، وناهيك ما تواتر من شجاعته، وزهده، ووفور علمه، وأسبقية إسلامه، وأقربيته، و صدقته، وخصوصا في آية النجوى حيث نوهت بكرمه وبخل غيره، ومن يتتبع تفاصيل هذه ونحوها من المطولات عثر منها على عدم مداناة أحد له في هذه الدرجات وأبو بكر احتج لاستحقاق الخلافة بالقرابة وهي بعض درجة لعلي عليه السلام.

قال السيد المرتضى رضي الله عنه:

 

وإذا الأمور تشابهت واستبهمت فجلاؤها وشفاؤها أحكامه

وإذا التفت إلى التقى صادفته    من كل بر وافر أقسامه

فالليل فيه قيامه متهجدا يتلو الكتاب وفي النهار صيامه

يعفي الثلاث تعففا وتكرما      حتى يصادف زاده معتامه(1)

 

ولجامع الكتاب:

 

على حوى الدرجات العلى      وكل الصحابة منها خلا

له السبق والقرب والمعرفة      وعلم الكتاب له قد حلا

 

____________

(1) اعتام الرجل: اختار وأخذ العيمة، فالمعتام هو المختار.

الصفحة 79   

 

وجاهد في الله حق الجهاد(1)  ولا يستطب ما لديهم حلا

وأنفق سرا وجهرا كما  له الذكر فينا علينا تلا

 

(15)

فصل

* (في ذكر الشهادة) *

 

قال الله تعالى: (وأقيموا الشهادة لله(2)) وقال رسول الله صلى الله عليه و آله: الشهود كعام الظالمين وروي عن الصادق عليه السلام إن أحدكم يأخذ حقه بشاهدين وجدي أمير المؤمنين عليه السلام شهد له بحقه يوم الغدير سبعون ألفا ولم يقدر على أخذه وفي رواية ستة وثمانون ألفا.

ولا خفاء ولا تناكر بين الشيعة أن اثني عشر رجلا من المهاجرين والأنصار أنكروا على أبي بكر مجلسه، وقد أسنده الحسين بن جبر في كتابه إبطال الاختيار إلى أبان بن عثمان قال: قلت للصادق عليه السلام: هل كان في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله من أنكر على أبي بكر جلوسه مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله؟ قال: نعم وعد منهم: خالد ابن سعيد بن العاص، وسلمان، وأبا ذر، والمقداد، وعمار، وبريدة الأسلمي وقيس بن سعد بن عبادة، وأبا الهيثم بن التيهان، وسهل بن حنيف، وخزيمة ابن ثابت ذا الشهادتين، وأبي بن كعب، وأبا أيوب الأنصاري.

فاستشاروا عليا في مكالمته وإسقاطه عن منبر رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: لو فعلتم لما كنتم إلا حزبا، وكالملح في الزاد، والكحل في العين، ولو أتيتموني شاهري سيوفكم لما ألجأوني إلى البيعة وهددوني بالقتل، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله أوعز إلى أن الأمة تغدر بي قلت: فما أصنع؟ قال: إن وجدت أعوانا فجاهد، وإلا كف يدك، وأحقن دمك، حتى تلحق بي مظلوما، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله و جهزته وجمعت القرآن أخذت بيد فاطمة وولديها، وناشدتهم حقي، ودعوتهم

____________

(1) في بعض النسخ: وجاهد في الله لا يرعوى.

(2) الطلاق: 2.

الصفحة 80   

إلى نصرتي، فما أجابني إلا أربعة: المقداد، وسلمان، وأبو ذر، وعمار، وأبى على أهل بيتي إلا السكوت لما علموا من وغارة في صدور القوم، وبغضهم لله ورسوله وأهل بيته.

فانطلقوا إلى الرجل وعرفوه ما سمعتم من رسول الله صلى الله عليه وآله ليكون أوكد للحجة، وأبلغ للعقوبة، فمضوا وأحدقوا بالمنبر.

فلما صعد قام خالد بن سعيد فحمد الله وأثنى عليه وقال: معاشر الأنصار قد علمتم أن رسول الله قال: ونحن محتوشوه في بني قريظة وقد قتل علي رجالهم: يا معشر قريش إني موصيكم بوصية فاحفظوها ومودعكم أمرا فلا تضيعوه، ألا وإن عليا إمامكم، وخليفتي فيكم، بذلك أوصاني جبرائيل عن ربي، ألا وإن أهل بيتي الوارثون لأمري، القائمون بأمر أمتي، اللهم من حفظ فيهم وصيتي فاحشره في زمرتي، ومن ضيع فيهم وصيتي، فأحرمه الجنة.

قال جامع الكتاب: ودعاء النبي صلى الله عليه وآله مستجاب لأنه بأمر شديد القوى حيث قال: (وما ينطق عن الهوى(1)).

وقام سلمان وقال: إذا نزل بك الأمر ماذا تصنع؟ وإذا سئلت عما لا تعلم إلى من تفزع؟ وفي القوم من هو أعلم منك، وأقرب من رسول الله صلى الله عليه وآله قدمه في حياته وأوعز إلينا قبل وفاته، فتركتم قوله، وتناسيتم وصيته، فلو رددت الأمر إلى أهله كان لك النجاة، وقد سمعت، كما سمعنا، ورأيت كما رأينا، وقد منحت لك نصحي، وبذلت لك ما عندي، فإن قبلت أرشدت.

وقام أبو ذر وقال: يا معشر قريش قد علمتم قول النبي صلى الله عليه وآله لنا: إن الأمر من بعدي لعلي، ثم الأئمة من ولد الحسين، فتركتم قوله، وابتعتم دنيا فانية، ولذلك الأمم كفرت بعد إيمانها، فعما قليل يذوقون وبال أمرهم.

