فصل في اعتراض كلامه في الأفضل

الصفحة 173 

فصل في اعتراض كلامه في الأفضل (1)

إعلم أنه قد بني هذا الفصل على أن العقل لا يدل على كون الإمام أفضل، وعلى أن هذه الصفة غير واجبة لمن كان إماما، وأن المرجع في أنها مراعاة وغير مراعاة إلى الشرع وأدلته، وهذا بناء منه على فساد وتفريع على خطأ، لأنا قد بينا فيما سلف من هذا الكتاب أن العقل دال على أن الإمام لا يكون إلا الأفضل وأن الشرع لا مدخل له في هذا الباب، وقد كان من حقنا أن نتجاوز هذا الفصل من كلامه لكنا نتكلم على نكت منه، ففي الكلام عليها ضرب من الفائدة.

أما استدلاله على أن الفضل في غالب الظن، وفي الظاهر غير معتبر في الإمام بقول عمر لأبي عبيدة: امدد يدك أبايعك، مع ظهور فضل أبي بكر على أبي عبيدة، وتأويله قول أبي عبيدة في جوابه: ما لك في الاسلام فهة (2) غيرها، على أنه لم يرد بذلك الخطأ في الدين، بل أراد الزلل في الرأي والتدبير، واستدلاله على صحة تأويله بأن أبا عبيدة كان يجوز الخطأ في الدين على عمر بعد الاسلام، فلا يجوز أن يريد بهذا النفي

____________

(1) لخص المرتضى ما قاله قاضي القضاة في هذا الفصل وهي في " المغني " من ص 215 إلى 234.

(2) الفهة: السقطة والجهلة ونحوها.

الصفحة 174 

الخطأ في الدين على عمر، وبأن هذا الانكار لو كان لأجل فضل أبي بكر لكان عمر أعرف بذلك من أبي عبيدة، فكيف يخفى عليه منه ما يظهر لأبي عبيدة؟ قال: (إنما أراد أبو عبيدة ما لأبي بكر من المزية في سكون الناس (1) إليه، أو مزيته في الأخبار (2) المأثورة فيه نحو قوله: (إن وليتم أبا بكر)، وقوله (اقتدوا باللذين من بعدي) فباطل لا شبهة في تهافته، لأنه ليس يكون في الانكار ما هو أبلغ من قول أبي عبيده لعمر ما قاله له، وحمل ذلك على الخطأ في الرأي دون الدين باطل، لأن إضافة الفهة إلى الاسلام تدل على أنها خطأ في الدين دون التدبير، ولأن إطلاق لفظ الخطأ في عرف الشرع لا يحمل إلا على الدين، وإنما يعدل به إلى التدبير في بعض المواضع لدلالة.

فأما تصحيحه لتأويله بأن أبا عبيدة كان يجوز الخطأ على عمر بعد الاسلام، فطريف لأنه وإن كان يجوز ذلك عليه فليس يمتنع أن يكون أبو عبيدة لم يظهر له من عمر خطأ بعد الاسلام إلا ما دعاه إليه من المبايعة، وإن كان لا يجوز الخطأ عليه فليس في تجويز الشئ دلالة على وقوعه وظوره.

وقوله - " إن عمر كان أعلم بفضل أبي بكر من أبي عبيدة، فكذلك عمر كان أعلم بمزية أبي بكر في سكون الناس إليه والأخبار المأثورة فيه من أبي عبيدة " فكيف جاز أن يقول ما قاله فليس له في هذا الباب إلا مثل ما عليه، لأنه إن جاز له أن يدعي أن مزية أبي بكر فيما بينه من السكون وغيره وخفيت على عمر جاز لخصمه أن يدعي أن مزيته في الفضل خفيت على عمر، وإن قال: إن ذلك لم يخف عليه، وإنما عرض البيعة على أبي

____________

(1) في النفوس، خ ل.

(2) غ " أو ما له مزية في الأخبار ".

الصفحة 175 

عبيدة لوجه من الوجوه، قيل له: فأجز أن يكون عالما بالفضل والمزية معا، وإنما عرض البيعة للوجه الذي نذكره.

