في الأحاديث المختلفة

الصفحة 146 

في الأحاديث المختلفة(*)

قال أبو جعفر في الحديثين المختلفين... إلى آخره(1).

قال الشيخ المفيد - رحمه الله -: لم يوضح أبو جعفر - رحمه الله - عن الطريق التي توصل إلى علم ما يجب العمل عليه مما لا يجب، بل أجمل القول في ذلك إجمالا مع صدق الحاجة إلى التفصيل والتفرقة بين ما يلزم مما لا يلزم بما يتميز به كل واحد منهما ويعرف بذلك حق الحديث من باطله. والذي أثبته أبو جعفر - رحمه الله - من مجمل القول فيه لم يجد نفعا.

وقد تكلمنا على اختلاف الأحاديث وبينا فرق ما بين صحيحها(2) من سقيمها(3)، وحقها من باطلها، وما عليه العمل منها مما لا يعمل عليه، وما تتفق معانيه مع اختلاف ألفاظه، وما خرج مخرج التقية في الفتيا، وما الظاهر منه كالباطن في مواضع من كتبنا وأمالينا(4)، وبينا ذلك بيانا يرفع(5) الاشكال فيه لمن تأمل(6)، والمنة لله تعالى، فمن أراد معرفة هذا الباب فليرجع إلى كتابنا المعروف ب‍

____________

(*) وقد أشار المصنف إلى هذا الباب عند جوابه عن المسألة الثامنة من المسائل السروية إشارة إجمالية.

وانظر جواب المسألة التاسعة منها أيضا. چ.

(1) الاعتقادات ص 117.

(2) ( أ ) (ح) (ش): صحتها.

(3) ( أ ) (ح) (ش): سقمها.

(4) (ق): ورسائلنا.

(5) في المطبوعة: يرتفع.

(6) (ح): تأمله.

الصفحة 147 

(التمهيد) وإلى كتاب (مصابيح النور، وأجوبة مسائل أصحابنا من(1) الآفاق، يجد ذلك على ما ذكرناه.

فصل:

 

وجملة الأمر أنه ليس كل حديث عزي إلى الصادقين - عليهم السلام - حقا عليهم(2)، وقد أضيف إليهم ما ليس بحق عنهم [ ومن لا معرفة له لا يفرق ](3) بين الحق والباطل(4).

وقد جاء عنهم - عليهم السلام - ألفاظ مختلفة في معان مخصوصة، فمنها ما تتلازم معانيه وإن اختلفت ألفاظه، لدخول الخصوص فيه والعموم والندب والايجاب، ولكون بعضه على أسباب لا يتعداها(5) الحكم إلى غيرها، والتعريض في بعضها بمجاز الكلام لموضع التقية والمداراة، وكل من ذلك مقترن بدليله(6)، غير خال من برهانه، والمنة لله سبحانه.

وتفصيل هذه الجملة يصح ويظهر عند إثبات الأحاديث المختلفة، والكلام عليها ما قدمناه، والحكم في معانيها ما وصفناه، إلا أن المكذوب منها لا ينتشر بكثرة الأسانيد انتشار الصحيح المصدوق على الأئمة - عليهم السلام - فيه، وما

____________

(1) (ز): في.

(2) في المطبوعة: عنهم.

(3) (ز) وذلك غير خفي على من له معرفة تفرق به ما، ( أ ): وقد اشتبه على من لا معرفة له الفرق ما.

(ح): فيثبته على من لا معرفة له يفرق ما.

(4) ( أ ) زيادة: منها.

(5) (ق): يتعدى.

(6) (ح): بدليل.

الصفحة 148 

خرج للتقية لا تكثر روايته عنهم كما تكثر رواية المعمول به، بل لا بد من الرجحان في أحد الطرفين على الآخر من جهة الرواة حسب ما ذكرناه، ولم تجمع العصابة على شئ كان الحكم فيه تقية، ولا شئ دلس(1) فيه ووضع متخرصا(2) عليهم وكذب في إضافته إليهم.

فإذا وجدنا أحد الحديثين متفقا على العمل به دون الآخر علمنا أن الذي اتفق على العمل به هو الحق في ظاهره وباطنه، وأن الآخر غير معمول به، إما للقول فيه على وجه التقية، أو لوقوع الكذب فيه.

