(في معرفة الولادة وفي أي ليلة وأي شهر ولد وأين ولد (صلوات الله عليه

الصفحة 497 

489 / 93 - حدثنا أبو المفضل محمد بن عبد الله، قال: حدثني محمد (1) بن إسماعيل الحسني، عن حكمية ابنة محمد بن علي الرضا (عليه السلام): أنها قالت: قال لي الحسن بن علي العسكري (عليه إسلام) ذات ليلة، أو ذات يوم: أحب أن تجعلي إفطارك الليلة عندنا، فإنه يحدث في هذه الليلة أمر.

فقلت: وما هو؟

قال: إن القائم من آل محمد يولد في هذه الليلة.

فقلت: ممن؟

قال: من نرجس. فصرت إليه، ودخلت إلى الجواري، فكان أول من تلقتني نرجس، فقالت: يا عمة، كيف أنت، أنا أفديك.

____________

(1) (محمد) ليس في " ط ".

(2) (إلى) ليس في " ط ".

الصفحة 498 

فقلت لها: بل أنا أفديك يا سيدة نساء (1) هذا العالم. فخلعت خفي وجاءت لتصب على رجلي الماء، فحلفتها ألا تفعل وقلت لها: إن الله قد أكرمك بمولود تلدينه في هذه الليلة. فرأيتها لما قلت لها ذلك قد لبسها ثوب من الوقار والهيبة، ولم أر بها حملا ولا أثر حمل.

فقالت: أي وقت يكون ذلك. فكرهت أن أذكر وقتا بعينه فأكون قد كذبت.

فقال لي أبو محمد (عليه السلام): في الفجر الأول. فلما أفطرت وصليت وضعت رأسي ونمت، ونامت نرجس معي في المجلس، ثم انتبهت وقت صلاتنا، فتأهبت، وانتبهت نرجس وتأهبت، ثم إني صليت، وجلست أنتظر الوقت، ونام الجواري، ونامت نرجس، فلما ظننت أن الوقت قد قرب خرجت فنظرت إلى السماء، وإذا الكواكب قد انحدرت، وإذا هو قريب من الفجر الأول، ثم عدت فكأن الشيطان أخبث قلبي (2).

قال أبو محمد: لا تعجلي، فكأنه قد كان. وقد سجد فسمعته يقول في دعائه شيئا لم أدر ما هو، ووقع علي السبات في ذلك الوقت، فانتبهت بحركة الجارية، فقلت لها: بسم الله عليك، فسكنت إلى صدري فرمت به علي، وخرت ساجدة، فسجد الصبي، وقال: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، وعلي (3) حجة الله. وذكر إماما إماما حتى انتهى إلى أبيه، فقال أبو محمد: إلي ابني. فذهبت لأصلح منه شيئا، فإذا هو مسوى مفروغ منه، فذهبت به إليه، فقبل وجهه ويديه ورجليه، ووضع لسانه في فمه، وزقه كما يزق الفرخ، ثم قال: اقرأ. فبدأ بالقرآن من بسم الله الرحمن الرحيم إلى آخره.

ثم إنه دعا بعض الجواري ممن علم أنها تكتم خبره، فنظرت، ثم قال: سلموا عليه وقبلوه وقولوا: استودعناك الله، وانصرفوا.

ثم قال: يا عمة، ادعي لي نرجس. فدعوتها وقلت لها: إنما يدعوك لتودعيه.

____________

(1) في تبصرة الولي: أفديك بما نشاهد.

(2) في الغيبة وبعض المصادر: فتداخل قلبي الشك.

(3) في " ع ": علي ولي الله و.

الصفحة 499 

فودعته، وتركناه مع أبي محمد (عليه السلام)، ثم انصرفنا.

ثم إني صرت إليه من الغد، فلم أره عنده، فهنأته فقال: يا عمة هو في ودائع الله، إلى أن يأذن الله في خروجه (1).

490 / 94 - وأخبرني أبو الحسين محمد بن هارون، قال: حدثني أبي (رضي الله عنه)، قال: حدثنا أبو علي محمد بن همام، قال: حدثنا جعفر بن محمد، قال: حدثنا محمد بن جعفر، عن أبي نعيم (2)، عن محمد بن القاسم العلوي، قال: دخلنا جماعة من العلوية على حكيمة بنت محمد بن علي بن موسى (عليهم السلام)، فقالت: جئتم تسألونني (3) عن ميلاد ولي الله؟ قلنا: بلى والله.

قالت: كان عندي البارحة، وأخبرني بذلك، وإنه كانت عندي صبية يقال لها (نرجس) وكنت أربيها من بين الجواري، ولا يلي تربيتها غيري، إذ دخل أبو محمد (عليه السلام) علي ذات يوم فبقي يلح النظر إليها، فقلت: يا سيدي، هل لك فيها من حاجة؟

فقال: إنا معشر الأوصياء لسنا ننظر نظر ريبة، ولكنا ننظر تعجبا أن المولود الكريم على الله يكون منها.