فأما ارتضاؤه في علة تقديم أبي بكر للإمامة مبادرة إطفاء الفتنة المتخوفة عقيب موت الرسول صلى الله عليه وآله لما كان من الأنصار، وأن تأخير العقد في تلك الحال كان يؤدي إلى أمور يبعد تلافيها فلهذا قدموا المفضول على الفاضل، فأول ما يقال له في ذلك: لسنا نرضى منك بادعاء فتنة لم تظهر أسبابها، ولم تقو إمارتها، ولم تلح دلالتها، حتى يجعل ذلك ذريعة إلى دفع الفاضل عن مقامه، فأشر إلى هذه الفتنة التي ادعيتها، وزعمت أنها كانت متخوفة، فإن أشاروا إلى ما كان من الأنصار من حضور السقيفة، وجذب الأمر إلى جهتهم، فهذا لم يكن من الأنصار ابتداء حتى يحمل على تقديم المفضول على الفاضل، والمعروف في الرواية أن النفر من المهاجرين ابتدؤا بحضور السقيفة فبلغ الأنصار أن المهاجرين قد اجتمعوا للخوض في باب الإمامة فصاروا إلى السقيفة وجرى بينهم ما جرى، على أن الأنصار لم يكونوا عندكم ممن يرتكب العناد، ويحمله اللجاج على خلاف الرسول صلى الله عليه وآله ولم يحضروا السقيفة للمغالبة والمجاذبة، وإنما حضروا للتدبير والمشاورة، ولهذا يقولون إنهم رجعوا عند رواية الخبر المتضمن لإخراجهم من نصاب الإمامة، وسلموا وانقادوا وأذعنوا ولم يبق منهم من هو مقيم على الخلاف إلا واحد يدعي قوم استمراره على الخلاف، وتنفون أنتم ذلك عنه، فأي فتنة تتخوف ممن هذه حاله في الإمامة، وطلب السلامة، والانقياد للحق.

فأما ما لا يزال يقول مخالفونا في هذا الموضع من أن العقد إنما بودر إليه خوفا من فتنة المنافقين الذين كانوا في خلال المؤمنين، يتربصون بهم الدوائر، فإن موت رسول الله صلى الله عليه وآله قوي في نفوسهم وشد من

____________

(1) المراد به سعد بن عبادة.

الصفحة 176 

أطماعهم، فلم يكن يؤمن من جهتهم لو لم يبادروا بالعقد من الفتنة ما لا يتلافى، فأوضح فسادا مما تقدم، لأنه دعوى لا شاهد عليها واخبار على الحال بما لم يظهر له دلالة، ولا إمارة لأنه لم يكن في تلك الحال في المدينة من المنافقين من يعبأ به، ويعتد بمكانه، وإنما كان هناك النفسان والثلاثة ممن قد قمعه عز الاسلام، وطأطأ رأسه، وفل حده، وجعله مغمورا مقهورا لا ملجأ له يأوي إليه، ولا فئة يستنصر بها وقبض الرسول صلى الله عليه وآله والاسلام ممتد الاطناب، مستبد (1) الأصحاب كثير العدد، قوي العدد، ولم يكن للنفاق ولأهله صولة ولا للباطل ولا لأهله دولة، فأي فتنة تتخوفها الألوف الكثيرة من ذوي البأس والغلبة، والتمكن في الاسلام من نفر يسير حقير لا بطش لهم ولا منة؟ وهذا قول يرغب بأهل العلم والعقل عن الاعتماد عليه، والاعتلال في هذا الأمر الجليل بمثله.

ثم يقال لصاحب الكتاب: إذا جاز أن يحمل خوف الفتنة على تأخير المقدم وتقديم المؤخر في باب الفضل فألا جاز أن يحمل خوف الفتنة على العقد للفاسق؟ أو لمن لا علم له جملة ولا فضل، أو لمن هو في أدنى طبقات العلم والفضل، فلا يكون أفضل، ولا كالأفضل.

فإن قال: لأن كونه أفضل ليس من الشرائط الواجبة التي لا بد منها، وإنما هو كالترجيح، وكونه عدلا من الشروط الواجبة كذلك كونه ذا حظ من العلم.

قيل له: هذا اقتراح لا فرق بينك وبين من عكسه، وقال: إن الفضل هو الذي لا بد منه، وإن العدالة هي التي تجري مجرى الترجيح.

