دور الشيعة في بناء الحضارة الإسلامية وازدهار العلوم

دور الشيعة في بناء الحضارة الإسلامية وازدهار العلوم

 

    الحضارة تقابل البداوة ، وتطلق على الاقامة في الحضر وهي الكلمة الدارجة في أيّامنا هذه على ألسن الخطباء وقلم الكتّاب وكلمة التمدّن هي التي كانت رائجة سابقاً.

    ولقد شهدت الحياة البشرية على هذا الكوكب ( الأرض ) حضارات متعدّدة ، لكلٍّ ميزاتها وخصائصها التي ضبطها التاريخ ، وأفصحت عنها الاكتشافات الأثرية.

    ومن مشاهير هذه الحضارات : الحضارة الصينية ـ المصرية ـ البابلية ـ اليونانية الرومانية ـ الفارسية ـ وأخيراً الحضارة الغريبة ولكل انطباعاتها الخاصة.

    وأمّا الحضارة الإسلامية فهي التي تتوسّط بين الحضارة الأخيرة ( الغربية ) وما تقدّمها. وهي أكبر الحضارات في تاريخ الإنسان وأكثرها اهتماماً بالعلم والفلسفة والأدب والفنون. وهي الأساس الوطيد الذي قامت عليه حركة النهضة الاوربية. ولقد وضع عشرات من العلماء موسوعات وكتب لبيان ما قدّمته الحضارة الإسلامية من خدمات جليلة إلى المجتمع البشري في المجالات المختلفة.

    وليست الحضارة الإسلامية حضارة عربية ابتدعتها العرب ، بمواهبها وتجاربها بل حضارة الشعوب الإسلامية من عرب وفرس وترك وغيرهم من القوميات ، الذين ذابوا في الإسلام ونسوا قومياتهم ومشخّصاتهم العنصرية والبيئية. وكلّما

 

________________________________________

(528)

تُستخدم الحضارة العربية يراد منها الحضارة الإسلامية. التي انبثقت بطلوع فجر الإسلام في الجزيرة العربية وانتشرت بانتشاره بسرعة عجيبة فخفقت راياتها في بقاع واسعة من العالم فامتدّت من حدود الصين شرقا ، إلى المحيط الأطلسي غربا.

    إنّ الحضارة الحقيقة تتميّز بانعدام الهمجية والفوضى الاجتماعية ، وباستغلال الموارد الطبيعية والمواهب البشرية إلى أقصى الحدود. كما تتميز بتقدّم العلوم وازدهار الآداب والفنون ، وسموّ المطامح الإنسانية وحلول التنظيم الاجتماعي.

    إنّ الحضارة تتألّف من عناصر أربعة :

    1 ـ الموارد الاقتصادية.

    2 ـ النظم السياسية.

    3 ـ التقاليد الخلقية.

    4 ـ متابعة العلوم والفنون.

    وهي تبدأ حيث ينتهي الاضطراب والقلق لأنّه إذا ما أمن الإنسان من الخوف تحرّرت في نفسه دوافع التضلّع وعوامل الابداع والانشاء وبعدئذ لا تنفك الحوافز الطبيعية تستنهضه للمضي في طريقه إلى فهم الحياة وازدهارها (1).

    وما ذكره ذلك العالم الباحث من اُسس الحضارة وأركانها يرجع إلى تفسير الحضارة بالمعنى الجامع الشامل للحضارة الإلهية والمادّية. وأمّا بالنظر إلى الحضارة المرتكزة على الاُسس الدينية فمن أهم أركانها توعية الإنسان في ظلال الاعتقاد باللّه سبحانه واليوم الآخر. حتّى يكون هو الدافع إلى العمل والالتزام بالسلوك الأخلاقي والديني. فالحضارة المنقطعة عن التوعية الدينية حضارة صناعية

________________________________________

1 ـ ويل دورانت : قصة الحضارة 1 / 3.

________________________________________

(529)

لا إنسانية ، وتمدّن مادّي وليس بالهي.

    إنّ مؤسّس الحضارة الإسلامية هو النبيّ الأكرم ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) وقد جاء بسنن وقوانين دفعت البشرية إلى مكارم الأخلاق ومتابعة العلوم والفنون ، واستغلال الموارد الطبيعية وتكوين مجتمع تسود فيه النظم الاجتماعية المستقيمة.

    ولا يشك في ذلك من قرأ تاريخ الإسلام وتاريخ النبيّ الأكرم ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) خصوصاً إذا قارن بين حياة البشرية بعد بزوغ شمس الإسلام بما قبلها.

    ثمّ إنّ المسلمين شيدوا أركان الحضارة الإسلامية في ظل الخطوط التي رسمها النبيّ الأكرم من خلال القرآن والسنّة فأصبح لهم قوّة اقتصادية ، ونظم سياسية ، وتقاليد دينية وخلقية وأصبحت العلوم والفنون تتطوّر وتتقدم. وقد قاموا بترجمة كتب اليونانيين والفرس وغيرهم إلى لغتهم فصارت الحضارة الإسلامية مزدهرة. بفضل هذه العلوم وتطويرها. فصارت المكتبات عامرة بآلاف الكتب المتنوّعة.

    انّ لكلّ حضارة طابعاً خاصاً. فلبعضها طابع اقتصادي ولاُخرى طابع عسكري ، ولثالث طابع فنّي معماري وهكذا ، ولكن الحضارة الإسلامية تتمتّع بمجموع هذه المميزات فلم تترك ميزة دون اُخرى.

    والذي يطيب لنا في هذا الفصل ، ذكر مشاركة الشيعة في بناء هذه الحضارة خصوصاً فيما يرجع إلى الركن الرابع وهو متابعة العلوم والفنون ، وأمّا الأركان الثلاثة الباقية فغير مطلوبة لنا في هذا الفصل وذلك :

    لأنّ الموارد الاقتصادية شارك فيها المسلمون انطلاقاً من دوافعهم النفسية من خلال الاهتمام بالاُمور التالية :

    1 ـ التنمية الزراعية بأنواعها المختلفة من الحبوب والفاكهة وغيرهما.

 

________________________________________

(530)

    2 ـ استخراج المعادن الذهبية ، والفضّية ، والأحجار ، النفيسة الكريمة ، كالفيروز ، والعقيق ، والزمرّد واللؤلؤ والمرجان.

    3 ـ إحداث القنوات المائية وبناء السدود. وتقسيم الماء ، ومحاربة طغيانه.

    4 ـ تربية الحيوانات الأليفة وصيد السمك والطيور.

    5 ـ صناعة الألبسة والأقمشة والستور والسجاد.

    6 ـ صناعة الورق وكتابة الكتب ونشرها في العالم.

    7 ـ ايجاد المواصلات البرّية والبحريّة ، وتنظيم حركة الملاحة ، ومحاربة قطاع الطرق واللصوص في البحر والبر.

    8 ـ العناية الفائقة بالتجارة وعقد الاتّفاقيات التجارية مع البلدان المجاورة ، إلى غير ذلك ممّا يوجب ازدهار الوضع الاقتصادي ، فلا يصح ابعاد قوم عن تلك الساحة وتخصيص الازدهار الاقتصادي بطائفة دون اُخرى فإنّ الإنسان حسب الفطرة والدافع الغريزي ، ينساق إلى ذلك.

    وأمّا النظم السياسية فقد نضجت في الدولتين الاموية والعباسية في حقول شتى : الادارة والعسكرية البرية منها والبحرية ، فقد قامت كل دولة في مصر الخلفاء بواجبها من غير فرق بين الدول الشيعية منها كالحمدانيين والبويهيين والفاطميين وغيرهم كالسامانية والسلاجقة والغزاونة وهكذا.

    وأمّا التقاليد الخلقية فقد كانت منبثقة من صميم الإسلام ومأخوذة من الكتاب والسنّة وأمّا التقاليد القومية لقد أفسح الإسلام لها المجال إذا لم تكن معارضة لمبادئ الشريعة والمثل الأخلاقية الإسلامية.

    فلأجل ذلك نركز على الركن الرابع من هذه الأركان الأربعة للحضارة ، وهو متابعة العلوم والفنون فهي الطابع الأساسي للحضارة الإسلامية وبها تتميّز عن ما تقدّم عليها وعن ما تأخّر عنها ، فنأتي بموجز عن دور الشيعة في بناء هذا الركن أي ازدهار

(531)

العلوم والفنون ليظهر أنّهم كانوا في الطليعة وكان لهم الدور الأساسي.

    إنّ الحضارة الإسلامية تستمد من الكتاب والسنّة فكل من قدّم خدمة للقرآن لفظاً ومعنى ، صورة ومادة فقد شارك في بناء الحضارة الإسلامية ومثله السنّة وإليك البيان.

 

    1 ـ قدماء الشيعة وعلم النحو :

    إنّ دراسة القرآن بين الاُمة ونشر مفاهيمه ، يتوقّف على معرفة العلوم التي تعد مفتاحاً له إذ لولا تلك العلوم لكانت الدراسة ممتنعة ، ونشرها في ربوع العالم غير ميسور ، جدّاً. بل لولا هذه العلوم ونضجها لحرم جميع المسلمين حتّى العرب منهم من الاستفادة من القرآن الكريم. لأنّ الفتوحات فرضت على المجتمع العربي الاختلاط مع بقية القوميات وسبَّب ذلك خطراً على بقاء اللغة العربية وكان العرب عند ظهور الإسلام يعربون كلامهم على النحو الذي في القرآن إلاّ من خالطهم من الموالي والمتعرّبين ، ولكن اللحن لم يكثر إلاّ بعد الفتوح وانتشار العرب في الآفاق فشاع اللحن في قراءة القرآن فمست الحاجة الشديدة إلى ضبط قواعد اللغة (1).

    فقام أبو الأسود الدؤلي بوضع قواعد نحوية بأمر الامام أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) فأبو الأسود إمّا واضع علم النحو أو مدوّنه وكان من سادات التابعين ، صاحب عليّاً وشهد معه صفين. ثمّ أقام في البصرة. يقول الشيخ أبو الحسن سلامة الشامي النحوي : إنّ علياً دخل عليه أبو الأسود يوماً. قال : فرأيته مفكّراً ، فقلت له : مالي أراك مفكّراً يا أميرالمؤمنين ؟ قال : إنّي سمعت من بعض الناس لحناً وقد هممت أن أضع كتاباً أجمع فيه كلام العرب. فقلت : إن فعلت ذلك أحييت

________________________________________

1 ـ جرجي زيدان : تاريخ آداب اللغة العربية 1 / 219.

________________________________________

(532)

أقواماً من الهلاك فألقى إليّ صحيفة فيها : الكلام كلّه إسم وفعل وحرف. فالإسم ما دلّ على المسمّى ، والفعل ما دلّ على حركة المسمّى ، والحرف ما أنبأ عن معنى وليس بإسم ولا فعل وجعل يزيد على ذلك زيادات قال : واستأذنته أن اصنع في النحو ما صنع فأذِن وأتيته به فزاد فيه ونقص ، وفي رواية أنّه ألقى إليه الصحيفة وقال له : انح نحو هذه فلهذا سمّي النحو نحوا (1).

    ومن المعلوم انّ هذه القواعد لم تكن تسد الحاجة الملحّة. ولكن أبا الأسود قام باكمالها وضبطها وبتمييز المنصوب من المرفوع والاسم من الفعل بعلامات نسمّيها الاعراب فالروايات مجمعة على أنّ أبا الأسود ( وهو شيعي المذهب توفّي سنة 69 ) إمّا مدوّن علم النحو أو واضعه وأضحى مادوَّنه مصدراً لهذا العلم في العصور الّلاحقة وهناك كلام لابن النديم دونك لفظه. يقول :

    قال محمّد بن إسحاق : زعم أكثر العلماء أنّ النحو اُخذ عن أبي الأسود الدؤلي وأنّ أبا الأسود أخذ ذلك عن أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ).

    ثمّ نقل عن الطبري وقال : انّما سمّي النحو نحواً لأنّ أبا الأسود الدؤلي قال لعلي ( عليه السلام ) وقد ألقى عليه شيئاً من اُصول النحو قال أبو الأسود : واستأذنته أن أصنع نحو ما صنع ، فسمّي ذلك نحواً (2).

    2 ـ وإذا كان أبو الأسود الدؤلي واضعاً للنحو فالخليل بن أحمد الفراهيدي هو المنقّح له والباسط له. قال أبوبكر محمّد بن الحسن الزبيدي : والخليل بن أحمد ، أوحد العصر ، وفريد الدهر ، وجهبذ الاُمة واُستاذ أهل الفطنة الذي لم ير نظيره ولا

________________________________________

1 ـ حسن الصدر : تأسيس الشيعة 51 ولقد بلغ الغاية في ذلك المجال فنقل كلمات المؤرّخين في ما قام به الأمام وتلميذه في تأسيس علم النحو.

2 ـ ابن النديم : الفهرست 66 وللكلام صلة من أراد فليرجع إلى المصدر.

________________________________________

(533)

عرف في الدنيا عديلة ، وهو الذي بسط النحو ومدّ اطنابه وسبب علله وفتق معانيه وأوضح الحجاج فيه ، حتّى بلغ أقصى حدوده وانتهى إلى ابعد غايته ...

    وسيوافيك انّ الخليل من أصحاب الامام الصادق ومن شيعته.

    ثمّ إنّ علماء الفريقين شاركوا في نضج هذا العلم وايصاله إلى القمة.

    وليس للمنصف بخس حق طائفة لمصالح اُخرى ولكن لمّا كان الهدف هو بيان دور الشيعة في تطوير العلوم وتتبّعها نذكر من خدم علم النحو من قدماء الشيعة فقط منهم.

    1 ـ عطاء بن أبي الأسود : قال الشيخ الطوسي في باب أصحاب الحسين بن علي : ومنهم ابن أبي الأسود الدؤلي. وقال الحافظ السيوطي في الطبقات : عطاء ، استاذ الأصمعي وأبو عبيدة (1).

    2 ـ أبو جعفر محمّد بن الحسن بن أبي سارة الرواسي الكوفي : قال السيوطي : هو أوّل من وضع من الكوفيين كتاباً في النحو وسمّاه الفيصل وهو اُستاذ الكسائي والفرّاء (2).

    قال النجاشي : روى هو وأبوه عن أبي جعفر وأبي عبداللّه ( عليهما السلام ) وله كتاب الوقف والابتداء ، وكتاب الهمز ، وكتاب اعراب القرآن (3).

    3 ـ حمران بن أعين أخو زرارة بن أعين : كان نحوياً إماماً فيه ، عالماً بالحديث واللغة والقرآن ، أخذ النحو والقراءة عن ( ابن ) أبي الأسود ، وأخذ عنه الفراء وحمزة أحد السبعة وأخذ الحديث عن الامام السجاد والباقر والصادق. وآل أعين بيت كبير بالكوفة من أجلّ بيوت الشيعة ولأبي غالب الزراري

________________________________________

1 ـ تأسيس الشيعة 65.

2 ـ تأسيس الشيعة 67.

3 ـ النجاشي : الرجال 2 / 200 برقم 884.

________________________________________

(534)

رسالة في ترجمة آل أعين قال : كان حمران من أكابر مشايخ الشيعة وكان عالماً بالنحو واللغة (1).

    4 ـ أبو عثمان المازني : بكر بن محمّد : قال النجاشي : كان سيد أهل العلم بالنحو والعربية واللغة ومقدمته بذلك مشهورة ، وكان من علماء الإمامية ، قد تأدّب على يد إسماعيل بن ميثم (2) له في الأدب كتاب التصريف ، كتاب ما يلحن فيه العامة ، التعليق. مات سنة 248 (3).

    5 ـ ابن السكيت : يعقوب بن إسحاق السكيت : كان مقدّماً عند أبي جعفر ( الجواد ) وأبي الحسن ( الهادي ) ( عليهما السلام ) وكانا يختصّانه. وله عن أبي جعفر ( عليه السلام ) رواية ومسائل ، وقتله المتوكّل لأجل تشيّعه ، وأمره مشهور ، وكان وجيهاً في علم العربية واللغة ، ثقة ، مصدّقاً ، لا يطعن عليه. وله كتب : إصلاح المنطق ، كتاب الألفاظ ، كتاب ما اتّفق لفظه واختلف معناه ، كتاب الأضداد ، كتاب المذكّر والمؤنّث ، كتاب المقصور والممدود ، و ... (4).

    وسبب قتله : انّ المتوكل سأله يوماً وهو يعلّم ابنيه وقال : يا يعقوب أيّهما أحبّ إليك ، ابناي هذان ، أم الحسن والحسين ؟ فأجابه : « انّ قنبراً خادم علي خير منك ومن ابنيك » فأمر المتوكّل فسلّوا لسانه من قفاه فمات ، وقد خلّف بضعة وعشرين أثراً في النحو واللغة والشعر (5) واستشهد سنة 244.

________________________________________

1 ـ أبو غالب : رسالة في آل أعين 2 ـ 3 بتلخيص.

2 ـ وهو من أئمّة المتكلّمين في الشيعة.

3 ـ النجاشي : الرجال 1 / 272 برقم 277 وذكره ابن النديم في أخبار النحويين واللغويين 90 والخطيب البغدادي في تاريخ مدينة بغداد ج 7 برقم 3529.

4 ـ النجاشي : الرجال 2 / 425 برقم 1215.

5 ـ جرجي زيدان : تاريخ آداب اللغة العربية 1 / 424 وترجمه ابن خلكان : في وفياته ، وياقوت في طبقات الادباء وغيرهما.

________________________________________

(535)

    6 ـ ابن حمدون : أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن داود بن حمدون : قال النجاشي : الكاتب النديم ، شيخ أهل اللغة ووجههم. اُستاذ أبي العباس (1) وكان خصيصاً بسيدنا أبي محمّد العسكري وأبي الحسن قبله. له كتب ثمّ ذكر كتبه (2).

    7 ـ أبو إسحاق النحوي : ثعلبة بن ميمون : قال النجاشي : كان وجهاً في أصحابنا ، قارئاً ، فقيهاً ، نحويّاً ، لغويّاً ، راوية ، وكان حسن العمل ، كثير العبادة والزهد ، روى عن الصادق والكاظم (3). وبما أنّ الامام الكاظم توفّي عام مائة وثلاث وثمانين ، فهو من أهل المائة الثانية.

    8 ـ قتيبة النحوي ، الجعفي ، الكوفي : قال النجاشي : المؤدب المقري ، ثقة ، عين ، روى عن الصادق (4) وذكره السيوطي في بغية الوعاة ووصفه في تأسيس الشيعة بأنّه إمام أهل النحو واللغة (5).

    9 ـ إبراهيم بن أبي البلاد : قال النجاشي : كان ثقة ، قارئاً ، أديباً ، روى عن الصادق والكاظم ( عليهما السلام ) (6).

    10 ـ محمّد بن سلمة اليشكري : قال النجاشي : جليل من أصحابنا الكوفيين ، عظيم القدر ، فقيه ، قارئ ، لغوي ، راوية ، خرج إلى البادية ، ولقى العرب وأخذ

________________________________________

1 ـ يريد ثعلب ( 200 ـ 291 م ).

2 ـ النجاشي : الرجال 1 / 237 برقم 228.

3 ـ النجاشي : الرجال 1 / 294 برقم 300 وذكره ابن حجر في لسان الميزان ج 2 برقم 332.

4 ـ النجاشي : الرجال 2 / 185 برقم 867.

5 ـ تأسيس الشيعة 76.

6 ـ النجاشي : الرجال 1 / 102 برقم 31.

________________________________________

(536)

عنهم ، وأخذ عنه : يعقوب بن السكيت ، ثمّ ذكر كتبه (1) وبما أنّه شيخ ابن السكيت فهو أهل المائة الثانية وأوائل الثالثة.

    11 ـ أبو عبداللّه النحوي : الحسين بن أحمد بن خالويه ، سكن حلب ومات بها ، وكان عارفاً بمذهبنا ، مع علمه بعلوم العربية ، واللغة ، والشعر ، وله كتب ومن كتبه : مستحسن القراءات والشواذ ، كتاب في اللغة (2). ووصفه السيوطي في الطبقات إنّه إمام اللغة والعربية ، وغيرهما من العلوم الأدبية ، دفن ببغداد سنة 314 هـ.

    12 ـ أبو القاسم التنوخي : قال الشيخ رشيد الدين ابن شهر آشوب : انّه من جملة الشعراء المجاهرين بالشعر في مدح أهل البيت ، وقال ياقوت : كان في النحو وحفظ الأحكام وعلم الهيئة والعروض قدوة ، وكان يحفظ من اللغة والنحو شيئاً عظيما (3).

    ما ذكرناه نماذج من أئمّة اللغة من الشيعة الامامية في القرون الاُولى ، وأمّا من وليهم من الأئمّة فحدّث عنهم ولا حرج ، فإنّ ذكر أسمائهم ونبذ من حياتهم يدفعنا إلى تأليف مفرد ، وقد كفانا في ذلك ما كتبه السيد الصدر في هذا المجال ، فقد بلغ النهاية ، وقد ذكر أئمّة النحو من الشيعة إلى القرن السابع (4) فبلغ 140 إماماً واُستاذاً ومؤلّفاً في الأدب العربي ولا سيما النحو وبينهم شخصيات بارزة كالشريف المرتضى ( ت 436 هـ ) والشريف الرضي وابن الشجرىّ الذي يقول في حقه السيوطي : كان أوحد زمانه ، وفرد أوانه في علم العربية ومعرفة اللغة وأشعار العرب توفّي 542 ـ

________________________________________

1 ـ النجاشي : الرجال 2 / 218 برقم 897.

2 ـ النجاشي : الرجال 1 / 188 برقم 159.

3 ـ تأسيس الشيعة 91.

4 ـ لاحظ تأسيس الشيعة 39 ـ 137.

________________________________________

(537)

ونجم الأئمّة الرضي الاستر آبادي ، إلى غير ذلك من الشخصيات البارزة.

 

    2 ـ قدماء الشيعة وعلم الصرف :

    إنّ أوّل من دوّن الصرف أبو عثمان المازني وكان قبل ذلك مندرجاً في علم النحو ، كما ذكره في كشف الظنون ، وشرحه أبو الفتح عثمان بن جنّي المتوفّي في 392 هـ (1) وأبسط كتاب في الصرف ، ما كتبه نجم الأئمة أعني محمّد بن الحسن الاسترآبادي الغروي ، له شرح الشافية في الصرف ، كما له شرح الكافية في النحو وكلا كتابيه جليل الخطر محمود الأثر ، قد جمع بين الدلائل والمباني ، قال في كشف الظنون : للكافية شروح أعظمها شرح الشيخ رضيّ الدين محمّد بن الحسن الطوسي الاستر آبادي النحوي قال السيوطي : لم يؤلّف عليها ، بل ولا في غالب كتب النحو مثله جمعاً وتحقيقاً فتداوله الناس واعتمدوا عليه وله فيه أبحاث كثيرة ومذاهب ينفرد بها فرغ من تأليفه سنة 683 .

    أقول : فرغ من شرح الكافية سنة 686 في النجف الأشرف ، كما هو مذكور في آخر الكتاب.

    ولنكتف بهذا المقدار في مساهمة الشيعة ، مع غيرهم في بناء الأدب العربي وتجد قواعده وارسائها في مجالي النحو والصرف ، وفيما ذكرنا غنى وكفاية.

 

    3 ـ قدماء الشيعة وعلم اللغة :

    ونريد بعلم اللغة ، الاشتغال بألفاظ اللغة من حيث اُصولها ، واشتقاقها ، ومعناها وهو يطلب لنفسه تأليف معاجم لغوية إمّا في موضوعات خاصّة كالخيل

________________________________________

1 ـ كشف الظنون 1 / 249 مادة « كافية ».

________________________________________

(538)

والشاة والوحوش والإنسان فقد اُلّف حولهما كتب تحتوي كلّ منها أسماء الحيوانات وأعضائها ، ومن الإنسان أعضائه وأسماؤه. أو موضوعات عامة وأوّل من ألّف في القسم الثاني هو :

    1 ـ أبو عبدالرحمان الخليل بن أحمد البصري الفراهيدي الأزدي : سيد أهل الأدب ، هو أوّل من ضبط اللغة وأوّل من استخرج علم العروض إلى الوجود ، فهو أسبق العرب إلى تدوين اللغة وترتيب ألفاظها على حروف المعجم فألّف كتابه « العين » جمع فيه ما كان معروفاً في أيّامه من ألفاظ اللغة وأحكامها ، وقواعدها ، ورتّب ذلك على حروف الهجاء ، لكنّه رتّب الحروف حسب مخارجها من الحلق ، فاللسان ، فالأسنان ، فالشفتين ، وبدأ بحرف العين وختمها بحروف العلّة « واى » وسُمِّي الكتاب بأوّل لفظ من ألفاظه (1).

    وكان الكتاب مخطوطاً عزيز النسخة ، لكنّه رأى النور أخيراً وطبع محقّقاً. لم يشك أحد من علمائنا أنّ الخليل كان شيعيّاً وعن المرزباني أنّه ولد عام مائة من الهجرة وتوفي سنة 170 أو 175 وقال ابن قانع أنه توفّي سنة 160 (2) قد ألّف كتاباً في الإمامة ، أورده بتمامه محمّد بن جعفر المراغي في كتابه واستدرك عليه ما لم يذكره وأسماه « الخليلي » قال النجاشي محمّد بن جعفر بن محمّد : أبو الفتح الهمداني الوادعي المعروف بـ « المراغي » كان يتعاطى الكلام ، له كتاب مختار الأخبار ، كتاب الخليلي في الامامة ، وكتاب ذكر المجاز من القرآن (3).

    قال العلاّمة في الخلاصة : كان خليل بن أحمد أفضل الناس في الأدب

________________________________________

1 ـ آداب اللغة العربية 427 ـ 428.

2 ـ المامقاني : تنقيح المقال 1 / 403 برقم 3739.

3 ـ النجاشي : الرجال 2 / 318 برقم 1054.

________________________________________

(539)

وقوله حجّة فيه واخترع علم العروض ، وفضله أشهر من أن يذكر وكان إماميّ المذهب (1).

    وقال ابن داود : الخليل بن أحمد شيخ الناس في علوم الأدب فضله وزهده أشهر من أن يخفى ، كان إماميّ المذهب (2).

    2 ـ أبان بن تغلب بن رباح الجُرَيري : من أصحاب الباقر والصادق ، قال النجاشي : كان قارئاً من وجوه القرّاء ، فقيهاً ، لغوياً ، سمع من العرب وحكى عنهم (3) وقال ياقوت : ذكره أبو جعفر الطوسي في مصنفّي الامامية. وقال : هو ثقة جليل القدر عظيم المنزلة وقال : كان قارئاً ، فقيهاً ، لُغويّاً ، نبيهاً ثبتا (4).

    3 ـ ابن حمدون النديم : شيخ أهل اللغة ووجههم واُستاذ أبي العباس ثعلب (5).

    4 ـ أبوبكر محمّد بن الحسن بن دريد الأزدي : الأديب اللغوي ، صاحب الجمهرة في اللغة مات هو وأبو هاشم الجبّائي في يوم واحد فقال الناس : مات علم اللغة والكلام. ألّف كتاب « جمهرة اللغة » على منوال « العين » واختصره الصاحب وسمّاه « جوهرة الجمهرة » (6).

    5 ـ الصاحب بن عباد : عظيم الشأن ، جليل القدر في العلم والأدب ، وألّف الصدوق ( 306 ـ 381 ) كتابه عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) لأجله ، ومن كتبه في اللغة : « المحيط » عشر مجلدات وقد عرفت تلخيص الجوهرة. وأمّا تشيّعه فحدّث

________________________________________

1 ـ العلامة الحلّي : الخلاصة ، القسم الأول 67.

2 ـ ابن داود الحلّي : الرجال ، القسم الأول 88 برقم 574.

3 ـ النجاشي : الرجال 1 / 73 برقم 6.

4 ـ ياقوت : معجم الاُدباء 1 / 107.

5 ـ الطوسي : الفهرست 11 / 56.

6 ـ الخطيب البغدادي : تاريخ بغداد 2 / 195.

________________________________________

(540)

عنه ولا حرج.

    وكم له من قصائد في مدح أهل البيت نذكر منها مايلي :

ألم تعلموا انّ الوصي هو الذيألم تعلموا انّ الوصي هو الذي                أتى الزكاة وكان في المحرابحكم الغدير له على الأصحاب (1)

    ولنكتف بهذا المقدار فانّ المقصود اراءة نماذج من كبار القدماء الذين شاركوا المسلمين في تأسيس العلوم العربية وتطويرها وأمّا التفصيل فيرجع إلى محالّه (2).

 

    4 ـ قدماء الشيعة وعلم العروض :

    إذا كانت الشيعة هي التي ابتكرت علم النحو بهداية من باب علم النبي الأكرم ( عليه السلام ) ولحسن الحظ أنّها المبتكرة أيضاً لعلم العروض واستخراجه إلى الوجود وإليك المؤسّسين والمؤلّفين فيه بوجه موجز.

    1 ـ الخليل بن أحمد الفراهيدي البصري قال ابن خلّكان : هو الذي استنبط علم العروض وأخرجه إلى الوجود ، وحصر أقسامه في خمس دوائر يستخرج منها خمسة عشر بحراً (3).

    2 ـ كافي الكفاة الصاحب بن عباد الطائر الصيت ، له كتاب الاقناع في

________________________________________

1 ـ الغدير 4 / 66 وله قصائد اُخرى مذكورة فيه.

2 ـ لاحظ تأسيس الشيعة للسيد الصدر فقد ترجم فيه 24 شخصاً كلّهم من أقطاب علم اللغة وللمناقشة في بعض ما ذكره وان كان مجالا لكنّه لا ينقص عن عظم الجهد الذي بذله في طريق منشوده.

3 ـ وفيات الأعيان 2 / 244 برقم 220.

(541)

العروض (1) وقد توإلى التأليف بعده إلى عصرنا هذا ، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى المعاجم حول مصنّفات الشيعة.

    ومن أبرز ما اُلّف في العروض أخيراً أثران :

    أحدهما : للسيد الشريف هبة الدين الشهرستاني 1301 ـ 1386 أسماه : رواشح الفيوض في علم العروض وقد طبع في طهران 1324.

    ثانيهما : منظومة رصينة قيّمة قلّما رأى الدهر مثلها للشيخ مصطفى التبريزي ( 1298 ـ 1338 ) شرحها العلاّمة أبو المجد الشيخ محمّد رضا الاصفهاني ( 1286 ـ 1362 ) وأسماها « اداء المفروض في شرح ارجوزة العروض » وإليك مستهلّها :

الحمد للّه على اسباغ ماوخصّنا منه بواف وافرصلّى على نبيّنا المختاروآله معادن الرسالةخذها ودع عنك رموز الزامرةتجمع كل ظاهر وخاف                  أولى لنا من فضله وأنعمامن بحر جوده المديد الزاخرما عاقب الليل على النهاربهم يداوي علل الجهالةكعادة تجلى عليك بارزةفي علمي العروض والقوافي (2)

    ولنكتف بهذا المقدار والمقصود عرض موجز من مشاطرتهم غيرهم في تتبّع العلوم وتطويرها.

________________________________________

1 ـ كشف الظنون 1 / 132.

2 ـ نحتفط منها بنسخة بخط السيد الامام الخميني ـ قدس سره ـ وفرغ من نسخها عام 1346.

________________________________________

(542)

    5 ـ قدماء الشيعة وطرائف الشعر :

    لا نريد من الشعر في المقام ، الألفاظ المسبوكة ، والكلمات المنضَّدة على أحد الأوزان الشعرية. وانّما نريد منه ما يحتوي على المضامين العالية ، في الحياة ويبث روح الجهاد في الإنسان أو الذي يشتمل على حجاج في الدين أو تبليغ للحق. وعلى مثل هذا الشعر بنيت الحضارة الإنسانية وهو مقياس ثقافة الاُمّة ورقيّها وله خلود عبر القرون لا تطمسه الدهور والأيّام.

    فلو نرى في الذكر الحكيم ، تنديداً بالشعراء لقوله عزّوجلّ : ( والشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الغاوون ) (1) فانّما يريد بها الشعراء المأجورين الذين يتغافرون بالأباطيل فيجعلون من الشعر تجارة ، ويصنعون من الظالم مظلوماً ، ومن المظلوم ظالماً ولأجل ذلك قال سبحانه : ( ألَمْ تَرَ أنَّهُمْ فِى كُلِّ وادٍ يَهيمُونَ * وأنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ ) (2).

