الواقفية

 

في الواقفية

 

التوقّف عند إمامة شخص بعد رحيل إمام ما ، ظاهرة برزت عند الشيعة بين آونة وأُخرى ، ولذلك صار لها إطلاقان :

    الاَوّل : التوقّف بالمعنى العام من غير اختصاصه بالتوقّف على إمام خاص ، فإنّ هناك طائفة توقّفت عند إمامة الحسين (عليه السّلام) ولم تتجاوز عنه وهم المعروفون بالكيسانية ، كما أنّ هناك من توقّف عند إمامة الاِمام الباقر (عليه السّلام) ولم تتجاوز عنه (عليه السّلام) و هي المعروفة بالمنصورية أو المغيرية وهناك من توقّف عند إمامة الاِمام الصادق ولم يتجاوز عنه كالاِسماعيلية ، وهذه الفرق حتى الزيدية من الواقفية الذين لم يعترفوا بإمامة الاَئمّة الاثني عشر قاطبة وتوقّفوا أثناء الطريق ، ومع ذلك كلّه فلا يطلق عليهم الواقفية في كتب الرجال ولا في الملل والنحل ، وإنّما يطلق عليهم نفس أسمائهم ، وقد مرّ في الجزء السابع أنّ بعض هذه الفرق غلاة كفّار لا يعترف بهم.

    الثاني : الطائفة المتوقّفة عند إمامة الاِمام موسى الكاظم (عليه السّلام) غير المعترفة بإمامة ابنه علي بن موسى الرضا (عليه السّلام) و هوَلاء المعروفون بـ « الواقفية ». وقد اختصت بهم هذه التسمية ، فلا تتبادر من هذه التسمية إلاّ تلك الطائفة.

    قال المحقّق البهبهاني : اعلم أنّ الواقفة هم الذين وقفوا على الكاظم (عليه السّلام) ، و ربما يطلق الوقف على من وقف على غير الكاظم (عليه السّلام) من الاَئمّة ... ولكن عند الاِطلاق ينصرف إلى من وقف على الاِمام الكاظم (عليه السّلام) ولا ينصرف إلى غيرهم إلاّ بالقرينة ، ولعلّ من جملتها عدم دركه للكاظم (عليه السّلام) و موته قبله أو في زمانه ، مثل سماعة بن مهران وعلي بن حيان ويحيى بن القاسم. (1)

________________________________________

    1 ـ البهبهاني : الفوائد الرجالية : 40.

________________________________________

(380)

سبب ظاهرة التوقف

    إنّ السبب الغالب لبروز فكرة التوقف بين طائفة من الشيعة هو أنّها رزحت تحت نير الحكم الاَُموي والعباسي ولولا لجوئها إلى التقية واتخاذها سلاحاً لما كتب لها البقاء ، حتى أنّ الاتهام بالزندقة والاِلحاد كان أخف وطأً من الاتّهام بالتشيّع في فترة خلافة عبد الملك بن مروان وإمارة الحجاج على العراق ، فكان الاَئمّة لا يبوحون بأسرارهم إلاّ لخاصتهم ، حتى نرى أنّ رحيل كلّ إمام تعقبه هوة بين الشيعة برهة من الزمن إلى أن يستقرَّ الرأي على الحقّ.

    هذا هو السبب الغالب لنشوء بعض الفرق بين الشيعة الذين لم يكن لديهم أيّ اختلاف في الاَُصول والفروع إلاّ في القيادة والاِمامة.

    إنّ عصر هارون الرشيد كان عصر القمع والكبت والتضييق على الشيعة وإمامهم ، وكانت سياسته على غرار سياسة أبي جعفر الدوانيقي ، والتاريخ يحدثنا عن السياسة التي اتبعها مع الاِمام موسى الكاظم (عليه السّلام).

    كان الاِمام مهوى قلوب الشيعة ، يتلقون عنه أحكام الدين وأُصول المذهب ، وربما تحمل إليه الاَموال من المشرق ومن المغرب فشق على هارون لمّا أخبره بعض جواسيسه بهذا الاَمر ، ولاَجل معالجة هذا الموقف الذي أشغل فكره ، حجّ في تلك السنة وزار قبر النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال : يا رسول اللّه إنّي أعتذر إليك من شيء أُريد أن أفعله ، أُريد أن أحبس موسى بن جعفر ، فإنّه يريد التشتيت بأُمّتك وسفك دمائها. ثمّ أمر به فأُخذ من المسجد فأُدخل إليه فقيّده ، وأُخرج من داره بغلان عليهما قبتان مغطاتان هو (عليه السّلام) في إحديهما ، ووجه مع كلّ واحدة منهما خيلاً ، فأخذ بواحدة على طريق البصرة ، والاَُخرى على طريق الكوفة ، ليعمى على الناس أمره ، وكان في التي مضت إلى البصرة.

    وأمر الرسول أن يسلّمه إلى عيسى بن جعفر بن المنصور ، وكان على البصرة

(381)

حينئذٍ ، فمضى به ، فحبسه عنده سنة.

    ثمّ كتب إلى الرشيد أن خذه منّي و سلّمه إلى من شئت وإلاّ خلّيت سبيله ، فقد اجتهدت بأن أجد عليه حجّة ، فما أقدر على ذلك ، حتى أنّي لاَتسمّع عليه إذا دعا لعلّه يدعو عليّ أو عليك ، فما أسمعه يدعو إلاّ لنفسه يسأل الرحمة والمغفرة.

    فوجّه من تسلّمه منه ، وحبسه عند الفضل بن الربيع ببغداد فبقى عنده مدّة طويلة وأراد الرشيد على شيء من أمره فأبى.

    فكتب بتسليمه إلى الفضل بن يحيى فتسلّمه منه ، وأراد ذلك منه فلم يفعل.

    و بلغه انّه عنده في رفاهية وسعة ، وهو حينئذ بالرقة.

    وقد أثار هذا الاَمر غضبَالرشيد إلى ان انتهى الاَمر بتجريد الفضل بن يحيى وضربه بسياط وعقابين. (1)

    هذا هوموقف الرشيد مع الرجل الذي كان يحترمه جلّ المسلمين وينظرون إليه بأنّه من أئمّة أهل البيت ، فكيف الحال مع سواد الناس إذا اتّهموا بالتشيّع وموالاة الاِمام (عليه السّلام) ؟!

    قال ابن كثير : فلمّا طال سجن الاِمام الكاظم (عليه السّلام) كتب إلى الرشيد : « أمّا بعد يا أمير الموَمنين انّه لم ينقضِ عني يوم من البلاء إلاّ انقضى عنك يوم من الرخاء ، حتى يفضي بنا ذلك إلى يوم يخسر فيه المبطلون ». (2)

    ولم يزل الاِمام ينقل من سجن إلى سجن حتى انتهى به الاَمر إلى سجن السندي بن شاهك ، فغال في سجن الاِمام وزاد في تقييده ، حتى جاء أمر الرشيد بدس السم للكاظم فانبرى السندي إلى تنفيذ هذا الاَمر ، وكانت نهاية حياة الاِمام الطاهر على يده الفاجرة.

________________________________________

    1 ـ الطوسي : الغيبة : 28 ـ 30 بتلخيص.

    2 ـ ابن كثير : البداية والنهاية : 10/190.

________________________________________

(382)

    قال أبوالفرج الاصفهاني : لمّا توفي الاِمام مسموماً خشى الرشيد ردّة فعل المسلمين عند انتشار خبر موته ، فأدخل عليه الفقهاء ووجوه أهل بغداد وفيهم الهيثم بن علي وغيره ليشهدوا على أنّه مات حتف أنفه دون فعل من الرشيد وجلاوزته ، ولمّا شهدوا على ذلك اخرج بجثمانه الطاهر ، ووضع على الجسر ببغداد ، ونودي بوفاته. (1)

    هذه لمحة خاطفة عن حياة الاِمام موسى الكاظم (عليه السّلام) توقفك على الوضع السياسي السائد آنذاك في العراق والحجاز ، وموقف الحكومة تجاه إمام الشيعة ، أفهل يمكن للاِمام التصريح بالقائد من بعده؟!

