الاِسماعيلية 2

الفصل السابع

في

أئمة المستعلية

 

الاِمام الاَوّل

المستعلي باللّه

(467 ـ 495 هـ)

    قد ذكرنا ـ فيما سبق ـ أنّالمستنصر قد عهد في حياته بالخلافة لابنه « نزار » وقد بويع بعد وفاة أبيه ، ولكن خلعه الاَفضل وبايع المستعلي باللّه ، وسبب خلعه أنّ الاَفضل ركب مرّة أيّام المستنصر ، ودخل دهليز القصر من باب الذهب راكباً ، و « نزار » خارج ، والمجاز مظلم ، فلم يره الاَفضل ، فصاح به نزار : انزلْ ، يا أرمني ، كلب ، عن الفرس ، ما أقلَّ أدبَك. فحقدها عليه ، فلما مات المستنصر خلعه خوفاً منه على نفسه ، وبايع المستعلي ، فهرب نزار إلى الاسكندرية ، وبها ناصر الدّولة « افتكين » ، فبايعه أهل الاسكندرية ، وسمّوه المصطفي لدين اللّه ، فخطب بالناس ، ولعن الاَفضل ، وأعانه أيضاً القاضي جلال الدّولة ابن عمار ، قاضي الاسكندرية ، فسار إليه الاَفضل ، وحاصره بالاسكندرية ، وأخذ « افتكين » فقتله ، وتسلّم المستعلي نزاراً فبنى عليه حائطاً فمات ، وقتل القاضي جلال الدولة ابن عمار ومن أعانه. (1)

    وحيث إنّه لم يتم الاتّفاق على إمامة هوَلاء فقد عقدنا لهم فصلاً مستقلاً.

    يقول ابن خلكان : وكانت ولادة المستعلي (أحمد بن معد) لعشر ليال بقين من محرم سنة تسع وستين وأربعمائة ، بالقاهرة وبويع في يوم عيد غدير خم ، وهو الثامن عشر من ذي الحجة سنة سبع وثمانين وأربعمائة ، وتوفي بمصر يوم الثلاثاء

________________________________________

    1 ـ ابن الاَثير : الكامل في التاريخ : 10/237 ـ 238 ، دار صادر.

________________________________________

(144)

لثلاث عشرة ليلة بقيت من صفر سنة خمس وتسعين وأربعمائة ، وله من العمر ثمان وعشرون سنة وأيام (1) فكانت مدّة ولايته سبع سنين وكسراً ، وتولّ ـ ى بعده ولدُه أبو علي المنصور ، الملقب بالآمر ، وله من العمر خمس سنين وشهر وأربعة أيام ، ولم يكن في من تسمى بالخلافة قط أصغر منه ، ومن المستنصر ، وكان المستنصر أكبر من هذا ، ولم يقدر يركب وحده الفرس ، وقام بتدبير دولته الاَفضل ابن أمير الجيوش ، أحسن قيام ، إلى أن قتل. (2)

 

الاِمام الثاني

الآمر بأحكام اللّه

(490 ـ 524 هـ)

    هو منصور بن أحمد ، ولد في القاهرة في الثالث عشر من محرم ، وبويع بالخلافة يوم وفاة والده في الثالث عشر من صفر سنة 495 هـ ، وكان له من العمر خمس سنوات ، وفي عهده سقطت مدينة « صور » بأيدي الصليبيين ، وذلك بعد سقوط انطاكية وبيت المقدس وقيصارية وعكا وبانياس وطرابلس ، وأكثرها كانت فاطميّة.

    من آثاره العمرانية الجامع الاَقمر في القاهرة ، وتجديد قصر القرافة ، وفتح مكتبة دار العلوم للمطالعة والتدريس ، قتله النزاريون انتقاماً لاِمامهم نزار ، وكان في هودج يقوم بالنزهة بين الجزيرة والقاهرة ، وقد حُمل إلى القصر ، ولكنّه لم يلبث

________________________________________

    1 ـ لو كان له من العمر ثمان وعشرون عاماً عند الوفاة لكانت ولادته عام 467 ، لا ما ذكره من انّولادته 469 هـ .

    2 ـ ابن خلكان : وفيات الاَعيان : دار صادر : 1/180.

________________________________________

(145)

أن فارق الحياة في الرابع عشر من ذي القعدة سنة 524 هـ ، وكان عمره 34 عاماً وتسعة أشهر وعشرين يوماً. (1)

    قال ابن خلكان : ولما انقضت أيّامه ، خرج من القاهرة صبيحة يوم الثلاثاء في الثالث من ذي القعدة سنة 524 هـ ونزل إلى مصر ، وعدى على الجسر إلى الجزيرة التي قبالة مصر ، فكمُن له قوم بالاَسلحة وتواعدوا على قتله في السّكة التي يمر فيها ، فلمّا مرّ بهم وثبوا عليه فلعبوا عليه بأسيافهم ، وكان قد جاوز الجسر وحده مع عدّة قليلة من غلمانه وبطانته وخاصته وشيعته ، فحُمل في النيل في زورق ولم يمت ، وأُدخل القاهرة وهو حيٌّ ، وجيء به إلى القصر من ليلته ، فمات ولم يعقب ، وهو العاشر من أولاد المهدي عبيد اللّه القائم بسجلماسة ، إلى أن يقول : وكان ربعة ، شديدَ الاَدمة ، جاحظ العينين ، حسن الخط والمعرفة والعقل. (2)

    ومع هذا فيصفه بكونه « قبيح السيرة ، ظلم الناس وأخذ أموالهم وسفك دماءهم ، وارتكب المحذورات واستحسن القبائح المحظورات ، فابتهج الناس بقتله ». (3)

   

    ولا يخفى وجود التضاد بين الوصفين ، فلو كان حسن المعرفة والعقل لما قبحت سيرته وما أخذ أموالَ الناس ولا أراق دماءهم. واللّه العالم.

    وكان يطم ـ ع إلى عرش العباسيين في العراق ، ولكنَّ الاَحداث الداخليّة حالت بينه وبين أُمنيته.

    يقول المقريزي : و كانت نفسه تحدّثه بالسفر والغارة على بغداد ، ومن شعره في ذلك :

________________________________________

    1 ـ عارف تامر : الاِمامة في الاِسلام : 190 ـ 191.

    2 ـ ابن خلكان : وفيات الاَعيان : 5/301 ـ 302 ، و لاحظ الخطط المقريزية : 1/357 و 2/290.

    3 ـ وفيات الاَعيان : 5/302.

________________________________________

(146)

دع اللوم عني لست مني بموثقوأسقى جيادي من فرات ودجلة           فلابدّ لي من صدمة المتحققوأجمع شمل الدين بعد التفرق

    وقال :

أما والذي حجّت إلى ركن بيتهلاقتحمن الحرب حتى يقال ليو ينزل روح اللّه عيسى ابن مريم           جراثيم ركبان مقلّدة شهباملكت زمام الحرب فاعتزل الحربافيرضى بنا صحباً ونرضى به صحبا (1)

    والمهم في تاريخه ، أنّه قتل الاَفضل الذي مَهّدَ الطريقَ لاَبيه المستعلي في زمانه ، ويقال أنّه قتل بأشارة أو موَامرة الآمر بأحكام اللّه.

    يقول المقريزي : وفي يوم الثلاثاء ، السابع عشر من صفر ، سنة خمس وتسعين ، أحضره الاَفضل بن أمير الجيوش ، وبايع له ونصبه مكان أبيه ، ونعته بالآمر بأحكام اللّه ، وركب الاَفضل فرساً ، وجعل في السّرج شيئاً ، وأركبه عليه لينمو شخص الآمر ، وصار ظهره في حجر الاَفضل ، فلم يَزلْ تحت حجره حتّى قتل الاَفضل ليلة عيد الفطر سنة خمس عشرة وخمسمائة. (2)

    وقد مرّ آنفاً قول ابن خلكان بأنّ الآمر بأحكام اللّه مات ولم يعقب ، وربَّما يقال أنّالآمر مات وامرأته حامل بالطّيب ، وربّما يقال بأنّ امرأته ولدت أُنثى ، فلاَجل ذلك عهد الآمر بأحكام اللّه الخلافة إلى الحافظ ، الظافر ، الفائز ، ثمّ إلى العاضد.

    و سنتطرق إلى حياة الاَئمة الاَربعة الذين لم يكونوا من صُلب الاِمام السابق ، بل كانوا من أبناء عمّه ، ولاَجل ذلك لا تصح تسميتهم بالاَئمة ، وإنّما

________________________________________

    1 ـ المقريزي : الخطط : 2/191.

    2 ـ المقريزي : الخطط : 2/290.

________________________________________

(147)

هم دعاة ، حيث لم يكن في الساحة إمام ، ودخلت الدعوة المستعلية بعد اختفاء الطيِّب بالستر ، وما تزال تنتظر دعوته ، وتوقفت عن السير وراء الركب الاِمامي ، واتبعت نظام الدعاة المطلقين. (1)

 

الاِمام الثالث

الحافظ لدين اللّه

(467 ـ 544 هـ)

    ولد بعسقلان سنة 467 هـ ، عندما مات الآمر ، وتوفي في الخامس من جمادى الاَُولى سنة 544 هـ ، فدامت دولته عشرين سنة سوى خمسة أشهر ، وعاش سبع وسبعين سنة ، وقام بعده ولده الظاهر. (2)

    عبد المجيد الملقب بالحافظ ، ابن أبي القاسم محمد بن المستنصر ، بويع بالقاهرة يوم مقتل ابن عمّه الآمر ، بولاية العهد وتدبير المملكة ، حتى يظهر الحمل المخلف عن الآمر ، فغلب عليه أبو علي أحمد بن الاَفضل ، في صبيحة يوم مبايعته ، وكان الآمر لمّا قتل الاَفضل اعتقل جميع أولاده وفيهم أبو علي المذكور ، فأخرجه الجند من الاعتقال لما قُتل الآمر ، وبايعوه فسار إلى القصر ، وقبض على الحافظ المذكور ، واستقلّ بالاَمر وقام به أحسن قيام ، وردّ على المصادرين أموالهم ، وأظهر مذهب الاِماميّة وتمسك بالاَئمّة الاثني عشر ، ورفض الحافظ وأهل بيته ، ودعا على المنابر للقائم في آخر الزمان المعروف بالاِمام المنتظر على زعمهم ، وكتب اسمه على السّكة ، ونهى أن يوَذن (حي على خير العمل) وأقام كذلك ، إلى أن وثب عليه

________________________________________

    1 ـ عارف تامر : الاِمامة في الاِسلام : 191.

    2 ـ ابن خلكان ، وفيات الاَعيان : 3/236 ، دار صادر.

________________________________________

(148)

رجل من الخاصّة بالبستان الكبير بظاهر القاهرة ، في النصف من المحرم سنة ست وعشرين وخمسمائة فقتله ، وكان ذلك بتدبير الحافظ ، فبادر الاَجناد بإخراج الحافظ ، وبايعوه ولقبوه الحافظ ، ودعي له على المنابر. (1)

 

الاِمام الرابع

الظافر بأمر اللّه

(527 ـ 549 هـ)

    هو إسماعيل بن عبد المجيد ولد في القاهرة يوم الاَحد منتصف شهر ربيع الآخر سنة سبع وعشرين وخمسمائة ، واغتيل في منتصف محرم سنة 549 هـ ، بويع الظافر يوم مات أبوه ، بوصيّة أبيه ، وكان أصغر أولاد أبيه سناً ، ولي الاَمر بعد أبيه وكان شاباً جميلاً.

    وهو الذي انشأ الجامع المعروف بجامع الفاكهيين ، قتله نصر بن عباس أحد أبناء وزرائه ، وقد ذكر الموَرخون سبب قتله وتفصيله ، فمن أراد فليراجع. (2)

    وعاش الظافر 22 سنة.

________________________________________

    1 ـ وفيات الاَعيان : 3/235 ـ 236 ، و سير أعلام النبلاء : 15/199.

    2 ـ المقريزي : الخطط : 2/30 وذكره بايجاز ابن خلكان في وفيات الاَعيان : 1/237 ، والذهبي في سير أعلام النبلاء : 15/204.

________________________________________

(149)

الاِمام الخامس

الفائز بنصر اللّه

(544 ـ 555 هـ)

    هو عيسى بن إسماعيل ولد عام 544 هـ ، وتسلّم الخلافة وله خمس سنين ، وبقى على سدّة الخلافة ست سنين ، ولَمّا اُغتيل أبوه ، أقامه الوزير عباس مكان والده ، تغطية لِما ارتكبه ابنُه من قتل الاِمام الظافر ، فلمّا قدم طلائع بن رزيك ، والي الاشمونين بمجموعة إلى القاهرة ، فرّ عباس ، واستولى طلائع على الوزارة ، وتلقّب بالصالح ، وقام بأمر الدولة ، إلى أن مات الفائز لثلاثة عشرة بقيت من رجب سنة 555 هـ عن إحدى عشرة سنة وستة أشهر ويومين ، منها في الخلافة ست سنين وخمسة أشهر وأيام. (1)

 

الاِمام السادس

العاضد لدين اللّه

(546 ـ 567 هـ)

    هو عبد اللّه بن يوسف ولد عام 546 هـ وتوفي عام 567 هـ ، وهو عبد اللّه ابن يوسف بن عبد المجيد بن محمد بن المنتصر ، أقامه طلائع بن رزيك ، بعد الفائز ، ولي المملكة بعد وفاة ابن عمّه الفائز بنصر اللّه ، وكان العاضد شديدَ التشيّع ، بويع وعمره آنذاك إحدى عشرة سنة ، وقام الصالح بن رزيك ، أخو طلائع بن رزيك ، بتدبير الاَُمور ، إلى أن قتل في رمضان سنة 556 هـ فقام من بعده

________________________________________

    1 ـ المقريزي : الخطط : 1/357 ، لاحظ وفيات الاَعيان : 3/291 ، رقم الترجمة 514 ، والذهبي : سير اعلام النبلاء : 15/207 رقم الترجمة 78 ، وقصد فصل الاَخيران الكلام في حياته.

________________________________________

(150)

ابنه رزيك بن طلائع ، وحسنت سيرته.

    يقول المقريزي : فلما قوى تمكّن الافرنج في القاهرة عام 564 هـ ، وجاروا في حكمهم بها ، وركبوا المسلمين بأنواع الاِهانة ، فسار مري ملك الافرنج يريد أخذ القاهرة ، ونزل على مدينة بلبيس وأخذها عنوة ، فكتب العاضد إلى نور الدين محمود بن زنكي صاحب الشام يستصرخه ويحثّه على نجدة الاِسلام وإنقاذ المسلمين من الافرنج ، فجهّز أسد الدين شيركوه في عسكر كثير ، وسيّرهم إلى مصر ، فلما اطّلع الافرنج على قدوم شيركوه ، رحلوا عن القاهرة في السابع من ربيع الآخر ، ونزل شيركوه بالقاهرة ، فخلع عليه العاضد وأكرمه ، وتقلّد وزارة العاضد وقام بالدولة شهرين وخمسة أيّام ، ومات في الثاني والعشرين من جمادى الآخرة ، ففوض العاضد الوزارة لصلاح الدين يوسف بن أيوب ، فساس الاَُمور ودبّر لنفسه ، فبذل الاَموال وأضعف العاضد باستنفاد ما عنده من المال ، فلم يزل أمرُهُ في ازدياد ، وأمر العاضد في نقصان ، واستبدَّ بالاَُمور ومنع العاضد من التصرّف حتى تبيّ ـ ن للناس ما يريده من إزالة الدولة ، إلى أن كان من واقعة العبيد ما كان فأبادهم وأفناهم ، و من حينئذٍ تلاشى العاضد وانحل أمره ولم يبق له سوى إقامة ذكره في الخطبة ، وتتبع صلاح الدين جُندَ العاضد ، وأخذ دور الاَُمراء ، وإقطاعاتهم ، فوهبها لاَصحابه ، وبعث إلى أبيه وإخوته وأهله فقدموا من الشام عليه ، وعزل قضاة مصر الشيعة ، واختفى مذهب الشيعة إلى أن نسي من مصر ، وقد زاد المضايقات على العاضد وأهل بيته ، حتى مرض ومات ، وعمره إحدى وعشرون سنة إلاّ عشرة أيّام ، وكان كريماً ليّ ـ ن الجانب مرّت به مخاوف وشدائد ، وهو آخر الخلفاء الفاطميين بمصر ، وكانت مدّتهم بالمغرب ، ومصر ، منذ قام عبيد اللّه المهدي إلى أن مات العاضد 272سنة ، منها بالقاهرة 208 سنين فسبحان الباقي. (1)

________________________________________

    1 ـ المقريزي ، الخطط : 1/358 ـ 359 باختصار ، وابن خلكان : وفيات الاَعيان : 3/109 ـ 112 ، والذهبي : سير اعلام النبلاء : 15/207 ـ 215.

(151)

جناية التاريخ على الفاطميين

    إنّ لكلّ دول ةأجلاً مسمّى ، كما أنّ لطلوعها ونشوئها عللاً ، كذلك لزوالها وإبادتها أسباباً سنّة اللّه سبحانه الذي قد كتب على كلّأُمّة أمرَ زوالها وفنائها قال سبحانه : « كُلّ مَنْ عَلَيْها فانٍ * وَ يَبْقى وَجْهُ رَبّكَ ذُو الجَلالِ وَ الاِِكْرام » (1) وقال سبحانه : « ما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلد أفَإن متّ فَهُمُ الْخاِلدُون » . (2)

    لا شكّ أنّكلَّ دولة يرأسها غيرُ معصوم لا تخلو من أخطاء وهفوات ، بل من جرائم وآثام ، وربّما تنتابها بين آونة وأُخرى حوادث وفتن ، تضعضع كيانها وتشرفها على الانهيار.

    ومع ذلك فالدولة الفاطميّة غير مستثناة عن هذا الخط السائد ، فقد كانت لديهم زلاّت وعثرات ومآثم وجرائم كسائر الدول.

    إلاّ أنّهم قاموا بأعمال ومشاريع كبيرة لا تقوم بها إلاّالدولة الموَمنة باللّه سبحانه وشريعته ، كالجامع الاَزهر ، ـ الذي ظل عبر الدهور يُنير الدرب لاَكثر من ألف سنة ـ ، كما أنّهم أنشأوا جوامع كبيرة ، ومدارس عظيمة مذكورة في تاريخهم ، وبذلك رفعوا الثقافة الاِسلامية إلى مرتبة عالية ، وتلك الاَعمال جعلت لهم في قلوب الناس مكانة عالية.

    وممّا يدلّ على أنّ حكمهم لم يكن حكماً استبدادياً ، ولم تكن سيرتهم على سفك الدماء ، أنّ البعضَ منهم تسلموا الخلافة وهم بين خمس سنين إلى عشر سنين ، فلوكانت حكومتهم حكومة ظالمة ومالكة للرقاب بالتعسف والظلم ، لانهار ملكهم منذ أوائل خلافتهم ، ولم يدم ثلاثة قرون ، وسط عدوّين شرسين ، الخلافة العباسيّة من جانب ، والافرنج من جانب آخر.

    غير أنّا نرى أنّ أكثر الموَرّخين يصوّرونهم كالفراعنة ، وأنّهم فراعنة الاَعصار

________________________________________

    1 ـ الرحمن : 26 ـ 27.

    2 ـ الاَنبياء : 34.

________________________________________

(152)

الاِسلامية ، كالقبطيين الذي كانوا فراعنة أعصارهم ، لا لم يكونوا بهذه المثابة ، كما لم يكونوا نزيهين عن الآثام ، خلطوا المحاسن بالمساوىَ ، شأن كلّ ملك يحكم ، وإن كانت محاسنهم أكثر من مساوئهم ، فأظن أنّ ما كتبته أقلام السير والتاريخ كلّها حدسيّات وتخمينات أخذوها من رماة القول على عواهنه ، فيجب على القارىَ دراسة سيرة الفاطميين من رأس وأخذها من معين صاف غير مشوب بالعداء.

    والذي يدل على ذلك أنّ الفقيه عمارة اليمني كتب إلى صلاح الدين قصيدة متضمنة شرح حاله وضرورته وسماها « شكاية المتظلم ونكاية المتألم » وهي بديعة ورثى أصحاب القصر عند زوال ملكهم ، بقصيدة لاميّة أجاد فيها. (1)

    وعلى كلّ تقدير ، فبعد وفاة الطيّب بن الآمر وخلافة الاَئمّة الاَربعة المتأخرة ، الحافظ ، الظافر ، الفائز ثمّ العاضد ، دخلت الدعوة المستعلية بالستر وتوقفت عن السير وراء الركب الاِمامي واتبعت نظام الدعاة مكان الاَئمّة.

    إلى هنا تم بيان أئمة المستعلية ، التي افترقت بعد المستنصر باللّه ، وصارت فرقة عظيمة معروفة بالبهرة ، ولهم اليوم في الهند نشاطات ، ومدارس ودعايات ، وهم يمسكون بكتبهم عن الغير ويبخلون بها.

    إنّ الاِسماعيلية المستعلية انقسمت سنة 999 هـ إلى فرقتين : داودية ، وسليمانية ، وذلك بعد وفاة الداعي المطلق ، داود بن عجب شاه ، انتخبت مستعلية كجرات داود بن قطب شاه خلفاً له ، ولكن اليمانيين عارضوا ذلك وانتخبوا داعياً آخراً ، يدعى سليمان بن الحسن ، ويقولون : إنّ داود قد أوصى له بموجب وثيقة ما تزال محفوظة.

    إنّ الداعي المطلق ، للفرقة الاِسماعيلية المستعلية الداودية اليوم ، هو طاهر سيف الدين ، ويقيم في بومباي ـ الهند ـ أمّا الداعي المطلق للفرقة المستعلية السليمانية ، فهو علي بن الحسين ، ويقيم في مقاطعة نجران بالحجاز. (2)

________________________________________

    1 ـ ابن خلكان : وفيات الاَعيان : 434.

    2 ـ عارف تامر : الاِمامة في الاِسلام : 162.