    فإذا كان المراد من الشعراء هذه الطائفة المثلى ، الذين لا يقصدون بشعرهم وأدبهم وطرائفهم إلاّ ترويج الحق ودعمه ونشره في الملاء ، فنرى في الشيعة طبقة راقية منهم في القرون الاُولى وكان أئمة أهل البيت يقدّرون جهودهم ويرحبّون بهم بكل حفاوة كما نطق به التاريخ في حقّ الفرزدق وميميته وهاشميات الكميت ، وعينية الحميري وتائية دعبل ، لقد حظوا جميعاً بتقدير واحترام الأئمة وصار عملهم في هذا المجال اسوة الشيعة.

    وإليك أسماء قليل من شعراء الشيعة مع ذكر ابيات من شعرهم الخالد.

________________________________________

1 ـ الشعراء / 224.

2 ـ الشعراء / 225 ـ 226.

________________________________________

(543)

    1 ـ قيس بن سعد بن عبادة :

    وهو سيد الخزرج ، الصحابي الجليل ، كان زعيماً مطاعاً ، كريماً ممدوحاً ، وكان من شيعة علي ( عليه السلام ) بعثه علي أميراً على مصر سنة 36 وهو وأبوه وأهل بيته من الذين لم يبايعوا ابابكر وقالوا لا نبايع إلاّ عليّاً (1).

    ومن أشعاره التي أنشدها بين يدي أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) :

قلتُ لمّا بغى العدو عليناحسبنا الذي فتح البصريوم قال النبي من كنت مولاانّما قاله النبي على الاُمّة              حسبنا ربّنا ونعم الوكيلة بالأمس والحديث الطويله فهذا مولاه خطب جليلحتم ما فيه قال وقيل (2)

 

    2 ـ الكميت ( 60 ـ 126 ) :

    وهو الكميت بن زيد شاعر مقدم ، عالم بلغات العرب ، خبير بأيّامها من شعراء مضر. وكان معروفاً بالتشيّع لبني هاشم مشهوراً بذلك وقد حظى بتقدير الأئمة لا صحاره بالحق ، ولجهاده في سبيله ، وهاشمياته المقدّرة بـ 578 بيتاً أخلد ذكراه في التاريخ وهي مشتملة على ميمية وبائية ورائية وغيرها.

    وإليك أبياتاً من عينيته :

ويوم الدوح دوح غدير خمولكن الرجال تبايعوها                 أبان له الولاية لو اُطيعافلم أر مثلها خطراً مبيعا

________________________________________

1 ـ الطبري : التاريخ 3 / 462.

2 ـ المفيد : الفصول المختارة 87 ، الكراجكي : كنز الفوائد 234 ، سبط ابن الجوزي : تذكرة الخواص 20.

________________________________________

(544)

    إلى أن قال :

أضاعوا أمر قائدهم فضلّواتناسوا حقّه وبغوا عليهفقل لبني اُميّة حيث حلّوا                 وأقومهم لدى الحدثان ريعابلا ترة وكان لهم قريعاوإن خفت المهنَّد والقطيعا

    ولقد طبع ديوان الكميت غير مرة وشرحه الاُستاذ محمّد شاكر الخياط والاُستاذ الرافعي (1).

 

    3 ـ السيد الحميري ( ت 173 ) :

    أبو هاشم إسماعيل بن محمّد الملقّب بالسيد ، الشاعر المعروف ، ومن المكثرين المجيدين ، ومن الثلاثة الذين عدّوا أكثر الناس شعراً في الجاهلية والإسلام وهم « السيّد » و« بشار » و« أبو العتاهية » وكان متفانياً في حبّ العترة الطاهرة فلم يكن يرى لمناوئيهم حرمة وقدراً وكان يشدّد النكير عليهم في كل موقف ويهجوهم بألسنة حداد في كل حول طول.

    ومن قصائده المعروفة ، عينيته وقد شرحها عدة من الأدباء ومستهلّها :

لاُم عمرو باللوى مربَعتروع عنها الطير وحشيَّة           طامسة أعلامها بلقعوالوحشُ من خيفته تفزعُ (2)

    4 ـ دعبل الخزاعي ( ت 246 ) :

    أبو علي دعبل بن علي الخزاعي وهو من بيت علم وفضل وأدب ، يرجع نسبه

________________________________________

1 ـ إقرأ حياة الكميت في الغدير 2 / 180 ـ 212.

2 ـ إقرأ ترجمة السيد في الغدير 2 / 213 ـ 289.

________________________________________

(545)

إلى بديل بن ورقاء الخزاعي الذي دعا في حقّه النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ).

    قال النجاشي : أبو علي الشاعر المشهور في أصحابنا ، صنّف كتاب طبقات الشعراء ومن أراد التوغّل في حياته وسيرته ، فليقرأ النواحي الأربعة من حياته :

    1 ـ تهالكه في ولائه لأهل البيت ( عليهم السلام ).

    2 ـ نبوغه في الشعر والأدب والتاريخ وتآليفه.

    3 ـ روايته للحديث والرواة عنه ومن يروي عنهم.

    4 ـ سيرته مع الخلفاء ثم ملحه ونوادره وثم ولادته ووفاته (1).

    وإليك نزراً من تائيته المعروفة :

تجاوبن بالأرنان والزفراتِ                 نوائح عجم اللفظ والنطقات

    إلى أن يقول :

هم نقضوا عهد الكتاب وولم تك إلاّ محنة قد كشفتهمتراث بلا قربى وملك بلا هوى            فرضه ومحكمه بالزور والشبهاتبدعوى ضلال من هن وهناتوحكم بلا شورى بغير هدات

 

    5 ـ أبو فراس ( 320 ـ 357 ) :

    أبو فراس الحرث ابن أبي العلاء قال الثعالبي : كان فرد دهره ، وشمس عصره ، أدباً وفضلا وكرماً ونبلا ومجداً وبلاغة وبراعة وفروسية وشجاعة وشعره مشهور سائر بين الحسن والجودة ، والسهولة والجزالة ، والعذوبة والفخامة ، والحلاوة والمتانة (2).

________________________________________

1 ـ لاحظ حياته في الغدير 2 / 369 ـ 368.

2 ـ يتيمة الدهر 270.

________________________________________

(546)

    وتبعه في اطرائه والثناء عليه ابن عساكر.

    ومن قصائده المعروفة الميمية. التي مستهلّها.

الحق مهتضم والدين مخترموالناس عندك لا ناس فيحفظهم              وفيء آل رسول اللّه مقتسمسوم الرعاة ولا شاء ولا نعم

    0; إلى أن قال :

ياللرجال أما للّه منتصربنو علي رعايا في ديارهم                   من الطغاة أما للّه منتقموالأمر تملكه النسوان والخدم

    إلى أن قال :

ابلغ لديك بني العباس مالكةأيّ المفاخر أمست في منازلكمأنّى يزيدكم في مفخر علميا باعة الخمر كُفّوا عن مفاخركم                   لا يدَّعوا ملكها ملاّكها العجموغيركم آمر فيها ومحتكموفي الخلاف عليكم يخفق العلملمعشرٍ بَيْعهم يوم الهياج دم (1)

    ويطيب لي في المقام أن اُشير إلى أسماء بعض من أنجبتهم مدرسة أهل البيت في حلبة الشعر والأدب في القرن الرابع والخامس من اناس معدودين في القمّة فعلى القارئ الكريم أن يطالع عن حياتهم ويقرأ دواوينهم.

    1 ـ ابن الحجاج البغدادي المتوفّى 321 صاحب القصيدة المعروفة :

يا صاحب القبّة البيضاء على النجف              من زار قبرك واستشفى لديك شفي

    2 ـ الشريف الرضي 357 ـ 406 الغني عن كل تعريف وبيان.

    3 ـ الشريف المرتضى 355 ـ 436 وهو كأخيه أشهر من أن يعرّف.

    4 ـ مهيار الديلمي المتوفّى 448 الذي هو في الرعيل الأوّل من شعراء القرن

________________________________________

1 ـ الغدير 3 / 399 ـ 401.

________________________________________

(547)

    الرابع وله غديريات كثيرة منها :

هل بعد مفترق الأظغان مجتمع          أم هل زمان بهم قد فات يرتجع

    هذا عرض موجز لبعض الشعراء البارزين من الشيعة وفيه كفاية لمن أراد الاجمال وأمّا من أراد التوسّع فليرجع إلى الكتب التالية :

    1 ـ الأدب في ظلّ التشيّع للشيخ عبداللّه نعمة.

    2 ـ تأسيس الشيعة : للسيّد حسن الصدر. الفصل السادس.

    3 ـ الغدير للعلاّمة الأميني بأجزائه الأحد عشر.

 

    6 ـ قدماء الشيعة وعلم التفسير :

    إنّ القرآن هوالمصدر الرئيسي للمسلمين في مجالي العقيدة والشريعة ، وهو المعجزة الخالدة للنبي الأكرم ، وقد قام المسلمون بأروع الخدمات لهذا الكتاب الإلهي على وجه لا تجد له مثيلا بين أصحاب الشرائع السابقة ، حتّى أسّسوا لفهم كتابهم علوماً قد بقي في ظلّها القرآن مفهوماً للأجيال ، كما قاموا بتفسيره وتبيين مقاصده بصور شتى ، لا يسع المقام لذكرها. فأدّوا واجبهم تجاه كتاب اللّه العزيز ـ شكر اللّه مساعيهم ـ من غير فرق بين الشيعة والسنّة.

    إنّ مدرسة الشيعة منذ أن ارتحل النبيّ الأكرم إلى يومنا هذا ، أنتجت تفاسيراً على أصعدة مختلفة ، وخدمت الذكر الحكيم بصور شتّى ، فأتى بوجه موجز ، لما اُلّف في القرون الإسلامية الاُولى.

    إنّ أئمّة أهل البيت ـ بعد الرسول الأكرم ـ هم المفسّرون للقرآن الكريم حيث فسّروا القرآن ، بالعلوم التي نحلهم الرسول بأقوالهم وأفعالهم وتقريراتهم التي لا تشذّ عن قول الرسول وفعله وحجته ، ومن الظلم الفادح أن نذكر الصحابة والتابعين في عداد المفسّرين ولا نعترف بحقوق أئمّة أهل البيت إلاّ شيئاً لا يذكر.

 

________________________________________

(548)

    هذا هو الدكتور محمّد حسين الذهبي ، جعل عليّاً ـ وهو الوصي وباب علم النبي ـ في الطبقة الثالثة من حيث نقل الرواية عنه ، وجعل تلميذه ابن عباس في الدرجة الاُولى (1) ولم يذكر عن بقية الأئمّة شيئاً مع ما نقل عنهم في مجال التفسير من الروايات الوافرة.

    ارتحل النبيّ الأكرم وعكف المسلمون على دراسة القرآن وأوّل ما فوجئوا به ، هو قصور باع لفيف منهم عن فهم بعض ألفاظ القران. والقرآن وإن نزل بلغة الحجاز ، لكن يوجد فيه ألفاظ غير رائجة فيها وربّما كانت رائجة بين القبائل الاُخرى ، وهذا النوع من الألفاظ ما سمّوه « غريب القرآن » وقد سأل ابن الأزرق ـ رأس الخوارج ـ ابن عباس عن شيء كثير من غريب القرآن وأجاب عنه مستشهداً بشعر العرب الأقحاح وقد جمعها السيوطي في اتقانه (2).

    وبما أنّ تفسير غريب القرآن كان الخطوة الاُولى لتفسيره ، ألّف أصحابنا في أبان التدوين كتباً في ذلك المضمار ، نذكر قليلا من كثير.

    1 ـ غريب القرآن : لأبان بن تغلب بن رباح البكري ( ت 141 ) (3).

    2 ـ غريب القرآن : لمحمّد بن السائب الكلبي من أصحاب الامام الصادق ( عليه السلام ) (4).

    3 ـ غريب القرآن : لأبي روق ، عطية بن الحارث الهمداني الكوفي التابعي ، قال ابن عقدة : كان ممّن يقول بولاية أهل البيت (5).

________________________________________

1 ـ الذهبي : التفسير والمفسّرون 1 / 89 ـ 90.

2 ـ السيوطي : الاتقان 4 / 55 ـ 88.

3 ـ النجاشي : الرجال 1 / 73 برقم 6.

4 ـ النجاشي : الرجال 1 / 78 برقم 6.

5 ـ ابن النديم : الفهرست 57 ، النجاشي : الرجال 1 / 78.

________________________________________

(549)

    4 ـ غريب القرآن : لعبد الرحمان بن محمّد الأزدي الكوفي ، جمع فيه ما ورد في الكتب الثلاثة المتقدّمة (1).

    5 ـ غريب القرآن : للشيخ ابن جعفر أحمد بن محمّد الطبري الآملي الوزير الشيعي المتوفّى عام 313 (2).

    وقد توالى التأليف حول غريب القرآن في القرون الماضية ، فبلغ العشرات أخيرها ـ لا آخرها ـ ما ألّفه السيد محمّد مهدي الخرسان في جزأين (3).

    مجازات القرآن :

    إذا كان الهدف من هذه الكتب بيان معاني مفرداته وألفاظه ، هناك لون آخر من التفسير يهدف لبيان مقاصده ومعانيه إذا كانت الآية مشتملة على المجاز والكناية والاستعارة. ونأتي بنماذج قليلة ممّا اُلّف في ذلك المجال بيد أعلام الشيعة :

    1 ـ مجاز القرآن : لشيخ النحاة الفراء يحيى بن زياد الكوفي المتوفّى عام 207 ، وقد طبع أخيراً في جزأين (4).

    2 ـ مجاز القرآن : لمحمّد بن جعفر أبو الفتح الهمداني. قال النجاشي : له كتاب « ذكر المجاز من القرآن » (5).

    3 ـ مجازات القرآن : للشريف الرضي المسمّى بتلخيص البيان في مجازات القرآن ، وهو أحسن ما اُلّف في هذا الباب وهو مطبوع.

________________________________________

1 ـ النجاشي : الرجال 1 / 78.

2 ـ ابن النديم : الفهرست 58.

3 ـ الطهراني آغا بزرگ : الذريعة 16 / 50 برقم 208.

4 ـ الطهراني آغا بزرگ : الذريعة 19 / 351 برقم 1567.

5 ـ النجاشي : الرجال 2 / 319 برقم 1054

________________________________________

(550)

    التفسير بصور متنوّعة :

    وهناك لون آخر من التفسير ، يندفع المفسّر إلى توضيح قسم من الآيات تجمعها صلة خاصة كالمحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ ، وآيات الاحكام ، وقصص الأنبياء ، وأمثال القرآن ، وأقسامه ، والآيات الواردة في مغازي النبي ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) والنازلة في حق العترة الطاهرة ( عليهم السلام ) إلى غيرها من الموضوعات التي لا تعم جميع آيات القرآن ، بل تختص بموضوع واحد.

    فقد خدمت الشيعة كتاب اللّه العزيز بهذه الأنواع من التفاسير ، ومن أراد أن يقف عليها فعليه أن يرجع إلى المعاجم ، وأخص بالذكر : الذريعة إلى تصانيف الشيعة.

 

    الشيعة والتفسير الموضوعي

    إنّ نزول القرآن نجوماً وتوزّع الآيات الراجعة إلى موضوع واحد ، في سور متعدّدة ، يطلب لنفسه نمطاً آخر ، غير النمط المعروف بالتفسير الترتيبي ، فإنّ النمط الثاني ، يتّجه إلى تفسير القرآن سورة بعد سورة ، وآية بعد آية ، وأمّا النمط الأوّل فيحاول فيه المفسّر إيراد الآيات الواردة في موضوع خاص ، في مجال البحث ، وتفسير الجميع جملة واحدة وفي محل واحد.

    فيستمدّ المفسّر من المعاجم المؤلّفة حول القرآن ، ومن غيرها في الوقوف على الآيات الواردة ، مثلاً في خلق السماء والأرض ، أو الإنسان أو أفعاله وحياته الاُخروية ، فيفسّر المجموع مرة واحدة ، ويرفع ابهام آية ، بآية اُخرى ، ويخرج بنتيجة واحدة وهذا النوع من التفسير وإن لم يهتم به القدماء واكتفوا منه بتفسير بعض الموضوعات كآيات الاحكام ، والناسخ والمنسوخ ، إلاّ أنّ المتأخّرين منهم ، بذلوا جهدهم في طريقه ، ولعلّ العلاّمة المجلسي ( 1037 ـ 1110 ) أوّل من فتح

(551)

هذا الباب على مصراعيه في موسوعته « بحارالأنوار » ، حيث يورد في أوّل كل باب الآيات الواردة حوله ثمّ يفسّرها اجمالا ، وبعد الفراغ منها ، ينتقل إلى الأحاديث التي لها صلة بالباب.

    و قد قام كاتب هذه السطور بتفسير الآيات النازلة حول العقائد والمعارف وخرج منه حتّى الآن سبعة أجزاء وانتشر باسم « مفاهيم القرآن » ولقي اقبالاً واسعا ، أساله سبحانه أن يوفّقني لا تمامه.

 

    الشيعة والتفسير الترتيبي :

    قد تعرّفت على أنّ المنهج الراسخ بين القدماء وأكثر المتأخّرين هو التفسير الترتيبي ، وقد قام فضلاء الشيعة من صحابة الامام علي والتابعين له إلى العصر الحاضر ، بهذا النمط من التفسير إمّا بتفسير جميع سوره ، أو بعضها والغالب على التفاسير المعروفة في القرون الثلاثة الاُولى ، هو التفسير بالأثر ، ولكن انقلب النمط إلى التفسير العلمي والتحليلي من أواخر القرن الرابع. فأوّل من ألف من الشيعة على هذا المنهاج هو الشريف الرضي ( 357 ـ 406 ) مؤلّف كتاب « حقائق التأويل » في عشرين جزءاً (1) ثمّ جاء بعده أخوه الشريف المرتضى فسلك مسلكه في أماليه المعروفة بالدرر والغرر. ثمّ توالى التأليف على هذا المنهاج من عصر الشيخ الأكبر الطوسي ( 385 ـ 460 ) مؤلّف « التبيان في تفسير القرآن » في عشرة أجزاء كبار ، إلى عصر هذا.

    فقد قامت الشيعة في كل قرن بتأليف عشرات التفاسير وفق أساليب متنوّعة ،

________________________________________

1 ـ وللأسف لم توجد منه نسخة كاملة في عصرنا الحاضر إلاّ الجزء الخامس وهو يكشف عن عظمة هذا السفر ويدل على جلالة المؤلّف.

________________________________________

(552)

ولغات متعدّدة. لا يحصيها إلاّ المتوغّل في المعاجم ورفوف المكتبات.

    ولقد فهرسنا على وجه موجز أسماء مشاهير المفسّرين من الشيعة وأعلامهم في 14 قرناً ، وفصلنا كل قرن عن القرن الآخر واكتفينا بالمعروفين ، لأنّ ذكر غيرهم عسير ومحوج إلى تأليف حافل. فبلغ عددهم 122 مفسّرا. ومن أراد الالمام بذلك فعليه الرجوع إلى المقدمة التي قدّمناها لتفسير التبيان للشيخ الطوسي ولأجل ذلك نطوي الكلام في المقام.

 

    7 ـ قدماء الشيعة وعلم الحديث :

    إنّ السنّة هو المصدر الثاني للثقافة الإسلامية بجميع مجالاتها ولم يكن شيء أوجب بعد كتابة القرآن وتدوينه وصيانته من نقص وزيادة ، من كتابة حديث الرسول وتدوينه وصيانته من الدس والدجل وقد أمر به الرسول غير مرة ، روى الامام أحمد عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جدّه انّه قال للنبي : يا رسول اللّه أكتب كل ما أسمع منك ؟ قال : نعم. قلت : في الرضا والسخط ؟ قال ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) : نعم فانّه لا ينبغي لي أن أقول في ذلك إلاّ حقّا (1).

    إنّ اللّه سبحانه أمر بكتابة الدَّين حفظاً له ، واحتياطاً عليه واشفاقاً من دخول الريب فيه فالعلم الذي حفظه أصعب من حفظ الدَّين أحرى بأن يكتب ويحفظ من دخول الريب والشك فيه (2).

    فإذا كان النبي ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) لا ينطق عن الهوى وانّما ينطق عن

________________________________________

1 ـ مسند أحمد 2 / 207.

2 ـ الخطيب البغدادي : تقييد العلم 70.

________________________________________

(553)

الوحي الذي يوحى إليه (1) فيجب حفظ كلمه وأفعاله وتقريره. حتّى تصدر الاُمة عنها ويستغني المسلم عن المقاييس الظنّية والاستنباطات الذوقية.

    وبالرغم من وضوح الأمر وانّه كان من واجب ووظيفة المسلمين الاهتمام بدراسة سنّة النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) وتدوينها. حالت الخلافة دون ذلك فأصبحت كتابة السنّة جريمة لا تغتفر حتّى انّ الخليفة الثاني قال لأبي ذرّ وعبداللّه بن مسعود وأبي الدرداء : « ما هذا الحديث الذي تفشون عن محمّد ؟ » (2).

    ولقد أضحى عمل الخليفة سنّة فاتّبعه عثمان ومشى على خطاه معاوية ، فأصبح ترك كتابة الحديث سنّة إسلامية وعُدّت الكتابة شيئاً منكراً مخالفاً لها.

    إنّ الرزيّة الكبرى هي المنع عن التحدّث بحديث رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) وكتابته وتدوينه ، وفسح المجال في نفس الوقت للرهبان والأحبار للتحدّث بما عندهم من صحيح وباطل ، ولقد أذن عمر لتميم الداري النصراني الذي استسلم في عام 9 من الهجرة أن يقص (3).

    ولمّا تسنّم عمر بن عبدالعزيز منصب الخلافة ، أدرك ضرورة تدوين الحديث فكتب إلى أبي بكر بن حزم في المدينة ، أن يقوم بتدوين الحديث قائلا : إنّ العلم لا يهلك حتّى يكون سرّا (4).

    ومع ذلك فلم يقدر ابن حزم على القيام بما أمر به الخليفة. لأنّ رواسب الحظر

________________________________________

1 ـ اقتباس عن قوله سبحانه : ( ما ضَلَّ صاحبُكُم وما غوى * وما ينطقُ عن الهوى * إنْ هو إلاّ وحيٌ يُوحى ) ـ النجم / 2 ـ 4.

2 ـ كنز العمال 10 / 293 برقم 29479. وفيه : ما هذه الأحاديث التي قد أفشيتم عن رسول اللّه الآفاق ؟

3 ـ كنز العمال 10 / 281.

4 ـ صحيح البخاري 1 / 27.

________________________________________

(554)

السابق المؤكد من قبل الخلفاء ، حالت دون اُمنيته إلى أن زالت دولة الاُمويين وجاءت دولة العباسيين. فقام المسلمون بتدوين الحديث في عصر أبي جعفر المنصور سنة 143. وأنت تعلم انّ الخسارة التي لحقت بالتراث الاسلامي من منع تدوين السنّة لا تجبر بتدوينه بعد مضي قرن ونيّف ، وبعد موت الصحابة وكثير من التابعين الذين رأوا النور وسمعوا منه الحديث. ولم يحدثوا ما سمعوه إلاّ سرّاً ومن ظهر القلب إلى مثله.

    أضف إلى ذلك أنّ الأحبار والرهبان والمأجورين للبلاط الأموي نشروا كل كذب وافتراء بين المسلمين.

 

    اهتمام الشيعة بتدوين الحديث :

    قام الامام أميرالمؤمنين علي ( عليه السلام ) بتأليف عدة كتب في زمان النبي ، فقد أملى رسول اللّه كثيراً من الأحكام عليه وكتبها الامام واشتهر بكتاب علي وقد روى عنه البخاري في صحيحه في باب « كتابة الحديث » (1) وباب « أثم من تبرّأ من مواليه » (2) وقد تبعه ثلّة من الصحابة الذين كانوا شيعة الامام وإليك أسماء من اهتمّ بتدوين الآثار وما له صلة بالدين وإن لم يكن حديث الرسول.

    1 ـ قام أبو رافع صحابي الرسول ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) بتدوين كتاب السنن والأحكام والقضايا (3).

    2 ـ قام الصحابي الكبير سلمان الفارسي المتوفى سنة 34 بتأليف كتاب حديث

________________________________________

1 ـ صحيح البخاري 1 / 27 كتاب العلم.

2 ـ صحيح البخاري 8 كتاب الفرائض الباب 20 ص 154.

3 ـ النجاشي : الرجال 64 برقم 1.

________________________________________

(555)

الجاثليق الرومي الذي بعثه ملك الروم بعد وفاة الرسول ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) قال الشيخ الطوسي : روى سلمان حديث الجاثليق الذي بعثه ملك الروم بعد النبي ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) (1).

    3 ـ وألّف الصحابي الورع أبو ذر الغفاري المتوفّى سنة 32 كتاب الخطبة يشرح فيها الاُمور بعد رسول اللّه ـ صلّى اللّه عليه و آله وسلّم ـ (2).

    هذا ما يرجع إلى الصحابة من الشيعة وأمّا الشيعة من غير الصحابة أعني التابعين وتابعي التابعين منهم ، فقد قام لفيف منهم بتدوين السنّة إلى عصر الغيبة الكبرى ، قد تكفّل بذكرهم وتآليفهم معاجم الرجال قديماً وحديثاً وإليك عرضاً موجزاً من محدّثي الشيعة وموّلّفيهم في القرن الأوّل وبداية الثاني.

 

    الطبقة الاُولى :

    1 ـ الأصبغ بن نباتة المجاشعي ، كان من خاصة أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) روى عنه ( عليه السلام ) عهد الأشتر ، ووصيته إلى ابنه محمّد (3).

    2 ـ عبيداللّه بن أبي رافع ، المدني ، مولى النبي ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) ، كان كاتب أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) ، له كتاب قضايا أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) وتسمية من شهد مع أميرالمؤمنين الجمل وصفين والنهروان (4).

    3 ـ ربيعة بن سميع ، له كتاب في زكاة النعم عن أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) (5).

________________________________________

1 ـ الطوسي : الفهرست 8.

2 ـ الطوسي : الفهرست 54.

3 ـ النجاشي : الرجال 1 / 70 برقم 4.

4 ـ الطوسي : الفهرست 107.

5 ـ النجاشي : الرجال 1 / 67 برقم 2.

________________________________________

(556)

    4 ـ سليم بن قيس الهلالي : أبو صادق ، له كتاب وهو مطبوع باسم كتاب سليم بن قيس.

    5 ـ علي بن أبي رافع ، قال النجاشي : ولابن أبي رافع كتاب آخر ، وهو علي بن أبي رافع ، تابعي من خيار الشيعة ، كانت له صحبة من أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) ، وكان كاتباً له ، حفظ كثيراً ، وجمع كتاباً في فنون من الفقه : الوضوء ، والصلاة ، وسائر الأبواب (1).

    6 ـ عبيداللّه بن الحر الجعفي ، الفارس ، الفاتك ، الشاعر ، له نسخة يرويها عن أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) (2).

    7 ـ زيد بن وهب الجهني ، له كتاب خطب أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) على المنابر في الجمع والأعياد وغيرها (3).

 

    الطبقة الثانية :

    1 ـ الامام السجاد زين العابدين ( عليه السلام ) ، له الصحيفة الكاملة ، المشتهرة بزبور آل محمّد ( عليهم السلام ).

    2 ـ جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي ، أبو عبداللّه ، المتوفّى سنة 128 ، له كتب (4).

    3 ـ زياد بن المنذر ، الضعيف ، كان مستقيماً ثم انحرف ، له أصل ،

________________________________________

1 ـ النجاشي : الرجال 1 / 65 برقم 1.

2 ـ النجاشي : الرجال 1 / 71 برقم 5.

3 ـ الطوسي : الفهرست 72.

4 ـ النجاشي : الرجال 1 / 313 برقم 330.

________________________________________

(557)

وله كتاب التفسير (1).

    4 ـ لوط بن يحيى بن سعيد ، شيخ أصحاب الأخبار بالكوفة ، له كتب كثيرة ، أورده الشيخ في رجاله (2) في أصحاب الحسن والصادق ( عليهما السلام ).

    5 ـ جارود بن منذر الثقة ، أورده الشيخ في أصحاب الحسن والباقر والصادق ( عليهم السلام ) ، له كتب (3).

 

    الطبقة الثالثة :

    وهم من أصحاب السجاد والباقر ( عليهما السلام ) :

    1 ـ برد الاسكاف ، من أصحاب السجاد والصادقين ( عليهم السلام ) ، له كتاب (4).

    2 ـ ثابت بن دينار ، أبو حمزة الثمالي الأزدي ، الثقة ، المتوفّى سنة 150 روى عنهم ( عليهم السلام ) ، له كتاب ، وله النوادر والزهد ، وله تفسير القرآن (5).

    3 ـ ثابت بن هرمز ، الفارسي ، أبو المقدم العجلي ، مولاهم الكوفي ، روى نسخة عن علي بن الحسين ( عليهما السلام ) (6).

    4 ـ بسام بن عبداللّه ، الصيرفي ، مولى بني أسد ، أبو عبداللّه ، روى عن

________________________________________

1 ـ الطوسي : الفهرست 72.

2 ـ الطوسي : الرجال 279 من أصحاب الصادق ( عليه السلام ) ولاحظ تعليقة المحقق.

3 ـ الطوسي : الرجال 112 في أصحاب الباقر ( عليه السلام ).

4 ـ النجاشي : الرجال 1 / 284 برقم 289.

5 ـ النجاشي : الرجال 1 / 289 برقم 294.

6 ـ النجاشي : الرجال 1 / 292 برقم 296.

________________________________________

(558)

أبي جعفر وأبي عبداللّه ( عليهما السلام ) ، له كتاب (1).

    5 ـ محمّد بن قيس البجلي ، له كتاب قضايا أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) (2).

    6 ـ حجر بن زائدة الحضرمي ، روى عن الباقر والصادق ( عليهما السلام ) ، له كتاب (3).

    7 ـ زكريا بن عبداللّه الفياض ، له كتاب (4).

    8 ـ ثوير بن أبي فاختة « أبو جهم الكوفي » ، واسم أبي فاختة : سعيد بن علاقة (5).

    9 ـ الحسين بن ثور بن أبي فاختة سعيد بن حمران ، له كتاب نوادر (6).

    10 ـ عبدالمؤمن بن القاسم بن قيس ، الأنصاري ، المتوفّى سنة 147 ، عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب السجّاد والصادقين ( عليهم السلام ) ، له كتاب (7).

    ولقد خصّص أبو عمرو الكشّي باباً للمحدّثين المتقدّمين من الشيعة وجعله في صدر رجاله ، وتبعه النجاشي في رجاله فخصّ الطبقة الاُولى بباب ثمّ أورد أسماء الرواة على حسب الأحرف الهجائية.

    ولقد أجاد الشيخ الطوسي في التعرّف على طبقات الشيعة بعد رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) إلى عصره فذكر الأئمّة الاثني عشر ، وذكر أصحاب كل إمام

________________________________________

1 ـ النجاشي : الرجال 1 / 282 برقم 286.

2 ـ الطوسي : الفهرست 131.

3 ـ النجاشي : الرجال 1 / 347 برقم 382.

4 ـ النجاشي : الرجال 1 / 391 برقم 452.

5 ـ النجاشي : الرجال 1 / 295 برقم 301.

6 ـ النجاشي : الرجال 1 / 166 برقم 124.

7 ـ النجاشي : الرجال 2 / 168 برقم 653.

________________________________________

(559)

وفق الترتيب الزمني ، ثمّ ذكر باباً آخر باسم من لم يرهم ولكن روى عنهم بالواسطة.

    وأحسن كتاب اُلّف في هذا المجال هو ما ألّفه اُستاذنا الجليل السيد النحرير المحقق البروجردي الذي أخرج رجال الشيعة في 34 طبقة ، من عصر الصحابة إلى زمانه ( 1292 ـ 1380 ) فهذا الكتاب يكشف عن سبق الشيعة في نظم الحديث وتدوينة ، وأنّهم لم يقيموا لمنع الخلفاء وزناً ولا قيمة. وبذلك حفظوا نصوص النبي الأكرم وأهل بيته وقدّموها إلى المجتمع الاسلامي ، فعلى جميع علماء المسلمين أن يتمسّكوا بهذا الحبل الذي هو أحد الثقلين.