وقام المقداد وقال: أربع على ظلعك(2) والزم بيتك، وابك على خطيئتك

____________

(1) النجم: 3.

(2) أي إنك ضعيف فانته عما لا تطيقه.

الصفحة 81   

فعما قليل تضمحل عنك دنياك وقد علمت أن عليا صاحب الأمر، فأعطه ما جعله الله له ورسوله.

وقام عمار وقال: يا معاشر قريش قد علمتم أن أهل بيت نبيكم أقدم سابقة منكم، فأعطوهم ما جعله الله ورسوله لهم، ولا ترتدوا فتنقلبوا خاسرين.

وقام بريدة وقال: يا أبا بكر نسيت أم تناسيت، أم خادعت نفسك أما علمت أن النبي صلى الله عليه وآله أمر بالسلام على علي سبع سنين في حياته بإمرة المؤمنين، وكان يتهلل وجهه، لما يراه من طاعتنا لابن عمه، فلو أعطيتموه الأمر لكان لكم النجاة، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: بينا أنا على الحوض أسقي إذ يزجر بطائفة من أصحابي، فيقول جبرائيل: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فتنوا أمتك وظلموا أهل بيتك، فأقول: بعدا وسحقا.

وزاد ابن بابويه في حديث بريدة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: أيها الناس هذا أخي ووصيي وخليفتي من بعدي، وخير من أخلفه فوازروه وانصروه، ولا تتخلفوا عنه، فإنه لا يدخلكم في ضلالة ولا يخرجكم من هدى.

وقام قيس بن سعد وقال: يا أبا بكر اتق الله ولا تكن أول من ظلم محمدا في أهله، ورد هذا الأمر إلى من هو أحق به منك، تلقى رسول الله وهو راض عنك.

وقام خزيمة وقال: ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يقبل شهادتي وحدي؟

قال أبو بكر مغضبا: اشهد بما تشهد، فقال: أشهد على رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال:

هذا علي إمامكم بعدي، وخليفتي فيكم، فقدموه يسلك بكم طريق الهدى ولا تتقدموه يسلك بكم طريق الردى، مثله فيكم كمثل سفينة نوح، من ركبها نجى، ومن تخلف عنها هوى.

وقام الهيثم وقال: أشهد على رسول الله صلى الله عليه وآله أنه خرج علينا آخذا بيد علي ببطني؟؟

وهو يقول: أيها الناس هذا علي أخي وابن عمي، وكاشف الكرب عن وجهي، و من اختاره الله بعلا لابنتي، الشاك فيه كالشاك في الله، والتابع له كالتابع لسنة رسول الله فاتبعوه يهدكم إلى الذي تختلفون فيه من الحق.

الصفحة 82   

وقام سهل وقال: أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: هذا علي إمامكم بعدي ووصيي في حياتي، وبعد وفاتي، قاضي ديني، ومنجز وعدي، وأول من يصافحني على حوضي، فطوبى لمن اتبعه ونصره، وويل لمن تخلف عنه وخذله.

وقام أبي وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وقد أقام عليا للناس علما وإماما فقالت طائفة: إنما أقامه ليعلم من كان عدوه ومواليه أن عليا مولاه فبلغه ذلك فخرج كالمغضب فأخذ بيد علي عليه السلام ثم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، وإمامه وحجة الله عليه إن الله تعالى خلق للسماوات سكانا وحرسا هي النجوم، فإذا هلكت هلك من في السماء، وخلق لأهل الأرض حرسا هم أهل بيتي فإذا هلكوا هلك من في الأرض.

وقام أبو أيوب وقال: يا معاشر المهاجرين والأنصار أما سمعتم الله يقول:

(إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا(1)، وقال: إنا اعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها(2)) أفتريدون أن تظلموا أيتاما أقرب من أيتام رسول الله صلى الله عليه وآله بالأمس مات جدهم، واليوم غصبتموهم ثم خنقته العبرة.

وأفحم أبو بكر على المنبر فأنزله عمر، وقال له: يا لكع إذا كنت لا تقوم بحجة فلم أقمت نفسك هذا المقام؟ والله لقد هممت أن أخلعك وأجعلها في سالم مولى حذيفة، وانطلقا فلم يدخلا مسجد رسول الله عليه السلام إلا بعد ثلاثة أيام فجاءهم خالد وقال قد طمعت فيه بنو هاشم، وجاء سالم بألف رجل، ومعاذ بألف رجل، فخرجوا إلى المسجد شاهرين سيوفهم، وعلي عليه السلام جالس في نفر من أصحابه فقال عمر: إن تكلم أحدكم بما تكلم به أمس أخذت الذي فيه عيناه، فكان بينه وبين خالد بن سعيد كلام فأجلسه علي، وكبر سلمان وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: هذا أخي وابن عمي جالس في مسجدي في نفر من أصحابه إذ يثب إليه جماعة من كلاب

____________

(1) النساء: 10.

(2) الكهف: 29.

الصفحة 83   

أهل النار، يريدون قتلهم، فلا نشك أنكم هم، فهم به عمر فجلد علي به الأرض فقال له علي عليه السلام: يا بن صهاك لولا كتاب من الله سبق، وعهد من رسول الله تقدم لأريتك أينا أقل ناصرا وأضعف جندا ثم قال عليه السلام لأصحابه: انصرفوا وحلف أن لا يدخل المسجد إلا لزيارة أو حكومة.