________________________________________

(153)

الفصل الثامن

في

أئمة النزارية

الموَمنية والآغاخانية

 

________________________________________

(154)

________________________________________

(155)

قد عرفت أنّ الاِسماعيلية افترقت فرقتين ، بين مستعلية تأتم بعد المستنصر باللّه ، بأحمد المستعلي ، ثمّ الآمر بأحكام اللّه؛ ونزارية تقول : بإمامة نزار بن معد بعد المستنصر ، ولا تأتم بالمستعلي أبداً ، وقد تعرّفت على أئمّة المستعلية ، وهذا بيان لاَئمّة النزارية المشتركة بين الفرقتين « الموَمنية » و « الآغاخانية » ، فإنّ الفرقتين تتفقان على إمامة الاَئمة الخمسة التالية :

    1 ـ المصطفى باللّه نزار بن معد المستنصر.

    2 ـ الاِمام جلال الدين حسن بن أعلى محمد.

    3 ـ الاِمام علاء الدين بن الاِمام جلال الدين.

    4 ـ الاِمام ركن الدين خورشاه بن الاِمام علاء الدين.

    5 ـ الاِمام شمس الدين بن ركن الدين.

    وقد اتّفقت الفرقتان على إمامة الاَئمّة الخمسة في مسلسل أئمّتهما ، واختلفتا في غيرهم ، فإليك قائمة بأسماء أئمّة النزارية الموَمنية أوّلاً ، ثمّ قائمة بأسماء أئمّة النزارية « الآغاخانية » أو « القاسمية » ثانياً ، وترى أسماء الاَئمّة المتفق عليهم في كلتا القائمتين.

 

________________________________________

(156)

قائمة الاَئمّة النزارية الموَمنية :

    1 ـ نزار بن معد.

    2 ـ حسن بن نزار.

    3 ـ محمد بن الحسن.

    4 ـ حسن بن محمد « جلال الدين ».

    5 ـ محمد بن الحسن « علاء الدين ».

    6 ـ محمود بن محمد « ركن الدين ».

    7 ـ محمد بن محمود « شمس الدين ».

    8 ـ موَمن بن محمد.

    9 ـ محمد بن موَمن.

    10 ـ رضي الدين بن محمد.

    11 ـ طاهر بن رضي الدين.

    12 ـ رضي الدين الثاني بن طاهر.

    13 ـ طاهر بن رضي الدين الثاني.

    14 ـ حيدر بن طاهر.

    15 ـ صدر الدين بن حيدر.

    16 ـ معين الدين بن صدر الدين.

    17 ـ عطية اللّه بن معين الدين.

    18 ـ عزيز بن عطية اللّه.

    19 ـ معين الدين الثاني بن عزيز.

    20 ـ محمد بن معين الدين الثاني.

    21 ـ حيدر بن محمد.

    22 ـ محمد بن حيدر (الاَمير الباقر). (1)

    ولد هذا الاِمام الاَخير في أورنك آباد عام 1179 هـ ، لقبه محمد الباقر (وتوفي سنة 1210 هـ) ، كلّ ما عرف عنه حتى الآن ، هو أنّه آخر إمام من أسرة موَمن ، يحتفظ الاِسماعيليون في سوريا بفرمان مرسل منه ، من بلدة أورنك آباد بالهند ، إلى الاِسماعيليين في سوريا ، وفي عهده توقف الفرع الموَمني النزاري عن الركب الاِمام ـ ي ، ولم يبق بين فرق الاِسماعيليين سوى القاسمية ـ الآغاخانية ـ سائرة على المنهج دون توقف. (2)

________________________________________

    1 ـ الاِمامة في الاِسلام : 178.

    2 ـ الاِمامة في الاِسلام : 214.

________________________________________

(157)

قائمة الاَئمّة النزارية القاسمية ـ الآغاخانية :

    1 ـ نزار بن معد.

    2 ـ هادي.

    3 ـ مهتدي.

    4 ـ قاهر.

    5 ـ حسن على ذكره السلام.

    6 ـ أعلى محمد.

    7 ـ جلال الدين حسن.

    8 ـ علاء الدين محمد.

    9 ـ ركن الدين خورشاه.

    10 ـ شمس الدين محمد.

    11 ـ قاسم شاه.

    12 ـ اسلام شاه.

    13 ـ محمد بن اسلام.

    14 ـ المستنصر باللّه الثاني.

    15 ـ عبد السلام.

    16 ـ غريب ميرزا.

    17 ـ أبو الذر علي.

    18 ـ مراد ميرزا.

    19 ـ ذو الفقار علي.

    20 ـ نور الدين علي.

    21 ـ خليل اللّه علي.

    22 ـ نزار علي.

    23 ـ السيد علي.

    24 ـ حسن علي.

    25 ـ قاسم علي.

    26 ـ أبو الحسن علي.

    27 ـ خليل اللّه علي.

    28 ـ حسن علي.

    29 ـ علي شاه.

    30 ـ سلطان محمد شاه

    31 ـ كريم خان. (1)

    فعدد الاَئمّة عند النزارية الموَمنية بعد المستنصر يبلغ 22 إماماً ، وعند الآغاخانية يبلغ 31 إماماً.

________________________________________

    1 ـ الاِمامة في الاِسلام : 178.

________________________________________

(158)

    إنّ الاختلاف بدأ يدبُ بعد الاِمام نزار ابن المستنصر ، ففي الشجرة الموَمنية نرى إمامين بعد نزار ، هما : حسن ، ومحمد ، ثمّ حسن جلال الدين ، وفي الشجرة القاسميّة نرى خمسة أئمّة بعد نزار ، هم : هادي ، ومهتدي ، وقاهر ، وحسن على ذكره السلام ، وأعلى محمد ، ثم يأتي جلال الدين حسن ، هذا ويلاحظ أنّه بعد هذا الالتقاء عند حسن جلال الدين ، تعود الشجرتان إلى السير جنباً إلى جنب حتى محمد شمس الدّين ، فبعد وفاة هذا الاَخير ظهر اختلاف من نوع جديد ، فالمعلوم أنّه كان للاِمام محمد شمس الدين ثلاثة أولاد ، هم : موَمن شاه ، وقاسم شاه ، وكياشاه.

    فالموَمنيّة اعترفت بإمامة موَمن شاه ، وسارت وراءه ، ووراء ولده من بعده حتى آخرهم أمير محمد باقر سنة 1210 هـ ، والقاسميّة سارت وراء قاسم شاه ، وولده الذين هم أسرة آغاخان. (1)

    ثمّ إنّ بسط الكلام في ترجمة هوَلاء الاَئمّة يحوجنا إلى تأليف كتاب مفرد ، ولنقتصر على ترجمة الاَئمّة الذين حكموا قلعة آلموت من قلاع قزوين ، التي دمّرها هولاكو سنة 654 هـ . وكان آخر الاَئمّة في تلك القلاع الاِمام ركن الدين ، الذي ولد عام 625 هـ وأُسّر بيد جيوش التتر ، وقتل سنة 654 هـ عند ما كانت الجيوش التترية تعبر نهر جيحون لتسليم الاِمام والاَسرى إلى هولاكو.

    وأمّا الباقي فسنترك ذكر سيرتهم ، ومن أراد المزيد فليرجع إلى المصادر التالية :

    1 ـ الاِمامة في الاِسلام تأليف عارف تامر ، 2 ـ تاريخ الدعوة الاِسماعيلية لمصطفى غالب.

________________________________________

    1 ـ الاِمامة في الاِسلام : 171.

________________________________________

(159)

الاِمام الاَوّل

المصطفى باللّه

نزار بن معد المستنصر

(437 ـ 490 هـ)

    قد تعرفت على أنّالمستنصر عهد بالولاية لابنه نزار إلاّ أنّ الاَفضل رئيس الوزراء ، سعى لخلعه ، وبايع أخاه الاَصغر أحمد المستعلي ، وقد ذكرنا سبب هذا الخلاف ، فغادر الاِمام نزار القاهرة بصحبة عدّة من رجال دعوته ، ونزل الاسكندرية بدعوة من حاكمها ، فسار إليه الاَفضل على رأس جيش وحاصر الاسكندرية ، وعندما اشتدَّ الحصار عليها غادرها الاِمام نزار مع أهل بيته متخفّياً بزي التجار ، نحو « سجلماسة » حيث مكث عند عمّته هناك بضعة أشهر ، حتى عادت إليه الرسل التي أوفدها لاِبلاغ الحسن بن الصباح عن محل إقامته ، فسار إلى جبال الطالقان مع أهل بيته ومن بقي معه من دعاته وخدمه ، حيث استقر بقلعة « آلموت » بين رجال دعوته المخلصين ، وعمل مع الحسن بن الصباح على تأسيس الدولة النزارية ، وبعد أن تمّ له ذلك أصابه مرض شديدٌ استدعى على أثره دعاته ونص على إمامة ابنه (علي) وذلك سنة 490 هـ ، وتوفي في اليوم الثاني ودفن في قلعة الموت. (1)

    هذا ما يذكره ذلك الموَرخ ، ولكنَّ غيره من الموَرخين يذكرون شيئاً آخر ، وهو أنّالاَفضل لحق به ونشبت بينهم معارك ضارية انتهت بمقتل نزار ، وقد انتقم

________________________________________

    1 ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 255.

________________________________________

(160)

النزاريون بمقتله فيما بعد بأن قتلوا الخليفة الفاطمي الآمر بن المستعلي ، ورئيس الوزراء الاَفضل نفسه. وعلى كلّتقدير فقد توفي عام 490 هـ إمّا في الاسكندرية مقتولاً ، أو في قلعة آلموت. (1)

    وتجدر الاِشارة إلى أنّ الحسن بن الصباح شيخ الجبل(428 ـ 518 هـ) هو الموَسس الواقعي للاِمامة النزارية ، ولولا بيعته لابن المستنصر لما كان للنزارية دولة.

    إنّ ابن الصباح قصد المستنصر باللّه في زياراته واجتمع به ، وخاطبه في إقامة الدعوة له فأجاب الدعوة له في بلاد العجم ، فعاد ودعا الناس إليه سراً ، ثمّ أظهرها وملك قلاع آلموت.

    يقول الجزري : وكان الحسن بن الصباح رجلاً شهماً ، كافياً ، عالماً بالهندسة ، والحساب ، والنجوم والسحر وغير ذلك؛ وكان رئيس الري إنسان يقال له أبو مسلم ، وهو صهر نظام الملك ، فاتهم الحسن بن الصباح بدخول جماعة من دعاة المصريين عليه ، فخافه ابن الصباح ، وكان نظام الملك يكرمه ، وقال له يوماً من طريق الفراسة : عن قريب يضل هذا الرجل ضعفاء العوام ، فلمّا هرب الحسن من أبي مسلم طلبه فلم يدركه ، فطاف البلاد ، ووصل إلى مصر ودخل على المستنصر صاحبها فأكرمه وأعطاه مالاً ، وأمره أن يدعو الناس إلى إمامته ، فقال له الحسن : فمن الاِمام بعدك؟ فأشار إلى ابنه نزار ، وعاد من مصر إلى موطنه ، فلمّا رأى قلعة آلموت واختبر أهل تلك النواحي ، أقام عندهم وطمع في إغوائهم ودعاهم في السر ، وأظهر الزهد ، ولبس المسح ، فتبعه أكثرهم ، والعلوي صاحب القلعة حسن الظن فيه ، يجلس إليه يتبرك به.

    فلمّا أحكم الحسن أمره ، دخل يوماً على العلوي بالقلعة ، فقال له ابن الصباح : اخرج من هذه القلعة ، فتبسم العلوي وظنّه يمزح ، فأمر ابن الصباح

________________________________________

    1 ـ وليعلم أنّنزار بن معد المذكور في المقام غير نزار بن معد العزيز باللّه الاِمام العاشر للاِسماعيلية.

(161)

بعض أصحابه بإخراج العلوي ، فأخرجوه إلى دامغان وأعطاه ماله وملك القلعة.

    و لما بلغ الخبر إلى نظام الملك بعث عسكراً إلى قلعة آلموت ، فحصروه فيها ، وأخذوا عليه الطرق ، فضاق ذرعه بالحصر ، فأرسل من قتل نظام الملك ، فلمّا قتل رجع العسكر عنها. (1)

    وقال الذهبي : الحسن بن الصباح الملقب بالكيا صاحب الدعوة النزارية وجدّ أصحاب قلعة آلموت.

    كان من كبار الزنادقة ومن دهاة العالم ، وله أخبار يطول شرحها ، إلى أن قال : وأصله من مرو ، وقد أكثر التطواف مابين مصر إلى بلد كاشغر ، يغوي الخلق ويضل الجهلة ، إلى أن صار منه ما صار ، وكان قوي المشاركة في الفلسفة والهندسة وكثير المكر والحيل ، بعيد الغور.

    قال أبو حامد الغزالي : شاهدت قصة الحسن بن الصباح لما تزهد تحت حصون آلموت ، فكان أهل الحصن يتمنّون صعوده إليهم ويمتنع ، ويقول : أما ترون المنكر كيف فشا وفسد الناس؟ فتبعه خلق ، ثمّ خرج أمير الحصن يتصيد فنهض أصحابه وملكوا الحصن ، ثمّكثرت قلاعهم. (2)

    واستعرض حسن الاَمين في « دائرة المعارف الشيعية » تاريخ الاِسماعيلية ، والانشقاق الذي طرأ على الخلافة الفاطمية بعد وفاة الخليفة الفاطمي المستنصر ، وانقسامها إلى فرقتين هي : المستعلية والنزارية وموقف الحسن بن الصباح منهما ، حيث قال :

    و كان الحسن بن الصباح من أشد الناس إنكاراً لخلافة أحمد المستعلي وأكثرهم تحمسّاً لنزار. ويضيف قائلاً :

________________________________________

    1 ـ الكامل في التاريخ : 10/316 ـ 317.

    2 ـ الذهبي : ميزان الاعتدال : 1/500.

________________________________________

(162)

    وثمة من يقول من النزاريين إنّ الحسن بن الصباح كان في مصر حين وقوع الخلاف على ولاية العهد ، فلم يقر ما جرى ، وكان ممّن يرون أنّ المستنصر كان مكرهاً على تولية ولده أحمد ، وأنّ الاَمر هو لنزار لا لاَحمد ، ففر الحسن بن الصباح من مصر داعياً لنزار ، ثمّ أرسل بعض فدائييه ، فأحضروا ابناً لنزار إلى قلعة آلموت.

    وفي قول آخر : إنّه لم يخرج من مصر حتى أخرج معه ابناً لنزار ، واسمه في سلسلة الاَئمة النزاريين علي ولقبه الهادي ، فأخفاه الحسن وستره.

    و مهما يكن من أمر فقد أصبح الحسن بن الصباح الرجل الاَوّل والموجه الفعلي للدعوة النزارية.

    وبعد ذلك استعرض حسن الاَمين الانحراف الخطير الذي طرأ على الدعوة النزارية وتخلّيها عن الاِسلام كعقيدة وعمل ، حيث قال :

    توفي الحسن بن الصباح سنة 518 هـ فخلفه من خلفه في قيادة الدعوة النزارية دون أن يعلن هو أو غيره ممّن خلفه عن عقيدة جديدة ، حتى انتهى الاَمر إلى الحسن الثاني بن محمد بن بزرك أُميد سنة 558 هـ ، فإذا به يعلن التخلّي عن الاِسلام كعقيدة وعمل والاَخذ بمفهوم جديد للدين يتعارض كل التعارض مع مفهوم الاِسلام له.

    و يصف الموَرخ علاء الدين عطاء الملك الجويني (م 658 هـ) هذا الاَمر وتفاصيله ويوم حدوثه ، ثمّ يقول :

    فأعلن ـ أي الحسن الثاني ـ أنّرسالة قد جاءته من الاِمام المستتر مع دليل جديد.

    ثمّ قال : « إنّ إمام وقتنا قد بعث إليكم صلواته ورحمته ودعاكم عباده المختارين ، ولقد أعفاكم من أعباء تكاليف الشريعة وآل بكم إلى البعث.

    ثمّ يقول الجويني : وأكد حسن بالتصريح بأنّه كما في عصر الشريعة إذا لم

 

________________________________________

(163)

يطع إنسان ولم يعبد بل تبع حكم القيامة بحجة أنّالطاعة والعبادة هما أمران روحيان كان ينكل به ويرجم ويقتل ، كذلك الآن في عصر القيامة إذا تقيد إنسان بحرفية الشريعة وواظب على العبادة الجسدية والشعائر فانّ ذلك تعصب ينكل به ويرجم ويقتل من أجله.

    ثمّ أكمل حسن كلامه قائلاً : لقد أُعفي الناس من تكاليف الشريعة ، لاَنّ عليهم في فترة القيامة هذه أن يتوجّهوا بكلّ جوارحهم نحو اللّه ، ويهجروا كل الشعائر الدينية وجميع العبادات القائمة. فقد وضع في الشريعة بأنّ على الناس عبادة اللّه خمس مرات في اليوم وأن يكونوا معه. وهذا التكليف كان ظاهرياً فقط. ولكن الآن في أيام القيامة عليهم أن يكونوا دائماً مع اللّه في قلوبهم ، وأن يبقوا نفوسهم متوجهة دائماً نحو الحضرة الاِلهية ، فإنّها الصلاة الحقيقية. انتهى.

    وقد أثّر كلامه في الجموع المحتشدة تحت منبره يقول الموَرخ الجويني :

    وفي ذلك اليوم الذي اقترفت فيه هذه القبائح وأُفشيت فيه تلك المساوىَ في « مأمون آباد » عش الكفر ، لعب الجميع على الجنك والرباب ، وشربوا الخمر بشكل مكشوف على نفس درجات ذلك المنبر وفي مكان جلوس الخطيب.

    نعم كان بين الموَمنين بالمذهب من أنكر عليهم ذلك ، فنرى أنّ يوم الاَحد السادس من ربيع الاَوّل سنة 561 هـ قام شقيق زوجة الحسن بطعنه في قلعة (لمسر) فمضى المفتري من هذه الدنيا إلى نار اللّه الموقدة ، ولكن الانحراف لم ينته باغتيال أصله ، بل بقي مستمراً على عهد خليفته ابنه « علاء محمد » الذي تولّى بعد أبيه وهو في التاسعة عشرة من عمره وتوفي سنة 607 هـ ، كما كانت المعارضة الشديدة مستمرة ، وإذا كان قد تزعمها في عهد حسن ، شقيق زوجته ، فقد تزعمها الآن حفيد حسن وسميّه جلال الدين حسن ، إذ كان على خلاف أبيه وجدّه في العقيدة متشدداً في خلافه لهما كلّ التشدد.

    وقام بإصلاحات كبيرة ، فقد اتصل بحكام الاَقطار الاِسلامية يعلنهم

 

________________________________________

(164)

العودة إلى الاِسلام ليوثق الصلات بهم وبجمهور المسلمين بعد الذي شاع عن انحراف جدّه وما أعلنه من خروج على الشريعة ، فراسل الخليفة في بغداد « الناصر لدين اللّه » وغيره من الملوك والاَُمراء ، كما أرسل والدته وزوجته إلى الحجّ وأمر ببناء المساجد وقرّب إليه الفقهاء والقرّاء.

    و من البديهي أن لا يكون « جلال الدين حسن » قد استطاع استئصال جذور الانحراف ، وأن يظل للانحراف أتباعه الآخذون به شأن جميع الدعوات في كلّزمان ومكان.

    على أنّ أمر دولة هوَلاء النزاريين لم يطل كثيراً بعد جلال الدين ، فقد انتهى ملكهم على يد هولاكو سنة 654 هـ ، لكن مَن أخذوا بأقوال الحسن الثاني بن محمد وانحرافه لم ينتهوا ، بل ظل للدعوة من يحملها من جيل إلى جيل حتى هذا الجيل وهم اليوم أتباع آغاخان وظلوا هم وحدهم منفردين باسم الاِسماعيليين بعد أن تبرأ من هذا الاسم أصحابه الحقيقيين وتسمّوا باسم البهرة. (1)

________________________________________

    1 ـ حسن الاَمين : دائرة المعارف الاِسلامية الشيعية : 4/73 ـ 75.

________________________________________

(165)

الاِمام الثاني

علي الهادي بن الاِمام نزار

(470 ـ 530 هـ)

    ولد الاِمام علي الهادي بن الاِمام نزار سنة 470 هـ وارتحل مع والده الاِمام نزار إلى قلعة آلموت ، ولما توفي أبوه عام 490 هـ أصبح إماماً للاِسماعيليّة ولم يتجاوز عمره عن عشرين سنة.

    وقد انتشر المذهب الاِسماعيلي في عهده على يد داعيته الحسن بن الصباح ، شيخ الجبل ، المعروف بالمقدرةوالبطش.

    عمد الاِمام إلى تأليف جيش قويّ من الاِسماعيليّة ، قسّمه إلى فرقتين ، الفرقة الاَُولى أسماها(الفدائية) ، وهي المكلّفة ببذل التضحيات السريعة المستعجلة ، وتنفيذ الاَوامر السرية الهامة ، ولقد تدرّب أفراد تلك الفرقة أعظم تدريب على استعمال كافة أنواع الاَسلحة ، وعلى الفروسية ، كما لُقّنوا مختلف العلوم الفلسفية ، وأتقنوا أغلب لُغات أهالي تلك البلاد. أمّاالفرقة الثانية سميت بـ (الرفقاء) وهم المكلَّفون بنشر الدعوة الاِسماعيليّة بأُسلوبهم الخاص في مختلف الاَقطار والاَقاليم ، وهم المدافعون عن مذهبهم بالعلم والفلسفة ، وعلى الغالب كانوا يتولون الوظائف الاِدارية في البلاد التي يوفدون إليها لنشر الدعوة.

    وفي سنة 530هجرية توفي الاِمام علي الهادي ، بعد أن مكث في الاِمامة أربعين عاماً ، ودفن في قلعة « لامستر » بعد أنْ نصَّ على إمامة ولده محمد المهتدي. (1)

________________________________________

    1 ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 257 ـ 262.

________________________________________

(166)

الاِمام الثالث

محمد المهتدي بن الاِمام علي

(500 ـ 552 هـ)

    ولد الاِمام محمد بن علي بن الاِمام نزار الملقب بالمهتدي سنة 500 هـ في قلعة « لامستر » ، وأصبح إماماً للاِسماعيلية بعد وفاة أبيه الاِمام علي الهادي سنة 530 هـ .

