الباب في تبليغ أمير المؤمنين (عليه السلام) سورة براءة وعزل أبي بكر من طريق الخاصة

الصفحة 47   

فيه ستة عشر حديثا

الأول: علي بن إبراهيم في تفسيره قال: حدثني أبي عن محمد بن الفضيل عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: نزلت هذه الآية بعد ما رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله) من غزوة تبوك في سنة تسع من الهجرة، قال: وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما فتح مكة لم يمنع المشركين الحج في تلك السنة وكان سنة في العرب في [ الحج ] أنه من دخل مكة وطاف بالبيت في ثيابه لم يحل له إمساكها، وكانوا يتصدقون بها ولا يلبسونها بعد الطواف، فكان من وافى مكة يستعير ثوبا ويطوف فيه ثم يرده، ومن لم يجد عارية اكترى ثوبا ومن لم يجد عارية ولا كراء ولم يكن له إلا ثوب واحد طاف بالبيت عريان، فجاءت امرأة من العرب وسيمة جميلة فطلبت ثوبا عارية أو كراء فلم تجده، فقالوا لها إن طفت في ثيابك احتجت أن تتصدقي بها، فقالت وكيف أتصدق وليس لي غيرها، فطافت بالبيت عريانة [ وأشرف عليها الناس ](1) فوضعت إحدى يديها على قبلها والأخرى على دبرها وقالت شعرا:

 

اليوم يبدو كله أو بعضه فما بدا منه فلا أحله

 

فلما فرغت من الطواف خطبها جماعة فقالت: إن لي زوجا، وكانت سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبل نزول سورة براءة أن لا يقاتل إلا من قاتله ولا يحارب إلا من يحاربه وأراده، وقد كان أنزل عليه في ذلك * (فإن اعتزلوكم ولم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا) * فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يقاتل أحدا قد تنحى عنه واعتزله حتى نزلت سورة براءة وأمره بقتل المشركين من اعتزله ومن لم يعتزله إلا الذين قد [ كان ] عاهدهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم فتح مكة إلى مدة منهم صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو، فقال الله عز وجل: * (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر) * ثم يقتلون حيثما وجدوا بعد هذه الأشهر السياحة عشرين من ذي الحجة الحرام ومحرم وصفر وشهر ربيع الأول وعشرة من شهر ربيع الآخر، فلما نزلت الآيات من

____________

(1) من المصدر.

الصفحة 48   

سورة براءة دفعها رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أبي بكر وأمره أن يخرج إلى مكة ويقرأها على الناس بمنى يوم النحر فلما خرج أبو بكر نزل جبرائيل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا محمد لا يؤدي عنك إلا رجل منك، فبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمير المؤمنين (عليه السلام) في طلب أبي بكر فلحقه بالروحاء فأخذ منه الآيات فرجع أبو بكر إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله أنزل الله في شيئا؟

فقال: " لا إن الله أمرني أن لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل مني "(1).

الثاني: علي بن إبراهيم قال: حدثني أبي عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال:

" قال أمير المؤمنين: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمرني عن الله تعالى أن لا يطوف بالبيت عريان ولا يقرب المسجد الحرام مشرك بعد هذا العام وقرأ عليهم * (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر) * فأجل المشركين(2) الذين حجوا تلك السنة أربعة أشهر حتى يرجعوا إلى مأمنهم ثم يقتلون حيث وجدوا "(3).

الثالث: العياش في تفسيره بإسناده عن حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعث أبا بكر مع براءة إلى الموسم ليقرأها على الناس، فنزل جبرائيل فقال: لا يبلغ عنك إلا علي فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليا وأمره أن يركب ناقته الغضبا وأمره أن يلحق أبا بكر فيأخذ منه براءة ويقرأها على الناس بمكة، فقال أبو بكر: أسخطة فقال: لا إنه [ أنزل عليه ] لا يبلغ إلا رجل منك، فلما قدم على مكة وكان يوم النحر بعد الظهر وهو يوم الحج الأكبر قام ثم قال: إني رسول رسول الله إليكم فقرأها عليهم * (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر) *: عشرين من ذي الحجة ومحرم وصفر وشهر ربيع الأول وعشر من شهر ربيع الآخر، قال:

لا يطوف بالبيت عريان ولا عريانة ولا مشرك إلا من كان له عهد عند رسول الله فمدته إلى هذه الأربعة الأشهر ".

وفي خبر محمد بن مسلم فقال: يا علي هل نزل في شئ منذ فارقت رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: " لا ولكن أبى الله أن يبلغ عن محمد إلا رجل منه " فوافى الموسم فبلغ عن الله وعن رسول الله بعرفة والمزدلفة ويوم النحر عند الجمار وفي أيام التشريق كلها ينادي: * (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر) * ولا يطوف بالبيت عريان(4).

الرابع: العياشي بإسناده عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: " لا والله ما بعث رسول

____________

(1) تفسير القمي: 1 / 282 مورد الآية.

(2) في المصدر: فأحل للمشركين.

(3) تفسير القمي: 1 / 282.

(4) تفسير العياشي: 2 / 74 ح(4) 5.

