(أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام

الصفحة 303 

معرفة ولادته

قال أبو محمد الحسن بن علي الثاني (عليه السلام): ولد بالأبواء، بين مكة والمدينة، في شهر ذي الحجة سنة مائة وسبعة وعشرين من الهجرة (1).

258 / 1 - روى أحمد بن محمد، عن المختار بن زياد (2)، عن محمد بن سليمان (3)، عن أبيه، عن أبي بصير، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) في السنة التي

____________

(1) المتفق عليه في أغلب المصادر أنه ولد (عليه السلام) في السابع من صفر سنة 128 هـ وقيل: سنة 129. انظر:

تاريخ الأئمة: 11، الارشاد: 288، تاريخ بغداد 13: 27، تاج المواليد: 122، إعلام الورى: 294، تاريخ مواليد الأئمة ووفياتهم: 188، مناقب ابن شهرآشوب 4: 323، صفة الصفوة 2: 187، وفيات الأعيان 5: 310، كشف الغمة 2: 250، المستجاد من كتاب الارشاد: 472، سير أعلام النبلاء 6: 270، الفصول المهمة: 232، نور الأبصار: 301.

(2) في النسخ: بن مأرب، ولم نعثر عليه بهذا الضبط، وما أثبتناه من البصائر والكافي، وانظر معجم رجال الحديث 18: 102 والهامش الآتي.

(3) في " ع، م ": بن مسلم، وفي " ط ": بن سليم، وما أثبتناه من نسخة مخطوطة نفيسة من البصائر والكافي، روى عن أبيه وروى عنه المختار بن زياد، انظر معجم رجال الحديث 16: 129.

الصفحة 304 

ولد فيها موسى بن جعفر بالأبواء، فبينا نحن نأكل معه إذ أتاه الرسول: إن حميدة قد أخذها الطلق: فقام فرحا مسرورا ومضى، فلم يلبث أن عاد إلينا حاسرا عن ذراعيه، ضاحكا مستبشرا، فقلنا: أضحك الله سنك، وأقر عينك، ما صنعت حميدة؟

فقال: وهب الله لي غلاما، وهو خير أهل زمانه، ولقد خبرتني أمه عنه بما كنت أعلم به منها.

فقلت: جعلت فداك، وما الذي خبرتك به عنه؟

فقال: ذكرت أنه لما خرج من أحشائها وقع إلى الأرض رافعا رأسه إلى السماء، قد اتقى الأرض بيده، يشهد أن لا إله إلا الله، فقلت لها: إن ذلك أمارة رسول الله وأمارة الأئمة من بعده.

فقلت: جعلت فداك، وما الإمارة؟ فقال: العلامة.

يا أبا بصير، إنه لما كان في الليلة التي علق فيها أتاني آت بكأس فيه شربة من الماء، أبيض من اللبن، وأحلى من العسل وأشد (1)، وأبرد من الثلج، فسقانيه فشربته، وأمرني بالجماع، ففعلت فرحا مسرورا، وكذلك يفعل بكل واحد منا، فهو والله صاحبكم.

إن نطفة الإمام حين تكون في الرحم أربعين يوما وليلة نصب لها عمود من نور في بطن أمه، ينظر به مد بصره، فإذا تمت له أربعة أشهر أتاه ملك يقال له (الخير) فكتب على عضده الأيمن * (وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا) * (2) الآية. فإذا وضعته أمه اتقى الأرض بيده، رافعا رأسه إلى السماء، ويشهد أن لا إلا إلا الله.

وينادي مناد من قبل العرش، من الأفق الأعلى باسمه واسم أبيه: يا فلان بن فلان، يقول الجليل: أبشر فإنك صفوتي، وخيرتي من خلقي، وموضع سري، وعيبة علمي، لك ولمن تولاك أوجب (3) رحمتي وأسكنه جنتي، واحلله جواري، ثم وعزتي،

____________

(1) في " ع، م ": والشهد.

(2) الأنعام 6: 115.

(3) في " ط ": أوجبت.

 

 

الصفحة 305 

لأصلين من عاداك ناري وأشد عذابي، وإن أوسعت عليه في دنياه.

فإذا انقطع المنادي أجابه الإمام: * (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم) * (1). فإذا قالها أعطاه الله علم الأولين وعلم الآخرين، واستوجب الزيادة من الجليل ليلة القدر.

فقلت: جعلت فداك، أليس الروح هو جبرئيل؟

فقال: جبرئيل من الملائكة، والروح خلق أعظم منه، وهو مع الإمام حيث كان.(2)

259 / 2 - وحدثنا أبو المفضل محمد بن عبد الله، قال: حدثني أبو النجم بدر ابن عمار الطبرستاني، قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن علي، رفعه إلى أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: إن حميدة أخبرتني بشئ ظنت أني لا أعرفه، وكنت أعلم به منها.

قلنا له: وما أخبرتك به؟

قال: ذكرت أنه لما سقط من الأحشاء سقط واضعا يديه على الأرض، رافعا رأسه إلى السماء، فأخبرتها أن ذلك أمارة رسول الله (صلى الله عليه وآله) والوصي إذا خرج من بطن أمه، أن تقع يداه على الأرض، ورأسه إلى السماء، ويقول * (شهد الله أنه لا إله إلا هو) * الآية، أعطاه الله العلم الأول، والعلم الآخر، واستحق زيادة الروح في ليلة القدر، وهو أعظم خلقا من جبرئيل.(3)

رجع الحديث

فأقام مع أبيه تسع عشرة سنة، وعاش بعد أبيه أيام إمامته خمسا وثلاثين سنة، فيها بقية ملك المنصور، ثم ملك ابنه محمد المهدي عشر سنين وشهر وأيام، ثم ملك

____________

(1) آل عمران 3: 18.

(2) المحاسن: 314 / 32، بصائر الدرجات: 460 / 4، الكافي 1: 316 / 1، عيون المعجزات: 95، مدينة المعاجز: 425 / 1.

(3) مدينة المعاجز: 426.

الصفحة 306 

ابن المهدي موسى المعروف بالهادي سنة وخمس وعشرون يوما، ثم ملك هارون المعروف بالرشيد ثلاث وعشرون سنة وشهران وتسعة وعشرون يوما.(1)

وبعدما مضى خمس عشرة سنة من ملك الرشيد، استشهد ولي الله في رجب سنة مائة وأربعة وثمانين من الهجرة (2)، وصار إلى كرامة الله (عز وجل) وقد كمل عمره أربعا وخمسين سنة، (3) ويروى: سبعا وخمسين سنة (4).

وكان سبب وفاته أن يحيى بن خالد سمه في رطب وريحان، أرسل بهما إليه مسمومين بأمر الرشيد، ولما سم وجه الرشيد إليه بشهود حتى يشهدون عليه بخروجه عن أملاكه، فلما دخلوا قال: يا فلان بن (5) فلان، سقيت السم في يومي هذا، وفي غد يصفار بدني ويحمار، وبعد غد يسود وأموت. فانصرف الشهود من عنده، فكان كما قال (عليه السلام).(6)

وتولى أمره ابنه علي الرضا (عليه السلام)، ودفن ببغداد بمقابر قريش، في بقعة كان قبل وفاته ابتاعها لنفسه.(7)

____________

(1) إعلام الورى: 294، مناقب ابن شهرآشوب 4: 323.

(2) الذي عليه أغلب المصادر أنه استشهد (عليه السلام) في سنة 183 هـ، انظر الكافي 1: 405، روضة الواعظين:

221، تاج المواليد: 123، مناقب ابن شهرآشوب 4: 323، كشف الغمة 2: 237، الفصول المهمة: 241.

(3) تاريخ الأئمة: 11، الكافي 1: 405، روضة الواعظين: 221، مناقب ابن شهرآشوب 4: 324، كشف الغمة 2: 237.

(4) هذه الرواية هي الموافقة لما أثبته المصنف من تاريخ ولادته ووفاته (عليه السلام) (127 - 184 هـ) أما في غيره من المصادر فالمروي (55 سنة)، انظر الارشاد: 288، روضة الواعظين: 221، إعلام الورى: 294، كشف الغمة 2: 237، الفصول المهمة: 241.

(5) في " ط ": يا.

(6) مدينة المعاجز: 457 / 86.

(7) إعلام الورى: 311، تاج المواليد، 123، مناقب ابن شهرآشوب 4: 328، كشف الغمة 2: 234، مدينة المعاجز: 457.

الصفحة 307 

وكانت وفاته في حبس المسيب، وهو المسجد الذي بباب الكوفة الذي فيه السدرة (1).

نسبه (عليه السلام)

موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (2) بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف (3).

ويكنى:

أبا الحسن، وأبا إبراهيم - والثاني أثبت - لأنه قال: منحني أبي كنيتين. يعني أباه الصادق (عليه السلام) (4).

ولقبه:

العبد الصالح، والوفي، والصابر، والكاظم، والأمين (5).

وأمه:

حميدة بنت صاعد البربري (6).

260 / 3 - وحدثنا أبو المفضل محمد بن عبد الله، قال: حدثني أبو النجم بدر

____________

(1) في الهداية الكبرى: 264 وكانت وفاته (عليه السلام) في زمن هارون الرشيد في دار السندي بن شاهك - والي الشرطة ببغداد - في الكوفة.

(2) في " ع، م ": بن عبد مناف.

(3) (ابن عبد مناف) ليس في " ع، م ".

(4) تاريخ الأئمة: 30، الارشاد: 288، روضة الواعظين: 212، تاج المواليد: 121، تاريخ بغداد 13: 27.

(5) تاريخ الأئمة: 28، روضة الواعظين: 212، تاج المواليد: 121، مناقب ابن شهرآشوب 4: 323. وزاد في الهداية الكبرى: 263 المصلح، المبرهن، البيان، ذو المعجزات. وزاد في ألقاب الرسول وعترته: 265 الكهف الحصين، قوام آل محمد صلى الله عليه وآله، نظام أهل البيت، نور أهل بيت الوحي، راهب بني هاشم، أعبد أهل زمانه، أسخى العرب، أفقه الثقلين، منقذ الفقراء، مطعم المساكين، زين المجتهدين، حيف كتاب الله، المنتخب.

(6) تاريخ الأئمة: 25، الكافي 1: 397، الهداية الكبرى: 263، الارشاد: 288، عيون المعجزات: 95.

الصفحة 308 

ابن عمار الطبرستاني، قال حدثني أبو جعفر محمد بن علي الشلمغاني (1)، رفعه إلى جابر قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام): قدم رجل من المغرب معه رقيق، ووصف لي صفة (2) جارية معه، وأمرني بابتياعها بصرة دفعها إلي. فمضيت إلى الرجل، فعرض علي ما كان عنده من الرقيق، فقلت: بقي عندك غير ما عرضت علي؟

فقال: بقيت جارية عليلة. فقلت: أعرضها علي. فعرض (3) حميدة، فقلت له:

بكم تبيعها؟ فقال: بسبعين دينارا. فأخرجت الصرة إليه، فقال النخاس: لا إله إلا الله!

رأيت البارحة في النوم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد ابتاع مني هذه الجارية بهذه الصرة بعينها.

فتسلمت الجارية وصرت بها إلى أبي جعفر (عليه السلام)، فسألها عن اسمها، فقالت: حميدة. فقال: حميدة في الدنيا، محمودة في الآخرة: ثم سألها عن خبرها، فعرفته أنها بكر، فقال لها: أنى يكون ذلك وأنت جارية كبيرة؟!

فقالت: كان مولاي إذا أراد أن يقرب مني أتاه رجل في صورة حسنة فيمنعه أن (4) يصل إلي. فدفعها أبو جعفر (عليه السلام) إلى أبي عبد الله (عليه السلام)، وقال: حميدة سيدة الإماء، مصفاة من الأرجاس كسبيكة الذهب ما زالت الأملاك (5) تحرسها حتى أديت إلى كرامة الله (عز وجل).(6)

بوابه:

محمد بن المفضل (7).

____________

(1) في " ع ": بن الشلمغان.

(2) في " ط ": خلقة.

(3) في " ط " زيادة: علي.

(4) في " ع، م ": ألا.

(5) في " ع، م ": الملاك.

(6) إثبات الوصية: 160، ونحوه في الكافي 1: 397 / 1 والخرائج والجرائح 1: 286 / 20.

(7) تاريخ أهل البيت: 148، وفي تاريخ الأئمة: 33 والفصول المهمة: 232 ونور الأبصار: 301: محمد بن الفضل.