هذا ما قاله الصادق عليه السلام حذفت منه شيئا من ألفاظه حذرا من طول الكلام، و هؤلاء لا يتهمون ولا يكذبون لعلو منزلتهم، وشرف سابقتهم، وصحبتهم، ولشهادة النبي الذي لا ينطق عن الهوى، فيهم، وسلمان منا أهل البيت أراد المجانسة. وما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء ذا لهجة أصدق من أبي ذر، والمقداد قدمني قدا.

وعمار جلدة بين عيني، وكان يقبل شهادة خزيمة وحده، فسمي ذا الشهادتين لقيامه مقام عدلين، وشرف أبي بن كعب لا ينكره رشيد، لغزارة علمه بالكتاب المجيد.

وناهيك من أبي أيوب فإن النبي صلى الله عليه وآله نزل عنده بأمر ربه لما قدم المدينة طلب كل منهم التشرف بنزوله، فقال: ناقتي مأمورة أنزل حيث نزلت، فنزلت على باب أبي أيوب الأنصاري.

فشهادة هؤلاء توجب تسليم الأمر إليه عليه السلام دون غيره، ولو أمكن الطعن فيها لم تسلم شهادة بعدها، بل لو شهد مع جماعة رجل منهم انتفت به التهمة عنهم، فما ظنك بشهادة كل واحد منهم، وعلى القول بصحة الاختيار من أنه متى اجتمع خمسة من صلحاء الأمة، وأهل الرأي والعدالة، على رجل من أهل الأمة، وعقد له واحد برضى الأربعة صار إماما فثبتت الإمامة لعلي عليه السلام بشهادة هؤلاء، لما علمت من أوصافهم.

هذا إذا صدر الكلام عن أنفسهم، فكيف إذا كان صادرا عن نبيهم عن جبرائيل عن ربهم.

إن قلت: اللازم من تلك الشهادات استحقاق الإمامة لا ثبوتها إلا ببيعة هؤلاء

الصفحة 84   

ولم ينقل عنهم ذلك. ولأنه لما انعقدت البيعة لأبي بكر لزم بطلان البيعة لعلي لإجماع الأنام على إيجاب الإمام.

قلت: قد أسلفنا بطلان الاختيار في أصله ولئن سلمنا صحة أصله أبطلنا اختيار أبي بكر، حيث إنه ليس من أهله، لما ستعلم من باب المطاعن من جهله، و قبيح فعله.

قال مؤلف الكتاب في هذا الباب:

 

شهد الثقات على النبي أن الخلافة في علي

وأتوا أبا بكر بهذا         القول والفعل الزري

مذ أفحموه مضى إلى   أهل العداوة للولي

وأتى بهم متنكبين       عن الصراط المستوي

متسلحين لدفعهم       عما أبانوا في الوصي

وكذا جرى للأنبياء      بكل شيطان غوي

لما أتوا بالمعجزات      وكل برهان قوي

للعجز عن إبطاله        مالوا إلى الفعل الدني

من حرقهم وقتالهم      والرجم والطرد الشني

وعلى سبيلهم اقتفى     السني ذو القول الغوي

إذ قال عند جداله        سيفي جواب الرافضي

فالعدل يفصل بينهم     في الحشر بالحكم السوي

 

الصفحة 85   

 

(16)

فصل

 

أسند ابن قرطة في مراصد العرفان إلى زيد بن حارثة أن رسول الله صلى الله عليه وآله بايعنا على أن نحفظه في نفسه وفي علي بن أبي طالب، وقال: أعطى الله تعالى العصا لموسى، والكلمات لإبراهيم، وأعطاني هذا يعني عليا. ولكل نبي آية، وهذا آيتي والأئمة الطاهرين من بعده آيات الله، لم تخل الأرض من الإيمان ما بقي أحد من ذريته، وعليهم تقوم الساعة.

 

إليك مصير الفضل والوحي ناطق        وأنت ولي الأمر والله شاهد

مشاهد من فعل الرسول شواهد عليها من الوحي العزيز شواهد

 

آخر:

 

أنت الذي نطق الكتاب بفضله  بشواهد في الذكر غير خوافي

لما رآك الله أهلا للثنا   نطق الكتاب بكل خاف شافي

 

وهذا الحق اليقين قد قامت بالقول اليسير دعائمه، وحامت بالصول الحقير عزائمه، وقد طولت أصنافه الحسنى باع أوليائه، وحولت مزاياه العليا محبيه في جزيل نعمائه، تنطق لسان الباقل البليد، وتطلق بنان الخامل الوليد، وتخرس بيان سبحان العتيد.

 

مولى متى ظل فكري في مدائحه        أمست تعلمنا أوصافه المدحا

فضل يكاد يعيد الخرس ناطقة  تتلو الثناء ولفظ يخرس الفصحا

 

ولا يضر مجده الرفيع، وسناؤه المنيع، ما يورده الوضيع، من القول الشنيع فقد قيل في النبي صلى الله عليه وآله: ساحر وشاعر، ووصف الرب الجليل بأوصاف منافية لكماله وعدله، وأقيم له نظير من الأوثان، وفضلت عبادتها على عبادة الرحمن، ومن أحسن ما قيل في المتعصبين على مولانا ومولاهم أمير المؤمنين:

 

ولا يضر على الأفلاك عائبة     والنقص إذ ذاك قول المبغض الشاني

 

الصفحة 86   

 

