فصل في الاعتراض على كلامه فهل يجوز العدول عن قريش في باب الإمامة أم لا؟

الصفحة 201 

حكي عن أبي علي (1) أنه كان يجوز أن لا يوجد في قريش من يصلح للإمامة، وأن ذلك إذا اتفق وجب أن ينصب من غيرهم، وفرق بين النسب وبين العلم والفضل والعدالة، فقال: " إن فقد القرشي لا يؤثر ويجوز أن ينصب من غيرهم لأنه ليس بشرط واجب، وليس كذلك باقي الشروط لأنها واجبة، وفقدها مؤثر فلا يجوز أن ينصب للإمامة من تفقد فيه " وحكى في آخر الباب عن أبي عبد الله الحسين بن علي البصري (2) (إنه لا يمتنع أن يقال: إنه لا يجوز أن تخلو قريش ممن يصلح للإمامة لمكان الخبر) ثم سأل نفسه فقال: " إن قيل: ألا قلتم أن الخبر متضمن صحة وجود من يصلح ومن يلزم العقد له فيهم أبدا ليصح بهذا التكليف قيل له: إذا كان التكليف معلقا بشرط فما الذي يمنع من أن لا يوجد ولا يلزم ذلك التكليف، فعند ذلك يرجع إلى الدلالة فإذا وجب بالآيات التي ألزم الله عز وجل فيها القيام بالحدود ونصب إمام فواجب أن ينصب من غيرهم ".

ثم قال: " فإن قيل: فهلا قلتم: إنه متى لم يوجد فيهم من يصلح

____________

(1) كذلك ص 239.

(2) من شيوخ المعتزلة وقد تقدم ذكره غير مرة.

الصفحة 202 

لذلك سقط التكليف في نصب الأئمة؟ كما لو وجد كل من يصلح لهذا الشأن مختل العدالة لسقط هذا التكليف.

ثم قال: " قيل له: إذا كان ما لأجله يجب نصب الإمام من إقامة الحدود والقيام بالأحكام وغير ذلك لا يخص حال وجود من يصلح لذلك فيهم من حال عدمه (1) فيجب أن يكون التكليف قائما، (2)... ".

يقال له: إن المذهب الذي حكيته عن أبي علي يبعد عن الصواب لأنه لما أجاز أن تخلو قريش ممن يصلح للإمامة أجاز أن ينصب من غيرهم، ولم يجز ذلك في باقي الشروط، ونحن نبين أن ذلك مناقضة، لأنه إذا كنا إنما نرجع في أوصاف الإمام وشروط إمامته إلى النص والسمع على ما تذهب أنت وأصحابك إليه، والنص وارد في هذه الصفات أجمع على حد واحد، لأنه قد دل النص على أن من شرط الإمام أن يكون من قريش، كما دل على أن من شرطه العدالة، والعلم المخصوص، ونحن نعلم أن هذه الصفات لم تحصر في هذا الباب إلا بما تقتضيه المصلحة، وكأن المصلحة تقتضي كون الإمام على صفات منها أن يكون من قريش، فكيف يجوز أن نقيم من غير قريش إذا لم نجد قرشيا، ولم نجز أن نقيم غير عالم أو غير عدل إذا لم نجد عالما عدلا؟ وقوله: " هذا شرط لا بد منه وهذا شرط منه بد " اقتراح لأنه لا فرق بينه وبين من عكسه وقال: الذي لا بد منه هو النسب، وباقي الشروط منها بد وكل ذلك غير صحيح، لأنا إنما نعلم أنه لا بد منه من حيث اقتضاء النص وعلقت الإمامة به، وهذه الطريقة عامة لسائر الشروط فلا وجه

____________

(1) غ " منهم في حال ".

(2) المغني 20 ق 1 / 240.

