الباب في قول أمير المؤمنين (عليه السلام): أنا أولى بالأمر من أبي بكر وعمر وعثمان واحتجاجه عليهم وقوله (عليه السلام): إن لنا حقا إن نعطه نأخذه وإن الإمامة والخلا

وفيه ثمانية أحاديث

الأول: موفق بن أحمد من أعيان علماء العامة في كتاب فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: أخبرنا الشيخ الإمام شهاب الدين أفضل الحفاظ أبو النجيب سعد بن عبد الله بن الحسن الهمداني المعروف بالمروزي فيما كتب إلي من همدان، أخبرنا الحافظ أبو علي بن الحسن بن أحمد بن الحسن الحداد بأصبهان فيما أذن في الرواية عنه، أخبرني الشيخ الأديب أبو يعلى عبد الرزاق بن عمر بن إبراهيم الطهراني سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة، أخبرني الإمام الحافظ طراز المحدثين أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الأصبهاني، حدثنا الإمام شهاب الدين أبو النجيب سعد بن عبيد الله الهمداني، وأخبرني بهذا الحديث عاليا الإمام الحافظ سليمان بن إبراهيم الأصفهاني في كتابه إلي من أصبهان سنة ثمان وثمانين وأربعمائة عن أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه، حدثنا سليمان بن أحمد بن علي بن سعيد الرازي حدثنا محمد بن حميد حدثنا زافر بن سليمان بن الحارث بن محمد عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال: كنت على الباب يوم الشورى فارتفعت الأصوات بينهم فسمعت عليا (عليه السلام) يقول: بايع الناس أبا بكر وأنا والله أولى بالأمر منه وأحق به منه، فسمعت وأطعت مخافة أن يرجع الناس كفارا يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف، ثم بايع أبو بكر لعمر وأنا والله أولى بالأمر منه، فسمعت وأطعت مخافة أن يرجع الناس كفارا، ثم أنتم تريدون أن تبايعوا عثمان إذ لا أسمع ولا أطيع، إن عمر جعلني في خمسة نفر أنا سادسهم لا يعرف لي فضلا في الصلاح ولا يعرفونه لي كما نحن فيه شرع سواء، وأيم الله لو أشاء أن أتكلم بأشياء لا يستطيع عربهم لا عجمهم ولا المعاهد منهم ولا المشرك أن يرد خصلة منها ثم قال:

الصفحة 6      

أنشدكم الله أيها الخمسة أمنكم أخو رسول الله غيري؟

قالوا: لا، قال: أمنكم أحد له عم مثل عمي حمزة أسد الله وأسد رسوله (صلى الله عليه وآله) غيري؟ قالوا: لا، قال: أمنكم أحد له ابن عم مثل ابن عمي رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟

قالوا: لا، قال: أمنكم أحد له أخ مثل أخي المزين بالجناحين يطير مع الملائكة في الجنة؟

قالوا: لا، قال: أمنكم أحد له زوجة مثل زوجتي فاطمة بنت محمد سيدة نساء هذه الأمة؟ قالوا:

لا، قال: أمنكم أحد له سبطان مثل الحسن والحسين سبطا هذه الأمة ابنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) غيري؟

قالوا: لا، قال: أمنكم أحد قتل مشركي قريش غيري؟ قالوا: لا، قال: أمنكم أحد وحد الله قبلي؟

قالوا: لا، قال: أمنكم أحد صلى القبلتين غيري؟ قالوا: لا، قال: أمنكم أحد أمر الله سبحانه وتعالى بمودته غيري؟ قالوا: لا، قال: أمنكم أحد غسل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) غيري؟ قالوا: لا، قال: أمنكم أحد ردت عليه الشمس بعد غروبها حتى صلى صلاة العصر غيري؟ قالوا: لا، قال: أمنكم أحد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين قرب إليه الطير ليأكله فقال: اللهم ايتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير، فجئت وأنا لا أعلم ما كان من قوله فدخلت قال: وإلي يا رب وإلي يا رب، غيري؟ قالوا: لا، قال: أفيكم أحد كان قتل المشركين عند كل شدة تنزل برسول الله (صلى الله عليه وآله) مني؟ قالوا: لا، قال: أفيكم أحد كان أعظم عناء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى اضطجعت على فراشه ووقيته بنفسي وبذلت له مهجتي غيري؟

قالوا: لا، قال: أفيكم أحد كان يأخذ الخمس غيري وغير فاطمة؟ قالوا: لا، قال: أفيكم أحد كان له سهم في الخاص وسهم في العام غيري؟ قالوا: لا، قال: أفيكم أحد يطهره كتاب الله غيري حتى سد النبي (صلى الله عليه وآله) أبواب المهاجرين جميعا وفتح بابي إليه حتى قام إليه عماه حمزة والعباس وقالا: يا رسول الله سددت أبوابنا وفتحت باب علي فقال النبي (صلى الله عليه وآله): ما فتحت بابه ولا سددت أبوابكم، بل الله فتح بابه وسد أبوابكم. قالوا: لا، قال: أفيكم أحد أتم الله نوره حين قال: *(وآت ذا القربى حقه)*؟

قالوا: اللهم لا، قال: أفيكم أحد ناجى رسول الله ست عشرة مرة غيري حين نزل: *(يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة)* غيري؟ قالوا: اللهم لا، قال: أفيكم أحد ولي غمض عيني رسول الله (صلى الله عليه وآله) غيري؟ قالوا: اللهم لا، قال: أفيكم أحد آخر عهده برسول الله (صلى الله عليه وآله) حين وضعه في حفرته غيري؟ قالوا: اللهم لا(1).