الصفحة 309 

 

[نقش خاتمه (عليه السلام)]

وكان له خاتم نقشة فصه: حسبي الله (1)

ذكر ولده (عليه السلام)

علي الإمام الرضا (عليه السلام)، وفاطمة لأم.

والعباس، وإبراهيم، والقاسم لأمهات شتى.

وإسماعيل، وجعفر، وهارون، والحسن، وفاطمة الصغرى، وأحمد لأم.

ومحمد، وحمزة، ورقية لأم.

و عبد الله، وإسحاق لأم.

وعبيد الله، وزيد، وحسين، والفضل، وسليمان، وحكيمة، وعباسة، وقسمة، وأم فروة، وأسماء، ورقية، وكلثوم، وأم جعفر، ولبابة، وزينب، وخديجة، وعلية، وآمنة، وحسينة (2)، ونزيهة (3)، وأم سلمة، ومصونة (4)، وأم كلثوم لأمهات شتى (5).

رجع الحديث

وكان أبوه يحبه ويميل إليه، ووهب اليسيرية له تفضلا، وكان شراها بستة وعشرين ألف دينار (6).

____________

(1) الكافي 6: 473 / 4، وفي الفصول المهمة: 332 ونور الأبصار: 301 (الملك لله وحده).

(2) في " ع ": حسنية، وفي الارشاد: حسنة.

(3) كذا في المناقب ابن شهرآشوب، وفي النسخ: بويمة، وفي الارشاد: بريهة.

(4) في الارشاد والمناقب: ميمونة.

(5) تاريخ الأئمة: 20، تاج المواليد: 123، إعلام الورى: 312، مناقب ابن شهرآشوب 4: 324، تذكرة الخواص: 351، كشف الغمة 2: 216 و 237، الفصول المهمة: 241.

(6) في إرشاد المفيد: 303، وإعلام الورى 312، وكشف الغمة 2: 236، والفصول المهمة: 242: وكان أحمد بن موسى كريما جليلا ورعا، وكان أبو الحسن موسى (عليه السلام) يحبه ويقدمه، ووهب له ضيعته المعروفة باليسيرة.

وفي عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 72 في سعاية علي بن إسماعيل بن الإمام الصادق (عليه السلام) بعمه الإمام أنه اشترى ضيعة تسمى اليسيرية بثلاثين ألف دينار.

الصفحة 310 

وكان (عليه السلام) شيخا بهيا كريما، عتق ألف مملوك.

وكان يدعى (العبد الصالح) من عبادته واجتهاده.

وقيل: إنه دخل مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسجد سجدة في أول الليل، وسمع وهو يقول في سجوده: " عظم الذنب من عبدك، فليحسن العفو من عندك، يا أهل التقوى، ويا أهل المغفرة " وجعل يرددها حتى أصبح.

وكان يبلغه عن رجل أنه يؤذيه، فيبعث إليه بصرة فيها ألف دينار.

وكان يصر الصرر ثلاثمائة دينار وأربعمائة دينار ومائتي دينار ثم يقسمها بالمدينة.

وكانت صرة موسى إذا جاءت الإنسان استغنى (1).

وقال محمد بن عبد الله البكري: قدمت المدينة أطلب بها دينا، فأعياني، فقلت:

لو ذهبت إلى أبي الحسن موسى وشكوت إليه، فأتيته بنقمي (2) في ضيعته، فخرج إلي ومعه غلام (3) معه منسف (4) فيه قديد مجزع (5)، ليس معه غيره، فأكل وأكلت معه، ثم سألني عن حاجتي، فذكرت له قصتي، فدخل فلم يقر (6) إلا يسيرا حتى خرج إلي فقال لغلامه: اذهب. ثم مد يده إلي، فدفع صرة فيها ثلاثمائة دينار، ثم قام فولى، فقمت

____________

(1) تاريخ بغداد 13: 27، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 6: 191، وفيات الأعيان 5: 308، سير أعلام النبلاء 6: 271، الأئمة الاثنا عشر: 89.

(2) في النسخ: بنعمى، تصحيف، ونقمى: موضع من أعراض المدينة كان لآل أبي طالب، معجم البلدان 5:

300.

(3) في " ع ": غلامه.

(4) المنسف: ما ينسف به الطعام، أي يفرق " مجمع البحرين - نسف - 5: 123 ".

(5) القديد: اللحم المملوح المجفف في الشمس " لسان العرب - قدد - 3: 344 ".

مجزع: أي مقطع " لسان العرب - جزع - 8: 48 ".

(6) في " ط ": يقم.

الصفحة 311 

فركبت دابتي وانصرفت (1).

وقيل: إنه كان بالمدينة رجل من ولد عمر بن الخطاب يؤذيه ويشتم عليا (صلوات الله عليه)، وكان قد قال له بعض حاشيته: دعنا نقتله. فنهاهم عن ذلك أشد النهي، وزجرهم أشد الزجر، وسأل عن العمري، فذكر له أنه يزرع بناحية من نواحي المدينة، فركب إليه في مزرعته فوجده فيها، فدخل المزرعة بحماره، فصاح به العمري:

لا تطأ زرعنا. فتوطأه بالحمار، حتى وصل إليه، فنزل وجلس عنده، وضاحكه، وقال له: كم غرمت في زرعك هذا؟ قال له: مائة دينار.

قال: فكم ترجو أن تصيب فيه؟ قال: لا أعلم الغيب.

قال: إنما قلت لك: كم ترجو فيه؟

قال: أرجو أن يجيئني مائتا دينار.

قال: فأعطاه ثلاثمائة دينار، وقال: هذا زرعك على حاله. قال: فقام العمري فقبل رأسه، وانصرف.

قال: فراح إلى المسجد فوجد العمري جالسا، فلما نظر إليه قال: الله أعلم حيث يجعل رسالته. قال: فوثب أصحابه فقالوا له: ما قصتك؟! قد كنت تقول خلاف هذا! فخاصمهم وسابهم، وجعل يدعو لأبي الحسن موسى (عليه السلام) كلما دخل وخرج.

قال: فقال أبو الحسن موسى (عليه السلام) لحاشيته الذين أرادوا قتل العمري: أيما كان أخير: ما أردتم أو ما أردت؟ أردت أن أصلح أمره بهذا المقدار.(2)

وقال محمد ابنه: خرجت مع أبي إلى ضياعه (3)، وأصبحنا في غداة باردة، وقد دنونا منها وأصبحنا عند عين من عيون ساية (4)، فخرج إلينا من تلك الضياع عبد

____________

(1) الارشاد: 296، تاريخ بغداد 13: 28، روضة الواعظين: 215، سير أعلام النبلاء 6: 271، حلية الأبرار 2: 260.

(2) الارشاد: 297، تاريخ بغداد 13: 28، إعلام الورى: 306، سير أعلام النبلاء 6: 271.

(3) في " ع، م ": بستانه.

(4) واد من حدود الحجاز فيه مزارع وعيون.

الصفحة 312 

زنجي فصيح مستدفئ بخرقة، على رأسه قدر فخار، فوقف على الغلمان فقال: أين سيدكم؟ قالوا: هو ذاك.

قال: أبو من يكنى؟ قالوا: أبا الحسن.

قال فوقف عليه وقال له: يا سيدي يا أبا الحسن، هذه عصيدة أهديتها إليك.

قال: ضعها عند الغلمان، فوضعها عند الغلمان، فأكلوا منها. ثم ذهب فلم نقل بلغ حتى خرج، وعلى رأسه حزمة حطب، حتى وقف عليه وقال: يا سيدي، هذا حطب أهديته إليك. قال: ضعه عند الغلمان وهب لنا نارا. فذهب فجاء بنار.

قال: فكتب أبو الحسن (عليه السلام) اسمه واسم مولاه، فدفعه إلي وقال: يا بني، احتفظ بهذه الرقعة حتى أسألك عنها. قال: فوردنا إلى ضياعه، فأقام بها ما طاب له، ثم قال: امضوا بنا إلى زيارة البيت.

قال: فخرجنا حتى وردنا مكة، فلما قضى عمرته دعا صاعدا فقال: اذهب فاطلب لي هذا الرجل، فإذا علمت موضعه فأعلمني حتى أمشي إليه.

فوقعت على الرجل (1)، فلما رآني عرفني، وكنت أعرفه، وكان يتشيع، فلما رآني سلم علي وقال: أبو الحسن موسى قدم؟ قلت: لا. قال: فأي شئ أقدمك؟ قلت:

حوائج، وكان قد علم بمكانه وبشأنه، فتبعني وجعلت أتخفى منه ويلحقني بنفسه (2)، فلما رأيت أني لا أنفلت منه، مضيت إلى مولاي ومضى معي حتى أتيته، فقال: ألم أقل لك لا تعلمه؟ فقلت: جعلت فداك، لم اعلمه. فسلم عليه فقال أبو الحسن (عليه السلام):

غلامك فلان تبيعه؟

فقال: جعلت فداك، الغلام لك، والضيعة لك، وجميع ما أملك.

قال: أما الضيعة فلا أحب أن أسلبكها، وقد حدثني أبي، عن جدي أن بائع (3) الضيعة ممحوق، ومشتريها مرزوق.

____________

(1) في تاريخ بغداد زيادة: فإني أكره أن أدعوه والحاجة لي. قال لي صاعد: فذهبت حتى وقفت على الرجل.

(2) في " ط ": ويخفى نفسه.

(3) في " ع، م ": بيع.

الصفحة 313 

قال: فجعل الرجل يعرضها عليه مدلا بها، فاشترى أبو الحسن (عليه السلام) الضيعة والرقيق منه بألوف الدنانير وأعتق العبد، ووهب له الضيعة.

وقال ابن أبي رافع: فهو ذا ولده يعرف بالصراف بمكة.(1)

ذكر معجزاته (عليه السلام)

261 / 4 - حدثنا أبو المفضل محمد بن عبد الله، قال: حدثنا جعفر [بن محمد] بن مالك الفزاري، قال: حدثني محمد بن إسماعيل الحسيني (2)، عن أبي محمد الحسن بن علي الثاني (عليه السلام)، قال: إن موسى (عليه السلام) قبل وفاته بثلاثة أيام دعا المسيب وقال له:

إني ظاعن عنك في هذه الليلة إلى مدينة جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لأعهد إلى من بها عهدا أن يعمل به بعدي.

قال المسيب: قلت: مولاي، كيف تأمرني والحرس والأبواب! كيف أفتح لك الأبواب والحرس معي على الأبواب وعليها أقفالها؟!

فقال: يا مسيب، ضعفت نفسك (3) في الله وفينا؟!

قلت: يا سيدي، بين لي.

فقال: يا مسيب، إذا مضى من هذه الليلة المقبلة ثلثها، فقف فانظر.

قال المسيب: فحرمت على نفسي الانضجاع في تلك الليلة، فلم أزل راكعا وساجدا وناظرا ما وعدنيه، فلما مضى من الليل ثلثه غشيني (4) النعاس وأنا جالس، فإذا

____________

(1) تاريخ بغداد 13: 29، إحقاق الحق 12: 305. في تاريخ بغداد: فهو ذا ولده في الطرفين بمكة.

(2) في " ع، م ": الحسني، وكأنه محمد بن إسماعيل بن موسى بن جعفر (عليه السلام)، ممن رأى صاحب الأمر (عليه السلام)، انظر معجم رجال الحديث 15: 107.

(3) في المصادر: ضعف يقينك.

(4) في " م، ط ": غشاني.

الصفحة 314 

أنا بسيدي موسى يحركني برجله، ففزعت وقمت قائما، فإذا بتلك الجدران المشيدة، والأبنية المعلاة، وما حولنا من القصور والأبنية، قد صارت كلها أرضا (1)، فظننت بمولاي أنه أخرجني من المحبس الذي كان فيه، قلت: مولاي، خذ بيدي من ظالمك وظالمي.

فقال: يا مسيب، تخاف القتل؟

قلت: مولاي، معك لا.

فقال: يا مسيب فاهدأ على حالتك، فإنني راجع إليك بعد ساعة واحدة، فإذا وليت عنك فسيعود المحبس إلى شأنه.

قلت: يا مولاي، فالحديد الذي عليك، كيف تصنع به؟

فقال: ويحك يا مسيب! بنا والله، ألان الله الحديد لنبيه داود، كيف يصعب علينا الحديد؟!