الصفحة 49   

الله (صلى الله عليه وآله) أبا بكر ببراءة لو كان بعث بها معه لم يأخذها منه ولكنه استعمله على الموسم وبعث بها عليا بعدما فصل أبو بكر عن الموسم، فقال لعلي حيث بعثه: إنه لا يؤدي عني إلا أنا أو أنت "(1)

الخامس: العياشي بإسناده عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: " خطب علي (عليه السلام) بالناس واخترط سيفه وقال: لا يطوفن بالبيت عريان ولا يحجن بالبيت مشرك [ ولا مشركة ] ومن كانت له مدة فهو إلى مدته ومن لم يكن له مدة فمدته أربعة أشهر، وكان خطب يوم النحر وكانت عشرين من ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الأول وعشر من شهر ربيع الآخر " وقال: يوم النحر يوم الحج الأكبر.

وفي خبر أبي الصباح عنه فبلغ عن الله وعن رسوله بعرفة والمزدلفة وعند الجمار في أيام الموسم كلها [ ينادي ] براءة من الله ورسوله ولا يطوفن عريان ولا يقربن المسجد الحرام بعد عامنا هذا مشرك(2).

السادس: العياشي بإسناده عن الحسن(3) عن علي (عليه السلام) أن النبي (صلى الله عليه وآله) حيث بعثه ببراءة قال:

" يا نبي الله إني لست بلسن ولا بخطيب، قال: لا بد أن أذهب بها أو تذهب أنت، قال فإن كان لا بد فسأذهب أنا " قال: " فانطلق فإن الله يثبت لسانك ويهدي قلبك " ثم وضع يده على فمه، وقال:

" انطلق فاقرأها على الناس " وقال " الناس سيتقاضون إليك فإذا أتاك الخصمان فلا تقضي لواحد حتى تسمع الآخر فإنه أجدر أن تعلم الحق "(4).

السابع: العياشي بإسناده عن حكيم بن جبير عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: " والله إن لعلي أسماء في القرآن ما يعرفه الناس " قال: قلت: وأي شئ تقول جعلت فداك فقال لي: * (وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر) * قال: " فبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمير المؤمنين وكان هو والله المؤذن فأذن بأذان الله ورسوله يوم الحج الأكبر من المواقف كلها فكان ما نادى به: أن لا يطوف بعد هذا العام عريان ولا يقرب المسجد الحرام بعد هذا العام مشرك "(5).

الثامن: والعياشي بإسناده عن حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " الأذان هو اسم في كتاب الله لا يعلم ذلك [ أحد ] غيري "(6).

التاسع: العياشي بإسناده عن حكيم بن جبير عن علي بن الحسين (عليه السلام) في قوله الله * (وأذان من

____________

(1) تفسير العياشي: 2 / 74 ح 6.

(2) تفسير العياشي: 2 / 75 ح(7) 8.

(3) في المصدر: عن حبيش.

(4) تفسير العياشي: 2 / 76 ح 9.

(5) المصدر: ح 12.

(6) المصدر: ح 13.

الصفحة 50   

الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر) * قال: " خروج القائم وأذان دعوته إلى نفسه "(1).

العاشر: علي بن إبراهيم قال: حدثني أبي عن فضالة بن أيوب عن أبان بن عثمان عن حكيم بن جبير عن علي بن الحسين (عليه السلام) في قوله: * (وأذان من الله ورسوله) * قال: " الأذان أمير المؤمنين (عليه السلام) " قال: وفي حديث آخر قال أمير المؤمنين: " كنت أنا الأذان في الناس "(2).

الحادي عشر: ابن بابويه عن أبيه قال: حدثنا سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن الحسين ابن سعيد عن فضالة بن أيوب عن أبان بن عثمان عن أبي الجارود عن حكيم بن جبير عن علي بن الحسين (عليه السلام): * (وأذان من الله ورسوله) * قال: " الأذان علي بن أبي طالب (عليه السلام) "(3).

الثاني عشر: ابن بابويه قال: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد قال: حدثنا أحمد بن الحسن الصفار عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن علي بن أسباط عن سيف بن مغيرة عن الحرث بن المغيرة النظري عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن قول الله عز وجل * (وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر) * فقال: " اسم نحله الله عليا (عليه السلام) من السماء لأنه هو الذي أدى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) براءة وقد كان بعث بها مع أبي بكر أولا فنزل جبرائيل (عليه السلام) فقال: يا محمد إن الله يقول أن لا يبلغ عنك إلا أنت أو رجل منك فبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند ذلك عليا لحق أبا بكر وأخذ الصحيفة من يده ومضى بها إلى مكة فسماه الله آذانا من الله، أنه اسم نحله الله من السماء لعلي (عليه السلام) "(4).