سيان إن جهل المهذار منقبها   أو عاند المجد قصد الحائف الجاني

مفاخر لأبي السبطين تعرفها     قلب البسيطة جهرا أي عرفان

روح المعالي العوالي الزهر مقلتها        يمينها حل منها أي جثمان

سهم من الله لا تنمى رميته(1)  سهم تقاصر عنه مجد كيوان

إذا تجاذبت الأبناء فخرهم       بمن مناقبه فخر لعدنان

أقام للدين رجلا طال ما سقطت         بسيفه لا بأوتار وخرصان

فكل من حوت الغبراء مقتبس  من نوره نازح الأوطان أو داني

 

قال جامع الكتاب:

ولما نصرنا الإمام عليه السلام بكمال مساعيه، وبصرنا الله بما أودع من الجمال فيه، بنينا على ما استبنته(2) ونصرناه بألسنتنا، فالفضل له علينا، حيث جعل خصل السبق إلينا، فقلنا في سيدنا وأبي موالينا:

 

نصرنا فتى أنصاره في حياطة   من الزيغ قول المرسل الحق شاهد

فتى قلد الاسلام سمط فخاره   ولولاه أضحى ركنه وهو مائد

فلا مهتد إلا عليه معاجه(3)     ولا راشد إلا لمسعاه حامد

 

ولنعم ما قال بعض الفضلاء فيه، وأثنى على كمال مساعيه:

 

من كان قد عرفته مدية دهره    وجرت له أخلاف سم منقع

فليعتصم بعرى الدعاء ويبتهل   بإمامة الهادي البطين الأنزع

نزعت عن الآثام طرا نفسه      ودعا فمن كالأنزع المتطوع

وحوى العلوم عن النبي وراثة   فهو البطين لكل علم مودع

وهو الوسيلة في النجاة إذا الورى         رجفت قلوبهم لهول المرجع

 

____________

(1) لا تنهى خ.

(2) في بعض النسخ: أسسه.

(3) المعاج - بالفتح - المكان الذي يعاج إليه أي يعطف إليه ويقام به ومنه قولهم (فكرهت انعياجه إلى معاجى).

 

 

 

 

الصفحة 87   

تذنيب:

أسند صدر الأئمة عندهم أخطب خوارزم موفق بن أحمد المكي قول النبي صلى الله عليه وآله لعلي يوم الغدير: أنت مولى كل مؤمن ومؤمنة، وقال:

أنت مني وأنا منك، وقال: تقاتل على التأويل كما قاتلت على التنزيل، وقال:

أنت مني بمنزلة هارون من موسى، وقال: أنا سلم لمن سالمت، وحرب لمن حاربت وقال: أنت تبين لهم ما اشتبه عليهم بعدي، وقال: أنت العروة الوثقى، وقال:

أنت إمام كل مؤمن ومؤمنة، وقال: أنت الذي أنزل الله فيه (وأذان من الله و رسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر(1)).

وقال: أنت الآخذ بسنتي، والذاب عن ملتي، وقال: أنا أول من تنشق عنه الأرض وأنت معي، وقال: أنا عند الحوض وأنت معي، وقال: أنا أول من يدخل الجنة وأنت معي، وبعدي ولدي الحسن والحسين وفاطمة، وقال أوحى الله إلي أن أقوم بفضل(2) فقمت به في الناس وبلغتهم ما أمرني الله بتبليغه، وقال:

اتق الضغائن التي هي لك في صدور من لا يظهرها إلا بعد موتي أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون.

ثم بكى عليه السلام وقال: أخبرني جبرائيل عليه السلام أنهم يظلمونه ويمنعونه حقه ويقتلون ولده، ويظلمونهم بعده، وأخبرني أن ذلك يزول إذا قام قائمهم، وعلت كلمتهم، واجتمعت الأمة على محبتهم، وكان الشانئ لهم قليلا، والكاره لهم ذليلا وذلك حين تغير البلاد، وضعف العباد، واليأس من الفرج، فعند ذلك يظهر القائم فيهم، اسمه اسمي، فهو من ولد ابنتي.

وهذا الحديث قد جمع أطرافا تفرقت في كتابنا هذا مفصلة لكن لنسقه مواقع من القلوب مفضلة(3).

____________

(1) براءة: 3.

(2) بفضلك ظ.

(3) متصلة خ.

الصفحة 88   

 

(17)

فصل

 

نذكر فيه شيئا مما نقله ابن طاوس من الطرف، كما وعدنا به فيما سلف، وقد أسلفنا طرفا من وصاياه عليه السلام، وفي هذه الطرف تأكيد لذلك المرام، وأي عجب أبلغ ممن شهد على نبيه باللسان، أنه أفضل أهل الزمان، وترك أمته في ضلال الاهمال، وحيرة الاغفال، ووكلها إلى اختياراتها المتفرقة، وآرائها المتمزقة مع اتفاقها على قوله: إنها تفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة، منها واحدة محقة، بل الحق أنه ما انتقل إلى دار كرامته، حتى نصب عليا عليه السلام خليفة على أمته، و نص على أعلام الهداية من ذريته:

فمما في الطرف:

1 - أسند ابن عبد القاهر برجاله إلى الصادق عليه السلام أن عليا عليه السلام وخديجة لما دعا هما النبي صلى الله عليه وآله إلى الاسلام قال: جبرائيل عندي يقول لكما: إن للاسلام شروطا: الاقرار بالتوحيد، والرسالة، والمعاد، والعمل بأصول الشريعة، و طاعة ولي الأمر بعده، والأئمة واحدا بعد واحد، والبراءة من الشيطان، ومن الأحزاب، تيم وعدي، فرضيت خديجة بدلك فقال علي عليه السلام وأنا على ذلك فبايعهما النبي صلى الله عليه وآله ثم أمرها أن تبايع عليا، وقال: هو مولاكي ومولى المؤمنين وإمامهم بعدي فبايعت له عليه السلام.