قال المسيب: ثم خطا، فمر بين يدي خطوة ولم أدر كيف غاب عن بصري، ثم ارتفع البنيان وعادت القصور على ما كانت عليه، واشتد اهتمام نفسي، وعلمت أن وعده (2) الحق، فلم أزل قائما على قدمي، فلم ينقض إلا ساعة كما حده لي، حتى رأيت الجدران والأبنية قد خرت إلى الأرض سجدا، وإذا أنا بسيدي (عليه السلام) وقد عاد إلى حبسه، وعاد الحديد إلى رجليه، فخررت ساجدا لوجهي بين يديه، فقال لي: ارفع رأسك يا مسيب، وأعلم أن سيدك راحل عنك إلى الله في ثالث هذا اليوم الماضي.

فقلت: مولاي، فأين سيدي علي؟

فقال: شاهد (3) غير غائب يا مسيب، وحاضر غير بعيد، يسمع ويرى.

قلت: يا سيدي، فإليه قصدت؟

قال: قصدت والله يا مسيب، كل منتخب (4) لله على وجه الأرض شرقا وغربا،

____________

(1) في " م، ط " زيادة: والدنيا من حولنا من القصور والأبنية المعلاة والأرض.

(2) في " ع، م ": وعدته.

(3) في " ع، م ": شاهدنا.

(4) في " ع ": منتجب، وكلاهما بمعنى واحد.

الصفحة 315 

حتى الجن في البراري والبحار، حتى الملائكة في مقاماتهم وصفوفهم. قال: فبكيت.

قال: لا تبك يا مسيب، إنا نور لا نطفأ، إن غبت عنك، فهذا علي ابني يقوم مقامي بعدي، هو أنا. فقلت: الحمد لله.

قال: ثم إن سيدي في ليلة اليوم الثالث دعاني فقال لي: يا مسيب، إن سيدك يصبح من ليلة يومه على ما عرفتك من الرحيل إلى الله (تعالى)، فإذا أنا دعوت بشربة ماء فشربتها فرأيتني قد انتفخت بطني، يا مسيب، واصفر لوني، واحمر، واخضر، وتلون ألوانا، فخبر الظالم بوفاتي، وإياك بهذا الحديث (1). أن تظهر عليه أحدا من عندي إلا بعد وفاتي.

قال المسيب: فلم أزل أترقب وعده، حتى دعا بشربة الماء فشربها، ثم دعاني فقال: إن هذا الرجس، السندي بن شاهك، سيقول إنه يتولى أمري ودفني، وهيهات هيهات أن يكون ذلك أبدا! فإذا حملت نعشي إلى المقبرة المعروفة بمقابر قريش، فالحدوني بها، ولا تعلوا على قبري علوا واحدا، ولا تأخذوا من تربتي لتتبركوا بها، فإن كل تربة لنا محرمة إلا تربة جدي الحسين بن علي (عليه السلام)، فإن الله جعلها شفاء لشيعتنا وأوليائنا.

قال: فرأيته تختلف ألوانه، وتنتفخ بطنه، ثم قال: رأيت شخصا أشبه الأشخاص به، جالسا إلى جانبه في مثل هيئته، وكان عهدي بسيدي الرضا (عليه السلام) في ذلك الوقت غلاما، فأقبلت أريد سؤاله، فصاح بي سيدي موسى (عليه السلام): قد نهيتك يا مسيب، فتوليت عنهم، ولم أزل صابرا حتى قضى، وعاد ذلك الشخص.

ثم أوصلت الخبر إلى الرشيد، فوافى الرشيد وابن شاهك، فوالله، لقد رأيتهم بعيني وهم يظنون أنهم يغسلونه ويحنطونه ويكفنونه، وكل ذلك أراهم لا يصنعون به شيئا، ولا تصل أيديهم إلى شئ منه، ولا إليه، وهو مغسول، مكفن، محنط، ثم حمل ودفن في مقابر قريش، ولم يعل على قبره إلى الساعة.(2)

____________

(1) في " ع، م ": وإياك إذا رأيت بي هذا الحدث.

(2) الهداية الكبرى: 265، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 100 / 6، عيون المعجزات: 101، مناقب ابن شهرآشوب 4: 303.

الصفحة 316 

وبقي في الحديث ما لم يحسن ذكره مما فعله الرشيد به، كذا وجدت الحكاية.

262 / 5 - وروي أن الرشيد فكر في قتل موسى (عليه السلام) فدعا برطب فأكل منه، ثم أخذ صينية، فوضع فيها عشرين رطبة، وأخذ سلكا فتركه في السم، وأدخله في الخياط وأخذ رطبة من ذلك الرطب، وأقبل يردد السلك المسموم بذلك الخيط، من رأس الرطبة إلى آخرها، حتى علم أن السم قد تمكن فيها، واستكثر منه، ثم ردها في الرطب، وقال لخادم له: احمل هذه الصينية إلى موسى، وقل له: إن أمير المؤمنين أكل من هذا الرطب، وتنغص لك، وهو يقسم عليك بحقه إلا ما أكلته عن آخره، فإني اخترتها لك بيدي، ولا تتركه حتى لا يبقي منه شيئا، ولا يطعم (1) منه أحدا.

فأتاه بها الخادم، وأبلغه الرسالة، فقال له: إئتني بخلالة (2). فناوله خلالة، وأقام بإزائه وهو يأكل الرطب، وكان للرشيد كلبة أعز عليه من كل ما كان في مملكته، فجرت نفسها وخرجت بسلاسل ذهب وفضة كانت في عنقها، حتى حاذت موسى بن جعفر (عليه السلام)، فبادر بالخلالة إلى الرطبة المسمومة فغرزها، ورمى بها إلى الكلبة، فأكلتها، فلم تلبث الكلبة أن ضربت بنفسها (3) الأرض، وعوت حتى تقطعت قطعا قطعا، واستوفى (عليه السلام) باقي الرطب، وحمل الغلام الصينية إلى الرشيد، فقال له: أكل الرطب عن آخره؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين.

قال: فكيف رأيته؟

قال: ما أنكرت منه شيئا يا أمير المؤمنين.

قال: ثم ورد خبر الكلبة، وأنها قد تهرأت وماتت، فقلق الرشيد لذلك قلقا شديدا، واستعظمه، ومر على الكلبة، فوجدها متهرأة بالسم، فدعا الخادم، ودعا بالسيف والنطع، قال: لتصدقني عن خبر الرطب وإلا قتلتك.

فقال: يا أمير المؤمنين، إني حملت الرطب إليه، وأبلغته رسالتك، وقمت بإزائه،

____________

(1) في " ط ": تطعم.

(2) الخلالة: آلة يؤكل بها الرطب ونحوه كالشوكة.

(3) زاد في " م ": إلى.

الصفحة 317 

فطلب خلالة، فدفعت إليه خلالة، فأقبل يغرز الرطبة بعد الرطبة يأكلها، حتى مرت به الكلبة، فغرز رطبة من ذلك الرطب، ورمى بها إلى الكلبة، فأكلتها، وأكل باقي الرطب، فكان ما ترى.

فقال الرشيد: ما ربحنا من موسى إلا أنا أطعمناه جيد الرطب، وضيعنا سمنا، وقتلنا كلبتنا.(1)

263 / 6 - وحدثني أبو المفضل محمد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن علي ابن الزبير البلخي ببلخ، قال: حدثنا حسام بن حاتم الأصم، قال: حدثني أبي، قال:

قال لي شقيق - يعني ابن إبراهيم (2) البلخي -: خرجت حاجا إلى بيت الله الحرام في سنة تسع وأربعين ومائة، فنزلنا القادسية، قال شقيق: فنظرت إلى الناس في زيهم بالقباب والعماريات (3) والخيم والمضارب، وكل إنسان منهم قد تزيا على قدره، فقلت: اللهم إنهم قد خرجوا إليك فلا تردهم خائبين.

فبينما أنا قائم، وزمام راحلتي بيدي، وأنا أطلب موضعا أنزل فيه منفردا عن الناس، إذ نظرت إلى فتى حدث السن، حسن الوج، شديد السمرة، عليه سيماء العبادة وشواهدها، وبين عينيه سجادة (4) كأنها كوكب دري، وعليه من فوق ثوبه شملة من صوف، وفي رجله نعل عربي، وهو منفرد في عزلة من الناس، فقلت في نفسي: هذا الفتى من هؤلاء الصوفية المتوكلة، يريد أن يكون كلا على الناس في هذا الطريق، والله لأمضين إليه، ولأوبخنه.

قال: فدنوت منه، فلما رآني مقبلا نحوه قال لي: يا شقيق * (اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا) * (5) وقرأ الآية، ثم تركني ومضى، فقلت في

____________

(1) تقدمت تخريجاته في الحديث الرابع.

(2) في " ع، ط ": يعني إبراهيم.

(3) جمع عمارية: الهودج الذي يجلس فيه.

(4) أي أثر السجود في الجبهة.

(5) الحجرات 49: 12.

الصفحة 318 

نفسي: قد تكلم هذا الفتى على سري، ونطق بما في نفسي، وسماني باسمي، وما فعل هذا إلا وهو ولي الله، ألحقه وأسأله أن يجعلني في حل، فأسرعت وراءه، فلم ألحقه، وغاب عن عيني، فلم أره.

وارتحلنا حتى نزلنا واقصة (1)، فنزلت ناحية من الحاج، ونظرت فإذا صاحبي قائم يصلي على كثيب رمل، وهو راكع وساجد، وأعضاؤه تضطرب، ودموعه تجري من خشية الله (عز وجل)، فقلت: هذا صاحبي، لأمضين إليه، ثم لأسألنه أن يجعلني في حل، فأقبلت نحوه، فلما نظر إلي مقبلا قال لي: يا شقيق * (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى) * (2) ثم غاب عن عيني فلم أره، فقلت: هذا رجل من الأبدال (3)، وقد تكلم على سري مرتين، ولو لم يكن عند الله فاضلا ما تكلم على سري.

ورحل الحاج وأنا معهم، حتى نزلنا بزبالة (4)، فإذا أنا بالفتى قائم على البئر، وبيده ركوة يستقي بها ماء، فانقطعت الركوة في البئر، فقلت: صاحبي والله، فرأيته قد رمق السماء بطرفه، وهو يقول:

 

أنت ربي إذا ظمأت إلى الماء   وقوتي إذا أردت الطعاما

 

إلهي وسيدي مالي سواها، فلا تعدمنيها.

قال شقيق: فوالله، لقد رأيت البئر وقد فاض ماؤها حتى جرى على وجه الأرض، فمد يده، فتناول الركوة، فملأها ماء، ثم توضأ، فأسبغ الوضوء، وصلى ركعات، ثم مال إلى كثيب رمل أبيض، فجعل يقبض بيده من الرمل ويطرحه في الركوة، ثم يحركها ويشرب، فقلت في نفسي: أتراه قد حول الرمل سويقا؟!

فدنوت منه فقلت له: أطعمني رحمك الله، من فضل ما أنعم الله به عليك.

____________

(1) منزل بطريق مكة، ينزله الحاج، دون زبالة بمرحلتين، معجم البلدان 5: 354.

(2) طه 20: 82.

(3) قوم من الصالحين لا تخلو الدنيا منهم، سموا بذلك لأنهم كلما مات واحد منهم أبدل الله مكانه آخر. انظر " النهاية 1: 107، مجمع البحرين - بدل - 5: 319 ".

(4) قرية عامرة بين واقصة والثعلبية بطريق مكة من الكوفة. معجم البلدان 3: 129.

الصفحة 319 

فنظر وقال لي: يا شقيق، لم تزل نعمة الله علينا أهل البيت سابغة، وأياديه لدينا جميلة، فأحسن ظنك بربك، فإنه لا يضيع من أحسن به ظنا.

فأخذت الركوة من يده وشربت، فإذا سويق وسكر، فوالله ما شربت شيئا قط ألذ منه، ولا أطيب رائحة، فشبعت ورويت، وأقمت أياما لا أشتهي طعاما ولا شرابا، فدفعت إليه الركوة.

ثم غاب عن عيني، فلم أره حتى دخلت مكة وقضيت حجي، فإذا أنا بالفتى في هدأة من الليل، وقد زهرت النجوم، وهو إلى جانب قبة الشراب (1) راكعا ساجدا، لا يريد مع الله سواه، فجعلت أرعاه وأنظر إليه، وهو يصلي بخشوع وأنين وبكاء، ويرتل القرآن ترتيلا، فكلما مرت آية فيها وعد ووعيد رددها على نفسه، ودموعه تجري على خده، حتى إذا دنا الفجر جلس في مصلاه يسبح ربه ويقدسه، ثم قام فصلى الغداة، وطاف بالبيت أسبوعا، (2) وخرج من باب المسجد، فخرجت، فرأيت له حاشية وموال، وإذا عليه لباس خلاف الذي شاهدت، وإذا الناس من حوله يسألونه عن مسائلهم، ويسلمون عليه، فقلت لبعض الناس، أحسبه من مواليه: من هذا الفتى؟

فقال لي: هذا أبو إبراهيم، عالم آل محمد.