وإذا(3) وجدنا حديثا يرويه عشرة من أصحاب الأئمة - عليهم السلام - يخالفه حديث آخر في لفظه ومعناه ولا يصح الجمع بينهما على حال(4) رواه اثنان أو ثلاثة، قضينا بما رواه(5) العشرة ونحوهم على الحديث الذي رواه(6) الاثنان أو الثلاثة، وحملنا ما رواه القليل على وجه التقية أو توهم(7) ناقله.

وإذا وجدنا حديثا قد تكرر العمل به من خاصة أصحاب الأئمة - عليهم السلام - في زمان بعد زمان وعصر إمام بعد إمام قضينا به على ما رواه غيرهم من خلافه ما لم تتكرر الرواية به والعمل بمقتضاه حسب ما ذكرناه.

فإذا وجدنا حديثا رواه شيوخ العصابة ولم يرووا(8) على أنفسهم خلافه

____________

(1) في بعض النسخ: دس.

(2) في بعض النسخ: مخروصا، وفي بعض آخر تخرصا.

(3) (ز): فإذا.

(4) ( أ ) زيادة: وإن.

(5) (ز): روته.

(7) (ح): لوهم.

(8) في بعض النسخ: يوردوا.

الصفحة 149 

علمنا أنه ثابت، وإن روى غيرهم ممن ليس في العدد(1) وفي التخصيص بالأئمة - عليهم السلام - مثلهم إذ ذاك علامة الحق فيه، وفرق ما بين الباطل وبين الحق في معناه، وأنه لا يجوز أن يفتي الإمام - عليه السلام - على وجه التقية في حادثة فيسمع ذلك المختصون بعلم الدين من أصحابهم ولا يعلمون مخرجه على أي وجه كان القول فيه، ولو ذهب عن واحد منهم لم يذهب عن الجماعة، لا سيما وهم المعروفون بالفتيا(2) والحلال والحرام، ونقل الفرائض والسنن والأحكام.

ومتى وجدنا حديثا يخالفه الكتاب ولا يصح وفاقه له على حال أطرحناه، لقضاء الكتاب بذلك وإجماع [ الأئمة - عليهم السلام - ](3) عليه.

وكذلك إن وجدنا حديثا يخالف أحكام العقول أطرحناه لقضية العقل(4) بفساده، ثم الحكم بذلك على أنه صحيح خرج(5) مخرج التقية أو باطل أضيف إليهم موقوف على لفظه، وما تجوز الشريعة فيه القول بالتقية وتحظره وتقضي العادات بذلك أو تنكره. فهذه جملة ما انطوت عليه من التفصيل تدل على الحق في الأخبار المختلفة، والصريح فيها لا يتم إلا بعد إيراد الأحاديث، والقول في كل واحد منها ما بينا طريقه.

وأما ما تعلق به أبو جعفر - رحمه الله - من حديث سليم الذي رجع فيه إلى الكتاب المضاف(6) إليه برواية أبان بن أبي عياش، فالمعنى فيه صحيح، غير أن هذا الكتاب غير موثوق به، ولا يجوز العمل على أكثره، وقد حصل فيه تخليط وتدليس، فينبغي للمتدين أن يجتنب العمل بكل ما فيه، ولا يعول على جملته

____________

(1) في المطبوعة: العداد.

(2) (ز): في.

(3) (ز): الأمة.

(4) في المطبوعة: العقول.

(5) في بعض النسخ: أخرج.

(6) (ز): مضافا.

الصفحة 150 

والتقليد لرواته(1) وليفزع إلى العلماء فيما تضمنه من الأحاديث ليوقفوه(2) على الصحيح منها والفاسد، والله الموفق للصواب.

[ تمت وبالخير ختمت، قد فرغت من تحرير هذه الرسالة المتعلقة على اعتقادات ابن بابويه - رحمه الله - لشيخنا الإمام العلامة السعيد المفيد(3) - طاب ثراه - في اليوم التاسع من شهر محرم الحرام من شهور سنة ثمانين بعد الألف (1580) من الهجرة المصطفوية - على مشرفها وآله ألف تحية - وكتبها لنفسه ولمن يشاء الله من بعده العبد أحمد بن عبد العالي الميسي العاملي - تجاوز الله عن سيئاته، وحشره مع ساداته الأئمة الأطهار، صلوات الله عليهم أجمعين - آمين رب العالمين، بمنه وكرمه.

تمت المقابلة على نسخة حجة الاسلام السيد هبة الدين الحسيني، ببغداد، العراق ].

____________

(1) في المطبوعة: لراويه.

(2) (ح) (ش): ليفقهوه.