2 - روى الكاظم عليه السلام عن أبيه عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله لما خرج إلى بدر بايع الناس، وكان يخبر عليا بمن يفي منهم ومن لا يفي، ويأمره بالكتمان، فلما طلب حمزة للبيعة، قال: أليس قد بايعناه، قال: بايع بالوفاء والاستقامة لابن أخيك إذا تستكمل الإيمان فبايع، ثم قال لهم: ويد الله فوق أيديكم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه، الآية(1) وفي طرفة أخرى ليرجعن أكثرهم كفارا يضرب

____________

(1) الفتح: 10.

الصفحة 89   

بعضهم رقاب بعض، وما بينك وبين أين ترى ذلك إلا أن يغيب شخصي عنك، فاصبر على ظلم المضلين، إلى أن تجد أعوانا، فالكفر مقبل والردة والنفاق في الأول ثم الثاني، وهو شر منه وأظلم، ثم تجتمع لك شيعة فقاتل بهم الناكثين والقاسطين والمارقين.

3 - ما أسند عيسى بن المستفاد في كتاب الوصية إلى الكاظم إلى الصادق عليهما السلام أنه لما كانت الليلة التي أصيب حمزة في صبيحتها قال له النبي صلى الله عليه وآله : يا عم يوشك أن تغيب غيبة بعيدة، فما تقول إذا وردت على ربك وسألك عن شرائع الاسلام، وشرائط الإيمان؟ فبكى، وقال: أرشدني! فقال صلى الله عليه وآله: تشهد لله بالوحدانية ولي بالرسالة، وتقر بالمعاد، وما فيه، وأن عليا أمير المؤمنين، والأئمة من ولده الحسن والحسين، وفي ذريته، تؤمن بسرهم وعلانيتهم، توالي من والاهم وتعادي من عاداهم، فقال: نعم آمنت بذلك كله ورضيت به.

4 - بالإسناد المذكور قال النبي صلى الله عليه وآله لسلمان وأبي ذر والمقداد: تعرفون شرائع الاسلام وشروطه؟ قالوا: نعرف ما عرفنا الله ورسوله، فقال صلى الله عليه وآله: تشهدون لله بالوحدانية والعدالة، ولي بالعبودية والرسالة، ولعلي بالوصية والولاية المفروضة من الله والأئمة من ولده، ومحبة أهل بيتي وشيعتهم، والبغض لأعدائهم والبراءة منهم، ومن عمي عليه شئ فعليه بعلي بن أبي طالب، فإنه قد علم كما علمته، اعلموا أني لا أقدم على علي أحدا فمن تقدمه فهو ظالم لنفسه، والبيعة بعدي لغيره ضلالة: الأول ثم الثاني ثم الثالث، وويل للرابع، والويل له ولابنه ومن كان معه وقبله.

5 - بالإسناد السالف أنه عرض وصيته على العباس عند موته فاعتذر منها فقبلها علي فختمه بخاتمه، ودفع إليه الدرع، والمغفر، والراية، و [ ذا ] الفقار، و العمامة، والبردة، والابرقة، وكانت من الجنة تخطف الأبصار، وأمر جبرائيل النبي صلى الله عليه وآله أن يجعلها في الدرع مكان المنطقة، والنعلين والقميص الذي أسري فيه به والذي خرج فيه يوم أحد، والقلانس الثلاث: قلنسية السفر، وقلنسية العيدين

الصفحة 90   

والجمعة، والتي كان يلبسها ويقعد مع جبرائيل، والبغلتين: الدلدل والشهباء و الناقتين: العضباء والهضبا، والفرسين: الجناح وحيزوم، والحمار اليعفور، و قال: اقبضها في حياتي حتى لا ينازعك فيها أحد بعدي، وذلك بمحضر جماعة من الأقربين والأنصار والمجاهدين.

6 - بالإسناد المتقدم قال النبي صلى الله عليه وآله لعمه العباس بمحضر من الناس: من احتجاج ربي علي تبليغي الناس عامة وأهل بيتي خاصة ولاية علي بن أبي طالب يا عم جدد له عقدا وميثاقا، وسلم لولي الأمر إمرته ولا تكون ممن يعطي بلسانه ويكفر بقلبه، إن ربي عهد إلي أن أبلغ الشاهد، وآمر الشاهد أن يبلغ الغائب من وازر عليا ونصره، وأدى الفرائض، فقد بلغ حقيقة الإيمان، فقال العباس:

آمنت وسلمت له فاشهد علي.

7 - وبالإسناد السالف دعا النبي صلى الله عليه وآله الأنصار عند وفاته وأثنى عليهم بالنصرة والمعونة وقال: بقي لكم واحدة وهي تمام ذلك لا أرى بينهما فرقا لو قيس بينهما بشعرة ما انقاست، فمن أتى بواحدة وترك الأخرى كان جاحدا للأولى ولم يقبل الله منه صرفا ولا عدلا: كتاب الله وأهل بيتي احفظوني معاشر الأنصار في أهل بيتي، ألا سلم سقف تحته دعامة لا يقوم إلا بها وهي قوله: (والعمل الصالح يرفعه(1)) فالعمل الصالح طاعة الإمام عليه السلام الله الله في أهل بيتي، فإنهم مصابيح الظلم، ومعادن الحكم، منهم وصيي وأميني ووارثي.