    ومع ذلك كلّه فإنّ الاِمام الكاظم له تنبوءات عن المستقبل المظلم الذي ينتظره بعض الشيعة ، وإليك بعض ما روي في ذلك :

    روي عن ابن سنان قال : دخلت على أبي الحسن موسى الكاظم من قبل أن يقدم العراق بسنة ، وعليّ ابنه جالس بين يديه ، فنظر إليّ وقال : « يا محمد أما إنّه ستكون في هذه السنة حركة ، فلا تجزع لذلك » قال : قلت : وما يكون جعلني اللّه فداك فقد أقلقتني؟ قال : « أصير إلى هذا الطاغية ، (2)أما إنّه لا يبدأني منه سوء ومن الذي يكون بعده » (3) قال : قلت : وما يكون جعلني اللّه فداك؟ قال : « يضل اللّه الظالمين ويفعل اللّه ما يشاء ». قال : قلت : وما ذلك جعلني اللّه فداك؟ قال : « من ظلم ابني هذا حقَّه ، وجحده إمامته من بعدي كان كمن ظلم عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) إمامته وجحده حقّه بعد رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) » قال : قلت : واللّه لئن مدّ اللّه لي في العمر لاَسلِّمن له حقّه ، ولاَقرّن بإمامته.

    قال : « صدقت يا محمد يمدّ اللّه في عمرك وتسلِّم له حقّه (عليه السّلام) وتقرّله بإمامته وإمامة من يكون بعده » ، قال : قلت : ومن ذاك؟ قال : « ابنه محمد » ، قال :

________________________________________

    1 ـ أبوالفرج الاصفهاني : مقاتل الطالبيين : 504.

    2 ـ يريد به المهدي العباسي.

    3 ـ يريد به موسى بن المهدي.

________________________________________

(383)

قلت : له الرضا والتسليم. (1)

    روى الكشي عن الحكم بن عيص ، قال : دخلت مع خالي سليمان بن خالد على أبي عبد اللّه (عليه السّلام) فقال : « يا سليمان من هذا الغلام؟ » فقال : ابن اختي ، فقال : « هل يعرف هذا الاَمر؟ » فقال : نعم ، فقال : « الحمد للّه الذي لم يخلقه شيطاناً ـ ثمّقال : ـ يا سليمان عوِّذ باللّه ولدك من فتنة شيعتنا » فقلت : جعلت فداك وما تلك الفتنة؟! قال : « إنكارهم الاَئمّة (عليهم السّلام) و وقوفهم على ابني موسى (عليه السّلام) ، قال : ينكرون موته ويزعمون أن لا إمام بعده ، أُولئك شرّالخلق ». (2)

    إلى غير ذلك من الروايات التي جمعها الشيخ الطوسي في كتاب « الغيبة » ممّا تدل على تنصيص الاِمام الكاظم (عليه السّلام) على إمامة ولده علي بن موسى الرضا (عليه السّلام) غير انّ حبَّ المال آل بالبعض إلى إنكار إمامته ، وقد رويت في ذلك روايات نذكر بعضها :

    روى الطوسي في « الغيبة » بسنده عن يعقوب بن يزيد الاَنباري ، عن بعض أصحابه ، قال : مضى أبو إبراهيم (عليه السّلام) وعند زياد القندي سبعون ألف دينار ، وعند عثمان بن عيسى الرواسي ثلاثون ألف دينار وخمس جوار ، ومسكنه بمصر.

    فبعث إليهم أبو الحسن الرضا (عليه السّلام) أن احملوا ما قِبَلكم من المال ، وما كان اجتمع لاَبي عندكم من أثاث وجوار ، فإنّي وارثه وقائم مقامه ، وقد اقتسمنا ميراثه ولا عذر لكم في حبس ما قد اجتمع لي ولوارثه ، قبلكم ، وكلام يشبه هذا.

    فأمّا ابن أبي حمزة فإنّه أنكره ولم يعترف بما عنده ، وكذلك زياد القندي.

    وأمّا عثمان بن عيسى فانّه كتب إليه إنّ أباك ـ صلوات اللّه علي هـ لم يمت وهو حي قائم ، ومن ذكر أنّه مات فهو مبطل ، واعمل على أنّه قد مضى كما تقول : فلم يأمرني بدفع شيء إليك ، وأمّا الجواري فقد اعتقتهنّو تزوجت بهنّ. (3)

________________________________________

    1 ـ الطوسي : الغيبة : 33 ـ 34.

    2 ـ الكشي : الرجال : 389؛ البحار : 48/265 ، الحديث 24.

    3 ـ الطوسي : الغيبة : 64 ـ 65 ، الحديث 67.

________________________________________

(384)

    روى الكشي ، عن يونس بن عبد الرحمان ، قال : مات أبو الحسن وليس من قُوامه أحد إلاّ وعنده المال الكثير ، فكان ذلك سبب وقوفهم وجحودهم موته ، وكان عند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار. (1)

    روى الصدوق في « العلل » عن يونس بن عبد الرحمان قال : مات أبو الحسن (عليه السّلام) و ليس من قوّامه أحد إلاّ وعنده المال الكثير ، فكان ذلك سبب وقفهم وجحودهم لموته ، وكان عند زياد القندي سبعون ألف دينار ، وعند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار ، قال : فلمّا رأيت ذلك وتبيّن الحق وعرفت من أمر أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) ما علمتُ تكلّمت ودعوت الناس إليه ، قال : فبعثا إليّ ، وقالا : ما يدعوك إلى هذا؟ إن كنتَ تريد المال فنحن نغنيك وضمِنا لي عشرة آلاف دينار ، وقالا لي : كف ، فأبيت وقلت لهم : إنّا رُوينا عن الصادقين (عليهم السّلام) أنّهم قالوا : إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يُظهر علمَه ، فإن لم يفعل سُلب منه نور الاِيمان ، وما كنت لاَدع الجهاد في أمر اللّه على كلّحال ، فناصباني وأضمرا لي العداوة.

    وروى أيضاً عن أحمد بن حماد قال : أحد القَوّام ، عثمان بن عيسى الرواسي ، وكان يكون بمصر ، وكان عنده مال كثير وست جواري ، قال : فبعث إليه أبو الحسن الرضا (عليه السّلام) فيهن وفي المال ، قال : فكتب إليه أنّ أباك لم يمت ، قال : فكتب إليه : إنّ أبي قد مات ، وقد اقتسمنا ميراثه ، وقد صحّت الاَخبار بموته ، واحتج عليه فيه ، قال : فكتب إليه : إن لم يكن أبوك مات ، فليس لك من ذلك شيء ، وإن كان قد مات على ما تحكي ، فلم يأمرني بدفع شيء إليك ، وقد اعتقت الجواري وتزوجتهنّ. (2)

    إلى غيرها من الروايات الدالّة على أنّ سبب التوقف كان حبّ الجاه والمال.

________________________________________

    1 ـ الكشي : الرجال : 345.

    2 ـ الصدوق : علل الشرائع : 235.

________________________________________

(385)

الواقفية في كتب الملل والنحل

    جاءت الواقفية في كتب الملل والنحل على وجه الاِجمال ، وهذا يعرب عن عدم وجود دور بارز لهم في عصر الغيبة ، وستوافيك القائمة التي ذكرنا فيها بعض أسماء الرواة من الواقفية.