قلت: ومن أبو إبراهيم؟

قال: موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام).

فقلت: لقد عجبت أن توجد هذه الشواهد إلا في هذه الذرية.(3)

264 / 7 - وحدثني القاضي أبو الفرج المعافى، قال: حدثنا أحمد بن إسماعيل الكاتب، قال: كان بحضرة باب الرشيد رجل من الأنصار يقال له (نفيع) وكان عريضا، وكان آدم بن عبد العزيز شاعرا ظريفا، فاتفقا يوما بباب الرشيد، وحضر موسى

____________

(1) في " ع ": بيت فيه الشراب، وفي " ط ": بيت فيه السراب.

(2) أي سبع مرات.

(3) تذكرة الخواص: 348، صفة الصفوة 2: 185، كشف الغمة 2: 213، الفصول المهمة: 233، إسعاف الراغبين: 247.

الصفحة 320 

ابن جعفر على حمار له، فلما قرب قام الحاجب إليه، فأدخله من الباب، فقال نفيع لآدم:

من هذا؟

فقال: أو ما تعرفه؟ قال: لا.

قال: هذا شيخ آل أبي طالب اليوم، هذا فلان بن فلان. فقال: تبا لهؤلاء القوم يكرمون هذا الاكرام من يقصد ليزيلهم عن سريرهم، أما إنه إن خرج لأسوأنه.

قال فقال له آدم: لا تفعل، إن هؤلاء قوم قد أعطاهم الله (عز وجل) حظا في ألسنتهم، وقلما ناوأهم إنسان، أو تعرض لهم، إلا ووسموه بسمة سوء. فقال له: سترى.

وخرج موسى فوثب إليه نفيع فأخذ بلجام حماره، وقال له: من أنت؟

فقال بوقار: إن كنت تريد النسب فأنا ابن محمد حبيب الله بن إسماعيل ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله.

وإن كنت تريد البيت فهو البيت الذي أوجب الله (جل ذكره) على المسلمين كافة، وعليك إن كنت منهم، أن يحجوا إليه.

وإن كنت تريد المنافرة، فوالله ما رضي مشركو قومي بمسلمي قومك (1) أكفاء حتى قالوا: يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قريش.

قال: فاسترخت أصابعه من اللجام وتركه.(2)

265 / 8 - قال: قال أبو جعفر: حدثنا أبو محمد سفيان، قال: حدثنا وكيع، قال:

حدثنا الأعمش، قال: لحقت موسى بن جعفر الكاظم الغيظ (عليه السلام) وهو في حبس الرشيد فرأيته يخرج من حبسه ويغيب ثم يدخل من حيث لا يرى.(3)

266 / 9 - قال أبو جعفر: حدثنا أبو محمد سفيان، قال: حدثنا وكيع، عن الأعمش، قال: رأيت كاظم الغيظ (عليه السلام) عند الرشيد وقد خضع له، فقال له عيسى ابن أبان: يا أمير المؤمنين، لم تخضع له؟

____________

(1) مشركو قومي: أي قريش، ومسلمو قومك: أي الأنصار.

(2) أمالي المرتضى 1: 274، إعلام الورى: 307، أعلام الدين: 305، مدينة المعاجز: 452.

(3) إثبات الهداة 5: 566 / 117، مدينة المعاجز: 427 / 5.

 

 

الصفحة 321 

قال: رأيت من ورائي أفعى تضرب بنابها وتقول: أجبه بالطاعة وإلا بلعتك.

ففزعت منها فأجبته.(1)

267 / 10 - قال أبو جعفر: حدثنا عبد الله بن محمد البلوي، قال: حدثنا غالب ابن مرة ومحمد بن غالب، قالا: كنا في حبس الرشيد، فأدخل موسى بن جعفر (عليه السلام)، فأنبع الله له عينا وأنبت له شجرة، فكان منهما يأكل ويشرب ونهنيه، وكان إذا دخل بعض أصحاب الرشيد غابت حتى لا ترى.(2)

268 / 11 - قال أبو جعفر: حدثنا أبو محمد سفيان، عن وكيع، قال: قال الأعمش: رأيت موسى بن جعفر (عليه السلام) وقد أتى شجرة مقطوعة موضوعة فمسها بيده فأورقت، ثم اجتنى منها ثمرا وأطعمني.(3)

269 / 12 - قال أبو جعفر: حدثنا هشام بن منصور، عن رشيق مولى الرشيد، قال: وجه بي الرشيد في قتل موسى بن جعفر (عليه السلام)، فأتيته لأقتله، فهز عصا كانت في يده فإذا هي أفعى، وأخذت هارون الحمى، ووقعت الأفعى في عنقه حتى وجه إلي بإطلاقه فأطلقت عنه.(4)

270 / 13 - قال أبو جعفر: حدثنا علقمة بن شريك بن أسلم، عن موسى بن هامان (5)، قال: رأيت موسى بن جعفر (عليه السلام) في حبس الرشيد وتنزل عليه مائدة من السماء، ويطعم أهل السجن كلهم ثم يصعد بها من غير أن ينقص منها شئ.(6)

271 / 14 - قال أبو جعفر: حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد البلوي، قال:

حدثنا عمارة بن زيد، قال: قال إبراهيم بن سعد: أدخل إلى موسى بن جعفر (عليه السلام)

____________

(1) نوادر المعجزات: 163 / 5.

(2) نوادر المعجزات: 163 / 6، إثبات الهداة 5: 567 / 119، مدينة المعاجز: 427 / 7.

(3) نوادر المعجزات: 164 / 7.

(4) نوادر المعجزات: 164 / 8.

(5) في " م ": ماهان.

(6) نوادر المعجزات: 164 / 9، إثبات الهداة 5: 567 / 122، مدينة المعاجز: 427 / 8.

الصفحة 322 

بسباع لتأكله، فجعلت تلوذ به وتبصبص له، وتدعو له بالإمامة، وتعوذ به من شر الرشيد، فلما بلغ ذلك الرشيد أطلق عنه، وقال: أخاف إن يفتنني ويفتن الناس ومن معي.(1)

272 / 15 - قال أبو جعفر: حدثنا سفيان، قال: حدثنا وكيع، عن إبراهيم بن الأسود، قال: رأيت موسى بن جعفر (عليه السلام) صعد إلى السماء ونزل ومعه حربة من نور فقال: أتخوفونني بهذا؟! - يعني الرشيد - لو شئت لطعنته بهذه الحربة. فأبلغ ذلك الرشيد فأغمي ثلاثا وأطلقه.(2)

273 / 16 - أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون، قال: حدثنا أبي (رضي الله عنه)، قال: حدثنا أبو علي أحمد بن محمد العطار، قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عمران ابن الحجاج، قال: حدثنا إبراهيم بن الحسن بن راشد، عن علي بن يقطين، قال:

كنت واقفا بين يدي الرشيد إذ جاءته هدايا من ملك الروم، كانت فيها دراعة (3) ديباج مذهبة سوداء، لم أر شيئا أحسن منها، فنظر إلي وأنا أحد إليها النظر، فقال: يا علي، أعجبتك؟

قلت: إي والله يا أمير المؤمنين. قال: خذها. فأخذتها وانصرفت بها إلى منزلي، وشددتها في منديل، ووجهتها إلى المدينة، فمكثت ستة أشهر - أو سبعة أشهر - ثم انصرفت يوما من عند هارون، وقد تغديت بين يديه، فقام إلي خادمي الذي يأخذ ثيابي بمنديل على يديه، وكتاب مختوم، وطينه رطب، فقال: جاء بهذه الساعة رجل، فقال: ادفع هذا إلى مولاك ساعة يدخل. ففضضت الكتاب، فإذا فيه: " يا علي، هذا وقت حاجتك إلى الدراعة ".

فكشفت طرف المنديل عنها، ودخل علي خادم هارون فقال: أجب أمير المؤمنين. فقلت: أي شئ حدث؟ قال: لا أدري، فمضيت ودخلت عليه، وعنده عمر

____________

(1) نوادر المعجزات: 165 / 10، مدينة المعاجز: 428 / 10.

(2) نوادر المعجزات: 163 / 4، مدينة المعاجز: 428 / 11.

(3) الدراعة: جبة مشقوقة المقدم.

الصفحة 323 

ابن بزيع واقفا بين يديه، فقال: يا علي، ما فعلت الدراعة التي وهبتها لك؟

قلت: ما كساني أمير المؤمنين أكثر من ذلك، فعن أي دراعة تسألني يا أمير المؤمنين؟

قال: الدراعة الديباج السوداء المذهبة.

قلت: ما عسى أن يصنع مثلي بمثلها؟! إذا انصرفت من دار أمير المؤمنين دعوت بها فلبستها، وصليت بها ركعتين - أو أربع ركعات - ولقد دخل علي الرسول ودعوت بها لأفعل ذلك.

فنظر إلى عمر بن بزيع وقال: أرسل من يجيئني بها. فأرسلت خادمي، فجاءني بها، فلما رآها قال: يا عمر، ما ينبغي لنا أن نقبل قول أحد على علي بعد هذا. وأمر لي بخمسين ألف درهم، فحملتها مع الدراعة، وبعثت بها وبالمال من يومي ذلك.(1)

274 / 17 - وروى الحسين بن محمد بن عامر، عن المعلى بن محمد، عن الوشاء، عن محمد بن علي، عن خالد الجوان، قال: دخلت على أبي الحسن (عليه السلام) وهو في عرصة داره، وهو يومئذ بالرميلة، فلما نظرت إليه قلت في نفسي: بأبي وأمي سيدي، مظلوم مغصوب مضطهد، ثم دنوت منه فقبلت بين عينيه، ثم جلست بين يديه، فالتفت إلي ثم قال: يا خالد، نحن أعلم بهذا الأمر، فلا يضيقن هذا في نفسك.

قلت: جعلت فداك، والله، ما أردت بهذا شيئا.

فقال: نحن أعلم بهذا الأمر من غيرنا، وإن لهؤلاء القوم مدة وغاية، لا بد من الانتهاء إليها.

قلت: لا أعود، ولا أضمر في نفسي شيئا.(2)

275 / 18 - أخبرني أبو الحسن علي بن هبة الله، قال: حدثنا أبو جعفر محمد ابن علي بن الحسين بن موسى، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد،

____________

(1) الارشاد: 293، عيون المعجزات: 99، إعلام الورى: 302، الخرائج والجرائح 1: 334 / 25، كشف الغمة 2: 224، الصراط المستقيم 2: 192 / 20.

(2) بصائر الدرجات: 146 / 7، الخرائج والجرائح 2: 869 / 86، الثاقب في المناقب: 437 / 372.

الصفحة 324 

عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، قال: دخلت على عبد الله بن جعفر بن محمد بعد موت أبي عبد الله (عليه السلام) وكان ادعى الإمامة، فسألته عن شئ من الزكاة، فقلت له: كم في المائة؟

فقال: خمسة دراهم.

قلت: وكم في نصف المائة؟

قال: درهمين ونصف.

فقلت: ما قال بهذا أحد من الأمة. فخرجت من عنده إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) مستغيثا برسول الله، فقلت: يا رسول الله، إلى من؟ إلى القدرية؟ إلى الحرورية؟ (1) إلى المرجئة؟ إلى الزيدية؟ فإني لكذلك إذ أتاني رسول أبي الحسن (عليه السلام)، غلام صغير دون الخماسي، فقال: أجب مولاك موسى بن جعفر.

فأتيته فلما بصر بي من صحن الدار ابتدأني فقال: يا هشام! قلت: لبيك. قال:

لا إلى القدرية، ولا إلى الحرورية، ولا إلى المرجئة، ولا إلى الزيدية، ولكن إلينا. فقلت:

أنت صاحبي، فسألته فأجابني عن كل ما أردت (2).

276 / 19 - وبإسناده إلى محمد بن أبي عمير، عن سليم مولى علي بن يقطين، قال: أردت أن أكتب إليه أسأله: هل يتنور الرجل وهو جنب؟

فكتب إلي (عليه السلام) قبل أن أكتب إليه مبتدئا: " النورة تزيد الجنب نظافة ولكن لا يجامع الرجل مختضبا، ولا تجامع المرأة مختضبة ".(3)

277 / 20 - وروى عبد الله بن إبراهيم، عن إبراهيم بن محمد، قال: حدثنا

____________

(1) أي الخوارج.