____________

(1) لعلها " مسند " أي مستقيم أو " مشتد " بمعنى قوي، وإن ل " مستبد " وجه بمعنى متباعد ويريد به الكثرة والسعة ولكنه بعيد.

الصفحة 177 

وبعد، فاجز على موجب هذا الفرق أن يعقد في حال الضرورة لمن هو خال من العلم جملة، وإن كان عدلا.

فإن قال: فكأنكم بطعنكم على الوجه الذي اخترناه في علة تقديم أبي بكر مصوبون لمن اعتل في تقديمه بأنه كان أفضلهم من حيث لم يكن بأعزهم عشيرة، ولا بأكثرهم مالا.

قلنا: أليس يجب من حيث طعنا على بعض العلل أن نكون مصوبين لغيرها، وكل ما حكيته من التعليل فاسد عندنا، لأنه مبني على أن الاختيار كان صوابا صحيحا، وإنما الخلاف في علة تقديم المفضول على الفاضل ونحن إن لا نقول بصحة ذلك الاختيار وصوابه فنحتاج إلى ذكر علته وعندنا أنه كان فاسدا وإنما حمل قوما عليه الحمية والعصبية، وانقاد آخرون للشبهة، وأمسك الباقون للتقية، فلا معنى للكلام في طلب العلل، وهذا المعنى قد مضى فيه كلام كثير وسيأتي فيه كلام آخر عند الحاجة إليه بعون الله تعالى.

ثم ذكر صاحب الكتاب الخلال التي تقدم المفضول على الفاضل لأجلها في كلام طويل جملته أنه عد من جملة ذلك أن تكون بعض الشرائط التي يحتاج إليها في الإمامة مفقودة في الفاضل، موجودة عند المفضول، كالعلم والمعرفة بالسياسة، أو يكون الفاضل عبدا أو ضريرا أو زمنا أو شديد الجبن والجزع، أو يكون الأفضل من غير قريش، أو يكون المفضول مشتهر الفضل عند العامة والخاصة، والأفضل خفي الفضل، أو يعرف من انقياد الناس للمفضول، وسكونهم إليه، واستنامتهم (1) إلى ولايته ما لا يعرف في الفاضل، أو يكون المفضول في البلد الذي مات فيه

____________

(1) استنام إلى الشئ سكن واطمأن.

الصفحة 178 

الإمام، فيخاف من تأخير العقد وإرجائه إلى أن يحضر الفاضل البعيد الدار من فتنة، واضطراب، أو يكون في الفاضل صوارف ليست مثلها في المفضول كالعجلة والحدة، والبخل الشديد، وما أشبه ذلك (1).

يقال له: إن من كان ناقص العلم والسياسة أو مفقود الشجاعة، أو معروفا بالحدة والعجلة، والبخل الشديد، فليس الأفضل بالإطلاق، وإنما أوجبنا الإمامة لمن كان أفضل في كل الخلال المراعاة في باب الإمامة، فمن كان أفضل في شئ ومفضولا في غيره لم يكن الأفضل بالإطلاق.

فإذا قال لنا قائل: أفرأيتم لو اتفق أن يكون الأفضل في العبادة والثواب ناقصا في العلم والسياسة، ويكون الأفضل في السياسة والعلم مفضولا في الثواب والعبادة، من الذي ينصب إماما منهما.

قلنا: متى لم يكن الأفضل في سائر الخلال واحدا، وانقسم الفضل القسمة التي ذكرها السائل، وجب أن ينصب الفاضل في العبادة، والناقص في السياسة، إماما لمن كان دونه في كل ذلك، وينصب الفاضل في السياسة المفضول في الثواب والعبادة إماما لمن كان أيضا دونه في كل ذلك، ولا يقدم المفضول على الفاضل فيما كان أفضل منه فيه، وليس ينكر ما ذكرناه لأن اختصاص ولاية الإمام بفريق دون فريق من طريق العقل جائز، ولا يمتنع أيضا لو اتفق ما ذكروه أن يجعل الفاضل في العبادة إماما للمفضول فيها، والفاضل في السياسة إماما للمفضول، وهذا أيضا غير منكر.

فأما ظهور الفضل عند العامة والخاصة، فليس بعلة توجب تقديم

____________

(1) انظر المغني 20 ق 1 / 230 علما بأن ما في المتن تلخيص لما هناك.

