الباب لولا محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي وصيه الإمام والأئمة الأحد عشر من ولده ما خلق الله تعالى الخلق، وهم من نور واحد

الصفحة 34   

من طريق الخاصة

وفيه أربعة عشر حديثا

 

الأول: محمد بن علي بن بابويه قال: حدثنا أحمد بن يحيى المكتب، قال: حدثنا أحمد بن محمد الوراق، قال: حدثني بشير بن سعيد بن قيلويه المعدل بالمرافقة، قال: حدثنا عبد الجبار بن كثير التميمي اليماني، قال: سمعت محمد بن حرب أمير المؤمنين يقول: سألت جعفر بن محمد (عليه السلام) فقلت له: يا بن رسول الله في نفسي مسألة أريد أن أسألك عنها، فقال: " إن شئت أخبرتك بمسألتك قبل أن تسألني، وإن شئت فسل "، قال: قلت له: يا بن رسول الله وبأي شئ تعرف ما في نفسي قبل سؤالي عنه؟ فقال: " بالتوسم والتفرس، أما سمعت قول الله عز وجل: * (إن في ذلك لآيات للمتوسمين) *(1) وقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله عز وجل " قال:

فقلت له: يا بن رسول الله فأخبرني بمسألتي، قال: " أردت أن تسألني عن رسول الله لم لم يطق حمله علي (عليه السلام) عند حطه الأصنام من سطح الكعبة مع قوته وشدته وما ظهر منه في قلع باب القموص بخيبر والرمي به ورائه أربعين ذراعا وكان لا يطيق حمله أربعون رجلا وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يركب الناقة والفرس والبغلة والحمار وركب البراق ليلة المعراج وكل ذلك دون علي في القوة والشدة؟ قال: فقلت له: عن هذا والله أردت أن أسألك يا بن رسول الله فأخبرني، فقال: إن عليا برسول الله شرف، وبه ارتفع، وبه وصل إلى إطفاء نار الشرك، وإبطال كل معبود من دون الله عز وجل، ولو علاه النبي (صلى الله عليه وآله) لحط الأصنام لكان بعلي مرتفعا وشريفا وواصلا إلى حط الأصنام، فلو كان ذلك لكان أفضل منه، ألا ترى أن عليا قال: لما علوت ظهر رسول الله شرفت وارتفعت حتى لو شئت أن أنال السماء لنلتها، أما علمت أن المصباح هو الذي يهتدي به في الظلمة وانبعاث فرعه من أصله وقد قال علي (عليه السلام): أنا من أحمد كالضوء من الضوء! أما علمت أن محمدا

____________

(1) سورة الحجر: 75.

الصفحة 35   

وعليا - صلوات الله عليهما - كانا نورا بين يدي الله عز وجل قبل خلق الخلق بألفي عام، وأن الملائكة لما رأت ذلك النور رأت له أصلا قد تشعب منه شعاع لامع فقالت: إلهنا وسيدنا ما هذا النور؟ فأوحى الله عز وجل إليهم: هذا نور من نوري أصله نبوة وفرعه إمامة، أما النبوة فلمحمد عبدي ورسولي، وأما الإمامة فلعلي حجتي ووليي، ولولاهما ما خلقت خلقي، أما علمت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) رفع يدي علي (عليه السلام) بغدير خم حتى نظر الناس إلى بياض إبطيهما فجعله مولى المسلمين وإمامهم؟ وقد احتمل الحسن والحسين (عليهما السلام) يوم حظيرة بني النجار فلما قال له بعض أصحابه: ناولني أحدهما يا رسول الله قال: نعم الحاملان ونعم الراكبان وأبوهما خير منهما.

وروي في خبر آخر أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حمل الحسن وحمل جبرائيل الحسين ولهذا قال نعم الحاملان، وأنه (صلى الله عليه وآله) كان يصلي بأصحابه فأطال سجدة من سجداته فلما سلم قيل له: يا رسول الله لقد أطلت هذه السجدة فقال (صلى الله عليه وآله): إن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى ينزل، وإنما أراد بذلك رفعهم وتشريفهم فالنبي (صلى الله عليه وآله) إمام نبي وعلي إمام ليس بنبي ولا رسول، فهو غير مطيق لحمل أثقال النبوة ".

قال محمد بن حرب الهلالي: فقلت له: زدني يا بن رسول الله فقال: " إنك لأهل للزيادة إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حمل عليا على ظهره يريد بذلك أنه أبو ولده، وإمام الأئمة من صلبه، كما حول رداءه في صلاة الاستسقاء وأراد أن يعلم أصحابه بذلك أنه قد تحول الجدب خصبا، قال: فقلت له زدني يا بن رسول الله: فقال: احتمل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليا يريد بذلك أن يعلم قومه أنه هو الذي يخفف عن ظهر رسول الله ما عليه من الدين والعداة والأداء عنه من بعده، قال: فقلت له: يا بن رسول الله زدني، فقال: إنه احتمله ليعلم بذلك أنه قد احتمله، وما حمل إلا لأنه معصوم لا يحمل وزرا فتكون أفعاله عند الناس حكمة وثوابا، وقد قال النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي: يا علي إن الله تبارك وتعالى حملني ذنوب شيعتك ثم غفرها لي، وذلك قوله تعالى: * (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) *(1) ولما أنزل الله عز وجل عليه: * (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم) *(2) قال النبي (صلى الله عليه وآله) أيها الناس عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم وعلي نفسي وأخي، أطيعوا عليا فإنه مطهر معصوم لا يضل ولا يشقي، ثم تلا هذه الآية: * (قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين) *(3).

____________

(1) سورة الفتح: 2.

(2) سورة المائدة: 105.

(3) سورة النور: 54.

الصفحة 36   

قال محمد بن حرب الهلالي: ثم قال(1) جعفر بن محمد: أيها الأمير لو أخبرتك بما في حمل النبي عليا عند حط الأصنام من سطح الكعبة من المعاني التي أرادها به لقلت: إن جعفر بن محمد لمجنون! فحسبك من ذلك ما قد سمعت فقمت إليه وقبلت رأسه ويديه وقلت: الله أعلم حيث يجعل رسالته(2).