(2) في " ط ": سألته.

بصائر الدرجات: 270 / 1 نحوه في الكافي 1: 285 / 7، والارشاد: 291، والخرائج والجرائح 1: 331 / 23، ومناقب ابن شهرآشوب 4: 290، وحلية الأبرار 2: 233.

(3) بصائر الدرجات: 271 / 3، التهذيب 1: 377 / 22، الخرائج والجرائح 2: 652 / 4، الثاقب في المناقب: 438 / 374، الصراط المستقيم 2: 193 / 24.

الصفحة 325 

علي بن المعلى، قال: حدثنا ابن أبي حمزة، عن سيف بن عميرة، عن إسحاق بن عمار، قال: سمعت العبد الصالح (عليه السلام) يقول ونعى إلى رجل نفسه، فقلت في نفسي: والله، إنه ليعلم متى يموت الرجل من شيعته! فقال شبه المغضب: يا إسحاق، قد كان رشيد الهجري يعلم علم المنايا والبلايا، والإمام أولى بعلم ذلك.(1)

278 / 21 - وبإسناده عن سيف بن عميرة، عن إسحاق بن عمار (2)، قال:

سمعت العبد الصالح (عليه السلام) ينعى إلى رجل نفسه، قلت في نفسي: إنه ليعلم متى يموت الرجل من شيعته! فالتفت إلي شبه المغضب، فقال: يا إسحاق، كان رشيد الهجري من المستضعفين، وكان يعلم علم المنايا والبلايا، والحجة أولى بعلم ذلك.

ثم قال: يا إسحاق، اصنع ما أنت صانع، عمرك قد فني، وأنت تموت إلى سنتين، وأخوك وأهل بيتك لا يلبثون إلا يسيرا حتى تفترق كلمتهم، ويخون بعضهم بعضا.

قال إسحاق: فقلت: إني استغفر الله مما عرض في صدري.

قال سيف: فلم يلبث إسحاق بن عمار إلا يسيرا حتى مات، وما ذهبت الأيام حتى أفلس ولد عمار، وقاموا بأموال الناس.(3)

279 / 22 - أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون، عن أبيه، قال: حدثنا أبو القاسم جعفر بن محمد العلوي، قال: حدثنا عبيد الله بن أحمد بن نهيك أبو العباس النخعي، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن عمر بن يزيد، قال:

سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: لا يشهد أبو جعفر (4) بالناس موسما بعد السنة.

____________

(1) بصائر الدرجات: 284 / 9، الكافي 1: 404 / 7، إثبات الوصية: 166، كشف الغمة 2: 242، ونحوه في رجال الكشي: 409 / 768، وإعلام الورى: 305، والخرائج والجرائح 2: 712 / 9، (2) (عن إسحاق بن عمار) ليس في " ع، م "، والصواب إثباته كما في الحديث السابق والمصادر.

(3) عيون المعجزات: 98، ونحوه في الخرائج والجرائح 1: 310 / 3، والثاقب في المناقب: 434 / 366، وإثبات الهداة 5: 504 / 16، ومدينة المعاجز: 459 / 94.

(4) وهو عبد الله بن محمد المنصور الخليفة العباسي، بويع له سنة (136) وحج في خلافته مرتين، وفي الثالثة أصيب بإسهال شديد فمات في بئر ميمون قبل أن يصل مكة سنة (158)، راجع تاريخ بغداد 10: 53 - 61، سير أعلام النبلاء 7: 83، الجوهر الثمين 1: 116 - 118، مآثر الإنافة 1: 175.

الصفحة 326 

وكان حج في تلك السنة، فذهب عمر فخبر (1) أنه يموت في تلك السنة، وكانت تسع عشرة.

وكان يروى أنه لا يملك عشرين سنة.(2)

280 / 23 - وبإسناده عن محمد بن أبي عمير، عن عثمان بن عيسى، عن إبراهيم بن عبد الحميد، قال: أرسل إلي أبو الحسن (عليه السلام) أن " تحول عن منزلك " فشق ذلك علي، فقلت: نعم. ولم أتحول فأرسل إلي " تحول " فطلبت منزلا فلم أجد، وكان منزلي موافقا لي، فأرسل إلي الثالثة (3) أن " تحول عن منزلك ".

قال عثمان: فقلت: لا والله، لا أدخل عليك هذا المنزل أبدا. قال: فلما كان بعد يومين عند العشاء إذا أنا بإبراهيم قد جاء، فقال: ما تدري ما لقيت اليوم؟ فقلت: وما ذاك؟

قال: ذهبت استقي ماء من البئر، فخرج الدلو ملآن عذرة، وقد عجنا من البئر، فطرحنا العجين، وغسلنا ثيابنا، فلم أخرج منذ اليوم، وقد تحولت إلى المنزل الذي اكتريت.

فقلت له: وأنت أيضا تتحول. وقلت له: إذا كان غدا - إن شاء الله - حين ننصرف من الغداة نذهب إلى منزلك، فندعو لك بالبركة.

فلما خرجت من المنزل سحرا، فإذا إبراهيم عند القبر، فقال: تدري ما كان الليلة؟ فقلت: لا والله. فقال: سقط منزلي العلو والسفل (4).

281 / 24 - وحدثني أبو المفضل محمد بن عبد الله، قال: حدثني أبو النجم بدر ابن الطبرستاني، قال: حدثني أبو جعفر محمد بن علي الشلمغاني (5)، رفعه إلى

____________

(1) في " ع، م ": فخبر عمر.

(2) مدينة المعاجز: 431 / 17.

(3) (الثالثة) ليس في " ط ".

(4) قرب الإسناد: 145 " نحوه ".

(5) في " ع، م ": بن الشلمغان.

الصفحة 327 

يعقوب السراج، قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) وهو واقف على أبي الحسن موسى (عليه السلام)، وهو في المهد فجعل يساره طويلا، فلما فرغ قال لي: ادن فسلم على مولاك. فدنوت فسلمت عليه، ثم قال لي: إمض فغير اسم ابنتك. وكنت قد سميتها باسم الحميراء فغيرته.(1)

282 / 25 - وبإسناده عن أبي جعفر محمد بن علي، قال: إن أبا حنيفة صار إلى باب أبي عبد الله (عليه السلام) ليسأله عن مسألة، فلم يأذن له، فجلس ينتظر الإذن، فخرج أبو الحسن (عليه السلام)، وسنه خمس سنين، فدعاه وقال له: يا غلام، أين يضع المسافر خلاه في بلدكم هذا؟

فاستند أبو الحسن (عليه السلام) إلى الحائط، وقال له: يا شيخ، يتوقى شطوط الأنهار، ومساقط الثمار، ومنازل النزال، وأفنية المساجد، ولا يستقبل القبلة، ولا يستدبرها، ويتوارى خلف جدار، ويضعه حيث شاء.

فانصرف أبو حنيفة في تلك السنة، ولم يدخل على أبي عبد الله (عليه السلام).(2)

283 / 26 - وبإسناده عن أبي جعفر محمد بن علي، رفعه إلى علي بن أبي حمزة، قال: كنت عند أبي الحسن (عليه السلام) إذ أتاه رجل من أهل الري، يقال له (جندب) فسلم عليه وجلس، فسأله أبو الحسن (عليه السلام) فأحسن السؤال، فقال له: ما فعل أخوك؟ فقال: بخير، جعلت فداك، وهو يقرئك السلام.

قال: يا جندب، أعظم الله أجرك في أخيك.

فقال: ورد، والله، علي كتابه لثلاثة (3) عشر يوما بالسلامة. فقال: يا جندب، إنه، والله، مات بعد كتابه بيومين، ودفع إلى امرأته مالا، وقال: ليكن هذا عندك، فإذا قدم أخي فادفعيه إليه، وقد أودعته الأرض، في البيت الذي كان هو فيه، فإذا أنت أتيتها

____________

(1) الكافي 1: 247 / 11، إثبات الوصية: 162، الارشاد: 290، إعلام الورى: 299، مناقب ابن شهرآشوب 4: 287، الثاقب في المناقب: 433 / 365، كشف الغمة 2: 221، الصراط المستقيم 2: 163، (2) الكافي 3: 16 / 5، إثبات الوصية: 162، تحف العقول: 411، الفصول المختارة من العيون والمحاسن: 43، أمالي المرتضى 1: 151، التهذيب 1: 30 / 18، إعلام الورى: 308، (3) في " ط ": بعد ثلاثة، وفي " ع ": بعهد ثلاثة.

الصفحة 328 

فتلطف لها، وأطمعها في نفسك، فإنها ستدفعه إليك.

قال علي بن أبي حمزة: فلقيت جندبا بعد ذلك، فسألته عما كان قال أبو الحسن (عليه السلام)، فقال: صدق، والله، سيدي، ما زاد ولا نقص.(1)

284 / 27 - وأخبرني علي بن هبة الله الموصلي، قال: حدثني أبو جعفر محمد ابن علي بن الحسين بن موسى القمي، عن أبيه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أبي عبد الله محمد بن خالد البرقي، قال: حدثنا حماد بن عيسى الجهني، قال: دخلت على أبي الحسن موسى (عليه السلام)، فقلت له: جعلت فداك، ادع الله أن يرزقني دارا، وزوجة، وولدا، وخادما، وأحج في كل سنة.

فرفع يده ثم قال: اللهم صل على محمد وآل محمد، وارزقه دارا، وزوجة، وولدا، وخادما، والحج خمسين سنة.

قال حماد: فحججت ثمان وأربعين سنة، وهذه زوجتي وراء الستر تسمع كلامي، وهذا ابني، وهذا خادمي.

وحج بعد هذا الكلام حجتين، ثم خرج بعد الخمسين فزامل أبا العباس النوفلي، فلما صار في موضع الاحرام دخل يغتسل، فجاء الوادي فحمله، فغرق، فمات، ودفن بسيالة (2).

285 / 28 - وروى الحسن، قال: أخبرنا أحمد، قال: حدثنا محمد بن علي الصيرفي، عن علي بن محمد، عن الحسن، عن أبيه، عن أبي بصير، قال: سمعت العبد الصالح (عليه السلام) يقول: لما حضر أبي الموت قال: يا بني لا يلي غسلي غيرك، فإني غسلت أبي، وغسل أبي أباه، والحجة يغسل الحجة.

____________

(1) إثبات الوصية: 166، عيون المعجزات: 98، الخرائج والجرائح 1: 317 / 10، الثاقب في المناقب:

462 / 392، فرج المهموم: 230، كشف الغمة 2: 241، الصراط المستقيم 2: 190 / 7.

(2) وهي أول مرحلة لأهل المدينة إذا أرادوا مكة. معجم البلدان 3: 292.

قرب الإسناد: 128، إثبات الوصية: 168، أمالي المفيد: 12 / 11، الاختصاص: 205، رجال الكشي:

316 / 572، مناقب ابن شهرآشوب 4: 306.

الصفحة 329 

قال: فكنت أنا الذي غمضت أبي، وكفنته، ودفنته بيدي.

وقال: يا بني، إن عبد الله أخاك يدعي الإمامة بعدي، فدعه، وهو أول من يلحق بي من أهلي. فلما مضى أبو عبد الله (عليه السلام) أرخى أبو الحسن ستره، ودعا عبد الله إلى نفسه.

قال أبو بصير: جعلت فداك، ما بالك حججت العام (1)، ونحر عبد الله جزورا؟

قال: إن نوحا لما ركب السفينة وحمل فيها من كل زوجين اثنين، حمل كل شئ، إلا ولد الزنا، فإنه لم يحمله، وقد كانت السفينة مأمورة، فحج نوح فيها، وقضى مناسكه.

قال أبو بصير: فظننت أنه عرض بنفسه، وقال: أما إن عبد الله لا يعيش أكثر من سنة. فذهب أصحابه حتى انقضت السنة. قال: فهذه فيما يموت. قال: فمات في تلك السنة.(2)

286 / 29 - وعنه، قال: أخبرنا أحمد بن محمد، عن محمد بن علي، عن علي ابن محمد، عن الحسن، عن أبيه علي بن أبي حمزة، قال: كنا بمكة وأصاب الناس تلك السنة صاعقة، ومات من ذلك خلق كثير، فدخلت على أبي الحسن (عليه السلام)، فقال لي مبتدئا: يا علي، ينبغي للغريق والمصعوق أن يتربص به ثلاثا، إلا أن يجئ منه ريح يدل على موته.