    كان أوّل عمل قام به أن نقل مقرّه إلى قلعة آلموت ، ووجه إهتمامه لبعث الجيش الاِسماعيلي (الفدائية) من جديد ، وتدريبه تدريباً كاملاً ليستطيع الدفاع عن القلاع والحصون الاِسماعيلية.

    وقد وجه عنايته أيضاً لتنظيم الدعاة ، وتلقينهم أُصول العقائد الاِسماعيلية ، وتدريبهم على المباحثة والمناقشة في الفلسفة ، والفقه الاِسلامي والعقائد الاِسلامية ، كما أوجد بينهم نظام الشيفرة ليستعملوه في اتصالاتهم الداخلية والخارجية فاستعملوا الاَعداد للدلالة على الاَحرف الاَبجدية ، و تعرضت الاِسماعيليّة أيضاً لكثير من الهجمات الداخلية والغزوات الخارجيّة.

    وفي سنة 552 هـ توفي الاِمام المهتدي ودفن في قلعة آلموت بعد أن نصَّ على إمامة ولده حسن. (1)

________________________________________

    1 ـ المصدر السابق : 266.

________________________________________

(167)

الاِمام الرابع

القاهر بقوة اللّه

حسن بن محمد بن علي بن نزار

(520 ـ 557 هـ)

    ولد سنة 520 هـ في قلعة آلموت ، وأصبح بعد وفاة أبيه 552 هـ إماماً بموجب النص ، وكان عمره آنذاك 28 سنة ، وعين الداعي محمد كيا بزرك آميد نائباً عنه وكبيراً لدعاته.

    عمل الداعي بكل إخلاص ووزع الدعاة الاَكفاء على جميع المناطق ، ووجّه عناية خاصة للفرقة الفدائية ، التي كانت تحتل المكان الاَوّل في الجيش الاِسماعيلي ، وأنشأ مدرسة خاصّةً لتثقيف الفدائية وتدريبهم التدريب الكامل على استعمال الاَسلحة ، وتلقينهم أغلب اللغات المستعملة في ذلك الوقت.

    توفي سنة 557 هـ ودفن في قلعة آلموت بعد أن نصَّ على إمامة ولده الحسن علي. (1)

________________________________________

    1 ـ المصدر نفسه : 272.

________________________________________

(168)

الاِمام الخامس

الاِمام الحسن علي بن الاِمام حسن القاهر

(539 ـ 561 هـ)

    ولد الاِمام حسن علي بن الحسن بن محمد بن علي بن نزار سنة 539 هـ ، في قلعة آلموت ، وتولّ ـ ى الاِمامة بعد وفاة أبيه سنة 557 هـ .

    وقام بتنظيم الدعوة الاِسماعيليّة فوزّع الدعاة الاَكفّاء على الاَقاليم الخاضعة للنفوذ الاِسماعيلي.

    توفي في السادس من ربيع الاَوّل سنة 561 ودفن في قلعة آلموت. (1)

 

الاِمام السادس

الاِمام أعلى محمد بن الاِمام الحسن علي

(553 ـ 607 هـ)

    ولد الاِمام أعلى محمد سنة 553 هـ في قلعة آلموت ، وتولّ ـ ى الاِمامة بعد وفاة أبيه سنة 561 هـ ، وهو في الثامنة من عمره.

    و وجّه عناية خاصّة (للمناظرات العلمية ) فخصّص يوماً واحداً من كلّ أُسبوع لاِجراء المناظرات الفلسفية ، والفقهية بين الدعاة ، يحضرها بنفسه ليحكم بين المتناظرين فيعلّيهم ويرقّيهم في مراتب الدعوة ، حسب ما يظهروه من كفاءة

________________________________________

    1 ـ المصدر نفسه : 275.

________________________________________

(169)

علميّة ، وهذا ما ساعد الدعاة على تفهّم أُصول المذهب الاِسماعيلي.

    توفي الاِمام أعلى محمد سنة 607 هـ ودفن في قلعة آلموت بعد أن نصَّ على ولاية ابنه جلال الدين ، و استمرت إمامته 46 سنة. (1)

 

الاِمام السابع

الاِمام جلال الدين حسن بن أعلى محمد

(582 ـ 618 هـ)

    ولد الاِمام حسن بن أعلى ، الملقب بجلال الدين سنة 582 هـ في قلعة آلموت ، وأصبح إماماً بعد وفاة أبيه سنة 607 هـ .

    عمل على توثيق عُرى الصداقة بين الاِسماعيلية والعالم الاِسلامي ، ولهذا لقّبوه بـ « المسلم الجديد » كما أنّ علاقاته بالعباسيين زادت وثوقاً ، وخاصّةً مع الخليفة الناصر لدين اللّه.

    تنقل كثيراً في سوريا والعراق وآذربيجان ، وأدّى فريضة الحج مع عائلته مرتين ، تحالف مع جلال الدين خوارزمشاه ، عندما غزا چنگيزخان إيران ، وذلك انقاذً لمعاقله ولاَتباعه. قتل بموَامرة من النساء بالسُم سنة 618 هـ ، وخلّف ولداً هو محمد بن الحسن « علاء الدين ». (2)

________________________________________

    1 ـ المصدر نفسه : 277.

    2 ـ عارف تامر : الاِمامة في الاِسلام : 192؛ تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 284.

________________________________________

(170)

الاِمام الثامن

علاء الدين محمد بن الحسن

(608 ـ 653 هـ)

    ولد الاِمام علاء الدين محمد بن الاِمام جلال الدين سنة 608 هـ في قلعة آلموت ، وجلس على أريكة الاِمامة الاِسماعيليّة سنة 618 هـ ، وهو في العاشرة من عمره ، ودامت إمامته 35 عاماً.

    و من العجب أنّ الموَرّخ المعاصر مصطفى غالب ذكر سقوط مدينة بغداد في عصر هذا الاِمام مع أنّ سقوط بغداد تم بعد تدمير قلاع الاِسماعيليّة ، لاَنّ مسير التتر كان من قزوين ثمّ همدان ثمّ بغداد.

    و توفي عام 653 هـ ودفن في آلموت. (1)

 

الاِمام التاسع

ركن الدين خورشاه بن الاِمام علاء الدين

(629 ـ 654 هـ)

    ولد الاِمام ركن الدين خورشاه بن الاِمام علاء الدين محمد سنة629 هـ في قلعة آلموت ، وأصبح إماماً بعد وفاة أبيه سنة 653 هـ ، وأرسل هولاكو التتري جيشاً بقيادة بوكيان التتري لاَطراف كوهستان لمحاربة الاَمير ناصر الدين أمير

________________________________________

    1 ـ تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 286.

(171)

تلك المقاطعة الذي كان يقيم في قلعة (سرخوست).

    و أرسل جيشاً آخر لحصار بقية القلاع الاِسماعيليّة ، ولقد استمر ذلك الحصار مدّة ستة أشهر ، نفدت بعدها موَونة الاِسماعيليين ، ففتحوا أبواب قلاعهم واشتبكوا مع التتر في معارك قويّة طاحنة ، قتل فيها اثنا عشر ألف إسماعيلي وثلاثون ألف تتري ، واحتلت الجيوش الغازية جميع القلاع الاِسماعيليّة ودمّرتها عن بكره أبيها فجعلتها قاعاً صفصفاً ، وأُلقي القبض على الاِمام ركن الدين خورشاه مع ولده الاَصغر مظفر الدين ، وابن أخيه سيف الدين ، وبعض دعاته ، وأخذوهم إلى الخليفة في بغداد.

    و في طريق العودة بينما كانت الجيوش التترية تعبر نهر (جيحون) توفي الاِمام ركن الدين خورشاه وكانت وفاته سنة 654 هـ ، ودفن على ضفة ذلك النهر اليمني.

    أمّا بقية الاَسرى فسلّموا لهولاكو الذي أمر بإعدامهم جميعاً ، والتمثيل بجثثهم ، ولم تستمر إمامة ركن الدين سوى عاماً واحداً ، قضاه في الحروب والحصار ، وبانتهاء عهده ودّعت الاَئمة الاِسماعيلية بلاد آلموت لتستقر في آذربيجان بعد أن دام حكمهم فيها ما يقارب 214 عام. (1)

    إلى هنا وقفت على أئمّة النزارية ، من الاِسماعيليّة وأمّا غيرهم من الاَئمّة الباقية الذين تسلموا مسند الاِمامة بعد تدمير قلاع آلموت فيحتاج إلى تأليف مفرد.

    إنّ الكتب الاِسماعيليّة التاريخية المخطوطة والمصادر الصوريّة القديمة ، منذ عام 710 هـ حتى سنة 1210 هـ جاءت حافلة بذكر أُسرة موَمن شاه وحدها ،

________________________________________

    1 ـ تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 289 ـ 290.

________________________________________

(172)

وبعد سنة 1210 هـ انطفأ وخبا كلُّ نشاط علمىٍّ من جانب هذه الفرقة (الموَمنية) وقامت الا َُسرة الثانية (القاسميّة) تحتل مركزها وتبرز على مسرح الاِسماعيلية النزارية وبما أنّ الاَُسرة الآغا خانية تزعّمت الاِسماعيلية النزارية ما يربو عن القرنين ، فلذلك خصصنا الفصل التالي لبيان حياة تلك الاَُسرة.

    إنّ الفرقة الاِسماعيلية النزارية الموَمنية تقطن في عهدنا الحاضر في بلدتي « القدموس » و « مصياف » السوريتين وفي بعض قرى سلمية وفي سلمية نفسها ، وأمّا الفرقة القاسمية النزارية الآغاخانية فتقطن في سلمية ، وما يتبعها من القرى ، وفي نهر الخوابي قرب طرطوس ، كما تقطن في إيران ، والهند ، وباكستان ، وبورما ، والصين ، وإفريقية الشرقية ، و الكونغو ومدغشقر و زنجبار وغيرها. (1)

________________________________________

    1 ـ عارف تامر : الاِمامة في الاِسلام : 170.

________________________________________

(173)

الفصل التاسع

في

الاَسرة الآغاخانية

 

________________________________________

(174)

________________________________________

(175)

قد عرفت أنّ النزاريّة انقسمت إلى طائفتين : « موَمنيّة » و « قاسمية » ويطلق على « القاسمية » في الآونة الاَخيرة « الآغا خانية » واشتهروا في هذه الاَعصار باللقب الاَخير وأئمة هذه الاَُسرة هم :

    1 ـ حسن علي شاه.

    2 ـ علي شاه.

    3 ـ سلطان محمد شاه.

    4 ـ كريم خان.

 

1 ـ حسن علي شاه : (1219 ـ 1298 هـ)

    ولد في بلدة محلاّت سنة 1219 هـ وهو أوّل من لُقّب بـ « آغا خان » كان معاصراً للشاه « محمد القاجاري » وفي عهده قُتل الشاه القاجاري وجلس مكانه فتح علي شاه ، وقد عامل الاِسماعيليين معاملة طيبة ، وزوّج حسن علي شاه من كريمته ، ولكنَّ حياته لم تطل فمات ، واستلم مكانه « علي محمد شاه ».

    فلاحظ أنّ مركز الاِمام حسن علي شاه قد أصبح قويّاً وخطيراً ، فاعتبره خطراً على شوَون المملكة ، وأمر بإبعاده عن إيران ، فذهب إلى السند ، واستقر بين أتباعه الكثيرين في كراتشي يُنظّم أُمورهم ويصلح أحوالهم ، ويقرّب وجهات النظر بين ملوك السند والبريطانيين ، وأخيراً انتقل إلى الهند.

    وتوفي سنة 1298 هـ ودفن في محلة « مجكائون » أو « حسن آباد » عن أربعة أولاد ، هم : آغا علي شاه ، وآغا جهانگير شاه ، وآغا جنگي شاه ، وآغا جلال شاه ،

 

________________________________________

(176)

وكان عليُّ هو وصيّه ووريث الاِمامة. (1)

    يقول الموَرّخ المعاصر مصطفى غالب : دخل الاِمام حسن علي شاه مدينة « بومباي » واسْتقبِل من قبل حاكم تلك المدينة ورجال السلك السياسي وممثلي الدول ومختلف طبقات الشعب ، و منحته المملكة البريطانية لقب صاحب السمو ، وأرفع وسام للسلام في المملكة. (2)

    ولعلّ مغادرته لاِيران وإقامته في بومباي هيّأت له أرضية الاتصال بالبلاط البريطاني ، وتوثقت عُرى الصداقة بينهما عبر العصور ، فلم تزل أئمة الطائفة بعده متهمين بالعمالة للبريطانيين.

 

2 ـ علي شاه : (1246 ـ 1302 هـ)

    ولد عام 1246 هـ في بلدة محلاّت ، وجلس على مسند الاِمامة بعد وفاة أبيه سنة 1298 هـ ، واشتهر بـ « آغا خان الثاني » والدته هي كريمة فتح علي شاه القاجاري.

    يذكر أنّه كان مولعاً بصيد الاَُسود والرماية ، وقوة الساعد والرجولة. تزوّج شمس الملوك ابنة ميرزا علي خان الاِيرانية.

    أنجب ثلاثة أولاد ، هم : سلطان محمد شاه ، وشهاب الدين شاه ، ونور شاه ، ووليُّ عهده هو السلطان محمد شاه آغا خان الثالث.

    وفي احتفال مهيب ضم آلاف الاِسماعيليّة الذين قدموا لتقديم الزكاة والخمس للاِمام ، أعلن الاِمام علي شاه بأنّ نجله الاَكبر سلطان محمد شاه قد أصبح وليّاً للعهد ، وسيكون إماماً من بعده.

________________________________________

    1 ـ عارف تامر : الاِمامة في الاِسلام : 228.

    2 ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 336.

________________________________________

(177)

    قدم إليه وفد من إسماعيليّة سوريا ، وطلبوا من الاِمام رفع مشاكلهم وأن يدفع إليهم السلطان العثماني مكاناً يقطنون فيه بعد أن ضاقت بهم معاقلهم ، فقام الاِمام بتنفيذ طلبهم واتصل بالسلطان العثماني إلى أن أصدر السلطان أمره إلى والي دمشق ليسمح للاِسماعيليّة بأن يختاروا مكاناً ليشيدوا فيه مساكن لهم ، شريطة أن يعفوا من الضرائب والجندية ، تجمّع الاِسماعيليون بزعامة الاَمير إسماعيل ، وذهبوا باتجاه المنطقة الشرقيّة حتى وصلوا إلى سهول السلمية فقرروا أن يعيدوا تأسيس مدينة « السلمية » التاريخية ، بعد أن دمّرتها الحروب.

    توفي الاِمام علي شاه سنة 1302 هـ ، ونقل جسده إلى مدينة كربلاء ودفن هناك. (1)

 

3 ـ سلطان محمد شاه « آغا خان الثالث » : (1294 ـ 1380 هـ)

    ولد « محمد سلطان الحسيني » المعروف بآغا خان الثالث عام 1294 هـ في محلة « شهر العسل » بكراتشي ، وفي الثامنة من عمره اجتمع به رجال الدعوة الاِسماعيليّة في الهند وسلّموه شوَون الاِمامة باحتفال مهيب ، وتزوّج في سن العشرين ابنة عمّه « شاه زاده » وزار الغرب لاَوّل مرّة واصلاً إلى لندن ، فمنح لقب « كوماندور » للامبراطورية الهندية. كما زار ألمانيا وفرنسا وإيران وتركيا ومناطق عديدة من العالم ، وتزوّج عدّة مرّات ، وساهم بإنشاء جامعة عليكرة ، وبإرسال بعثة إسلامية لتدريس الدين الاِسلامي في اليابان.

    وفي حياته نقاط جديرة بالمطالعة ، منها :

    1.يقول عارف تامر : ورأيته في القاهرة سنة 1956م يقول لاَتباعه الذين جاءوا لزيارته : علّموا أولادكم العلوم العمليّة ، وأبعدوهم عن العلوم النظرية ،

________________________________________

    1 ـ الاِمامة في الاِسلام : 228 ـ 229؛ وتاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 339 ـ 341.

________________________________________

(178)

فالعالم قادم على انقلاب خطير وتطور سريع في ميدان الاستنباط والاختراع. (1)

    أقول : ماذا يقصد من العلوم النظرية؟ وهل تختص بالعلوم الدينية ، أعني : الكلام والتفسير والفقه ، أو تشمل سائر العلوم الاِنسانية الاَُخرى كمعرفة النفس وعلم الاجتماع والقانون؟و على أيّة حال فإرشاداته لا اعتبار بها ، وكان الاَفضل أن يرشدهم بالقول : علّموا أولادكم الصناعات الحديثة والعلوم العمليّة إلى جانب سائر العلوم ، يقول سبحانه : « وَ قالَ الّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالاِِيمان » (2) فإنّتزويد البشر بالصناعات الحديثة دون الاِيمان كتزويد المجنون بالسلاح ، والذي يكبح جماح البشر عن استخدامه لتلك الصناعات الحديثة من سبيل الشر ، هو الاِيمان باللّه ، والاعتقاد بالمبدأ والمعاد ، التي تتكفل العلوم النظرية بيانه.

    2 ـ يقول ـ للوفد الاِسلامي الذي جاء يطالبه بالمساهمة ببناء كلية إسلامية في مدينة « منباسا » كينيا ـ : إنّني لا أُساهم إلاّ بإنشاء مدرسة صناعية كبرى لتعليم الصناعات المختلفة ، والمهن الحرّة ، فقد كفانا نوماً وركضاً وراء الخيالات والاَحلام. (3)

    أقول : ماذا يريد بقوله : كفانا نوماً و ركضاً وراء الخيالات والاَحلام؟! فهل مقصوده أنّ العلوم الدينيّة هي منبع للخيالات والاَحلام؟! فحينئذٍ ستكون قيادته مبنيّة على الاَوهام والخيالات ، فما أشبه كلامه بفعل من تسلّق الشجرة وأخذ يقطع ما تحته. بل إنّ كلامه هذا تفريغ واضح وصريح لحالة القداسة الدينية التي طالما حاول أن يظهر بها أمام المسلمين عامة وأتباعه بصورة خاصة.

    3 ـ يقول الموَرّخ المعاصر مصطفى غالب : سمو آغا خان يملك قصوراً كثيرة في جميع أنحاء العالم ، وطائرات حديثة من أفخر طراز ، وعدداً كبيراً من

________________________________________

    1 ـ عارف تامر : الاِمامة في الاِسلام : 231.

    2 ـ الروم : 56.

    3 ـ عارف تامر : الاِمامة في الاِسلام : 233.

________________________________________

(179)

أحدث اصطبلات الجياد في العالم ، ويحتفظ بفصيلة جياد (هاراث) التي تملكها أُسرته منذ زمن بعيد ، ومنها ينتج أحسن خيول السباق المعروفة ، وقد ربحت هذه الخيول أكبر الجوائز العالمية لسباق (دربي).

    والاِمام آغا خان يُعد من أغنى أغنياء العالم ، إذ يُقدّر إيراده السنوي بمبلغ يتراوح بين 600 ألف و10 ملايين دولار ، وقد قُدّرت مجموعة الجواهر التي يملكها بمبلغ 200 مليون دولار. (1)

    لا شكّ أنّ حياة البذخ التي عاشها الاِمام آغا خان ليست نتيجة كد عمله ومحصول جهده إنّما هي أموال شرعية باسم الزكاة والخمس قدمتها إليه الطائفة الاِسماعيليّة المتشكلة من الفلاحين والعمال وأصحاب المكاسب الحرّة ، لا أنّها أموال شخصيّة للاِمام ، بل ملك لمنصب الاِمامة يصرفها في المشاريع الخيرية ، فأين حياة البذخ هذه ممّا كان عليه الاِمام أمير الموَمنين ذلك الاَُسوة الحسنة لعامة البشر والمسلمين خاصة حيث يكتب إلى عامله بالبصرة عثمان بن حنيف : « ألا وإنّ لكلّ مأموم إماماً يقتدي به ويستضىَ بنور علمه ، ألا وإنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ، ومن طعمه بقرصيه ، إلى أن يقول : ولعلّ بالحجاز واليمامة من لا طمع له بالقرص ، ولا عهد له بالشبع ، أو أبيت مبطاناًوحولي بطون غرثى ، وأكباد حرّى ، أو أكون كما قال القائل :

وحسبك داءً أن تبيت ببطنةٍ               وحولك أكباد تحن إلى القد

    أ أقنع من نفسي بأن يقال هذا أمير الموَمنين ، ولا أُشاركهم في مكاره الدهر ، أو أكون أُسوة لهم في جشوبة العيش ، فما خُلقت ليشغلني أكل الطيبات ، كالبهيمة المربوطة همّها علفها ، أو المرسلة شغلها تقمّمها ». (2)

________________________________________

    1 ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 366.

    2 ـ نهج البلاغة : قسم الرسائل ، رقم 45 ، تعليق صبحي الصالح.

________________________________________

(180)

    4 ـ يقول : ويجب أن لا يغرب عن بالكم ، بأنّ هذه المشاريع لا يمكن أن تتحقق ، ولا يكتب النجاح لهذه النهضة الاِصلاحية إلاّ إذا دفعت ضريبة العشر ، والعشر هذا تضحية جزئية واجبة على كلّ إسماعيلي يعتقد ولايتنا ويخلص لنا. (1)

    ويلاحظ عليه : بأنّ الفريضة مختلفة في الزكاة ، وليست مبعضة بالعشر كما هو واضح ، لمن له أدنى إلمام بالفقه الاِسلامي من سنة وشيعة ، كما أنّ الواجب في المعادن ، والركائز ، وأرباح المكاسب ، هو الخمس ، لا العشر ، فالتركيز على العشر ، وحذف المعايير الاَُخر إبطال للشريعة.

    5 ـ ومن نصائحه لاَتباعه أنّه أمرهم بالزهد ، ويقول : لا تسرفوا شيئاً على طقوس الاَموات والزواج ، وازهدوا في لذائذ الحياة الدنيا ، وادّخروا شيئاً من نفقاتكم الشهريّة ، وابتاعوا بها سندات شركات التأمين وأوراق الدولة المالية. (2)

    إنّ هذه النصيحة ممزوجة بالحقّ والباطل ، فهو يأمرُ أتباعه بالزهد ، بينما يعيش هو حياة البذخ والاِسراف ، أتقولون مالا تفعلون؟!