الثاني: محمد بن علي بن بابويه قال: حدثنا محمد بن عمر الحافظ البغدادي قال: حدثني أبو محمد الحسن بن عبد الله بن محمد بن علي بن العباس التميمي الرازي قال: حدثني أبي قال:

حدثني سيدي علي بن موسى الرضا، قال: حدثني أبي موسى بن جعفر قال: حدثني أبي جعفر بن محمد، قال: حدثني أبي محمد بن علي قال: حدثني أبي علي بن الحسين قال: حدثني أبي الحسين بن علي(3) قال: حدثني أبي علي بن أبي طالب: قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " خلقت أنا وعلي من نور واحد "(4).

الثالث: ابن بابويه، قال: حدثنا أبو نصر أحمد بن الحسين بن أحمد بن عبيد النيسابوري الروياني(5) بنيسابور - وما لقيت أنصب منه - قال: حدثنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن مهران السراج، قال: حدثنا الحسن بن عرفة العبدي قال: حدثنا وكيع بن الجراح، عن محمد بن إسرائيل، عن أبي صالح، عن أبي ذر (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يقول: " خلقت أنا وعلي من نور واحد نسبح الله يمنة العرش، قبل أن يخلق آدم بألفي عام، فلما أن خلق الله آدم جعل ذلك النور في صلبه، ولقد سكن الجنة ونحن في صلبه، ولقد هم بالخطيئة ونحن في صلبه، ولقد ركب نوح السفينة ونحن في صلبه، ولقد قذف بإبراهيم في النار ونحن في صلبه، فلم يزل ينقلنا الله عز وجل من أصلاب طاهرة إلى أرحام طاهرة حتى انتهى بنا إلى عبد المطلب، فقسمنا نصفين فجعلني في صلب عبد الله، وجعل عليا في صلب أبي طالب وجعل في النبوة والبركة، وجعل في علي الفصاحة والفروسية، وشق لنا اسمين من أسمائه، فذو العرش محمود وأنا محمد، والله الأعلى وهذا علي "(6).

الرابع: الشيخ الطوسي في أماليه عن أبي محمد الفحام، قال: حدثني المنصوري قال: حدثني

____________

(1) في النسخة المخطوطة: ثم قال لي.

(2) بحار الأنوار 38 / 79 - 82. عن " معاني الأخبار " و " علل الشرائع ".

(3) في الأمالي: قال: حدثني أخي الحسن.

(4) الأمالي: 209 ط النجف الأشرف.

(5) في معاني الأخبار: المرواني.

(6) معاني الأخبار: 56 ط إيران. بحار الأنوار 15 / 11.

الصفحة 37   

عم أبي، أبو موسى عيسى بن أحمد بن عيسى المنصوري، قال: حدثني الإمام علي بن محمد قال:

حدثني أبي محمد بن علي، قال: حدثني أبي علي بن موسى الرضا، قال: حدثني أبي موسى بن جعفر، قال: حدثني أبي جعفر بن محمد، قال: حدثني أبي محمد بن علي، قال: حدثني أبي علي ابن الحسين قال: حدثني أبي الحسين بن علي، قال: حدثني أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: " قال لي النبي (صلى الله عليه وآله) يا علي خلقني الله تعالى وأنت من نور الله حين خلق آدم، وأفرغ ذلك النور في صلبه فأفضى به إلى عبد المطلب، ثم افترقنا(1) من عبد المطلب أنا في عبد الله وأنت في أبي طالب لا تصلح النبوة إلا لي، ولا تصلح الوصية إلا لك، فمن جحد وصيتك جحد نبوتي، ومن جحد نبوتي أكبه الله على منخريه في النار "(2).

الخامس: شرف الدين النجفي فيما نزل في أهل البيت (عليهم السلام) من القرآن عن الشيخ أبي محمد الفضل بن شاذان بإسناده، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن الإمام العالم موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) قال: " إن الله تبارك وتعالى خلق نور محمد من نور اخترعه من نور عظمته(3) وجلاله وهو نور لاهوتية الذي تبدى الاه (أي من إلهيته من إنيته الذي تبدأ منه) وتجلى لموسى (عليه السلام) في طور سيناء، فما استقر له ولا أطاق موسى لرؤيته، ولا ثبت له حتى خر صعقا مغشيا عليه، وكان ذلك النور نور محمد (صلى الله عليه وآله) فلما أراد أن يخلق محمدا منه قسم ذلك النور شطرين: فخلق من الشطر الأول محمدا، ومن الشطر الآخر علي بن أبي طالب، ولم يخلق من ذلك النور غيرهما، خلقهما الله بيده ونفخ فيهما بنفسه لنفسه، وصورهما على صورتهما وجعلهما أمناء له، وشهداء على خلقه، وخلفاء على خليقته، وعينا له عليهم، ولسانا له إليهم، قد استودع فيهما علمه، وعلمهما البيان، واستطلعهما على غيبه، وجعل أحدهما نفسه والآخر روحه ولا يقوم أحدهما بغير صاحبه، ظاهرهما بشرية، وباطنهما لاهوتية، ظهروا للخلق على هياكل الناسوتية، حتى يطيقوا رؤيتهما، وهو قوله تعالى: * (وللبسنا عليهم ما يلبسون) * فهما مقام رب العالمين، وحجابا لخالق الخلائق أجمعين، بهما فتح بدء الخلائق، وبهما يختم الملك والمقادير. ثم اقتبس من نور محمد فاطمة ابنته، كما اقتبس نوره من نوره، واقتبس من نور فاطمة وعلي الحسن والحسين كاقتباس المصابيح هم خلقوا من الأنوار، وانتقلوا من ظهر إلى ظهر، ومن صلب إلى صلب، ومن رحم إلى

____________

(1) في البحار: ثم افترق.

(2) أمالي الشيخ الطوسي 1 / 301 ط. النجف، بحار الأنوار 15 / 12 باختلاف يسير في السند.

(3) في البحار: خلق نور محمد من اختراعه، من نور عظمته.