الثاني: ابن أبي الحديد من علماء السنة في شرح نهج البلاغة قال: روى أبو جعفر ما قاله

____________

(1) المناقب: 313 / ح 314.

الصفحة 7      

علي (عليه السلام) في يوم الشورى وهو: الحمد لله الذي اختار محمدا منا نبيا وابتعثه إلينا رسولا فنحن أهل بيت النبوة ومعدن الحكمة، أمان لأهل الأرض ونجاة لمن طلب، إن لنا حقا إن نعطه نأخذ وإن نمنعه نركب أعجاز الإبل وإن طال السرى، لو عهد إلينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأنفذنا عهده ولو قال لنا قولا لجالدنا عليه حتى نموت، لن يسرع أحد قبلي إلى دعوة حق وصلة رحم ولا حول ولا قوة إلا بالله، اسمعوا كلامي وعوا منطقي، عسى أن تروا هذا الأمر بعد الجمع تنتضي فيه السيوف وتخان فيه العهود حتى لا تكون لكم جماعة وحتى يكون بعضكم أئمة لأهل الضلالة وشيعة لأهل الجهالة(1).

الثالث: ابن أبي الحديد قال عوانة: حدثني يزيد بن جرير عن الشعبي عن شقيق بن مسلمة أن علي ابن أبي طالب (عليه السلام) لما انصرف إلى رحله يعني في قصة الشورى قال لبني هاشم: يا بني عبد المطلب إن قومكم عادوكم بعد وفاة النبي كعداوتهم النبي في حياته، إن يطمع قومكم لا تؤمروا أبدا، والله لا يثبت هؤلاء إلى الحق إلا بالسيف، قال عبد الله بن عمر بن الخطاب كان داخلا عليهم قد سمع الكلام كله فدخل فقال: يا أبا الحسن أريد أن يضرب بعضهم بعضا فقال: اسكت ويحك فوالله لولا أبوك وما ركب مني قديما وحديثا، ما نازعني ابن عفان ولا ابن عوف فقام عبد الله فخرج(2).

الرابع: ابن أبي الحديد قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): واعجبا أن تكون الخلافة بالصحابة ولا تكون بالصحابة والقرابة قال الرضي (رحمه الله): وقد روى له شعر قريب من هذا المعنى وهو:

 

فإن كنت بالشورى ملكت أمورهم       فكيف بهذا والمشيرون غيب

وإن كنت بالقربى حججت خصيمهم   فغيرك أولى بالنبي وأقرب

 

وقال ابن أبي الحديد في الشرح: حديثه (عليه السلام) في النثر والنظم المذكورين مع أبي بكر وعمر، أما النثر فإلى عمر توجيهه لأن أبا بكر لما قال لعمر: امدد يدك قال له عمر: أنت صاحب رسول الله في المواطن كلها شدتها ورخاؤها فامدد أنت يدك، فقال علي (عليه السلام): إذا احتججت لاستحقاقه الأمر بصحبته إياه في المواطن كلها، فهلا سلمت الأمر إلى من قد شركه في ذلك وزاد عليه بالقرابة، وأما النظم فموجه إلى أبي بكر لأن أبا بكر حاج الأنصار في السقيفة فقال: نحن عترة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبيضته التي تفقأت عنه، فلما بويع احتج على الناس بالبيعة وإنما صدرت عن أهل الحل والعقد فقال علي: أما احتجاجك على الأنصار بأنك من بيضة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن قومه فغيرك أقرب نسبا

____________

(1) شرح نهج البلاغة: 1 / 195.

(2) شرح نهج البلاغة: 9 / 54.

الصفحة 8      

منك إليه وأما احتجاجك بالاختيار ورضا الجماعة بك فقد كان قوم من جلة الصحابة غائبين لم يحضروا العهد فكيف ثبت(1)؟.

الخامس: ابن أبي الحديد قال: قال (عليه السلام): ما زلت مدفوعا منذ قبض الله نبيه حتى يوم الناس هذا(2).

السادس: ابن أبي الحديد قال: قال (عليه السلام): ما زلت مظلوما منذ قبض الله نبيه حتى يوم الناس هذا، ولقد كنت أظلم من قبل ظهور الإسلام، لقد كان يجئ أخي عقيل بذنب أخي جعفر فيضربني(3).