    قال النوبختي ـ بعدما بيّن أنّ الشيعة انقسمت بعد رحيل الاِمام الكاظم (عليه السّلام) إلى فرقتين ، وبيّن الفرقة الثانية بالبيان التالي ـ :

    1 ـ وقالت الفرقة الثانية : إنّ موسى بن جعفر لم يمت ، وإنّه حيّ ، ولا يموت حتى يملك شرق الاَرض وغربها ، ويملاَها كلها عدلاً كما ملئت جوراً ، وإنّه القائم المهدي ، وزعموا أنّه خرج من الحبس ولم يره أحد نهاراً ولم يعلم به ، وأنّ السلطان وأصحابه ادّعوا موته ، وموّهوا على الناس وكذبوا ، وأنّه غاب عن الناس واختفى ، ورووا في ذلك روايات عن أبيه جعفر بن محمد عليمها السّلام أنّه قال : هو القائم المهدي فإن يدهده رأسه عليكم من جبل فلا تصدقوا فإنّه القائم.

    وقال بعضهم : إنّه القائم وقد مات ، ولا تكون الاِمامة لغيره حتى يرجع ، فيقوم ويظهر ، و زعموا أنّه قد رجع بعد موته إلاّ أنّه مختف في موضع من المواضع حي يأمر وينهى ، وأنّأصحابه يلقونه ويرونه ، واعتلّوا في ذلك بروايات عن أبيه ، أنّه قال : سمّي القائم قائماً ، لاَنّه يقوم بعدما يموت.

    وقال بعضهم : إنّه قد مات ، وإنّه القائم ، وإنّ فيه شبهاً من عيسى بن مريم ـ صلى اللّه علي هـ وانّه لم يرجع ، ولكنّه يرجع في وقت قيامه فيملاَ الاَرض عدلاً كما ملئت جوراً ، وإنّ أباه قال : إنّ فيه شبهاً من عيسى بن مريم ، وإنّه يقتل في يدي ولد العباس فقد قتل.

    وأنكر بعضهم قتله ، وقالوا : مات ورفعه اللّه إليه ، وإنّه يردّه عند قيامه ، فسمّوا هوَلاء جميعاً الواقفية لوقوفهم على موسى بن جعفر على أنّه الاِمام القائم ،

 

________________________________________

(386)

ولم يأتمّوا بعده بإمام ولم يتجاوزوه إلى غيره.

    وقد قال بعضهم ممّن ذكر أنّه حي : إنّ الرضا (عليه السّلام) و من قام بعده ليسوا بأئمّة ، ولكنّهم خلفاوَه واحداً بعد واحد إلى أوان خروجه ، وإنّ على الناس القبول منهم والانتهاء إلى أمرهم.

    وقد لقّب الواقفةَ بعضُ مخالفيها ممّن قال بإمامة علي بن موسى « الممطورة » وغلب عليها هذا الاسم وشاع لها ، وكان سبب ذلك انّعليّبن إسماعيل الميثمي ويونس بن عبد الرحمان ناظرا بعضهم ، فقال له علي بن إسماعيل وقد اشتد الكلام بينهم : ما أنتم إلاّ كلاب ممطورة ، أراد أنّكم أنتن من جيف ، لاَنّ الكلاب إذا أصابها المطر فهي أنتن من الجيف ، فلزمهم هذا اللقب فهم يُعرفون به اليوم ، لاَنّه إذا قيل للرجل انّه ممطور فقد عرف أنّه من الواقفة على موسى بن جعفر خاصة ، لاَنّ كل من مضى منهم فله واقفة قد وقفت عليه ، وهذا اللقب لاَصحاب موسى. (1)

    2.وقال الشيخ الاَشعري ملخصاً لما قاله النوبختي ما هذا نصه :

    الصنف الثاني والعشرون من الرافضة يسوقون الاِمامة حتى ينتهوا إلى جعفر بن محمد ويزعمون أنّجعفر بن محمد نصّ على إمامة ابنه موسى بن جعفر ، وأنّ موسى بن جعفر حيّلم يَمت ولا يموتُ حتى يملك شرقَالاَرض وغربها ، حتى يملاَ الاَرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماًوجوراً ، وهذا الصنف يُدْعون « الواقفة » لاَنّهم وقفوا على « موسى بن جعفر » و لم يتجاوزوه إلى غيره ، وبعض مخالفي هذه الفرقة يدعوهم « الممطورة » وذلك أنّرجلاً منهم ناظر « يونس بن عبد الرحمان » ويونس من القطعية الذين قطعوا على موت موسى بن جعفر ، فقال له يونس : أنتم أهون عليّمن الكلاب الممطورة ، فلزمهم هذا النبز. (2)

________________________________________

    1 ـ النوبختي : فرق الشيعة : 80 ـ 82 ، وفي ذيل كلامه إشارة إلى القسمين من الوقف كما ذكرناه.

    2 ـ الاَشعري : مقالات الاِسلاميين : 28 ـ 29.

________________________________________

(387)

    3.وقال البغدادي معبّراً عن الواقفة بالموسوية : هوَلاء الذين ساقوا الاِمامة إلى جعفر ، ثمّزعموا أنّالاِمام بعد جعفر ، كان ابنه موسى بن جعفر ، وزعموا أنّموسى بن جعفر حيّ لم يمت وانّه هو المهدي المنتظر ، وقالوا إنّه دخل دارَالرشيد ولم يخرج منها ، وقد علمنا إمامته وشككنا في موته فلا نحكم في موته إلاّبيقين.

    فقيل لهذه الفرقة الموسوية : إذا شككتم في حياته وموته ، فشُكُّوا في إمامته ولا تقطعوا القول بأنّه باق وأنّه هوالمهديّ المنتظر ، هذا مع علمكم بأنّ مشهد موسى بن جعفر معروف في الجانب الغربي من بغداد ويُزار.

    و يقال لهذه الفرقة موسوية لانتظارها موسى بن جعفر.

    ويقال لها الممطورة أيضاً ، لاَنّ يونس بن عبد الرحمان القمّي كان من القطعية (الذين قطعوا على موت موسى بن جعفر) وناظر بعض الموسوية فقال في بعض كلامه : أنتم أهون على عيني من الكلاب الممطورة. (1)

    4.وقال الشهرستاني ـ بعد أن ذكر الاِمام موسى بن جعفر وانّه دفن في مقابر قريش ببغداد ـ : اختلفت الشيعة بعده ...

    فمنهم من توقّف في موته ، وقال : لا ندري أمات أم لم يمت؟ ويقال لهم الممطورة ، سمّاهم بذلك علي بن إسماعيل فقال : ما أنتم إلاّ كلاباً ممطورة.

    و منهم من قطع بموته ويقال لهم القطعية.

    و منهم من توقّف عليه ، وقال : إنّه لم يمت ، وسيخرج بعد الغيبة ، ويقال لهم الواقفة. (2)

    إنّ ظاهرة الوقف بعد رحيل الاِمام الكاظم (عليه السّلام) كانت أمراً خطيراً يهدّد

________________________________________

    1 ـ البغدادي : الفرق بين الفرق : 63.

    2 ـ الشهرستاني : الملل والنحل : 169 ، ولاحظ التبصير للاسفرائيني : 38 ، حيث عبّر عنهم بالموسوية.

________________________________________

(388)

كيان الشيعة ، وتماسكها وانسجامها ، وقد كانت الواقفة تتمسك بشبه ، ربما تغري البسطاء من الشيعة ، وتصدّهم عن القول بامتداد الاِمامة إلى عصر الاِمام المنتظر. ولعلّه لاَجل خطورة الوقف ، ربما نرى وجود الحث المتزايد على زيارة الاِمام الرضا (عليه السّلام) من النبي والوصيّ والصادق والكاظم (عليهم السّلام) ليلفتوا نظر الشيعة إليه ولا يغفلوا عنه.