    هذا عرض موجز لمحدّثي الشيعة إلى عصر السجاد والباقر ( عليهما السلام ) وأمّا الطبقات الاُخرى فيأتي الكلام في فصل قدماء الشيعة والفقه لأنّهم تجاوزوا عن التحديث إلى درجة الاجتهاد.

 

    8 ـ قدماء الشيعة والفقه الاسلامي :

    إنّ الفقه الشيعي هو الشجرة الطيّبة ، الراسخة الجذور ، المتّصلة الاُسس بالنبوّة ، امتازت بالسعة والشمولية ، والعمق ، والدقّة ، والقدرة على مسايرة العصور المختلفة ، والمستجدّات من دون أن تتخطّى عن الحدود المرسومة في الكتاب والسنّة.

    إنّ الفقه الامامي يعتمد في الدرجة الاُولى على القرآن الكريم ثمّ على السنّة المحمدية المنقولة عن النبي ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) عن طريق العترة الطاهرة ( عليهم السلام ) أو الثقات من أصحابه والتابعين لهم باحسان.

    وكما يعتمد الفقه الشيعي على الكتاب والسنّة كذلك يتّخذ من العقل مصدراً في المجال الذي له الحق في ابداء الرأي. كأبواب الملازمات العقلية أو قبح التكليف بلا بيان أو لزوم البراءة اليقينية عند الاشتغال اليقيني.

 

________________________________________

(560)

    ولا يكتفي بذلك بل يستفيد من الاجماع في الاستنباط ولكن الاجماع المفيد هو الكاشف عن وجود النص في المسألة أو موافقة الامام المعصوم مع المجمعين في عصر الحضور.

    إنّ الشيعة الامامية قدّمت في ظلّ هذه الاُسس الأربعة فقهاً يتناسب مع المستجدّات ، جامعاً لما تحتاج إليه الاُمّة ولم يقفل باب الاجتهاد ، منذ رحلة النبي إلى يومنا هذا. بل فتح بابه طيلة القرون فأنتج عبر العصور فقهاءً عظاماً ، وموسوعات كبارا. لم يشهد التاريخ لها ولهم مثيلاً وإليك عرضاً موجزاً لمشاهير فقهائهم والايعاز إلى بعض كتبهم في القرون الأولى.

 

    فقهاء الشيعة في القرنين الأوّلين :

    تخرّجت من مدرسة أهل البيت وعلى أيدي أئمة الهدى عدة من الفقهاء العظام لا يستهان بهم فبلغوا الذروة في الاجتهاد كزرارة بن أعين ، ومحمّد بن مسلم الطائفي ، وبريد بن معاوية ، والفضيل بن يسار ، وكلّهم من أفاضل خريجي مدرسة أبي جعفر الباقر وولده الصادق ( عليهما السلام ). فأجمعت العصابة على تصديق هؤلاء وانقادت لهم في الفقه والفقاهة.

    ويليهم في الفضل لفيف آخر ، هم أحداث خريجي مدرسة أبي عبداللّه الصادق نظراء جميل بن دراج ، وعبداللّه بن مسكان ، وعبداللّه بن بكير ، وحماد بن عثمان ، وحماد بن عيسى ، وأبان بن عثمان.

    وهناك ثلة اُخرى يعدّون من تلاميذ مدرسة الامام موسى الكاظم وابنه أبي الحسن الرضا ( عليهما السلام ) نظراء يونس بن عبدالرحمان ، ومحمّد بن أبي عمير ، وعبداللّه بن المغيرة ، والحسن بن محبوب ، والحسين بن علي بن فضال ، وفضالة

(561)

ابن أيوب (1).

    أكثر هؤلاء من فقهاء أواخر القرن الثاني وأوائل القرن الثالث.

    هؤلاء أعلام الشيعة في الفقه والحديث في القرنين الأوّلين وكلّهم خريجو مدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) ولقد خلّفوا آثاراً علمية باسم الأصل ، والكتاب ، والنوادر ، والجامع ، والمسائل وعناوين اُخرى.

 

    أصحاب الجوامع الفقهية في القرن الثالث :

    لم تزل تنجب مدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) في القرن الثالث فقهاءاً كباراً ألّفوا جوامع فقهية. نشير إلى بعضهم :

    1 ـ يونس بن عبدالرحمان ، ولقد وصفه ابن النديم في فهرسته بعلاّمة زمانه ، له جوامع الآثار والجامع الكبير ، وكتاب الشرائع.

    2 ـ صفوان بن يحيى البجلي ، الذي كان أوثق أهل زمانه وصنّف 30 كتابا.

    3 و 4 ـ الحسن والحسين ابنا سعيد بن حماد الأهوازي ، صنّفا الكتب الثلاثين.

    5 ـ أحمد بن محمّد بن خالد البرقي ، المتوفّى 274 صاحب كتاب المحاسن وغيره.

    6 ـ محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري القمّي ، صاحب نوادر الحكمة المتوفّى حوالي 293. صاحب الجامع المعروف.

    7 ـ أحمد بن محمّد أبي نصر البزنطي ، المتوفّى 221 ، صاحب الجامع

________________________________________

1 ـ أبو عمرو الكشي : الرجال 206 ـ 322 ـ 466 ، وراجع رجال النجاشي في ترجمتهم وذكر آثارهم ومنزلتهم في الفقه.

________________________________________

(562)

المعروف.

 

    فقهاء الشيعة في القرن الرابع :

    هؤلاء هم فقهاء الشيعة في القرن الثالث ويليهم عدة اُخرى في القرن الرابع نذكر أسماءهم على وجه الاجمال :

    1 ـ الحسن بن علي بن أبي عقيل شيخ الشيعة وفقيهها صاحب كتاب المتمسك بحبل آل الرسول.

    2 ـ علي بن الحسين بن بابويه ، المتوفّى 329 ، صاحب كتاب الشرائع.

    3 ـ محمّد بن الحسن بن الوليد القمي ، جليل القدر ، شيخ القميين وفقيههم ومتقدّمهم مات سنة 343 ولقد بلغ في الوثاقة والدقة على حد يسكن إليها الشيخ الصدوق في تصحيحاته وتضعيفاته.

    4 ـ جعفر بن محمّد بن قولويه. اُستاذ الشيخ الصدوق مؤلّف كامل الزيارات ، يقول النجاشي : إنّه من ثقات أصحابنا وأجلاّئهم في الفقه والحديث. توفّي عام 369.

    5 ـ محمّد بن علي بن الحسين الصدوق 306 ـ 381 ، مؤلّف من لا يحضره الفقيه والمقنع والهداية.

    6 ـ محمّد بن أحمد بن الجنيد المعروف بالاسكافي ، المتوفّي سنة 385.

    قال النجاشي : وجه في أصحابنا ثقة جليل القدر صنّف فأكثر ، ثمّ ذكر فهرس كتبه ومنها كتاب تهذيب الشيعة لأحكام الشريعة. وكتاب الأحمدي للفقه المحمّدي.

 

    مشاهير الفقهاء في القرن الخامس :

    وفي القرن الخامس نبغ فقهاء كبار ، احتفل الفقه الشيعي بل الاسلامي

 

________________________________________

(563)

بأسمائهم وآرائهم كالشيخ المفيد 336 ـ 413 والسيد المرتضى 355 ـ 436 والشيخ الكراجكي 449 والشيخ الطوسي 385 ـ 460 وسلار الديلمي مؤلف المراسم ، وابن البراج 401 ـ 489 مؤلف المهذب ، وغيرهم الذين ملأت أسماؤهم كتب التراجم والرجال ، ومن أراد الوقوف على حياتهم وكتبهم فعليه بالرجوع إلى الموسوعات الرجالية وأخص بالذكر كتاب الذريعة إلى تصانيف الشيعة.

    هذا عرض موجز لمشاركة الشيعة في بناء الحضارة الإسلامية على المستوى الفقهي. وبعين اللّه انّ علماء الشيعة قاموا بهذه الجهود في ظروف قاسية ورهيبة ، وكانت الحكومات ومرتزقة البلاط تطاردهم وتسجنهم وتقتلهم ومع ذلك نرى هذا الانتاج العلمي الهائل في مجال الفقه. ولو وقف عليها علماء الإسلام لا ندهشوا من سعة الفكر ، وعمق النظر ، وغزارة الانتاج.

    هذا هو الشيخ الطوسي الذي ألّف المبسوط في الفقه المقارن في 8 أجزاء في زمن كانت نار الحرب مشتعلة على الشيعة ولقد أحرقت داره ، ومكتبته في كرخ بغداد فالتجأ سرّاً إلى النجف الأشرف تاركاً بلده الذي عاش فيه قرابة نصف قرن ، وأين هؤلاء من الفقهاء الذين تنعّموا بالهدوء والاستقرار ، واستقبلتهم السلطات الحاكمة بصدر رحب ، واُجيزوا بازاء شعر أو كتيب أو رسالة صغيرة بالهبات والعطايا.

 

    9 ـ قدماء الشيعة وعلم اُصول الفقه :

    إنّ السنّة النبوية بعد القرآن الكريم هي المصدر للتشريع ، وقد سبق أنّ الخلاقة ـ بعد رحلة الرسول ـ حالت دون تحديث ما تركه بين الاُمة ، وكتابته وتدوينه. فلم تدوّن السنّة إلى عصر أبي جعفر المنصور إلاّ صحائف غير منظّمة ولا مرتّبة إلى أن

 

________________________________________

(564)

شرع علماء الإسلام في التدوين سنة 53 (1).

    إنّ الحيلولة بين السنّة وتدوينها ونشرها أدّت إلى نتائج سلبية عظيمة منها قصور ما وصل إلى الفقهاء في ذلك العصر صحيحاً من الرسول ، عن تلبية متطلّباتهم في مجال الأحكام. حتّى اشتهر عن امام الحنفية أنّه لم يثبت عنده من أحاديث الرسول في مجال التشريع إلاّ سبعة عشر حديثا.

    نحن لا نوافق مع ما حكي عن النعمان ولكن نؤكّد على شيء وآخر ، وهو أنّ ما ورد في مجموع الصحاح والمسانيد والسنن الأعم من الصحيح والضعيف في مجال الأحكام الشرعية ، لا يتجاوز 500 حديثاً ، قال السيد محمّد رشيد رضا : إنّ أحاديث الأحكام الاُصول لا تتجاوز 500 حديثاً تمدّها أربعة آلاف فيما أذكر (2).

    ويقول أيضاً في تفسيره : يقولون انّ مصدر القوانين ، الاُمة ، ونحن نقول بذلك ، في غير المنصوص في الكتاب والسنّة. كما قرّره الامام الرازي والمنصوص قليل جدّاً (3).

    وما ذكره من قضية الامداد ، يوحي إلى الموقوفات عن الصحابة من دون أن يثبت صدورها عن النبي ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) فهذه الموقوفات تعرب عن اجتهادات الصحابة في المسألة. ومن المعلوم انّ قول الصحابي لا يكون حجّة إلاّ إذا نسبه إلى الرسول.

    هذا وأنّ الحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفّى 852 جمع كل ما ورد في

________________________________________

1 ـ جلال الدين السيوطي : تاريخ الخلفاء 261.

2 ـ الوحي المحمّدي ، الطبعة السادسة 212 ، نعم أنهاه ابن حجر في كتابه « بلوغ المرام » إلى 1596 لكن كثيراً منها لا يتضمّن حكماً شرعياً وانّما هي أحاديث أخلاقية وغيرها فلاحظ.

3 ـ المنار 5 / 189.

________________________________________

(565)

مجال التشريع في كتاب أسماه بلوغ المرام من أدلّة الأحكام (1) وهو كتاب صغير جدّاً.

    إنّ افتقاد النص في مجال التشريع الذي واجه فقهاء أهل السنّة بعد رحلة الرسول ، هو الذي دعاهم إلى التفحّص عن حلول لهذه الأزمة حتّى تسد حاجاتهم الفقهية فعكفوا على المقاييس الظنية التي ما أنزل اللّه بها من سلطان كالقياس ، والاستقراء ، والاستحسان ، وسد الذرائع ، وسنّة الخلفاء ، أو سنّة الصحابة ، أو رأي أهل المدينة إلى غير ذلك من القواعد وأسّسوا عليها فقههم عبر قرون متمادية ، وقد جاء ذلك نواة لتأسيس علم اُصول الفقه بصورة مختصرة نمت ونضجت في الأجيال.

    وأمّا الشيعة حيث إنّهم لم يفتقدوا سنّة الرسول بعد وفاته لوجود باب علم النبي ، علي ( عليه السلام ) والأئمة المعصومين بين ظهرانيهم فلم تكن هناك أية حاجة للعمل بتلك المقاييس وبالتالي لم يكن هناك أي دافع للاتّجاه نحو اُصول الفقه.

    نعم لمّا كان الإسلام ديناً عالمياً والنبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) خاتم الأنبياء ، والاُصول والسنن مهما كثرت لا يمكن أن تلبّي بحرفيتها حاجات المسلمين إلى يوم القيامة ، انبرى أئمّة أهل البيت إلى املاء ضوابط وقواعد يرجع إليها الفقيه عند فقدان النص أو اجماله أو تعارضه إلى غير ذلك من الحالات التي يواجه بها الفقيه. وتلك الاُصول هي التي تشكّل أساساً لعلم اُصول الفقه ولقد جمعها عدّة من الأعلام في كتاب خاص أفضلها الفصول المهمّة في اُصول الأئمّة للشيخ المحدث الحر العاملي المتوفّي 1104.

    فلو تأخّرت الشيعة في تدوين مسائل اُصول الفقه فانّما لأجل ذاك الغنى الذي

________________________________________

1 ـ بلوغ المرام من أدلة الأحكام ، طبع مصر تحقيق محمّد حامد الفقي.

________________________________________

(566)

عرفت ، ومع ذلك نرى انّ لفيفاً من صحابة الأئمّة درسوا بعض مسائل اُصول الفقه نظير :

    1 ـ هشام بن الحكم المتوفّى سنة 199 ، صنّف كتاب الألفاظ (1).

    2 ـ يونس بن عبدالرحمان ، صنّف كتاب اختلاف الحديث ومسائله. وهو مبحث تعارض الحديثين (2).

    3 ـ إسماعيل بن علي بن إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت 237 ـ 311.

    قال النجاشي : كان شيخ المتكلّمين من أصحابنا وذكر مصنّفاته وعدّ منها كتاب الخصوص والعموم (3) وذكره ابن النديم في فهرسته وعدّ من مصنّفاته كتاب ابطال القياس. وكتاب نقض اجتهاد الرأي على ابن الراوندي (4).

    4 ـ أبو محمّد الحسن بن موسى النوبختي من علماء القرن الثالث له كتاب الخصوص والعموم والخبر الواحد والعمل به (5).

    5 ـ أبو منصور صرام النيشابوري من علماء القرن الثالث وأوائل الرابع له ابطال القياس (6).

    6 ـ محمّد بن أحمد بن داود بن علي المتوفّى عام 368 قال النجاشي : شيخ

________________________________________

1 ـ النجاشي : الرجال 2 / 398 برقم 1165 وهو مردد بين كونه كتاب لغة أو أدب ، أو كونه باحثاً عن الألفاظ التي يستخدمها الفقيه في استنباط الأحكام لكون الأمر للوجوب والمرّة والتكرار أو الفورية والتأخير إلى غير ذلك.

2 ـ الطوسي : الفهرست 211 برقم 810 والنجاشي 2 / 420.

3 ـ النجاشي : الرجال 1 / 121 برقم 67.

4 ـ ابن النديم : الفهرست 265 طبع مطبعة الاستقامة القاهرة.

5 ـ النجاشي : الرجال 1 / 180 ـ 181 برقم 146.

6 ـ الطوسي : الفهرست قسم الكنى 381 برقم 588.

________________________________________

(567)

هذه الطائفة وعالمها له كتاب الحديثين المختلفين (1).

    7 ـ محمّد بن أحمد بن الجنيد المتوفّى سنة 381 له كتاب كشف التمويه والالتباس في ابطال القياس (2).

    والطابع السائد على هذه الكتب هو دراسة بعض المسائل الاُصولية كحجّية خبر الواحد ، أو حل مشكلة اختلاف الحديثين أو نقد بعض الأساليب الرائجة في تلك الأجيال في استنباط الأحكام ، كالقياس وغيره ولا يصح عدّها كتباً اُصوليّة بالمعنى المصطلح ، نعم يمكن عدّها مرحلة اُولى ، ونواة بالنسبة إلى المرحلة الثانية.

    وأمّا المرحلة الثانية فقد امتازت ، بالسعة والشمول ، بادخال كثير من المسائل الأدبية والكلامية في علم اُصول الفقه وأوّل من فتح هذا الباب على وجه الشيعة بمصراعيه :

    معلم الاُمّة الشيخ المفيد ( 336 ـ 413 ) فألّف رسالة في هذا المضمار وأدرجها تلميذه العلاّمة الكراجكي في كتابه كنز الفوائد (3).

    وألّف بعده تلميذه الجليل علم الهدى المعروف بالسيد المرتضى كتابه القيم الذريعة إلى اُصول الشريعة طبع في جزأين ، وقد رأيت منها نسخة مخطوطة في مدينة قزوين جاء فيها تاريخ فراغ المؤلّف منه عام 400.

    الشيخ الطوسي : ( 385 ـ 460 ) ألّف عدّة اُصول وطبع مرات ، وعن طريق هذه الكتب ، انتشرت آراء الشيعة في علم الاُصول.

    ثمّ دخلت المرحلة الثالثة فقد اُلّف فيها كتب منها :

________________________________________

1 ـ النجاشي : الرجال 2 / 305 برقم 1046.

2 ـ النجاشي : الرجال 2 / 304 برقم 1048.

3 ـ كنز الفوائد 2 / 15 ـ 30 طبع بيروت.

________________________________________

(568)

    1 ـ التقريب في اُصول الفقه للشيخ أبي ليلى المعروف بسلار بن عبدالعزيز الديلمي صاحب المراسم توفّي عام 448.

    2 ـ غنية النزوع إلى علمي الاُصول والفروع تأليف أبي المكارم حمزة بن علي ابن زهرة المعروف بابن زهرة المتوفّى عام 585.

    3 ـ المصادر تاليف الشيخ سديد الدين الحمصي المتوفّى حدود سنة 600.

    هذه هي المراحل الثلاثة إلتي مرّ بها علم الاُصول ، وقد تلتها مراحل اُخرى إلى أن بلغت في القرن الرابع عشر ذروتها وقمّتها وبلغ أعلى مراحل كمالها ، ويتّضح ذلك من ملاحظة ما اُلّف من عصر الاُستاذ الأكبر المحقق البهبهاني ( 1118 ـ 1206 ) إلى يومنا ، فقد راج التحقيق في المسائل الاُصولية من عصره إلى عصر الشيخ مرتضى الأنصاري ( 1212 ـ 1281 ) وعصر تلميذه الشيخ محمّد كاظم الخراساني ( 1329 ـ 1255 ) ففي هذه الفترة : أي القرون الثلاثة ، اُلّفت مئات الكتب والرسائل في ذاك المجال ، ولا اُغالي إذا قلت : انّه لم تبلغ طائفة من الطوائف الإسلامية تلك الدرجة التي وصلت إليها الشيعة في علمي الفقه والاُصول من جانب كثرة الانتاج والاستيعاب ودقه النظر ، شكر اللّه مساعيهم.

 

    10 ـ قدماء الشيعة وعلم المغازي والسير :

    مغازي النبيّ الأكرم جزء من تاريخ حياته وسيرته ، والرسول قدوة واُسوة وفعله كقوله حجّة بلا اشكال وقد وضع بعضهم كتباً في فقه السيرة (1) فكان على المسلمين ضبط دقيقها وجليلها ، وقد قاموا بذلك لولا أنّ الخلافة حالت دون الاُمنية. ولكن قيض اللّه سبحانه ، رجالا في الشيعة في ذلك المجال ضبطوا سيرة الرسول

________________________________________

1 ـ كزاد المعاد لابن القيم ، وفقه السيرة للشيخ الغزالي المعاصر.

________________________________________

(569)

ومغازيه :

    1 ـ منهم محمّد بن إسحاق بن يسار ( ت 151 ) : عدّه الشيخ الطوسي في رجاله (1) من أصحاب الإمام الصادق. ولأجل ولائه لأهل بيت النبوّة وصفه ابن حجر في التقريب « بأنّه امام المغازي ، صدوق ، يدلس ورمي بالتشيّع والقدر » (2) وفي مختصر الذهبي : انّه كان صدوقاً من بحور العلم ، وعن تاريخ اليافعي عن شعبة بن الحجاج انّه قال : محمّد بن إسحاق أميرالمؤمنين في الحديث ، وعن الشافعي : من أراد أن يتبحّر في المغازي فهو عيال محمّد بن إسحاق (3).

    لمّا كان المترجم شيعياً مجاهراً في ولائه لأهل البيت عمد ابن هشام ( ت 212 ) بتلخيص كتابه على أساس حذف ما لا يلائم نزعته فحذف أكثر ما له صلة بفضائل الامام علي وأهل بيته.

    فعلى الشيعة الغيارى التفحّص في مكتبات العالم وفهارسها ، حتّى يعثروا على نسخة الاُم ، وينشروا هذا الكنز الدفين ، وقد أذعن بعض المستشرقين انّه عثر على الأصل ونشره باسم سيرة ابن إسحاق ، لكنّه جزء من السيرة لا كلّها.

    ومن حسن الحظ انّ سيرة ابن إسحاق وإن لم تكن موجودة بصورتها لكنّها موجودة بمادتها فقد بثّها الطبرسي ( 470 ـ 548 ) في أجزاء مجمع البيان ، وابن الجوزي ( 1595 ) في المنتظم ، وابن كثير في تاريخه وغيرهم ، فعلى المحققين العظام ، استخراج مادة السيرة عن هذه الكتب ، وملخّصها المعروف بالسيرة النبوية لابن هشام.

________________________________________

1 ـ الطوسي : الرجال 181.

2 ـ ابن حجر : التقريب 2 / 144 برقم 40.

3 ـ المامقاني : تنقيح المقال 3 / 79 برقم 1038.

________________________________________

(570)

    2 ـ نعم سبق ابن إسحاق ، عبيداللّه بن أبي رافع من أصحاب الامام أميرالمؤمنين ، فقد عمل كتاباً أسماه تسمية من شهد مع أميرالمؤمنين ، الجمل وصفين والنهروان من الصحابة ، ذكره الشيخ في الفهرس (1) لكنّه في مغازي الوصيّ لا النبيّ.

    3 ـ كما ألّف جابر الجعفي ( ت 128 ) كتباً في ذلك المجال : قال النجاشي : جابر عربي قديم. ثمّ ذكر نسبه وعدّ من كتبه : كتاب الجمل وكتاب صفّين ، وكتاب نهروان ، وكتاب مقتل أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) وكتاب مقتل الحسين (2).

    4 ـ وألّف في ذلك المجال : أبان بن عثمان الأحمر البجلي الكوفي الذي ربّما يسكن البصرة وقد أخذ عنه أبو عبيدة معمر بن المثنّى ( 110 ـ 209 ) وأبو عبداللّه بن القاسم بن سلام ( 157 ـ 224 ) وأكثروا الحكاية عنه في أخبار الشعراء والنسب والأيام ، له كتاب حسن يجمع المبتدأ والمغازي والوفاة والردة (3).

    وقد جمع فيه أخبار ابتداء أمر النبي ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) من مبعثه ومغازيه ووفاته وأخبار يوم السقيفة وارتداد بعض القبائل.

    5 ـ ومن مشاهير هذا الفن من الشيعة أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي الغامدي شيخ أصحاب الأخبار بالكوفة ، روى عن جعفر بن محمّد ( عليهما السلام ). وصنّف كتباً : منها كتاب المغازي ، كتاب السقيفة ، كتاب الردة ، كتاب فتوح الإسلام ... (4).

    6 ـ ومن أعلامه ، نصر بن مزاحم ( 212 ) ألّف كتباً كثيرة في ذلك

________________________________________

1 ـ الطوسي : الفهرست 202.

2 ـ النجاشي : الرجال 1 / 313 برقم 330.

3 ـ النجاشي : الرجال 1 / 80 برقم 7.

4 ـ النجاشي : الرجال 2 / 384 برقم 1149.

(571)

المجال (1).

    7 ـ هشام بن محمّد بن السائب الكلبي ( 206 ) أعلم علماء النسب والسير والآثار ، ذكره النجاشي وقال : الناسب ، العالم بالأيام ، المشهور بالفضل والعلم وكان يختص بمذهبنا ثمّ ذكر كتبه (2).

    هذا عرض موجز لمن شارك المسلمين من قدماء الشيعة في بناء الحضارة الإسلامية عن طريق تدوين السيرة والمغازي والمقاتل والتاريخ ، وأمّا المتأخرون فسل عنهم ولا حرج ، وراجع المعاجم : كأعيان الشيعة للسيد الأمين العاملي ، والذريعة لشيخنا المجيز الطهراني.

 

    11 ـ قدماء الشيعة وعلم الرجال :

    اهتمّ علماء الشيعة بعد عصر التابعين بعلم الرجال ، نذكر المؤلّفين الأوائل :

    1 ـ عبداللّه بن جبلة الكناني ( 219 ) قال النجاشي : وبيت جبلة مشهور بالكوفة وكان واقفاً ، وكان فقيهاً ثقة مشهوراً. له كتب ، منها كتاب الرجال ... (3).

    2 ـ علي بن الحسن بن فضال كان فقيه أصحابنا بالكوفة ووجههم وثقتهم وعارفهم بالحديث ، من أصحاب الامام الهادي والعسكري له كتب منها كتاب الرجال (4).

    وهذا المعروف بابن فضال الصغير ، وأبوه الحسن هو ابن فضال الكبير وكلاهما فطحيان.

________________________________________

1 ـ النجاشي : الرجال 2 / 191 ـ 192 برقم 873.

2 ـ النجاشي : الرجال 2 / 399 برقم 1167.

3 ـ النجاشي : الرجال 2 / 13 برقم 561.

4 ـ النجاشي : الرجال 2 / 82 برقم 674.

________________________________________

(572)

    3 ـ الحسن بن محبوب السراد ( 150 ـ 224 ) الراوي عن ستين رجلاً ، من أصحاب الصادق له كتاب « المشيخة » وكتاب « معرفة رواة الأخبار » (1).

    4 ـ أبو عمرو الكشي البصير بالأخبار والرجال ، تلميذ الشيخ العياشي ، وكتابه المعروف بـ « معرفة الرجال » هو الذي لخّصه الشيخ الطوسي وأسماه بـ « اختيار معرفة الرجال » وهو الموجود في الاعصار الأخيرة.

    5 ـ الشيخ أبو العباس أحمد بن علي النجاشي ( 372 ـ 450 ) من نقّاد هذا الفن ومن أجلاّئه وأعيانه حاز فصب السبق في ميدان علم الرجال ، له كتاب فهرس مصنفي الشيعة المعروف برجال النجاشي وقد طبع أخيراً محقّقاً في مؤسستنا « الامام الصادق ( عليه السلام ) ».

    6 ـ والشيخ الطوسي ( 385 ـ 460 ) الغني عن التعريف عمل كتابين أحدهما الفهرست والآخر الرجال ويعدّان من اُمّهات الكتب الرجالية ، وتوالى التأليف في علم الرجال وأخيه علم الدراية إلى عصرنا هذا ، وقد أنهى الشيخ الطهراني المؤلّفين من الشيعة في علم الرجال فبلغ قرابة خمسمائة مؤلّف شكر اللّه مساعي الجميع.

    هذا عرض موجز من مشاركة علماء الشيعة في بناء الحضارة الإسلامية عن طريق تأسيس العلوم واكمالها وتطويرها ، وأنت إذا وقفت على جهودهم الجبّارة في القرون الاُولى وما بعدها إلى عصرنا الحاضر ، تقف على طائفة كبيرة من عمالقة العلم وجهابذة الفضل ، كرسوا حياتهم الثمينة في ارساء صرح الحضارة الإسلامية ورفع قواعدها فأخلدوا لأنفسهم صحائف بيضاء ولصالح اُمّتهم حضارة انسانية ، كل ذلك في ظروف قاسية وسلطات شديدة الكلب ، وأضغان محتدمة ، إلاّ في فترات

________________________________________

1 ـ الطوسي : الفهرست 71 ، برقم 162 ، ابن شهرآشوب : معالم العلماء 333 برقم 182 ، الطهراني : مصفى المقال 128.

________________________________________

(573)

يسيرة.

 

    12 ـ قدماء الشيعة والعلوم العقلية :

    جاء الإسلام ليحرّر عقل الإنسان وتفكيره من الأغلال المتراكمة الموروثة التي خلقتها له الأجيال الماضية وهو يخاطب العقل ويدعوه إلى التأمّل والتفكير ، ويخاطب القلب والضمير بما حوله من الأدلّة الناطقة ، ويكفيك أنّ الذكر الحكيم استعمل مادة « العقل » بمختلف صورها 47 مرة ، و « التفكّر » 18 مرة و « اللب » 16 مرّة ، و « التدبّر » 4 مرات و « النهى » مرتين. فبذلك نهى عن التقليد وحثّ على التعقّل ببيانات مختلفة.

    فتارة فتح عيون الإنسان إلى الكائنات لما فيها من دلائل ناطقة على وجوده سبحانه وصفاته.قال سبحانه : ( أأنْتُمْ أشَدُّ خَلْقاً أمِ السَّماءُ بَناها * رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها * وأغْطَشَ لَيْلَها وَ أخْرَجَ ضُحاها * والأرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها * أخْرَجَ مِنْها ماءَها وَ مَرْعاها * وَ الجِبالَ أرْساها * متاعاً لَكُمْ و لأنْعامِكُمْ ) (1).

    واُخرى دعاه إلى التفكير والاستدلال المنطقي ، فقال سبحانه : ( أمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيءٍ أمْ هُمُ الخالِقُونَ * أمْ خَلَقُوا السَّمواتِ والأرْضَ بَلْ لا يوقِنُونَ ) (2).

    فعالج المشاكل العلمية والفلسفية تارة بالدعوة إلى النظر في الكون نظرة فاحصة ، واُخرى بالحثِّ عى التفكير في المعارف باسلوب منطقي وبرهاني ، وبذلك أيقظ عقول المسلمين وبعثهم إلى اعمال الحس والتعقّل وأعطى لكلّ قدره

________________________________________

1 ـ النازعات / 27 ـ 33.

2 ـ الطور / 35 ـ 36.

________________________________________

(574)

وقيمته غير أنّ المسلمين سوى قليل منهم تنكّبوا عن هذا الطريق ، خصوصاً في ما يرجع إلى المعارف العليا ، فصاروا بين مشبّه ومعطّل ، فالبسطاء منهم بنوا عقائدهم على الجمود بالمفردات الواردة في الكتاب والسنّة ، وبذلك استغنوا عن أيّ تعقّل وتفكّر ، إلى أن بلغت جرأتهم إلى حدّ قال بعضهم في الخالق : اعفوني عن الفرج واللحية واسألوني عمّا وراء ذلك (1) ، فهؤلاء هم المجسّمة والمشبّهة ، وأمّا غيرهم فاختاروا تعطيل العقول عن التفكّر في اللّه سبحانه ، فقالوا : اُعطينا العقل لاقامة العبودية لا لادراك الربوبيّة ، فمن شغل ما اُعطي لاقامة العبودية بادراك الربوبية فاتته العبودية ، ولم يدرك الربوبية (2).

    فالأكثرية الساحقة في القرون الاُولى كانوا بين مشبّه ومعطّل ، غير أنّه سبحانه شملت عنايته اُمّة من المسلمين رفضوا التشبيه والتعطيل ، وسلكوا طريقاً ثالثاً ، وقالوا بأنه يمكن للانسان التعرّف على ما وراء الطبيعة بما فيها من الجمال والكمال عن طريقين :

    1 ـ النظرة الفاحصة إلى عالم الوجود وجمال الطبيعة كما وردت في القرآن الكريم.

    2 ـ ترتيب الأقيسة المنطقية للوصول إلى الحقائق العليا ، وهذا هو الخط الذي رسمه القرآن الكريم ، ومشى على هذا الخط أئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ) من أوّلهم إلى آخرهم.ترى ذلك في كلام الامام علي ( عليه السلام ) بوضوح ، في أحاديثه وخطبه ، ورسائله وكلمه ولا يمكن لنا نقل معشار منه ، ونكتفي بحديث واحد.