السابع: ابن أبي الحديد في الشرح قال: نحن نذكر ما استفاض من الروايات من مناشدته أصحاب الشورى وتعديده فضائله وخصائصه التي بان بها منهم ومن غيرهم، قد روى الناس ذلك فأكثروا، والذي صح عندي أنه لم يكن الأمر كلما روي من تلك التعديدات الطويلة ولكنه قال لهم بعد أن بايع عبد الرحمن والحاضرون عثمان وتلكأ هو (عليه السلام) عن البيعة قال: إن لنا حقا أن نعطه نأخذه وإن نمنعه نركب أعجاز الإبل وإن طال السرى، في كلام قد ذكره أهل السيرة وقد أوردنا بعضه فيما تقدم ثم قال لهم: أنشدكم الله أفيكم أحد آخى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بينه وبين نفسه حيث وأخي بين بعض المسلمين وبعض غيري؟ فقالوا: لا، قال: أفيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): من كنت مولاه فهذا مولاه غيري؟ فقالوا: لا، فقال: أفيكم أحد قال له رسول الله: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي غيري؟ قالوا: لا، قال: أفيكم من اؤتمن على سورة براءة وقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنه لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل مني، غيري؟ قالوا: لا، قال: ألا تعلمون أن أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فروا عنه في مواطن الحرب في غير موطن وما فررت قط؟ قالوا: بلى، قال: ألا تعلمون أني أول الناس إسلاما؟ قالوا: لي، قال: فأينا أقرب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) نسبا؟ قالوا: أنت، فقطع عليه عبد الرحمن بن عوف كلامه وقال: يا علي قد أبى الناس إلا على عثمان فلا تجعلن على نفسك سبيلا ثم قال: يا أبا طلحة ما الذي أمرك به عمر قال: إن أقتل من شق عصا الجماعة، فقال عبد الرحمن لعلي: بايع إذا وإلا كنت متبعا عن سبيل المؤمنين وأنفدنا فيك ما أمرنا به فقال: لقد علمتم أني أحق بها من غيري والله لأسلمن الفضل إلى غيره، ثم مد يده فبايع(4).

الثامن: البلاذري وهو من أعيان العامة وثقاتهم في كتابه عن الكلبي عن أبيه عن أبي مخنف في إسناده له أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: لما بايع عبد الرحمن عثمان كان قائما فقعد فقال له عبد

____________

(1) شرح نهج البلاغة: 18 / 416.

(2) شرح نهج البلاغة: 1 / 223.

(3) شرح نهج البلاغة: 20 / 283.

(4) شرح نهج البلاغة: 6 / 167.

الصفحة 9      

الرحمن: بايع وإلا ضربت عنقك، ولم يكن مع أحد يومئذ سيف غيره فيقال: إن عليا (عليه السلام) خرج مغضبا فلحقه أصحاب الشورى فقالوا: بايع وإلا جاهدناك، فأقبل معهم يمشي حتى بايع عثمان(1).

قال السيد المرتضى عقيب ذكره هذا الحديث في الشافي فأي رضا هاهناء وأي إجماع؟ وكيف يكون مختارا من يهدد بالقتل والجهاد؟ وهذا المعنى - يعني حديث التهديد بضرب العنق - لو روته الشيعة لتضاحك المخالفون منه ولتغامزوا وقالوا: هذا من جملة ما يدعونه من المحال ويروونه من الأحاديث، وقد أنطق الله به رواتهم وأجراه على أفواه ثقاتهم. إلى ههنا كلام السيد المرتضى(2).

أقول: إنه قد صح في أخبار العامة وأهل السنة والجماعة من الأخبار المتقدمة في الباب السادس والخمسين وفي هذا الباب أن أمير المؤمنين (عليه السلام) إنما بايع وصالح المتقدمين عليه الذين أخذوا الإمامة والخلافة منه أبو بكر وعمر وعثمان ما وقع الصلح منه (عليه السلام) لهم إلا بعد أن هدد (عليه السلام) بالقرآن لم يبايعهم، فإذا كان الأمر على ذلك فمما صالحهم إلا لخوف القتل منهم له (عليه السلام)، وبيعته (عليه السلام) وقعت منه على سبيل التقية والخوف، فلا تكون بيعته (عليه السلام) حجة للعامة كما هو واضح بين، لأن من هدد بالقتل وأكره على أمر ففعله لا يكون فعله له باختيار منه، وما وقع على غير اختيار لا يكون صاحبه ينسب إليه الفعل الاختياري ويكون حجة عليه وعلى أوليائه الموافقين له في أمره، من ذلك يعلم أن مذهب العامة على شفا جرف هار فأنهار به في نار جهنم ألا ذلك هو الخسران المبين.

____________

(1) نقله عنه ابن أبي الحديد في شرح النهج: 12 / 265.

(2) شرح نهج البلاغة: 12 / 265.