قلت: جعلت فداك، كأنك تخبرني أنه قد دفن ناس كثير ما ماتوا إلا في قبورهم؟ قال: نعم.(3)

287 / 30 - وروى الحسن، قال: أخبرنا أحمد بن محمد، [عن محمد بن علي] (4)، عن علي بن محمد، عن الحسن، [عن أبيه علي بن أبي حمزة] (5)، عن

____________

(1) في إثبات الوصية: ما بالك ما ذبحت العام.

(2) إثبات الوصية: 167، مناقب ابن شهرآشوب 4: 224.

(3) الكافي 3: 210 / 6، التهذيب 1: 338 / 159، مناقب ابن شهرآشوب 4: 292.

(4) أضفناه بدلالة ما تقدم من الأسانيد في هذا الباب، وما يأتي، راجع معجم رجال الحديث 16: 289.

(5) أضفناه كما في سند الحديثين السابقين، ورجال الكشي.

الصفحة 330 

الأخطل الكاهلي، عن عبد الله بن يحيى الكاهلي، قال: حججت فدخلت عليه، فقال لي: اعمل خيرا في سنتك هذه، فقد دنا أجلك. فبكيت، فقال: ما يبكيك؟ قلت: جعلت فداك، نعيت إلي نفسي.

فقال لي: أبشر، فإنك من شيعتنا، وإنك إلى خير.

قال الأخطل: لما لبث عبد الله بعد ذلك إلا يسيرا حتى مات.(1)

288 / 31 - وعنه، قال: أخبرنا أحمد بن محمد، عن محمد بن علي، عن علي ابن محمد، عن الحسن، عن عيسى شلقان، قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) أريد أن أسأله عن أبي الخطاب، فقال مبتدئا: ما يمنعك أن تلقى ابني، فتسأله عن جميع ما تريد. قال: فذهبت إليه وهو قاعد في الكتاب، وعلى شفتيه أثر مداد، فقال لي مبتدئا:

يا عيسى، إن الله (تبارك وتعالى) أخذ ميثاق النبيين على النبوة، فلن يتحولوا إلى غيرها عنها أبدا، وأخذ ميثاق الوصيين على الوصية، فلن يتحولوا عنها أبدا، وأعار قوما الإيمان زمانا، ثم سلبهم إياه، وإن أبا الخطاب ممن أعير الإيمان ثم سلبه الله إياه.

قال: فضممته إلى صدري وقبلت بين عينيه، فقلت: بأبي أنت وأمي * (ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم) * (2).

ثم رجعت إلى أبي عبد الله (عليه السلام) فقال لي: ما صنعت يا عيسى؟ قلت له: بأبي أنت وأمي، أتيته فأخبرني، مبتدئا من غير أن أسأله عن شئ، بجميع ما أردت.

قال: يا عيسى، إن ابني الذي رأيته، لو سألته عما بين دفتي المصحف لأجابك فيه بعلم.

قال عيسى: ثم أخرجه ذلك اليوم من الكتاب، فعلمت عند ذلك أنه صاحب هذا الأمر.(3)

289 / 32 - وروى الحسن، قال: أخبرنا أحمد بن محمد، عن محمد بن علي،

____________

(1) رجال الكشي: 448 / 842.

(2) آل عمران 3: 34.

(3) قرب الإسناد: 143، الخرائج والجرائح 2: 653 / 5، مدينة المعاجز: 433 / 26.

الصفحة 331 

عن علي، عن الحسن بن علي، عن علي بن أبي حمزة، قال: أرسلني أبو الحسن (عليه السلام) إلى رجل من أهل الوازارين، قلت: ليس يعرف الوازارين.

قال: الوازارين الذي يشتري غدد اللحم. قلت: قد عرفته.

قال: أتعرف فيه زقاقا يباع فيه الجواري؟ قلت: نعم.

قال: فإن على باب الزقاق شيخ يقعد على ظهر الطريق، بين يديه طبق فيه نبع (1)، يبيعه بنفسه للصبيان بفلس فلس، فائته واقرئه مني السلام، وأعطه هذه الثمانية عشر درهما، وقل له: يقول لك أبو الحسن: انتفع بهذه الدراهم، فإنها تكفيك حتى تموت.

قال: فأتيت الموضع، فطلبت الرجل فلم أجده في موضعه، فسألت عنه، فقالوا:

هذه الساعة يجئ، فلم ألبث أن جاء فقلت: فلان يقرئك السلام، وهذه الدنانير خذها، فإنها تكفيك حتى تموت. فبكى الشيخ، فقلت له: ما يبكيك؟ قال: ولم لا أبكي وقد نعيت إلي نفسي؟!

فقلت: ما عند الله خير لك مما أنت فيه.

قال: من أنت؟ قلت: أنا علي بن أبي حمزة.

قال: والله، ما كذبني، قال لي سيدي ومولاي: أنا باعث إليك مع علي بن أبي حمزة برسالتي.

فقلت: ومن أنت، لا أعرفك من إخواني؟

قال: أنا عبد الله بن صالح. قلت: وأين المنزل؟

قال: في سكة البربر (2)، عند دار أبي داود، وأنا معروف في منزلي، إذا سألت عني هناك.

قال: فلبثت عشرين ليلة وسألت عنه، فخبرت أنه شاك منذ أيام، فأتيت

____________

(1) النبع: شجر ينبت في قلة الجبل تتخذ منه القسي والسهام.

(2) في " ع، م ": للبربر.

الصفحة 332 

الموضع الذي وصف، فإذا الرجل في حد الموت، فسلمت عليه فأثبتني (1)، فقلت له:

أوصني بما أحببت، أنفذه من مالي.

قال: يا علي، لست أخلف إلا ابنتي، وهذه الدويرة، فإذا أنا مت فزوج ابنتي ممن أحببت من إخوانك، ولا تزوجها إلا من رجل يدين الله بدينك، فإذا فعلت، فبع داري واحمل ثمنها إلى أبي الحسن (عليه السلام)، ولتشهد لي بالوصية، ولا يلي أحد غسلي غيرك حتى تدخلني قبري.

ففعلت جميع ما أوصاني به، وزوجت ابنته رجال من أصحابنا له دين، وبعت داره، وحملت الثمن إلى أبي الحسن (عليه السلام)، وأخبرته بجميع ما أوصاني به.

فقال أبو الحسن (عليه السلام): رحمه الله، قد كان من شيعتنا، وكان لا يعرف.(2)

290 / 33 - وروى الحسن، قال: أخبرنا أحمد بن محمد، عن محمد بن علي، عن علي، عن شعيب العقرقوفي، قال: بعثت مولاي إلى أبي الحسن (عليه السلام) ومعه مائتي دينار، وكتبت معه كتابا، وكان من الدنانير خمسين دينارا من دنانير أختي فاطمة، وأخذتها سرا لتمام المائتي دينار، وكنت سألتها ذلك فلم تعطني، وقالت: إني أريد أن أشتري بها قراح (3) فلان بن فلان.

فذكر مولاي أنه قدم فسأل عن أبي الحسن (عليه السلام) فقيل له: إنه قد خرج، فأسرع في السير، فقال: والله، إني لأسير من المدينة إلى مكة في ليلة مظلمة، وإذا الهاتف يهتف بي: يا مبارك، يا مبارك (4) مولى شعيب العقرقوفي! قلت: من أنت؟

قال: أنا معتب يقول لك أبو الحسن (عليه السلام): هات الكتاب الذي معك، ووافني بما معك إلى منى.

قال: فنزلت من محملي، فدفعت إليه الكتاب، وصرت إلى منى، فدخلت عليه

____________

(1) أي عرفني حق المعرفة " لسان العرب - ثبت - 2: 20 ".

(2) مدينة المعاجز: 433 / 27.

(3) القراح: المزرعة التي ليس عليها بناء ولا فيها شجر " الصحاح - قرح - 1: 396 ".

(4) (يا مبارك) ليس في " ع ".

الصفحة 333 

وطرحت الدنانير عنده، فجر بعضها إليه، ودفع بعضها بيده، ثم قال لي: يا مبارك، ادفع هذه الدنانير إلى شعيب، وقل له: يقول لك أبو الحسن: ردها إلى موضعها الذي أخذتها منه، فإن صاحبتها تحتاج إليها.

قال: فخرجت من عنده، وقدمت على شعيب، فقلت له: قد رد عليك من الدنانير التي بعثت بها خمسين دينارا، وهو يقول لك: ردها إلى موضعها الذي أخذتها منه، فما قصة هذه الدنانير، فقد دخلني من أمرها ما الله به عليم.

فقال: يا مبارك، إني طلبت من فاطمة أختي خمسين دينارا لتمام هذه الدنانير، فامتنعت، وقالت: أريد أن أشتري بها قراح فلان بن فلان، فأخذتها سرا، ولم ألتفت إلى كلامها. قال شعيب: فدعوت بالميزان فوزنتها، فإذا هي خمسون دينارا، لا تزيد ولا تنقص.

قال: فوالله، لو حلفت عليها أنها دنانير فاطمة لكنت صادقا.

قال شعيب: فقلت لمبارك: هو والله إمام فرض الله طاعته، وهكذا صنع بي (1) أبو عبد الله (عليه السلام) الإمام من الإمام.(2)

291 / 34 - وروى الحسن، قال: حدثنا أحمد بن محمد، عن محمد بن علي، عن علي، عن الحسن، عن أبيه علي بن أبي حمزة، قال: قال لي أبو الحسن (عليه السلام) مبتدئا من غير أن أسأله عن شئ: يا علي، يلقاك غدا رجل من أهل المغرب، يسألك عني، فقل له: هو والله الإمام الذي قال لنا أبو عبد الله (عليه السلام)، وإذا سأل عن الحلال والحرام فأجبه عني.

قلت: ما علامته؟

قال: رجل طوال، جسيم، اسمه يعقوب، وهو رائد قومه، وإذا (3) أحب أن تدخله علي فأدخله.

____________

(1) (بي) ليس في " ط ".

(2) مناقب ابن شهرآشوب 4: 293، مدينة المعاجز: 434 / 28.

(3) في " م ": إن.

الصفحة 334 

قال: فوالله، إني لفي الطواف، إذ أقبل إلي رجل طوال جسيم، فقال: إني أريد أن أسألك عن صاحبك. قلت: عن أي أصحابي؟ قال: عن فلان بن فلان. قلت: ما اسمك؟ قال: يعقوب. قلت: من أين أنت؟ قال: من المغرب. قلت: من أين عرفتني؟

قال: أتاني آت في منامي، فقال لي: الق عليا فاسأله عن جميع ما تحتاج إليه، فسألت عنك حتى دللت عليك. فقلت: اقعد في هذا الموضع حتى أفرغ من طوافي، وآتيك إن شاء الله. فطفت، ثم أتيته، فكلمت رجلا عاقلا، وطلب إلي أن أدخله على أبي الحسن (عليه السلام)، فأخذت بيده، واستأذنت، فأذن لي، فلما رآه أبو الحسن (عليه السلام) قال:

يا يعقوب: قدمت أمس، ووقع بينك وبين أخيك شر في موضع كذا وكذا، حتى شتم بعضكم بعضا، وليس هذا من ديني ولا دين آبائي، ولا نأمر بهذا أحدا، فاتق الله وحده، فإنكما ستعاقبان بموت، أما أخوك فيموت في سفره قبل أن يصل إلى أهله، و ستندم أنت على ما كان، ذلك أنكما تقاطعتما فبتر الله أعماركما.

قال الرجل: جعلت فداك، فأنا متى أجلي؟

قال: كان حضر أجلك، فوصلت عمتك بما وصلتها في منزلك كذا وكذا فأنسأ (1) الله به أجلك عشرين سنة. قال: فلقيت الرجل قابل بمكة، فأخبرني أن أخاه توفي في ذلك الوجه، ودفنه قبل أن يصل إلى أهله.(2)

292 / 35 - وروى الحسن، قال: أخبرنا أحمد بن محمد، عن محمد بن علي، عن علي، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، قال: دخلت المدينة وأنا شديد المرض، وكان أصحابنا يدخلون علي، فلم أعقل بهم، وذلك أنه أصابني حصر (3)، فذهب عقلي، فأخبرني إسحاق بن عمار أنه أقام علي بالمدينة ثلاثة أيام لا يشك أنه لا يخرج منها حتى يدفنني ويصلي علي، فخرج وأفقت بعد خروج إسحاق، فقلت لأصحابي: افتحوا كيسي وأخرجوا منه مائة درهم، واقسموها في أصحابي. ففعلوا.

____________

(1) انسأ: أي أخر " لسان العرب - نسأ - 1: 166 ".