8 - بالإسناد المتقدم أن النبي صلى الله عليه وآله عند وفاته جمع المهاجرين والأنصار وقال: قد أوصيت ولم أهملكم إهمال البهائم، فقام عمر وقال: أوصيت بأمر الله أو بأمرك؟ فقال: اجلس يا عمر أوصيت بأمر الله، وأمري أمر الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن عصى وصيي هذا - وأشار إلى علي عليه السلام - فقد عصى الله وعصاني و من أطاعه فقد أطاع الله وأطاعني، ما تريد يا عمر أنت وصاحبك؟ ثم التفت صلى الله عليه وآله إلى الناس وهو مغضب، وقال: من صدق أني رسول الله فأوصيه بولاية علي و

____________

(1) فاطر: 10.

الصفحة 91   

التصديق له فإن ولايته ولايتي، وولايتي ولاية ربي، من تقدمه فقد تقدم إلى النار، ومن قصر عنه ضل، ومن أخذ عنه يمينا هلك، ومن أخذ يسارا غوي.

9 - قال علي أمير المؤمنين عليه السلام: دعاني النبي صلى الله عليه وآله عند موته وأخرج من في البيت غيري، وفيه جبرائيل والملائكة أسمع الحس ولا أرى شيئا، فدفع إلي وصية مختومة، وقال لي: أتاني بها جبرائيل الساعة ففضها وأقرأها ففعلت، فإذا فيها كل ما كان النبي صلى الله عليه وآله يوصيه لا تغادر حرفا.

وكان في أول الوصية: هذا ما عهد محمد بن عبد الله وأوصى به، وأسنده إلى وصيه علي بن أبي طالب، وشهد جبرائيل وميكائيل وإسرافيل على ما أوصى وقبضه وصيه وضمانه على ما ضمن يوشع لموسى، ووصى عيسى والأوصياء من قبلهم، على أن محمدا أفضل النبيين، وعليا أفضل الوصيين، وقبض على الوصية على ما أوصت الأنبياء وسلمه إليه، وهذا أمر الله وطاعته على أن لا نبوة لعلي ولا لغيره بعد محمد، وكفى بالله شهيدا.

ثم كان فيما شرط عليه النبي صلى الله عليه وآله بأمر جبرائيل بأمر الرب الجليل، موالاة أولياء الله ورسوله، والبراءة والعداوة لمن عادى الله ورسوله، و الصبر، وكظم الغيظ على انتهاك الحرمة والقتل، فقبل ذلك فدعا النبي صلى الله عليه وآله بفاطمة والحسن والحسين وأعلمهم بذلك فقبلوا كذلك، وختم الوصية بخواتيم من ذهب لم تمسه النار، ودفعت إلى علي عليه السلام.

وقد روى هذا الحديث محمد بن يعقوب في المجلد الثاني من الكافي بأتم مما هنا وفيه أن الأئمة لم يفعلوا شيئا إلا بعهد الله وأمر منه لا يتجاوزونه.

10 - بالإسناد المتقدم حين دفع النبي صلى الله عليه وآله الوصية إلى علي عليه السلام قال له:

اتخذ لها جوابا غدا بين يدي الله، فإني محاجك يوم القيمة بكتاب الله عما فيه من الحدود والأحكام فما أنت قائل؟ قال: أرجو بكرامة الله لك أن يعينني ويثبتني حتى ألقاك غير مقصر ولا مفرط، ثم الأول فالأول من ولدي غير مقصرين ولا مفرطين.

الصفحة 92   

ورواه أيضا السيد بن طاوس عن كتاب خصائص الأئمة للسيد الرضي الموسوي بأسانيد أخر ثم قال له: اعلم أن القوم سيشغلهم عما يريدون من عرض الدنيا وهم عليه قادرون، فلا يشغلك عني ما يشغلهم فإنك كالكعبة تؤتى ولا تأتي لقد قدمت إليهم بالوعيد، وألزمتهم طاعتك، فأجابوا، وإني لأعلم خلاف ذلك فإذا فرغت من أمري وغيبتني في قبري الزم بيتك، واجمع القرآن على تنزيله، و عليك بالصبر حتى تقدم علي.

وأسند ذلك ابن طاوس أيضا عن كتاب الخصائص المقدم ذكره.

11 - بالإسناد السالف قال علي عليه السلام: كنت مسندا للنبي صلى الله عليه وآله إلى صدري فقال لي: تحول أمامي فتحولت وأسنده جبرائيل فقال لي: ضم كفيك بعضها إلى بعض، ففعلت فقال: قد عهدت إليك وأخذت العهد من أمين ربي جبرائيل وميكائيل فبحقهما عليك إلا أنفذت وصيتي، وعليك بالصبر والورع، ومنهاجي لا طريق فلان وفلان، وخذ ما آتاك الله بقوة، وأدخل يديه مضمومتين فيما بين كفي فكأنه أفرغ بينهما شيئا وقال: قد أفرغت بين يديك الحكمة، فلا يعزب عنك من أمري شئ، فإذا حضرتك الوفاة أوص إلى وصيك من بعدك على ما أوصيتك، واصنع هكذا لا كتاب ولا صحيفة.

وبالإسناد إلى أبي الحسن عليه السلام قلت: ألا تذكر ما في الوصية؟ قال: ذلك سر الله ورسوله، قلت: أكان فيها خلاف القوم على علي؟ قال: نعم، حرفا حرفا والله والله لقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي وفاطمة: فهمتما ما شرط ربكما وكتب لكما؟

قالا: قبلنا وصبرنا على ما ساءنا.

12 - بالإسناد المتقدم لما ثقل النبي صلى الله عليه وآله وخيف عليه الموت، دعا بعلي وفاطمة والحسنين، وأخرج من في البيت، واستدنا عليا(1) وأخذ بيد فاطمة عليها السلام بعد بكاء الجميع ووضعها في يد علي، وقال: هذه وديعة الله ووديعة رسوله عندك فاحفظني فيها فإنك الفاعل، هذه والله سيدة نساء العالمين هذه مريم الكبرى، والله

____________

(1) واستند بعلي، خ.