    فقد روي عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنّه قال : « ستدفن بضعة منّي بأرض خراسان ، لا يزورها موَمن إلاّ أوجب اللّه له الجنّة ، وحرّم جسده على النار ». (1)

    كما توجد روايات كثيرة عن أئمّة أهل البيت (عليهم السّلام) توَكد وتحث على زيارة الاِمام الرضا (عليه السّلام) و تبيّن فضلها. (2)

    ولعلّ تلك الروايات تهدف إلى رفع الشبهات التي أوجدتها الواقفة في ذلك العصر ، ولولا انّ الرضا هو الاِمام القائد بعد أبيه ، لما كان لهذا الحث وجه ، وقد جابه الاِمام الرضا تلك الزوبعة بعظات بالغة ، ومناظرات قيّمة ، قام فيها بإزالة الالتباس عن شبههم.

    وقد جمعها العالم الحجة الشيخ رياض محمد حبيب الناصري في كتابه « الواقفية » ، حيث بلغت ثماني مناظرات.و من أراد الوقوف على مضامينها فعليه الرجوع إلى ذلك الكتاب القيّم الذي طرح فيه الواقفية ودرسها دراسة تحليلية رائعة. (3)

________________________________________

    1 ـ الصدوق : الفقيه : 2/351 ، الحديث 36.

    2 ـ راجع الكافي : 4/584؛و الفقيه : 2/348 ـ 351؛ والتهذيب : 6/84.

    3 ـ الواقفية : 1/151 ـ 163 ، ولقد رجعنا إلى ذلك الكتاب في دراسة هذه الطائفة فشكر اللّه مساعيه.

________________________________________

(389)

مشاهير الواقفية

    يظهر من مراجعة الكتب الرجالية ، انّعدد الواقفية لم يكن قليلاً ، وقد ذكر الشيخ الطوسي فيهم حوالي أربعة وستين شخصاً ، فمن مشاهيرهم :

    1 ـ سماعة بن مهران.

    2 ـ جعفر بن سماعة.

    3 ـ الحسن بن محمد بن سماعة.

    4 ـ زرعة بن محمد الحضرمي.

    5 ـ زياد بن مروان القندي.

    6 ـ داود بن الحصين.

    7 ـ درست بن أبي منصور.

    8 ـ عثمان بن عيسى الرواسي.

    9 ـ علي بن أبي حمزة البطائني.

    10 ـ علي بن الحسن الطاطري.

    11 ـ حنان بن سدير الصيرفي.

    12 ـ يحيى بن القاسم الحذاء.

    13 ـ يحيى بن الحسين بن زيد.

    14 ـ سعد بن خلف. (1)

________________________________________

    1 ـ وقد استخرج محقّق رجال الطوسي ، أسماء الذين وصفوا بالوقف فيه ، تحت فهرست المنسوبين إلى المذاهب الفاسدة. رجال الطوسي : 589 ـ 591.

________________________________________

(390)

    ثمّإنّ هناك لفيفاً آخر من الواقفية ذكرهم النجاشي في رجاله ، وليس فيهم اسم سماعة بن مهران ، ولا ولده جعفر ، ولا سبطه محمد ، و ربما تردّد بعضهم في عدّ سماعة من الواقفية ، إذ لو كان كذلك لما خفي على مثل النجاشي ، ولا على ابن الغضائري.

    وقد جمع الشيخ الناصري أسماء الموصوفين بالوقف من الكتب الرجالية وغيرها ، غير أنّ كثيراً منهم رجعوا عن الوقف.

    ومن العجب العجاب انّسبعة أشخاص من أصحاب الاِجماع ، رُمُوا بالوقف ، وهوَلاء هم :

    1 ـ أحمد بن محمد بن أبي نصر.

    2 ـ جميل بن دراج.

    3 ـ حماد بن عيسى.

    4 ـ صفوان بن يحيى.

    5 ـ عثمان بن عيسى.

    6 ـ يونس بن عبد الرحمان.

    7 ـ عبد اللّه بن المغيرة.

    و أظن أنّ اتّهامهم بالوقف ربما يعود إلى فحصهم وترّيثهم في الاِمام الذي يعقب الاِمام الكاظم (عليه السّلام) بعد رحيله. ولو كان هذا هو المنطلق لوصفهم بالوقف فلا يوجد أي مبرر لهذا الرمي والوصف ، وعلى أية حال فإنّهم رجعوا عن الوقف ، حتّى أنّ يونس بن عبد الرحمان كان في الصف المقدّم لمكافحة الوقف وهو الذي وصف الواقفية بالكلاب الممطورة كما في بعض الروايات ، وهذا ما يثير الشكوك حول وصفه وزملائه بالوقف.

(391)

    ثمّ إنّ هناك ردوداً بين الطائفتين ذكرها الطوسي في « الفهرست » و « الغيبة » فمن الكتب الموَلّفة في نصرة الواقفية :

    1 ـ « نصرة الواقفة » لعلي بن أحمد العلوي الموسوي ، ذكره الشيخ. (1)

    2 ـ « الصفة في الغيبة على مذهب الواقفة » لعبد اللّه بن جبلة. (2)

    3 ـ رسالة لعلي بن الحسن الطاطري في نصرة مذهبه. (3)

    وهناك ردود من الاَصحاب على تلك الموَلفات ، ذكرها النجاشي في رجاله ، نذكر منها ما يلي :

    1 ـ الرد على الواقفة لاِسماعيل بن علي بن إسحاق بن سهل بن نوبخت. (4)

    2 ـ الرد على الواقفة للحسن بن موسى الخشاب. (5)

    3 ـ الرد على الواقفة للحسين بن علي البزوفري. (6)

    4 ـ الرد على الواقفة لفارس بن حاتم بن ماهويه القزويني. (7)

    بقي الكلام في رجال الواقفة الذين وردت أسماوَهم في الكتب الرجالية ، وكان لهم دور في نقل الحديث وتدوينه ، فإليك فهرس أسمائهم ، وأمّا الكلام عن تراجمهم وحالاتهم فموكول إلى محله.

________________________________________

    1 ـ الطوسي : الغيبة : 29.

    2 ـ النجاشي : الرجال : 2/13 برقم 561.

    3 ـ الطوسي : الفهرست : 118 برقم 392.

    4 ـ النجاشي : الرجال : 1/121 برقم 67.

    5 ـ النجاشي : الرجال : 1/143 برقم 84.

    6 ـ النجاشي : الرجال : 1/188 برقم 160.

    (7)7 ـ النجاشي : الرجال : 2/174 برقم 846.

________________________________________

(392)

    1 ـ إبراهيم.

    2 ـ أبو جبل.

    3 ـ أبو جعدة.

    4 ـ أبو جنادة الاَعمى.

    5 ـ أحمد بن أبي بشر السرّاج.

    6 ـ أحمد بن الحارث.

    7 ـ أحمد بن الحسن بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم التمّار.

    8 ـ أحمد بن زياد الخزّاز.

    9 ـ أحمد بن السري.

    10 ـ أحمد بن الفضل الخزاعي.

    11 ـ أحمد بن محمد بن علي بن عمر بن رباح بن قيس بن سالم القلاء السوّاق.

    12 ـ إدريس بن الفضل بن سليمان الخولاني.

    13 ـ إسحاق بن جرير بن يزيد بن جرير بن عبد اللّه البجلي الكوفي.

    14 ـ إسماعيل بن أبي بكر محمد بن الربيع بن أبي السمّال الاَسدي.

    15 ـ إسماعيل بن عمر بن أبان الكلبي.

    16 ـ أُمية بن عمرو الشعيري.

    17 ـ بكر بن محمد بن جناح.

    18 ـ جعفر بن المثنى الخطيب.

    19 ـ جعفر بن محمد بن سماعة بن موسى بن رويد.

    20 ـ جندب بن أيوب.