الصفحة 203 

لتقسيمها، على أن صاحب الكتاب بتحقيقه قول أبي علي وارتضائه له ناقض لما استدل به في هذا الكتاب في باب الإجماع (1)، على أنه لا بد في كل عصر من إثبات مؤمنين ليصح أن يتبعوا له، وأنه لا يجوز خلو الزمان ممن هذه صفته لأنه استدل هناك على هذا بقوله: (ومن يشاقق الرسول) الآية.. (2) وادعاء أن توعدها على ترك اتباع سبيلهم يقتضي أن يكونوا متمكنين في كل عصر من اتباع سبيلهم ولا يكونون متمكنين من ذلك إلا بوجود المؤمن في كل عصر وهو هاهنا يقول: (إن إيجابه إقامة الأئمة من قريش لا يقتضي وجود من يصلح للإمامة في قريش، وإن كان إيجابا وتكليفا ويجعله مشروطا بوجود من يصلح لذلك وهو هناك منع من هذا أشد منع وأحال أن يكون إيجابه اتباع سبيل المؤمنين مشروطا، وقد كلمناه على هذا الفصل في موضعه من هذا الكتاب بكلام طويل لا معنى في إعادته، وإنما أردنا الآن التنبيه على وجه المناقضة، وإلا فالخبر لا يقتضي بظاهره وجود من يصلح في قريش كما إن الآية لا تقتضي وجود مؤمنين في كل عصر.

فأما تعلقه في الجواب عما سأل عنه نفسه من أن التكليف إذا كان معلقا بشرط فما الذي يمنع من سقوطه عند انتفاء شرطه بالآيات التي ألزم الله تعالى فيها إقامة الحدود والأحكام، وإن ذلك إذا كان مستمرا وجب أن يستمر التكليف، ويعدل إلى غير قريش إذا لم يوجد فيهم من يصلح للإمامة فبعيد من الصواب، لأن الآيات التي ذكرها إذا كانت موجبة لإقامة الحدود، وموجبة لإقامة من يقيمها على مستحقها فإنما توجب إقامة من له صفة مخصوصة متى لم تحصل ولم يمكن تحصيل من هو عليها

____________

(1) باب الإجماع في أول الجزء السابع عشر من المغني.

(2) النساء من الآية 115.

الصفحة 204 

فينبغي أن يسقط التكليف كما لو قدرنا فقد يختص بالعدالة والعلم المخصوص يسقط التكليف في إقامة الإمام وإن كانت الآيات المتضمنة لإقامة الحدود ثابتة..

فإن قلت: علمي بوجوب إقامة الحدود، وتنفيذ الأحكام، وأن ذلك موجب نصب من يتولاه ويقوم به يمنعني من أن أجوز خلو الزمان من عدل عالم يصلح للإمامة.

قيل لك: فألا كان علمك بما ذكرت يمنعك من أن تجيز خلو الزمان من قرشي يصلح للأمة؟ وألا توصلت إلى الأمرين توصلا واحدا؟ فإذا جاز أن يعدل عن القرشي عند فقده إلى غيره لأجل إثبات التكليف، فألا جاز أن يعدل عن العالم والعدل إلى غيرهما عند فقدهما من أجل إثبات التكليف؟

قال صاحب الكتاب: " وقد يبين صحة ما ذكرناه أن الإمام يجوز أن يعتمد فيما إليه على الصالحين من غير قريش، وذلك يبين * إنهم أهل القيام بهذه الأمور، ولا يجوز لو تعذر عليه أهل الصلاح أن يعتمد على الفساق وذلك * (1) يبين التفرقة بين الأمرين وصح ما نقوله نحن، وجملة القول في ذلك أن كل شرط في الإمام لو فقد صلح أن يكون أميرا يقوم بما إلى الإمام، فيجب أن لا يمتنع على بعض الوجوه أن يكون إماما، وكل شرط لو فقد لم يصلح أن يكون أميرا وحاكما فيجب أن يمتنع من عقد الإمامة له... " (2).

يقال له: لم زعمت أن الإمام إذا جاز أن يعتمد على غير

____________

(1) ما بين النجمتين ساقط من " المغني ".

(2) المغني 20 ق 1 / 241 والعبارة مشوشة في المغني.