الصفحة 38   

رحم في الطبقة العليا من غير نجاسة، بل نقلا بعد نقل، لا إنه ماء مهين، ولا نطفة خشرة كسائر خلقه، بل أنوار انتقلوا من أصلاب الطاهرين إلى أرحام المطهرات، لأنهم صفوة الصفوة، اصطفاهم لنفسه، وجعلهم خزان علمه، وبلغاء عنه إلى خلقه، أقامهم مقام نفسه، لأنه لا يرى ولا يدرك ولا تعرف كيفية إنيته، فهؤلاء الناطقون المبلغون عنه، المتصرفون في أمره ونهيه، فيهم يظهر قوته، ومنهم ترى آياته ومعجزاته، وبهم ومنهم عرف عباده نفسه، وبهم يطاع أمره، ولولاهم ما عرف الله، ولا يدري كيف يعبد الرحمن، فالله يجري أمره كيف يشاء، فيما يشاء، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون "(1).

السادس: ابن بابويه قال: حدثنا الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي قال: حدثنا فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن علي الهمداني(2)، قال: حدثني أبو الفضل العباس بن عبد الله البخاري، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله(3) ابن القاسم بن محمد بن أبي بكر قال: حدثنا عبد السلام بن صالح الهروي، عن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي ابن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " ما خلق الله خلقا أفضل مني ولا أكرم عليه مني. قال علي (عليه السلام): فقلت: يا رسول الله فأنت أفضل أم جبرائيل؟ فقال: يا علي إن الله تبارك وتعالى فضل أنبيائه المرسلين على ملائكته المقربين، وفضلني على جمع النبيين والمرسلين، والفضل بعدي لك يا علي، وللأئمة من بعدك فإن الملائكة من خدامنا(4) وخدام محبينا، يا علي (الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا)(5) بولايتنا، يا علي لولا نحن ما خلق الله آدم ولا حواء، ولا الجنة ولا النار، ولا السماء ولا الأرض فكيف لا تكون أفضل من الملائكة وقد سبقناهم إلى معرفة ربنا(6)، وتسبيحه وتهليله وتقديسه، لأن أول ما خلق الله عز وجل أرواحنا فانطقنا بتوحيده وتحميده(7) ثم خلق الملائكة فلما شاهدوا أرواحنا نورا واحدا استعظموا أمرنا فسبحنا لتعلم

____________

(1) بحار الأنوار 35 / 28. مع اختلاف في السند والمتن.

(2) في كمال الدين: محمد بن علي بن أحمد.

(3) في كمال الدين: إبراهيم بن عبد الله.

(4) في النسخة المخطوط: لخدامنا.

(5) سورة غافر: 40.

(6) في النسخة المخطوطة: إلى التوحيد ومعرفة ربنا عز وجل.

(7) في كمال الدين: بتوحيده وتمجيده.

الصفحة 39   

الملائكة أنا خلق مخلوقون وأنه منزه عن صفاتنا فسبحت الملائكة لتسبيحنا، ونزهته عن صفاتنا، فلما شاهدوا عظم شأننا هللنا لتعلم الملائكة أن لا إله إلا الله وأنا عبيد ولسنا بآلهة يجب أن نعبد معه أو دونه، فقالوا: لا إله إلا الله، فلما شاهدوا كبر محلنا كبرنا(1) لتعلم الملائكة أن الله أكبر من أن ينال وأنه عظيم المحل، فلما شاهدوا ما جعل الله لنا من العزة والقوة قلنا: لا حول ولا قوة إلا بالله [ العلي العظيم ] لتعلم الملائكة أن لا حول ولا قوة إلا بالله(2) فلما شاهدوا ما أنعم الله به علينا وأوجبه لنا من فرض الطاعة، قلنا الحمد لله لتعلم الملائكة ما يحق لله تعالى ذكره علينا من الحمد على نعمه، فقالت الملائكة: الحمد لله، فبنا اهتدوا إلى معرفة توحيد الله تعالى وتسبيحه وتهليله وتحميده وتمجيده، ثم إن الله تبارك وتعالى خلق آدم وأودعنا صلبه وأمر الملائكة بالسجود له تعظيما وإكراما، وكان سجودهم لله عز وجل عبودية ولآدم إكراما وطاعة لكوننا في صلبه فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سجدوا لآدم كلهم أجمعون، وأنه لما عرج بي إلى السماء أذن جبرائيل مثنى مثنى، وأقام مثنى مثنى، ثم قال تقدم يا محمد فقلت له يا جبرائيل أتقدم عليك؟ فقال: نعم لأن الله تبارك وتعالى فضل أنبيائه على ملائكته أجمعين، وفضلك خاصة فتقدمت وصليت بهم ولا فخر، فلما انتهينا إلى حجب النور قال لي جبرائيل:

تقدم يا محمد وتخلف هو عني فقلت: يا جبرائيل في مثل هذا الموضع تفارقني؟ فقال: يا محمد إن هذا انتهاء حدي الذي وضعه الله عز وجل لي في هذا المكان فإن تجاوزته احترقت أجنحتي لتعدي حدود ربي جل جلاله فزج بي في النور زجة(3) حتى انتهيت إلى حيث ما شاء الله من علو ملكه(4) فنوديت يا محمد أنت عبدي(5) وأنا ربك فإياي فاعبد، وعلي فتوكل فإنك نوري في عبادي ورسولي إلى خلقي وحجتي على بريتي، لك ولمن تبعك خلقت جنتي، ولمن خالفك خلقت ناري، ولأوصيائك أوجبت كرامتي، ولشيعتهم(6) أوجبت ثوابي، فقلت يا رب ومن أوصيائي؟ فنوديت يا محمد [ إن ] أوصياءك المكتوبون على ساق العرش، فنظرت - وأنا بين يدي ربي جل جلاله - إلى ساق العرش فرأيت اثني عشر نورا في كل نور سطر أخضر عليه(7)

____________

(1) في كمال الدين: كبرنا الله.

(2) في كمال الدين: فقالت الملائكة: لا حول ولا قوة إلا بالله.

(3) في كمال الدين: فزخ بي زخة في النور.

(4) في كمال الدين: من ملكوته.

(5) في كمال الدين: فنوديت يا محمد؟ فقلت: لبيك ربي وسعديك، تباركت وتعاليت، فنوديت يا محمد أنت عبدي.

(6) في كمال الدين: ولشيعتك.