قالت: قلت: يا سيدي، فأروح بها إليك؟

قال: استأذني (4) أبي في ذلك. فصرت إلى أخي (عليه السلام)، فلما دخلت عليه تبسم ضاحكا وقال: يا حكيمة، جئت تستأذنيني في أمر الصبية، ابعثي بها إلى أبي محمد، فإن الله (عز وجل) يحب أن يشركك في هذا الأمر.

فزينتها وبعثت بها إلى أبي محمد (عليه السلام)، فكنت بعد ذلك إذا دخلت عليها

____________

(1) حلية الأبرار 2: 522 و 533 و 536 نحوه، تبصرة الولي: 15 / 3، مدينة المعاجز: 589 / 5.

(2) هو محمد بن أحمد الأنصاري، روى عنه محمد بن جعفر بن عبد الله، انظر ما يأتي في الحديث (95) وغيبة الطوسي: 246 و 259.

(3) في " م، ط ": تسألون.

(4) في " ع ": استأذن.

الصفحة 500 

تقوم فتقبل جبهتي فأقبل رأسها، وتقبل (1) يدي فأقبل رجلها، وتمد يدها إلى خفي لتنزعه فأمنعها من ذلك، فأقبل يدها إجلالا وإكراما للمحل الذي أحله الله (تعالى) فيها، فمكثت بعد ذلك إلى أن مضى أخي أبو الحسن (عليه السلام)، فدخلت على أبي محمد (عليه السلام) ذات يوم فقال: يا عمتاه، إن المولود الكريم على الله ورسوله (2) سيولد ليلتنا هذه.

فقلت: يا سيدي، في ليلتنا هذه؟ قال: نعم. فقمت إلى الجارية فقلبتها ظهرا لبطن، فلم أر بها حملا، فقلت: يا سيدي، ليس بها حمل. فتبسم ضاحكا وقال: يا عمتاه، إنا معاشر (3) الأوصياء ليس يحمل بنا في البطون، ولكنا نحمل في الجنوب.

فلما جن الليل صرت إليه، فأخذ أبو محمد (عليه السلام) محرابه، فأخذت محرابها فلم يزالا يحييان الليل، وعجزت عن ذلك فكنت مرة أنام ومرة أصلي إلى آخر الليل، فسمعتها آخر الليل في القنوت، لما انفتلت من الوتر مسلمة، صاحت: يا جارية، الطست. فجاءت بالطست فقدمته إليها فوضعت صبيا كأنه فلقة قمر، على ذراعه الأيمن مكتوب: * (جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) * (4). وناغاه ساعة حتى استهل، وعطس، وذكر الأوصياء قبله، حتى بلغ إلى نفسه، ودعا لأوليائه على يده بالفرج.

ثم وقعت ظلمة بيني وبين أبي محمد (عليه السلام)، فلم أره، فقلت: يا سيدي، أين الكريم على الله؟ قال: أخذه من هو أحق به منك. فقمت وانصرفت إلى منزلي، فلم أره.

وبعد أربعين يوما دخلت دار أبي محمد (عليه السلام). فإذا أنا بصبي يدرج في الدار، فلم أر وجها أصبح (5) من وجهه، ولا لغة أفصح من لغة، ولا نغمة أطيب من نغمته،

____________

(1) في " ع " زيادة: يدي فأقبل رأسها وتقبل.

(2) (ورسوله) ليس في " ع، م ".

(3) في " ع ": معشر.

(4) الاسراء 17: 81.

(5) في " ط ": أحسن.

الصفحة 501 

فقلت: يا سيدي، من هذا الصبي؟ ما رأيت أصبح وجها منه، ولا أفصح لغة منه، ولا أطيب نغمة منه.

قال: هذا المولود الكريم على الله.

قلت: يا سيدي، وله أربعون يوما، وأنا (1) أرى من أمره هذا!

قالت: فتبسم ضاحكا وقال: يا عمتاه، أما علمت أنا معشر الأوصياء ننشأ في اليوم كما ينشأ غيرنا في الجمعة، وننشأ في الجمعة كما ينشأ غيرنا في الشهر، وننشأ في الشهر كما ينشأ (2) غيرنا في السنة! فقمت فقبلت رأسه وانصرفت إلى منزلي، ثم عدت، فلم أره، فقلت: يا سيدي، يا أبا محمد، لست أرى المولود الكريم على الله.

قال: استودعناه من استودعته أم موسى موسى. وانصرفت وما كنت أراه إلا كل أربعين يوما.