الصفحة 93   

ما بلغت نفسي هذا الموضع حتى سألت الله لها ولكم، فأعطاني يا علي، أنفذ ما أمرتك به فاطمة، فقد أمرتها بأشياء أمرني بها جبرائيل وهي الصادقة الصدوقة.

واعلم أني راض عمن رضيت عنه ابنتي فاطمة، وكذلك ربي والملائكة، و ويل لمن ظلمها وابتزها حقها، اللهم إني منهم برئ.

ثم سماهم، ثم ضم الأربعة إليه، وقال: اللهم إني لهم ولمن شايعهم سلم وزعيم يدخلون الجنة، وحرب لمن عاداهم ولمن شايعهم زعيم أن يدخلوا النار يا فاطمة لا أرضى حتى ترضى، ثم والله والله لا أرضى حتى ترضى، ثم والله والله لا أرضى حتى ترضى.

وفي موضع آخر بالإسناد السالف لما كانت الليلة التي قبض في صبيحتها دعا عليا وفاطمة والحسنين وأغلق عليهم الباب ثم خرج علي والحسنان فقالت عائشة:

لأمر ما أخرجك وخلى بابنته دونك، فقال: عرفت الذي خلا بها له، وهو بعض الذي كنت فيه وأبوك وصاحباه، فوجمت أن ترد عليه كلمة فما لبثت أن نادته فاطمة فدخل والنبي صلى الله عليه وآله يبكي ويقول: بكائي وغمي عليك وعلى هذه أن تضيع بعدي، فقد أجمع القوم على ظلمكم.

13 - وبالإسناد المتقدم طلب النبي صلى الله عليه وآله: عليا قبل وفاته بقليل وقال:

أتاني جبرائيل برسالة وأمرني أن أبعثك بها إلى الناس، فاخرج وناد فيهم، وقل:

أيها الناس يقول لكم رسول الله صلى الله عليه وآله: أتاني جبرائيل برسالة من الله وأمرني أن أبعث بها إليكم مع أميني علي بن أبي طالب، ألا من دعي إلى غير أبيه فقد برئ الله منه، ألا من توالي غير وليه فقد برئ الله منه، ألا من تقدم إمامه أو قدم إماما فقد ضاد الله في ملكه والله برئ منه.

وأسند نحو ذلك محمد بن جرير الطبري برجاله في كتاب المناقب وفيه: اخرج فناد: ألا من ظلم أجيرا أجرته فعليه لعنة الله، ألا من تولى غير مواليه فعليه لعنة الله ألا من سب أبويه فعليه لعنة الله، فنادى بذلك. فدخل عمر وجماعة إلى النبي صلى الله عليه وآله وقالوا: هل من تفسير لما نادى به؟ قال: نعم، إن الله يقول: (قل لا أسألكم

الصفحة 94   

عليه أجرا إلا المودة في القربى)(1) فمن ظلمنا فعليه لعنة الله ويقول النبي: (ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ من كنت مولاه فعلي مولاه) فمن توالى غيره وغير ذريته فعليه لعنة الله وأشهدكم أني أنا وعلي أبوا المؤمنين، فمن سب أحدنا فعليه لعنة الله.

فلما خرجوا قال عمر: يا أصحاب محمد ما أكد النبي عليكم الولاية لعلي بغدير خم ولا غيره بأشد من تأكيده في يومنا هذا.

قال خباب بن الأرت: كان ذلك قبل وفاة النبي صلى الله عليه وآله بسبعة عشر يوما.

14 - بالإسناد السالف قال النبي صلى الله عليه وآله لعلي: أنت تغسلني لا غيرك، فإن جبرائيل أخبرني عن ربي أن من رأى عورتي غيرك عمي، قال: فكيف أقوى عليك وحدي فقال صلى الله عليه وآله: يعينك جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، وملك الموت، وإسماعيل صاحب السماء الدنيا قال عليه السلام: فمن يناولني الماء؟ قال: الفضل بن العباس من غير أن ينظر إلي فإذا فرغت فضعني على لوح، وأفرغ علي من بئري بئر غرس أربعين دلوا مفتحة الأفواه أو قال: أربعين قربة، ثم ضع يدك على صدري واحضر معك فاطمة والحسنين من غير أن ينظروا إلى شئ من عورتي، ثم تفهم عند ذلك تفهم ما كان وما يكون إن شاء الله.

ثم قال: يا علي ما أنت صانع إذا قام القوم عليك وتقدموك، وبعثوا طاغيتهم إليك يدعوك إلى البيعة ثم لببت بثوبك تنقاد كما يقاد الشارد من الإبل، مخذولا مذموما، محزونا مهموما؟ فقال علي عليه السلام: أنقاد لهم وأصبر على ما أصابني من غير بيعة لهم.

وفي موضع آخر قال جبرائيل لمحمد صلى الله عليه وآله: قل لعلي: إن ربك يأمرك أن تغسل ابن عمك فإنها السنة، لا يغسل الأنبياء غير الأوصياء، وهي حجة الله لمحمد على أمته، فيما أجمعوا عليه من قطيعة ما أمرهم به ثم دفع جبرائيل الصحيفة التي كتبها القوم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فدفعها النبي صلى الله عليه وآله إلى علي وقال: أمسكها

____________

(1) الشورى: 23.

الصفحة 95   

فإن فيها الشروط على قطيعتك، وذهاب حقك، وما قد أزمعوا عليه من ظلمك تكون عندك، توافيني غدا بها وتحاجهم بها.