(7) في كمال الدين: مكتوب عليه.

الصفحة 40   

اسم وصي من أوصيائي، أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم مهدي أمتي، فقلت: يا رب أهؤلاء أوصيائي من بعدي؟ فنوديت يا محمد هؤلاء أوليائي وأحبائي وأصفيائي وحجتي بعدك(1) على بريتي، وهم أوصياؤك وخلفاؤك وخير خلقي بعدك، وعزتي وجلالي لأظهرن بهم ديني، ولأعلين بهم كلمتي، ولأطهرن الأرض بآخرهم من أعدائي، ولأملكنه مشارق الأرض ومغاربها، ولأسخرن له الرياح، ولأذللن له السحاب(2) الصعاب، ولأرقينه في الأسباب ولأنصرنه بجندي ولأمدنه بملائكتي حتى تعلوا دعوتي(3) ويجمع الخلق على توحيدي ثم لأديمن ملكه، ولأداولن الأيام بين أوليائي إلى يوم القيامة "(4).

السابع: محمد بن خالد الطيالسي، ومحمد بن عيسى بن عبيد بإسنادهما عن جابر بن يزيد الجعفي قال: قال أبو جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام): " كان الله(5) ولا شئ غيره ولا معلوم ولا مجهول، فأول ما ابتدأ من خلق خلقه أن خلق محمدا وخلقنا أهل البيت معه من نور عظمته(6) فأوقفنا أظلة خضراء بين يديه، لا سماء(7) ولا أرض ولا مكان ولا ليل ولا نهار ولا شمس ولا قمر ففضل نورنا(8) من نور ربنا كشعاع الشمس من الشمس نسبح الله تعالى ونقدسه ونحمده ونعبده حق عبادته، ثم بدا الله تعالى أن يخلق المكان فخلقه، وكتب على المكان: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين ووصيه به أيدته وبه نصرته، ثم كيف الله(9) العرش فكتب على سرادقات العرش مثل ذلك، ثم السماوات(10) فكتب على أطرافها مثل ذلك، ثم خلق الجنة والنار فكتب عليهما مثل ذلك، ثم خلق الله الملائكة وأسكنهم السماء، ثم تراءى لهم الله تعالى(11) وأخذ عليهم الميثاق له بربوبيته ولمحمد (صلى الله عليه وآله) بالنبوة ولعلي (عليه السلام) بالولاية فاضطربت فرائص الملائكة فسخط الله تعالى على الملائكة واحتجب عنهم فلاذوا بالعرش سبع سنين يستجيرون الله من سخطه ويقرون بما أخذ عليهم ويسألونه الرضا فرضي عنهم بعد ما أقروا بذلك، فأسكنهم بذلك الإقرار السماء واختصهم لنفسه واختارهم لعبادته، ثم أمر الله تعالى أنوارنا أن تسبح فسبحنا

____________

(1) في كمال الدين: وحججي بعدك.

(2) في كمال الدين: الرقاب.

(3) في كمال الدين: حتى يعلن دعوتي.

(4) كمال الدين: 254، بحار الأنوار 26 / 335، عن: عيون الأخبار وعلل الشرائع.

(5) في البحار: يا جابر كان الله.

(6) في البحار: من نوره وعظمته.

(7) في البحار: حيث لا سماء.

(8) في البحار: يفصل نورنا.

(9) في البحار: خلق الله.

(10) في البحار: ثم خلق الله السماوات.

(11) المراد أن الله عرف نفسه لهم.

 

 

الصفحة 41   

فسبحت الملائكة بتسبيحنا(1) ولولا تسبيح أنوارنا ما دروا كيف يسبحون الله ولا كيف يقدسونه، ثم إن الله خلق الهواء فكتب عليه لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين وصيه، به أيدته وبه نصرته، ثم خلق الله الجن فأسكنهم الهواء وأخذ الميثاق منهم له بالربوبية ولمحمد (صلى الله عليه وآله) بالنبوة، ولعلي بالولاية، فأقر منهم من أقر وجحد من جحد(2) فأول من جحد إبليس لعنه الله فختم له بالشقاوة، وما صار إليه. ثم أمر الله تعالى أنوارنا أن تسبح فسبحت فسبحوا(3) بتسبيحنا، ولولا ذلك ما دروا كيف يسبحون الله ثم خلق الله الأرض فكتب على أطرافها لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين وصيه، به أيدته وبه نصرته، فبذلك يا جابر قامت السماوات بلا عمد(4) وثبتت الأرض، ثم خلق الله تعالى آدم (عليه السلام) من أديم الأرض ونفخ فيه(5) من روحه ثم أخرج ذريته من صلبه فأخذ عليهم الميثاق له بالربوبية، ولمحمد بالنبوة، ولعلي بالولاية، أقر منهم من أقر وجحد منهم من جحد. فكنا أول من أقر بذلك، ثم قال لمحمد: وعزتي وجلالي وعلو شأني لولاك ولولا علي وعترتكما الهادون المهديون الراشدون ما خلقت الجنة ولا النار، ولا المكان، ولا الأرض، ولا السماء، ولا الملائكة، ولا خلقا يعبدني، يا محمد أنت حبيبي، وخليلي وصفيي، وخيرتي من خلقي، أحب الخلق إلي وأول من ابتدأت من خلقي(6) ثم من بعدك الصديق علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وصيك، به أيدتك ونصرتك، وجعلته العروة الوثقى ونور أوليائي، ومنار الهدى، ثم هؤلاء الهداة المهتدون من أجلكم ابتدأت خلق ما خلقت، فأنتم خيار خلقي (وأحبائي، وكلماتي، وأسمائي الحسنى، وأسبابي وآياتي الكبرى، وحجتي فيما بيني وبين خلقي)(7) فخلقتكم من نور عظمتي واحتجب بكم عن من سواكم من خلقي، وجعلتكم أستقبل بكم، واسأل بكم، وكل شئ هالك إلا وجهي، وأنتم وجهي لا تبيدون ولا تهلكون، ولا يبيد ولا يهلك من تولاكم، ومن استقبلني بغيركم فقد ضل وهوى، وأنتم خلقي وحملة سري، وخزان علمي وسادة أهل السماوات وأهل الأرض، ثم إن الله تعالى هبط إلى الأرض في ظلل من الغمام(8) والملائكة، وأهبط أنوارنا أهل البيت معه، فأوقفنا صفوفا بين

____________

(1) في البحار: ثم أمر الله تعالى أنوارنا أن تسبح فسبحت، فسبحوا بتسبيحنا.