________________________________________

1 ـ الشهرستاني : الملل والنحل 1 / 105 ط دار المعرفة لبنان.

2 ـ علاقة الاثبات والتفويض نقلا عن الحجة في بيان المحجة 33.

________________________________________

(575)

    سأله سائل : هل يقدر ربّك أن يُدخل الدنيا في بيضة من غير أن يُصغّر الدنيا أو يُكبّر البيضة ؟ فقال : إنّ اللّه تبارك وتعالى لا ينسب إلى العجز والذي سألتني لا يكون (1).

    إنّ خطب الامام ( عليه السلام ) ورسائله وقصار حكمه صار هو الحجر الأساس لكلام الشيعة وآرائهم في العقائد والمعارف ، ولم يقف نشاط الشيعة في ذلك المجال ، بل جاءت الأئمة بعد الامام ، ففتحوا عقول شيعتهم بالدعوة إلى التدبّر والتفكّر في المعارف ، حتّى تربّى في مدرستهم عمالقة الفكر من عصر سيد الساجدين إلى عصر الامام العسكري ، تجد أسماءهم وتآليفهم وافكارهم في المعاجم وكتب الرجال ، وقد نبغ في عصر أئمة أهل البيت مفكّرون بارزون افادوا الأجيال من بعدهم ، نأتي بأسماء البارزين بعد استفحال علم الكلام في أوائل القرن الثاني.

 

    متكلّموا الشيعة في القرن الثاني :

    1 ـ زرارة بن أعين بن سُنسُن : مولى ( بني عبداللّه بن عمرو السمين بن اسعد ابن همام بن مرة بن ذهل بن شيبان ) ، أبوالحسن. شيخ أصحابنا في زمانه ، ومتقدّمهم ، وكان قارئاً ، فقيهاً ، متكلّماً ، شاعراً أديباً ، قد اجتمعت فيه خصال الفضل والدين ، صادقاً في ما يرويه.

    قال أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه : رأيت له كتاباً في الاستطاعة والجبر (2) وقال ابن النديم : وزرارة أكبر رجال الشيعة فقهاً وحديثا

________________________________________

1 ـ الصدوق : التوحيد 130 باب « القدرة » برقم 9.

2 ـ النجاشي : الرجال 1 / 397 برقم 461 ، الطوسي : الفهرست برقم 314 ، الكشي : الرجال برقم 62 ، الذهبي : ميزان الاعتدال 2 برقم 2853.

________________________________________

(576)

ومعرفة بالكلام والتشيّع (1) وهو من الشخصيات البارزة للشيعة التي اجتمعت العصابة على تصديقهم ، وهو غنيّ عن التعريف والتوصيف.

 

    2 ـ محمّد بن علي بن النعمان بن أبي طريفة البجلي : مولى الأحول « أبو جعفر » ، كوفي ، صيرفي يلقب بـ « مؤمن الطاق » و « صاحب الطاق » ، ويلقّبه المخالفون بـ « شيطان الطاق » ... وكان دكانه في طاق المحامل ، بالكوفة ، فيرجع إليه في النقد فيردّ ردّاً فيخرج كما يقول ، فيقال « شيطان الطاق ». أمّا منزلته في العلم وحسن الخاطر ، فاشهر وقد نسب إليه أشياء لم تثبت عندنا. وله كتاب « افعل لا تفعل » رأيته عند أحمد بن الحسين بن عبيداللّه رحمه اللّه ، كتاب حسن كبير ، وقد أدخل فيه بعض المتأخرين أحاديث تدل فيه على فساد ، ويذكر تباين أقاويل الصحابة. وله كتاب « الاحتجاج في إمامة أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) » وكتاب كلامه على الخوارج ، وكتاب مجالسه مع أبي حنيفة والمرجئة ... (2) فقد توفي الامام الصادق عام 148 ، وأبو حنيفة عام 150 ، فالرجل من متكلّمي القرن الثاني.

    وقال ابن النديم وكان متكلّماً حاذقاً وله من الكتب كتاب الامامة ، كتاب المعرفة ، كتاب الرد على المعتزلة في إمامة المفضول ، كتاب في أمر طلحة والزبير وعائشة (3).

 

    3 ـ هشام بن الحكم : قال ابن النديم : هو من متكلّمي الشيعة الإمامية وبطانتهم ، وممّن دعا له الصادق ( عليه السلام ) ، فقال : أقول لك ما قال رسول اللّه لحسان : لا تزال مؤيّداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك. وهو الذي فتق الكلام في

________________________________________

1 ـ ابن النديم : الفهرست 323.

2 ـ النجاشي : الرجال 2 / 203 برقم 887 ، الطوسي : الرجال أصحاب الكاظم برقم 18 والفهرست للطوسي برقم 594 ، الكشي : الرجال برقم 77.

3 ـ ابن النديم : الفهرست 264 وأيضاً 258.

________________________________________

(577)

الإمامة وهذّب المذهب وسهّل طريق الحجاج فيه ، وكان حاذقاً بصناعة الكلام حاضر الجواب (1).

    يقول الشهرستاني : وهذا هشام بن الحكم ، صاحب غور في الاُصول ، لا ينبغي أن يغفل عن الزاماته على المعتزلة ، فانّ الرجل وراء ما يلزم به على الخصم ، ودون ما يظهره من التشبيه ، وذلك أنّه ألزم الغلاة ... (2).

    وقال النجاشي : هشام بن الحكم أبو محمّد مولى كندة ، وكان ينزل بني شيبان بالكوفة ، انتقل إلى بغداد سنة 199 ، ويقال انّ في هذه السنة مات. له كتاب يرويه جماعة. ثم ذكر أسماء كتبه على النحو التالي :

    1 ـ علل التحريم 2 ـ الفرائض 3 ـ الإمامة 4 ـ الدلالة على حدث الأجسام 5 ـ الرد على الزنادقة 6 ـ الرد على أصحاب الاثنين 7 ـ التوحيد 8 ـ الرد على هشام الجواليقي 9 ـ الرد على أصحاب الطبائع 10 ـ الشيخ والغلام في التوحيد 11 ـ التدبير في الإمامة 12 ـ الميزان 13 ـ إمامة المفضول 14 ـ الوصية والرد على منكريها 15 ـ الميدان 16 ـ اختلاف الناس في الإمامة 17 ـ الجبر والقدر 18 ـ الحكمين 19 ـ الرد على المعتزلة وطلحة والزبير 20 ـ القدر 21 ـ الألفاظ 22 ـ الاستطاعة 23 ـ المعرفة 24 ـ الثمانية أبواب ، 25 ـ على شيطان الطاق ، 26 ـ الاخبار ، 27 ـ الرد على المعتزلة ، 28 ـ الرد على ارسطاطاليس في التوحيد 29 ـ المجالس في التوحيد 30 ـ المجالس في الإمامة (3).

________________________________________

1 ـ ابن النديم : الفهرست 257.

2 ـ الشهرستاني : الملل والنحل 1 / 185.

3 ـ النجاشي : الرجال 2 / 397 برقم 1165.

________________________________________

(578)

    يقول أحمد أمين : أكبر شخصية شيعية في الكلام ، وكان جداً قوىّ الحجة ، ناظر المعتزلة وناظروه ، ونقلت له في كتب الأدب مناظرات كثيرة متفرقة تدل على حضور بديهته وقوّة حججه.

    إنّ الرجال كان في بداية أمره من تلاميذ أبي الشاكر الديصاني ، صاحب النزعة الالحادية في الإسلام ثمّ تبع الجهم بن صفوان ، الجبري المتطرّف المقتول بترمذ عام 128 هـ ، ثم لحق بالإمام الصادق ( عليه السلام ) ودان بمذهب الإمامية ، وما تنقل منه من الآراء التي لا توافق اُصول الامامية ، فانّما هي راجعة إلى العصرين اللذين كان فيهما على النزعة الالحادية أو الجهمية ، وأمّا بعد ما لحق بالإمام الصادق ( عليه السلام ) فقد انطبعت عقليته بمعارف أهل البيت إلى حد كبير ، حتّى صار أحد المناضلين عن عقائد الشيعة الامامية (1).

 

    4 ـ قيس الماصر : أحد أعلام المتكلمين ، تعلّم الكلام من علي بن الحسين ( عليه السلام ) روى الكليني انّه أتى شامي إلى أبي عبداللّه الصادق ليناظر أصحابه ، فقال ( عليه السلام ) ليونس بن يعقوب : اُنظر من ترى بالباب من المتكلمين ... إلى أن قال يونس : فأدخلت زرارة بن أعين وكان يحسن الكلام ، وأدخلت الأحول وكان يحسن الكلام ، وأدخلت هشام بن الحكم وهو يحسن الكلام ، وأدخلت قيس الماصر وكان عندي أحسنهم كلاماً وقد تعلم الكلام من علي بن الحسين ( عليهما السلام ) (2).

 

    5 ـ عيسى بن روضة ، حاجب المنصور : كان متكلّماً ، جيّد الكلام ، وله

________________________________________

1 ـ إنّ للعلامة الحجة الشيخ عبداللّه نعمة كتاباً في حياة هشام بن الحكم ، فقد أغرق نزعاً في التحقيق وأغنانا عن كل بحث وتنقيب.

2 ـ الكليني : الكافي 1 / 171.

________________________________________

(579)

كتاب في الإمامة. وقد وصفه أحمد بن أبي طاهر في كتاب بغداد ، وذكر أنّه رأى الكتاب. وقال بعض أصحابنا رحمهم اللّه : انّه راى هذا الكتاب. وقرأت في بعض الكتب : انّ المنصور لمّا كان بالحيرة ، تسمّع على عيسى بن روضة ، وكان مولاه ، وهو يتكلّم في الإمامة فاُعجب به واستجاد كلامه (1) وبما أنّ المنصور توفّي عام 158 ، فالرجل من متكلّمي القرن الثاني.

 

    6 ـ الضحاك ، أبو مالك الحضرمي : كوفي ، عربي ، أدرك أبا عبداللّه ( عليه السلام ) وقال قوم من أصحابنا : روى عنه وقال آخرون : لم يرو عنه. وروى عن أبي الحسن ، وكان متكلّماً ثقة ثقة في الحديث. وله كتاب : في التوحيد ، رواية علي بن الحسن الطاطري (2) فالرجل من متكلّمي القرن الثاني. وقال ابن النديم : من متكلّمي الشيعة وله مع ابي علي الجبّائي مجلس في الإمامة وتثبيتها بحضرة أبي محمّد القاسم بن محمّد الكوفي وله من الكتب كتاب الإمامة ، نقض الإمامة على أبي علي ولم يتمّه (3).

 

    7 ـ علي بن الحسن بن محمّد الطائي : المعروف بـ « الطاطري » كان فقيهاً ثقة في حديثه له كتب منها : التوحيد ، الامامة ، الفطرة ، المعرفة ، الولاية (4) وغيرها وعدّه ابن النديم من متكلمي الامامية وقال : ومن القدماء : الطاطري وكان شيعياً واسمه ... وتنقّل في التشيّع وله من الكتب كتاب الإمامة حسن (5) وبما أنّه من أصحاب الإمام الكاظم فهو من متكلّمي القرن الثاني.

________________________________________

1 ـ النجاشي : الرجال 2 / 145 برقم 794.

2 ـ النجاشي : الرجال 1 / 451 برقم 544.

3 ـ ابن النديم : الفهرست 266.

4 ـ النجاشي : الرجال 2 / 77 برقم 665.

5 ـ ابن النديم : الفهرست 266.

________________________________________

(580)

    8 ـ الحسن بن علي بن يقطين بن موسى : مولى بني هاشم ، وقيل مولى بني أسد ، كان فقيهاً متكلّماً روى عن أبي الحسن والرضا ( عليهما السلام ) ، وله كتاب مسائل أبي الحسن موسى ( عليه السلام ) (1) وبما أنّ أبا الحسن الأول توفّي عام 183 ، والثاني توفّي عام 203 ، فالرجل من متكلّمي القرن الثاني وأوائل الثالث ، وذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرضا (2) وهو الذي سأل الإمام الرضا ( عليه السلام ) بأنّه لا يقدر على لقائه في كل وقت فعمّن يأخذ معالم دينه ؟ فأجاب الامام ( عليه السلام ) خذ عن يونس بن عبدالرحمان (3).

 

    9 ـ حديد بن حكيم : أبو علي الأزدي المدائني ، ثقة ، وجه ، متكلّم ، روى عن ابي عبد الله ، وأبي الحسن ( عليهما السلام ) له كتاب يرويه محمّد بن خالد (4) وبما أنّه من تلاميذ الصادق والكاظم ( عليهما السلام ) فالرجل من متكلّمي الشيعة في القرن الثاني.

 

    10 ـ فضال بن الحسن بن فضال : وهو من متكلّمي عصر الصادق ( عليه السلام ) وذكره الطبرسي في احتجاجه ومناظرته مع أبي حنيفة فلاحظ (5).

    وما ذكرناه نماذج من مشاهير المتكلّمين في عصر الصادقين والكاظم ، وهناك من لم نذكرهم ولهم مناظرات واحتجاجات احتفلت بهم الكتب التاريخية والكلامية كحمران بن أعين الشيباني ، وهشام بن سالم الجواليقي ، والسيد الحميري ،

________________________________________

1 ـ النجاشي : الرجال 1 / 148 برقم 9.

2 ـ الشيخ الطوسي : الرجال برقم 7.

3 ـ النجاشي : الرجال 2 / 421 برقم 1209.

4 ـ النجاشي : الرجال 1 / 377 برقم 383 ، وذكره الخطيب في تاريخه ج 8 برقم 4377.

5 ـ التستري : قاموس الرجال 4 / 313.

(581)

والكميت الاسدي (1).

 

    متكلّموا الشيعة في القرن الثالث :

    1 ـ الفضل بن شاذان بن الخليل أبو محمّد الأزدي النيشابوري : كان أبوه من أصحاب يونس ، وروى عن أبي جعفر الثاني وقيل الرضا ( عليهما السلام ) وكان ثقة ، أحد اصحابنا الفقهاء ، والمتكلمين ، وله جلالة في هذه الطائفة وهو في قدره أشهر من أن نصفه وذكر الكنجي انّه صنّف مائة وثمانين كتابا.

    وذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الإمام الهادي والعسكري ، وقد توفّي عام 260 فهو من متكلّمي القرن الثالث. وقد ذكر النجاشي فهرس كتبه نقتبس منه ما يلي :

    كتاب النقض على الاسكافي في تقوية الجسم ، كتاب الوعيد ، كتاب الرد على أهل التعطيل ، كتاب الاستطاعة ، كتاب مسائل في العلم ، كتاب الاعراض والجواهر ، كتاب العلل ، كتاب الايمان ، كتاب الرد على الثنوية ، كتاب اثبات الرجعة ، كتاب الرد على الغالية المحمدية ، كتاب تبيان اصل الضلالة ، كتاب الرد على محمّد بن كرام ، كتاب التوحيد في كتب اللّه ، كتاب الرد على أحمد بن الحسين ، كتاب الرد على الأصم ، كتاب في الوعد والوعيد آخر ، كتاب الرد على بيان ايمان ابن رباب ( الخارجي ) ، كتاب الرد على الفلاسفة ، كتاب محنة الإسلام ، كتاب الأربع مسائل في الامامة ، كتاب الرد على المنّانية ، كتاب الرد على المرجئة ، كتاب الرد على القرامطة ، كتاب الرد على البائسة ، كتاب اللطيف ، كتاب القائم عليه السلام ، كتاب الإمامة الكبير ، كتاب حذو النعل بالنعل ، كتاب فضل أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) ، كتاب معرفة الهدى

________________________________________

1 ـ لاحظ أعيان الشيعة 1 / 134 ـ 135.

________________________________________

(582)

والضلالة ، كتاب التعري والحاصل ، كتاب الخصال في الإمامة ، كتاب المعيار والموازنة ، كتاب الرد على الحشوية ، كتاب الرد على الحسن البصري في التفضيل ، كتاب النسبة بين الجبرية والبترية (1).

 

    2 ـ حكم بن هشام بن الحكم : أبو محمّد ، مولى كندة ، سكن البصرة ، وكان مشهوراً بالكلام ، كلّم الناس ، وحكي عنه مجالس كثيرة ، ذكر بعض أصحابنا أنّه راى له كتاباً في الامامة (2) وقد توفّي والده 200 أو 199 ، فهو من متكلمي أواخر القرن الثاني ، وأوائل القرن الثالث.

 

    3 ـ داود بن أسد بن أعفر : أبو الأحوص البصري ( رحمه اللّه ) شيخ جليل ، فقيه متكلّم من أصحاب الحديث ثقة ثقة ، وأبوه من شيوخ أصحاب الحديث الثقات ، له كتب منها ، كتاب في الإمامة على سائر من خالفه من الاُمم ، والآخر مجرد الدلائل والبراهين (3). وذكره الشيخ الطوسي في الفهرست في باب الكنى وقال : انّه من جملة متكلّمي الإمامية ، لقيه الحسن بن موسى النوبختي ، وأخذ عنه ، واجتمع معه في الحائر على ساكنه السلام ، وكان ورد للزيارة (4). فبما أنّه من مشايخ الحسن بن موسى النوبختي المعاصر للجبّائي ( ت 303 ) فهو من متكلّمي القرن الثالث المعاصر.

 

    4 ـ محمّد بن عبداللّه بن مملك الاصبهاني : أصله جرجان ، وسكن اصبهان ، جليل في أصحابنا ، عظيم القدر والمنزلة كان معتزلياً ورجع على يد عبدالرحمان بن أحمد بن جبرويه ( رحمه اللّه ). له كتب منها ، كتاب الجامع في سائر أبواب الكلام كبير ، وكتاب المسائل والجوابات في الإمامة ، كتاب مواليد الأئمة

________________________________________

1 ـ النجاشي : الرجال 2 / 168 برقم 838 ، والطوسي : الرجال برقم 1 و 2 في أصحاب الهادي والعسكري ( عليهما السلام ) ، والكشي : الرجال برقم 416.

2 ـ النجاشي : الرجال 1 / 328 برقم 349.

3 ـ النجاشي : الرجال 1 / 364 برقم 412.

4 ـ الطوسي : الفهرست 221 برقم 875.

________________________________________

(583)

( عليهم السلام ) ، كتاب مجالسه مع أبي علي الجبّائي ( 235 ـ 303 ) (1).

 

    5 ـ ثبيت بن محمّد ، أبو محمّد العسكري : صاحب أبي عيسى الوراق ( محمّد بن هارون ) متكلّم حاذق ، من أصحابنا العسكريين ، وكان أيضاً له اطّلاع بالحديث والرواية ، والفقه. له كتب ، منها :

    1 ـ كتاب توليدات بني اُمية في الحديث وذكر الأحاديث الموضوعة.

    2 ـ الكتاب الذي يعزى إلى أبي عيسى الوراق في نقض العثمانية له.

    3 ـ كتاب الأسفار.

    4 ـ دلائل الأئمة ( عليهم السلام ) (2).

    وبما أنّه من أصحاب أبي عيسى الوراق ، وقد توفّي هو في 247 ، فالرجل من متكلّمي القرن الثالث.

 

    6 ـ إسماعيل بن محمّد بن إسماعيل بن هلال المخزومي : أبو محمّد ، أحد أصحابنا ، ثقة فيما يرويه ، قدم العراق ، وسمع أصحابنا منه ، مثل أيوب بن نوح ، والحسن بن معاوية ، ومحمّد بن الحسين ، وعلي بن الحسن بن فضال ، له كتاب التوحيد ، كتاب المعرفة ، كتاب الإمامة.

    وبما أنّ الراوي عنه كعلي بن الحسن بن فضال من أصحاب الهادي والعسكري ( عليهما السلام ) وقد توفّي الامام العسكري عام 260 ، فهو في رتبة الحسن بن علي بن فضال ، الذي هو من أصحاب الإمام الرضا ( عليه السلام ) فيكون من متكلّمي القرن الثالث (3).

________________________________________

1 ـ النجاشي : الرجال 2 / 297 برقم 1034.

2 ـ النجاشي : الرجال 1 / 293 برقم 298 ، وثبيت على وزان زبير.

3 ـ النجاشي : الرجال 1 / 120 برقم 66.

________________________________________

(584)

    7 ـ محمّد بن هارون : أبو عيسى الوراق : له كتاب الإمامة ، وكتاب السقيفة ، وكتاب الحكم على سورة لم تكن وكتاب اختلاف الشيعة والمقالات. قال ابن حجر : له تصانيف على مذهب المعتزلة ، وقال المسعودي له مصنّفات حسان في الإمامة وغيرها وكانت وفاته سنة 247 (1).

 

    8 ـ إبراهيم بن سليمان بن أبي داحة المزني : مولى آل طلحة بن عبيداللّه ، « أبو إسحاق » ، وكان وجه أصحابنا البصريين في الفقه والكلام والأدب والشعر. والجاحظ يحكي عنه ، وقال الجاحظ : « حدثني إبراهيم ابن داحة ، عن محمّد بن أبي عمير » (2).

    وبما أنّ اُستاذه ابن أبي عمير توفّي عام 217 ، والجاحظ ، الراوي عنه توفّي عام 255 ، فهو من متكلّمي القرن الثالث يروي عنه الجاحظ في البيان والتبيين (3).

 

    9 ـ الشكّال : قال ابن النديم : صاحب هشام بن الحكم وخالفه في اشياء إلاّ في اصل الإمامة وله من الكتب كتاب المعرفة ، كتاب في الاستطاعة ، كتاب الامامة ، كتاب على من أبى وجوب الإمامة بالنص (4) وبما أنّ هشاماً توفّي عام 199 ، فالرجل من متكلّمي أوائل القرن الثالث.

 

    10 ـ الحسين بن اشكيب : شيخ لنا ، ثقة مقدم ، ذكره أبو عمرو في كتاب الرجال في أصحاب أبي الحسن ، صاحب العسكر ( عليه السلام ) ووصفه بأنّه عالم متكلّم مؤلّف للكتب ، المقيم بسمرقند وكش. له من الكتب ، كتاب الرد على من

________________________________________

1 ـ النجاشي : الرجال 2 / 280 برقم 1017 ، ابن حجر : لسان الميزان ج 5 برقم 1360 ، المحقق الداماد : الرواشح السماوية 55 ومر ذكره في ترجمة تثبيت وما في كلام ابن حجر من عده من المعتزلة ، ناشئ عن الخلط بين المعتزلة والامامية.

2 ـ النجاشي : الرجال 1 / 87 برقم 13 ، و 2 / 205 برقم 888.

3 ـ البيان والتبيين 1 / 61.

4 ـ ابن النديم : الفهرست 264.

________________________________________

(585)

زعم أنّ النبيّ كان على دين قومه ، والرد على الزيدية ، وبما أنّه من أصحاب أبي الحسن المتوفى عام 260 ، فهو من متكلمي القرن الثالث (1).

    وعده الشيخ في رجاله من أصحابه الامام الهادي ( عليه السلام ) (2).

 

    11 ـ عبدالرحمان بن أحمد بن جبرويه ، أبو محمّد العسكري : متكلّم من أصحابنا ، حسن التصنيف ، جيّد الكلام ، وعلى يده رجع محمّد بن عبداللّه بن مملك الاصبهاني عن مذهب المعتزلة إلى القول بالإمامة ، وقد كلّم عباد بن سليمان ، ومن كان في طبقته ، وقع إلينا من كتبه : كتاب الكامل في الإمامة ، كتاب حسن (3).

    وبما أنّ محمّد بن عبداللّه معاصر للجبّائي ( 235 ـ 303 ) وله مجالس معه (4) فالرجل من متكلّمي القرن الثالث ، ولعلّه أدرك أوائل القرن الرابع.

 

    12 ـ علي بن منصور ، أبو الحسن : كوفي سكن بغداد ، متكلّم ، من أصحاب هشام ، له كتب ، منها كتاب التدبير في التوحيد والإمامة (5). وقال النجاشي في ترجمة هشام بن الحكم : كتاب التدبير في الإمامة ، وهو جمع علي بن منصور من كلامه (6) وبما أنّ هشام توفّي عام 199 ، فالرجل من متكلّمي القرن الثاني ، وأوائل القرن الثالث.

 

    13 ـ علي بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم بن يحيى التمّار : أبو الحسن مولى بني أسد ، كوفي ، سكن البصرة ، وكان من وجوه المتكلّمين من أصحابنا ،

________________________________________

1 ـ النجاشي : الرجال 1 / 146 برقم 87.

2 ـ الشيخ الطوسي : الرجال برقم 18.

3 ـ النجاشي : الرجال 2 / 47 برقم 623.

4 ـ النجاشي : الرجال 2 / 297 برقم 1034.

5 ـ النجاشي : الرجال 2 / 71 برقم 656.

6 ـ النجاشي : الرجال 2 / 397 برقم 1165.

________________________________________

(586)

كلّم أبا الهذيل ( 135 ـ 235 ) والنظام ( 160 ـ 231 ) له مجالس وكتب منها كتاب الإمامة ، كتاب مجالس هشام بن الحكم وكتاب المتعة (1). وعدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الرضا برقم 52 فهو من متكلّمي القرن الثاني. وقال ابن النديم : أوّل من تكلّم في مذهب الإمامة علي بن إسماعيل بن ميثم التمّار ، وميثم ( جده ) من أجلّة أصحاب علي ـ رضي اللّه عنه ـ ولعلي من الكتب كتاب الإمامة ، كتاب الاستحقاق (2).

 

    متكلّموا الشيعة في القرن الرابع :

    1 ـ الحسن بن علي بن أبي عقيل : أبو محمّد العماني الحذّاء ، فقيه متكلّم ثقة ، له كتب في الفقه والكلام ، منها كتاب المتمسّك بحبل الرسول. قال النجاشي : وقرأت كتابه المسمّى : الكرّ والفرّ ، على شيخنا أبي عبداللّه المفيد ( رحمه اللّه ) وهو كتاب في الإمامة ، مليح الوضع.

    وذكره الشيخ في الفهرست والرجال (3) ، وبما أنّه من مشايخ أبي القاسم جعفر ابن محمّد المتوفّي عام 368 فالرجل من أعيان القرن الرابع ، المعاصر للكليني ، المتوفّي عام 329.

 

    2 ـ إسماعيل بن علي بن إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت : كان شيخ المتكلّمين من أصحابنا وغيرهم ، له جلالة في الدنيا والدين ، يجري مجرى الوزراء في جلالة الكتاب ، صنف كتباً كثيرة ، منها كتاب الاستيفاء في الإمامة ، التنبيه في الإمامة. قال النجاشي : قرأته على شيخنا أبي عبداللّه ( المفيد ) ( رحمه اللّه ) ،

________________________________________

1 ـ النجاشي : الرجال 2 / 72 برقم 659.

2 ـ ابن النديم : الفهرست 263.

3 ـ النجاشي : الرجال 1 / 153 برقم 99 ولاحظ فهرست الشيخ رقم 204 ، ورجاله في باب من لم يرو عنهم برقم 53.

________________________________________

(587)

كتاب الجمل في الإمامة ، كتاب الرد على محمّد بن الأزهر في الإمامة ، كتاب الرد على اليهود ، كتاب في الصفات للرد على أبي العتاهية ( 130 ـ 211 ) في التوحيد في شعره ، كتاب الخصوص والعموم والأسماء والأحكام ، كتاب الإنسان والرد على ابن الراوندي ، كتاب التوحيد ، كتاب الارجاء ، كتاب النفي والاثبات ، مجالسه مع أبي علي الجبّائي ( 235 ـ 303 ) بالأهواز ، كتاب في استحالة رؤية القديم ، كتاب الرد على المجبرة في المخلوق ، مجالس ثابت بن أبي قرة ( 221 ـ 288 ) ، كتاب النقض على عيسى بن أبان في الاجتهاد ، نقض مسألة أبي عيسى الوراق في قدم الاجسام ، كتاب الإحتجاج لنبوّة النبي ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) ، كتاب حدوث العالم (1).

    وقال ابن النديم أبو سهل : إسماعيل بن علي بن نوبخت من كبار الشيعة وكان أبو الحسن الناشي يقول إنّه اُستاذه وكان فاضلاً ، عالماً ، متكلماً ، وله مجالس بحضرة جماعة من المتكلمين ... وذكر فهرس كتبه (2).

 

    3 ـ الحسين بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه ( أخو الصدوق ) القمي أبو عبداللّه ، ثقة روى عن أبيه اجازة ، وله كتب منها :

    1 ـ كتاب التوحيد ونفي التشبيه.

    2 ـ كتاب عمله للصاحب أبي القاسم بن عباد ( 326 ـ 385 ) وقد توفّي أخوه عام 381 فهو من أعيان القرن الرابع ، وهو وأخوه ولدا بدعوة صاحب الأمر ( عليه السلام ) ، ترجمه ابن حجر في لسان الميزان (3).

________________________________________

1 ـ النجاشي : الرجال 1 / 121 برقم 67 ( وهو خال الحسن بن موسى مؤلّف فرق الشيعة ).

2 ـ ابن النديم : الفهرست 265.

3 ـ النجاشي : الرجال 1 / 189 برقم 161 ، ابن حجر : لسان الميزان 2 / 306 برقم 1260.

________________________________________

(588)

    4 ـ محمّد بن بشر الحمدوني « أبو الحسين السوسنجردي » : متكلم جيد الكلام ، صحيح الاعتقاد ، كان يقول بالوعيد ، له كتب ، منها كتاب المقنع في الإمامة ، كتاب المنقذ في الإمامة (1) وقال ابن النديم : السوسنجردي من غلمان أبي سهل النوبختي. ويكنّى أبا الحسن ، ويعرف بالحمدوني منسوباً إلى آل حمدون ، وله من الكتب كتاب الانقاذ في الامامة (2) وقال ابن حجر : كان زاهداً ورعاً متكلماً ، على مذهب الإمامية وله مصنّفات في نصرة مذهبه (3).

 

    5 ـ يحيى أبو محمّد العلوي من بني زبارة : علوي ، سيد ، متكلّم ، فقيه ، من أهل نيشابور. قال الشيخ الطوسي : جليل القدر ، عظيم الرياسة ، متكلّم ، حاذق ، زاهد ، ورع ، لقيت جماعة ممّن لقوه وقرأوا عليه ، له كتاب ابطال القياس ، وكتاب في التوحيد (4) ، وعلى هذا فالرجل في درجة شيخ مشايخ الطوسي ، فهو من متكلّمي القرن الرابع.

 

    6 ـ محمّد بن القاسم ، أبوبكر ، بغدادي : متكلم عاصر بن همام ، له كتاب في الغيبة ، كلام (5). وابن همام هو محمّد بن أبي بكر بن سهيل الكاتب الاسكافي الذي ترجم له النجاشي في رجاله برقم 1033 وذكره الخطيب في تاريخه 3 / 365 وقال أحد شيوخ الشيعة ، ولد عام 258 وتوفّي عام 338 وعلى هذا فالمترجم من متكلّمي أوائل القرن الرابع.

________________________________________

1 ـ النجاشي : الرجال 2 / 298 برقم 1037.

2 ـ ابن النديم : الفهرست 266.

3 ـ ابن حجر : لسان الميزان 5 / 93 برقم 304.

4 ـ النجاشي : الرجال 2 / 413 برقم 1192 ، وقد جاءت ترجمته أيضاً برقم 1195 ، الشيخ الطوسي : الفهرست برقم 803.

5 ـ النجاشي : الرجال 2 / 298 برقم 1036.

________________________________________

(589)

    7 ـ محمّد بن عبدالملك بن محمّد التبان : يكنّى أبا عبداللّه ، كان معتزلياً ، ثمّ أظهر الانتقال ، ولم يكن ساكنا ، له كتاب في تكليف من علم اللّه انّه يكفر ، وله كتاب في المعدوم ، ومات لثلاث بقين من ذي القعدة سنة 419 (1).

 

    8 ـ محمّد بن عبدالرحمان بن قبة الرازي أبو جعفر : متكلّم ، عظيم القدر حسن العقيدة ، قوي في الكلام ، كان قديماً من المعتزلة ، وتبصّر وانتقل ، له كتب في الكلام ، وقد سمع الحديث ، وأخذ عنه ابن بطة وذكره في فهرسته الذي يذكر فيه من سمع منه فقال : وسمعت من محمّد بن عبدالرحمان بن قبة.