    6 ـ قال لزوجته الفرنسية في صباح اليوم الذي قرّر أن تتم به حفلة زواجهما :

    ابنتي العزيزة!! ...

    أنت لا تجهلين ولا ريب بأنّي أميرٌ شرقي كبيرٌ وأعتقد بأنّك تجهلين بأنّ آلافاً وآلافاً من البشر يعتقدون بأنّ الاِله متجسم فيَّ تقريباً. (3)

    أقول : يبدو بأنّه إمّا يصحح عقيدة أتباعه في حقّه ، أو يخطّئهم ، فعلى الوجه الاَوّل هو إله متجسِّم حسب عقيدته ، وعلى الوجه الثاني مقصّر في إضفاء الشرعية على عقيدة قومه ، وعدم تخطئتهم ، وإرشادهم إلى الحقّ.

________________________________________

    1 ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 365.

    2 ـ المصدر السابق : 368.

    3 ـ المصدر السابق : 372.

(181)

الاِمام يتعلّم على يد مأمومه

    قال الموَرّخ الاِسماعيلي المعاصر مصطفى غالب : وسموّه يجيد اللغات الشرقية والغربية من الهندية والفارسية والعربية والتركية ، والانكليزية والفرنسية والاِيطالية والاَلمانية ، وغيرها من اللغات العديدة ، كلُّ هذا بدون أن يدخل أيَّ مدرسة أو يتلّقى علومه في أيّ معهد ، وقد تلقّى تعليمه الاَوّل على أيدي والدته التي علّمته تعليماً صحيحاً ، فجعلته يتقن اللغات الاَُوروبية والعربية والفارسية. (1)

    وقال عارف تامر : وتوفي والده علي شاه ، وهو في الثامنة من عمره ، فاجتمع به رجال الدعوة الاِسماعيليّة في الهند ، وسلّموه شوَون الاِمامة باحتفال مهيب. وكان هذا من الاَسباب التي حفّزت والدته على مضاعفة السهر على حياته ، وإحضار المربّين الاختصاصين ، والاَساتذة الماهرين ، عملوا على تدريسه اللغات الاَجنبية والفارسية والعربية. (2)

    و هنا نقطة جديرة بالاِمعان وهي أنّالثابت في عقيدتهم أنّ الاِمام منصوص لا يتلقّى العلم إلاّ عن الغيب فعلمه لدني.

    فلا أدري ما هذا الاِمام. الذي يتلقّى العلم عن مأمومه ، وهل الاِمام ذو العلم اللدني بحاجة إلى دخول المدارس البشرية ، وتعلّم اللغات والعلوم وغير ذلك.

    وفي يوم الخميس الساعة الثانية ظهراً الحادي عشر من تموز سنة 1957م المواف ـ ق (1377 هـ) توفي الآغا خان في قصره بسويسرا ، ونقل جثمانه جوّاً إلى أسوان بمصر. ودفن في المقبرة التي شرع بتشييدها على رأس ربوة الجبل الاَصفر غرب مدينة أسوان في مصر. (3)

________________________________________

    1 ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 351.

    2 ـ عارف تامر : الاِمامة في الاِسلام : 234.

    3 ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 392.

________________________________________

(182)

    و لما توفي آغا خان الثالث في سويسرا توجه زعماء الاِسماعيلية من مختلف أنحاء العالم إلى مقر الآغا خان في قصر بركان ، حيث حضروا فتح وصيّة الاِمام الراحل التي كانت مودعة في بنك (لويدز) في بريطانيا.

    واستناداً إلى هذه الوصية فقد تم إعلان إمامة كريم بن علي شاه الحسيني ، ولُقّب بآغا خان الرابع. (1)

    و من الطريف بالذكر هو أنّالاِمام آغا خان الثالث قد عهد بالاِمامة لابنه الاَمير على خان في حياته ، يقول مصطفى غالب : أصبح الاَمير علي خان وليّاً لعهد الاِمامة الاِسماعيليّة في التاسع والعشرين من تشرين الثاني عام 1927 ميلادية وجرت احتفالات عظيمة بهذه المناسبة ، عمّت جميع البلدان الاِسماعيليّة. (2)

    وقد خاب أمل الاَمير علي خان لما فُتحت وصيّة والده التي كانت مُودعة في بنك (لويدز) في بريطانيا والتي تنصُّ على إمامة حفيده كريم بن علي شاه الحسيني (آغا خان الرابع) ، ولا أجد تفسيراً لها إلاّبنشوب الخلافات بينهما.

    و ممّا جاء في وصيته التي أبطل بها إ مامة ابنه :

    و نظراً إلى الظروف التي تغيّرت تغيّراً أساسياً في العالم في السنوات الاَخيرة ، ونظراً للتغيّ ـ رات الكبرى التي وقعت ، ومن بينها اكتشاف العلوم الذرية ، فإنّي على يقين أنّمصلحة الطائفة الاِسماعيليّة تقتضي أن يخلفني شابٌ نشأ وترعرع في السنوات الاَخيرة وسط هذا العصر الحديث ، وأن تكون له نظرةٌ جديدة للحياة عند تولّي زعامة الطائفة الاِسماعيليّة ، لذلك أختار حفيدي كريم خان ، ليكون خليفة لي وزعيماً للطائفة من بعدي. (3)

________________________________________

    1 ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 402 ـ 403.

    2 ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 393.

    3 ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 402.

________________________________________

(183)

    وقد توفي ولده علي خان المعزول في الخامس عشر من ذي القعدة سنة 1380 هجرية ، بحادث اصطدام سيارته التي كان يقودها بنفسه ، ودفن جثمانه موَقتاً في قصره الخاص في نويللي بفرنسا ، ريثما يتم نقله إلى مقرّه الاَخير في سلَمية سوريا تنفيذاًلوصيته.

    فالاِمام الحاضر للاِسماعيليّة هو كريم حفيد (آغا خان الثالث) لا ولده.

 

كريم بن علي بن محمد

آغا خان الرابع

    ولد سنة 1938 م في مدينة جنيف بسويسرا ، والده هو الاَميرعلي خان الذي أُقصي عن مركز الاِمامة بموجب وصية والده سلطان محمد شاه (آغا خان الث ـ ال ـ ث) ، وأُمّه هي الاَميرة البريطانية (جون بربارايولد) ابنة اللورد تشارستون ، تلقّى علومه الاَوّلية في مدارس سويسرا ، فأتقن الانكليزية والفرنسية والاِسبانية ، كما درس اللغة العربية ، وبعد أن أكمل تحصيله في سويسرا انتسب إلى جامعة (هارفرد الاَميركية).

    كان كثير التنقل والاَسفار ، يمارس الرياضة الصعبة ، وقد نجا مرتين من حادثتي اصطدام مروعتين ، ويولي الشوَون الاقتصادية والمالية اهتمامه ، ويتجنّب الخوض ببحر السياسة. كما ويقوم بزيارة لاِفريقية وسوريا ولبنان وإيران في العام ، لتفقد شوَون أتباعه ومعالجة قضاياهم. وهو لا يزال حيّاً يرزق. (1)

    هوَلاء أئمّة النزاريّة القاسمية الآغاخانية ، وهم الفرقة المنحصرة باستمرار الاِمامة في أولاد إسماعيل ، وفق المذهب الاِسماعيلي ، فاللّه سبحانه يعلم هل تستمر الاِمامة بعد رحيله أوتدخل في كهف الغيبة.

________________________________________

    1 ـ الاِمامة في الاِسلام : 237؛ وتاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 403.

________________________________________

(184)

________________________________________

(185)

الفصل العاشر

في

الاِسماعيلية والاَصول الخمسة

 

________________________________________

(186)

________________________________________

(187)

الاِسلام عقيدة وشريعة ، والاِسماعيليّة كغيرها من المذاهب الاِسلاميّة لها أُصول ، وفروع ، أمّا الفروع فلا يختلفون مع المسلمين في أُمهاتها ، وكفى في الوقوف عليها ما كتبه القاضي أبو حنيفة النعمان بن محمد التميمي المغربي باسم « دعائم الاِسلام ». نعم ، انفردوا في الاعتقاد بأنّ لكلِّ حكم فرعي ظاهراً وباطناً ، ولهم موَلفات خاصّة في تأويل الظواهر الفرعيّة ، وقد ألّف القاضي المذكور كتاباً باسم « تأويل الدعائم » وسيمر عليك بعض تأويلاتهم في هذا المجال.

    إنّما الكلام في عقائدهم وأُصولهم التي بنوا مذهبهم عليها ، والعثور عليها أمر مشكل جدّاً وذلك لوجوه :

    الاَوّل : الظنّة بكتبهم والتستر عليها وإخفائها وعدم جعلها تحت متناول أيدي الآخرين ، وأن فرض عليهم الوضع الراهن كسرطوق التكتم ، وإزاحة الستار عن بعض الكتب ، والفضل يعود إلى غيرهم ، فلو كان الاَمر بيد دعاتهم وعلمائهم لما سمحوا بذلك ، ولَما وصلت بأيدينا تلك الكتب.

    الثاني : اتخاذ الفلسفة اليونانية عماداً وسنداً للمذهب ، فأدخلوا فيه أشياء كثيرةً ممّا لا صلة لها بباب العقائد والاَُصول ، ولا يضر الاعتقاد بها أو بعدمها ، ولا يضرّه جهلها فالقول بالعقول العشرة ، والاَفلاك التسعة ونفوسها ، وأنّ الصادر الاَوّل هو العقل إلى أن ينتهي الصدور إلى العقل العاشر ، فروض فلسفيّة طُرحت لحل مشكلة (امتناع صدور الكثيرعن الواحد) ، وهذه المباحث على فرض صحتها تختص بذوي المواهب الكبيرة في مجال الفكر ، فإدخالها في المذهب والدعوة إليها ، إلزام بلا ملزم.

 

________________________________________

(188)

    الثالث : أنّ المذهب الاِسماعيلي ، لم يكن في بدء ظهوره مذهباً منسقاً ، وإنّما تكامل حسب مرّ السنين ، نتيجة احتكاك الدعاة مع أصحاب الفلسفة اليونانية ، وحسب أذواقهم في مجال التأويل ، وهذا أمر مسلّم بينهم ، يقول الكاتب الاِسماعيلي مصطفى غالب :

    إنّالعقائد الاِسماعيلية لا يمكن دراستها وبحثها على أنّها عقائد ثابتة لفرقة موحّدة ، وذلك أنّها عقائد تطورت حسب البيئات والاَزمان ، واختلفت باختلافها ، وتشعّبت آراوَها ونظرياتها ، حتى أصبح من الصعب أن تبلور هذه العقائد ، أو أن تُصهر في بوتقة واحدة. (1)

 

    وقد اعتمدنا من بين كتبهم العقائديّة على كتابين هما :

    1 ـ « راحة العقل » : تأليف الداعي في عهد الحاكم ، أعني : حميد الدين أحمد ابن عبد اللّه الكرماني ، الملقّب بحجة العراقين ، وكبير دعاة الاِسماعيليّة في جزيرة العراق ، وصاحب الموَلّفات العديدة في المذهب الاِسماعيلي ، ألّفه عام (411 هـ) ، وقد عاصر الفيلسوف الاِسلامي الكبير ابن سينا (373 ـ 427 هـ) ومن المعلوم أنّ هذا العصر وما قبله عصر إزدهار الفلسفة اليونانية ، فقد قام المسلمون وغيرهم بترجمة تلك الفلسفة وشرحها وتحقيقها.

    وقد وضع الداعي كتابه هذا على غرار ما أُثر من الفلسفة ، وأدخل فيه شيئاً ممّا لا يمت إلى المذهب بصلة ، فإنّ أكثر مباحثه مسائل فلسفية بحتة ، أو طبيعية ، لا ارتباط لها بصميم المذهب.و يتجلّى ذلك بوضوح حينما يقوم الداعي الكرماني في ترسيم عوالم الخلقة.

    إنّ الكتاب لا ينقسم إلى أبواب أو مقالات ، ولا تشتمل أبوابه أو مقالاته على فصول على نحو ماجرت به العادة في تقسيم الكتب ، و إنّما ينقسم إلى أسوار ،

________________________________________

    1 ـ كنز الولد : 7 ، قسم المقدمة.

________________________________________

(189)

ويندرج تحت كلّ سور عدّة مشارع ، هي من السور بمنزلة الاَجزاء من البلد الذي يحيط به السور.

    فكان مثل « راحة العقل » كمثل المدينة ، و السور بمنزلة الاَبواب ، والمشارع بمنزلة الفصول ، ولكن عدد الاَسوار ، التي يشتمل عليها الكتاب سبعة ، يدخل في نطاق كلّ منها سبعة مشارع ، فتكون عدد المشارع تسعة وأربعين مشرعاً.

    ولكنّ تتمة لما ينطوي عليه منهجه في تقسيم الكتاب من معاني التأويل والمتقابلات قد زاد على هذه المشارع (التسعة والاَربعين) سبعة مشارع أُخرى.

    وإنّما كانت الاَسوار سبعة مقابلة بينها وبين السيارات السبع ، وهي : زحل ، والمشتري ، والمريخ ، والشمس ، والزهرة ، وعطارد ، والقمر.

    يقول الداعي : فجعلنا أسواره سبعة بإزاء السيارات منها الموَثرة في المواليد الجسمانية القائمة في الدين تأويلاً ، حيال بيوت أنوار اللّه أصحاب الاَدوار السبعة الموَثّرين في المواليد النفسانية. وجعلنا مشارع أسواره تسعة وأربعين مشرعاً ، بإزاء محيط الاَفلاك صغاراً وكباراً المحركة لما دونها من الاَجسام. (1)

    وقد طبع لاَوّل مرّة بالقاهرة بتحقيق الدكتور محمد كامل حسين والدكتور محمد مصطفى حلمي ، ونشرته دار الفكر العربي بالقاهرة عام 1371 هـ ، وأُعيد طبعه ثانياً بتحقيق مصطفى غالب الذي هو من كتّاب الاِسماعيلية نشره عام 1967م.

    2 ـ « تاج العقائد ومعدن الفوائد » ، تأليف الداعي الاِسماعيلي اليمني المطلق ، علي بن محمد الوليد (522 ـ 612 هـ) حقّقه عارف تامر ، ونشرته دار المشرق بيروت ، وهذا الكتاب أسهل فهماً وأحسن تعبيراً في بيان عقائد الاِسماعيلية.

________________________________________

    1 ـ راحة العقل : 25 ، ولاحظ المقدمة : 10.

________________________________________

(190)

    و نحن نعتمد على هذين الكتابين ـ مع البون الشاسع بينهما ـ في بيان الفوارق الموجودة بينهم وبين سائر الفرق ، دون أن نذكر المشتركات ، فانّ دراسة الجميع توَدي إلى أن يطول بنا الكلام ، والهدف تسليط الضوء على عقائدهم عن كثب ، وربّما نعتمد على غير هذين الكتابين عند اقتضاء الحال.

(181)

الاِمام يتعلّم على يد مأمومه

    قال الموَرّخ الاِسماعيلي المعاصر مصطفى غالب : وسموّه يجيد اللغات الشرقية والغربية من الهندية والفارسية والعربية والتركية ، والانكليزية والفرنسية والاِيطالية والاَلمانية ، وغيرها من اللغات العديدة ، كلُّ هذا بدون أن يدخل أيَّ مدرسة أو يتلّقى علومه في أيّ معهد ، وقد تلقّى تعليمه الاَوّل على أيدي والدته التي علّمته تعليماً صحيحاً ، فجعلته يتقن اللغات الاَُوروبية والعربية والفارسية. (1)

    وقال عارف تامر : وتوفي والده علي شاه ، وهو في الثامنة من عمره ، فاجتمع به رجال الدعوة الاِسماعيليّة في الهند ، وسلّموه شوَون الاِمامة باحتفال مهيب. وكان هذا من الاَسباب التي حفّزت والدته على مضاعفة السهر على حياته ، وإحضار المربّين الاختصاصين ، والاَساتذة الماهرين ، عملوا على تدريسه اللغات الاَجنبية والفارسية والعربية. (2)

    و هنا نقطة جديرة بالاِمعان وهي أنّالثابت في عقيدتهم أنّ الاِمام منصوص لا يتلقّى العلم إلاّ عن الغيب فعلمه لدني.

    فلا أدري ما هذا الاِمام. الذي يتلقّى العلم عن مأمومه ، وهل الاِمام ذو العلم اللدني بحاجة إلى دخول المدارس البشرية ، وتعلّم اللغات والعلوم وغير ذلك.

    وفي يوم الخميس الساعة الثانية ظهراً الحادي عشر من تموز سنة 1957م المواف ـ ق (1377 هـ) توفي الآغا خان في قصره بسويسرا ، ونقل جثمانه جوّاً إلى أسوان بمصر. ودفن في المقبرة التي شرع بتشييدها على رأس ربوة الجبل الاَصفر غرب مدينة أسوان في مصر. (3)

________________________________________

    1 ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 351.

    2 ـ عارف تامر : الاِمامة في الاِسلام : 234.

    3 ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 392.

________________________________________

(182)

    و لما توفي آغا خان الثالث في سويسرا توجه زعماء الاِسماعيلية من مختلف أنحاء العالم إلى مقر الآغا خان في قصر بركان ، حيث حضروا فتح وصيّة الاِمام الراحل التي كانت مودعة في بنك (لويدز) في بريطانيا.

    واستناداً إلى هذه الوصية فقد تم إعلان إمامة كريم بن علي شاه الحسيني ، ولُقّب بآغا خان الرابع. (1)

    و من الطريف بالذكر هو أنّالاِمام آغا خان الثالث قد عهد بالاِمامة لابنه الاَمير على خان في حياته ، يقول مصطفى غالب : أصبح الاَمير علي خان وليّاً لعهد الاِمامة الاِسماعيليّة في التاسع والعشرين من تشرين الثاني عام 1927 ميلادية وجرت احتفالات عظيمة بهذه المناسبة ، عمّت جميع البلدان الاِسماعيليّة. (2)

    وقد خاب أمل الاَمير علي خان لما فُتحت وصيّة والده التي كانت مُودعة في بنك (لويدز) في بريطانيا والتي تنصُّ على إمامة حفيده كريم بن علي شاه الحسيني (آغا خان الرابع) ، ولا أجد تفسيراً لها إلاّبنشوب الخلافات بينهما.

    و ممّا جاء في وصيته التي أبطل بها إ مامة ابنه :

    و نظراً إلى الظروف التي تغيّرت تغيّراً أساسياً في العالم في السنوات الاَخيرة ، ونظراً للتغيّ ـ رات الكبرى التي وقعت ، ومن بينها اكتشاف العلوم الذرية ، فإنّي على يقين أنّمصلحة الطائفة الاِسماعيليّة تقتضي أن يخلفني شابٌ نشأ وترعرع في السنوات الاَخيرة وسط هذا العصر الحديث ، وأن تكون له نظرةٌ جديدة للحياة عند تولّي زعامة الطائفة الاِسماعيليّة ، لذلك أختار حفيدي كريم خان ، ليكون خليفة لي وزعيماً للطائفة من بعدي. (3)

________________________________________

    1 ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 402 ـ 403.

    2 ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 393.

    3 ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 402.

________________________________________

(183)

    وقد توفي ولده علي خان المعزول في الخامس عشر من ذي القعدة سنة 1380 هجرية ، بحادث اصطدام سيارته التي كان يقودها بنفسه ، ودفن جثمانه موَقتاً في قصره الخاص في نويللي بفرنسا ، ريثما يتم نقله إلى مقرّه الاَخير في سلَمية سوريا تنفيذاًلوصيته.

    فالاِمام الحاضر للاِسماعيليّة هو كريم حفيد (آغا خان الثالث) لا ولده.

 

كريم بن علي بن محمد

آغا خان الرابع

    ولد سنة 1938 م في مدينة جنيف بسويسرا ، والده هو الاَميرعلي خان الذي أُقصي عن مركز الاِمامة بموجب وصية والده سلطان محمد شاه (آغا خان الث ـ ال ـ ث) ، وأُمّه هي الاَميرة البريطانية (جون بربارايولد) ابنة اللورد تشارستون ، تلقّى علومه الاَوّلية في مدارس سويسرا ، فأتقن الانكليزية والفرنسية والاِسبانية ، كما درس اللغة العربية ، وبعد أن أكمل تحصيله في سويسرا انتسب إلى جامعة (هارفرد الاَميركية).

    كان كثير التنقل والاَسفار ، يمارس الرياضة الصعبة ، وقد نجا مرتين من حادثتي اصطدام مروعتين ، ويولي الشوَون الاقتصادية والمالية اهتمامه ، ويتجنّب الخوض ببحر السياسة. كما ويقوم بزيارة لاِفريقية وسوريا ولبنان وإيران في العام ، لتفقد شوَون أتباعه ومعالجة قضاياهم. وهو لا يزال حيّاً يرزق. (1)

    هوَلاء أئمّة النزاريّة القاسمية الآغاخانية ، وهم الفرقة المنحصرة باستمرار الاِمامة في أولاد إسماعيل ، وفق المذهب الاِسماعيلي ، فاللّه سبحانه يعلم هل تستمر الاِمامة بعد رحيله أوتدخل في كهف الغيبة.

________________________________________

    1 ـ الاِمامة في الاِسلام : 237؛ وتاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 403.

________________________________________

(184)

________________________________________

(185)

الفصل العاشر

في

الاِسماعيلية والاَصول الخمسة

 

________________________________________

(186)

________________________________________

(187)

الاِسلام عقيدة وشريعة ، والاِسماعيليّة كغيرها من المذاهب الاِسلاميّة لها أُصول ، وفروع ، أمّا الفروع فلا يختلفون مع المسلمين في أُمهاتها ، وكفى في الوقوف عليها ما كتبه القاضي أبو حنيفة النعمان بن محمد التميمي المغربي باسم « دعائم الاِسلام ». نعم ، انفردوا في الاعتقاد بأنّ لكلِّ حكم فرعي ظاهراً وباطناً ، ولهم موَلفات خاصّة في تأويل الظواهر الفرعيّة ، وقد ألّف القاضي المذكور كتاباً باسم « تأويل الدعائم » وسيمر عليك بعض تأويلاتهم في هذا المجال.