    21 ـ جهم بن جعفر بن حيان.

    22 ـ الحسن بن علي بن أبي حمزة سالم البطائني.

    23 ـ الحسن بن محمد بن سماعة ، أبو محمد الكندي الصيرفي الكوفي.

    24 ـ الحسين(من أصحاب الاِمام الكاظم (عليه السّلام) ).

    25 ـ الحسين بن أبي سعيد هاشم بن حيّان المكاري.

    26 ـ الحسين بن قياما.

    27 ـ الحسين بن كيسان.

    28 ـ الحسين بن المختار ، أبو عبد اللّه القلانسي.

 

________________________________________

(393)

    29 ـ الحسين بن مهران بن محمد ، أبو نصر السكوني.

    30 ـ الحسين بن موسى.

     31 ـ حصين بن المخارق بن عبد الرحمان بن ورقاء بن حبشي بن جنادة.

    32 ـ حميد بن زياد بن حمّاد بن حمّاد بن زياد هوار الدهقان.

    33 ـ حنان بن سدير بن حكيم بن صهيب الصيرفي.

    34 ـ داود بن الحصين الاَسدي.

    35 ـ دُرست بن أبي منصور محمد الواسطي.

    36 ـ زرعة بن محمد الحضرمي.

    37 ـ زكريا بن محمد ، أبو عبد اللّه الموَمن.

    38 ـ زياد بن مروان الاَنباري القندي.

    39 ـ زيد بن موسى.

    40 ـ سعد بن أبي عمران الاَنصاري.

    41 ـ سعد بن خلف.

    42 ـ سلمة بن حيّان .

    43 ـ سماعة بن مهران بن عبد الرحمان الحضرمي.

    44 ـ عبد اللّه بن جبلة بن حيّان بن أبجر الكناني.

    45 ـ عبد اللّه بن عثمان الحنّاط.

    46 ـ عبد اللّه بن القاسم الحضرمي.

    47 ـ عبد اللّه بن القصير.

    48 ـ عبد اللّه النخّاس.

    49 ـ عبد الكريم بن عمرو بن صالح الخثعمي.

    50 ـ عبيد اللّه بن أبي زيد أحمد بن عبيد اللّه بن محمد الانباري.

    51 ـ عثمان بن عيسى ، أبو عمرو العامري الكلابي الرواسي.

    52 ـ عثمان بن عيسى الكلابي ، مولى لبني عامر ، وليس بالرواسي.

    53 ـ علي بن أبي حمزة البطائني.

 

________________________________________

(394)

    54 ـ علي بن جعفر بن العباس الخزاعي المروزي.

    55 ـ علي بن الحسن بن محمد الطائي الجرمي المعروف بالطاطري.

    56 ـ علي بن الخطّاب.

    57 ـ علي بن سعيد المكاري.

    58 ـ علي بن عمر الاَعرج الكوفي.

    59 ـ علي بن محمد بن علي بن عمر بن رباح السوّاق ، ويقال : القلاّء.

    60 ـ علي بن وهبان.

    61 ـ عمر بن رباح الزهري القلا.

    62 ـ عنبسة بن مصعب العجلي.

    63 ـ عيسى بن عيسى الكلابي مولى بني عامر ـ وليس بالرواسي ـ .

    64 ـ غالب بن عثمان.

    65 ـ الفضل بن يونس الكاتب البغدادي.

    66 ـ القاسم بن إسماعيل القرشي ، أبو محمد المنذر.

    67 ـ القاسم بن محمد الجوهري.

    68 ـ محمد بن بكر بن جناح.

    69 ـ محمد بن الحسن بن شمّون.

    70 ـ محمد بن عبد اللّه الجلاّب البصري.

    71 ـ محمد بن عبد اللّه بن غالب الاَنصاري البزاز.

    72 ـ محمد بن عبيد بن صاعد.

    73 ـ محمد بن عمر.

    74 ـ محمد بن محمد بن علي بن عمرو بن رباح.

    75 ـ مقاتل بن مقاتل بن قياما.

    76 ـ منصور بن يونس بزرج.

    77 ـ موسى بن بكر الواسطي.

    78 ـ موسى بن حماد الطيالسي الذرّاع.

    79 ـ هاشم بن حيان ، أبو سعيد المكاري.

    80 ـ وهيب بن حفص ، أبو علي الجريري.

    81 ـ يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين (عليه السّلام).

    82 ـ يزيد بن خليفة الحارثي.

    83 ـ يوسف بن يعقوب.

________________________________________

(395)

خاتمة المطاف

في

النصيرية

 

________________________________________

(396)

________________________________________

(397)

الكتابة عن النصيرية كسائر الفرق الشيعية أمر صعب لا سيما وانّهم اضطروا إلى التخفّي والانطواء على أنفسهم ، وعاشوا في ظل التقية ، ومن يتصفّح التاريخ يجد أنّه لا مندوحة لهم من التكتّم والتحفّظ في عقائدهم ، فمعاجم الفرق مليئة بذمّهم وتفسيقهم وتكفيرهم ، وقد أخذ بعضهم عن بعض ، ولا يمكن الاعتمادعلى ما نقلوه عنهم إلاّ بالرجوع إلى كتب تلك الفرقة أو التعايش معهم في أوطانهم حتى ينجلي الحقّ ليقف الاِنسان على مكامن عقائدهم وخفايا أُصولهم ، ونحن نسرد قبل كلّ شيء ما ذكرته معاجم الفرق في هذا المقام من دون أيّ تعليق مسهب.

 

النصيرية في معاجم الملل والنحل

    1 ـ ولعلّ أوّل من ذكرهم من أصحاب المقالات هو الشيخ الحسن بن موسى النوبختي من أعلام القرن الثالث ، ويظهر منه أنّ ـ ها نشأت بعد وفاة الاِمام الهادي (عليه السّلام) عام 254 هـ ، فقال :

    وقد شذّت فرقة من القائلين بإمامة علي بن محمد في حياته ، فقالت بنبوّة رجل يقال له محمد بن نصير النميري ، وكان يدّعي أنّه نبي ، بعثه أبو الحسن العسكري (عليه السّلام) ، وكان يقول بالتناسخ والغلو في أبي الحسن ، ويقول فيه بالربوبية ، ويقول بالاِباحة للمحارم ويحلّل نكاح الرجال بعضهم بعضاً في أدبارهم ، ويزعم أنّ ذلك من التواضع و التذلّل ، وأنّها إحدى الشهوات والطيبات ، وأنّ اللّه عزّ وجلّ لم يحرّم شيئاً من ذلك ، وكان يقوي أسباب هذا النميري ، محمد بن موسى بن

 

________________________________________

(398)

الحسن بن الفرات. (1)

    أقول : ما ورد من النسب في هذا الكلام ممّا يستبعده العقل جداً ، إذ كيف يمكن أن يتبنى أحد في حاضرة الخلافة الاِسلامية هذه المنكرات التي لا يرتضيها أيّ إنسان ساذج؟! ولو كان داعياً إلى هذه الاَُمور في أجواء نائية بعيدة ربّما يسهل تصديقه.