    له كتاب الانصاف في الامامة ، وكتاب المستثبت نقض كتاب أبي القاسم البلخي ( ت 319 ) ، وكتاب الرد على الزيدية ، وكتاب الرد على ابي علي الجبائي ، المسالة المفردة في الامامة.

    قال النجاشي : سمعت أبا الحسين السوسنجردي ( رحمه اللّه ) وكان من عيون أصحابنا وصالحيهم المتكلّمين ، وله كتاب في الإمامة معروف به ، وقد كان حج على قدميه خمسين حجة يقول : مضيت إلى أبي القاسم البلخي إلى بلخ بعد زيارتي الرضا ( عليه السلام ) بطوس فسلمت عليه وكان عارفاً بي ومعي كتاب أبي جعفر بن قبة في الإمامة المعروف بالانصاف ، فوقف عليه ، ونقضه بالمسترشد في الإمامة فعدت إلى الري ، فدفعت الكتاب إلى ابن قبة فنقضه بالمستثبت في الامامة ، فحملته إلى أبي القاسم فنقضه بنقض المستثبت ، فعدت إلى الري فوجدت أبا جعفر قدمات ( رحمه اللّه ) (2).

    وقال ابن النديم : أبو جعفر بن محمّد بن قبة من متكلّمي الشيعة وحذّاقهم

________________________________________

1 ـ النجاشي : الرجال 2 / 333 برقم 1070.

2 ـ النجاشي : الرجال 2 / 288 برقم 1024.

________________________________________

(590)

وله من الكتب : كتاب الانصاف في الإمامة ، كتاب الإمامة (1).

    وقال العلاّمة : وكان حاذقاً شيخ الإمامية في عصره (2).

 

    9 ـ علي بن وصيف ، أبوالحسن الناشي : ( 271 ـ 365 ) الشاعر المتكلّم ، ذكر شيخنا ـ رضي اللّه عنه ـ انّ له كتاباً في الإمامة (3). قال الطوسي : وكان شاعراً مجوداً في أهل البيت ( عليهم السلام ) ومتكلّماً بارعاً وله كتب (4). قال ابن خلكان : من الشعراء المحبين وله في أهل البيت قصائد كثيرة ، وكان متكلماً بارعاً ، أخذ علم الكلام عن أبي سهل إسماعيل بن علي بن نوبخت المتكلم ، وكان من كبار الشيعة ، وله تصانيف كثيرة ، وقال ابن كثير : إنّه كان متكلماً ، بارعاً من كبار الشيعة (5) ، فهو من متكلمي القرن الرابع.

 

    10 ـ الحسن بن موسى ، أبو محمّد النوبختي : شيخنا المبرز على نظرائه في زمانه قبل الثلاثمائة وبعدها ، له على الأوائل كتب كثيرة ، منها :

    1 ـ كتاب الآراء والديانات ، يقول النجاشي : كتاب كبير حسن يحتوي على علوم كثيرة قرأت هذا الكتاب على شيخنا أبي عبداللّه ( المفيد ) ( رحمه اللّه ).

    2 ـ كتاب فرق الشيعة.

    3 ـ كتاب الرد على فرق الشيعة ما خلا الإمامية.

    4 ـ كتاب الجامع في الإمامة.

    5 ـ كتاب الموضع في حروب أميرالمؤمنين ( عليه السلام ).

________________________________________

1 ـ ابن النديم : الفهرست 262.

2 ـ العلامة : الخلاصة ـ القسم الأول ـ 143.

3 ـ النجاشي : الرجال 2 / 105 برقم 707.

4 ـ الطوسي : الفهرست 233 طبع ليدن.

5 ـ المامقاني : تنقيح المقال 2 / 313 برقم 8549.

(591)

    6 ـ كتاب التوحيد الكبير.

    7 ـ كتاب التوحيد الصغير.

    8 ـ كتاب الخصوص والعموم.

    9 ـ كتاب الأرزاق والآجال والأسعار.

    10 ـ كتاب كبير في الجزء.

    11 ـ مختصر الكلام في الجزء.

    12 ـ كتاب الرد على المنجّمين.

    13 ـ كتاب الرد على أبي علي الجبّائي في ردّه على المنجّمين.

    14 ـ كتاب النكت على ابن الراوندي.

    15 ـ كتاب الرد على من أكثر المنازلة.

    16 ـ كتاب الرد على أبي الهذيل العلاف في أنّ نعيم أهل الجنة منقطع.

    17 ـ كتاب الإنسان غير هذه الجملة.

    18 ـ كتاب الرد على الواقفة.

    19 ـ كتاب الرد على أهل المنطق.

    20 ـ كتاب الرد على ثابت بن قرة.

    21 ـ الرد على يحيى بن أصفح.

    22 ـ جواباته لأبي جعفر بن قبة.

    23 ـ جوابات اُخر لأبي جعفر.

    24 ـ شرح مجالسه مع أبي عبداللّه بن مملك.

    25 ـ حجج طبيعية مستخرجة من كتاب أرسطاطاليس في الرد على من زعم أنّ الفلك حي ناطق.

    26 ـ كتاب في المرايا وجهة الرؤية فيها.

 

________________________________________

(592)

    27 ـ كتاب في خبر الواحد والعمل به.

    28 ـ كتاب في الاستطاعة على مذهب هشام وكان يقول به.

    29 ـ كتاب في الرد على من قال بالرؤية للباري عزّوجلّ.

    30 ـ كتاب الاعتبار والتمييز والانتصار.

    31 ـ كتاب النقض على أبي الهذيل في المعرفة.

    32 ـ كتاب الرد على أهل التعجيز ، وهو نقض كتاب أبي عيسى الوراق.

    33 ـ كتاب الحجج في الإمامة.

    34 ـ كتاب النقض على جعفر بن حرب ( 177 ـ 236 ) في الإمامة.

    35 ـ مجالسه مع أبي القاسم البلخي ( ت 319 ).

    36 ـ كتاب التنزيه وذكر متشابه القرآن.

    37 ـ الرد على أصحاب المنزلة بين المنزلتين في الوعيد.

    38 ـ الرد على أصحاب التناسخ.

    39 ـ الرد على المجسّمة.

    40 ـ الرد على الغلاة.

    41 ـ مسائله للجبّائي في مسائل شتّى (1).

    والرجل من أكابر متكلّمي الشيعة ، عاصر الجبّائي ( ت 303 ) والبلخي ( ت 319 ) وأبو جعفر بن قبة المتوفّى قبل البلخي فهو من أعيان متكلّمي الشيعة في أواخر القرن الثالث ، وأوائل القرن الرابع.

    وقال ابن النديم : أبو محمّد الحسن بن موسى بن اُخت أبي سهل بن نوبخت ،

________________________________________

1 ـ النجاشي : الرجال 1 / 179 برقم 146 ترجمه ابن حجر في لسان الميزان 2 / 258 برقم 1075 وترجمه هبة الدين الشهرستاني في مقدمة فرق الشيعة.

________________________________________

(593)

متكلّم ، فيلسوف كان يجتمع إليه جماعة من النقلة لكتب الفلسفة ، مثل أبي عثمان الدمشقي ، وإسحاق وثابت وغيرهم وكانت المعتزلة تدّعيه ، والشيعة تدّعيه ولكنّه إلى حيّز الشيعة ما هو ( كذا ) لأنّ آل نوبخت معروفون بولاية علي وولده ( عليهم السلام ) في الظاهر ، فلذلك ذكرناه في هذا الموضع ... وله مصنفات وتأليفات في الكلام والفلسفة وغيرها ثمّ ذكر فهرس كتبه ولم يذكر إلاّ القليل من الكثير (1).

    إنّ بيت نوبخت من أرفع البيوتات الشيعية خرج منه فلاسفة كبار ، متكلّمون عظام ، وقد آثرنا الاقتصار ومن أراد التفصيل فليرجع إلى الكتب المؤلّفة حول هذا البيت.

    هؤلاء أعلام الشيعة ومتكلّموهم في القرون الأربعة فهم الذين ذادوا عن حياض الإسلام والتشيّع ببيانهم وبنانهم أتينا بأسمائهم في المقام ليكونوا كنموذج لما لم نذكره أو لم يحتفل بذكرهم التاريخ فإنّ الإستقصاء يخرجنا إلى تأليف منفرد.

    ونختم هذا الفصل بمتكلّم فحل وبارع لا يسمع الدهر بمثله إلاّ في فترات يسيرة أعني اُستاذ الشيعة وشيخ الاُمة الشيخ المفيد ( 336 ـ 414 ) الذي أنطق علمه وفضله وورعه وتقاه ، لسان كل موافق ومخالف وإليك نموذج ممّا ذكره أصحاب التذكرة وعلماء الرجال في كتبهم على وجه الإيجاز ونركّز على كلمات أهل السنّة ونذكر القليل من كلمات الشيعة في حقه.

    1 ـ هذا هو ابن النديم ( ت 388 ) معاصره ويعرّفه في الفهرست بقوله :

    « ابن المعلم ، أبو عبداللّه ، في عصرنا انتهت رياسة متكلّمي الشيعة إليه ، مقدم في صناعة الكلام على مذهب أصحابه ، دقيق الفطنة ، ماضي الخاطرة ، شاهدته

________________________________________

1 ـ ابن النديم : الفهرست 265 ـ 266 الفن الثاني من المقالة الخامسة.

________________________________________

(594)

فرأيته بارعا ... (1)

    والمعروف انّه ألّف الفهرست عام 377 ، وتوفّي حوالي 388 ، وعلى ضوء هذا فالمفيد انتهت إليه رياسة متكلّمي الشيعة وله من العمر ما لا يجاوز الخمسين.

    2 ـ وقال الحافظ أحمد بن علي الخطيب البغدادي ( ت 463 ) :

    أبو عبداللّه المعروف بابن المعلم ، شيخ الرافضة ، والمتعلم على مذهبهم ، صنّف كتباً كثيرة في ضلالاتهم والذب عن اعتقاداتهم (2).

    3 ـ وقال عبدالرحمان ابن الجوزي ( ت 597 ) :

    شيخ الإمامية وعالمها ، صنّف على مذهبه ، ومن أصحابه المرتضى ، كان لابن المعلم مجلس نظر بداره ، بدرب رياح ، يحضره كافة العلماء ، له منزلة عند اُمراء الأطراف ، لميلهم إلى مذهبه (3).

    4 ـ وقال أبو السعادات عبداللّه بن أسعد اليافعي ( ت 768 ) :

    وفي سنة ثلاث عشرة وأربعمائة توفّي عالم الشيعة وإمام الرافضة صاحب التصانيف الكثيرة شيخهم المعروف بالمفيد ، وابن المعلم أيضاً ، البارع في الكلام والجدل والفقه ، وكان يناظر أهل كل عقيدة مع الجلالة والعظمة في الدولة البويهية. قال ابن أبي طي : وكان كثير الصدقات ، عظيم الخشوع ، كثير الصلاة والصوم ، خشن اللباس ، وقال غيره : كان عضد الدولة ربّما زار الشيخ المفيد ، وكان شيخاً ربعة نحيفاً أسمر ، عاش ستاً وسبعين سنة ، وله أكثر من مائتي مصنّف ، وكانت جنازته مشهورة وشيّعه ثمانون الفاً من الرافضة والشيعة (4).

________________________________________

1 ـ ابن النديم : الفهرست 266 في فصل أخبار متكلّمي الشيعة.

2 ـ الخطيب البغدادي : 3 / 331 برقم 1799.

3 ـ ابن الجوزي : المنتظم 15 / 157.

4 ـ اليافعي : مرآة الجنان 3 / 28 طبع الهند.

________________________________________

(595)

    5 ـ ووصفه أبوالفداء الحافظ ابن كثير الدمشقي ( ت 774 ) بقوله :

    شيخ الإمامية الروافض ، والمصنّف لهم ، والمحامي عن حوزتهم ، وكان يحضر ملجسه خلق كثير من العلماء وسائر الطوائف (1).

    6 ـ وقال الذهبي ( ت 748 ) :

    محمّد بن محمّد بن النعمان ، الشيخ المفيد ، عالم الرافضة ، أبو عبداللّه ابن المعلم ، صاحب التصانيف البدعية ، وهي مائتا مصنف (2).

    عالم الشيعة ، وإمام الرافضة وصاحب التصانيف الكثيرة ، قال ابن ابي طي في تاريخه ـ تاريخ الإمامية ـ : هو شيخ مشايخ الطائفة ولسان الإمامية ورئيس الكلام والفقه والجدل ، وكان يناظر أهل كل عقيدة مع الجلالة العظيمة في الدولة البويهية (3).

    7 ـ قال ابن حجر ( ت 852 ) بعد نقل ما ذكره الذهبي :

    وكان كثير التعقيب والتخشّع والاكباب على العلم ، تخرج به جماعة ، وبرع في المقالة الإمامية حتّى يقال : له على كل إمام منّة ، وكان أبوه معلماً بواسط وما كان المفيد ينام من الليل إلاّ هجعة ثمّ يقوم يصلي أو يطالع أو يدرس أو يتلو القرآن (4).

    8 ـ وقال ابن العماد الحنبلي : ( ت 1089 ) :

    « وفيها توفّي المفيد ، ابن المعلم ، عالم الشيعة ، إمام الرافضة ، وصاحب التصانيف الكثيرة ، قال ابن أبي طي في تاريخ الإمامية : هو شيخ مشايخ الطائفة ولسان

________________________________________

1 ـ ابن كثير : البداية والنهاية 11 / 15.

2 ـ الذهبي : ميزان الاعتدال 4 / 30.

3 ـ الذهبي : العبر 2 / 225.

4 ـ ابن حجر : لسان الميزان 5 / 368 برقم 1196.

________________________________________

(596)

الإمامية ، رئيس الكلام ، والفقه والجدل وكان يناظر اهل كل عقيدة مع الجلاله والعظمة في الدولة البويهية » (1).

    هذا بالنسبة للسنّة ، وأمّا الشيعة فنقتصر على كلام تلميذيه : الطوسي والنجاشي ونترك الباقي لمترجمي حياته.

    1 ـ يقول الشيخ الطوسي ( 385 ـ 460 ) في الفهرست :

    المفيد يكنّى أبا عبداللّه المعروف بابن المعلم ، من جملة متكلّمي الإمامية ، انتهت إليه رئاسة الإمامية في وقته ، وكان مقدّماً في العلم ، وصناعة الكلام ، وكان فقيهاً متقدماً فيه ، حسن الخاطر ، دقيق الفطنة ، حاضر الجواب وله قريب من مائتي مصنف كبار وصغار وفهرست كتبه معروف ، ولد سنة 338 وتوفّي لليلتين خلتا من شهر رمضان سنة 413 ، وكان يوم وفاته يوماً لم ير أعظم منه من كثرة الناس للصلاة عليه وكثرة البكاء من المخالف والموافق (2).

    2 ـ ويقول تلميذه الآخر ، النجاشي ( 372 ـ 450 ) :

    شيخنا واُستاذنا ـ رضي اللّه عنه ـ فضله أشهر من أن يوصف في الفقه والكلام والرواية والوثاقة والعلم ثمّ ذكر تصانيفه (3).

    وهذه الكلم تعرّفنا منزلته الرفيعة وانّه لم يكن يومذاك للشيعة متكلّم أكبر منه ، وكفى في ذلك انّه تخرّج على يديه لفيف من متكلّمي الشيعة نظير : السيد المرتضى ( 355 ـ 436 ) والشيخ الطوسي ( 385 ـ 460 ) وهما كوكبان في سماء الكلام ، وحاميان عظيمان عن حياض التشيع ، ببيانهم وبنانهم.

________________________________________

1 ـ ابن العماد الحنبلي : شذرات الذهب 3 / 199 وفيه مكان الطائفة : الصوفية. وهو لحن.

2 ـ الشيخ الطوسي : الفهرست برقم 710.

3 ـ النجاشي : الرجال 2 / 327 برقم 1068.

________________________________________

(597)

    ولنكتف في سرد أسماء أئمة الكلام بهذا المقدار ولنترك الباقي من القرن الخامس إلى عصرنا هذا غير انّه يطيب لي أن اشير إلى بعض أساتذة الفلسفة منهم.

 

    مشاهير أئمّة الفلسفة بعد القرن الرابع :

    1 ـ إذا كان الشيخ المفيد أكبر متكلّم للشيعة ظهر في العراق ، فإنّ الشيخ الرئيس ابن سينا ( 380 ـ 424 ) أكبر فيلسوف اسلامي شيعي ظهر في المشرق ، وهو من الذين دفعوا عجلة الفكر والعلم إلى الأمام في خطوات كثيرة وقد طار صيته شرقاً وغرباً ، وكتبت عنه دراسات ضافية من المسلمين والمستشرقين ونحن في غنى عن افاضة القول في ترجمة حياته ، وآثاره التي خلّفها ، والتلاميذ الذين تربّوا في مدرسته ولكن نشير إلى كتابين من كتبه لأنّهما كوكبان.

    الف ـ الشفاء وهو يشتمل على المنطق ، والطبيعيات والإلهيات والرياضيات وقد طبع أخيراً في مصر في أجزاء ، وبالامعان فيما ذكره في مبحث النبوّة يعلم مذهبه قال : والاستخلاف بالنص أصوب فانّ ذلك لا يؤدّي إلى التشعّب والتشاغب والاختلاف (1).

    باء ـ الاشارات وهو يشتمل على المنطق والطبيعات والإلهيات وهو من أحسن مؤلّفاته وفيه آراءه النهائية وقد وقع موقع العناية لمن بعده ، فشرحه الامام الرازي ( 543 ـ 606 ) والمحقق الطوسي ( 597 ـ 672 ) والشرح الثاني ، كان محور الدراسة في الحوزات العلمية.

 

    2 ـ نصير الدين الطوسي : الخواجه نصير الدين الطوسي ، سلطان المحققين واُستاذ الحكماء والمتكلمين ( 597 ـ 672 ) وهو أشهر من أن يذكر ، شارك في

________________________________________

1 ـ الشفاء قسم الإلهيات 2 / 564 طبع ايران.

________________________________________

(598)

جميع العلوم النظرية فاصبح اُستاذاً محقّقاً مؤسّساً أثنى عليه الموافق والمخالف.

 

    3 ـ الشيخ كمال الدين : الشيخ كمال الدين ميثم بن علي بن ميثم البحراني ( 636 ـ 699 ) الفيلسوف المحقّق ، والحكيم المدقّق ، قدوة المتكلمين ، تظهر جلالة شأنه وسطوع برهانه من الامعان في شرحه لنهج البلاغة في أربعة أجزاء وله « قواعد المرام في الكلام » وكلاهما مطبوعان.

 

    4 ـ العلاّمة الحلّي : شيخ الشيعة جمال الدين المعروف بالعلاّمة الحلّي ( 648 ـ 728 ) له الجوهر النضيد في شرح منطق التجريد ، وكشف المراد في الكلام ، وكتبه في المنطق والكلام والفلسفة تنوف على العشرين.

 

    5 ـ الرازي : قطب الدين الرازي ( ت 766 ) ، تلميذ العلاّمة الحلّي واُستاذ الشهيد الأوّل ، له شرح المطالع في المنطق والمحاكمات بين العلمين : الرازي ونصير الدين الطوسي.

    إلى غير ذلك من أدمغة كبيرة ظهرت في الحوزات الشيعيّة ، كالفاضل المقداد ( ت 808 ) مؤلّف نهج المسترشدين في الكلام ، والشيخ بهاء الدين العاملي ( 953 ـ 1030 ) ، والسيد محمّد باقر المعروف بالداماد ( ت 1040 ) ، وتلميذه المعروف بصدر المتألّهين مؤلّف الأسفار الأربعة ( 971 ـ 1050 ) وغيرهم ممّن يتعسّر علينا احصاء أسمائهم فضلاً عن تحرير تراجمهم.

    هذه لمحة عابرة عن مشاركة الشيعة في بناء الحضارة الإسلامية في مجال العلوم العقلية واقتصر نا على المشاهير منهم إلى أواسط القرن الحادي عشر ، وتركنا أسماء الكثيرين. هذا وقد قام المتتبّع المتضلّع الشيخ عبداللّه نعمة بتأليف كتاب حول فلاسفة الشيعة ومتكلّميهم أسماه « فلاسفة الشيعة » وسدّ بذلك بعض الفراع حيّاه اللّه وبيّاه.

    ومن حسن الحظ أنّ ركب التفكير والبرهنة والاستدلال لم يقف ، بل توالت

 

________________________________________

(599)

إلى عصرنا ، فترى في حقول الكلام والفلسفة شخصيات بارزة ومؤلّفات لا تحصى في الكلام والفلسفة والمنطق ، وقد عاش كثير من هؤلاء في الظروف السياسية الصارخة بالدم والرعب ، وقد صار ذلك سبباً في اختفاء آثارهم وضياعها ، بل وتراكم الأساطير حولها.

    وبذلك تقف على قيمة ما ذكره المستشرق آدم متز في حق كلام الشيعة :

    « أمّا من حيث العقيدة والمذهب ، فانّ الشيعة هم ورثة المعتزلة ، ولابدّ أن يكون قلّة اعتداد المعتزلة بالأخبار المأثورة ممّا لاءم أغراض الشيعة ولم يكن للشيعة في القرن الرابع مذهب كلامي خاص به » (1).

    إنّ الشيعة منذ بكرة أبيهم ، كانوا مقتفين أثر أئمتهم ، ولم يكونوا ورثة المعتزلة ، وانّما أخذت المعتزلة اُصول مذهبهم عن أئمة أهل البيت ، كما أوضحنا حاله في الجزء الثالث من هذه الموسوعة ، والعجب أنّ الشيعة كانت تناظر المعتزلة من عصر الامام الصادق ( عليه السلام ) إلى عصر المفيد وبعدهم حتّى أنّ الشيخ المفيد وضع كتباً في نقد المعتزلة ، كما وضع قبلهم بعض أئمة المتكلمين من الشيعة ردوداً على المعتزلة ، فكيف يكون الشيعة ورثة للمعتزلة ، نعم وأنّ القائل خلط مسألة الاتّفاق في بعض المسائل بالتبعية والاقتفاء ، فالشيعة والمعتزلة تتفقان في بعض الاُصول ، لا أنّ أحدهما عيال على الآخر.

 

    13 ـ قدماء الشيعة والعلوم الكونية :

    لم يكن اتّجاه الشيعة مختصّاً بالعلوم العقلية كالكلام والفلسفة والمنطق ،

________________________________________

1 ـ الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري ، تعريب محمّد عبدالهادي أبو ريدة 1 / 106 الطبعة الثالثة.

________________________________________

(600)

بل امتدّ نشاطهم وحركتهم الفكرية إلى العلوم الرياضية ، والكونية ، فتجد هذا النشاط بارزاً في مؤلّفاتهم طيلة القرون ، ونحن نأتي هنا بذكر موجز عن مشاهير علمائهم ومؤلّفاتهم في القرون الاُولى تاركين غيرهم للمعاجم :

    1 ـ هشام بن الحكم ( ت 199 ) له آراء في الاعراض كاللون والطعم والرائحة ، وقد أخذ منه إبراهيم بن سيار النظام ، وحاصل هذا الرأي أنّ الرائحة جزئيات متبخّرة من الأجسام تتأثّر بها الغدد الأنفية وأنّ الأطعمة جزئيات صغيرة تتأثّر بها الحليمات اللسانية (1).

    2 ـ إنّ بيت بني نوبخت بيت شيعي عريق ، فقد قاموا بترجمة الكتب الفارسية إلى العربية وقد خدموا بذلك العلوم الكونية.

    قال ابن النديم : آل نوبخت معروفون بولاية علي وولده ، وقال الأفندي في رياض العلماء : بنو نوبخت طائفة من متكلّمي الإمامية منهم.

    الف ـ أبو الفضل بن نوبخت قال ابن النديم : كان في خزانة الحكمة لهارون الرشيد ، وقال ابن القطفي في تاريخ الحكماء : إنّه مذكور مشهور من أئمة المتكلمين وذكر في كتب المتكلمين وكان في زمن هارون الرشيد وولاّه القيام بخزانة كتب الحكمة ، وهو من متكلّمي أواخر القرن الثاني.

    ب ـ ولده إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت من متكلمي القرن الثالث.

    ج ـ يعقوب بن اسحاق بن أبي سهل بن نوبخت متقدم في الحكمة والكلام والنجوم (2).

    3 ـ أبو علي أحمد بن محمّد بن يعقوب بن مسكويه ، من أعيان الشيعة

________________________________________

1 ـ عبداللّه نعمة : فلاسفة الشيعة 56.

2 ـ العاملي : أعيان الشيعة 1 / 135.

(601)

وأعلام فلاسفتهم ، صنّف في علوم الأوائل وله تعليقات في المنطق ومقالات جليلة في أقسام الحكمة والرياضة (1).

    4 ـ من أشهر علماء الشيعة وأقدمهم الذين برزوا بالكيمياء هو جابر بن حيان ، فهو الذي ظهر في حقل الكيمياء ، وهو أوّل من أشار إلى طبقات العين قبل يوحنا بن ماسويه ( ت 243 ) وقبل حنين بن إسحاق ( ت 264 ) وأوّل من أثبت امكان تحويل المعدن الخسيس إلى الذهب والفضة ، فلم تقف عبقريته في الكيمياء ، عند هذا الحد بل دفعته إلى ابتكار شيء جديد في الكيمياء فأدخل فيها ما سمّاه بعلم الميزان ، والمقصود منه معادلة ما في الأجسام والطبائع ، وجعل لكل جسم من الأجسام ، موازين خاصة (2) وقد اُلّفت حول جابر وعبقريته كتب كثيرة ، فمن أراد فليرجع إليها ، وقد اتّفق الكل على أنّه تلميذ الامام الصادق ( عليه السلام ).

    5 ـ الشريف أبوالقاسم علي بن القاسم القصري ، وهو من علماء القرن الرابع ، ذكره ابن طاووس في فرج المهموم في عداد منجّمي الشيعة (3).

    وهذه نماذج من علماء الشيعة في الطبيعيات والفلكيات ، وأمّا المتأخّرون ، فحدّث عنهم ولا حرج ، وقد أتى بقسم كبير منهم الشيخ عبداللّه نعمة في كتابه « فلاسفة الشيعة » فمن أراد فليرجع ، غير أنّا نذكر هنا المحقق الطوسي الذي له حقّ على الاُمّة جمعاء تقول في حقّه المستشرقة الألمانية :

    « وحصل نصير الدين الطوسي على مرصده ، فكان معهداً لأبحاث لا مثيل له ، وزوّده بالآلات الفلكية التي زادت في شهرة المعهد ، ورفعت مكانته ... ويحكى أنّ

________________________________________

1 ـ محمّد باقر الخونساري : روضات الجنات 1 / 254.

2 ـ فلاسفة الشيعة 1 / 57.

3 ـ فرج المهموم.

________________________________________

(602)

زائراً قصد ابن الفلكي نصير الدين في مرصده في مراغه فلمّا رأى الآلات الفلكية المتنوعّة ذهل ، وقد زاد دهشة حين رأى « المحلقة » ذات الخمس حلقات والدوائر من النحاس : اولاها تمثّل خطّ الطول الذي كان مركّزاً في الأسفل ، وثانيتها خطّ الاستواء ، وثالثتها الخطّ الاهليلجي ، ورابعتها دائرة خطّ الأرض ، وخامستها دائرة الانقلاب الصيفي والشتوي ، وشاهد أيضاً دائرة السمت التي يمكن للمرء بواسطتها أن يُحدّد سمت النجوم ، أي الزاوية الناتجة على خطّ اُفقيّ ثابت وخطّ اُفقيّ آخر صادر عن كوكب في السماء.

    وتقول أيضاً : إنّ نصير الدين أحضر إلى مكتبة المعهد أربعمائة ألف مجلّد كانت قد سرقت من مكتبات بغداد وسوريا وبلاد بابل ، وقد استدعى علماء ذوي شهرة طائرة من اسبانيا ودمشق وتفليس والموصل إلى مدينة مراغة لكي يعملوا على وضع الازياج بأسرع وقت يمكن » (1).

    ويناسب في المقام ذكر اجمالي عمّا قدموا من الخدمة في مجال الجغرافية وعلم البلدان فنقول :

 

    الجغرافية وتقويم البلدان :

    نذكر في المقام ، رحّالتين طافا في البلاد الإسلامية وكتبا ما يرجع إلى جغرافية البلدان ، وقد صار كتاباهما أساساً للآخرين :

    1 ـ أحمد بن أبي يعقوب بن واضح المعروف باليعقوبي المتوفّى في أواخر القرن الثالث ، فهو أوّل جغرافي بين العرب ، وصف الممالك معتمداً على ملاحظاته

________________________________________

1 ـ السيدة زيغريد هونكه : شمس العرب تسطع على الغرب 133 والصحيح أن يسمى : شمس الإسلام...

________________________________________

(603)

الخاصة ، ومتوخّياً قصد ما أراد من وصف البلد وخصائصها وهو يقول عن نفسه : انّه عنى في عنفوان شبابه ، وحدّة ذهنه بعلم أخبار البلدان ومسافة ما بين كل بلد وبلد ، لأنّه سافر حديث السن واتّصلت أسفاره ودام تغرّبه ، وقد طاف في بلاد المملكة الإسلامية كلّها ، فنزل أرمينية وورد خراسان وأقام بمصر والمغرب بل سافر إلى الهند ، وكان متى لقى رجلا سأله عن وطنه ومصره وعن زرعه ما هو ؟ وساكنيه منهم ؟ عرب أو عجم ؟ وعن شرب أهله ولباسهم ودياناتهم ومقالاتهم من غير أن يلحقه من ذلك ملال ولا فتور ، وقد وصف المملكة الإسلامية مبتدئاً ببغداد وصفاً منظّماً مع اصابة جديرة بالثقة والاعجاب (1).

    2 ـ أبو الحسن علي بن الحسين المسعودي ( ت 346 ) فقد ألّف في ذلك المضمار كتابه « مروج الذهب ومعادن الجوهر » وكتابه الآخر « التاريخ في أخبار الاُمم من العرب والعجم » وكتابه الثالث « التنبيه والاشراف » فقد اشتمل وراء التاريخ على الجغرافية وتقويم البلدان ، وقد جرّه حُبّه للاستطاع إلى بلاد بعيدة ، فكتب ما رآه وشاهده.

________________________________________

1 ـ آدم متز : الحضارة الإسلامية 2 / 34 وكتاب اليعقوبي في الجغرافية هو كتاب « البلدان » المنتشر.

________________________________________

(604)

________________________________________

(605)

الفصل الثالث عشر

في بلدان الشيعة وجامعاتهم العلمية

 

________________________________________

(606)

________________________________________

(607)

    قد عرفت الخطوط العريضة في التشيّع وأنّه ليس شيئاً سوى الإسلام على أساس كون القيادة والخلافة ـ بعد رحلة النبي ـ لعلي ( عليه السلام ) وأهل بيته ، كما تعرّفت على حياة الأئمّة الاثني عشر ، وعلى عمالقة الفكر والعلم والفلسفة ، والأدب والشعر ، من شيعتهم ، الذين شاركوا المسلمين في بناء حضارة قامت على العلم ، والثقافة.

    ولكن ـ اكمالاً للبحث ـ نذكر بلدان الشيعة أوّلاً ، والجوامع والمعاهد العلمية التي أنشأوها ثانياً ودورهم ثالثاً وعددهم رابعاً. حتّى يتم التعرّف عليهم ، على القدر المستطاع.

 

    1 ـ بلدان الشيعة :

    تتواجد الشيعة في جميع أنحاء العالم بنسب مختلفة وربّما يعدّ بعض البلدان معقل الشيعة ومزدحمها ويكون المذهب السائد عليه هو التشيّع. وإليك أسماء بعضها وهي إيران ، والعراق ، والحجاز ، والشامات ، وتركيا ، وأفغانستان ، والباكستان ، والهند ، واليمن ، ومصر ، والامارات المتّحدة العربية ، والبحرين ، والاحساء ، والقطيف ، والكويت ، ومسقط ، وعمان ، والتبت ، والصين ،

 

________________________________________

(608)

وجمهورية آذربايجان ، وطاجيكستان والجمهوريات المتحرّرة بانحلال الاتحاد السوفيتي ، وماليزيا ، وأندونيسيا ، وسيلان ، وتايلند ، وسنغافورة ، والأفريقية الشمالية ، والصومال ، والأرجنتين ، وبريطانيا ، وألمانيا ، وفرنسا ، وألبانيا ، والولايات المتّحدة ، وكندا وغيرها ممّا يعسر عدّها.