(2) رجال الكشي: 442 / 831، الخرائج والجرائح 1: 307 / 1، مناقب ابن شهرآشوب 4: 294، كشف الغمة 2: 245، الصراط المستقيم 2: 189 / 1.

(3) الحصر: احتباس البطن " لسان العرب - حصر - 4: 194 ".

الصفحة 335 

وأرسل إلي أبو الحسن (عليه السلام) بقدح فيه ماء، فقال الرسول: يقول لك أبو الحسن (عليه السلام): تشرب هذا الماء، فإن فيه شفاءك إن شاء الله (تعالى). ففعلت، فأسهل بطني وأخرج الله ما كنت أجده في بطني من الأذى.

فدخلت على أبي الحسن (عليه السلام) فقال: يا علي، كيف تجد نفسك؟

قلت: جعلت فداك، قد ذهب عني ما كنت أجده في بطني.

فقال: يا علي، أما إن أجلك كان قد حضر مرة بعد أخرى، ولكنك رجل وصول لقرابتك وإخوانك، فأنسأ الله في أجلك مرة بعد أخرى.

قال: وخرجت إلى مكة فلحقني إسحاق بن عمار، فقال: والله، لقد أقمت بالمدينة ثلاثة أيام، فأخبرني بقصتك. فأخبرته بما صنعت، وما قال لي أبو الحسن (عليه السلام).

فقال لي إسحاق بن عمار: هكذا قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) مرة بعد أخرى، وأصابني مثل الذي أصابك (1).

293 / 36 - وروى الحسن، قال: أخبرني أحمد بن محمد، عن محمد بن علي، عن علي، عن الحسن، عن أبي خالد الزبالي، قال: مر بي أبو الحسن (عليه السلام) يريد بغداد زمن المهدي، أيام كان أخذ محمد بن عبد الله، فنزل في هاتين القبتين، في يوم شديد البرد، في سنة مجدبة، لا يقدر على عود يستوقد به تلك السنة، وأنا يومئذ أرى رأي الزيدية، أدين الله بذلك، فقال لي: يا أبا خالد، إئتنا بحطب نستوقد.

قلت: والله، ما أعرف في المنزل عودا واحدا.

فقال: كلا، خذ (2) في هذا الفج (3) فإنك تلقى أعرابيا، معه حملين، فاشترهما منه، ولا تماكسه (4).

____________

(1) رجال الكشي: 445 / 838.

(2) في " ع ": جد.

(3) أي الطريق الواسع بين جبلين.

(4) ماكسه: أي طلب منه أن ينقص الثمن.

الصفحة 336 

فركبت حماري، وانطلقت نحو الفج الذي وصف لي، فإذا أعرابي معه حملين حطب، فاشتريتهما منه، وأتيته، فاستوقدوا منه يومهم، وأتيته بظرف مما عندنا، يطعم منه.

ثم قال: يا أبا خالد، انظر خفاف الغلمان ونعالهم، فأصلحها حتى نقدم عليك يوم كذا وكذا، من شهر كذا وكذا.

قال أبو خالد: وكتبت تاريخ اليوم، وليس همي غير هذه الأيام، فلما كان يوم الميعاد ركبت حماري، وسرت أميالا، ونزلت، فقعدت عند الجبل أفكر في نفسي، وأقول: والله، إن وافاني هذا اليوم الذي قال لي، فإنه الإمام الذي فرض الله طاعته على خلقه، لا يسع الناس جهله.

فقعدت حتى أمسيت، وأردت الانصراف، فإذا أنا براكب مقبل، فأشرت إليه فأقبل إلي فسلم، فرددت عليه السلام، فقلت: وراءك أحد؟

قال: نعم، قطار فيه نحو من عشرين، يشبهون أهل المدينة.

قال: فما لبثت أن ارتفع القطار، فركبت حماري وتوجهت نحو القطار، فإذا هو يهتف بي: يا أبا خالد، هل وفينا لك بما وعدناك؟

قلت: قد والله، كنت أيست من قدومك، حتى أخبرني راكب، فحمدت الله على ذلك، وعلمت أنك هو.

قال: ما فعلت القبتان اللتان كنا نزلنا فيهما؟ قلت: جعلت فداك، تذهب إليهما، وانطلقت معه حتى نزل القبتين، فأتيناه بغذاء فتغذى، وقال: ما حال خفاف الغلمان ونعالهم؟ قلت: أصلحتها، فأتيته بها، فسر بذلك، فقال: يا أبا خالد، زودنا من هذه الفسقارات (1) التي بالمدينة، فإنا لا نقدر فيها على هذه الأشياء التي تجدونها عندكم.

قال: فلم يبق شئ إلا زودته منه، ففرح وقال: سلني حاجتك. وكان معه محمد أخوه، قلت: جعلت فداك، أخبرك بما كنت فيه، وأدين الله به، إلى أن وقعت عليك، وقدمت علي، فسألتني الحطب، فأخبرتك بما أخبرتك، فأخبرتني بالأعرابي، ثم قلت لي

____________

(1) في " ط ": الفسقادات ولم نجد لها معنى مناسبا في كتب اللغة التي بين أيدينا.

 

 

الصفحة 337 

إني موافيك يوم كذا وكذا، من شهر كذا وكذا، كما قلت، لم ينقص، ولم يزد يوما واحدا، فعلمت أنك الإمام الذي فرض الله طاعته، لا يسع الناس جهلك، فحمدت الله لذلك، فقال: يا أبا خالد، من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية، وحوسب بما عمل في الاسلام.(1)

294 / 37 - وروى الحسن، قال: أخبرنا أحمد بن محمد، عن محمد بن علي الصيرفي، عن علي، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي بصير، قال:

دخلت على أبي الحسن (عليه السلام)، فقلت: جعلت فداك، بم يعرف (2) الإمام؟

قال: بخصال، أما أولهن فبشئ تقدم من أبيه فيه، وعرفه الناس، ونصبه لهم علما حتى يكون عليهم حجة، لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نصب أمير المؤمنين (عليه السلام) علما، وعرفه الناس، وكذلك الأئمة، يعرفونهم الناس، وينصبونهم لهم حتى يعرفوهم، ويسأل فيجيب، ويسكت عنه فيبتدئ، ويخبر الناس بما في غد، ويكلم الناس بكل لسان.

قلت: بكل لسان؟

قال: نعم. قلت: فأعطني علامة.

قال: نعم الساعة قبل أن تقوم أعطيك علامة تطمئن إليها.

قال: (3) ثم إنه مر علينا رجل من أهل خراسان، فكلمه الخراساني بالعربية، فأجابه بالفارسية. قال الخراساني: والله، ما منعني أن أكلمك بكلامي إلا أني ظننت أنك لا تحسن أن تجيبني.

قال: سبحان الله! إذا كنت لا أحسن أن أجيبك فما فضلي عليك؟! ثم قال: يا أبا محمد، إن الإمام لا يخفى عليه كلام أحد من الناس، ولا طير، ولا بهيمة، ولا شئ

____________

(1) مناقب ابن شهرآشوب 4: 294، مدينة المعاجز: 435 / 31، ونحوه في قرب الإسناد: 140، وإثبات الوصية: 165، وإعلام الورى: 305، والخرائج والجرائح 1: 315 / 8.

(2) في " ع، م ": نعرف.

(3) في " ط ": قلت: نعم.

الصفحة 338 

فيه روح، بهذا يعرف الإمام، فمن لم يكن فيه هذه الخصال، فليس بإمام.(1)

295 / 38 - وروى الحسن، قال: أخبرنا أحمد بن محمد، عن محمد بن علي، عن علي، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، قال: كنت عند أبي الحسن (عليه السلام) إذ دخل عليه ثلاثون مملوكا من الحبش، قد اشتروهم له، فكلم غلاما منهم، وكان جميلا من الحبش، ثم خرجوا، فقلت: جعلت فداك، لقد رأيتك تكلم هذا الغلام بالحبشية فبماذا أمرته؟

قال: أمرته أن يستوصي بأصحابه خيرا، ويعطيهم في كل هلال ثلاثين درهما، وذلك لما نظرت إليه علمت أنه غلام عاقل من أبناء ملوكهم، وأوصيته بجميع ما أحتاج، فقبل وصيتي، ومع هذا فهو غلام صدوق.

ثم قال: لعلك عجبت من كلامي بالحبشية! لا تعجب، فما يخفى عليك من أمر الحجة أكثر من ذلك وأعجب، وما هذا من الحجة في علمه إلا كطائر أخذ بمنقاره من البحر قطرة من ماء، أفترى الذي أخذ بمنقاره نقص من البحر شيئا؟! إن الإمام بمنزلة البحر، لا ينفد ما عنده، وعجائبه أكثر من ذلك.(2)

296 / 39 - وروى الحسن، قال: أخبرنا أحمد بن محمد، عن محمد بن علي، عن علي، عن الحسن، عن الحسين بن أبي العلاء، قال: كنت عنده ذات يوم وقد اشتريت له جارية نوبية، فقال لها: ما اسمك؟ قالت: مؤنسة.

قال لها: اسمك فلانة، وإنك كما سميت.

ثم قال: يا حسين، أما إنها ستلد غلاما لا يكون في ولدي أسخى منه، ولا أرق وجها، ولا أقضى للحاجة منه.

قلت: فما اسمه؟

قال: إبراهيم.

قال علي بن أبي حمزة: والله، إني أتيته بمنى مع أصحابي، إذ أتاني رسوله فقال

____________

(1) قرب الإسناد: 146، الكافي 1: 225 / 7، إثبات الوصية: 167، عيون المعجزات: 99، روضة الواعظين: 213، إعلام الورى: 304، الخرائج والجرائح 1: 333 / 24، مناقب ابن شهرآشوب 4: 299.

(2) قرب الإسناد: 144، الخرائج والجرائح 1: 312 / 5، الصراط المستقيم 2: 190 / 5.

الصفحة 339 

لي: يا علي، لا تنم الليلة حتى يأتيك رسولي، فبقيت تلك الليلة لا أنام، وأصحابي يساهدونني (1) الليل، فلما أصبحت إذا هو مقبل علي، ومعه أبناؤه جميعا، ونقل عياله وحشمه ومن معه، حتى نزل قرين الثعالب (2). ثم أتى مع الفجر على حمار له أسود، ومعه عمران خادمه، فسلم، فرددنا عليه السلام، وكأني أنظر إلى قوائم حماره من أطناب خيامنا، فقال: يا علي، أيما أحب إليك: أن تأتيني هاهنا، أو بمكة؟

قلت: أحبهما إليك.

قال: مكة خير لك. وانصرف، فقال لي عمران: تدري أين نزلنا العام؟

قلت: منزل أبي عبد الله (عليه السلام).

قال: لا، نزلنا العام في ذي طوى (3).

قلت: لا أعرف منزلكم.

قال: تعرف المسجد الصغير الذي على ظهر الطريق، الذي تصلي فيه المارة؟

قلت: نعم.

قال: اقعد لي ثم حتى آتيك.

فلما انصرفنا من منى أخذت طريقي إلى الموعد، فما استويت قاعدا حتى جاءني عمران، فقال: أجب. فأتيته، فوجدته في ظهر داره، في مسجد، قاعد، قد صلى المغرب، فلما دنوت منه، قال: اخلع نعليك فإنك بالواد المقدس طوى. فخلعت نعلي، وتخطيت المسجد، فقعدت معه، وأوتيت بخوان من خبيص مجفف بتمر، فأكلنا أنا وهو، وهو يقول لي: يا علي، كل تمرا. فأكلت، ثم رفع الخوان، فقال: يا علي، هلم الحديث، فوالله ما أنا بناعس ولا كسلان. وكنت أحدثه ثم غشيني النعاس (4)، فقال لي: قد

____________

(1) في " م، ط ": يشاهدوني.

(2) صحف في " م، ط، ع ": قرير المعالب، وفي مدينة المعاجز: قريش المقالب، وكذا في الموضع الآتي والظاهر صحة ما في المتن، وهو جبل قرب منى، بينه وبين مسجد منى ألف وخمسمائة وثلاثون ذراعا. راجع أخبار مكة للأزرقي 2: 185، الأعلاق النفيسة لابن رسته: 60.

(3) ذو طوى: موضع عند مكة، معجم البلدان 4: 45.

(4) في " ط ": ولا كسلان. فسألته سالبة من الليل ثم غشيني النعاس.

الصفحة 340 

نعست يا علي؟

قلت: جعلت فداك، ما غمضت البارحة.