    2 ـ وقال الكشي (من أعلام القرن الرابع) : وقالت فرقة بنبوة محمد بن نصير الفهري النميري ، وذلك أنّه ، ادّعى أنّه نبي ، وأنّ علي بن محمد العسكري أرسله ، وكان يقول بالتناسخ والغلو في أبي الحسن ، ويقول فيه بالربوبية ، ويقول بإباحة المحارم ويحلّل نكاح الرجال بعضهم بعضاً في أدبارهم ، ويقول : إنّه من الفاعل والمفعول به أحد الشهوات والطيبات ، وإنّ اللّه لم يحرّم شيئاً من ذلك. وكان محمد ابن موسى بن الحسن بن فرات يقوي أسبابه ويعضده ، وذكر أنّه رأى بعض الناس محمد بن نصير عياناً وغلام له على ظهره ، فرآه على ذلك ، فقال : إنّ هذا من اللذات وهو من التواضع للّه وترك التجبّر ، وافترق الناس فيه بعده فرقاً. (2)

    3 ـ وقد ذكر الاَشعري المتوفّ ـ ى (324 هـ) من أصن ـ اف الغالية ، أصحاب الشريعي ، وقال : يزعمون أنّ اللّه حلّ في خمسة أشخاص ، ثمّ انتقل منه إلى ذكر النميرية ، وقال : إنّ فرقة من الرافضة يقال لهم النميرية أصحاب النميري يقولون إنّ الباري كان حالاًّ في النميري. (3)

    4 ـ وقال البغدادي المتوفّى (429 هـ) ، في فصل عَقَده لبيان الفرقة الشُريعية أتباع الشريعي والنميرية أتباع محمد بن نصير النميري ، ونقل نفس ما نقله الاَشعري في حقّ الرجلين و لم يزد عليه شيئاً.

________________________________________

    1 ـ فرق الشيعة : 93.

    2 ـ رجال الكشي : 438.

    3 ـ مقالات الاِسلاميين : 1/15.

________________________________________

(399)

    ومن قارن كتاب الفرق بين الفرق مع كتاب مقالات الاِسلاميين يجد أنّه صورة ملخّصة من الثاني ، غير أنّه زاد في بيان الفرق سبّاً وذمّاً غير لائق بشأن الكاتب. (1)

    5 ـ وقد عقد الشيخ الطوسي المتوفّى (460 هـ) فصلاً لمدّعي البابية عدّ منها الشريعي ، ومحمد بن نصير النميري.

    قال : كان محمد بن نصير النميري من أصحاب أبي محمد الحسن بن علي عليمها السّلام فلمّا توفي أبو محمد ، ادّعى مقام أبي جعفر محمد بن عثمان أنّه صاحب إمام الزمان ، وادّعى له البابية ، وفضحه اللّه تعالى بما ظهر منه من الاِلحاد والجهل ، ولعن أبي جعفر محمد بن عثمان له وتبرّأه منه ، واحتجابه عنه وادّعى ذلك الاَمر بعد الشُريعي.

    ثمّ قال : قال أبو طالب الاَنباري : لما ظهر محمد بن نصير بما ظهر لعنه أبو جعفر (رض) وتبرّأ منه فبلغه ذلك ، فقصد أبا جعفر (رض) ليعطف بقلبه عليه ، أو يعتذر إليه ، فلم يأذن له وحجبه وردّه خائباً.

    ثمّ نقل عن سعد بن أبي عبد اللّه ما نقلناه آنفاً عن النوبختي.

    ثمّ قال : فلمّا اعتلّ محمد بن نصير العلّة التي توفي فيها ، قيل له وهو مثقل اللسان : لمن هذا الاَمر من بعدك؟ فقال بلسان ضعيف ملجلج : أحمد ، فلم يدروا من هو؟فافترقوا بعده ثلاث فرق ، قالت فرقة : إنّه أحمد ابنه ، وفرقة قالت : هو أحمد ابن محمد بن موسى بن الفرات ، وفرقة قالت : إنّه أحمد بن أبي الحسين بن بشر بن يزيد ، فتفرّقوا فلا يرجعون إلى شيء. (2)

    ثمّ إنّ الشيخ أخرج في أسماء أصحاب الهادي (عليه السّلام) ، محمد بن حصين

________________________________________

    1 ـ انظر الفرق بين الفرق : 252.

    2 ـ الطوسي : الغيبة : 398 ـ 399.

________________________________________

(400)

الفهري ، وقال : ملعون ولعلّه محمد بن نصير ، فالحصين تصحيف لنصير. (1)

    وأخرج في أصحاب الاِمام العسكري محمد بن موسى الصريعي ، وقال المعلق : وفي بعض النسخ الشريعي ، وهو أوّل من ادّعى البابية حسب تنصيص الشيخ الطوسي في الغيبة ، ولم يذكر في أصحاب العسكري محمد بن نصير النميري. (2)

    6 ـ وقال الاسفرايني المتوفّى (471 هـ) : الفرقة التاسعة منهم الشريعية والنميرية ، و الشريعية أتباع رجل كان يدعى شريعاً ، وكان يقول : إنّ اللّه تعالى حلَّ في خمسة أشخاص في محمد ، وعلي ، وفاطمة ، والحسن والحسين ، وكانوا يقولون : إنّ هوَلاء آلهة ولهوَلاء الخمسة خمسة أضداد ، إلى أن قال : وكان النميري ، خليفته وكان يدعي لنفسه مثله بعده وجملة النميرية والشريعية والخطابية وكانوا يدعون إلهيّة جعفر الصادق. (3)

    ولا يخفى وجود التناقض في كلامه حيث فسر الشريعية بالاعتقاد بالاَُلوهية في الخمسة الطاهرة آخرهم الحسين (عليه السّلام) وقال في ذيل كلامه : إنّ الطوائف الثلاث : النميرية ـ الشريعية ـ الخطابية كانوا يدّعون إلهية جعفر الصادق.

    ومع ذلك كلّه فما ذكره مأخوذ من الفرق بين الفرق والمقالات وكأنّ الجميع عيال على الاَشعري.

    8 ـ وقال ابن أبي الحديد المتوفّ ـ ى (655 هـ) في فصل عقده لذكر الغلاة من الشيعة والنصيرية وغيرهم : إنّالنصيرية : فرقة أحدثها محمد بن نصير النميري ، وكان من أصحاب الحسن العسكري (عليه السّلام) ، إلى أن قال : وكان محمد بن نصير من

________________________________________

    1 ـ الطوسي : الرجال : أصحاب الاِمام الهادي (عليه السّلام) برقم 39.

    2 ـ الطوسي : الرجال : أصحاب الاِمام العسكري (عليه السّلام) برقم 19.

    3 ـ التبصير في الدين : 129.

(401)

أصحاب الحسن بن علي بن محمد بن الرضا ، فلمّا مات ادّعى وكالة لابن الحسن الذي تقول الاِمامية بإمامته ففضحه اللّه تعالى بما أظهره من الاِلحاد والغلو ، والقول بالتناسخ ، ثمّادّعى أنّه رسول ونبي من قبل اللّه تعالى ، وأنّه أرسله علي بن محمد ابن الرضا ، وجحد إمامة الحسن العسكري وإمامة ابنه ، وادّعى بعد ذلك الربوبية وقال بإباحة المحارم. (1)

    9 ـ وقد بسط الكلام الشهرستاني (479 ـ 548 هـ) في النصيرية والاِسحاقية وعدّهم من جملة غلاة الشيعة وقال : لهم جماعة ينصرون مذهبهم ويذبّون عن أصحاب مقالاتهم ، وبينهم خلاف في كيفية إطلاق اسم الاِلهية على الاَئمة من أهل البيت ـ إلى أن قال ـ : « قالوا ولم يكن بعد رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) شخص أفضل من علي (رضي اللّه عنه) ، وبعده أولاده المعصومون وهم خير البرية ، فظهر الحقّ بصورتهم ونطق بلسانهم وأخذ بأيديهم ، فعن هذا أطلقنا اسم الاِلهية عليهم.

    وإنّما أثبتنا هذا الاختصاص « لعلي » رضي اللّه عنه دون غيره لاَنّه كان مخصوصاً بتأييد إلهي من عند اللّه تعالى ، فيما يتعلق بباطن الاَسرار. قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم : « أنا أحكم بالظاهر ، واللّه يتولّ ـ ى السرائر » وعن هذا كان قتال المشركين إلى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقتال المنافقين إلى علي رضي اللّه عنه.