    ولا بأس بالإيعاز إلى خصوصيات بعض البلدان إذ فيه تسليط لبعض الضوء للتعرّف على ماضي التشيّع وما لاقه أتباعه من العدوان والويلات والمصائب.

 

    التشيّع حجازي المحتد والمولد :

    التشيّع حجازي المحتد والمولد ، إذ فيه نشأ ، وفي تربته غرست شجرته ثمّ نمت وكبرت ، فصارت شجرة طيّبة ذات أغصان متّسقة وثمار يانعة. وفيه حثّ النبيّ الأكرم على ولاء الإمام وسمّى أولياءه شيعة ، وحدّث بحديث الثقلين وجعل أئمة أهل البيت قرناء الكتاب في العصمة ولزوم الاقتفاء والطاعة ، وفيه رقى النبيّ المنبر الذي صنعوه من رحال الابل وأخذ بيد وصيّه وولي عهده عليّ المرتضى وحمد اللّه وأثنى عليه وقال : « ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ » فقالوا : اللّهمّ بلى ، ولمّا أخذ من الجمع المحتشد ، الاقرار بأولويته على النفس والنفيس عرّف علياً خليفة عنه وقال : « من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه » ونزل من المنبر ثمّ نزلت آيات ، وتبودلت التهاني والتحيّات بين الامام والصحابة (1).

    وقد أشار إلى بعض ما ذكر مؤلّف خطط الشام وقال : « إنّ النبي ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) هو الذي حثّ على ولاء علي وأهل بيته ( عليهم السلام )

________________________________________

1 ـ لاحظ الفصل الثالث من هذا الجزء.

________________________________________

(609)

وهو أوّل من سمّى أولياءه بالشيعة وفي عهده ظهر التشيّع وسمّى جماعة بالشيعة (1).

    ولمّا ارتحل النبي الأكرم إلى دار البقاء تناسى اُولوا القوة والمنعة من الصحابة عهد النبي الأكرم فحالوا بين النبي واُمنيته كما حالوا بين اُمّته وإمامها ، فتداولوا كرة الخلافة بينهم ، وأخذوا بمقاليد الحكم واحداً بعد آخر ، والإمام منعزل عن الحكم ، لا عمل له إلاّ هداية الاُمّة وارشادها بلسانه وبيانه وقلمه وبنانه.

    إنّ الذي دعا عليّاً إلى السكوت والانحياز ، هو مشاهدة ظاهرة الردّة ، الطارئة على المجتمع الاسلامي عن طريق مسيلمة الكذاب ، وطليحة بن خويلد الأفّاك ، وسجاح بنت الحرث الدجّالة ، واصحابهم الهمج الرعاع فكانوا مهتمّين بمحق الإسلام وسحق المسلمين. ويحدّث عنه الامام في رسالته إلى أهل مصر التي أرسلها مع مالك الأشتر يقول : « فأمسكت يدي حتّى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين محمّد ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليّ أعظم » (2).

    رأى الامام أنّ صيانة الإسلام وردّ عادية الأعداء تتوقّفان على المسالمة والموادعة فألقى حبل الخلافة على غاربها ، تقديماً للأهم على المهمّ ، وتبعته شيعته صابرين على مضض الحياة ومرّها.

    بقي الامام منعزلاً عن الحكم قرابة ربع قرن إلى أن قتل عثمان في عقر داره وانثال الناس إلى دار علي من كلّ جانب مجتمعين حوله كربيضة الغنم ، يطلبون منه القيام بالأمر وأخذ مقاليد الحكم ، وفيهم شيعته المخلصون الأوفياء ، فلم ير بدّاً من

________________________________________

1 ـ محمد كرد علي : خطط الشام 5 / 251.

2 ـ الرضي : نهج البلاغة قسم الكتب برقم 62.

________________________________________

(610)

قبول دعوتهم لقيام الحجة بوجود الناصر (1).

    ولمّا نكث الناكثون البيعة ، وقادوا حبيسة رسول اللّه « عائشة » ، معهم إلى البصرة ، ارتحل الإمام بأنصاره وشيعته إلى العراق إلاّ قليلاً بقوا في الحجاز لقلع مادة الفساد قبل أن تستفحل ، ولمّا قلع عين الفتنة ، استوطن الإمام الكوفة واستوطنها معه شيعته وصارت الكوفة عاصمة التشيّع ، ومعقله ، وفيها نما وأينع وأثمر ومنها انحدر إلى سائر البلدان ، بعدما كان الحجاز مهبط التشيّع ومغرسه ومحتده. فكان حجازي المحتد والمغرس عراقي النشوء والنمو. ولم يكن يوم ذاك يتظلّل في ظلال التشيّع ، إلاّ عربي صميم ، من عدنانيّ وقحطانيّ ولم يكن بينهم فارسىّ المحتدّ ولا بربريّ الأصل ولا شعوبيّ العقيدة.

    ومضت على التشيّع في مغرسه ( الحجاز ) قرون ومرّت به أجواء قاسية ، وظروف رهيبة كادت تقضي على الشيعة ـ مع ذلك ـ نرى اليوم تواجدهم في مكة والمدينة وحضر موت ونجران ، الحدود اليمنية ، وقبائل الأطراف رغم العدوانية السائدة في هذه الآونة الأخيرة ضدّهم ورغم سيادة السيف والوحشية الكاسرة فيها ، فبنو جهم ، وبنو علي ، وبعض بني عوف ، ونخاولة المدينة والفلاحون في رساتيقاها كلّهم شيعة.

    وأمّا المنطقة الشرقية كالاحساء والقطيف والدمّام ، فالأكثرية الساحقة فيها هي الشيعة ، ولأجل سحق هذه الأكثرية عمدت السلطة الوهابية بزرع السنّة في بلادهم باستيطان بعض القبائل والموظفين فيها واللّه من وراء القصد.

________________________________________

1 ـ إشار إلى قوله ( عليه السلام ) : « أما والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ، لولا حضور الحاضر وقيام الحجّة بوجود الناصر ... لأقيت حبلها على غاربها » نهج البلاغة ، الخطبة 3.

(611)

    التشيّع عراقيّ النشوء والنموّ :

    قد عرفت أنّه لمّا غادر الامام المدينة المنوّرة متوجّهاً إلى العراق واستوطن الكوفة هاجر كثير من شيعته معه واستوطنوا العراق ، فصار ذلك أقوى سبب لنشوء التشيّع ونموّه ، في العراق ولا سيما في الكوفة ، فصارت معقل الشيعة ، ولمّا قضى الامام نحبه حاولت السلطة الاموية وعمّالها استئصال التشيّع منها بأبشع صورة مذكورة في التاريخ.

    بالرغم من أنّ العراق وأخص منه الكوفة كان علوي النزعة هاشمي الولاء ، إلاّ أنّ الحسين ، ابن الإمام قتل بسيف الكوفيين ، وسقط عطشاناً وحوله أجساد أبنائه وأبناء أخيه وأصحابه ولكن ذلك لا يدل على انسلاخهم عن التشيّع لأنّ الشيعة يوم ذاك كانوا بين مسجون في زنزانات الامويين ، ومرعوب فاقد للتصميم والحميّة وخاذل ، ومنتظر لما تؤول إليه الاُمور ، وناصر التحق بالحسين في اُحلك الظروف.

    هؤلاء هم الشيعة.

    وأمّا الذين شاركوا في قتل الحسين فلم يكونوا من الشيعة أبداً بل كانوا أتباع الامويين والمنضوين تحت راياتهم. ولمّا قتل الحسين أثار قتله أعمق الأشجان وأعنف العواطف في الشيعة وبعد اطلاق سراح المسجونين قاموا بجد وحماس بأخذ الثأر بقيادة المختار ، باكين ليلاً ونهاراً على ما أصاب الحسين من مصيبة.

    وقد حاول الامويون جعل العراق أموياً ، وبذلوا جهودهم ، لكن عادت الجهود فاشلة فهي إلى اليوم هاشمي وعلوي وحتّى أنّ دعوة العباسيين نجحت في بداية الأمر في العراق فى ظل طلب ثأر الحسين وأهل بيته وكانت الدعوة للرضا من آل محمّد.

    تبلور التشيّع بعد حادثة الطف بقليل واتّسع نطاقه وصار العراق مركزه ، وكانت القوافل من أنحاء العراق وغيرها تؤمّ قبر الحسين ( عليه السلام ) وأصحابه ،

 

________________________________________

(612)

فصارت مشاهد أهل البيت فيها معمورة بالزائرين والمجاورين ، وكانت المآتم تقام في حواضرها واتّخذت الشيعة مشاهد أئمّتهم ، حوزات علمية ومعاهد فكرية ، فازدهر العراق بعمالقة الفكر ، وأساتذة الفقه وأساطين الكلام ، وأعان على نشر التشيّع ونموّه في العراق نشوء دول وإمارات للشيعة في القرن الرابع وما بعده.

    يقول الشيخ المظفر : وساعد على نمو التشيّع وانتشاره في العراق ، أن تكوّنت من الشيعة فيه سلطنات دول وإمارات كسلطنة آل بويه ، وامارة بني مزيد في الحلّة والنيل ، وبني شاهين في البطائح ، وبني حمدان وآل المسيّب في الموصل ، ونصيبين ، وكدولة بعض المغول أمثال محمّد خدابنده وابنه أبي سعيد ، وأمّا محمود غازان فقد قيل بتشيّعه وهناك امارات عليه إلاّ أنّه لم يصارح به ، وكدولة الجلائرية التي أسّسها الشيخ حسن الجلائري أحد قواد المغول وابن اُخت محمود غازان ومحمّد خدابنده ، وكانت بغداد عاصمة ملكه ، وكالدولة الصفوية التي ناصرت التشيّع ونشرته في البلاد بشتّى الطرق ، فكانّما هي دولة دينية تأسّست لنشر مذهب أهل البيت.

    وأيّد مذهب التشيّع أيضاً أن انعقدت عدّة وزارات من رجاله فقد استوزر السفاح أوّل ملوك بني العباس : ابا سلمة الخلال الكوفي الهمداني داعية أهل البيت وقتله على التشيّع. واستوزر المنصور : محمّد بن الأشعث الخزاعي. واستوزر المهدي : أبا عبداللّه يعقوب بن داود وحبسه لتشيّعه. واستوزر الرشيد : علي بن يقطين ، وجعفر بن الأشعث الخزاعي. والمأمون : الفضل بن سهل ذا الرياستين لجمعه بين القلم والسيف وقتله عند ما أحسّ بميله إلى الرضا ( عليه السلام ). واستوزر من بعده أخاه الحسن بن سهل. واستوزر المعتزّ والمهتدي : أبا الفضل جعفر بن محمود الاسكافي. واستوزر المقتدى : أبا شجاع ظهر الدين محمّد بن الحسين الهمداني وعزله لتشيّعه. واستوزر المستظهر : أبا المعالي هبة الدين بن محمّد بن المطلب

 

________________________________________

(613)

وعزله لتشيّعه ثم أعاده على أن لا يخرج من مذهب أهل السنّة ثم تغيّر عليه وعزله ، واستوزر الناصر والظاهر والمستنصر : مؤيد الدين محمّد بن عبدالكريم القمي من ذرية المقداد ـ رضوان اللّه عليه ـ واستوزر المستعصم آخر ملوك بني العباس : أبا طالب محمّد بن أحمد العلقمي الأسدي وأقرّه هولاكو على الوزارة ، ولمّا مات ( رحمه اللّه ) استوزر : ولده أبا الفضل عز الدين ، إلى ما سوى هؤلاء.

    وأمّا الإمارات ، والقيادات ، والكتابة ، والخزانة ، فما أكثرها ، أمثال امارة آل قشتمر ، وآل أبي فراس الشيباني ، وآل دبيس كما أشرنا إليهم ، وقيادة طاهر ابن الحسين الخزاعي وقيادة أولاده كابنه عبد اللّه ، ومحمّد بن عبداللّه وغيرهما ، وتولّيهم امارة هرات ، وكان عبداللّه بن سنان خازناً للمنصور والمهدي والهادي والرشيد ، وكان من ثقاة الرواة لأبي عبداللّه الصادق ( عليه السلام ) ، إلى ما يعسر استقصاؤه.

    وكفاك برهاناً على أنّ التشيّع كان ضارباً أطنابه على بسيطة العراق ، ما كان من نقابة الطالبيين في بغداد ، فما أكثر ما كان يتولاّها الشيعة ، أمثال الشريف الرضي وأبيه وابنه وأخيه المرتضى ، وقد تولّوا المظلم أيضاً ، وتولّى الشريف الرضي وأبوه أيضاً امارة الحاج ، كما تولاّها ثلاث عشرة حجة حسام الدين أبو فراس جعفر بن أبي فراس الشيباني.

    وتولّى آل طاووس نقابة الطالبيين في العراق عامة ، تولاها منهم السيدان العلمان رضي الدين وغياث الدين عبدالكريم (1) كما تولّى الأوقاف في العراق

________________________________________

1 ـ اُنظر ـ الحوادث الجامعة ـ في حوادث عام 661 وما ذكره فيها من تولّي السيد رضي الدين بن طاووس نقابة الطالبيين بالعراق ، وذكر أنّ وفاته عام 664 ، وفي حوادث عام 693 قال : وفيها توفّي النقيب غياث الدين عبدالكريم بن طاووس.

________________________________________

(614)

وغيرها ممّا كان تحت حكم المغول الخواجا نصير الدين الطوسي ـ طاب ثراه ـ ، وعندما قبض عليها ، أقام ببغداد وتصفّح الأوقاف وأدار أخبار الفقهاء والمدرسين وقرر القواعد في الوقف وأصلحها بعد اختلالها (1) ومن بعده تولاّها ابنه أحمد فخر الدين ، ولمّا وليها حذف الحصة الديوانية في الوقوف ، ووفرت على أربابها (2).

    ثمّ إنّ شيخنا المظفر ـ وهو عراقي المحتد والمنشأ ـ عارف بخصوصيات بلده وما جرى على الشيعة فيها طيلة القرون خصوصاً بعد ما نشبت فيها مخالب آل عثمان ، خرج بالنتيجة التالية :

    « انّ جنوب العراق شيعة خالصة ولو وجد فيه غيرهم فهو نادر وأمّا البلاد الشمالية ، فسكّانها على العموم من أهل السنّة إلاّ أنّ الشيعة فيها ليسوا بالقليل ، ولو أمنوا الغوائل من اظهار هم لولاء أهل البيت ، كما يأمن العدد القليل من أهل السنّة في الجنوب ، لعجبت من كثرتهم في تلك البلاد لا سيما في لواء الموصل وكركوك.

    وأمّا البلاد الوسطى كالحلّة فهي شيعية خالصة سوى أفراد معدودين في نفس القصبة ، ولواء بغداد فأكثريته من الشيعة ، ومثله لواء ديالى ، بعكس لواء الديلم ففيه من الشيعة عدد قليل. وعليه ، فالعراق اليوم سبعة من ألويته شيعة وفيها شوب من غيرهم ، وخمسة سنّة وفيها خليط من الشيعة ولواءان مختلطان يغلب التشيع عليهما ، هذا ما يعرفه المستقرئ ، لبلاد العراق.

    ومن ثمّ لا نحتاج إلى استقراء لجميع بلاد الجنوب أمثال الكوت والعمارة والغرّاف وما سواها من بلاد دجلة ، والسماوة والديوانية والناصرية وماسواها من

________________________________________

1 ـ اُنظر تاريخ ـ مختصر الدول ـ للعبرى 500 و ـ الحوادث الجامعة ـ في حوادث عام 272.

2 ـ اُنظر ـ الحوادث الجامعة ـ في حوادث عام 683.

________________________________________

(615)

بلاد الفرات (1).

 

    الشيعة في اليمن :

    دخل التشيّع في اليمن منذ أن أسلموا بيد علي ( عليه السلام ) يحدثنا التاريخ انّ رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) بعث خالد بن الوليد إلى اليمن ليدعوهم إلى الإسلام فأقام هناك ستة أشهر فلم يجيبوه إلى شيء. فبعث النبي ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) علي بن أبي طالب( عليه السلام ) وأمره أن يرجع خالد بن الوليد ومن معه. قال البراء : فلمّأ انتهينا إلى أوائل اليمن بلغ القوم الخبر فجمعوا له فصلّى بنا عليّ الفجر ، فلمّا فرغ صفّنا صفّاً واحداً ثمّ تقدّم بين أيدينا فحمداللّه واثنى عليه ثمّ قرأ عليهم كتاب رسول اللّه فأسلمت همدان كلّها في يوم واحد وكتب بذلك إلى رسول اللّه ، فلمّا قرأ كتابه خرّ ساجداً ثمّ جلس فقال : السلام على همدان ، السلام على همدان ثمّ تتابع أهل اليمن على الاسلام (2) فكان تمسّكهم بعرى الإسلام على يد علي وصار هذا أكبر العوامل لصيرورتهم علويين مذهباً ونزعة. وفي ظل هذه النزعة ضحّوا بأنفسهم ونفيسهم بين يدي علي في حروبه.

    أضف إليه أنّهم سمعوا من المصطفى ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) فضائل إمامهم ومناقبه غير مرّة وهذا ممّا زادهم شوقاً وملأ قلوبهم حبّاً وولاءً له ، روى المحدثون : انّ اليمانيين طلبوا من النبي أن يبعث إليهم رجلاً يفقّههم في الدين ويعلّمهم السنن ويحكم بينهم بكتاب اللّه ، فبعث النبي علياً وضرب على صدره وقال : « اللّهمّ اهد قلبه ، وثبّت لسانه ». قال الامام ( عليه السلام ) : فما شككت في قضاء بين اثنين حتى

________________________________________

1 ـ محمّد حسين المظفر : تاريخ الشيعة 69 ـ 71 و 110 ـ 111.

2 ـ ابن الأثير : الكامل 2 / 300 في حوادث السنة العاشرة. دار صادر.

________________________________________

(616)

الساعة (1).

    بقى بينهم مدّة يفقّههم في الدين ، ويقضي بكتاب اللّه ، ويحلّ المشاكل القضائية ، بما يبهر العقول.

    انّ هذا وذاك ، والقتل الذريع الذي ارتكبه عمّال معاوية كبسر بن أرطاة ، سبّب اتّجاه اليمانيين نحو صاحب الولاية من يومهم إلى يومنا هذا وقد خامر التشيّع قلوبهم وعقولهم ولأجل وجود أواصر الحبّ والولاء بين اليمانيين والامام علي ( عليه السلام ) ذكرهم علي في شعره وقال :

فلو كنت بوّاباً على باب جنّة              لقلت لهمدان ادخلوا بسلام

    وممّا يدل على فرط حبّهم وولائهم لعلي ( عليه السلام ) ما قاله سيدهم سعيد بن قيس الهمداني ـ رضوان اللّه عليه ـ في وقعة الجمل :

قل للوصي أقبلتْ قَحْطانُها                فادع بها تكفيكها هَمْدانُها

همُ بنوها وهمُ اخوانها (2)

    نعم رحل يحيى بن الحسين الرسي العلوي من العراق إلى اليمن في القرن الثالث ودعا إلى المذهب الزيدي في ظل ولاء أهل البيت وأخذ بمجامع القلوب وانتشرت دعوته فانتموا إلى زيد ، فالشيعة إلى اليوم في اليمن زيديّو المذهب يهتفون في الأذان بـ « حيّ على خير العمل ».

 

    ويوجد هناك شيعة إماميون قليلون.

    كانت الحكومة منذ دعوة الرسي العلوي بيد الزيدية وكان آخر حاكم مقتدر زيدي يحكم البلاد هو حميد الدين يحيى المتوكّل على اللّه ، ولمّا اغتيل هو وولداه

________________________________________

1 ـ كنز العمال 6 / 158 و 392 باب فضائل علي.

2 ـ ابن أبي الحديد : شرح نهج البلاغة 1 / 144 ـ 145.

________________________________________

(617)

الحسن والمحسن ، وحفيده الحسين بن الحسن بيد بعض وزرائه عام 1367 هـ ق في ظل مؤامرة أجنبية ، قام مكانه ولده الامام بدر الدين ولم يكن له نصيب من الحكم إلاّ مدّة قليلة حتّى اُزيل عن الحكم عن طريق انقلاب عسكري ، وبذلك انتهى الحكم الزيدي في اليمن ولكن اليمنيين بقوا على انتمائهم إلى التشيّع. نعم إنّ السلطة الوهابية في هذه الآونة بصدد تصدير التوهّب وفرضها عليها في ظل تزويد الدولة بامكانيات مالية.

    واللّه من وراء القصد ...

 

    الشيعة في سوريا ولبنان :

    ظلّ التشيّع سائداً في الشام وحلب وبعلبك وجبل عامل منذ القرن الأوّل إلى يومنا هذا ، ومن المعروف انّ أباذر هو الذي بذر بذرته ، أو غرس شجرته عندما نفاه عثمان من المدينة إلى الشام ، وكان يجول في الشام وضواحيه وهو يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، من دون أن يخاف قوّة أو سطوة ، أو إهانة أو قسوة ، وطبع الحال يقتضي أن يبوح بما انطوت عليه جوانحه من الولاء لعلي وأهل بيته ، يدعو له على القدر المستطاع ، وقد نمت البذرة في ظل التستّر والتقيّة وأمّا اليوم فالشيعة مجاهرون ولهم شأن عند الدولة ولهم مظاهر في الشام وضواحيه ، ترى اسم علي والحسين مكتوبين تحت قبّة المسجد الأموي ، وفي الجانب الشرقي مسجد خاص باسم رأس الحسين وفي نفس البلد قباب مشيّدة لأهل البيت وفي الوقت نفسه لاتجد أثراً لمعاوية (1) ويزيد والحكام الأمويين. إنّ في ذلك لعبرة لاُولي الألباب.

________________________________________

1 ـ نعم في داخل البلد بيت يقال فيه قبر معاوية لا يزوره أحد إلاّ للعبرة ، والاطّلاع على ما آل إليه أعمال الامويين من مصير بائس بعد مماتهم.

________________________________________

(618)

    قويت شوكة التشيّع في سوريا حين ما قامت دولة الحمدانيين في الشام والجزيرة فلسيف الدولة أيدي بيضاء في رفع منارة التشيع ، كيف وأبو فراس صاحب القصيدة الميمية هو ابن عمّه الذي يقول :

الحق مهتضم والدين مخترم              وفيء آل رسول اللّه مقتسم

    وأمّا جبل عامل فقد انتشر فيه التشيّع منذ دخل إلى الشام ، وقد خرج منها علماء طبقوا البلاد شهرة وصيتاً أخص منهم بالذكر :

    1 ـ محمّد بن مكي المعروف بالشهيد الأوّل ( 734 ـ 786 ) وكان إماماً في الفقه ولكنّه صلب بيد الجور ، ثمّ رجم ، ثمّ اُحرق ، بذنب أنّه شيعيّ موال لأهل البيت ولا يفتي بفتوى أئمّة المذاهب الأربعة.

    وله كتب فقهية أشهرها اللمعة الدمشقية ألّفها في السجن خلال اسبوع ولم يكن عنده من الكتب الفقهية سوى المختصر النافع للمحقّق الحلّي ( 600 ـ 676 ).

    2 ـ زين الدين بن علي الجبعي ( 911 ـ 966 ) صاحب الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية والمسالك في شرح الشرائع الذي يتضمّن مجموع الكتب الفقهية مع ذكر المستند والدليل. وهو قدس اللّه سرّه استشهد قرب شاطئ البحر وفصل رأسه عن جسده واُرسل إلى السلطان. ولا ذنب له إلاّ كذنب الشهيد الأوّل.

    ولعمري الحق أنّ هذه المواقف من الحكومات السنّية عبر القرون ، تقشعرّ منها الجلود ، ويندى منها جبين الإنسانية ويرفضها الدين والعقل فأين الكرامة والحرّية ؟ أين السماحة ، والرأفة ؟

    أقول : إذا كان هذا مصير الشيعة مع كونهم سائرين خلف حُجب التقية ، فما ظنّك لو لم يتّخذوا من التقيّة ستارا ؟

    ولقد خرج من جبل عامل وراء هذين الشخصين علماء كبار ، فقهاء عظام ولم يزل منار التشيّع مرتفعاً ولواؤه خفّاقاً بهم ، ولقد تحمّلوا عبر القرون وخصوصاً في

 

________________________________________

(619)

عهد السلطة العثمانية ، المصاعب الجسام والتي ذكرها التاريخ واقرأ في هذا المجال جرائم أحمد باشا الجزّار ، ممثّل الدولة العثمانية في بلاد الشام من ( 1195 ـ 1198 ). ولقد ألّف الشيخ الحرّ العاملي كتاباً أسماه أمل الآمل في علماء جبل عامل طبع في جزأين واستدرك عليه السيد الجليل حسن الصدر.

    بعلبك : إنّ بعلبك تعد من المدن الشيعية العريقة ولقد ظهر بها التشيّع منذ دخل بلاد الشام وراج في ظلّ الدولة الحمدانية. والعيشة فيها كالعراق ، عيشة قبليّة وأهلها معروفون بالبسالة والبطولة والجود والكرم.

 

    الشيعة في مصر :

    دخل التشيّع مصر في اليوم الذي دخل فيه الإسلام ولقد شهد جماعة من شيعة عليّ فتح مصر منهم المقداد بن الأسود الكندي ، وأبو ذر الغفاري ، وأبو رافع ، وأبو أيوب الأنصاري ، وزارها عمّار بن ياسر في خلافة عثمان (1) وهؤلاء ما كانوا يبطنون فكرة التشيّع التي كانوا يؤمنون بها منذ عهد رسول اللّه.

    ولأجل ذلك حين قتل عثمان باجهاز المصريين عليه ، بايعوا عليّاً كما بايع أهلها طوعاً ورغبة.

    لمّا بعث علي قيس بن سعد أميراً على مصر بايع أهلها طوعاً إلاّ قرية يقال لها خربتاء (2).

    كان هذا نواة لمذهب التشيّع في تلك البلاد وإن تغلّب عليها الأمويون بعد علي ، وقتل عمرو بن العاص والي علي محمّد بن أبي بكر. وجعلوا جثّته في جيفة

________________________________________

1 ـ الخطط المقريزية 2 / 74.

2 ـ الخطط المقريزية 4 / 149 ، الجزري : الكامل 3 / 61 حوادث عام 36.

________________________________________

(620)

حمار وأحرقوه بالنار ولكن للحق دولة وللباطل جوله ، فهذه الأعمال الاجرامية وما ارتكبه العباسيون من الجرائم صارت سبباً لابتعاد الناس عن السلطات وتعاطفهم مع العلويين ، خصوصاً عندما ذهب إليها بعض السادة الحسنيين ، إلى أن قامت دولة الفاطميين وبثّوا الدعاة في أفريقيا فاعتنق المصريون التشيّع برغبة وجهروا بحيّ على خير العمل. وتفضيل عليّ على غيره ، وكما جهروا بالصلاة على النبي وآله.

    لقد قامت في عهد الفاطميين مراسم عاشوراء وعيد الغدير ، ولم تزل هذه المراسم إلى يومنا هذا. وكان التشيّع مخيّماً على مصر في عهد الفاطميين وضارباً أطنابه في القرى والبلدان لولا أنّ صلاح الدين يوسف الأيوبي أزال سلطتهم ومذهبهم من مصر بقوّة السيف والنار.

    وهذه الصفحة في تاريخ مصر صفحة مليئة بالأسى والحزن ومع ذلك تتواجد في هذه الأيام الشيعة ، وأمّا السنّة فهم علويون روحاً وعاطفة يتفاخرون بالحب والميل لأهل البيت ويعبّرون عن ذلك بزيارتهم للمشاهد المعروفة برأس الحسين ومرقد السيدة زينب والسيدة سكينة.

    وبذلك يعلم حال التشيّع بأفريقيا الشمالية فانّ حكومة الفاطميين امتدّت إلى الجزائر ومراكش وتونس وليبيا والسودان ، أضف إلى ذلك انّ كثيراً من العلويين ارتحلوا إلى تلك البلاد وأسّسوا دويلات وكان ذلك سبباً لانتشار التشيّع.

 

    الشيعة في إيران :

    إنّ التشيّع هو المذهب الساحق في إيران من أوائل القرن العاشر ( 905 ) إلى يومنا هذا انّ الدولة الصفوية هم الذين أشاعوا التشيّع في إيران ، بعد ملوك المغول فلو كان نجاح الثاني قليلاً ، كان نجاح الصفويين كبيراً ، فلو بلغ عدد النفوس في إيران الإسلامية قرابة ستين مليوناً ، فالأكثرية هم الشيعة ، ولا تتجاوز سائر الطوائف عن

(621)

أربع ملايين والجميع يعيشون في حرّية وسلام. يلمسها كل من ورد الجمهورية الإسلامية.

    إنّ هنا اُموراً لا محيص ، عن طرحها وتحليلها لأنّها من المواضع التي كثر فيها اللغط وقد أكثر المستشرقون وغيرهم فيها الصخب والهياج وهي :

    1 ـ ما هو السبب الحقيقي لدخول الفرس في الاسلام ؟

    2 ـ ما هو السبب الحقيقي لجنوحهم آل البيت ؟

    3 ـ سببان مزعومان : الاصهار ، وإرادة هدم الإسلام وإليك تحليل تلك النقاط.

 

    1 ـ ما هو السبب لدخول الفرس في الإسلام

    إنّ الفرس دخلوا في الإسلام كدخول سائر الشعوب والعلّة في الجميع واحدة أو متقاربة وحاصلها أنّهم وقفوا على أنّ في هذه الشريعة الغرّاء ، من سمات العدل والمساواة ، ورفض التمييز العنصري ، والنظام الطبقي ، وأنّ الناس فيه كأسنان المشط لافضل لعجمي على عربي ، ولا لعربي على عجمي إلاّ بالتقوى ، وكانت الثورة الإسلامية تحمل يوم تفجّرها رايات العدل ، وكان ذلك هو الدافع المهم للشعوب للدخول في الإسلام والانضواء تحت رايته ، من غير فرق بين قوم دون قوم وشعب دون شعب.

 

    2 ـ ما هو السبب الحقيقي لولائهم آل البيت :

    إنّ السبب الحقيقي لولائهم وجنوحهم إلى أهل البيت هو أنّهم شاهدوا أنّ علياً وأهل بيته ـ خلافاً للخلفاء عامتهم ـ يكافحون فكرة القومية ويطبّقون المساواة فأخذوا يتحنّنون إليهم حيناً بعد حين ، وشبراً بعد شبر ، فكان ذلك نواة لبذر الولاء في

 

________________________________________

(622)

قلوب بعضهم ، يرثه الأبناء من الآباء وإن لم يكن الحب ـ يوم ذاك ـ ملازماً للقول بخلافتهم عن الرسول وامامتهم بعده ، بل كان حبّاً وودّاً خالصاً لأسباب نفسية لا قيادية ، ويدل على ذلك عشرات من القضايا نذكر بعضها.

    1 ـ روى الفضل بن أبي قرة عن الامام الصادق ( عليه السلام ) قال : أتت الموالي أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) فقالوا : نشكوا إليك هؤلاء العرب. انّ رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) كان يعطينا معهم العطايا بالسوية وزوّج سلمان ، وبلالا وصهيباً ، وأبوا علينا هؤلاء ، وقالوا : لا نفعل ، فذهب إليهم أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) فكلّمهم فيهم فصاح الأعاريب : أبينا ذلك يا أبا الحسن ، أبينا ذلك ، فخرج وهو مغضب يجرّ رداءه وهو يقول : يا معشر الموالي إنّ هؤلاء قد صيّروكم بمنزلة اليهود والنصارى يتزوّجون إليكم ولا يزوّجونكم ولا يعطونكم مثل ما يأخذون ، فاتَّجروا بارك اللّه لكم ، فانّي قد سمعت رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) يقول : الرزق عشرة أجزاء ، تسعة أجزاء في التجارة وواحدة في غيرها (1).