قال: إن أم ولد لي من أكرم أمهات أولادي، ضربها الطلق، فحملتها إلى قرين الثعالب، مخافة أن يسمع الناس صوته، فرزقني الله في ليلتي هذه غلاما - كما بشرني - وقد سميته إبراهيم.

فلم يكن في ولد أبيه أحسن وأسخى منه، ولا أرق وجها، ولا أشجع منه.(1)

297 / 40 - وروى الحسن، قال: حدثنا أحمد بن محمد، عن محمد بن علي، عن علي، عن الحسن، عن عاصم الحناط (2)، عن إسحاق بن عمار (3)، قال: كنت عنده إذ دخل عليه رجل من أهل خراسان، فكلمه بكلام لم أسمع قط كلاما كان أعجب منه، كأنه كلام الطير، فلما خرج قلت: جعلت فداك، أي لسان هذا؟

قال: هذا كلام أهل الصين (4).

ثم قال: يا إسحاق، ما أوتي العالم من العجب أعجب وأكثر مما أوتي من هذا الكلام.

قلت: أيعرف الإمام منطق الطير؟

قال: نعم، ومنطق كل شئ، ومنطق كل ذي روح، وما سقط عليه شئ من الكلام.(5)

298 / 41 - وروى أحمد بن الحسن، عن الحسن بن برة، عن عثمان بن

____________

(1) الخرائج والجرائح 1: 310 / 4، الصراط المستقيم 2: 190 / 4، إثبات الهداة 5: 569 / 130.

(2) في " ع، م ": الخياط، تصحيف، صوابه ما في المتن راجع رجال النجاشي: 301، معجم رجال الحديث 9: 180.

(3) صحف في النسخ: عمران، وما في المتن هو الصواب، وهو إسحاق بن عمار الصيرفي، من أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام)، راجع رجال النجاشي: 71، معجم رجال الحديث 3: 52 و 61.

(4) في " م، ط ": الطير.

(5) الخرائج والجرائح 1: 313 / 6، الثاقب في المناقب 462 / 391، كشف الغمة 2: 247، الصراط المستقيم 2: 190 / 6.

الصفحة 341 

عيسى (1)، قال: دخلت علي أبي الحسن (عليه السلام) سنة الموت بمكة، وهي سنة أربع وسبعين ومائة (2)، فقال لي: من هاهنا من أصحابكم مريض؟

فقلت: عثمان بن عيسى من أوجع الناس، فقال: قل له يخرج.

ثم قال: من هاهنا؟ فعددت عليه ثمانية، فأمر بإخراج أربعة، وكف عن أربعة، فما أمسينا من غد حتى دفنا الأربعة الذين كف عن إخراجهم.

فقال عثمان بن عيسى: وخرجت أنا فأصبحت معافى.(3)

299 / 42 - وروى محمد بن الحسين، عن عبد الله بن سعيد (4) الدغشي، عن الحسن بن موسى، قال: اشتكى عمي محمد بن جعفر، حتى خفت عليه الموت.

قال: فكنا مجتمعين عنده إذ دخل أبو الحسن (عليه السلام) فقعد إلى ناحية (5)، وإسحاق عمي عند رأسه يبكي، فقعد قليلا ثم قام، فتبعته فقلت: جعلت فداك، يلومك إخوتك وأهل بيتك، ويقولون دخلت على عمك وهو في الموت، ثم خرجت.

فقال: ادن مني أخي، أرأيت هذا الباكي؟ سيموت وسيبكي عليه هذا.

قال: فبرأ محمد بن جعفر، واشتكى إسحاق فبكى عليه محمد.(6)

300 / 43 - وروى أبو حمزة، عن أبيه (7)، قال: كنت في مسجد الكوفة معتكفا

____________

(1) زاد في البحار والعوالم الناقلين عن البصائر: عن الحارث بن المغيرة النضري، والظاهر صحته كما يبدو ذلك من سياق الكلام، والسؤال والجواب. وفي سند البصائر: 284 / 11: عن خالد.

(2) ذكر الطبري في تاريخه 10: 53 في حوادث هذه السنة وقوع الوباء بمكة، فراجعه.

(3) بصائر الدرجات: 284 / 11 و: 285 / 16، الخرائج والجرائح 2: 714 / 12، مدينة المعاجز:

439 / 39، البحار 48: 55 / 61، عوالم الإمام الكاظم (عليه السلام): 105 / 14.

(4) في " ع، م ": سعد، راجع معجم رجال الحديث 10: 197.

(5) في " ع ": ناحيته.

(6) فرج المهموم: 231.

(7) في المناقب: علي بن أبي حمزة، والظاهر الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه.

الصفحة 342 

في شهر رمضان، في العشر الأواخر، إذ جاءني حبيب الأحوال بكتاب مختوم من أبي الحسن (عليه السلام) قدر أربع أصابع، فقرأته، فكان في كتابه: " إذا قرأت الكتاب الصغير المختوم، الذي في جوف كتابك، فأحرزه حتى أطلبه منك ".

قال: فأخذت الكتاب وأدخلته بيت بزي (1)، فجعلته في جوف صندوق مقفل، في جوف قمطر (2) مقفل، وبيت البز مقفل، ومفاتيح هذه الأقفال في حجرتي، فإذا كان الليل فهي تحت رأسي، وليس يدخل بيت بزي أحد غيري.

فلما حضر الموسم خرجت إلى مكة ومعي جميع ما كتب لي من حوائجه، فلما دخلت عليه قال: يا علي، ما فعل الكتاب الصغير الذي كتبت إليك، وقلت احتفظ به؟

قلت: جعلت فداك، عندي.

قال: أين؟ قلت: في بيت بزي، قد أحرزته، والبيت لا يدخله غيري.

قال: يا علي، إذا نظرت إليه أليس تعرفه؟

قلت: بلى، والله، لو كان بين ألف كتاب لأخرجته. فرفع مصلى تحته فأخرجه إلي، فقال: قلت: إن في البيت صندوق، في جوف قمطر مقفل، وفي جوف القمطر حق مقفل، وهذه المفاتيح معي في حجرتي بالنهار، وتحت رأسي بالليل؟

ثم قال: يا علي، احتفظ به، فلو تعلم ما فيه لضاق ذرعك.

قلت: قد وصفت لك، فما أغنى إحرازي.

قال علي: فرجعت إلى الكوفة والكتاب معي محتفظ به في (3) جبتي. فكان الكتاب مدة حياة علي في جبته، فلما مات جئت أنا ومحمد (4)، فلم يكن لنا هم إلا الكتاب، ففتقنا الجبة موقع الكتاب، فلم نجده، فعلمنا بعقولنا أن الكتاب قد صار إليه كما صار في المرة الأولى.(5)

____________

(1) أي ثيابي " لسان العرب - بزز - 5: 311 ".

(2) هو ما تصان فيه الكتب " لسان العرب - قمطر - 5: 117 ".

(3) في " ع، م " زيادة: يد.

(4) هما محمد والحسن ابنا علي بن أبي حمزة، كما في المناقب.

(5) الهداية الكبرى: 267، مناقب ابن شهرآشوب 4: 304 " نحوه "، إثبات الهداة: 5: 569 / 131، مدينة المعاجز: 439 / 41.

الصفحة 343 

301 / 44 - وروى أحمد بن محمد المعروف بغزال، قال: كنت جالسا مع أبي الحسن (عليه السلام) في حائط له، إذ جاء عصفور فوقع بين يديه، وأخذ يصيح، ويكثر الصياح، ويضطرب، فقال لي: تدري ما يقول هذا العصفور؟

قلت: الله ورسوله ووليه أعلم.

فقال: يقول: يا مولاي، إن حية تريد أن تأكل فراخي في البيت، فقم بنا ندفعها عنه، وعن فراخه.

فقمنا ودخلنا البيت، فإذا حية تجول في البيت، فقتلناها.(1)

302 / 45 - وحدثني أبو عبد الله الحسين بن عبد الله الحرمي، قال: حدثني أبو محمد هارون بن موسى بن أحمد التلعكبري، قال: حدثني أبو علي محمد بن همام، قال:

حدثنا جعفر بن محمد بن مالك الفزاري، عن أبي عقيلة، عن أحمد التبان، قال: كنت نائما على فراشي، فما أحسست إلا ورجل قد رفسني برجله، فقال لي: يا هذا، ينام شيعة آل محمد؟ فقمت فزعا، فلما رآني فزعا ضمني إلى صدره، فالتفت فإذا إنا بأبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام)، فقال: يا أحمد، توضأ للصلاة.

فتوضأت، وأخذني بيدي، فأخرجني من باب داري، وكان باب الدار مغلقا، ما أدري من أين أخرجني! فإذا أنا بناقة معقلة له، فحل عقالها وأردفني خلفه، وسار بي غير بعيد، فأنزلني موضعا فصلى بي أربعا وعشرين ركعة. ثم قال: يا أحمد، تدري في أي موضع أنت؟

قلت: الله، ورسوله، ووليه، (2) وابن رسوله، أعلم.

قال: هذا قبر جدي الحسين بن علي (عليه السلام).

ثم سار غير بعيد حتى أتى الكوفة، وإن الكلاب والحرس لقيام، ما من كلب ولا حارس يبصر شيئا، فأدخلني المسجد، وإني لأعرفه وأنكره، فصلى بي سبع عشرة

____________

(1) بصائر الدرجات: 365 / 19، الخرائج والجرائح 1: 359 / 13، مناقب ابن شهرآشوب 4: 334، كشف الغمة 2: 305، الصراط المستقيم 2: 197 / 10.

(2) (ووليه) ليس في " م ".

الصفحة 344 

ركعة. ثم قال: يا أحمد، تدري أين أنت؟

قلت: الله، ورسوله، وابن رسوله، أعلم.

قال: هذا مسجد الكوفة، وهذه الطست.

ثم سار غير بعيد وأنزلني، فصلى بي أربعا وعشرين ركعة. ثم قال: يا أحمد، أتدري أين أنت؟

قلت: الله، ورسوله، وابن رسوله، أعلم.

قال: هذا قبر جدي علي بن أبي طالب (عليه السلام).

ثم سار بي غير بعيد، فأنزلني، فقال لي: أين أنت؟

قلت: الله، ورسوله، وابن رسوله، أعلم.

قال: هذا الخليل إبراهيم.

ثم سار بي غير بعيد، فأدخلني مكة، وإني لأعرف البيت وبئر زمزم وبيت الشراب، فقال لي: يا أحمد، أتدري أين أنت؟

قلت: الله، ورسوله، وابن رسوله، أعلم.

قال: هذه مكة، وهذا البيت، وهذه زمزم، وهذا بيت الشراب.

ثم سار بي غير بعيد، فأدخلني مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) وقبره، فصلى بي أربعا وعشرين ركعة. ثم قال لي: أتدري أين أنت؟

قلت: الله، ورسوله، وابن رسوله، أعلم.

قال: هذا مسجد جدي رسول الله وقبره.

ثم سار بي غير بعيد، فأتى بي الشعب، شعب أبي جبير، فقال: يا أحمد، تريد أريك من دلالات الإمام؟ قلت: نعم.

قال: يا ليل، أدبر. فأدبر الليل عنا، ثم قال: يا نهار، أقبل. فأقبل النهار إلينا بالنور العظيم، وبالشمس حتى رجعت بيضاء نقية، فصلينا الزوال، ثم قال: يا نهار أدبر، يا ليل أقبل. فأقبل علينا الليل حتى صلينا المغرب، قال: يا أحمد، أرأيت؟ قلت:

حسبي هذا يا بن رسول الله.

الصفحة 345 

فسار حتى أتى بي جبلا محيطا بالدنيا، ما الدنيا عنده إلا مثل سكرجة (1)، فقال: أتدري أين أنت؟

قلت الله، ورسوله، وابن رسوله، أعلم.

قال: هذا جبل محيط بالدنيا. وإذا أنا بقوم عليهم ثياب بيض، فقال: يا أحمد، هؤلاء قوم موسى، فسلم عليهم. فسلمت عليهم فردوا علينا السلام.

قلت: يا بن رسول الله، قد نعست.

قال: تريد أن تنام على فراشك؟ قلت: نعم.

فركض برجله ركضة، ثم قال: نم (2). فإذا أنا في منزلي نائم، وتوضأت وصليت الغداة في منزلي.(3)

والحمد لله أولا وآخرا.

____________

(1) السكرجة: إناء صغير يؤكل فيه الشئ القليل من الأدم " مجمع البحرين - سكرج - 2: 310 ".

(2) في " ع، م ": قم.

(3) نوادر المعجزات: 160 / 3، مدينة المعاجز: 440 / 44.