وفي موضع آخر بالإسناد المتقدم كنت كلما أردت أن أقلب منه عضوا قلب لي، فلما فرغت منه، خرجت عنه كما أمرت، فصلت الملائكة عليه، فلما واريته في قبره سمعت صارخا من خلفي: يا آل تيم يا آل عدي يا آل أمية (وجعلناهم(1) أئمة يدعون إلى النار، ويوم القيامة لا ينصرون)(2) اصبروا آل محمد تؤجروا (من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب(3)).

15 - بالإسناد السالف مكث النبي صلى الله عليه وآله وهو مسجى بملاءة خفيفة ما شاء الله أن يمكث، ثم تكلم فقال: ابيضت وجوه واسودت وجوه، وسعد أقوام وشقي آخرون، سعد أصحاب الكساء الخمسة أنا سيدهم، ولا فخر، عترتي عترتي أهل بيتي السابقون السابقون أولئك المقربون، وأسعد من اتبعهم وشايعهم على ديني ودين آبائي أنجزت موعدك يا رب إلى يوم القيامة في أهل بيتي اسودت وجوه أقوام و يردوا ظماء إلى نار جهنم أجمعين، مرق النغل(4) الأول الأعظم، والآخر النغل الأصغر حسابهم على الله (كل امرئ بما كسب رهين(5)) وثالث ورابع، غلقت الرهون، واسودت الوجوه، أصحاب الأموال هلكت قادت الأمة بعضها بعضا إلى النار، كتاب دارس، وباب مهجور، وحكم بغير علم مبغض علي وآل علي في النار، محب علي وآل علي في الجنة، ثم سكت صلى الله عليه وآله وهذا الفصل بأجمعه منقول من الطرف المذكورة.

____________

(1) في النسخ: وخلافتهم أئمة يدعون إلى النار.

(2) القصص: 41.

(3) الشورى: 20.

(4) النغل: ولد الزنية لفساد نسبه، وفاسد القلب من الحقد والضغن.

(5) الطور: 21.

الصفحة 96   

خاتمة لعل بعض من يقف على هذه الطرف يقول: كيف يمكن جحد هذه الوصايا لو كانت صحيحة بعد نشرها؟ أو يتهيأ كتمانها مع تحقق أمرها؟ فنقول حينئذ: أليس قد عرف المسلمون جحد اليهود والنصارى على كثرتهم وتفريقهم لنبوة سيد المرسلين ولا ريب أنهم أكثر عددا ممن جحد النص على أمير المؤمنين، وقد صرح الرب الجليل في عظيم التنزيل بقوله: (الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل(1)) فأجمعوا على كتمان النص في الكتابين، طلبا للرياسة أو لغيرها من وجوه الضلالة والمين، فكيف ينكر جحد من هو أقل منهم وأعظمهم تهورا في الضلال، نص النبي صلى الله عليه وآله على علي وعلى بقية الآل.

إن قلت: لو جاز من هذا الجم الغفير، جحد النص على البشير النذير، وجحد أكثر المسلمين النص على أمير المؤمنين جاز منهم جحد آل محمد خاتم النبيين.

قلت: جحد أهل الذمة جائز قد وقع وإن كان جحد المسلمين جائزا لم يقع ولن يقع لتواتره بينهم في كتاب ربهم، وسنة نبيهم فافترقا.

ثم نرجع فنقول: روى أهل الاسلام قول النبي صلى الله عليه وآله: ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة واحدة ناجية والباقون في النار، فهذه شهادة صريحة من النبي المختار على وصف أكثرهم بالضلال والبوار، ولا بد أن يكون الله ورسوله أوضحا لهم وجوه الضلال، لئلا يكون لهم الحجة عليهما يوم الحساب والسؤال، وبهذا يتضح وجه إمساك علي وعترته عن الجهاد، إذ كيف تقوى فرقة على أضعافها من أهل العناد، ومن فر عن أكثر من اثنين، قد عذره القرآن، فكيف لا يعذر من أمسك عن أضعافه من أهل الطغيان.

ثم نرجع أيضا ونقول: قد ملأ الله الأنفس والآفاق، بوضع الدليل على الإله الخلاق، ونصب في العقول نصوصا دالة على وجود فاعل هذه الأكوان وجود غير عاطل مدبر لها في كل آن، ومع ذلك كله فقد وقعت المكابرة من أهل الضلال من آخرين، وعدل أكثر المكلفين عن صانع العاملين، وما عرفه باليقين

____________

(1) الطور: 21.

الصفحة 97   

إلا القليل من عباده أجمعين، فهل يبقى تعجب من، الضلال عن نص سيد المرسلين على أمير المؤمنين.

فلله الحمد على الاعتراف بولايته، والاغتراف من بحار وصيته، والإشراف بمحبة أولاده، والاغراق في عداوة أضداده، ونسأل الرب الكريم أن يحشرنا معهم في جنات النعيم، ويقينا عذاب الجحيم، فضلا من ربك ذلك هو الفوز العظيم، و ها أنا قد أنشأت في سادات الأزمان، ما سنح لي في هذا الأوان:

 

قبلت النصوص على رغمكم    ولم أتخذ لي فلانا خليلا

ولا صاحبيه وأتباعهم   معاوية ويزيدا بديلا

من الطاهرين علي الولي         وأولاده خير قوم قبيلا

فمن حاد يوما إلى غيرهم       سيلقى عقابا مقيما نكيلا

ومن كان في ودهم صادقا       سيسقى بجاههم سلسبيلا

وصلى عليهم إله الورى          وأصلي عداهم عذابا وبيلا