    2 ـ روى أبو إسحاق إبراهيم بن محمّد بن سعيد الثقفي في غاراته : عن عباد ابن عبداللّه الأسدي ، قال : كنت جالساً يوم الجمعة ، وعلي ( عليه السلام ) يخطب على منبر من آجر ، وابن صوحان جالس فجاء الأشعث فقال : يا أميرالمؤمنين غلبتنا هذه الحمراء على وجهك ، فغضب ، فقال ابن صوحان : ليبين اليوم من أمر العرب ما كان يخفي ، فقال علي ( عليه السلام ) : من يعذرني من هؤلاء الضياطرة يقبل أحدهم يتقلب على حشاياه ، ويهجِّد قوم لذكر اللّه ، فيأمرني أن أطردهم فأكون من الظالمين ؟ والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لقد سمعت محمّداً ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) يقول : ليضربنّكم واللّه على الدين عوداً كما ضربتموهم عليه بدءاً.

________________________________________

1 ـ الكليني : الكافي 5 / 318.

________________________________________

(623)

    قال مغيرة : كان علي ( عليه السلام ) أميل إلى الموالي وألطف بهم ، وكان عمر أشدّ تباعداً منهم (1).

    3 ـ روى ابن شهر آشوب : لمّا ورد بِسبي الفرس إلى المدينة أراد عمر بيع النساء ، وأن يجعل الرجال عبيد العرب ، وعزم على أن يحملوا العليل والضعيف ، والشيخ الكبير في الطواف وحول البيت على ظهورهم ، فقال أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) : إنّ النبي ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) قال : أكرموا كريم قوم ، وإن خالفوكم ، وهؤلاء الفرس حكماء كرماء ، فقد ألقوا إلينا بالسلم ، ورغبوا في الإسلام وقد أعتقت منهم لوجه اللّه حقّي وحقّ بني هاشم ، فقالت المهاجرون والأنصار : وقد وهبنا حقّنا لك يا أخا الرسول اللّه فقال : اللّهمّ فاشهد انّهم قد وهبوا ، وقبلت وأعتقت ، فقال عمر : سبق إليها علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ونقض عزمتي في الأعاجم (2).

    4 ـ روى الصدوق عن الامام الصادق ، قال : قال رجل له : إنّ الناس يقولون : من لم يكن عربياً صلباً ، أو مولى صريحاً ، فهو سفلي فقال : وأي شيء المولى الصريح ، فقال له الرجل : من ملك أبواه ، فقال : ولم قالوا هذا ؟ قال : يقول رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) مولى القوم من أنفسهم فقال سبحان اللّه : أما بلغك أنّ رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) قال : أنا مولى من لا مولى له ، أنا مولى كل مسلم ، عربيها وعجميها ، فمن والى رسول اللّه أليس يكون من نفس رسول اللّه ؟ ثمّ قال : أيّهما أشرف ، من كان من نفس رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) أو من كان

________________________________________

1 ـ الثقفي : الغارات 340 طبع بيروت ، الحمراء : الموالي ، الضياطرة جمع الضياطر : الضخام الذين لا عناد عندهم.

2 ـ ابن شهر آشوب : مناقب آل أبي طالب 4 / 48.

________________________________________

(624)

من نفس أعرابي جلف بايل على عقبيه ؟ ثمّ قال : من دخل في الإسلام رغبة ، خير ممن دخل رهبة ، ودخل المنافقون رهبة ، والموالي دخلوا رغبة (1).

    5 ـ روى الفضل بن شاذان ( ت 260 ) أنّ عمر بن الخطاب نهى عن أن يتزوّج العجم في العرب وقال : لأمنعنّ فروجهنّ إلاّ من الأكفّاء (2).

    6 ـ روى المفيد أنّ سلمان الفارسي ـ رضي اللّه عنه ـ دخل مسجد رسول اللّه ذات يوم فعظّموه وقدّموه وصدّروه اجلالاً لحقّه ، واعظاماً لشيبته واختصاصه بالمصطفى ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) فدخل عمر فنظر إليه ، فقال : من هذا العجمي المتصدّر فيما بين العرب ؟ فصعد رسول اللّه المنبر وخطب ، فقال : إنّ الناس من عهد آدم إلى يومنا هذا مثل أسنان المشط ، لا فضل للعربي على العجمي ، ولا للأحمر على الأسود إلا بالتقوى ، سلمان بحر لا ينزف ، وكنز لا ينفذ ، سلمان منّا أهل البيت ، سلسل يمنح الحكمة ويؤتي البرهان (3).

    7 ـ روى الثقفي في « الغارات » عن مغيرة أنّه قال : كان علي أميل إلى الموالي وألطف بهم ، كان عمر أشد تباعداً منهم (4).

    8 ـ وروى أيضاً : إنّ امرأتين أتتا علياً ( عليه السلام ) عند القسمة ، إحداهما من العرب ، والاُخرى من الموالي ، فأعطى كل واحدة خمسة وعشرين درهماً ، وكرّاً من الطعام ، فقالت العربية : يا أميرالمؤمنين! إنّي امرأة من العرب ، وهذه امرأة من العجم ، فقال علي ( عليه السلام ) إنّي لا أجد لبني إسماعيل في هذا

________________________________________

1 ـ الصدوق : معاني الأخبار كما في سفينة البحار 2 مادة ولى.

2 ـ الايضاح 280.

3 ـ المفيد : الاختصاص 341.

4 ـ الغارات 46.

________________________________________

(625)

الفيء فضلا على بني إسحاق (1).

    9 ـ روى المفيد عن ربيعة وعمارة وغيرهما : انّ طائفة من أصحاب أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب مشوا إليه عند تفرّق الناس عنه ، وفرار كثير منهم إلى معاوية ، طلباً لما في يديه من الدنيا ، فقالوا له : يا أميرالمومنين اعط هذه الأموال ، وفضّل هؤلاء الأشراف من العرب ، وقريش على الموالي والعجم ، ومن يخاف خلافه عليك من الناس ، وفراره إلى معاوية ، فقال لهم أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) : أتأمروني أن أطلب النصر بالجور ؟! لا واللّه ما أفعل ما طلعت شمس ولاح في السماء نجم (2).

    10 ـ روى المبرد : قال الأشعث بن قيس لعلي بن ابي طالب ( رحمه اللّه ) وأتاه يتخطّى رقاب الناس وعلي على المنبر ، فقال : يا أميرالمؤمنين غلبتنا هذه الحمراء على قربك ، قال : فركض على المنبر برجله ، فقال صعصعة بن صوحان العبدي : ما لنا ولهذا ؟ ـ يعني الأشعث ـ ليقولن أميرالمؤمنين اليوم في العرب قولاً لا يزال يذكر ، فقال علي : من يعذرني من هذه الضياطرة يتمرّغ أحدهم على فراشه تمرّغ الحمار ، ويهجر قوم للذكر ، فيأمرني أن أطردهم ، ما كنت لأطردهم فأكون فأكون من الجاهلين ، والذي فلق الحبّة ، وبرأ النسمة ليضربنّكم على الدين عوداً كما ضربتموهم عليه بدءاً (3).

    هذه الشواهد الكثيرة توقفنا على السبب الحقيقي لتوجّه الفرس والموالي إلى آل البيت وأنّه لم يكن إلاّ لصمودهم في طريق تحقيق العدل والمساواة ، والمكافحة

________________________________________

1 ـ الغارات 341.

2 ـ المفيد : المجالس 57 طبع النجف.

3 ـ الكامل 2 / 53 طبع مصر سنة 1339 هـ.

________________________________________

(626)

ضد العنصرية.

 

    1 ـ هل الاصهار كان سبباً للولاء :

    روى الزمخشري في ربيع الأبرار وغيره : انّ الصحابة جاءوا بسبي فارس في خلافة الخليفة الثاني كان فيهم ثلاث بنات ليزدجرد ، فباعوا السبايا وأمر الخليفة ببيع بنات يزدجرد فقال الامام علي : « إنّ بنات الملوك لا يعاملن معاملة غيرهن » فقال الخليفة : كيف الطريق إلى العمل معهن ؟ فقال : « يقوّمن ومهما بلغ ثمنهنّ قام به من يختارهنّ « فقوّمن فأخذهنّ » علي فدفع واحدة لعبداللّه بن عمر واُخرى لولده الحسين واُخرى لمحمّد بن أبي بكر ، فأولد عبداللّه بن عمر ولده سالماً ، وأولد الحسين زين العابدين ، وأولد محمّد ولده القاسم ، فهؤلاء أولاد خالة واُمّهاتهم بنات يزدجرد (1).

    وقد استند إلى هذه القصة أحمد أمين في فجر الإسلام ، والدكتور حسن إبراهيم في التاريخ السياسي للاسلام (2) وذهبا إلى أنّ الاصهار صار سبباً لتشيّع الفرس.

    نحن لا نقوم حول هذه القصة وأنّها هل هي صادقة أو ممّا وضعها أصحاب الأساطير ، وكفانا لتكذيب هذه القصة من رأسها ما ألّفه زميلنا العزيز الدكتور السيد جعفر شهيدي (3) ولو وقفنا إلى جانب هذه القصة وسلمنا بها نسأل : أيّ صلة بين دخول الفرس في التشيّع ومصاهرة الامام الحسين يزدجرد ، فلو كانت تلك علّة فليكن تسنّن

________________________________________

1 ـ ربيع الأبرابر.

2 ـ التاريخ الإسلام السياسي 2 / 7.

3 ـ الامام علي بن الحسين ـ باللغة الفارسية ـ.

________________________________________

(627)

الفرس لاصهار عبداللّه بن عمر ومحمّد بن أبي بكر لهم ، فانّ الرجلين من أبناء الخليفتين ، على أنّ هناك من الخلفاء الاُمويين والعباسيين ينسبون من جانب الاُم إلى البلاط الايراني ، والحق أنّ تفسير إنتماء التشيّع وجنوحهم إلى آل البيت على هذا الحدث منطق ضئيل أشبه بمنطق الصبيان.

 

    3 ـ إرادة هدم الإسلام :

    دخل الفرس في المذهب الشيعي وتستّر بحب أهل البيت لغاية هدم الإسلام تحت ذلك الغطاء وقد اعتمد عليه أحمد أمين وقال : والحق أنّ التشيّع كان مأوى يلجأ إليه كل من أراد هدم الإسلام لعداوة أو حقد ، ومن كان يريد ادخال تعاليم آبائه من يهودية ونصرانية وزرادشتية وهندية ، ومن يريد استقلال بلاده والخروج على مملكته ، كل هؤلاء كانوا يتّخذون حبّ أهل البيت ستاراً (1).

    وقد استغلّ الفكرة الكاتب الأمريكي « لو تروب ستودارد » في كتابه « حاضر العالم الاسلامي » الذي نقله إلى العربية الأمير شكيب أرسلان ، وتجد الفكرة أيضاً عند صاحب المنار ومحبّ الدين الخطيب وغيرهم من كتّاب العصر.

    وهذا الكلام أشبه بكلام من أعمى اللّه بصره وبصيرته ، فإنّ من نظر إلى تاريخ الفرس وجد أنّهم خدموا الإسلام بنفسهم ونفيسهم وأقلامهم وآرائهم من غير فرق بين الشيعي والسنّي ، وهؤلاء أصحاب الصحاح فانّ أكثرهم فارسي الأصل والمنشأ فقد نصّ من بينهم على أنّ مسلم بن الحجاج القشيري عربي وما عداه فارسي ، وقد كفانا في ذلك كتب الرجال والتراجم. على أنّ المذهب السائد بين الفرس يوم أسلموا ، إلى أوائل القرن العاشر ، كان هو التسنّن فلو كانت الفرس أسلموا لغاية هدم الاسلام

________________________________________

1 ـ فجر الإسلام : فصل الشيعة.

________________________________________

(628)

فقد تستروا بالسنّة لا بالشيعة.

 

    دول الشيعة :

    حاول الأمويون القضاء على التشيّع وأراد العباسيّون الوقوف في وجه انتشاره بعد اليأس عن استئصاله. ولكن نما وازدهر عبر القرون بالرغم من تلك العوائق بل قامت لهم هنا وهناك دول ودويلات نظير :

    1 ـ دولة الأدراسة في المغرب 194 ـ 305.

    2 ـ دولة العلويين في الديلم 205 ـ 304.

    3 ـ دولة البويهيين في العراق وما يتّصل به من بلاد فارس 321 ـ 447.

    4 ـ دولة الحمدانيين في سوريا والموصل وكركوك 293 ـ 392.

    5 ـ دولة الفاطميين في مصر 296 ـ 567.

    6 ـ دولة الصفويين في إيران 905 ـ 1133.

    7 ـ دولة الزنديين 1148 ـ 1193.

    8 ـ دولة القاجاريين 1200 ـ 1344.

    أضف إلى ذلك وجود امارات للشيعة في نقاط مختلفة.

    إنّ افاضة القول في مؤسّسي هذه الدول وترجمة أحوالهم وما آل إليه مصيرهم يحوجنا إلى تأليف كتاب مستقل في ذلك (1) فنترك المقال في ذلك فعلى القرّاء مراجعة الكتب المؤلفة في هذه المواضيع.

________________________________________

1 ـ ومن أراد الالمام على وجه الايجاز فعليه الرجوع إلى كتاب « الشيعة والتشيّع » للكتاب القدير محمّد جواد مغنية ـ رضوان اللّه عليه ـ.

________________________________________

(629)

    الجامعات العلمية للشيعة :

    الإسلام دين العلم والمعرفة ، دفع الإنسان من حضيض الجهل والاُمّية إلى أعلى مستويات العلم والكمال من خلال تشجيعه على القراءة والكتابة (1) ، والتدبّر في آثار الكون ومظاهر الطبيعة ونبذ التقليد في تبنّي العقيدة فأراد للانسان حياة نابضة بالفكر والثقافة.

    وقد كانت للشيعة خلال القرون الماضية جامعات وحوزات علمية نشير إلى بعضها اجمالا :

 

    1 ـ المدينة المنورة :

    إنّ المدينة المنوّرة هي المنطلق العلمي الأوّل ، لنشر العلم والثقافة فهي المدرسة الاُولى للمسلمين نشأ فيها عدّة من الأعلام من شيعة أمير المؤمنين وعلى رأسهم ابن عباس حبر الاُمّة ، وسلمان الفارسي ، وأبو ذر الغفاري ، وأبو رافع. الذي هو من خيار شيعة الامام علي مؤلّف كتاب السنن والأحكام والقضاء (2) وغيرهم.

    جاءت بعدهم طبقة من التابعين تخرّجوا من تلك المدرسة على يد الامام علي بن الحسين زين العابدين ( عليهما السلام ) ولقد روى الكليني عن الامام الصادق أنّه قال : كان سعيد بن المسيب والقاسم بن محمّد بن أبي بكر وأبو خالد الكابلي من

________________________________________

1 ـ قال سبحانه : ( إقْرَأ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقْ ) وهي أوّل سورة نزلت على النبي الأكرم. وأقسم اللّه عزّوجلّ بالقلم وقال سبحانه : ( ن والقلم ). وبذلك أوقف المجتمع الانساني ، على قيمة وعلو شأنه.

2 ـ النجاشي : الرجال 64 برقم 1.

________________________________________

(630)

ثقات علي بن الحسين ( عليهما السلام ) (1).

    وازدهرت تلك المدرسة في عصر الامامين الصادق والباقر ( عليهما السلام ) وزخرت بطلاّب العلوم ووفود الأقطار الإسلامية فكان بيتهما ، جامعة إسلامية يزدحم فيها رجال العلم وحملة الحديث ، يأتون إليها من كل فجّ عميق ، وقد عرفت دور الامامية في بسط العلوم في الفصل الثاني عشر.

 

    2 ـ الكوفة وجامعها الكبير :

    قد سبق أنّ الامام أمير المؤمنين هاجر من المدينة إلى الكوفة واستوطن معه خيار شيعته ومن تربّى على يديه من الصحابة والتابعين.

    ولقد أتى ابن سعد في طبقاته الكبرى على ذكر جماعة من التابعين الذين سكنوا الكوفة (2) ولقد أعان على ازدهار مدرسة الكوفة مغادرة الامام الصادق المدينة المنوّرة إلى الكوفة أيّام أبي العباس السفاح حيث بقى فيها مدّة سنتين.

    اغتنم الامام فرصة ذهبيّة أو جدتها الظروف السياسية آنذاك وهي أنّ الحكومة العباسية كانت جديدة العهد وقد سقطت الحكومة الاموية. فلم يكن للعباسيين يومذاك قدرة على الوقوف في وجه الامام لانشغالهم باُمور الدولة. بالاضافة إلى أنّهم كانوا قد رفعوا شعار العلويين للوصول إلى السلطة وقد نشر زمن اقامته بها علوماً جمّة.

    ولمّا انتشر نبأ وروده الحيرة تقاطرت وفود للارتواء من منهله العذب. وهذا الحسن بن علي بن زياد الوشاء يحكي لنا ازدهار مدرسة الكوفة في تلك الظروف ويقول :

________________________________________

1 ـ الكليني : الكافي ، كما في تأسيس الشيعة 299.

2 ـ الطبقات الكبرى 6و قسّمهم على تسع طبقات.

(631)

    أدركت في هذا المسجد ـ يعني مسجد الكوفة ـ تسعمائة شيخ كلّ يقول حدّثني جعفر بن محمّد. ويضيف النجاشي : كان هذا الشيخ عيناً من عيون هذه الطائفة وله كتب ثم ذكر اسماءها (1).

    وكان من خريجي هذه المدرسة لفيف من الفقهاء الكوفيين نظراء أبان بن تغلب بن رباح الكوفي ، ومحمّد بن مسلم الطائفي ، وزرارة بن أعين إلى غير ذلك ممّن تكفّل ذكرهم كتب الرجال وقد وقفت على أسماء عدّة منهم سابقاً باسم تلاميذ الامام الباقر والصادق ( عليهما السلام ).

    ولقد ألّف فقهاء الشيعة ومحدّثوهم في هذه الظروف في الكوفة 6600 كتاب ولقد امتاز من بينها 400 كتاب اشتهرت بالأُصول 400 (2) فهذه الكتب هي التي أدرجها أصحاب الجوامع الحديثية في كتبهم كما مرّ آنفا.

    ولم تقتصر الدراسة آنذاك على الحديث والتفسير والفقه بل شملت علوماً اُخرى ولأجل ذلك خرج منها مؤلّفون كبار صنّفوا كتباً كثيرة في علوم مختلفة ومتنوّعة كهشام بن محمّد بن السائب الكلبي ألّف أكثر من مائتي كتاب (3) وابن شاذان ألّف 280 كتابا (4) وابن عمير صنّف 194 وابن دول الذي صنّف 100 كتابا (5) وجابر بن حيان اُستاذ الكيمياء والعلوم الطبيعية إلى غير ذلك من المؤلّفين العظام ، في كافّة العلوم الإسلامية.

________________________________________

1 ـ النجاشي : الرجال 1 / 137 رقم 79.

2 ـ وسائل الشيعة ج 20 الفائدة الرابعة وقد بيّنا الفرق بين الكتاب والأصل في كتابنا « كليات في الرجال ».

3 ـ الطهراني : الذريعة 1 / 17.

4 ـ المصدر نفسه.

5 ـ المصدر نفسه.

________________________________________

(632)

    3 ـ مدرسة قم والري :

    دخل الفرس الإسلام وكان أكثرهم على غير مذهب الشيعة نعم كانت قم والري وكاشان وقسم من خراسان مركزاً للشيعة وقد عرفت انّ الأشعريين هاجروا ـ خوفاً من الحجاج ـ إلى قم وجعلوها موطنهم ومهجرهم ، وكانت تلك الهجرة نواة للشيعة في ايران.

    كانت مدرسة الكوفة مزدهرة بالعلم والثقافة ، ولكن ربّما كانوا يعانون من الضغط العباسي. ففي هذه الفترة إلى حوالي سنة 250 هاجر إبراهيم بن هاشم الكوفي تلميذ يونس بن عبدالرحمان وهو من أصحاب الامام الرضا ( عليه السلام ) إلى قم ونشر فيها حديث الكوفيين فصارت مدرسة قم والري مزدهرة بعد ذاك بالمحدّثين والرواة الكبار. وساعد على ذلك ، بسط الدولة البويهية نفوذهم على تلك البلدان ولقد خرج من تلك المدرسة علماء ومحدّثون نظراء :

    1 ـ علي بن إبراهيم شيخ الكليني. الذي كان حيّاً سنة 307 (1).

    2 ـ محمّد بن يعقوب الكليني. المتوفّى سنة 329. مؤلّف الكافي في الفروع والاُصول.

    3 ـ علي بن الحسين بن بابويه والد الشيخ الصدوق صاحب الشرائع المتوفّى 329.

    4 ـ ابن قولويه أبو القاسم جعفر بن محمّد ( 285 ـ 368 ) من تلامذة الكليني واُستاذ الشيخ المفيد. والذي يدل على وجود النشاط الفكري في أوائل القرن الثالث ما رواه الشيخ في كتاب الغيبة أنّه أنفذ الشيخ حسين بن روح ـ رضي اللّه تعالى عنه ـ ، النائب الخاص للإمام المنتظر ـ عجل اللّه تعالى فرجه الشريف ـ كتاب التأديب إلى فقهاء

________________________________________

1 ـ الطهراني : الذريعة 4 / 302 برقم 1316.

________________________________________

(633)

قم. وقال لهم : اُنظروا ما في هذا الكتاب. وانظروا فيه شيء يخالفكم (1).

    فهذه الرواية وغيرها تعرب عن وجود نشاط فكري وفقهي في ذينك البلدين في القرن الثالث والرابع ، وكفى في فضلها أنّ كتاب « الكافي » وكتاب « من لا يحضره الفقيه » وكتب محمّد بن أحمد بن خالد البرقي ت 274 من ثمار هذه المدرسة العظيمة.

 

    4 ـ مدرسة بغداد :

    كانت مدرسة الكوفة تزدهر بمختلف النشاطات العلمية عندما كانت بغداد عاصمة الخلافة. ولمّا دبّ الضعف في السلطة العباسية وصارت السلطة بيد البويهيين تنفّس علماء الشيعة في أكثر مناطق العراق فاُسّست مدرسة رابعة للشيعة في العاصمة أنجبت شخصيات مرموقة تفتخر بها الإنسانية ومن نتائجها ظهور أعلام نظير :

    1 ـ الشيخ المفيد ( 336 ـ 413 ) تلك الشخصية الفذّة الذي اعترف الموافق والمخالف بعلمه ، ترجم له اليافعي في مرآة الجنان بقوله : عالم الشيعة وإمام الرافضة ، صاحب التصانيف الكثيرة ، المعروف بالمفيد ، وبابن المعلم أيضاً ، البارع في الكلام والجدل والفقه ، وكان ينازع كل عقيدة بالجلالة والعظمة ومقدّماً في الدولة البويهية وكان كثير الصدقات ، عظيم الخشوع ، كثير الصلاة ، والصوم ، خشن اللباس وكان عضد الدولة ربّما زار الشيخ المفيد وكان شيخاً ربعة ، نحيفاً أسمر ، عاش ستّاً وسبعين سنة وله أكثر من 200 مصنّف وكان يوم وفاته مشهور وشيّعه 80 ألفاً من الرافضة والشيعة وأراح اللّه منه (2).

________________________________________

1 ـ الطهراني : الذريعة 3 / 210 برقم 775.

2 ـ مرآة الجنان 3 / 28 حوادث عام 413.

________________________________________

(634)

    2 ـ السيد المرتضى.

    3 ـ السيد الرضي وهما كوكبان في سماء العلم والأدب غنيان عن التعريف.

    4 ـ الشيخ الطوسي ( 385 ـ 460 ) وهو شيخ الطائفة ومن أعلام الاُمّة ، تربّى على يد شيخه المفيد والسيد المرتضى وله كتاب « التبيان في تفسير القران » و « التهذيب » و « الاستبصار » وهما من المصادر المهمّة عند الشيعة وكانت مدرسة بغداد زاهرة في عهد هذه الأعلام الثلاثة واحد بعد الآخر ، وقام كل منهم بدور كبير في تطوير العلوم وتقدّمها ، وكان يحضر في حلقات دروسهم مئات من المجتهدين والمحدثين من الشيعة والسنّة.

    إلى أن ضعفت سلطة البويهيين ، ودخل طغرل بك الحاكم التركي بغداد ، وأشعل نار الفتنة بين الطائفتين السنّة والشيعة ، وأحرق دوراً في الكرخ ولم يكتف بذلك حتّى كبس دار الشيخ الطوسي وأخذ ما وجد من دفاتره وكتبه ، وأحرق الكرسي الذي كان الشيخ يجلس عليه (1).

 

    6 ـ مدرسة النجف الأشرف :

    إنّ هذه الحادثة المؤلمة التي أدّت إلى ضياع الثروة العلمية للشيعة وقتل الأبرياء ، دفعت الشيخ لمغادرة بغداد واللجوء إلى النجف الأشرف وتأسيس مدرسة علمية شيعية في جوار قبر أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) ، وشاء اللّه تبارك وتعالى أن تكون هذه المدرسة مدرسة كبرى أنجبت خلال ألف سنة من عمرها ، عشرات الآلاف من العلماء والفقهاء والمتكلّمين والحكماء.

    المعروف أنّ الشيخ هو المؤسّس لتلك الجامعة العلمية المباركة. وهو حق

________________________________________

1 ـ ابن الجوزي : المنتظم حوادث عام 447 ـ 449 ، ج 16 / 8 و 16 ط بيروت.

________________________________________

(635)

لا غبار عليه ، ومع ذلك يظهر من النجاشي وغيره أنّ الشيخ ورد عليها وكانت غير خالية من النشاط العلمي. يقول في ترجمة الحسين بن أحمد بن المغيرة : له كتاب عمل السلطان. أجازنا بروايته أبو عبداللّه بن الخمري الشيخ صالح في مشهد مولانا أميرالمؤمنين سنة 400 عنه (1).

    ولقد استغلّ الشيخ تلك الأرضية العلمية وأعانه على ذلك ، الهجرة العلمية الواسعة التي شملت أكثر الأقطار الشيعية فتقاطرت الوفود إليها ، من كل فجّ ، فصارت حوزة علمية وكلية جامعة في جوار النبأ العظيم علي أميرالمؤمنين ـ من عصر تأسيسه 448 ـ إلى يومنا هذا. ولقد مضى على عمرها قرابة 1000 سنة. وهي بحق شجرة طيبة أصلها في الأرض وفرعها في السماء آتت اُكلها كل حين باذن ربّها.

    إنّ لجامعة النجف الأشرف حقوقاً كبرى على الإسلام والمسلمين عبر القرون ، فمن أراد الوقوف على تاريخها والبيوتات العلمية التي أنجبتها ، فعليه الرجوع إلى كتاب « ماضي النجف وحاضرها » في ثلاثة أجزاء (2) ، وقد قام الباحث ، وهو الشيخ هادي الأميني بتخريج أسماء لفيف من العلماء الذين تخرّجوا من هذه المدرسة الكبرى.

 

    7 ـ مدرسة الحلّة :

    في الوقت الذي كانت جامعة النجف تزدهر وتنجب أفذاذاً ، إذ أسّست الشيعة في الحلّة الفيحاء جامعة كبيرة اُخرى كانت تحتفل بكبار العلماء ، وتزدهر بالنشاط

________________________________________

1 ـ النجاشي : الرجال 1 / 190 برقم 163.

2 ـ تأليف الشيخ جعفر آل محبوبة طبع النجف.

________________________________________

(636)

الفكري عقدت فيها ندوات البحث والجدل ، وحلقات الدراسة والمدارس والمكاتب ، وظهر في هذا الدور فقهاء كان لهم الأثر الكبير في تطوير الفقه الشيعي واُصوله نأتي بأسماء بعضهم :

    1 ـ المحقق الحلّي : نجم الدين أبو القاسم جعفر بن سعيد ، من كبار فقهاء الشيعة يصفه تلميذه ابن داود بقوله : الامام العلاّمة واحد عصره ، كان ألسن أهل زمانه وأقواهم بالحجّة وأسرعهم استحضارا (1) توفّي عام 676 هـ. له من الكتب « شرائع الإسلام » في جزأين ، وهو أثر خالد شرحه العلماء وعلّقوا عليه. واختصره في كتاب أسماه « المختصر النافع » وشرحه أيضاً وأسماه « المعتبر في شرح المختصر ».

    2 ـ العلامة الحلّي ، جمال الدين حسن بن يوسف ( 648 ـ 726 هـ ) تخرّج على يد خاله المحقق الحلّي في الفقه ، وعلى يد المحقق الطوسي في الفلسفة والرياضيات ، وعرف بالنبوغ ، وهو بعد لم يتجاوز سن المراهقة ، وقد بلغ الفقه الشيعي في عصره القمة ، وله موسوعات فيه أجلّها « تذكرة الفقهاء » ولعلّه لم يؤلّف مثله.

    3 ـ فخر المحققين ، محمّد بن الحسن بن يوسف ( 682 ـ 771 هـ ) ولد العلاّمة الحلّي ، تتلمذ على يد أبيه ونشأ تحت رعايته وعنايته ، وألّف والده لفيفاً من كتبه بالتماس منه ، وقد تتلمذ عليه امام الفقه الشهيد الأوّل ( 734 ـ 786 هـ ).

    إلى غير ذلك من رجال الفكر كابن طاووس وابن ورام ، وابن نما وابن أبي الفوارس الحلّيين ، الذين احتلفت بهم مدرسة الحلّة ، ولهم على العلم وأهله أيادي بيضاء لا يسعنا ذكر حياتهم.

________________________________________

1 ـ ابن داود : الرجال / القسم الأول 62 برقم 304.

________________________________________

(637)

    8 ـ الجامع الأزهر :

    امتدّ سلطان الدولة الفاطمية من المحيط الأطلسي غرباً إلى البحر الأحمر شرقاً ونافست الدولة الفاطمية الشيعية ، خلافة الحكّام العباسيين في بغداد ، وكان المعز لدين اللّه أحد الخلفاء الفاطميين بمصر رجلا مثقّفاً ومولعاً بالعلوم والآداب وقد اتّخذ بفضل تدبير قائده العكسري القاهرة عاصمة للدولة الجديدة ، وبنى الجامع الأزهر ، وعقدت فيه حلقات الدرس ، وكان يركز على نشر المذهب الشيعي بين الناس وقد أمر أن يؤذّن في جميع المساجد بـ « حىّ على خير العمل » ومنع من لبس السواد شعار العباسيين.

    إنّ المسلمين عامة وفي طليعتهم المصريين مدينون في ثقافتهم وازدهار علومهم وتقدّمهم في مجال العلم والصنعة للفاطميين وهممهم العالية ، فانّ الجامع الأزهر لا يزال مزدهراً من يوم بني إلى يومنا هذا كأعظم الجامعات العلمية (1) وهي كانت جامعة شيعية من بدء تأسيسها إلى قرنين.

    وإن شئت أن تقف على صورة صغيرة من خدماتهم الجليلة فاقرأ ما كتبه السيد مير علي : « كان الفاطميون يشجّعون على العلم ، ويكرمون العلماء فشيّدوا الكليّات والمكاتب العامة ، ودار الحكمة ، وحملوا إليها مجموعات عظيمة من الكتب في سائر العلوم والفنون ، والآلات الرياضية ، لتكون رهن البحث والمراجعة ، وعيّنوا لها أشهر الأساتذة ، وكان التعليم فيها حرّاً على نفقة الدولة كما كان الطلاب يمنحون جميع الأدوات الكتابية مجّاناً ، وكان الخلفاء يعقدون المناظرات في شتى فروع العلم ، كالمنطق والرياضيات والفقه والطب ، وكان الأساتذة يتشحون بلباس خاص عرف بالخلعة ، أو العباءة الجامعية ـ كما هي الحال

________________________________________

1 ـ بروكلمان : تاريخ الشعوب الإسلامية 2 / 108.

________________________________________

(638)

اليوم ـ واُرصدت للانفاق على تلك المؤسّسات وعلى أساتذتها ، وطلاّبها وموظّفيها أملاك بلغ إيرادها السنوي 43 مليون درهم ، ودعي الأساتذة من آسيا والأندلس لالقاء المحاضرات في دار الحكمة ، فازدادت بهم روعة وبهاء (1).

    وقد ألّف غير واحد من المؤرّخين كتباً ورسائل حول الأزهر الشريف ومن أراد التفصيل فليرجع إليه.