    إنّما الكلام في عقائدهم وأُصولهم التي بنوا مذهبهم عليها ، والعثور عليها أمر مشكل جدّاً وذلك لوجوه :

    الاَوّل : الظنّة بكتبهم والتستر عليها وإخفائها وعدم جعلها تحت متناول أيدي الآخرين ، وأن فرض عليهم الوضع الراهن كسرطوق التكتم ، وإزاحة الستار عن بعض الكتب ، والفضل يعود إلى غيرهم ، فلو كان الاَمر بيد دعاتهم وعلمائهم لما سمحوا بذلك ، ولَما وصلت بأيدينا تلك الكتب.

    الثاني : اتخاذ الفلسفة اليونانية عماداً وسنداً للمذهب ، فأدخلوا فيه أشياء كثيرةً ممّا لا صلة لها بباب العقائد والاَُصول ، ولا يضر الاعتقاد بها أو بعدمها ، ولا يضرّه جهلها فالقول بالعقول العشرة ، والاَفلاك التسعة ونفوسها ، وأنّ الصادر الاَوّل هو العقل إلى أن ينتهي الصدور إلى العقل العاشر ، فروض فلسفيّة طُرحت لحل مشكلة (امتناع صدور الكثيرعن الواحد) ، وهذه المباحث على فرض صحتها تختص بذوي المواهب الكبيرة في مجال الفكر ، فإدخالها في المذهب والدعوة إليها ، إلزام بلا ملزم.

 

________________________________________

(188)

    الثالث : أنّ المذهب الاِسماعيلي ، لم يكن في بدء ظهوره مذهباً منسقاً ، وإنّما تكامل حسب مرّ السنين ، نتيجة احتكاك الدعاة مع أصحاب الفلسفة اليونانية ، وحسب أذواقهم في مجال التأويل ، وهذا أمر مسلّم بينهم ، يقول الكاتب الاِسماعيلي مصطفى غالب :

    إنّالعقائد الاِسماعيلية لا يمكن دراستها وبحثها على أنّها عقائد ثابتة لفرقة موحّدة ، وذلك أنّها عقائد تطورت حسب البيئات والاَزمان ، واختلفت باختلافها ، وتشعّبت آراوَها ونظرياتها ، حتى أصبح من الصعب أن تبلور هذه العقائد ، أو أن تُصهر في بوتقة واحدة. (1)

 

    وقد اعتمدنا من بين كتبهم العقائديّة على كتابين هما :

    1 ـ « راحة العقل » : تأليف الداعي في عهد الحاكم ، أعني : حميد الدين أحمد ابن عبد اللّه الكرماني ، الملقّب بحجة العراقين ، وكبير دعاة الاِسماعيليّة في جزيرة العراق ، وصاحب الموَلّفات العديدة في المذهب الاِسماعيلي ، ألّفه عام (411 هـ) ، وقد عاصر الفيلسوف الاِسلامي الكبير ابن سينا (373 ـ 427 هـ) ومن المعلوم أنّ هذا العصر وما قبله عصر إزدهار الفلسفة اليونانية ، فقد قام المسلمون وغيرهم بترجمة تلك الفلسفة وشرحها وتحقيقها.

    وقد وضع الداعي كتابه هذا على غرار ما أُثر من الفلسفة ، وأدخل فيه شيئاً ممّا لا يمت إلى المذهب بصلة ، فإنّ أكثر مباحثه مسائل فلسفية بحتة ، أو طبيعية ، لا ارتباط لها بصميم المذهب.و يتجلّى ذلك بوضوح حينما يقوم الداعي الكرماني في ترسيم عوالم الخلقة.

    إنّ الكتاب لا ينقسم إلى أبواب أو مقالات ، ولا تشتمل أبوابه أو مقالاته على فصول على نحو ماجرت به العادة في تقسيم الكتب ، و إنّما ينقسم إلى أسوار ،

________________________________________

    1 ـ كنز الولد : 7 ، قسم المقدمة.

________________________________________

(189)

ويندرج تحت كلّ سور عدّة مشارع ، هي من السور بمنزلة الاَجزاء من البلد الذي يحيط به السور.

    فكان مثل « راحة العقل » كمثل المدينة ، و السور بمنزلة الاَبواب ، والمشارع بمنزلة الفصول ، ولكن عدد الاَسوار ، التي يشتمل عليها الكتاب سبعة ، يدخل في نطاق كلّ منها سبعة مشارع ، فتكون عدد المشارع تسعة وأربعين مشرعاً.

    ولكنّ تتمة لما ينطوي عليه منهجه في تقسيم الكتاب من معاني التأويل والمتقابلات قد زاد على هذه المشارع (التسعة والاَربعين) سبعة مشارع أُخرى.

    وإنّما كانت الاَسوار سبعة مقابلة بينها وبين السيارات السبع ، وهي : زحل ، والمشتري ، والمريخ ، والشمس ، والزهرة ، وعطارد ، والقمر.

    يقول الداعي : فجعلنا أسواره سبعة بإزاء السيارات منها الموَثرة في المواليد الجسمانية القائمة في الدين تأويلاً ، حيال بيوت أنوار اللّه أصحاب الاَدوار السبعة الموَثّرين في المواليد النفسانية. وجعلنا مشارع أسواره تسعة وأربعين مشرعاً ، بإزاء محيط الاَفلاك صغاراً وكباراً المحركة لما دونها من الاَجسام. (1)

    وقد طبع لاَوّل مرّة بالقاهرة بتحقيق الدكتور محمد كامل حسين والدكتور محمد مصطفى حلمي ، ونشرته دار الفكر العربي بالقاهرة عام 1371 هـ ، وأُعيد طبعه ثانياً بتحقيق مصطفى غالب الذي هو من كتّاب الاِسماعيلية نشره عام 1967م.

    2 ـ « تاج العقائد ومعدن الفوائد » ، تأليف الداعي الاِسماعيلي اليمني المطلق ، علي بن محمد الوليد (522 ـ 612 هـ) حقّقه عارف تامر ، ونشرته دار المشرق بيروت ، وهذا الكتاب أسهل فهماً وأحسن تعبيراً في بيان عقائد الاِسماعيلية.

________________________________________

    1 ـ راحة العقل : 25 ، ولاحظ المقدمة : 10.

________________________________________

(190)

    و نحن نعتمد على هذين الكتابين ـ مع البون الشاسع بينهما ـ في بيان الفوارق الموجودة بينهم وبين سائر الفرق ، دون أن نذكر المشتركات ، فانّ دراسة الجميع توَدي إلى أن يطول بنا الكلام ، والهدف تسليط الضوء على عقائدهم عن كثب ، وربّما نعتمد على غير هذين الكتابين عند اقتضاء الحال.

(191)

الاِسماعيلية والاَُصول الخمسة

1

عقيدتهم في التوحيد

1 ـ عقيدتهم في توحيده سبحانه ، أنّه واحد لا مثل له ولا ضد :

    يقول الكرماني في المشرع الخامس : إنّه تعالى لا ضد له ولا مثل (1) ثمّ يستدل عليه.

    ويقول علي بن محمد الوليد (الداعي الاِسماعيلي اليمني) : إنّه تعالى واحد لا من عدد ، ولا يُعتقد فيه كثرة ، أو إزدواج أشكال المخلوقات ، واختلاف البسائط والمركبات (2) ثمّيستدل عليه.

    و يقول أحد الدعاة الاِسماعيلية في قصيدة له في العقائد :

الحمد للّه القديم الاَزليباري البرايا الدائم الفرد الصمد             المبدع العالي معلِّ العللوالجاعل الواحد أصلاً للعدد (3)

________________________________________

    1 ـ راحة العقل : 47.

    2 ـ علي بن محمد الوليد : تاج العقائد ومعدن الفوائد : 21.

    3 ـ القصيدة الشافية : 1.

________________________________________

(192)

2 ـ انّه سبحانه ليس أيسا :

    إنّالاَيس بمعنى الوجود ، ولعلّ أوّل من استعمله هو الفيلسوف الكندي ، وقد اشتهر في الفلسفة الاِسلاميّة أنّالممكن من ذاته أن يكون ليس ، ومن علّته أن يكون أيس ، وإن كانت هذه الكلمة في التعبير عن مكانة الممكن تعبيراً غير دقيق ، لاَنّ معناه ، أنّالممكن من ذاته يقتضي العدمَ ، وهذه علامة الممتنع لا الممكن ، فالممكن لا يقتضي من صميم ذاته أحدَ الشيئين ، الاَيس والليس.

    وعلى كلّ تقدير فهوَلاء يستنكرون وصفه سبحانه بالاَيس ، المرادف للوجود.

    وقد استدل عليه الداعي الكرماني بوجه مبسّط نأخذ منه ماله صلة بصميم الموضوع ، وحاصل ما ذكره يرجع إلى أمرين :

    الاَوّل : لمّا كان الاَيس ـ في كونه أيساً ـ محتاجاً إلى ما يستند إليه في الوجود ، وكان هو ـ عزّ كبرياوَ هـ متعالياً عن الحاجة فيما هوهو إلى غير ، به يتعلق ، مابه هوهو ، كان من ذلك الحكم ، بأنّه تعالى خارج عن أن يكون أيساً ، لتعلّق كون الاَيس أيساً بالذي يتأوّل عليه الذي جعله أيساً ، واستحالة الاَمر في أن يكون هو تعالى أيساً ، ولا هو يحتاج فيما هوهو إلى غير به هوهو ، فيستند إليه ، تكبّر عن ذلك وتعزّز وتعالى علوّاً كبيراً.

    فإذا كان هو عزّوعلا غير محتاج فيما هوهو إلى غير ، به يتعلّق ، ما به هوهو ، فمحال كونه أيسا.

    وحاصل هذا الوجه مع تعقيده في التعبير ، يرجع إلى أمر واضح ، وهو أنّه لوكان موصوفاً بالوجود ، فبما أنّالصفة غير الموصوف ، يحتاج في وصفه به إلى الغير ، وهو تعالى غني عمّا سواه.

    ولو كان ما جاء به الكرماني مذهباً للاِسماعيليّة فهو يُعرب عن عدم نضوج الفلسفة اليونانية في أوساطهم ، فهوَلاء يتصوّرون أنّ الوجود أمر عارض على

 

________________________________________

(193)

الواجب ، فيبحثون عن مسبب العروض ، مع أنّه إذا كان ماهيته انيّته ، وكان تقدّست أسماوَه عين الوجود ، فالاستدلال ساقط من رأسه ، والمسألة مطروحة في الفلسفة الاِسلامية على وجه مبسط ، وفي ذلك الصدد يقول الحكيم السبزواري :

والحقّ ماهيّته إنِّيَّته                إذ مقتضى العروض معلوليّته

    فمن أراد التفصيل فليرجع إلى المصدرين في الهامش. (1)

    الثاني : أنّ اللّه تعالى إن كان أيساً ، فلا يخلو أن يكون إمّا جوهراً ، وإمّا عرضاً.

    فإن كان جوهراً ، فلا يخلو أن يكون إمّا جسماً أو لا جسماً (المجرد).

    فإن كان جسماً ، فانقسام ذاته إلى ما به وجودها ، يقتضي وجود ما يتقدم عليه بكون كلّ متكثر مسبوقاً متأوّلاً عليه ، وهو يتعالى بسبحانيّته عن أن يتأوّل عليه غيره.

    وإن كان لا جسماً ، فلا يخلو أن يكون إمّا قائماً بالقوة مثل الاَنفس ، أو قائماً بالفعل مثل العقول.

    فإن كان قائماً بالقوّة ، فحاجته إلى ما به يخرج إلى الفعل تقتضي ما يتقدّم عليه ، وهو يتعالى عن ذلك.

    وإن كان قائماً بالفعل ، فلا يخلو من أن يكون إمّا فاعلاً في ذاته من غير حاجة إلى غيرٍ به يتم فعله ، أو فاعلاً في غيرٍ به يتم فعله.

    فإن كان فاعلاً في غير به يتم فعله ، فلنقصانه في فعله وحاجته إلى ما يتم به فعله ، تقتضي ما يتأوّل عليه ، وهو يتعالى عن ذلك.

    وإن كان فاعلاً في ذاته ، من غير حاجة إلى غيرٍ به يتم فعله ، فلاستيعاب ذاته النسب المختلفة بكثرة المعاني المتغايرة ، بكونه في ذاته فاعلاً ومفعولاً بذاته ،

________________________________________

    1 ـ راجع الاَسفار لصدر المتألهين : 1/96 ، باب في أنّ الحق تعالى إنيّة صرفة؛ وشرح المنظومة للحكيم السبزواري : 2/96.

________________________________________

(194)

يقتضي ما عنه وجوده الذي لا تكون فيه كثرة ولا قلّة بهذه النسب ، وهو يتعالى عن ذلك.

    وإن كان عَرضاً ، وكان وجودُ العرض مستنداً إلى وجود ما يتقدم عليه من الجوهر ، الذي به وجوده ، وهو يتعالى ويتكبر عن أن تتعلّق هويته بما يتأوّل عليه ، بطل أن يكون عرضاً. (1)

    وحاصل هذا الوجه أنّ كونه سبحانه موصوفاً بالاَيس ، لا يخلو من صور أربع :

    أ : أن يكون جوهراً جسمانياً.

    ب : أن يكون عرضاً.

    ج : أن يكون جوهراً مجرداً ، قائماً بالقوّة ، مثل الاَنفس.

    د : أن يكون جوهراً مجرداً قائماً بالفعل ، مثل العقول.

    الصورة الاَُولى : تستلزم أن يكون موَلّفاً من أجزاء ، والاَجزاء متقدّمة على الكُلّ ، فيكون محتاجاً إلى غيره.

    و مثلها الصورة الثانية : لحاجة العرض إلى وجود موضوع متقدم عليه.

    ومثلها الثالثة : لاَنّه إذا كان قائماً بالقوّة ، فيحتاج إلى من يخرجه إلى الفعل ، وأن يكون المخرج متقدّماً عليه ، وهو سبحانه غني.

    وأمّا الصورة الرابعة : فقد فصّل فيها الكلام ولها شقان :

    الاَوّل : أن يكون فاعلاً في ذاته ، من غير حاجة إلى غير به يتم فعله ، فهذا يستلزم اجتماع النسب المختلفة في ذاته.

    الثاني : أن يكون فاعلاً في غيرٍ به يتم فعله ، فهو يستلزم حاجته إلى ما يتمُّ به فعله ، وهو غني على الاِطلاق.

________________________________________

    1 ـ راحة العقل : 39 ـ 40.

________________________________________

(195)

    والاستدلال مبني على أنّه صوّر للواجب ماهيّة بين كونها جوهراً أو عرضاً ، والجوهر جسماني أو نفساني ، أوعقلائي ، والفروض كلّها باطلة ، لاَنّ القائل بكونه وجوداً ، وأيسا ، يقول : هو والوجود متساويان؛ الواجب = الوجود.

    ولا يذهب عليك أنّ الفرض الرابع ، وهو كونه موجوداً بالفعل مردداً بين كونه فاعلاً في ذاته ، أو فاعلاً في غير ، لا يخلو عن تعقيد وغموض.

    ثمّ إنّ الداعي ذكرَ وجهاً ثالثاً لعدم كونه سبحانه أيساً ، ليس له قيمة تذكر ، فمن أراد فليرجع إليه. (1)

 

3 ـ في نفي التسمية عنه :

    يقول الداعي الاِسماعيلي علي بن محمد الوليد : إنّوضع التسمية عليه محال ، إذ كانت التسمية إنَّما جعلت وسماً يوسم بها المخلوقات ، ليكون الخلق بها فصولاً فصولاً ، يتميّز بها كلّ صورة عن الصورة الاَُخرى ، حتى ينحفظ كلّ صنف منها ، ويمكن للعقل الحكاية عنها إذا دعت الحاجة إليها ، فيكون بذلك ظهور أشكال العالم في أيّ تسمية وسم بها ، وهو متعال ، ليس له صورة نفسانية ، ولا عقلية ، ولا طبيعيّة ، ولا صناعيّة ، بل يتعالى بعظيم شأنه ، وقوّة سلطانه عن أن يوسم بما يوسم به أسباب خلقته ، وفنون بريته ، و قد اتفقت فحول العلماء على أنّه تعالى لم يزل ولا شيء معه ، لا جوهراً ولا عرضاً. (2)

    ولا يذهب عليك ، أنّعنوان البحث غير منطبق على ما جاء فيه ، فلو كان العنوان من جانب الموَلّف ، وإلاّ فالعنوان يهدف إلى شيء ، وما ورد فيه إلى شيء آخر ، فإنّ تسمية اللّه سبحانه أمر اتّفق عليه كافّة أهل التوحيد ، ومراده هو نفي

________________________________________

    1 ـ راحة العقل : 40.

    2 ـ علي بن محمد الوليد : تاج العقائد ومعدن الفوائد : 26.

________________________________________

(196)

الماهيّة ، كالجوهرية والعرضية.

    كما أنّمراده في بحث آخر في الكتاب ، تحت عنوان « في نفي الحدّعنه » هو نفي كونه متناهياً.

 

4 ـ نفي الصفات عنه :

    إنّنفي الصفات عنه سبحانه ، مما اشتهر عن الاِمام أمير الموَمنين (عليه السّلام) في خطبه ، وعنه أخذت المعتزلة ، قال (عليه السّلام) : « أوّل الدين معرفته ، وكمال معرفته التصديق به ، وكمال التصديق به توحيده ، وكمال توحيده الاِخلاص له ، وكمال الاِخلاص له نفي الصفات عنه ، بشهادة كلّ صفة أنّها غير الموصوف ، وشهادة كلِّ موصوف أنّه غير الصفة ، فمن وصف اللّه سبحانه فقد قرنه ، ومن قرنه فقد ثنّاه ، ومن ثنّاه فقد جزّأه ، ومن جزّأه فقد جهله ، ومن جهله فقد أشار إليه ، ومن أشار إليه فقد حدّه ، ومن حدّه فقد عده ، ومن قال : « فيم » فقد ضمّنه ، ومن قال : « عَلامَ؟ » فقد أخلى منه ». (1)

    وقد ذهبت الاِماميّة ، وقسم من المعتزلة ، تبعاً للاَدلة العقليّة ، التي أشار إليها الاِمام في كلامه ، بأنّ المرادَنفي الصفات الزائدة عليه ، لا نفي الصفات على الاِطلاق ، فاللّه سبحانه علمٌ كلّه ، قدرة كلّه ، حياة كلّه ، وهكذا ، لا أنّه شيء ، وعلمه شيء آخر ؛ خلافاً للاَشاعرة ، فقد ذهبوا إلى زيادة الصفات على الذات مع كونها قديمة ، فأورد عليهم باستلزامه القول بالقدماء الثمانية.

    ولكن الاِسماعيليّة ذهبت إلى نفي الصفات عنه على الاِطلاق ، واكتفت في مقام معرفته سبحانه بالقول بهويته وذاته دون وصفه بصفات ، حتى الصفات الجماليّة والكماليّة ، ولهذا نرى أنّ الداعي الكرماني يعترض على المعتزلة الذين

________________________________________

    1 ـ نهج البلاغة : الخطبة الاَُولى.

________________________________________

(197)

قالوا بنفي الصفات قائلاً :

    إنّ المتأمّل المنصف ، إذا فحص عن ذلك بفكره ، علم أنّ كلاً من المخالفين قد زيّن مذهبه ، بأن عمد في توحيده لمعبوده ما عمدناه ، وقصد ما قصدناه ، في استعمال حرف (لا ) في نفي (1) ما يستحق الغير عن اللّه تعالى ، خاصّة المعتزلة الذين صدّروا كتبهم ، وزيّنوها بقولهم في أُصول مذهبهم : بأنّ اللّه تعالى لا يوصف بصفات المخلوقين ... و هذا من قولهم ، هو أصل مذهبنا ، وعليه قاعدة دعوتنا ، بأنّنا لا نقول على اللّه تعالى ، ما يقال على المخلوقين ، وهو المعتمد في توحيد معبودنا ، والمقصود في أنحاء كلامنا ، لكن المعتزلة قالوا بأفواههم قول الموحدين ، واعتقدوا بأفئدتهم اعتقاد الملحدين ، بنقضهم قولهم أوّلاً بأنّاللّه لا يوصف بصفات المخلوقين ، بإطلاقهم على اللّه سبحانه وتعالى ما يستحقه غير اللّه تعالى ، من الصفات من القول بأنّه حيٌّ قادرٌ ، عالمٌ ، وسائر الصفات ، نعوذ باللّه. (2)

 

    ويقول علي بن محمد الوليد : إنّنفي الصفات عنه معتقد صحيح ، لا يسوغ تركه ، لاَنّ الصفات تلحق الجوهر ، إمّا في الاَجسام وإمّا في النفوس ، ويكون في الاَجسام كيفيات من خارجها ، كالاَقدار ، والاَلوان ، وما يجري مجراها ، وفي النفوس كيفيات من داخلها ، كالعلم ، والجهل ، ومايجري هذا المجرى ، وهو يتعالى عن أن يكون له داخل أو خارج.

    و ممّا تقرر عند كل ذي عقل أنّ الصفات تلحق الموصوف من غيره ، لا من ذاته ، ألا ترى أنّصفات الاَجسام التي هي لها ، تأتي من خارجها كالاَقدار والاَلوان ، وما يجري مجراها ، وفي النفوس كيفيات من داخلها ، كالعلم ، والجهل ومايجري هذا المجرى ، وهو يتعالى أن يكون له داخلاً أو خارجاً ، ومما تقرر عند كلّ ذي عقل أنّ الصفات تلحق الموصوف من غيره لا من ذاته. (3)

________________________________________

    1 ـ وفي المصدر (النفي)؛ راحة العقل : 52.

    2 ـ راحة العقل : 52 ـ 53.

    3 ـ علي بن محمد الوليد : تاج العقائدو معدن الفوائد : 27.