الصفحة 179 

المفضول على الفاضل، لأن ذلك لو جاز أن يكون علة لجاز أن يقدم من كان قليل العلم نزر المعرفة (1) بالأحكام، إلا أن حاله منتشرة عند العامة على الأفضل في العلم المبرز في العلم بالأحكام، فلما كان لا اعتبار بما عند العامة، وما يظهر لهم في باب العلم لم يكن أيضا بما عندهم اعتبار في باب الفضل، وهذا إنما يصح أن يراعيه ويجعله علة من يذهب إلى أن نصب الإمام باختيار الأمة، فتعتبر في صفاته ما يظهر لها، فأما على المذهب الصحيح الذي دللنا فيما تقدم عليه من أن الإمامة لا تكون إلا بنص الله تعالى فلا يجب اعتبار ذلك.

فأما الاستنامة والسكون والانقياد للمفضول، والانحراف عن الفاضل، والنفور عن ولايته فليس يجوز أن يكون علة في تقديم المفضول وتأخير الفاضل لأن الاستنامة والسكون إذا كانا إلى من لم تتكامل صفاته، أو من كان غيره أحق منه وأولى بالتقديم لم يكن بهما اعتبار، ألا ترى إن الناس لو سكنوا إلى الفاسق، ومن لا علم عنده بشئ من الأحكام، ونفروا عن العدل العالم بالأحكام لم يكن ذلك علة في تقديم الفاسق الجاهل، وتأخير العدل العالم، على أن صاحب الكتاب كأنه ناقض لهذا الموضع بقوله بعد هذا الفصل: " ولذلك قال شيخنا أبو علي: إن نفور الناس عن أمير المؤمنين عليه السلام لما كان منه من قتل الأقارب " لا يعد علة بها يقدم الغير عليه، لأن ذلك من عظيم مناقبه في الدين، وأقوى ما يدل على شدته في ذات الله تعالى.

قال: " وعلى هذا الوجه حمل ما ذكر من فظاظة عمر وحدته لأن ذلك كان في ذات الله تعالى وفي دينه، فما حل هذا المحل لا يجوز تقديم

____________

(1) نزر المعرفة: قليلها.

الصفحة 180 

المفضول على الفاضل (1)) وهذا كما ترى كلام من لا يراعي أسباب النفار والسكون، ويعتبر بما كان له سبب مؤثر في حال من يختار للإمامة ولا يعتبر ما لم يكن مؤثرا في حاله بل كان ما أوجب النفار عنه رافعا لمنزلته، ومقدما لرتبته.

فأما كون المفضول في البلد الذي مات فيه الإمام وبعد دار الفاضل، وخوف الفتنة من تأخير العقد، فإنما يصح له أيضا أن يكون سببا عند من جعل الإمامة بالاختيار، وذلك فاسد، على أنه يوجب أن يعقد للفاسق، والخالي من كل علوم الدين إذا كان في البلد الذي توفي فيه الإمام وخيفت الفتنة من تأخير العقد، وهذا مما لا فضل فيه.

ثم قال صاحب الكتاب: " فإن قيل: إن كان الأفضل أولى بالإمامة فيجب بعد العقد للإمام الذي هو الأفضل إذا صار غيره أفضل منه أن يعقد له وينقض عقد الأول " ثم قال: " قيل له: لا يمتنع في هذا الشرط أن يعتبر في الأول على بعض الوجوه، ولا يعتبر بعد ذلك لأن كثيرا من الأحكام قد تعرض ولا يمنع من صحة العقد، وإن كان في الابتداء يمنع منه كالعلة (2) التي تطرأ على النكاح فلا تمنع من صحته، وإن منعت في الابتداء إلى غير ذلك فهو موقوف على الدلالة، وقد ثبت بالدليل أن عقد الإمام لا ينقض بذلك، وهو الإجماع، على أن شيخنا أبا علي قد ذكر فيما أظن أن الإمام إذا كف بصره لا يفسخ إمامته وإنما ينوب عنه غيره وهو على جملة الإمامة فلم ينقض عقد الإمامة لهذه الخلة، وهو في باب المنع أقوى من كون المفضول مفضولا... " (3).