    وعن هذا شبهه بعيسى بن مريم (عليه السّلام) ، فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : « لولا أن يقول الناس فيك ما قالوا في عيسى بن مريم (عليه السّلام) ، لقلت فيك مقالاً ». (2)

    10.وقال العلاّمة الحلّي (648 ـ 726 هـ) : محمد بن الحصين الفهري من أصحاب أبي الحسن الثالث الهادي (عليه السّلام) كان ضعيفاً ملعوناً. (3)

________________________________________

    1 ـ شرح نهج البلاغة : 8/122 ، ولا يخفى أنّ ابن أبي الحديد تفرّد بإنكار النميري إمامة الحسن العسكري (عليه السّلام) وإمامة ابنه مع أنّه كان يدّعي البابية لابن العسكري سلام اللّه عليهم.

    2 ـ الملل والنحل : 1/168 ـ 169.

    3 ـ الخلاصة : 2/252 برقم 22.

________________________________________

(402)

    والعجب أنّه عنونه تارة أُخرى ، وقال : محمد بن نصير بالنون المضمومة والصاد المهملة ، قال ابن الغضائري : قال لي أبو محمد بن طلحة بن علي بن عبد اللّه بن غلاله ، قال لنا أبو بكر بن الجعابي : كان محمد بن نصير من أفاضل أهل البصرة علماً وكان ضعيفاً بدو النصيرية وإليه ينسبون. (1)

    ولعلهما شخصان مختلفان.

    11 ـ وقال الجرجاني المتوفّى (816 هـ) : النصيرية الذين قالوا إنّ اللّه حلّ في علي (رض). (2)

    والباحث في كتب الرجال لاَصحابنا يجد أنّ ـ ها تعج بما رواه الشيخ في كتاب الغيبة ، والكشي في رجاله. (3)

 

النصيرية فرقة بائدة

    إذا كانت النصيرية هي التي عرّفها أصحاب المعاجم وغيرهم ، فهذه الفرقة قد بادت لا تجد أحداً يتبنّى أفكارها بين المسلمين ، إلاّ إذا كان مغفّلاً أو مغرضاً ، وربّما تكون بعض هذه النسب ممّا لا أصل له في الواقع ، وإنّما اتهمت بها بعض فرق الشيعة من قبل أعدائهم ، فإنّ خصومهم من العباسيين شنّوا حملة شعواء ودعايات مزيفة ومضلّلة ضدهم ، حتى يجد الباحث أنّالكتّاب والموَلّفين المدعومين من قبل السلطات لا يألون جهداً في اتهامهم بأرخص التهم في العقيدة والعمل حتى صارت حقائق راهنة في حقّ هوَلاء ، وتبعهم غير واحد من أصحابنا لحسن ظنّهم بما كتب حولهم.

________________________________________

    1 ـ الخلاصة : 2/257 برقم 61.

    2 ـ التعريفات : 106.

    3 ـ انظر تنقيح المقال : 3/195.

________________________________________

(403)

محمد بن نصير النميري شخصيّة قلقة

    الحقّ أن يقال إنّ ابن نصير شخصية قلقة ، يكتنفها كثير من الغموض ، فتارة يعدّونه من أفاضل أهل البصرة علماً وأنّه ضعيف (1) وأُخرى من أصحاب الاِمام الجواد (عليه السّلام) (2) وأُخرى أنّه من أصحاب الاِمام العسكري (عليه السّلام) وأنّه غال (3) وطوراً عدّوه فهرياً بصرياً مع أنّ هذين لا يجتمعان. (4)

    وأخيراً تحيّروا في أمر هذا الرجل ووضعوا اسمه في قائمة المشتركات. (5)

    ثمّ إنّ كتّاب الفرق ذكروا رجالاً كان لهم دور في حياة ذلك الرجل ، منهم :

    الشريعي أبو محمد ، وقد عرفت ما قيل حوله؛ وابن فرات ، وهو الذي ذكر النوبختي أنّه كان يقوي عضد محمد بن نصير ، ومن الموَكد أنّ هذا الرجل ينتمي إلى أُسرة شيعية عريقة كان لها مركز ونفوذ في البلاط العباسي.وتقلّد جمع منهم الوزارة ، منهم :

    1 ـ أبو الحسن علي بن محمد بن الفرات تسنّم عرش الوزارة ثلاث مرّات ، خلع وحبس خلالها ، فقد تسلم الوزارة بين سنة 296و299 هـ ، ثمّ في سنة 304 ، وثالثة في سن ـ ة 311 ـ 313 هـ وقد اتّهموه بموَازرة الاَعراب البوادي الذين نهبوا بغداد ، وكذلك اتهم بالزندقة وصودرت أمواله وذلك أيّام المقتدي باللّه

________________________________________

    1 ـ المامقاني : تنقيح المقال : 3/195.

    2 ـ الطوسي : الرجال : أصحاب الاِمام الجواد برقم 10 و 26.

    3 ـ الطوسي : الرجال : أصحاب الاِمام العسكري (عليه السّلام) برقم 20.

    4 ـ الكشي : الرجال : برقم 383.

    5 ـ المامقاني : تنقيح المقال : 3/196.

________________________________________

(404)

العباسي. (1)

    2 ـ أبو الفتح الفضل بن جعفر بن محمد بن الفرات وزير الراضي باللّه العباسي.

    3 ـ أبو أحمد المحسن بن الوزير أبي الحسن.

    4 ـ جعفر بن محمد أخو الوزير علي بن محمد. (2)

    هذه هي النصيرية وهذه هي كلمات أصحاب المعاجم في حقّها ونحن على شكّ في صدق هذه النسب ، لاَنّ أكثر من كتب عنهم يعدّون خصوماً لهم ، ومن كتب عنهم من غير خصومهم لم يعتمد على أصل صحيح ، فلا يبعد أن تكون هذه الفرقة على فرض وجودها في عصرها من الفرق البائدة التي عبث بها الزمان.

 

العلويون وأصل التسمية بالنصيرية

    إنّ هناك أقلاماً مغرضة حاولت أن تنسب العلويين المنتشرين في الشام والعراق وتركيا وإيران إلى فرقة النصيرية البائدة اعتماداً على أُمور ينكرها العلويون اليوم قاطبة.

    وأظن أنّ السبب في ذلك هو جور السلطات الظالمة التي أخذت تشوّه صحيفة العلويين وتسودّها ، فأقامت فيهم السيف والقتل والفتك والتشريد ، ولم تكتفِ بل أخذت بالافتراء عليهم لتنفّر الناس من الاختلاط بهم ، وأنّهم زمرة وحشية هجمية ، ممّا زاد في انكماش هذه الطائفة على نفسها ، لذا نجد من المناسب الكتابة عنهم حسب ما كتبوه عن أنفسهم.

    أمّا سبب تسمية العلويين بالنصيرية لاَنّه لما فتحت جهات بعلبك وحمص استمد أبو عبيدة الجراح نجدة ، فأتاه من العراق خالد بن الوليد ، ومن مصر عمرو

________________________________________

    1 ـ الصابي : كتاب الوزراء : 247.

    2 ـ الصابي : كتاب الوزراء : 247.