________________________________________

(198)

5 ـ الصّادر الاَوّل هو الموصوف بالصفات العليا :

    لمّا ذهبت الاِسماعيليّة إلى نفي الصفات عنه سبحانه ، مع أنّ الكتاب والسنّة مليئان بهما ، لم يكن لهم بُد من إرجاع تلك الصفات إلى المبدع الاَوّل ، الذي هو الموجود الاَوّل ، وإليه تنتهي الموجودات ، وهو الصادر عنه سبحانه بالاِبداع ، لا بالفيض والاِشراق ، كما عليه إخوان الصفا. (1)

    قال الداعي علي بن محمد الوليد : إنّ الباري تعالى وتقدّس لمّا تعاظم عن أن يُنال بصفة توجد في الموجودات ، لقصور الموجودات عن وصفه بما تستحقه الاِلهيّة ، جعل موجوداً أوّلاً تتعلّق الصفات به ، عطفاً ورحمةً ومنّة على عقول عباده أن تهلك وتضل ، إذا لم تستند إلى ما تقف عنده ، فتوقع الصفات عليه ، فجعل للعالم مبدأ مبدعاً ، وهو الاَوّل في الوجود من مراتب الموجودات ، وكان المبدع حق لوجوده عن المتعالى سبحانه ، غاية تنتهي إليها الموجودات.

    ثمّإنّه أفاض الكلام في صفاته ، وعرّفه بكونه : موجوداً حقاً واحداً ، تامّاً ، باقياً ، عاقلاً ، عالماً ، قادراً ، حيّاً ، فاعلاً.

    ثمّ قال : الحياة ذات جامعة لهذه الاَُمور وبها هي فاعلة. (2)

    وقال الداعي الكرماني في هذا الصدد :

    « فالاِبداع هو الحقّ والحقيقة ، وهو الوجود الاَوّل ، وهو الموجود الاَوّل ، وهو الوحدة ، وهو الواحد ، وهو الاَزل ، وهو الاَزلي ، وهو العقل الاَوّل ، وهو المعقول الاَوّل ، وهو العلم ، وهو العالم الاَوّل ، وهو القدرة ، وهو القادر الاَوّل ، وهو الحياة ، وهو الحيّ الاَوّل ، ذات واحدة ، تلحقها هذه الصفات ، يستحق بعضها لذاته ، وبعضها بإضافةٍ إلى غيره ، من غير أن تكون هناك كثرة بالذات.

________________________________________

    1 ـ رسائل اخوان الصفا : 3/189 ، طبعة بيروت.

    2 ـ علي بن محمد الوليد : تاج العقائد ومعدن الفوائد : 40 ـ 41.

________________________________________

(199)

    إلى أن قال : وهذه الاَُمور وجودها له ضروري ، لكونه أوّلاً في الوجود الواجب ، احتوائه على أشرف الكمالات وأشرف الموجودات.

    إلى أن يقول : وجوهر هذا الاِبداع جوهر الحياة ، وعينه عين الحياة ، والحياة متقدمة على سائر هذه الصفات ، ولذلك قدَّم اللّه تعالى عند وصفه سمة الحياة في قوله تعالى : « اللّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوم » (1) فهو متوحّد من جهة كونه إبداعاً وشيئاً واحداً ، ومتكثّر من جهة الموجود فيه من الصفات ، على ما بيّناه. (2)

    أقول : إنّ المبدع الاَوّل حسب ما يذكرونه هو الاِله الثاني ، غير أنّه يفارقه بأنّه المبدَع بإبداعه سبحانه ، وبذلك يفترق عن إله العالمين.

    وأعجب منه أنّالكرماني يصفه بأنّه أزليٌّ ، ولعلَّ المراد أنّه قديم زماناً وحادثاً ذاتاً.

    على أنّهذا الكلام باطلٌ من أصله ، وذلك : لاِمكان وصفه سبحانه بالاَوصاف الجماليّة ، والكماليّة ، من دون أن يطرأ على ذاته وصمة النقص ، وذلك بحذف المبادىَ ، والاَخذ بالغايات ، فهو سبحانه علم ، لا بما أنّه كيف ، بل بما هو وجود بحت ، وأنّ الوصف ربَّما يكون له من الكمال على حدٍّ يكون قائماً بذاته لا طارئاً على الذات ، وما يلاحظ من المباينة بين الوصف والموصوف ، فإنّما هو من خصوصيات المورد أيْ الممكنات ، ولا يجب أن يكون كلّ وصف كذلك.

________________________________________

    1 ـ البقرة : 255.

    2 ـ راحة العقل : 83 ، طبعة القاهرة.

________________________________________

(200)

الاِسماعيلية والاَُصول الخمسة

2

عقيدتهم في العدل

    قد تعرّفت في البحث السابق على أنّهم لا يصفونه سبحانه بوصف ، ويعتقدون أنّه فوق الوصف ، وأنّغاية التوحيد نفي الوصف ، وإثبات الهوية ، ولهذا لا تجد عنواناً لهذا الفصل في كتبهم حسب ما وصل بأيدينا ، ولكن يمكن استكشاف عقيدتهم في عدله سبحانه من خلال دراستهم لفعل الاِنسان ، وهل هو إنسان مسيّر أو مخيّر؟

 

1 ـ الاِنسان مخيّر لا مسيّر

    يقول الداعي علي بن محمد الوليد : الاِنسان مجبور في حال تركيبه ، ورزقه ، ومدّته ، وحركات طبائعه ، والكيان بنشوئه ، ومايحدث عليه مقهور عليه مغيّب عن إدراكه وعيانه ، ليكون مفتقراً بالدعاء والتضرّع إلى خالقه ، إذ لو كشف له لفسد حاله.و مخيّ ـ ر غير مجبور فيما يعتقد لنفسه ، من علومه ، وصناعته ، ومذاهبه ، و معتقداته.

    إلى أن قال : ولولا ذلك لما كانت لها منفعة بإرسال الرسل ، وقبول العلم ، وتلقي الفوائد والانصياع لاَوامر اللّه تعالى ، إذ لو كانت مجبورة لاستغنت عن كلّ شيء تستفيده.

    ثمّ استدلّ بآيات منها قوله تعالى : « وَ أَنْ لَيْسَ لِلاِِنْسانِ إِلاّما سَعى * وَ أَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى » (1) إلى غير ذلك من الآيات. (2)

________________________________________

    1 ـ النجم : 39 ـ 40.

    2 ـ تاج العقائد : 166 ـ 168.

(201)

2 ـ القضاء والقدر لا يسلبان الاختيار

    إنّ القضاء والقدر من العقائد الاِسلاميّة التي لا محيص لمسلم عن الاعتقاد بهما ، غير أنّ البحث فيهما ينصّب على نكتة مهمة وهي هل أنّهما يسلبان الاختيار أو لا ؟

    فالظاهر من أهل السنّة ، إلاّمَنْ شذَّ ، تفسيرهما على وجه يسلبان الاختيار ، على خلاف ما ذهبت إليه العدليّة.

    والاِسماعيليّة تُثبت القضاء والقدر حقيقةً لا مجازاً ، ولكنها تُنفي كونهما سالبين للاختيار.

    يقول الداعي علي بن محمد الوليد : القضاء والقدر حقيقة لا مجاز ، ولهما في الخلق أحوال على ما رتب الفاعل سبحانه ، من غير جبر يلزم النفوس الآدمية الدخول إلى النار أو الجنة.

    إلى أن قال : إذ لو كان كذلك لذهبت النبوات والاَوامر المسطورات في الكتب المنزّلة ، في ذم قوم على ما اقترفوه ، ومدح قوم على ما فعلوه.

    ثمّإنّه فسّر القضاء بمعنى الفراغ ، والاَمر ، والخبر ، والفعل ، والوصيّة ، وأرجع الجميع إلى معنى الفراغ.

    وأمّا القدر : فقد فسّ ـ ره بأنّه من المقدار ، والتقدير ، والترتيب ، ثمّ جعل له تفاسير ثمانية ، ومن أراد فليرجع إليه. (1)

    وقد نقل في آخر الفصل رسالة الحسن البصري إلى الحسين بن علي عليمها السّلام يسأله عن القضاء والقدر ، كما نقل جواب الاِمام إليه ، وقد جاءت هذه الرسالة أيضاً في كتاب « تحف العقول » للحلبي الحراني مع اختلاف يسير.

________________________________________

    1 ـ تاج العقائد : 179.

________________________________________

(202)

الاِسماعيلية والاَُصول الخمسة

3

عقيدتهم في النبوة

1 ـ النبوّة أعلى درجات البشر

    النبوّة : عبارة عن ارتقاء النفس إلى مرتبة تصلح لاَن يتحمل الوحي.

    يقول الداعي علي بن محمد الوليد : إنّالرسول الحائز لرتبة الرسالة ، لا ينبغي أن يكون كمالاً يفوق كماله ولا علماً يخرج عن علمه ، وأنّه الذي به تكون سعادة أهل الدور من أوّله إلى آخره ، وأنّ السعادة الفلكيّة ، والاَشخاص العاليّة ، والموَثرات ، خدم له في زمانه.

    والوجود مكشوف له ، وبين يديه ، فنظره ثاقب ، وإحاطته كلّية ، وحدود أوضاعه مبرّأة من النقص ، وجميع ما يأتي به محرر ، لا يحتاج إلى زيادة ، وأقواله لا تردّ ، ولا يوجد فيما ينطق به خلل ، وجوهره المقدّس نهاية في الشرف ، وأنّ القوة الملكية عليه أغلب وحواسه خادمة لنفسه ، وعقله لا ينظر إلاّإلى أوامر اللّه تعالى خالقه ، وأنّه في نهاية من المنازل من مولودات العالم في حسنه. (1)

 

2 ـ الرسالة الخاصة والعامة

    إنّ الرسالة على ضربين : خاصّة ، وعامّة.

________________________________________

    1 ـ تاج العقائد : 57 ـ 58.

________________________________________

(203)

    فالرسالة العامّة شاملة طبعاً ، وعقلاً ، ولولا الرسالة الاَُولى العامّة ، لن تُقبل الرسالة الخاصّة ، وذلك لاَنّه تعالى خلق الصورة الآدميّة ، وأكمل منافعها ، وسوّاها على أحسنِ هيئة ، ووضع فيها العقل الغريزي ، الذي إليه ترجع أحوال الصورة لنيل منافعها ، فهو الرسول الاَوّل المُعدُّ لقبول أمر الرسول الثاني ، الخاص لمنافع النفس في الآخرة ، مثلما كان الاَوّل لمنافع الدنيا ، وعلى الاَوّل يعول في الاغتذاء ، وطلب المصالح بغير ثواب ولا عقاب ، إذ هو أمرٌ بديهي لمنافع الصورة ، وعلى الثاني يكون الحساب والعقاب ، إذ هو أمرٌ ربّانيّ ، يدعو إلى دار غير دار الطبيعة.

    إلى أن قال :

    فإذا أظهر الرسول الرسالة ، كانت الفضيلة على المستضيء المنتفع بها ، وذلك القادح هو الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى الخلق وحجّته على أهل زمانه ، وهو لسانه فيهم ، وترجمانه في العالم السفلي بأسره ، والمتبحّر أبداً في الحكمة. (1)

    أقول : إنّتسمية العقل الاِنسانيّ بالرسول لا يخلو من شيء ، والاَولى تسميته بالحُجّة الباطنة ، في مقابل الحجّة الظاهرة ، الذي هو النبي.

 

3 ـ الوحي

    إنّ الوحي : إلهام خاص بالاَنبياء والمرسلين ، إذا كانت لغاية التشريع ، وتبيين الوظائف لمن بعثوا إليهم ، وله طرق ثلاثة ، جاء في الذكر الحكيم ، قال سبحانه :

    « وَ ما كانَلِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللّهُ إِلاّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَرَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ » . (2)

________________________________________

    1 ـ تاج العقائد : 48 ـ 50.

    2 ـ الشورى : 51.

________________________________________

(204)

    وأمّا الوحي عند الاِسماعيليّة ، فيقول الداعي علي بن محمد الوليد : إنّ الوحي : هو ما قبلته نفس الرسول من العقل ، وقبله العقل من أمر باريه ، ولم يخالفه علم تألفه النفس الناطقة ، بقواها ، ثمّ تتأمّل منه النفس ما ليس لها استنباطاً بذاتها ، ولا تستخرجه بفكرها ، وتكون فيه غاية لسداد قصدها ، ومصلحة لجميع أمرها.

    إلى أن قال : والفرق بين الوحي وغيره من سائر العلوم ، أنّ الوحيَ يرد على من يوحى إليه مفروغاً منه ، قد استغنى عن الزيادة فيه والنقصان منه ، كما يقع الصحيح للمستمع من المتكلم ، وصفه ومعناه خارجين عن قدرة من جاء به ، وليس كذلك العلوم ، لاَنّها تكون بالمقايسة ، وكثرة الذّوبِ فيها ، وإعمال الفكر و الرّويّة والتأليف والتحرير. (1)

    ثمّ للداعي الكرماني كلام مفصّلٌ في الوحي لا يخلو من تعقيد. أعرضنا عن نقله. (2)

 

4 ـ في أنّالاَنبياء لا يولدون من سِفاح

    يقول علي بن محمد الوليد : إنّ الاَنبياء والاَئمّة (عليهم السّلام) لا يلدهم الكفّار ، ولا يولدون من سِفاح ، ثمّ استدلَّ ببعض الآيات ، وما جاء في التاريخ في حقّ عبد المطلب وأبي طالب. (3)

 

5 ـ في صفات الاَنبياء

    يقول الداعي الكرماني : الموَيد المبعوث مجمع الفضائل الطبيعيّة ، التي هي

________________________________________

    1 ـ تاج العقائد : 47 ـ 48.

    2 ـ راجع راحة العقل : 409 ـ 410.

    3 ـ تاج العقائد : 51.

________________________________________

(205)

أسبابٌ في نيل السعادة الاَبديّة ، وهو فيها على أمر يكون به على النهاية في جميعها ، من جودة الفهم والتصوّر لما يشار إليه ويومأ ، ومن جَودة الحفظ لما يراه الخاطر والعين على تباينه ، ويدركه السمع من الصوت على اختلافه ، ومن جودة الفِطنة والذكاء والتوقّد فيهما ، ومن جودة الذكر ، ومن جودة الاَعضاء وسلامتها ، والقدرة على التأنّ ـ ي بمعاناة أُمور الحرب ومباشرتها والصبر عليها ، ومن جودة الفطرة والطبع ، ومن جودة النحيزة (الخير) في السلامة والانقياد لكلّ خير ، فيكون خالياً من الرذائل ، التي هي الشره والطمع والرغبة في المأكول والمشروب والمنكوح زيادة على الحاجة ، واللعب واللهو ، وعاطلاً في الجملة ، من الاَُمور التي تعوق على النفس سعادتها.

    ويكون عظيم النفس كريماً ، محبّاً للعدل ، مبغضاً للظلم والجور ، موَثراً لما يعود على النفس منفعته من العبادة ، مقداماً في الاَُمور ، جسوراً عليها ، لا يروعه أمر في جنب ما يراه صواباً بجوهره. (1)

 

6 ـ الرسول الناطق

    الرسول الناطق ، هو الاَصل الذي يصدر عنه الدين بما فيه من علم وعمل ، وبمن فيه من أئمة يدعون إلى التحقّق بكمال العلم عن طريق العبادة الظاهرة. (2)

    وفي الحقيقة ، الرسولُ الناطق عندهم ، عبارة عن أُولي العزم من الرُّسل ، غير أنّهم يعدون آدم منهم ، والمشهور عند سائر المسلمين أنّه ليس منهم ، ويضيفون إليهم محمد بن إسماعيل باسم القائم؛ وإليك أسماءهم : آدم ، نوح ، إبراهيم ، موسى ، عيسى ، محمد ، القائم.

________________________________________

    1 ـ راحة العقل : 421 ـ 422.

    2 ـ مصطفى غالب : في مقدمة كتاب الينابيع : 17.

________________________________________

(206)

    وكلّ واحد منهم رسول ناطق ، يتقدّمه إمام مقيم ويتلوه الاَئمة الاَساس ـ المتم ـ المستقر ـ المستودع ـ وهم يتعاملون مع القائم الذي يبتدأ به الدور ، أعني : محمد بن إسماعيل ، معاملة الرسول الناطق ، ولا يشترط أن يكون في كلّدور إمامٌ مستودعٌ ، فإنّه إنّما يتسلّم شوَون الاِمامة في الظروف الاستثنائية ، وكأنّه ينوب عن الاِمام المستقر كما سيتضح معنى ذلك.

    ولا يخفى أنّ في صميم العقائد الاِسماعيليّة تناقضاً وتعارضاً ، فمن جانب نراهم يصرّحون بخاتميّة النبوة والرسالة ، وأنّ القرآن حجّة خالدةً إلى يوم القيامة ، وأنّه لا ينسخ القرآن إلاّ بالقرآن. (1)

    ومع ذلك فمحمد بن إسماعيل ، المعبّر عنه بالقائم عندهم من النطقاء (2)

    ولاَجل إيضاح ذلك سوف نبحث عن عقيدتهم في الاِمامة إن شاء اللّه.

 

7 ـ في المعجزات التي يأتي بها الرسل

    قال علي بن محمد الوليد : إنّ المعجزات التي ترد وقت إظهار الشرائع من الرسول حقيقية ، وإنّها على ثلاثة أقسام :

    الاَوّل : خرق العادة في تكوين العالم بظهور ما يعجز العقل عن وجوده من الاَُمور الطبيعية ، من ردّ ما في الطبيعة عن قانونه المعهود لقهر العقول ، ودخولها تحت أمر المعقولات ، ومن أجله يعلم أنّه متصل بالفاعل ، الذي لا يتعذّر عليه متى أراد ، إذ كلّما في العالم لا يتحرك إلاّ بمادته وتدبيره.

    الثاني : ما يأتي به الشخص المبعوث من النطق المنسوب إلى من أظهر له المعجزات ، وأعجز كافّة أهل الدور عن الاِتيان بمثله.

________________________________________

    1 ـ تاج العقائد : 98.

    2 ـ وقد مرّ كلامهم في ذلك ص 92. وما علقنا عليه فلاحظ.

________________________________________

(207)

    الثالث : جميع الفضائل الموجودة في أشخاص العالم فيه حتى لا يوجد فوق كماله كمال في وقته. (1)

    أقول : إنّ القسم الثاني الذي يريد به القرآن الكريم داخل تحت القسم الاَوّل ، فلا وجه لعدّه قسماً ثانياً.

    والقسم الثالث : كمالات النبي ، ولا تعدّ معجزة.

 

8 ـ في أنّ الرسول الخاتم أفضل الرّسل

    يُفضَّلُ رسول اللّه على سائر الرسل والاَنبياء من وجوه ، أفضلها الوجوه التالية :

    أ : هو أنّه سبحانه جعل شريعته موَيّدة لا تُنسخ أبداً ، وجعل الاِمامة في ذريّته إلى قيام السّاعة ، ولم يُقدَّر ذلك لغيره.

    ب : انّاللّه عزّوجلّ أعطاه الشفاعة في الخلق. ولم يعطها إلى نبي قبله.

    ج : انّالاَنبياء قبله بطلت معجزاتهم من بعدهم ، ومعجزة محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهي « القرآن » ثابتة موَيّدة لا تفنى أبداً إلى حين زوال أحكام الدنيا. (2)

 

9 ـ في أنّ الشريعة موافقة للحكمة

    إنّ الحكمة والفلسفة العقليّة ، هي والحكمة الشرعيّة سواء ، لاَنّ اللّه سبحانه خلق في عباده حكماء ، وعقلاء ، ومحال أن يشرع لهم شرعاً غير محكم وغير معقول ، ولا يبعث برسالته وشرعه إلاّ حكيماً عاقلاً مدركاً مبيّناً لِما تحتاجه العقول ، ويكلّف لها بما يسعدها ويقوّي نورها ويعظّم خطرها. (3)

________________________________________

    1 ـ تاج العقائد : 97.

    2 ـ تاج العقائد : 59 ـ 60.

    3 ـ المصدر نفسه : 101.

________________________________________

(208)

10 ـ في أنّالشريعة لها ظاهر وباطن

    يقول علي بن محمد الوليد : إنّالشارع قد وضع أحكام شريعته وعباداتها من الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحجّ وغير ذلك ، مضّمنة للاَُمور العقليّة والاَحكام والمعاني الاِلهيّة ، وما يتخصص منها من الاَُمور الظاهرة المشاكلة لظاهر الجسم ، والاَُمور الباطنة المشاكلة للعقل ، والنفس ، وكلُّ من حقق ذلك كانت معتقداته سالمة. (1)

    أقول : هذا المقام هو المزلقة الكبرى للاِسماعيلية الموَوّلة ، إذ كلُّ إمام وداعٍ ، يسرح بخياله فيضع لكل ظاهر باطناً ولكلّ واجب حقيقةً ، يسمي أحدهما بالشريعة الظاهرية والآخر بالباطنية من دون أن يدلّ عليه بدليل من عقل أو نقل ، فكلُّ ما يذكرونه من البواطن للشريعة ذوقيات ، أشبه بذوقيات العرفاء في تأويل الاَسماء والصفات وغير ذلك ، وكأنّالجميع فروع من شجرة واحدة. وستوافيك نظرية المثل والممثول في فصل خاص ، وتقف على تأويلاتهم.

________________________________________

    1 ـ تاج العقائد : 101.

________________________________________

(209)

الاِسماعيلية والاَُصول الخمسة

4

عقيدتهم في الاِمامة

    تحتل الاِمامة عند الاِسماعيلية مركزاً مرموقاً حيث جعلوها على درجات ومقامات وزودوا الاَئمة بصلاحيات واختصاصات ، ولتسليط الضوء على عقيدتهم فيها نبحث في مقامين :

 

المقام الاَوّل : الاِمامة المطلقة

    إنّدرجات الاَئمّة ورتبهم لا تتجاوز عن الخمسة من دون أن تختص بالشريعة الاِسلامية ، بل تعم الشرائع السماوية كلّها ، وبما أنّمذهب الاِسماعيلية أُحيط بهالة من الغموض عبر القرون لم يكن من الممكن أن يقف أحداً عليها إلاّطبقة خاصة من علمائهم ، وكانوا يبخلون بآرائهم وكتبهم على الغير ، غير أنّ الاَحوال الحاضرة رفعت الستر عن كتبهم ومنشوراتهم ، فقام المستشرقون وفي مقدّمتهم « ايفانوف » الروسي وتبعه عدد آخر من المحقّقين بنشر آثارهم ، وعند ذلك تجلّت الحقيقة بوجهها الناصع ، كما قام الكاتبان الاِسماعيليان عارف تامر ومصطفى غالب ببذل الجهود الحثيثة في نشر آثار تلك الطائفة ، فكشفا النقاب عن وجه العقيدة الاِسماعيلية وبيّناها بوجه واضح خالياً من الغموض والتعقيد الموجودين في عامة كتب الاِسماعيلية وإن كان بين الكاتبين اختلاف في بعض

 

________________________________________

(210)

الموارد ، ونحن نعتمد في تفسير درجات الاِمامة على كتاب « الاِمامة في الاِسلام » للكاتب عارف تامر ، وإليك بيانه :

    درجات الاِمامة خمس وهي :

    1 ـ الاِمام المقيم.