(2) في البحار: فأقر منهم بذلك من أقر، وجحد منهم من جحد.

(3) المراد الجن.

(4) في البحار: بغير عمد.

(5) في البحار: فسواه ونفخ فيه.

(6) في البحار: وأول من ابتدأت إخراجه من خلقي.

(7) ما بين القوستين من زيادات النسخة المطبوعة، وغير موجود في المخطوطة والبحار.

(8) قال مصحح البحار: في بعض نسخ البحار [ أهبط إلى الأرض ظللا من الغمام ].

الصفحة 42   

يديه(1) نسبحه في أرضه كما سبحناه في سمائه، ونقدسه في أرضه كما قدسناه في سمائه، ونعبده كما عبدناه في سمائه، فلما أراد الله إخراج ذرية آدم (عليه السلام) لأخذ الميثاق منهم بالربوبية(2) فكنا أول من قال: (بلى) عند قوله: (ألست بربكم)(3) ثم أخذ الميثاق منهم بالنبوة لمحمد (صلى الله عليه وآله) ولعلي (عليه السلام) بالولاية، فأقر من أقر، وجحد من جحد ".

ثم قال أبو جعفر (عليه السلام): " فنحن أول خلق ابتدأ الله(4)، وأول خلق عبد الله وسبحه، ونحن سبب خلق الخلق، وسبب تسبيحهم وعبادتهم من الملائكة والآدميين فبنا عرف الله وبنا وحد الله، وبنا عبد الله، وبنا أكرم الله من أكرم من جميع خلقه وبنا أثاب الله من أثاب، وعاقب من عاقب، ثم تلا قوله تعالى: * (وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون) *(5) [ وقوله تعالى ]: * (قل إن كان للرحمان ولد فأنا أول العابدين) *(6) فرسول الله (صلى الله عليه وآله) أول من عبد الله، وأول من أنكر أن يكون له ولد أو شريك، ثم نحن بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم أودعنا بعد ذلك صلب آدم (عليه السلام)(7) فما زال ذلك النور ينتقل من الأصلاب والأرحام من صلب إلى صلب، ولا استقر في صلب إلا تبين عن الذي انتقل منه انتقالها، وشرف الذي استقر فيه، حتى صار في عبد المطلب، فوقع بأم عبد الله فاطمة فافترق النور جزئين: جزء في عبد الله، وجزء في أبي طالب، فذلك قوله تعالى: * (وتقلبك في الساجدين) *(8) يعني في أصلاب النبيين وأرحام نسائه فعلى هذا أجرانا الله تعالى في الأصلاب، والأرحام حتى أجرانا في أوان عصرنا وزماننا، فمن زعم أنا لسنا ممن جرى في الأصلاب والأرحام وولدنا الآباء والأمهات فقد كذب "(9).

الثامن: الشيخ الطوسي في (مصابيح الأنوار) عن أنس بن مالك قال: صلى بنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بعض الأيام صلاة الفجر، ثم أقبل علينا بوجهه الكريم فقلت: يا رسول الله إن رأيت أن تفسر لنا قول الله عز وجل * (أولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا) *(10) فقال - (صلى الله عليه وآله) -: " أما النبيون فأنا، وأما الصديقون فأخي علي بن أبي طالب، وأما

____________

(1) أراد بذلك قربهم المعنوي إلى الله تعالى.

(2) في البحار: بأخذ الميثاق منهم له بالربوبية.

(3) إشارة إلى قوله تعالى: * (وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى) *.

(4) في البحار: فنحن أول خلق الله.

(5) الصافات: 165 - 166.

(6) الزخرف: 81.

(7) في البحار: ثم أودعنا بذلك النور صلب آدم.

(8) الشعراء: 219.

(9) بحار الأنوار 25 / 17 - 20.

(10) النساء: 68.

الصفحة 43   

الشهداء فعمي حمزة، وأما الصالحون فابنتي فاطمة وولداها الحسن والحسين ".

قال: وكان العباس حاضرا فوثب وجلس بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال: ألسنا أنا وأنت وعلي وفاطمة والحسن والحسين من نبعة واحدة؟ قال: " وكيف ذلك يا عم "؟. قال العباس: لأنك تعرف بعلي وفاطمة والحسن والحسين دوننا فتبسم النبي وقال: " أما قولك يا عم ألسنا نبعة واحدة فصدقت ولكن يا عم، إن الله خلقني وعليا وفاطمة والحسن والحسين قبل أن يخلق الله آدم حيث لا سماء مبنية ولا أرض مدحية ولا ظلمة ولا نور، ولا جنة ولا نار، ولا شمس ولا قمر ".

قال العباس: وكيف كان بدؤ خلقكم يا رسول الله؟

قال: " يا عم لما أراد الله أن يخلقنا تكلم بكلمة خلق منها نورا ثم تكلم بكلمة فخلق منها روحا فمزج النور بالروح فخلقني وأخي عليا وفاطمة والحسن والحسين فكنا نسبحه حين لا تسبيح، ونقدسه حين لا تقديس، فلما أراد الله أن ينشئ الصنعة فتق نوري فخلق منه العرش، فالعرش من نوري ونوري من نور الله، ونوري أفضل من العرش.

ثم فتق نور أخي علي بن أبي طالب فخلق منه الملائكة فالملائكة من نور علي ونور علي من نور الله، وعلي أفضل من الملائكة.

ثم فتق نور ابنتي فاطمة فخلق منه السماوات والأرض فالسماوات والأرض من نور ابنتي ونور ابنتي فاطمة من نور الله عز وجل، وابنتي فاطمة أفضل من السماوات والأرض.

ثم فتق نور ولدي الحسن وخلق منه الشمس والقمر، فالشمس والقمر من نور ولدي الحسن، ونور ولدي الحسن من نور الله، والحسن أفضل من الشمس والقمر، ثم فتق نور ولدي الحسين فخلق منه الجنة والحور العين فالجنة والحور العين من نور ولدي الحسين، ونور ولدي الحسين من نور الله، وولدي أفضل من الجنة والحور العين.