(3) استدراك - قال الحافظ الذهبي(*) (المتوفى سنة 748 ه‍) في كتابه (دول الاسلام - ص 180 ج 1 ط 2 هند 1364 ه‍) ما نصه: وفيها (يعني في سنة 413) مات... وشيخ علماء الرافضة أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان البغدادي المعلم ويلقب بالشيخ المفيد وكان ذا جلالة عظيمة في دولة بني بويه وكان عضد الدولة - ينزل إليه، عاش ستا وسبعين سنة وله مصنفات كثيرة وكان خاشعا متعبدا متألها شيعه ثمانون ألفا من الرافضة لا بارك الله فيهم. چ.

____________

(*) تلميذ الحافظ أحمد بن تيمية الحراني المتوفى سنة 728 ه‍ عن 67 سنة، مؤلف كتاب الرد على المنطقيين، ذلك الكتاب الفلسفي الذي قام بطبعه ونشره للمرة الأولى الأستاذ المفضال عبد الصمد شرف الدين الكتبي سنة 1368 ه‍ ببمباي - الهند، وكان طبعه في مطبعته القيمة في قالب قشيب جميل عن نسخة وحيدة كتب عليها المصنف بخطه مصدرا بمقدمة له وكلمة للدكتور السيد سليمان الندوي مدير مجلة (معارف) المحترم. أنظر (العرفان الأغر - ص 34 - 37 ج 1 مج 38 ط صيدا). چ.

الصفحة 151 

وإليه المرجع والمآب، والحمد لله على الهداية، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله(1). ربيع الأول 1358 ه‍. وأنا الأقل: السيد أحمد السيد هادي الحائري الشهرستاني - عفي عنه.

____________

(1) جاء في آخر النسخ المعتمدة ما يلي:

( أ ): قد فرغت من تحرير هذه الرسالة المتعلقة على اعتقادات ابن بابويه - رحمه الله تعالى - لشيخنا الإمام العلامة السعيد المفيد - طاب ثراه - في اليوم التاسع من شهر محرم الحرام، من شهور سنة ثمانين بعد الألف من الهجرة النبوية - على مشرفها ألف ألف تحية - وكتبها لنفسه ولمن يشاء الله تعالى من بعده: أحمد بن عبد العالي الميسي العاملي - تجاوز الله عن سيئاته، وحشره مع ساداته الأئمة الأطهار الأبرار صلوات الله عليهم أجمعين - آمين.

[ ثم قال الناسخ عنها ]: وأنا قد فرغت بعون الله وتوفيقه من تحريره في اليوم السادس من شهر محرم الحرام سنة أربع وخمسين وثلاثمائة بعد الألف من الهجرة النبوية، وأنا العبد الأحقر الجاني الحسن بن محمد الخياباني التبريزي.

(ح): تم شرح الشيخ المفيد - رحمه الله - على اعتقادات الشيخ أبي جعفر ابن بابويه القمي - رحمه الله - يوم الأحد التاسع وعشرون من شهر ربيع الثاني سنة تسع وسبعين بعد الألف، على يدي المذنب المحتاج إلى عفو مولاه مصطفى قلي - أعطاه الله العظيم بالنبي والوصي وآلهما الكرام... إلى الله الرحيم.

(ز): يقول الفقير إلى الله الغني، ابن زين العابدين محمد حسين الأرموي النجفي: هذا تمام ما في النسخة التي نسخت هذه منها واتفق لي الفراغ في آخر يوم من صفر سنة ألف ثلاثمائة واثنا وخمسين الهجري - على هاجرها ألف سلام وتحية - وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

(ش): قد فرغت من تحرير هذه الرسالة المتعلقة على اعتقادات ابن بابويه - رحمه الله - لشيخنا الإمام العلامة السعيد المفيد - طاب ثراه - إلا في بعض المواضع التي كانت ساقطة من المنتسخ. يسر الله حصولها، بيمين الفقير المذنب المحتاج إلى رحمة الله المعين شاه محمد بن زين العابدين، في بندر السورت من بنادر الهند، في غرة جمادى الثانية في السنة الثانية بعد الأربعين وألف، حامدا مصليا مسلما.

(م): وقع الفراغ من تسويد هذه النسخة الشريفة ليلة الاثنين تاسع شهر جمادى الأخرى، سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة بعد الألف من الهجرة النبوية - على هاجرها الصلاة والتحية - في شريعة الكوفة.