    2 ـ الاِمام الاَساس.

    3 ـ الاِمام المتم.

    4 ـ الاِمام المستقر.

    5 ـ الاِمام المستودع.

    و ربما يضاف إليها رتبتان الاِمام القائم بالقوة ، و الاِمام القائم بالفعل.

    فالمهم هو الوقوف على هذه الدرجات.

    يعتقد عارف تامر في كتابه « الاِمامة في الاِسلام » انّ هذه الدرجات ظلّت حقبة طويلة من الزمن مجهولة لدى الباحثين إلاّ طبقة خاصة من العلماء ، أو لا أقلّ في التقية والاستتار و الكتمان.

 

1 ـ الاِمام المقيم

    هوالذي يقيم الرسول الناطق ويعلّمه ويربّيه ويدرجه في مراتب رسالة النطق ، وينعم عليه بالاِمدادات وأحياناً يطلقون عليه اسم « رب الوقت » و « صاحب العصر » ، وتعتبر هذه الرتبة أعلى مراتب الاِمامة وأرفعها وأكثرها دقة وسرية.

 

2 ـ الاِمام الاَساس

    هو الذي يرافق الناطق في كافة مراحل حياته ، ويكون ساعده الاَيمن ،

(211)

وأمين سره ، والقائم بأعمال الرسالة الكبرى ، والمنفذ للاَوامر العليا ، فمنه تتسلسل الاَئمة المستقرون في الاَدوار الزمنية ، وهو المسوَول عن شوَون الدعوة الباطنية القائمة على الطبقة الخاصة ممن عرفوا « التأويل » ووصلوا إلى العلوم الاِلهية العليا.

 

3 ـ الاِمام المتم

    هو الذي يتم أداء الرسالة في نهاية الدور ، والدور كما هو معروف أصلاً يقوم به سبعة من الاَئمة ، فالاِمام المتم يكون سابعاً ومتماً لرسالة الدور ، وانّ قوته تكون معادلة لقوة الاَئمّة الستة الذين سبقوه في الدور نفسه بمجموعهم. ومن جهة ثانية يطلق عليه اسم ناطق الدور أيضاً ، أي انّ وجوده يشبه وجود الناطق بالنسبة للاَدوار. أمّا الاِمام الذي يأتي بعده فيكون قائماً بدور جديد ، وموَسساً لبنيان حديث.

 

4 ـ الاِمام المستقر

    هو الذي يملك صلاحية توريث الاِمامة لولده ، كما أنّه صاحب النص على الاِمام الذي يأتي بعده ، ويسمّونه أيضاً الاِمام بجوهر والمتسلم شوَون الاِمامة بعد الناطق مباشرة ، والقائم بأعباء الاِمامة أصالة.

 

5 ـ الاِمام المستودع

    هو الذي يتسلّم شوَون الاِمامة في الظروف والاَدوار الاستثنائية ، وهو الذي يقوم بمهماتها نيابة عن الاِمام المستقر بنفس الصلاحيات المستقرة للاِمام المستقر ، ومن الواضح أنّه لا يستطيع أن يورث الاِمامة لاَحد من ولده ، كما أنّهم يطلقون عليه (نائب غيبة). (1)

 

________________________________________

    1 ـ عارف تامر : الاِمامة في الاِسلام : 143 ـ 144.

________________________________________

(212)

    والعجب انّهم عندما بحثوا موضوع الاِمامة لم يجعلوا تسلسلها من إسماعيل ابن جعفر الصادق فحسب ، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك ، وحجتهم انّ الاِمامة إذا كانت قد بدأت من هذا العهد المبكر فتكون محدثة ولا يقوم وجودها على أساس (1) ، فذهبوا إلى عهد بدء الخليقة المعروف من عصر آدم إلى يومنا هذا ، ثمّ أضافوا إلى ذلك قولهم بالاَدوار والاَكوار ، فقد جعلوا كل دور يتألف من إمام مقيم ورسول ناطق أو أساس له ، ومن سبعة أئمة يكون سابعهم متم الدور ، ويمكن أن يزيد عدد الاَئمّة عن سبعة في ظروف أُخرى وفي فترات استثنائية ، وهذه الزيادة تحصل في عداد الاَئمّة المستودعين دون الاَئمّة المستقرين ، أمّا الدور فيكون عادة صغيراً وكبيراً ، فالدور الصغير هو الفترة التي تقع بين كلّ ناطق وناطق يقوم فيها سبعة أئمّة. أمّا الدور الكبير فيبتدىَ من عهد آدم إلى القائم المنتظر الذي يسمّى دوره الدور السابع ، ويكون بالوقت ذاته متماً لعدد النطقاء الستة.

    فلاَجل عرض صورة عن عقائدهم في مجال تسلسل الاِمامة من عصر أبينا آدم إلى يومنا هذا سوف نأتي بالجداول التي استخرجها ، عارف تامر في كتاب « الاِمامة » ومصطفى غالب في كتاب « تاريخ الدعوة الاِسماعيلية ».

    يقول عارف تامر : إنّ هذا الموضوع من أدق المواضيع وأصعبها ، بل هو بالحقيقة من الدعائم المتينة في عقائد الاِسماعيلية ، وقد يبدو لكل باحث فيها انّ دعاتها حافظوا على سريته التامة طيلة العصور الماضية وجعلوا معرفته مقتصرة على طبقة خاصة من العلماء والدعاة. (2)

    و سوف توافيك تلك الجداول تحت عنوان « شجرة الاِمامة الاِسماعيلية » في الفصل الحادي عشر فانتظر.

________________________________________

    1 ـ ماذا يعنون من هذه الجملة ، هل الاِمامة أمر أزلي ، أو الاِمام موجود قديم مع تضافر البراهين على حدوث ما سوى اللّه سبحانه؟!

    2 ـ الاِمامة في الاِسلام : 141.

________________________________________

(213)

المقام الثاني : في الاِمامة الخاصة

    قد تعرفت على نظام الاِمامة في مذهب الاِسماعيلية ولكن المهم هو الوقوف على ملامح الاِمامة عندهم بصورة عامة ، وقد تصدّى لذكرها الداعي اليمني علي ابن محمد الوليد في كتابه « تاج العقائد » ونحن ننقل منه ما يبيّن عقيدتهم في ذلك :

 

1 ـ صاحب الوصية أفضل العالم بعد النبي في الدور

    إنّ صاحب الوصية هو الذي جوهره لاحق بجوهره ، وكماله مشتق من كماله ، وإنّ معاني أقواله ورموز شريعته وأسرار ملته وحقائق دينه توجد عنده ، ولا تتعداه ، ولا توَخذ إلاّ منه ، وانّه المبرهن عن أغراضه ، والمفصح لاَقواله ، المبين لاَفعاله ، القائم بالهداية بعده لمن قصد المعرفة لما جاء به ، والحافظ لشريعته من الآراء المختلفة ، وبذلك كان وصياً ، ولا يوجد في الاَصحاب من يقوم مقامه ، ولا يسد مسده في حفظ معاني تكليفه الذي أخذه عن باريه مع ما يوجد فيه من الطهارة ، وصدق القول ، وزكاة النفس ، والاحتواء على العلوم ، والقربة منه في الطبع ، والجوهر ، والسابقة ، والصحبة ، و الاَصل. (1)

 

2 ـ في أنّ الاِمامة في آل بيت رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم)

    يُعْتقد انّ الاِمامة في آل بيت رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من نسل علي وفاطمة فرض من اللّه سبحانه أكمل به الدين فلا يتم الدين إلاّ به ، ولا يصحّ الاِيمان باللّه والرسول إلاّ بالاِيمان بالاِمام وا لحجّة ، ويدل على فرض الاِمامة إجماع الاَُمّة على أنّ الدين والشريعة لا يقومان ولا يصانان إلاّ بالاِمام ، وهذا حقّ لاَنّه سبحانه لا

________________________________________

    1 ـ تاج العقائد : 65.

________________________________________

(214)

يترك الخلق سدى. ولا يمنعهم هذه الفريضة التي لا تسوغ الهداية إلاّ بها.

    وإنّ الرسول نص على ذلك نصاً تشهد به الاَُمة كافة بقوله : « الحسن والحسين إمامان إن قاما وإن قعدا ، وأبوهما خير منهما » ، ولم يحوج الاَُمّة إلى اختيارها في تنصيب الاِمام ، بل نص عليها بهذا لاَنّ بالاِمامة كمال الدين.

    فلو أنّ الرسول تركها حتى تكون الاَُمة هي التي تفعلها ويتم بما فعلوه (في) دين اللّه بقولهم انّ الرسول لم ينص على الوصية ولا استخلف أحداً لخرجت الاِمامة عن أن تكون فرضاً على الاَُمة ، وكان سبيلها سبيل الولاة في كلّ زمان ، القائمين بأُمور الناس.

    إلى أن قال : وقد اعترف المخالفون انّ إمامة الثلاثة ليست بنص ، لاَنّهم قد جحدوا النص والوصية وفيما جرى في السقيفة من الاَُصول ما يجب للعاقل أن يفكر فيه وغير معيوب على المتخلّف عن بيعتهم والخلاف لهم فيها إذ كان الحال فيما تقرّر مشهوراً غير مستور ، والعودة إلى الحقائق أولى لمن يعتمد عليها إذا كان طالباً للهداية مع ترك التعصب. (1)

 

3 ـ في أنّ الاِمامة وارثة النبوة والوصاية

    الاِمام يرث من النبوة الظواهر والاَحكام وجري الاَُمور على ما علمه من النظام.

    ويرث من صاحب الوصاية المعاني التي ورثها عن النبوة ، ليكون الكمال موجوداً لقاصده ، ومسلماً في شريعته التي جعلها عصمة لمن التجأ إليها ، وطهارة لمن التزم قوانينها وسار على محجَّتها ، فتسلم له دنياه ويفوز في عقباه بالتجائه إلى من عنده علم النجاة وحقيقة الشريعة السالمة من كلّتغيير وتمويه مع سلامة

________________________________________

    1 ـ المصدر نفسه : 65 ـ 66.

________________________________________

(215)

توحيده لباريه. (1)

    أقول : ولا يذهب عليك أنّ الاِمام على هذا أفضل من النبي كما هو أفضل من الوصي ، لاَنّ الاِمام جامع للمنقبتين ظاهر الشريعة وباطنها ، إلاّ إذا كان النبي رسولاً فهو جامع أيضاً للمنقبتين ، ولا أدري من أين لهم هذه الضوابط والقواعد ، وما هو الدليل على هذا التقسيم؟!

 

4 ـ في انقطاع الوصاية بعد ذهاب الوصي

    يُعْتقد أنّ الوصي إنّما يوصيه الرسول على معالم شريعته ، وأسرار ملّته ، وعيون هدايته ، وحقيقة أقواله ، وحفظ أسراره ، فإذا قام بها ومضى إلى دار كرامته استحال قيام وصي ثان بعده ، لاَنّ الشريعة لم تتغير ، ولا ذهبت فتأتي أوامر جديدة تحتاج إلى من يوصّى بحفظها والقيام بمعانيها وضبط أحوالها ، فلهذا كان انقطاع الوصية بعد مضي الوصي الذي خلّفه الرسول في العالم. (2)

 

5 ـ في استمرار الاِمامة في العالم دون النبوة والوصاية

    يُعْتقد : انّالاِمامة مستمرة الوجود في الاَدوار جميعها ، من أوّلها إلى آخرها ، لاَنّ الاِمام هو الوارث لما جاء به النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من الشرع والوصي على البيان ، لكونه حافظاً في الاَُمة على الهداية التي ورثها منهما ، ولمّا كان أمر الرسول والوصي جارياً على أهل الدور من أوّله إلى آخره ، كان من ذلك حفظ درجة الاِمامة على الدور بالاستمرار ، والتوالي ، إذ لم يبق زيادة تستجد فتحتاج إلى منزلة مستجدة ، فكانت هداية موروثة منسوبة إلى أصل الدور ، ومعلم الشريعة والبيان ، فلا تزال هذه

________________________________________

    1 ـ تاج العقائد : 66.

    2 ـ المصدر نفسه : 68.

________________________________________

(216)

الحالة مستمرة إلى حين تأذن الحكمة الاِلهية بتجديد شريعة ثانية ، وأمر يحتاج العالم إليه لحفظ نظامه ، ولمّا كانت هذه الشريعة ، أي شريعة محمد ، لا تنسخ ، ولا يفقد حكمها حتى قيام الساعة ، بقيت الاِمامة فيها موجودة ، ومحفوظة إلى حين قيام الاَشهاد ، ويوم التناد ، فلهذا استمرت الاِمامة في العالم دون النبوة ، والوصاية. (1)

    وعلى هذا فكلّ إمام غائب أو حاضر بعد الاِمام الصادق يساوي في الفضل والعلم والكمال الاِمام المنصوص في يوم الدار ويوم الغدير ، فالاِمام الحاضر ، أعني به : كريم آغا خان ، تساوي كفته في معالي الاَُمور كفّة الاِمام علي بن أبي طالب (عليه السّلام) فيقوم بنفس ما يقوم به الاِمام.

    ياتُرَى ما هذا الجور في القضاء والاعتساف في الحكم ، فكيف يكون الاِمام المذكور إماماً عالماً محيطاً بالشريعة وواقفاً على أسرارها مع أنّه تلقى علومه الاَوّلية في مدارس سويسرا فأتقن الانكليزية والفرنسية والاِسبانية كما درس اللغة العربية وبعد أن أكمل تحصيله في سويسرا انتسب إلى جامعة هارفرد الاَمريكية؟!! (2)

    والاِمام الذي يتلقّى العلوم الظاهرية في المدارس والجامعات كيف يكون واسطة في الفيض ، واقفاً على الاَسرار ، وإماماً يعادل في التقى والعصمة والعلم والفضل الاَئمّة المعصومين المنصوبين من قبل النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ؟!

    وكأنّي بابن المعرة يقول :

فيا موت زر إنّالحياة ذميمة                و يا جد جدي ان سعيك هازل

________________________________________

    1 ـ تاج العقائد : 69.

    2 ـ راجع تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 403.

________________________________________

(217)

6 ـ في أنّ الاِمام لا تجوز غيبته من الاَرض

    إنّ الاِمام لا تجوز غيبته عن الاَُمة بوجه ، ولا بسبب ، وإن حدثت فترة فتكون خواص شيعته على اتصال به ويعرفون مقامه ، ويدلّون من خلصت نيته إلى مقره.

    والغيبة لا تخلو من ثلاث خصال :

    1 ـ أن تكون غيبته من قبل اللّه.

    2 ـ أن تكون من قبل نفسه.

    3 ـ أن تكون من قبل الناس وخيفة من أعدائه.

    فباطل أن تكون الغيبة من قبل اللّه ، لاَنّذلك لا يليق بالحكيم العادل.

    وإذا رجعنا إلى نفسه فلا نجدها من قبلها ، لاَنّه معصوم من الخطايا وفرض ولايته يوجب حضوره.

    وإن كان من قبل الناس ، فقد شكّ في دين اللّه ، لاَنّ اللّه نصبه وتكفل إيصال الهداية إلى الاَُمة به ، وعرّفه أنّه لا يخرج من العالم حتى يورث مقامه هادياً مثله.

    إذن فليس لخوفه من الناس وجه.

    إلى أن قال : والاِمام هوالحاكم بين عباد اللّه ، الموهوب له الحكم من الحكيم الخبير والنائب في خلافته على الخلق ، الوارث الاَرض ، والمتصرف بأحكامها ولا يجب زواله ولا عدمه بوجه من الوجوه. (1)

    أقول : إنّ المراد من الغيبة ليس هو الغيبة عن عالم الوجود كما تصوّره ذلك الكاتب ، بل المراد من الغيبة هو الغيبة عن أعين الناس ، فهو يبعث بين الناس فيعرفهم ولا يعرفونه ، لا أنّه يخرج من الدنيا ويعيش في عالم آخر يباين ذلك

________________________________________

    1 ـ تاج العقائد : 69 ـ 70.

________________________________________

(218)

العالم ، وهذا يعرب عن أنّالداعي لم يرجع إلى كتب الاِمامية الاثني عشرية ، وهو مع ذلك يتصرف في الاَُمور حسب مصالح الناس وإن كان الناس لا يعرفونه ، ويتشرف بحضوره ويتمتع بلقائه من هو أهل لذلك وإن كان يكتمه ولا يظهره إلاّللخاصة من الناس.

    هذا هو القرآن الكريم يعرّف لنا ولياً من أوليائه سبحانه ، كان يعيش بين الناس ويركب سفينتهم ويتصرف فيها أمام أعينهم وهم لا يعرفونه ويتصرف في أُمور أشد من ذلك يقتل غلاماً معصوماً بإذن من اللّه ولا يُلاحَق ، ويبني جداراً في حال الانقضاض تحته كنز ليتيمين لغاية الستر عليه حتى يستخرجا كنزهما رحمة من ربه يقول سبحانه :

    « أَمّا السَفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُّ أَنْ أَعِيبَها وَ كانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً * وَ أَمّا الغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُوَْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً * فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً * وَأَمّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينةِ وَ كانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَ كانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَ يَسْتَخْرِجا كَنْزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ » . (1)

    وقد غاب عن أعين الناس على وجه لم يكن الرسول موسى (عليه السّلام) عارفاً به ، وإنّما عرفه بتعريف من اللّه سبحانه.

    فلماذا لا تكون غيبة الاِمام بهذه الصورة ، أي يكون غائباًعن أعين الناس ولكن متصرفاً في مصالحهم ويلتقي مع خيار أُمته؟

    هذا وانّ لاَصحابنا كتباً ورسالات حول غيبة الاِمام الثاني عشر كشفوا فيها علل الغيبة ومصالحها وفوائدها ، فمن أراد فليرجع إليها. (2)

________________________________________

    1 ـ الكهف : 79 ـ 82.

    2 ـ لاحظ ، كمال الدين للشيخ الصدوق ، الغيبة للشيخ الطوسي ، ومنتخب الاَثر للعلامة الصافي.

________________________________________

(219)

7 ـ في الوصية بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى الوصي

    يعتقد بوصية الرسول إلى علي بن أبي طالب (عليه السّلام) من اثني عشر وجهاً ، منها :

    1 ـ قول النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : « لا يحل لامرىَ مسلم أن يبيت ليلتين إلاّو وصيته مكتوبة عند رأسه ».

    2 ـ إجماعنا على أنّالرسول استخلف علي في المدينة في غزوة تبوك مقتدياً باستخلاف موسى لاَخيه هارون عند مضيه لميقات ربه ، وفي هذا الاستخلاف قال له : « يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي ».

    3 ـ حديث الدار والاِنذار وقد ذكره المفسرون في تفسير قوله سبحانه : « وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الاََقْرَبينَ » (1). (2)

    أقول : والعجب انّه لم يذكر حديث الغدير الذي اتفقت الاَُمّة على نقله!!

 

8 ـ في قعود علي عن الخلافة

    ويعتقد انّ قعود الوصي بعد الوصية لم يكن عن عجز ، ولا تفريط ، و ذلك لاَنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد أعلمه عن دولة المتغلبين ، وعقوبة اللّه عزّ وجلّ لهم في ذلك بقوله : « إنّ لك يا علي في أُمّتي من بعدي أمر ، فإن ولّوك في عافية ، وأجمعوا عليك في رضى ، فقم بأُمورهم ، وإن اختلفوا واتبعوا غيرك ، فدعهم وماهم فيه ، فإنّاللّه سيجعل لك مخرجاً ».

    فلمّا قام أمير الموَمنين في يوم الجمل وصفين والنهروان قام في الوصية أيضاً لقول الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : « يا علي تقاتل بعدي الناكثين والمارقين والقاسطين ».

________________________________________

    1 ـ الشعراء : 214.

    2 ـ تاج العقائد : 60 ـ 64.

________________________________________

(220)

    فليت شعري من هوَلاء الذين نكثوا ومرقوا وقسطوا حتى قاتلهم ، هل هم غير أُمّة محمد الذين نكثوا بيعة وصيّه ومرقوا عن أمره ، وقسطوا وأظهروا الاَحقاد الكامنة له ولاَهل بيته بالرغم من أوامر الرسول إليهم. (1)

 

9 ـ في فساد إمامة المفضول

    يعتقد فساد إمامة المفضول وإبطال إمامة المشرك الناقض لقوله عزّوجلّ : « وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَإِنّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً قالَوَمِنْ ذُرِّيَّتي قالَلا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمينَ » . (2)

    فجلّثناوَه وتقدّست أسماوَه بيّن أنّ عهد الاِمامة وخلافة اللّه تعالى لا تلحق من أشرك باللّه طرفة عين ، وإنّما يكون ميراثها في الطاهرين المصطفين العلماء ، لقوله تعالى : « ثُمَّ أَورَثْنَا الكِتابَ الّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبيرِ » . (3)

    وقوله : « أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُون » . (4)

    وقد ثبت انّ كلّ من دخل في الاِسلام من الجاهلية فقد عبد الاَصنام وتدنس بالشرك مع ما كانوا يفعلون برسول اللّه أيام حياته ممّا هو مشهور غير خفي.

    و توقف كلّ واحد منهم بعده وحاجتهم إلى علم علي مع طهارته واصطفائه عليهم في حالتي العلم والجسم ، وكونه لم يسجد لصنم ، ولا توقف عن أمر محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولا كانت له سابقة في الجاهلية ، ولا أشرك في اللّه طرفة عين ، ولا

________________________________________

    1 ـ المصدر نفسه : 72.