ثم أمر الله الظلمات أن تمر بسحائب الظلم فاظلمت السماوات على الملائكة فضجت الملائكة بالتسبيح والتقديس وقالت: إلهنا وسيدنا مذ خلقتنا وعرفتنا هذه الأشباح لم نر بؤسا فبحق هذه الأشباح إلا ما كشفت عنا هذه الظلمة، فأخرج الله من نور ابنتي فاطمة قناديل فعلقها في بطنان العرش فأزهرت السماوات والأرض، ثم أشرقت بنورها، فلأجل ذلك سميت الزهراء، فقالت الملائكة: إلهنا وسيدنا لمن هذا النور الزاهر الذي أشرقت به السماوات والأرض؟ فأوحى الله إليها هذا نور اخترعته من نور جلالي لأمتي فاطمة بنت حبيبي، وزوجة وليي، وأخ نبيي، وأب حججي على عبادي، أشهدكم يا ملائكتي أني قد جعلت ثواب تسبيحكم وتقديسكم لهذه

الصفحة 44   

المرأة وشيعتها ومحبيها إلى يوم القيامة ".

فلما سمع العباس من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وثب قائما وقبل ما بين عيني علي (عليه السلام) وقال: والله أنت يا علي الحجة البالغة لمن آمن بالله واليوم الآخر(1).

التاسع: شرف الدين النجفي في كتاب (تأويل الآيات الباهرة في فضائل العترة الطاهرة) قال:

روي الشيخ محمد بن الحسن، عن محمد بن وهبان، عن أبي جعفر محمد بن علي بن رحيم، عن العباس بن محمد، قال: حدثني أبي، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة قال: قال: حدثني أبي، عن أبي نصير يحيى بن أبي القاسم قال: سأل جابر ابن يزيد الجعفي جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) عن تفسير هذه الآية: * (وإن من شيعته لإبراهيم) *(2) فقال (عليه السلام): " إن الله سبحانه لما خلق إبراهيم (عليه السلام) كشف له عن بصره فنظر فرأى نورا إلى جنب العرش فقال: إلهي ما هذا النور؟ فقيل: هذا نور محمد صفوتي من خلقي، ورأى نورا إلى جنبه فقال: إلهي وما هذا النور؟ فقيل له: هذا نور علي ابن أبي طالب ناصر ديني، ورأى إلى جنبيهما ثلاثة أنوار فقال: إلهي وما هذه الأنوار؟ فقيل: هذه فاطمة فطمت محبيها من النار، ونور ولديها الحسن والحسين فقال: إلهي وأرى تسعة أنوار قد حفوا بهم؟ قيل: يا إبراهيم هؤلاء الأئمة من ولد علي وفاطمة، فقال إبراهيم: إلهي بحق هؤلاء الخمسة إلا ما عرفتني من التسعة؟ قيل: يا إبراهيم، أولهم علي بن الحسين وابنه محمد، وابنه جعفر، وابنه موسى، وابنه علي، وابنه محمد، وابنه علي، وابنه الحسن والحجة القائم ابنه، فقال إبراهيم: إلهي وسيدي أرى أنوارا قد أحدقوا بهم لا يحصي عددهم إلا أنت؟ قيل: يا إبراهيم هؤلاء شيعتهم، شيعة علي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فقال إبراهيم: وبما تعرف شيعته؟

قال: بصلاة الإحدى وخمسين، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، والقنوت قبل الركوع، والتختم في اليمين، فعند ذلك قال إبراهيم: اللهم اجعلني من شيعة أمير المؤمنين، قال فأخبر الله في كتابه فقال: * (وإن من شيعته لإبراهيم) *(3).

العاشر: ابن بابويه في (كتاب النصوص على الأئمة الاثني عشر) قال: حدثنا أبو الحسن علي بن الحسين بن محمد قال: حدثنا أبو محمد هارون بن موسى في شهر ربيع الأول سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة، قال: حدثني أبو علي محمد بن همام قال: حدثني أبو علي بن كثير(4) البصري قال:

____________

(1) بحار الأنوار 25 / 16. باختلاف في اللفظ.

(2) الصافات: 37.

(3) بحار الأنوار 36 / 151.

(4) في المخطوط: عامر بن كثير.

الصفحة 45   

حدثني الحسن بن محمد بن أبي شعيب الحراني قال: حدثنا سكين بن كثير(1) أبو بسطام، عن شعبة بن الحجاج، عن هشام بن زيد عن أنس بن مالك.

قال هارون: وحدثنا حيدر بن محمد نعيم السمرقندي، قال: حدثنا أبو النضر محمد بن مسعود العياشي، عن يوسف بن السحت البصري، قال: حدثنا منجاب بن الحرث، قال: حدثنا محمد بن بشار، عن محمد بن جعفر عبد ربه قال: حدثنا شعبة، عن هشام بن زيد عن أنس بن مالك قال: كنت أنا، وأبو ذر وسلمان، وزيد بن ثابت، وزيد بن أرقم عند النبي (صلى الله عليه وآله) إذ دخل الحسن والحسين، فقبلهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقام أبو ذر فانكب عليهما وقبل أيديهما، ثم رجع فقعد معنا، فقلنا له سرا: يا أبا ذر أنت رجل شيخ من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) تقوم إلى صبيين من بني هاشم فتنكب عليهما وتقبل أيديهما؟! فقال: نعم لو سمعتم ما سمعت فيهما من رسول الله (صلى الله عليه وآله) لفعلتم بهما أكثر مما فعلت، قلنا: وماذا سمعت يا أبا ذر؟ قال: سمعته يقول لعلي ولهما: " والله(2) لو أن رجلا صلى وصام حتى يصير كالشن البالي إذا ما نفع(3) صلاته وصومه إلا بحبكم، يا علي من توسل إلى الله عز وجل بحبكم فحق على الله أن لا يرده، يا علي من أحبكم وتمسك بكم فقد تمسك بالعروة الوثقى ".