____________

(1) غ " تقديم المفضول عليه ".

(2) غ " كالعدة ".

(3) المغني 20 ق 1 / 231.

الصفحة 181 

يقال له: السؤال لازم، ولم يجب عنه بشئ مقنع، والذي يؤكده أن كل شئ جعل مانعا من العقد للإمام ابتداء، فهو متى عرض بعد العقد صار سببا للفسخ وتغيرت الإمامة (1)، ألا ترى أن العدالة لما أن كانت مطلوبة، وكان الفسق مانعا من العقد ابتداء فكذلك لو ظهر الفسق بعد العقد، وتغيرت العدالة كان ذلك يوجب الفسخ، وكذلك العلم المخصوص لما كان فقده مانعا من ابتداء العقد منع أيضا لو قدرنا أن الخروج عن العلم يعرض في المستقبل، إما بنسيان أو غيره وسائر الشروط المراعاة ابتداء هي مراعاة مع الاستمرار، فكيف خرج الفضل في هذه القضية عن سائر الصفات؟ والذي ذكره من العلة في النكاح لا ينفعه شيئا، لأنا لم نقل كل أمر منع في كل عقد ابتداء منع عارضا، وإنما خصصنا بذلك الإمامة دون غيرها.

وأما ادعاؤه الإجماع على أن عقد الإمامة لا ينقض بذلك، فباطل لأنا خارجون عن هذا الإجماع، وعندنا أن الإمامة لو كانت بالاختيار، وكان الفضل فيها مراعى ابتداء لوجب أن يكون مراعى في المستقبل، ويجب أن تنقض إمامة من صار مفضولا كما يمنع من العقد للمفضول.

فأما ما حكاه عن أبي علي في الإمام إذا كف بصره، فإن كان أبو علي ممن يقول: إن كف البصر مانع من العقد في الابتداء فيجب أن ينقض به متى عرض في الإمام، وهو مناقض متى لم يلتزم ذلك، والحجة ما اعتبرناه في أن المانع من العقد ابتداء يمنع منه ثانيا، وإن لم يكن يقول ذلك فلا معنى للاحتجاج بقوله.

ثم قال صاحب الكتاب: " فإن قيل: لو قطع بالنص على فضل الواحد أكان يجوز العدول عنه إلى غيره؟ قيل له: قد يجوز ذلك لأن الذي

____________

(1) خ " ونقض الإمامة ".

الصفحة 182 

يعتبر في هذا الباب هو الفضل في الظاهر دون الباطن فإذا قوي الظن بالإمارات أن غيره مثله أو أفضل منه، لم يمتنع أن يقدم عليه وذلك بمنزله أن يسمع من الرسول صلى الله عليه وآله وصفه الرجل أنه قرشي (3) فلا يجب أن لا يقدم غيره عليه، وإن لم يثبت النسب قطعا، وعلى هذا الوجه يجوز أن يكون من لا يقطع على فضله أفضل منه، وإنما كان يجب ما سأل عنه لو كان الفضل المطلوب هو المتيقن،... " (2).

يقال له: لا شبهة في أن الفضل المقطوع عليه أولى أن يقدم صاحبه من الفضل المظنون، وإنما يعتبر الفضل في الظاهر دون الباطن من يعتبره في هذا الباب من حيث لم يكن له إلى الباطن سبيل، ولا عليه دليل لأن الظن إنما يكون له حكم، ويقوم مقام العلم عند تعذر العلم فأما مع حصول العلم فلا حكم للظن، ولهذا لو علمنا بخبر الرسول صلى الله عليه وآله عدالة بعض الشهود لكانت شهادته أولى من شهادة من يظن عدالته ولا يقطع عليها، وما أظن أحدا يسوي في هذا الباب بين شهادة المقطوع على عدالته، والمظنونة عدالته، ولا يجعل الرجحان والمزية في جهة العلم.

فأما الذي جعله أصلا من وصف الرسول صلى الله عليه وآله لرجل بأنه قرشي فلا يمتنع أن يقدم غيره ممن يظن أنه قرشي، والخلاف في الأمرين واحد والحجة على فساد قوله في الأصل والفرع جميعا ما ذكرناه.

____________

(1) غ " أن كل قرشي ".

(2) المغني 20 ق 1 / 231.