    2 ـ البقرة : 124.

    3 ـ فاطر : 32.

    4 ـ يونس : 35.

(221)

تحمّل ، ولا كذب ، ولا داهن ، ولا مال إلى مفضول ، بالرغم من ميل الغير عنه إلى كل مفضول ، مع إقرار المفضول على نفسه بقوله : « ولّيت عليكم ولست بخيركم » وغير ذلك من قوله : « فإن غلطت فردّوني ، وإن اعوججت فقوّموني ، فإنّ لي شيطاناً يغريني ».

    فليت شعري على أي شيء اعتمدوا بتقديم من قدّموه دون نص ، أو وصية ». (1)

 

10 ـ في إبطال اختيار الاَُمّة للاِمام

    ويعتقد انّ اختيار الاَُمّة لنفسها الاِمام غير جائز ، لاَنّ إقامة الحدود على الاَُمّة هي للاِمام ، ففيها بعض رسوم الشريعة المبسوطة إلى الاِمام ، من دون الاَُمة ، فإقامة الاِمام الذي تتعلّق به كلّ أُمور الشريعة ، لاَنّه صاحب المقام العظيم ، والمستخلف أولى أن يكون بأمر اللّه ، وإذا كان إقامة الاِمام بأمر اللّه كان من ذلك الاِيجاب بأنّ الاختيار من الاَُمّة باطل.

    وانّ صحّة العلم انّ المختار للاِمامة لا يكون إلاّ بعد الاِحاطة بجميع ما يحتاج إليه في الاِمامة من علم الشريعة والكتاب والاَحكام ، ثمّ العلم بأنّ ما عرف ممّا يحتاج إليه في الاِمامة موجود فيمن يختاره هوكاف فيه. (2)

 

11 ـ في أنّ كلّ متوثب على مرتبة الاِمام فهو طاغوت

    ويعتقد انّ كلّ من دفع الاِمام عن مقامه ومنزلته وعانده بعد وصية النبي له في كلّ عصر وزمان ، إنّما هو المشار إليه باسم الطاغوت ، وهو رئيس الجائرين

________________________________________

    1 ـ تاج العقائد : 75 ـ 76.

    2 ـ تاج العقائد : 76.

________________________________________

(222)

الحائدين عن أمر الرسول ، المعنيّ بالظالم ، الذي توجهت إليه الاِشارة وإلى أمثاله في كلّ دور : « وَيَوْمَ يَعَضُّ الظّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَني اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسولِ سَبيلاً » . (1) إلى قوله تعالى : « لَقَدْ أَضَلّني عَنِ الذِّكْرِ بعْدَ إِذْ جاءَني وَكانَ الشيطانُ لِلاِنْسانِ خَذُولاً » . (2)

    فالطاغوت هو رئيس الجائرين المعتدي على المنصوص عليه ، والشيطان معاضده على الباطل القائم في نصرته المنمِّق للاَحاديث الكاذبة ليصرف وجوه الناس إليه ، ويصدّهم عن أمر اللّه ورسوله بالكون معه ، والطاعة له ، وإذا نظروا إلى ما تضمّنته الشريعة ، يتبين لهم الاَمر على جليته ، وتنفتح لهم طرق الهداية ويقع الانتباه ويزول الهوى ويشملهم التوفيق في قصدهم. (3)

 

12 ـ في أنّ الاَرض لا تخلو من حجّة للّه فيها

    يعتقد انّ الاَرض لا تخلو من حجّة للّه فيها : من نبي ، أو وصي ، أو إمام يقوم المسائل ، ويقيم الحدود ، ويحفظ المراسيم ، ويمنع الفساد في الشرع ، ويقبل الاَعمال ، ويزكّي الاَفعال ، وتقام به الحجة على الطالب ، ويزيل المشكلات إذا حلت على المتعلمين ، ويركز الاَُمة بعد غيبة نبيها ، إذا كان شخصه غير مستقر البقاء في العالم ، محفوظ النسب ، معروف الولادة ، متبِع دينَ آبائه ، لا يرجع عن أقوالهم ، ولا يقدم غيرهم ، ولا يكون مأمون خلاف غيره ، ولا مشير في الفضيلة إلى سواه ، متبوع لا تابع ، مقصود لا قاصد ، مرغوب في حكمه ، وصحّة أفعاله ، وتعاليمه ، وهدايته ، لاَنّ الرسول جعله دليلاً للمتعلم ، ونجاة للحائر. (4)

________________________________________

    1 ـ الفرقان : 27.

    2 ـ الفرقان : 29.

    3 ـ تاج العقائد : 78 ـ 79.

    4 ـ تاج العقائد : 70 ـ 71.

________________________________________

(223)

    أقول : إنّ ما ذكره من أنّ الاَرض لا تخلو من حجة للّه حق ، ولكن السبب ليس ما جاء في كلامه من إقامة الحدود ، وحفظ المراسم ، ومنع الفساد؛ فإنّ ذلك يقوم به سائر الولاة أيضاً ، وإنّما الوجه انّه الاِنسان الكامل وهو الغاية القصوى في الخلقة ويترتب على وجود ذلك الاِنسان الكامل بقاء العالم بإذن اللّه سبحانه وآخره لحصول الغاية وإلى ذلك يشير الحديث النبوي :

    « أهل بيتي أمان لاَهل الاَرض ، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الاَرض ». (1)

    وقوله : (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لعلي (عليه السّلام) : « إنّي وأحد عشر من ولدي وأنت يا علي رزّ الاَرض ـ أعني أوتادها وجبالها ـ بنا أوتد اللّه الاَرض أن تُسيخ بأهلها فإذا ذهب الاثنا عشر من ولدي ساخت الاَرض بأهلها ولم ينظروا ». (2)

    وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : « أهل بيتي أمان لاَهل الاَرض ، فإذا هلك أهل بيتي جاء أهل الاَرض من الآيات ما كانوا يوعدون ». (3)

    وقال الاِمام أمير الموَمنين (عليه السّلام) : « اللّهمّ بلى لا تخلو الاَرض من قائم للّه بحجّة إمّا ظاهراً مشهوراً أو خائفاً مغموراً ». (4)

 

13 ـ منع المبتدي عن الكلام

    ويُعتقد انّ منع المبتدي عن الكلام في الدين ، صفات ، واقتداء بأفعال اللّه ، وذلك انّ اللّه سبحانه وتعالى قادر على أن يجعل الطفل يتكلم عند خروجه وولادته ، وإنّما تأخر عن الكلام لحكمة أوجبها لتكون لاَبويه عنده فضيلة التنطيق ، والتلقين ، والتعليم ، وكذلك المبتدي يمنع من المجادلة ، والنطق بما يشق على

________________________________________

    1 ـ الشريف الحضرمي : رشفة الصادي : 78 ، الصواعق المحرقة : 233 ـ 234.

    2 ـ الغيبة : 99 ، عنه البحار : 36/259 ح79.

    3 ـ الصواعق المحرقة : 150.

    (4) 4.نهج البلاغه : 497 ، قسم الحكم ، الحكمة رقم 147.

________________________________________

(224)

غيره ، ومتى تعلم من شيخه أو معلّمه القائم له مقام الصورة ، فيعلمه الاَُصول التي يجب الاحتياط بها نموذجاً يحتذى عليه في خطابه ، وكلامه فيما يجب الاحتياط له. (1)

 

14 ـ في أنّالقرآن لا ينسخه إلاّقرآن مثله

    ويعتقد انّ القرآن لا ينسخه إلاّ قرآن مثله ، والدلالة على ذلك موافقة السنّة للكتاب ، قال اللّه تعالى : « وإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَ اللّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ » . (2) قال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في خطبة الوداع : « لا يقولنّ عليَّ أحد منكم مالم أقله ، فإنّي لم أحلل إلاّ ما أحلّه اللّه في كتابه ، وكيف أُخالف كتاب اللّه وبه هداني؟ وكيف أخالف كتاب اللّه وبه هداني وعليّ أُنزل؟ ». (3)

 

15 ـ في تخطئة القياس والاستحسان

    لا ترخّص الشيعة قاطبة القضاء والافتاء بالقياس والاستحسان ، والرأي غير المستنبط من الكتاب والسنّة ويظهر من الداعي علي بن محمد الوليد ، اتّفاق الاِسماعيلية على منع العمل به قال :

    إنّ الخطأ ، القول بالرأي ، والقياس ، والاجتهاد والاستحسان ، بدليل قوله تعالى : « وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتِكُمُ الكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلى اللّهِ الكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلى اللّهِ الكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ » . (4)

    وقال اللّه عزّوجلّ : « وَ قالُوا لَنْ تَمَسَنّا النّارُ إِلاّ أَيّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ

________________________________________

    1 ـ تاج العقائد : 181.

    2 ـ النحل : 101.

    3 ـ تاج العقائد : 98.

    4 ـ النحل : 116.

________________________________________

(225)

اللّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ » . (1) فالقائل في الدين برأيه واجتهاده قائل عن اللّه مالا يعلم.

    قال النبي : « اتبعوا ولا تبدعوا ، فإنّ البدعة رأس كلّضلالة ، وكلّ ضلالة في النار ».

    وقال عبد اللّه بن جعفر بن محمد : « إيّاك وخصلتان فيهما هلك من هلك ، إيّاك أن تكتفي برأيك ، أو تدين بمالا تعلم ».

    وقال (عليه السّلام) : « إيّاك والقياس ، فإنّ أوّل من قاس إبليس فأخطأ في قوله : « قالَ ما مَنَعَكَ أَلاّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَني مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِين » (2) ».

    فالدين لا يصح إلاّ بالاقتداء والاتباع للكتاب والسنّة ، والرضا ، والتسليم ، إلى الهادي الذي عرفناه ، ورضيناه من غير ابتداع ، ولا قول برأي ولا قياس ، ولا تقليد سلف.

    قال رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : « الاَُمور ثلاثة : أمر قد بان لك رشده فاتبعه ، وأمر بان لك غيّه فاجتنبه ، وأمر أشكل عليك فرده إلى أهله ».

    وقال الاِمام جعفر بن محمد لاَبي حنيفة النعمان القائل بالرأي والقياس : « يا نعمان بلغني انّك تعمل بالقياس ، فأخبرني إن كنت مصيباً : لم جعلت العين مالحة ، والمنخران رطبان ، والاَُذنان مرّتان ، واللسان عذب؟ » قال : لا أدري ، فأخبرني جعلت فداك؟ فقال الصادق : « العين مالحة لاَنّها شحمة ، ولا تصلحها إلاّ الملوحة؛ والاَنف رطب لاَنّه مجرى الدماغ والنفس؛ والاَُذن مرّة لقتل الدواب ، متى دخلتها؛ وجعل اللسان عذب ليعرف به طعوم الاَشياء. يا نعمان إذا لم تعرف

________________________________________

    1 ـ البقرة : 80.

    2 ـ الاَعراف : 12.

________________________________________

(226)

ما جعله اللّه في بنيتك ، وأحكمه في صورتك لتمام منافعك ، فكيف تقيس على دين اللّه عزّوجلّ؟! » فقال : أخبرني جعلت فداك ، لم تقضي الحائض الصيام دون الصلاة؟ فقال (عليه السّلام) : « لاَنّالصلاة تكرر » قال : أخبرني لم وجب الغسل من الجنابة ، و الوضوء من الغائط؟ قال : « لاَنّ الجنابة تخرج من جميع الجسد ، بينما الغائط من مكان واحد » قال : أخبرني لم فضّل الرجل في الفرائض على الامرأة مع ضعفها ، وقوته؟ قال : « لاَنّ اللّه تعالى جعل الرجال قوامين على النساء ، ينفقون عليهن » ، فقال أبو حنيفة : « اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ » . (1)

    فترك القياس سعادة للمكلّف ، وضبط له عن الخوض في دين اللّه برأي النفس ، والهوى الغالب ، فإنّ أصل الشريعة ليس بقياس ، لاَنّه أخذ عن اللّه تعالى بتعليم الملك ، وأخذ من الرسول بتعليم دون قياس ، وأخذ من الوصي بتعليم النبي ، وأخذ من الاِمام بتعليم الوصي ، وأخذ الرجال بتعليم الاِمام دون رأي من يرى ، وقياس من قاس ، واجتهاد من اجتهد ، بالظنون الكاذبة ، والرأي ، والآراء المتناقضة. (2)

________________________________________

    1 ـ الاَنعام : 124.

    2 ـ تاج العقائد ومعدن الفوائد : 82 ـ 84.

________________________________________

(227)

الاِسماعيلية والاَُصول الخمسة

5

عقيدتهم في المعاد وما يرتبط به

    المعاد بمعنى عود الاِنسان إلى الحياة الجديدة من أُسس الشرائع السماوية وهي حقيقة لا تنفك عن الاِيمان باللّه ، لذا نرى أنّ أصحاب الشرائع اتّفقوا على وجود المعاد بعد الموت : « وَ أَنَّ اللّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُور » . (1) ولولا القول بالمعاد لما قام للدين عمود ، ولا اخضرّ له عود.

    نعم ، اختلفوا في كونه جسمانياً أو روحانياً وعلى فرض كونه جسمانياً فهل الجسم المعاد جسم لطيف برزخي أوجسم عنصري؟

    والاِمعان في الآيات الواردة حول المعاد يثبت الاَخير بلا شك ، فهلمّ معي ندرس عقيدة الاِسماعيلية في المعاد وكيفيته.

 

1 ـ في أنّ المعاد روحاني لا جسماني

    قال الكرماني ـ بعد بيان النشأة الاَُولى في الدنيا ـ : ثمّ اللّه ينشأ النشأة الآخرة ، بقوله تعالى : « وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الاَُولى ـ التي هي خلق أجسامكم من قبيل جسمكم ـ فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ » (2) فهلا تتفكرون وتوازنون وتعلمون انّ النظام في الخلق والبعث واحد ، وانّ النشأة الآخرة هي خلق الاَرواح وإحياوَها بروح

________________________________________

    1 ـ الحج : 7.

    2 ـ الواقعة : 62.

________________________________________

(228)

القدس على مثال النشأة الاَُولى. ثمّ إنّه أفاض في الكلام ومحصّله : كما أنّ الاِنسان في عالم الاحشاء يكتسب آلات ليحس بها الكمالات عند مصيره إلى عالم الدنيا ، فهكذا هو في عالم الجسم والدنيا يكتسب آلات ليلتذ بها عند مسيره إلى عالم الآخرة ، فكما أنّه يستغني عند مسيره من عالم الاحشاء إلى عالم الحس عمّ ـ ا فيها ، فهكذا عند مسيره من عالم الحس إلى عالم الآخرة وإليك عبارته :

    ولما كان الاَمر في وجود النفس وكمالها كالاَمر في جسمها كما نطق به الكتاب الكريم ، فالاِنسان ينتقل من رتبة النطفية إلى رتبة العلقية ، و من رتبة العلقية إلى رتبة المضغية ومن رتبة المضغية كذلك أن يحصل له الآلات من عين وأُذن ويد و رجل وأنف ولسان وغير ذلك من الاَُمور ليقوم بالفعل بها عند مصيره إلى عالم الحس إذ كان وجودها له في تلك الظلمات وضيق الاَحشاء لا لها ، بل لفسحة الدنيا وما فيها فيكون ما يلتذ به أو يألم بحسب ما اكتسب في الاَحشاء من الآلات ، فهكذا وجودها في جسمها لا له بل لذاتها التي تليق بعالم آخر إليه مصيرها وعند مفارقة الجسم من جسمها مصيراً إلى الآخرة التي إليها إنهاوَها كمفارقة جسمها الاَحشاء مصيراً إلى عالم الحس الذي إليه وروده وتكون ذاتها في آخرتها لذاتها آلة تجد بها الملاذ كالجسم الذي هو لها في دنياها آلة تجد بها الملاذ ، وما يحصل لها من روح القدس في ذلك العالم كالروح الحسي الذي يحصل للجسم في هذا العالم. (1)

    ومن تأمل فيما أفاض يذعن بأنّ المعاد عندهم روحاني لا جسماني ، وقد صرح بذلك أيضاً الداعي علي بن محمد الوليد ، وقال : ويعتقد انّ اللّه تعالى دعانا على ألسنة وسائطه بقبول أمره ، إلى دار غير هذه الدار فهذه الدار صورية وتلك مادية ومابينهما صوري ومادي. (2)

________________________________________

    1 ـ راحة العقل : 361 ، المشرع 13.

    2 ـ تاج العقائد : 165.

________________________________________

(229)

2 ـ في التناسخ

    وهو عود الروح بعد مفارقة البدن إلى الدنيا عن طريق تعلقها ببدن آخر كتعلّقها بالجنين عند استعدادها لاِفاضة الروح وله أقسام مذكورة في محلّها. (1)

    وربما ينسب القول بالتناسخ إلى الاِسماعيليّة ، ولكن النسبة في غير محلّها.

    يقول الداعي الكرماني : وأمّا من يرى الجزاء ، مثل محمد بن زكريا والغلاة وأهل التناسخ ، وانّه يكون في الدنيا ، فمن اعتقادهم انّهذه الاَنفس لها وجود قبل أشخاصها بخلاف اعتقاد الدهرية وأمثالها ممّن ينحون نحوهم الذين يقولون انّوجودها بوجود أشخاصها ، ويقولون : إنّها جوهر تتردد في الهياكل بحسب اكتسابها إلى أن تصفو وتعود ، فقد (2) أوردنا في كتابنا المعروف بـ « الرياض » و « ميزان العقل » وغيرهما من رسائلنا في فساد قولهم ما يغني سيّما ما يختص بذلك في كتابنا المعروف بـ « المقاييس » رداً على الغلاة وأشباههم. (3)

    يقول الكاتب الاِسماعيلي مصطفى غالب : ويذهب أكثر الذين كتبوا عن عقائد الاِسماعيليّة من القدماء والمحدثين بأنّ الاِسماعيليّة يقولون بتناسخ الاَرواح ، أي أنّ الروح بعد الموت تنتقل إلى إنسان آخر أو إلى حيوان أو نبات على نحو ما نراه في العقيدة البوذية أو النصيرية مثلاً ، ويمكننا بعد أن درسنا كتب الاِسماعيلية السرية والعلنية دراسة دقيقة ، أن نقول بأنّهم لا يدينون مطلقاً بالتناسخ ، بل ذهبوا إلى أنّ الاِنسان بعد موته يستحيل عنصره الترابي (جسمه) إلى ما يجانسه من التراب ، وينتقل عنصره الروحي (الروح) إلى الملاَ الاَعلى ، فإن كان الاِنسان في حياته موَمناً بالاِمام فهي تحشر في زمرة الصالحين وتصبح ملكاً مدبراً ،

________________________________________

    1 ـ لاحظ شرح المنظومة للحكيم السبزواري : 312.

    2 ـ جواب لقوله : امّا.

    3 ـ راحة العقل : 364.

________________________________________

(230)

وإن كان شريراً عاصياً لاِمامه حشرت مع الاَبالسة والشياطين وهم أعداء الاِمام.

    والاِمام نفسه يجري على جسده مثلما يجري على سائر الاَجساد بعد الموت ، حيث يتحلّل كل قسم إلى ما يناسبه ، فالجسم الترابي يعود إلى التراب ، والنفس الشريفة تعود إلى ما يجانسها ويناسبها ، فتصبح نفس الاِمام عقلاً من العقول المدبرة للعالم ، فلا تتناسخ ولا تتلاشى أي تتقمص. (1)

 

3 ـ في الحساب

    والحساب تابع للبعث وهو فعل يحدث عنه من النفس للنفس الثواب الذي هو الملاذ والمسار ، والعقاب الذي هو الاَلم والعذاب والغم ، وينقسم هذا الفعل إلى ما يكون وجوده في الدنيا ، وإلى ما يكون وجوده في الآخرة.

    فأمّا ما يكون وجوده في الدنيا فينقسم قسمين. ثمّ أفاض الكلام في القسمين. (2)

 

4 ـ في الجنة

    يقول الكرماني : إنّها موصوفة بالسرمد والاَبد ووجود الملاذ فيها أجمع ، وأنّها لا تستحيل ، ولا تتغير ، ولا يطرأ عليها حال ، ولا تتبدل ، والذي بهذه الصفة هو النهاية الاَُولة من الموجودات عن المتعالى سبحانه عن الموصوفات والصفات إبداعاً خارج الصفحة العليا من السماوات المعرب عنها بسدرة المنتهى الذي هوالمبدع الاَوّل. (3)

________________________________________

    1 ـ مصطفى غالب : في مقدمة كتاب الينابيع : 16.

    2 ـ راحة العقل : 369.

    3 ـ راحة العقل : 379.

(231)

5 ـ في الملائكة

    إنّ الملائكة على ضروب وكلّهم قد أُهّلوا لمنافع الخليقة ، فلا يتعدى أحد منهم بغير ما وكّل به ، كما قال وأخبر عنهم : « وَ ما مِنّا إِلاّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ » (1)

    والجوهر فيهم واحد ، وإنّما اختلفت أسماوَهم لاَجل ما وكلوا به فمنهم من هو في العالم العقلي ، ومنهم من هو في العالم الفلكي ، ومنهم من هو في العالم الطبيعي لحفظ ارجائه ، ثمّ استدل بالآيات القرآنية.

    منها قوله : « فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ * وَ ما لا تُبْصِرونَ » (2) يعني الملائكة الذين قد أخفى سبحانه ذواتهم عن النظر ، وجعل المخلوق عن الطبائع محجوباً عنهم لا يراهم حتى يصير إمّا في منزلة النبي أو يخلص القبول من النبي بقرب الدرجة منه. (3)

 

6 ـ في الجن

    ويعتقد انّ في الجن ذوات أرواح نارية وهوائية ومائية وترابية ، ويعتقد انّ الجن صحيح لا ريب فيه وهم على ضروب في البقاع والمصالح والمنافع والفساد والضرر ، إلى أن قال : فمنهم من هو في ارجاء العالم ممنوع عن مخالطة بني آدم ، ومنهم من هو مخالط لبني آدم في أماكنهم. (4)

________________________________________

    1 ـ الصافات : 164.

    2 ـ الحاقة : 38 ـ 39.

    3 ـ تاج العقائد : 45.

    4 ـ تاج العقائد : 46.