وكانت الليلة التي ولد فيها ليلة الجمعة، لثمان ليال خلون من شعبان، سنة سبع وخمسين ومائتين من الهجرة.

ويروى: ليلة الجمعة النصف من شعبان سنة سبع.(3)

نسبه (عليه السلام)

هو الخلف بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (4) بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ابن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر ابن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أد

____________

(1) في " ط " زيادة: لا.

(2) في " م، ط ": الأوصياء ننشأ في الشهر ما ينشأ.

(3) حلية الأبرار 2: 534، مدينة المعاجز: 590 / 8، تبصرة الولي 19 / 4.

(4) في " م، ط ": عبد مناف.

الصفحة 502 

ابن أدد بن الهميسع بن يشخب بن تيم بن نكث بن قيذار بن إسماعيل بن إبراهيم (عليهم السلام).

وكناه:

أبو القاسم، وأبو جعفر، وله كنى أحد عشر إماما.

وألقابه:

المهدي، والخلف، والناطق (1)، والقائم، والثائر، والمأمول، والمنتظر، والوتر، والمديل، والمعتصم، والمنتقم، والكرار، وصاحب الرجعة البيضاء والدولة الزهراء، والقابض، والباسط، والساعة، والقيامة، والوارث، والجابر (2)، وسدرة المنتهى، والغاية القصوى، وغاية الطالبين، وفرج المؤمنين، ومنية الصبر، والمخبر بما لم (3) يعلم، وكاشف الغطاء، والمجازي بالأعمال، ومن لم يجعل له من قبل سميا - أي شبها - وذات الأرض، والهول الأعظم، واليوم الموعود، والداعي إلى شئ نكر، ومظهر الفضائح، ومبلي السرائر، ومباني الآيات، وطالب التراث، والفزع الأعظم، والاحسان، والمحسن، والعدل، والقسط، والصبح، والشفق، وعاقبة الدار، والمنعم، والأمان، والسناء، والضياء، والبهاء، والمجاب (4)، والمضئ، والحق، والصدق، والصراط، والسبيل، والعين الناظرة، والأذن السامعة، واليد الباسطة، والجانب، والجنب، والوجه، والنفس، والتأييد، والتمكن، والنصر، والفتح، والقوة، والعزة، والقدرة، والملك، والتمام.

فنشأ مع أبيه (عليه السلام) بسر من رأى ثلاث سنين، وأقام بها بعد وفاة أبيه إحدى عشرة سنة، ثم كانت الغيبة التي لا بد منها، إلى أن يظهر الله له الأمر فيأذن له، فيظهر (5).

ولد ليلة الجمعة لثمان خلون من شعبان سنة سبع وخمسين ومائتين من الهجرة،

____________

(1) (والناطق) ليس في " ع ".

(2) في " ط ": والحاشر.

(3) في " ط ": ومنته العبر، ومخبر بما لا.

(4) في " ع، م ": الحجاب.

(5) في " ع، م " زيادة: لأن، وكأن بعدها كلام محذوف أو ساقط.

الصفحة 503 

ومضى أبو محمد (عليه السلام) يوم الجمعة لثمان ليال خلون من ربيع الأول سنة ستين ومائتين من الهجرة.

وكان أحمد بن إسحاق القمي الأشعري (رضي الله عنه) الشيخ الصدوق، وكيل أبي محمد (عليه السلام)، فلما مضى أبو محمد (عليه السلام) إلى كرامة الله (عز وجل) أقام على وكالته مع مولانا صاحب الزمان (صلوات الله عليه) تخرج إليه توقيعاته، ويحمل إليه الأموال من سائر النواحي التي فيها موالي مولانا، فتسلمها إلى أن استأذن في المصير (1) إلى قم، فخرج الإذن بالمضي، وذكر أنه لا يبلغ إلى قم، وأنه يمرض ويموت في الطريق، فمرض بحلوان (2) ومات ودفن بها (رضي الله عنه).

وأقام مولانا (صلوات الله عليه) بعد مضي أحمد بن إسحاق الأشعري بسر من رأى مدة، ثم غاب لما روي في الغيبة من الأخبار عن السادة (عليهم السلام)، مع ما أنه مشاهد في المواطن الشريفة الكريمة العالية، والمقامات العظيمة، وقد دلت الآثار على صحة مشاهدته (عليه السلام) (3).

 

*  *  *

 

____________

(1) في " ط ": المسير.

(2) حلوان: تطلق على عدة مواضع، والمراد هنا حلوان العراق، وهي آخر حدود السواد مما يلي الجبال، كانت مدينة عامرة ثم خرجت. معجم البلدان 2: 290.

(3) راجع كمال الدين وتمام النعمة: 464، رجال الكشي: 557 / 1052، الخرائج والجرائح 1: 483 / ذيل حديث (22)، الاحتجاج 2: 449.