الثالث عشر: ابن بابويه قال: حدثنا أبي (رحمه الله) قال: حدثنا سعد بن عبد الله القاسم بن محمد الأصبهاني عن سليمان بن داود المنقري قال: حدثنا الفضيل بن عياض عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

سألته عن الحج الأكبر فقال: " أعندك فيه شئ " فقلت: نعم كان ابن عباس يقول: الحج الأكبر يوم عرفة، يعني أنه من أدرك عرفة إلى طلوع الشمس من يوم النحر فقد أدرك الحج ومن فاته ذلك فاته الحج، فجعل ليلة عرفة لما قبلها ولما بعدها، والدليل على ذلك أنه من أدرك ليلة النحر إلى طلوع الفجر فقد أدرك الحج وأجزء وأجرى عنه من عرفه فقال أبو عبد الله (عليه السلام) قال: أمير المؤمنين (عليه السلام):

" الحج الأكبر يوم النحر واحتج بقول الله عز وجل * (فسيحوا في الأرض أربعة أشهر) * فهي عشرون من ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الأول وعشر من شهر ربيع الآخر، ولو كان الحج الأكبر يوم عرفة لكان السيح أربعة أشهر ويوما واحتج بقوله عز وجل: * (وأذان من الله ورسوله إلى

____________

(1) المصدر: ح 15.

(2) تفسير العياشي: 2 / 76 ح 14، وتأويل الآيات: 1 / 197.

(3) معاني الأخبار: 298 ح 12.

(4) معاني الأخبار: 298 ح 2 معنى الأذان من الله.

الصفحة 51   

الناس يوم الحج الأكبر) * وكنت أنا الأذان في الناس " قلت فما معنى هذه اللفظة: الحج الأكبر، فقال: " إنما سمي الأكبر لأنها كانت سنة حج فيها المسلمون والمشركون ولم يحج المشركون بعد تلك السنة "(1).

الرابع عشر: ابن بابويه قال: حدثنا أبو العباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني (رحمه الله) قال:

حدثنا عبد العزيز بن يحيى بالبصرة قال: حدثني المغيرة بن محمد قال: حدثنا رجاء بن سلمة عن عمرو بن شمر عن جابر الجعفي عن أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام) قال: " خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه بالكوفة منصرفه من النهروان وبلغه أن معاوية يسبه ويعيبه ويقتل أصحابه فقام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وذكر الخطبة وذكر بعض أسمائه في القرآن إلى أن قال فيها: " وأنا المؤذن في الدنيا والآخرة قال الله عز وجل * (وأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين) * أنا ذلك المؤذن وقال * (وأذان من الله ورسوله) * فأنا ذلك الأذان "(2).

الخامس عشر: ابن بابويه قال: حدثنا محمد بن الحسن (رحمه الله) قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار عن علي بن محمد القاساني عن القاسم بن محمد الأصبهاني عن سليمان بن داود المنقري عن حفص ابن غياث قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل * (وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر) * فقال: " قال أمير المؤمنين (عليه السلام) كنت أنا الأذان في الناس " قلت: فما معنى هذه اللفظة: الحج الأكبر قال: " إنما سمي الأكبر لأنها كانت سنة حج فيها المسلمون والمشركون ولم يحج المشركون بعد تلك السنة "(3).

السادس عشر: ابن بابويه قال: حدثنا أبو الحسن محمد بن إبراهيم بن إسحاق (رضي الله عنه) قال: حدثنا أبو سعيد النسوي قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن هارون قال: حدثنا [ أحمد بن أبي ] الفضيل البلخي قال: حدثنا خال يحيى بن سعيد البلحي عن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) عن أبيه عن آبائه(4)

عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: " بينما أنا أمشي مع النبي (صلى الله عليه وآله) في بعض طرقات المدينة إذ لقينا شيخ طويل كث اللحية بعيد ما بين المنكبين فسلم على النبي (صلى الله عليه وآله) ورحب به ثم التفت إلي فقال:

السلام عليك يا رابع الخلفاء ورحمة الله وبركاته، أليس كذلك هو يا رسول الله، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): بلى، ثم مضى، فقلت يا رسول الله ما هذا الذي قال لي هذا الشيخ وتصديقك له، قال: أنت

____________

(1) معاني الأخبار: 296.

(2) معاني الأخبار: 59 ح 9 باب معنى أسماء محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين:.

(3) علل الشرائع: 2 / 442 باب 189 ح 1.

(4) في المصدر: ذكر الأئمة جميعا.

الصفحة 52   

كذلك والحمد لله أن الله تعالى قال في كتابه: * (إني جاعل في الأرض خليفة) * والخليفة المجعول فيها آدم (عليه السلام) وقال عز وجل: * (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فأحكم بين الناس بالحق) * وهو الثاني، وقال عز وجل حكاية عن موسى حين قال لهارون: * (اخلفني في قومي وأصلح) * فهو هارون إذا استخلفه موسى (عليه السلام) على قومه وهو الثالث وقال الله تعالى: * (وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر) * فكنت أنت المبلغ عن الله تعالى وعن رسوله وأنت وصيي ووزيري وقاضي ديني والمؤدي عني فأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي فأنت رابع الخلفاء كما سلم عليك الشيخ أو لا تدري من هو؟ قلت: لا، قال ذاك أخوك الخضر (عليه السلام) فأعلم(1) ".

____________

(1) عيون أخبار الرضا: 1 / 13 ح 23 باب 30.