 

    مدارس الشيعة في الشامات :

    كانت الشيعة تعيش تحت الضغط والارهاب السياسي من قبل الأمويين والعباسيين ، ولمّا دبّ الضعف في جهاز الخلافة العباسي وظهرت دول شيعية في العراق خصوصاً دولة الحمدانيين في الموصل وحلب ، استطاعت الشيعة أن تجاهر بنشاطها الثقافي ، وفي ظل هذه الحرية أسّست مدارس شيعية في جبل عامل ، وحلب فقد خرج من مدرسة حلب شخصيات كبيرة كأبناء زهرة وغيرهم.

    الذين احتفل تاريخ حلب الشهباء بذكرهم ، وأمّا مدرسة جبل عامل فقد كانت تتراوح بين القوة والضعف ، إلى أن رجع الشهيد الأوّل من العراق إلى مسقط رأسه « جزين » ، فأخذت تلك المدرسة في نفسها نشاطاً ، واسعاً ، وقد خرج من تلك المدرسة منذ تلك العهود إلى يومنا هذا مئات من الفقهاء والعلماء لا يحصيها إلاّ اللّه سبحانه ، ومن أكبر الشخصيات المنتجبة في هذه المدرسة المحقق الشيخ علي الكركي ( ت 940 ) مؤلّف « جامع المقاصد » وبعده الشيخ زين الدين المعروف بالشهيد الثاني ( 911 ـ 966 ) الذي كان منذ صباه تظهر منه ملامح النبوغ والذكاء ، وله الأثر الخالد الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ».

________________________________________

1 ـ السيد مير علي : مختصر تاريخ العرب 510 ط 1938.

________________________________________

(639)

    هذا غيض من فيض وقليل من كثير ممّن أنجبتهم هذه التربة الخصبة بالعلم والأدب.

    ولنكتف بهذا المقدار من الاشارة إلى الجامعات الشيعية فانّ الاحصاء يحوجنا إلى بسط في المقال ، ويطيب لنا الاشارة إلى أسماء المعاهد الاُخرى مجردة.

 

    جامعات اُخر للشيعة في أقطار العالم :

    كانت للشيعة جامعات في أقطار العالم ولم تزل بعضها زاهرة إلى اليوم.

    إنّ الشرق الاسلامي كافغانستان والباكستان والهند تزخر بالشيعة ولهم هناك جامعات وكليّات في هرات وبمباي ولكنهو ، كما أنّ للشيعة نشاطات ثقافية في آسيا الجنوبية الشرقية كماليزيا وتايلند ، ومن أراد الوقوف على الخريجين من هذه المدارس فعليه أن يقرأ تاريخ هذه البلاد خصوصاً بلاد الهند.

    فمذ تسنّم الصفوية منصّة الحكم اُسّست في ايران حوزات فقهية ، كلامية ، فلسفية زاهرة ، وقد خرج منها آلاف من العلماء كجامعة اصفهان ، وطهران ، وخراسان ، وتبريز ، وقزوين ، وزنجان ، وشيراز وأخيراً الجامعة الكبرى للشيعة في قم المحمية بجوار الحضرة الفاطمية التي أسّسها رجل العلم والزهد الشيخ عبدالكريم اليزدي ( 1274 ـ 1355 ) سنة 1340 هـ ، ولم تزل هذه الجامعة مُشعَّة زاهرة ، وقد تقاطرت إليها الأساتذة ووفود الطلاب من نقاط شتّى ، من جنسيات مختلفة منذ أوّل يومها ويتجاوز عدد الطلاب فيها في هذه السنين 25000 وفيها مكتبات زاخرة ، ومؤسّسات علمية ، ومراكز تحقيقية ، ومطابع حديثة ، وعمالقة الفكر وأساتذة القلم ، ومنها تفجّرت الثورة الإسلامية على يد أحد خريجيها الامام الخميني ـ قدس اللّه سره ـ فانبثقت أنوارها على ربوع العالم وأيقظت الاُمّة من سباتها العميق.

 

________________________________________

(640)

    عدد الشيعة :

    إنّ مراكز الاحصائيات في العالم تخضع لنفوذ أعداء الإسلام خصوصاً الصهاينة ، وقد صار ذلك سبباً لعدم وجود احصاء دقيق بأيدينا عن عدد المسلمين وعامة طوائفهم ومنهم الشيعة. ولكن القرائن تشهد على أنّ الشيعة بطوائفها الثلاث : الإمامية والزيدية والاسماعيلية يشكّلون خمس أو ربع المسلمين ، فلو كان عدد المسلمين ـ على ما يقولون ـ مليار نسمة فالشيعة تبلغ 200 مليون ، وأكثرهم عدداً هم الإمامية المعروفة بالاثني عشرية أو الجعفرية.

    نسأله سبحانه أن يرفع كلمة التوحيد في ربوع العالم ، ويوفّق المسلمين لتوحيد الكلمة ورصّ الصفوف إنّه على ذلك لقدير.

(641)

الفصل الرابع عشر

مصادر الاُصول والفروع عند الإماميّة

 

________________________________________

(642)

________________________________________

(643)

    إنّ بعض المتعصّبين يحاولون التشكيك في انتهاء الشيعة الامامية في مذهبهم إلى أئمّة أهل البيت وقد نقل هذه المحاولة السيد عبدالحسين شرف الدين في مراجعاته (1).

    ولا شك أنّ هذه المحاولة فاشلة ، ولا نحتاج إلى بسط في الجواب وربّما يتّضح استناد مذهبهم إلى أئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ) ممّا مضى في الفصل الحادي والثاني عشر.

    يقول السيد شرف الدين : إنّ الشيعة الامامية في الفروع والاُصول وسائر ما يؤخذ من الكتاب والسنّة أو يتعلّق بهما من جميع العلوم ، لا يعولون في شيء من ذلك إلاّ عليهم ولا يرجعون فيه إلاّ إليهم ، فهم يدينون اللّه تعالى ويتقرّبون إليه بمذهب أئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ) لا يجدون عنه حولاً ولا يرتضون به بدلاً. على ذلك مضى سلفهم الصالح في عهد أميرالمؤمنين والحسن والحسين. والأئمّة التسعة من ذريّة الحسين ( عليهم السلام ) إلى زماننا هذا وقد أخذ الفروع والاُصول عن كل واحد منهم جمّ من ثقات الشيعة وحفّاظهم (2).

________________________________________

1 ـ راجع المراجعات 109.

2 ـ المراجعات 303 المراجعة 110.

________________________________________

(644)

    إنّ الشيعة يتّخذون الكتاب مصدراً رئيسياً في العقيدة والتشريع كما يتّخذون سنّة النبي ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) مصدراً رئيسياً ثانياً ويعملون بحكم العقل في المجال الذي له صلاحية القضاء ، ويتّخذون من الاجماع دليلاً فيما لو كشف عن الدليل الشرعي وهذا ممّا لا شك فيه.

    ولكن انّ في الكتاب عمومات ومطلقات وقد خصّصت في السنّة كما أنّ فيه مجملات تطلب لنفسها بياناً من السنّة ، والشيعة ترجع إلى أئمّة أهل البيت في هاتيك الموارد لأجل أنّ كلامهم وقولهم هو كلام وقول النبي الأكرم وهناك مسائل مستحدثة واُمور طارئة لا يجد لها الفقيه حلولا في السنّة النبوية. لأنّها طرأت بعد رحلة النبي ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) فقام أئمة أهل البيت بالاجابة عنها من غير فرق بين مجالي الالتزام والعمل.

    هذا هو مذهب الامامية وعلى ذلك جرى سلفهم وخلفهم من عصر أميرالمؤمنين إلى يومنا هذا.

    إنّ انتماء الشيعة الامامية إلى أئمّة أهل البيت أظهر من الشمس ، وقد تعرّفت على الرواة الثقات الذين أخذوا الاُصول والفروع عن الباقر والصادق والكاظم والرضا ( عليهم السلام ) ، كما تعرّفت على الجوامع التي دوّنها أصحابهم في تلك العصور وكانت الجوامع مفزعاً للشيعة في عصر الأئمة ، حتّى عصر الغيبة لأنّها تحتوي علوم أهل البيت ( عليهم السلام ).

    ولمّا كانت هذه الجوامع غير خالية عن النقص الفنّي في التبويب وغير جامعة لما تركه أئمة أهل البيت من العلوم والمعارف قام المحمدون الثلاثة بتأليف جوامع ثانوية أحسن ترتيباً وتبويباً وأكثر شمولا.

    1 ـ محمّد بن يعقوب الكليني ولد في عهد امامة العسكري ( 254 ـ 260 ) وتوفّي عام 329 فهو أوثق الناس في الحديث وأعرفهم به ، صنّف كتاب الكافي

 

________________________________________

(645)

وهذبه في عشرين سنة (1) ولقد حصروا أحاديثه في ستة عشر الف حديث ومائة وتسعة وتسعين حديثا ( 16199 ) والصحيح منها باصطلاح المتأخرين خمسة الآف واثنان وسبعون حديثاً ، والحسن مائة وأربعة وأربعون حديثاً ، والموثّق مائة حديث وألف حديث وثمانية عشر حديثاً ، والقويّ منها اثنان وثلاثمائة ، والضعيف منها أربعمائة وتسعة آلاف وخمسة وثمانون حديثا (2).

    وقال الشهيد في الذكرى : « إنّ ما في الكافي يزيد على ما في مجموع الصحاح الستّة للجمهور وعدّة كتب الكافي اثنان وثلاثون كتاباً » (3).

    وقال في كشف الظنون نقلاً عن الحافظ « ابن حجر » : إنّ جميع أحاديث صحيح البخاري بالمكرّر سوى المعلّقات والمتابعات على ما حرّرته وحقّقته سبعة آلاف وثلاثمائة وسبعة وتسعون حديثاً ، والخالص من ذلك بلا تكرير الفا حديث وستمائة وحديثان ، وإذا انضمّ إليه المتون المعلّقة المرفوعة وهي مائة وخمسون حديثاً ، صار مجموع الخالص ألفي حديث وسبعمائة وواحد وستون حديثا.

    وروى ايضاً عن مسلم أنّ كتابه أربعة آلاف حديث دون المكررات وبالمكررات سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثا.

    وقال أبو داود في أوّل سننه : « وجمعت في كتابي هذا أربعة آلاف حديث وثمانية أحاديث في الصحيح وما يشبهه وما يقاربه » (4).

    2 ـ محمّد بن علي بن الحسين الصدوق ( 306 ـ 381 ) مؤلّف « من

________________________________________

1 ـ النجاشي : الرجال برقم 1027.

2 ـ لؤلوة البحرين للمحدث البحراني وما ذكره عند الجمع ينقص 78 حديثاً فلا حظ.

3 ـ الذكرى 6.

4 ـ كشف الظنون كما في مستدرك الوسائل 3 / 541 ، لاحظ فتح الباري في شرح أحاديث البخاري 1 / 465.

________________________________________

(646)

لا يحضره الفقيه » وهو الجامع الثاني للشيعة.

    إنّ أحاديث كتاب الفقيه لا تتجاوز عن 5963 حديثاً منها ألفان وخمسون حديثاً مرسلاً.

    3 ـ محمّد بن الحسن الطوسي ( 385 ـ 460 ) مؤلّف تهذيب الأحكام والاستبصار وعدد أحاديث الأوّل 13590 (1) وعدد أحاديث الثاني 5511 حديثاً كما ذكره المؤلّف في آخر الكتاب.

    هذه هي الكتب الأربعة ، المصادر المهمة عند الشيعة.

 

    الجوامع الحديثية الأخيرة :

    إنّ هناك لفيفاً من العلماء قاموا بجمع روايات الكتب الأربعة وإليك ايعاز إلى أسماء مؤلّفيها.

    1 ـ محمّد بن الحسن الحر العاملي توفّي 1104 مؤلّف كتاب تفصيل وسائل الشيعة طبع في عشرين جزءاً في الفروع والأحكام فقط ، ولم يجمع ما يرجع إلى الاُصول والعقائد.

    2 ـ محمّد بن المرتضى المعروف بالفيض 1091 مؤلّف الوافي في 14 جزء في الفروع والاُصول والسنن والأحكام ولو طبع الكتاب طبعة حديثة لبلغ 30 جزءاً.

    3 ـ المجلسي محمّد باقر 1027 ـ 1110 مؤلّف بحارالأنوار في 110 أجزاء وهو من أبسط الجوامع وأكثرها شمولاً.

    وهناك جوامع اُخرى طوينا الكلام عنها فمن أراد فليرجع إلى مظانّها.

________________________________________

1 ـ المستدرك 3 / 756.

________________________________________

(647)

    هذه هي المصادر التي تفزع إليها الشيعة في اُصولها وفروعها أتينا على ذكرها على وجه الاجمال ليكون القارئ على بصيرة.

    هذا هو مذهب الشيعة وهؤلاء هم خلفهم وسلفهم ، ومبدأ نشوئهم ، وهذه آراؤهم وعقائدهم ، وهؤلاء أئمتهم ، وهذه بلدانهم ودولهم ، وعدد نفوسهم ، وهذه جامعاتهم وحوزاتهم ، فهم اُمّة منتشرة في العالم وبلادهم مفتوحة لكل قاصد ، وهذه كتبهم المعبّرة عن تاريخهم وعقائدهم وكيانهم وشرفهم وهذا تاريخهم المأساوي جزاءً للخدمات الجليلة التي قدموها للحضارة الإسلامية بأفكارهم وآرائهم وأقلامهم وكتبهم.

 

________________________________________

(648)

________________________________________

(649)

خاتمة المطاف :

    بيان لكتّاب المقالات ومؤرخي العقائد

    لقد حصحص الحق وبانت الحقيقة لذوي النصفة ونختم الكتاب بذكر اُمور مهمة ربّما مضى البحث عن بعضها في الفصول السابقة وإليك البيان.

    الأوّل : إنّ التشيّع لم يكن فكرة سياسية ابتدعتها الأهواء ، وطبعته بطابع الدين ، ولا عقيدة دينية لاتمتُّ إلى الإسلام بصلة ، بل هو نفس الإسلام في مجالي العقيدة والتشريع ، جاء به النبي الأكرم في كتابه وسنّته ، وليس التشيّع إلاّ تعبيراً آخر عن الإسلام ، في إطار ولاء أهل بيته الطاهرين وتتبّع آثارهم وأقوالهم وآرائهم.

    الثاني : إنّ كلّما تدين به الشيعة التزاماً وعملاً ، له مصدر متسالم على صحّته عند أهل السنّة ، وأنّهم لو نظروا إليه بعين الانصاف وطلب الحقيقة ، وابتعدوا عن كل رأي مسبق ، لوجدوا الفوارق الموجودة بين الطائفتين اُموراً واقعية لها دليل في الكتاب والسنّة ، حتّى في الاُمور التي يستنكرونها في بدء الأمر ، كالقول بالبداء ،

 

________________________________________

(650)

وعصمة الامام وميلاد المهدي المنتظر ، وحياته فعلاً وكون الأئمة محصورين في اثني عشر.

    الثالث : إنّ الشيعة ليست من الفرق البائدة التي خيّم الظلام عليها ، وعلى آثارهم وصارت مستورة تحت أطباق الثرى ، حتّى لا يعاب فيه التقوّل والحدس والتخمين ، وانّما هي فرقة حيّة منتشرة في العالم ولهم بلاد واسعة ، وحكومات قائمة ، وجامعات وكليات ، ومعاهد وحلقات ، ومكتبات غاصة بالكتب ، فعلى طالب الحقيقة ومؤرّخ العقائد أن يتّصل بعلمائهم عن كتب أو أن يرجع إلى الكتب المؤلّفة بايدي علمائهم الذين اجتمعت كلمتهم على وثاقته وعلمه ومعرفته ويجتنب عن الرجوع إلى كتب المتطفّلين على موائد العربية من مستشرق حاقد ، أو كاتب متحامل ، بل يجتنب عن الرجوع إلى كتاب عالم من الشيعة إذا لم تجتمع كلمتهم على وثاقته وعلمه أو صحة نظريته ، إذ في كل طائفة غال متنكّب عن الصراط ، خابط خبطة عشواء ، رفض العلماء كتابه وكلامه.

    إنّ بين كل طائفة ومنهم الشيعة كاتب غال خلط الغث بالسمين ، والصحيح بالزائف ، وربّما تكون له مكانة علمية و ـ مع ذلك ـ لا يصحّ الاستناد إلى مثل ذلك الكاتب ولا إلى كتابه ، بل يطرح الشاذ ، ويؤخذ بالمجمع عليه أو المشهور بينهم.

    إنّ المستند لرمي التشيّع بالاعتقاد بالتحريف في هذه الأيام هو كتاب « فصل الخطاب » الذي ألّفه الشيخ المحدّث النوري ، وجمع مواده من هنا وهناك من غير تحقيق في السند ولا تحليل في الدلالة ، ولكن الاستناد إلى هذا الكتاب ورمي طائفة كبيرة بهذه التهمة الشائنة تقوّل بالباطل ، لأنّ علماء الشيعة أنكروا هذا الكتاب

(651)

على المؤلّف من أوّل يوم نشره ، وأخذوا بالردّ عليه ردّاً عنيفا (1) ولو كان تأليف ذلك الكتاب دليلاً على قول الشيعة بالتحريف فليكن كتاب « الفرقان » الذي عرّفه أحد الأزهرين المعاصرين دليلا على قول السنّة بها.

    الرابع : التعرّف الصحيح على المبادئ التي تعتمد عليها كل طائفة في مجال الالتزام القلبي يحصل من خلال السبر في الكتب العقائدية الكلامية المؤلّفة بيد عمالقة الفكر منهم ، وأمّا الكتب الحديثية المعتبرة فبما أنّ فيه الصحيح والسقيم ، والمشهور والشاذ ، والمحكم والمتشابه ، فلا يصحّ الاستناد إلى رواية رويت في كتب الحديث في مجال تبيين عقائد الفرقة ، فلو وجد في الكافي الذي هو من أتقن الكتب الحديثية عند الشيعة ما يضاد المشهور بين العلماء ، لما صحّ لنا الاعتماد عليه وترك ما ذهب إليه المشهور من علمائهم ، فليس معنى كون الكتاب معتبراً انّ جميع ما ورد فيه قابل للالتزام والعمل ، وهذا أمر واضح لدى الشيعة عامة ، وإن غفل عنه كتاب تاريخ الفرق.

    الخامس : إنّ هناك فرقاً بين الجوامع الحديثية عند الشيعة والصحاح عند السنّة ، فانّ الاُولى لديهم كتب معتبرة بمعنى أنّها صالحة للرجوع إليها بعد تمحيصها وتمييز الجيّد من الرديء فيها. و على ضوء ذلك لا يكون وجود الحديث فيها دليلاً على كون مضمونه حجّة في مفاده. وأمّا الصحاح الستّة عند السنّة فبما أنّ أكثرهم أضفى على الجميع وصف الصحة فلقائل أن يتصوّر أنّ وجود الحديث فيها دليل على كون مضمونه مذهباً لأهل السنّة.

________________________________________

1 ـ ردّ عليه في حياته وبعده لفيف من العلماء أخص بالذكر العلامة الحجة : الشيخ محمد هادي معرفة بكتاب أسماه صيانة القرآن عن التحريف وقد طبع وانتشر.

________________________________________

(652)

    السادس : إنّ المطلوب في العقائد ، غير المطلوب في الأحكام فالغاية من الثانية هي العمل وإن لم يكن اذعان بصحّته وكونه مطابقاً للواقع ، بل يكفي قيام الدليل على جواز تطبيق العمل عليه. بخلاف الاُولى فانّ الغرض المنشود منها هو الاعتقاد والايمان ، ومن المعلوم أنّ اليقين رهن مقدّمات مفيدة لليقين ومجرّد وجود خبر حتّى الصحيح في الجوامع الحديثية لا يؤدّي إلى اليقين فلا يمكن أن يحتجّ بها في مجال العقيدة إلاّ إذا كانت مفضية إلى اليقين ، والاذعان ، والخبر الواحد ، وإن صحّ ، خال من هذا الشأن.

    السابع : عرفت الشيعة بالتقيّة وأنّهم يتقون في أقوالهم وأفعالهم ، فصار ذلك مبدأ لوهم عالق بأذهان بعض المشاغبين والمغالطين فيقولون : بما أنّ التقيّة من مبادئ التشيّع فلا يصحّ الاعتماد بكل ما يقولون ويكتبون وينشرون إذ من المحتمل جدّاً أن تكون هذه الكتب دعايات والواقع عندهم غيرها. هذا ما نسمعه منهم مرّة بعد مرة ، ويكرّره الكاتب الباكستاني « إحسان إلهي ظهير » في كتبه الردية على الشيعة.

    ولكن نلفت نظر القارئ الكريم إلى أنّ مجال التقيّة انّما هي القضايا الشخصية الجزئية أي عند وجود الخوف على النفس والنفيس ، فإذا دلّت القرائن على أنّ في اظهار العقيدة أو تطبيق العمل عل مذهب إمام من أئمّة أهل البيت احتمال توجّه الضرر ، يصير المورد من مواردها ويحكم العقل والشرع بلزوم الاتّقاء حتّى يصون بذلك نفسه ونفيسه عن الخطر. وأمّا الاُمور الكليّة الخارجة عن إطار الخوف فلا يتصوّر فيها التقيّة ، والكتب المنتشرة من جانب الشيعة داخلة في النوع الثاني إذ لا خوف هناك حتّى يكتب خلاف ما يعتقد ، بل لا ملزم للكتابة أصلاً فله أن يسكت ولا يكتب شيئا.

 

________________________________________

(653)

    فما يدّعيه هؤلاء أنّ هذه الكتب دعايات لا واقعيات ناش عن عدم عرفانهم لحقيقة التقية عند الشيعة.

    والحاصل : انّ الشيعة انّما كانت تتّقي في عصر لم تكن لهم دولة تحميهم ، ولا قدرة ومنعة تدفع عنهم ، وأمّا هذه الأعصار فلا مسوّغ ولا مبرّر للتقية إلاّ في موارد خاصة.

    إنّ الشيعة منذ أن تعرضوا للضغط ، عاشت عندهم التقية على مستوى الفتاوى ، ولم تعش على المستوى العملى ، بل كانوا عملياً من أكثر الناس تضحية ، وبوسع كل باحث أن يرجع إلى مواقف الشيعة مع معاوية وغيره من الحكام الامويين ، والحكام العباسيين ، كحجر بن عدي ، وميثم التمّار ، ورشيد الهجري ، وكميل بن زياد ، ومئات من غيرهم ، وكمواقف العلويين على امتداد التاريخ وثوراتهم المتتالية (1).

    إنّ القول بالتقية ليس شيئاً مختصّاً بالشيعة ، بل يقول به المسلمون جميعاً هذا أبو الهذيل العلاف رئيس المعتزلة يقول : إنّ المكره إذا لم يعرف التعريض والتورية فيما اُكره عليه فله أن يكذب ويكون وزر الكذب موضوعاً عنه (2).

    بل يقول به كل مسلم واع ، وكل كاتب قدير وناطق مصقع ، يعيش في بلاد يسود عليه الاستبداد وسلب الحريات الاجتماعية والسياسية بمختلف اشكاله وصوره.

    الثامن : لم يزل أهل السنّة يصفون المسانيد والسنن بالصحاح وربّما يغالون في حق بعض الصحاح كالبخاري بأنّه أصحّ الكتب بعد كتاب اللّه. أو ليس هذا مغالاة

________________________________________

1 ـ الدكتور أحمد الوائلي : هوية التشيّع 203.

2 ـ أبو الحسن الخياط : الانتصار 128.

________________________________________

(654)

في القول ؟ وإن كنت في شك من ذلك فاستمع لما نتلوه عليك عن ذلك الكتاب الذي هو الأصحّ في زعمهم بعد كتاب اللّه.

    1 ـ روى في تفسير سورة الاسراء انّ جبرائيل ليلة اُسري بالنبي إلى السماء جاءه بقدحين ، أحدهما من لبن وآخر من خمر ، وخيّره بين شرب واحد منهما (1).

    أفيصح في منطق العقل أن يأتي جبرئيل في تلك الليلة بقدح من الخمر التي وصفها رسول اللّه باُمّ الخبائث ووصفه الكتاب العزيز بأنّه من عمل الشيطان ؟! ولا يصحّ لمتقوّل أن يفسّرها بخمر الجنّة التي لا سكر فيها وهو بعد في الدنيا ؟

    2 ـ روى عن عائشة أنّها قالت : سحر النبي حتّى كان يخيّل إليه أنّه يفعل الشيء وما يفعله (2).

    فعلى ذلك لا يحصل أي ثقة بكلام النبي وقوله ، ولأجل ذلك نرى انّ الجصاص يقول في حقّ هذه الروايات : ومثل هذه الأخبار من وضع الملحدين (3).

    3 ـ وأخرج في صحيحه في كتاب الغسل باب إذا جامع ثم عاد ومن دار على نسائه في غسل واحد عن أنس بن مالك قال : كان النبي ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) يدور على نسائه في الساعة الواحدة في الليل والنهار وهنّ إحدى عشرة ، قال : قلت لأنس : أو كان يطيقه ؟ قال : كنّا نتحدّث أنّه اُعطي قوّة ثلاثين (4).

    إنّ النبي الأكرم كان يقضي ليلة بالتهجّد والعبادة ، قال سبحانه : ( إنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أدْنى مِنْ ثُلُثَىِ الَّيْلِ أو نِصْفَهُ وثُلُثَهُ وطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ ) (5)

________________________________________

1 ـ البخاري ج 4 باب صفة إبليس وجنوده.

2 ـ أحمد بن حنبل : المسند 6 / 5.

3 ـ الجصاص : احكام القرآن 1 / 55.

4 ـ البخاري : الصحيح 6 / 13.

5 ـ المزّمّل / 20.

________________________________________

(655)

وما جاء في الرواية انّما يلائم حال الخلفاء الامويين والعباسيين الذين كانت قصورهم تزخر بالجواري والنساء وحاشا النبي الأكرم الذي عبداللّه سبحانه حتّى تورّمت قدماه ونزل قوله سبحانه : ( طه * ما أنْزَلْنا عَلَيْكَ القُرْآنَ لِتَشْقى إلاّ تَذْكِرَهً لِمَنْ يَخْشى ) (1).

    إنّ الرواية وضعت لتبرير أعمال هؤلاء الذين يعرّفهم الامام في كتابه إلى عامله بالبصرة ، عثمان بن حنيف ويقول : « كالبهيمة المربوطة ، همّها علفها ، أو المرسلة شغلها تقمّمها » (2) ولا يهمهم سوى ارضاء البطن والفرج.

    4 ـ والعجب أنّه روي عن عائشة خلاف ذلك وأنّه لم يكن للنبي الأكرم الطروقة وقوة النكاح وكثرة الجماع قالت : إنّ رجلاً سأل رسول اللّه ، عن الرجل يجامع أهله ثم يكسل ( لا ينزل منه المني ) هل عليهما الغسل ؟ وعائشة جالسة فقال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) : إنّي لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل (3).

    حاشا نبيّ العظمة والقداسة أن يتفوّه بحضرة زوجته ما لا يتكلّم به إلاّ الإنسان الماجن ، المنهمك في الشهوات البهيمية ، واللّه سبحانه يصف حياءه بقوله : ( فَإذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا ولا مُسْتَأْنِسينَ لِحَديثٍ إنَّ ذلِكُمْ كانَ يُوذِى النَّبِىَّ فَيَسْتَحْيِى مِنْكُمْ واللّهُ لا يَسْتَحْيِى مِنَ الحَقِّ ) (4).

    هذه نماذج من الأحاديث الواردة في أصح الكتب عند أهل السنّة ، لا أظن أنّ من يملك شيئاً من الدراية يحتمل صحّتها ، وهذا يدفع كلّ مسلم واع إلى دراسة هذه الكتب من جديد ، وتنزيه الحديث النبوي عن هذه الأباطيل ، ولعلّك إذا رجعت إلى

________________________________________

1 ـ طه / 1 ـ 2.

2 ـ الرضي : نهج البلاغة ، قسم الكتب 45.

3 ـ مسلم : الصحيح 1 / 186 باب وجوب الغسل بالتقاء الختانين.

4 ـ الأحزاب / 53.

________________________________________

(656)

الجزء الأوّل من موسوعتنا في مجال التوحيد والتنزيه تجد هناك أحاديث لا يصدقها العقل ولا النقل.

    التاسع : لقد ذكر أبو زهرة سبب نمو المذهب الامامي ، وقال :

    « لقد نما هذا المذهب وانتشر لأسباب :

    1 ـ إنّ باب الاجتهاد مفتوح عند الشيعة ، وهذا يفتح باب الدراسة لكل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والننفسية.

    2 ـ كثرة الأقوال في المذهب ـ أي في المسائل الفقهية النظرية ـ واتّساع الصدر للاختلاف مادام كل مجتهد يلتزم المنهاج المسنون ، ويطلب الغاية التي يبتغيها من يريد محص الشرع الاسلامي ، خالصاً غير مشوب باية شائبة من هوى.

    3 ـ إنّ المذهب الجعفري قد انتشر في أقاليم مختلفة الألوان من الصين إلى بحر الظلمات حيث اوربا وما حولها ، وتفريق الأقاليم التي تتباين عاداتهم وتفكيرهم وبيئاتهم الطبيعية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية. إنّ هذا يجعل المذهب كالنهر الجاري في الأرضين المختلفة الألوان ، يحمل في سيره ، ألوانها وأشكالها من غير أن تتغير في الجملة عذوبته.

    4 ـ كثرة علماء المذهب الذين يتصدّون للبحث والدراسة وعلاج المشاكل المختلفة ، وقد آتى اللّه ذلك المذهب من هؤلاء العلماء عدداً وفيراً عكفوا على دراسة وعلاج المشاكل على مقتضاه (1).

    العاشر : نجد بعض المشاغبين يتّهمون الشيعة بالقول بالتحريف ، بحجة أنّ لدى الشيعة مصحفاً باسم « مصحف فاطمة » واختصاصه بها كاشف عن مغايرته مع المصحف الرائج.

________________________________________

1 ـ أبو زهرة : الامام الصادق ، بتلخيص محمّد جواد مغنية في كتابه الشيعة والتشيّع 225.

________________________________________

(657)

    إنّ هذا المشاغب ، لم يقرأ تاريخ الشيعة ولم يقف على كلمات أئمتهم حول هذا المصحف. وزعم أنّ المصحف بمعنى القرآن ، وغفل عن أنّ المقصود منه ، هو الكتاب قال سبحانه : ( وَ إذا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ) (1) وقد أملى النبيّ الأكرم في مجالي العقيدة والتشريع والملاحم اُموراً على ابنته وزوجها فجمعت في « صحف مكرمة » ، سميت مصحف فاطمة. وهذا هو الامام الصادق حفيد فاطمة الطاهرة وهو من أهل البيت ، وهم أدرى بما في البيت ، يحدّثنا عن هذا المصحف ويقول : عندنا مصحف فاطمة أما واللّه ما فيه حرف من القرآن ولكنّه املاء من رسول اللّه.

    روى الكليني انّ المنصور سأل فقهاء أهل المدينة عن مسألة في الزكاة فما أجابه عنها إلاّ الإمام الصادق ولمّا سَئِل من أين أخذ هذا ؟ قال : من كتاب فاطمة (3).

    نرى انّ الامام يعبّر عن مصحف فاطمة بكتاب ، مشيراً إلى أنّه كتاب لا قرآن يختص به.

    فإذا كان الغرض هو التعرّف على الواقع فهذا هو الواقع. وإن كان الهدف هو الشغب فالاُولى بهذه النسبة هي عائشة ، روى السيوطي أنّه قالت حميدة بنت أبي يونس : قرأ أبي وهو ابن ثمانين سنة في مصحف عائشة : انّ اللّه وملائكته يصلّون على النبي يا أيّها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليما وعلى الذين يصلّون في الصفوف الاُولى (2).

________________________________________

1 ـ التكوير / 10.

2 ـ الكليني الكافي 3 / 507 ط طهران.

3 ـ الاتقان 2 / 25.

________________________________________

(658)

    هذه من الشيعة الامامية وهذا تاريخها المشرق وهؤلاء أئمتها أئمة أهل البيت وهذه عقائدها الوضّاءة ، وهؤلاء علماؤها وأبطالها المشاركون في بناء الحضارة الإسلامية وهذه وهذه وهذه.