قال: ثم قام أبو ذر وخرج وتقدمنا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقلنا: يا رسول الله أخبرنا أبو ذر عنك بكيت وكيت، فقال: " صدق أبو ذر، والله ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر "، ثم قال (صلى الله عليه وآله): " خلقني الله تبارك وتعالى وأهل بيتي من نور واحد قبل أن يخلق آدم بتسعة(4) آلاف عام، ثم نقلنا إلى صلب آدم (عليه السلام)، ثم نقلنا من صلب آدم إلى أصلاب الطاهرين، وإلى أرحام الطاهرات ".

قلنا يا رسول الله: فأين كنتم؟ وعلى أي مثال كنتم؟ قال: " كنا أشباحا من نور تحت العرش نسبح الله ونحمده(5)، ثم قال (صلى الله عليه وآله) لما عرج بي إلى السماء وبلغت سدرة المنتهى ودعني جبرائيل (عليه السلام) فقلت حبيبي جبرائيل أفي مثل هذا المقام تفارقني؟. فقال: يا محمد إني لا أجاوز هذا الموضع(6) فتحترق أجنحتي، ثم زخ(7) بي في النور ما شاء الله، فأوحى الله إلي يا محمد إني اطلعت إلى

____________

(1) في المخطوط: مسكين بن كثير.

(2) في الإرشاد، والبحار: يا علي والله.

(3) في الإرشاد والبحار: ما تنفعه.

(4) في الإرشاد والبحار: بسبعة.

(5) في البحار وإرشاد القلوب: نقدسه ونمجده.

(6) في البحار وإرشاد القلوب: إني لا أجوزه.

(7) زخ به: أي دفع ورمى.

الصفحة 46   

الأرض اطلاعة فاخترتك منها فجعلتك نبيا ثم اطلعت ثانية فاخترت منها عليا وجعلته وصيك ووارث علمك والإمام من بعدك، وأخرج من أصلابكما الذرية الطاهرة والأئمة المعصومين خزان علمي فلولاكم ما خلقت الدنيا ولا الآخرة، ولا الجنة ولا النار، يا محمد أتحب أن تراهم؟ قلت: نعم يا رب، فنوديت يا محمد إرفع رأسك فرفعت رأسي، وإذا بأنوار علي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والحجة يتلألأ من بينهم(1) كأنه كوكب دري فقلت: يا رب من هؤلاء ومن هذا؟ قال: يا محمد هم الأئمة من بعدك والمطهرون من صلبك وهذا الحجة الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا ويشفي صدر قوم مؤمنين ".

قلنا: بآبائنا وأمهاتنا أنت يا رسول الله لقد قلت عجبا!

فقال (صلى الله عليه وآله) وأعجب من هذا أن أقواما يسمعون مني(2) هذا ثم يرجعون على أعقابهم بعد إذ هداهم الله ويؤذوني فيهم، ما لهم لا أنالهم الله شفاعتي(3).

الحادي عشر: ابن بابويه من (النصوص) أيضا قال: أخبرنا أبو عبد الله أحمد بن محمد بن عبد الله، قال: حدثنا أبو طالب عبد الله بن أحمد بن يعقوب بن نصر الأنباري، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن مسروق قال: حدثنا عبد الله بن شعيب قال: حدثنا محمد بن زياد التميمي(4) قال: حدثنا سفيان بن عيينة قال: حدثنا عمران بن داود قال: حدثنا محمد بن الحنفية قال: قال أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: " قال الله تبارك وتعالى: لأعذبن كل رعية دانت بطاعة إمام ليس مني وإن كانت الرعية في نفسها برة، ولأرحمن كل رعية دانت بإمام عادل مني وإن كانت الرعية في نفسها غير برة ولا تقية "، ثم قال: " يا علي أنت الإمام والخليفة بعدي، حربك حربي وسلمك سلمي، وأنت أبو سبطي، وزوج ابنتي، من ذريتك الأئمة المطهرون، فأنا سيد الأنبياء وأنت سيد الأوصياء، وأنا وأنت من شجرة واحدة، ولولانا لم يخلق الله الجنة ولا النار ولا الأنبياء ولا الملائكة ".

قال: قلت: يا رسول الله فنحن أفضل من(5) الملائكة؟ قال: " يا علي نحن خير خليقة الله على

____________

(1) في إرشاد القلوب: والحجة بن الحسن يلألأ وجهه من بينهم نورا.

(2) في البحار وإرشاد القلوب: يسمعون مني هذا الكلام.

(3) بحار الأنوار 36 / 301، إرشاد القلوب 2 / 205.

(4) في البحار: السهمي.

(5) في البحار: أم.

الصفحة 47   

بسيط الأرض، وخير من الملائكة المقربين، وكيف لا نكون خيرا منهم وقد سبقناهم إلى معرفة الله وتوحيده؟ فبنا عرفوا الله، وبنا عبدوا الله، وبنا اهتدوا السبيل إلى معرفة الله.

يا علي أنت مني وأنا منك، وأنت أخي ووزيري، فإذا مت ظهرت لك ضغائن في صدور قوم وستكون بعدي فتنة صماء صيلم(1) يسقط فيها كل وليجة وبطانة، وذلك عند فقدان شيعتك الخامس من ولد السابع من ولدك، يحزن لفقده أهل الزمان والأرض(2) فكم مؤمن ومؤمنة متأسف ومتلهف حيران عند فقده ".

ثم أطرق مليا ثم رفع رأسه وقال: " بأبي وأمي سميي وشبيهي وشبيه موسى بن عمران عليه جيوب النور - أو قال: جلابيب النور - يتوقد من شعاع القدس، كأني بهم آيس ما كانوا، ثم ينادي بنداء يسمعه من البعيد كما يسمعه من القريب(3) يكون رحمة على المؤمنين وعذابا على المنافقين، قلت: وما ذاك النداء؟ قال: ثلاثة أصوات في رجب: أولها، ألا لعنة الله على الظالمين، والثاني: أزفت الآزفة، والثالث يرون بدنا بارزا مع قرن الشمس ينادي: ألا إن الله قد بعث فلان بن فلان حتى ينسبه إلى علي (عليه السلام) فيه هلاك الظالمين، فعند ذلك يأتي الفرج، ويشفي الله صدورهم ويذهب غيظ قلوبهم، قلت: يا رسول الله فكم يكون بعدي من الأئمة؟ قال: بعد الحسين تسعة والتاسع قائمهم "(4).