الصفحة 205 

قريش في الإمارة جاز أن يكون الإمام غير قرشي، وكيف تكون الإمامة قياسا للإمارة في هذا الباب وأحد شروط الإمام أن يكون قرشيا بلا خلاف بيننا وبين صاحب الكتاب، وليس من شرط الأمير أن يكون قرشيا، فكان محصول كلامه إذا جاز أن يولى الأمير مع تكامل شرائطه المطلوبة فيه، فألا جاز أن يولى الإمام مع اختلال بعض شرائطه المطلوبة فيه، ولا خفاء بما في هذا الكلام.

فأما قوله: " إن كل شرط في الإمام لو فقد صلح أن يكون أميرا فيجب أن لا يمتنع على بعض الوجوه أن يكون إماما وكل شرط لو فقد لم يصلح أن يكون أميرا أو حاكما [ يقوم بما إلى الإمام ] (1) فيجب أن يمنع من عقد الإمامة فيفسد بما ذكرناه لأنا قد بينا الفرق بين الإمارة والإمامة * وأن النسب مطلوب في الإمامة دون الإمارة * (2) على أنه مقتصر على دعوى من غير أصل رد إليه كلامه " (3).

فيقال له: لم زعمت أن الأمر على ما ادعيت، وما الدليل على صحة العقد الذي عقدته؟ على أن هاهنا شرطا لو فقد صلح أن يكون من يفقد فيه أميرا وإن لم يصلح أن يكون إماما لأن من شرط الإمامة عندنا وعنده أن يكون بصيرا باختيار الخلفاء والنائبين عنه، عالما من يصلح لذلك ممن لا يصلح له، وهذا الشرط يصلح أن يكون الأمير أميرا والحاكم حاكما مع فقده ولا يصلح أن يكون إماما مع فقده على أن أكثر أصحابنا لا يسلم له ما ذكره في الأمير لأن عندهم أن الفضل في النسب أحد جهات الفضل، ولا يجوز أن يقدم المفضول في شئ منه على

____________

(1) الزيادة من المغني.

(2) ما بين النجمتين ساقط من المغني.

(3) المغني 20 ق 1 / 241.

الصفحة 206 

الفاضل، ومن ذهب إلى أن هذا المذهب يتناول كلما نورد عليه من إمارة غير قرشي إلا بأن لا يكون إمارة صحيحة، أو ترد من جهة من ليس له أن يؤمر أو بأن يكون مخصوصا بمن له من النسب ما لا يفضل عليه نسب المؤمر وعلى كل حال فقد سقط ما تعلق به.

ثم ذكر صاحب الكتاب - بعد هذا كلاما في أن الإمام يجب أن يكون واحدا في الزمان، وأنه لا يمتنع أن يجتمع في وقت واحد جماعة تصلح للإمامة، وكلاما في أن من يصلح للإمامة لا يصير إماما إلا بأمر مجدد وكل ذلك لا خلاف بيننا وبينه فيه، ولا معنى لتتبعه إلا أنه عول في أن من يصلح للإمامة لا يصير إماما بذلك، وأنه لا بد من تجدد أمر يصير به إماما على أن قال: " لا خلاف بين من لا يقول بالنص في كل إمام أنه لا يصير إماما بأن يصلح لذلك ويجتمع فيه " الشرائط " (1) وهذا لا معنى له ولا فائدة له في إخراجه من يقول بالنص عن هذا الإجماع لأنه لا خلاف في ذلك بالإطلاق، ومن يقول بالنص يذهب إلى أنه لولا النص أو ما يقوم مقامه من المعجز لم يصر الإمام إماما، وإن اجتمعت فيه شرائط الإمامة، وكملت له خلالها، ومن يقول من أصحابنا أن الإمامة مستحقة وأنها تجري مجرى الثواب لا يذهب إلى أنه يصير إماما بنفس الاستحقاق، بل لا بد عنده من نص عليه وإشارة إليه.

____________

(1) كلام صاحب المغني الذي أشار إليه المرتضى يبتدئ من ص 243 وينتهي في ص 251 في فصول ثلاثة.