الثاني عشر: الشيخ الثقة محمد بن العباس بن ماهيار صاحب التفسير في (ما نزل في القرآن في أهل البيت) قال: حدثنا عبد العزيز بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن عمر بن يونس الحنفي اليماني(5)، عن داود بن سليمان المروزي، عن الربيع بن عبد الله الهاشمي، عن أشياخ من آل(6) علي بن أبي طالب قالوا: قال علي (عليه السلام) في بعض خطبه: " إنا آل محمد كنا أنوارا حول العرش فأمرنا الله تعالى بالتسبيح فسبحنا وسبحت الملائكة بتسبيحنا، ثم أهبطنا إلى الأرض فأمرنا بالتسبيح فسبحنا فسبح أهل الأرض بتسبيحنا * (فإنا لنحن الصافون، وإنا لنحن المسبحون) *(7) ".

ومن ذلك ما روي مرفوعا عن محمد بن زياد: قال سأل ابن مهران عبد الله بن العباس عن تفسير

____________

(1) الأمر الشديد والداهية.

(2) في البحار: أهل الأرض والسماء.

(3) في البحار: يسمعه من البعد كما يسمعه من القرب.

(4) بحار الأنوار: 36 / 337.

(5) في البحار: اليمامي.

(6) في البحار: من آل محمد عن علي.

(7) الصافات 165 - 166، والحديث رواه المجلسي في البحار: 24 / 88، عن كنز جامع الفوائد.

الصفحة 48   

قوله تعالى: * (وإنا لنحن الصافون، وإنا لنحن المسبحون) * فقال ابن عباس: إنا كنا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأقبل علي بن أبي طالب (عليه السلام) فلما رآه النبي (صلى الله عليه وآله) تبسم في وجهه وقال: " مرحبا بمن خلقه الله قبل آدم بأربعين ألف عام " فقلت: يا رسول الله أكان الابن قبل الأب؟ فقال: " نعم إن الله تعالى خلقني وخلق عليا قبل أن يخلق آدم بهذه المدة، خلق نورا فقسمه نصفين فخلقني من نصفه وخلق عليا من النصف الآخر قبل الأشياء كلها، ثم خلق الأشياء فكانت مظلمة فنورها من نوري ونور علي. ثم جعلنا عن يمين العرش، ثم خلق الملائكة فسبحنا وسبحت الملائكة، وهللنا وهللت الملائكة وكبرنا فكبرت الملائكة فكان ذلك من تعليمي وتعليم علي، وكان ذلك في علم الله السابق(1) أن لا يدخل النار محب لي ولعلي، ولا يدخل(2) الجنة مبغض لي ولعلي، ألا وإن الله عز وجل خلق ملائكة بأيديهم أباريق اللجين مملوءة من ماء الجنة من الفردوس، فما من أحد من شيعة علي إلا وهو طاهر الوالدين تقي تقي، مؤمن بالله، فإذا أراد أب واحدهم(3) أن يواقع أهله جاء ملك من الملائكة الذين بأيديهم أباريق ماء الجنة فيطرح(4) من ذلك الماء في آنيته التي يشرب منها(5) فيشرب من ذلك الماء فينبت الإيمان في قلبه كما ينبت الزرع، فهم على بينة من ربهم ومن نبيهم ومن وصيه علي ومن ابنتي الزهراء، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم الأئمة من ولد الحسين ".

فقلت: يا رسول الله ومن هم الأئمة؟(6) قال: " أحد عشر(7) وأبوهم علي بن أبي طالب، ثم قال النبي (صلى الله عليه وآله) الحمد لله الذي جعل محبة علي والإيمان سببين - يعني سببا لدخول الجنة وسببا للفوز من النار -(8).

الثالث عشر: محمد بن يعقوب عن أحمد بن إدريس، عن الحسين بن عبد الله، عن محمد بن عيسى، ومحمد بن عبد الله، عن علي بن حديد، عن مرازم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال الله تبارك وتعالى: " يا محمد إني خلقتك وعليا نورا يعني روحا بلا بدن قبل أن أخلق سماواتي وأرضي

____________

(1) في البحار: أن الملائكة تتعلم منا التسبيح والتهليل، وكل شئ يسبح الله ويكبره ويهلله بتعليمي وتعليم علي، وكان في علم الله السابق.

(2) في البحار: وكذا كان في علمه أن لا يدخل.

(3) في إرشاد القلوب: فإذا أراد أحدهم.

(4) في البحار: فقطر.

(5) في البحار وإرشاد القلوب: في إنائه الذي يشرب فيه.

(6) في البحار: كم هم.

(7) في البحار: أحد عشر مني.

(8) بحار الأنوار: 24 / 88 و: 26 / 245، إرشاد القلوب 2 / 195 ط بيروت.

الصفحة 49   

وعرشي وبحري فلم تزل تهللني وتمجدني، ثم جمعت روحيكما فجعلتهما واحدة فكانت تحمدني وتقدسني وتهللني وتمجدني، ثم قسمتها ثنتين وقسمت الثنتين ثنتين فصارت أربعة محمد واحد وعلي واحد والحسن والحسين ثنتان، ثم خلق الله فاطمة من نور ابتدأها روحا بلا بدن، ثم مسحنا بيمينه فأفضى نوره فينا "(1).

الرابع عشر: الشيخ في أماليه قال: أخبرنا الحسين بن عبيد الله الغضائري عن علي بن محمد العلوي، قال: حدثنا الحسين بن علي بن صالح بن شعيب الجوهري، قال: حدثنا محمد بن يعقوب الكليني، عن محمد بن محمد، عن إسحاق بن إسماعيل النيسابوري، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام) قال: حدثنا الحسن بن علي صلوات الله عليه قال: سمعت جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: " خلقت من نور الله عز وجل وخلق أهل بيتي من نوري وخلق محبيهم من نورهم، وسائر الخلق في النار "(2).

____________

(1) أصول الكافي 1 / 440.

(2) بحار الأنوار 15 / 20.