________________________________________

(405)

ابن العاص ، وأتاه من المدينة جماعة من أتباع علي (عليه السّلام) وهم ممّن حضروا بيعة غدير خم ، وهم من الاَنصار ، وعددهم يزيد عن أربعمائة وخمسين ، فسمّيت هذه القوة الصغيرة ، نصيرية ، إذ كان من قواعد الجهاد تمليك الاَرض التي يفتحها الجيش لذلك الجيش نفسه ، فقد سميت الاَراضي التي امتلكها جماعة النصيرية : جبل النصيرية ، وهو عبارة عن جهات جبل الحلو وبعض قضاء العمرانية المعروف الآن ثمّ أصبح هذا الاسم علماً خاصاً لكلّ جبال العلويين من جبل لبنان إلى أنطاكية. (1)

    وهذا الرأي أقرب إلى الصواب ، ذلك أنّ الموَرّخين الصليبيّين أطلقوا على هذا الجبل اسم « النصيرة » ويبدو انّ هذا الاسم قد حرّف إلى نصيرية و الذي يعزز القناعة بصحة هذا الرأي هو أنّإطلاق اسم نصيرية على هذا الجبل ، لم يظهر إلاّ أثناء الحملات الصليبية ، أي بعد عام 498 هـ ، وإذا كان معنى ذلك أنّ اسم نصيرية قد تغلّب على اسم الجبل في زمن الشهرستاني.

    وثمة آراء أُخرى قليلة ترى أنّ تسمية نصيرية نسبة إلى نصير غلام الاِمام عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام).ويبدو لنا خطل هذه الآراء ، خاصة وأنّ التاريخ لم يذكر أنّ للاِمام علي غلاماً يدعى نصيراً. (2)

 

أهم عقائدهم

    حسب المصادر المطّلعة على حالهم ، فإنّ عقائد العلويين لا تختلف عن عقائد الشيعة الاثنا عشرية الاِمامية ، وهي معروفة مسجّلة. (3)

________________________________________

    1 ـ محمد أمين غالب الطويل : تاريخ العلويين : 87 ـ 88.

    2 ـ هاشم عثمان : العلويون بين الاَُسطورة والحقيقة : 35 ـ 36.

    3 ـ علي عزيز آل إبراهيم : العلويون والتشيع : 91 ـ 97 ، الدار الاِسلامية ، بيروت ، 1403 هـ /1992م؛ وراجع العلويون بين الاَُسطورة والحقيقة لهاشم عثمان ، وعقيدتنا وواقعنا لعبد الرحمان الخير.

________________________________________

(406)

    وما يوجب السكون والاطمئنان في ذلك أنّ جميع الموَلفين وأرباب كتب الفرق و المذاهب عدّوهم من الشيعة الاِمامية الاثنا عشرية على الرغم ممّا نسبوا إليهم ورموهم بالغلو والتطرّف والباطنية وأمثال ذلك ممّا ستأتي الاِشارة إليه.

    فالعلويون يوَمنون برسالة محمد بن عبد اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولا يشكّون بإمامة ابن عمه علي بن أبي طالب والاَئمة الاَحد عشر من صلبه (عليهم السّلام) وينطقون بالشهادتين عن إيمان فحصنهم شهادة أنْ لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والموالاة لآل بيته والصلاة والصوم والحج والزكاة والجهاد في سبيل اللّه والمعاد في اليوم الآخر ، وكتابهم القرآن ، ما زاغوا عن هواه ولانهجوا منهجاً غير شريعته ، ولهم مراجع دينية عرفوا بتمسّكهم بالدين وإقامة شعائرهم الدينية الاِسلامية ، ويطرحون كلَّ حديث لم يشر إليه القرآن وجاء مخالفاً له ، كما وأنّهم لا يوَيّدون قول من يقول بصحّة تأويل الآيات التي بحق محمد وآل محمد (عليهم السّلام) ، ويحترمون كل الشرائع السماوية ، ويقدّسون كلَّ الاَنبياء ، ولا يشكّون بصحّة ما أُنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والاَسباط ، وما أُوتي موسى وعيسى والنبيون من ربّهم ، وهم للّه مسلمون ، ولم يعصوا الرسول في عمل ولم يخالفوه في قول ، ويحصرون كلمة العلم الكاملة بأهل البيت ، ويعتمدون على جعفر بن محمد الصادق (عليه السّلام) في أبحاثهم الدينية وتأويل القرآن والفقه والفتوى ، فلا شافعي ولا حنبلي ولا مالكي ولا حنفي عندهم ، وكلّهم للّه حنفاء متّبعون ملّة أبيهم إبراهيم ، وهو الذي سمّاهم المسلمين ويعبدون اللّه تعالى لا يشركون في عبادته حداً. (1)

    ونترك الحديث إلى أحد كتابهم وهو الشيخ عبد الرحمان الخير يتحدث عن عقيدتهم في أُصول الدين وفروعه ، حيث يقول :

    أُصول الدين خمسة ، وهي :

    التوحيد و العدل والنبوّة والاِمامة والمعاد.

________________________________________

    1 ـ أحمد زكي تفاحة : أصل العلويين وعقيدتهم : 47 ـ 48.

________________________________________

(407)

    التوحيد : نعتقد بوجود إله واحد خالق للعالم المرئي وغير المرئي ، لا شريك له في الملك متصف بصفات الكمال ، منزّه عن صفات النقص والمحال : « لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ وَهُوَ الْسَمِيعُ الْبَصِير » (الشورى/11).

    العدل : نعتقد بأنّ اللّه تعالى عادل منزّه عن الظلم ، وعن فعل القبيح والعبث ، لا يكلّف البشر غير ما هو في وسعهم وطاقتهم ولا يأمرهم إلاّ بما فيه صلاحهم ولا ينهاهم إلاّ عمّا فيه فسادهم ولو جهل كثير من العباد وجه الصلاح والفساد في أمره ونهيه سبحانه.

    النبوّة : نعتقد بأنّ اللّه سبحانه يصطفي من خيرة عباده الصالحين رسلاً لاِبلاغ رسالاته إلى الناس ، ليرشدهم إلى ما فيه صلاحهم ويحذّروهم عمّا فيه فسادهم في الدنيا والآخرة.

    ونعتقد بأنّ الاَنبياء كثيرون ، ذكر منهم في القرآن الكريم خمسة وعشرون نبياً ورسولاً ، أوّلهم سيدنا آدم (عليه السّلام) وآخرهم سيدنا محمد بن عبد اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وشريعته هي آخر الشرائع الاِلهية وأكملها ، ونعتقد بأنّها صالحة لكلّ زمان و مكان.

    ونعتقد بعصمة جميع الاَنبياء من السهو والنسيان ، وارتكاب الذنوب عمداً وخطأ قبل البعثة ، وبعدها ، وأنّهم منزّهون عن جميع العيوب والنقائص ، وأنّهم أكمل أهل زمانهم وأفضلهم وأجمعهم للصفات الحميدة ، صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين.

    الاِمامة : نعتقد بأنّ الاِمامة منصب تقتضيه الحكمة الاِلهية لمصلحة البشر في موَازرة الاَنبياء بنشر الدعوة الاِلهية ، وفي القيام بعدهم بالمحافظة على تطبيق أحكامها بين الناس وبصون التشريع من التغيير والتحريف والتفسيرات الخاطئة.

    ولذلك نعتقد اقتضاء اللطف الاِلهي بأن يكون الاِمام معيّناً بنص إلهي وأن يكون معصوماً مثل النبي سواء بسواء ليطمئن الموَمنون إلى الاقتداء به في جميع أعماله وأقواله.

 

________________________________________

(408)

    ونعتقد بأنّ الاِمام بعد نبينا محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو سيدنا الاِمام علي بن أبي طالب عليه السّلام ، ومن بعده ابناه الحسن والحسين ، ثمّتسعة من ذرية الحسين (عليه السّلام) ، آخرهم المهدي عجّل اللّه فرجه ، وعجل به فرج الموَمنين.

    المعاد : نعتقد بأنّ اللّه سبحانه يعيد الناس بعد الموت للحساب ، فيجزي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته.

    كما ونوَمن بكل ما جاء في القرآن الكريم ، وبما حدّث به النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من أخبار يوم البعث و النشور والجنّة والنار والعذاب والنعيم والصراط والميزان وغير ذلك ممّا أثبته كتاب اللّه وحديث رسوله الصحيح.

    وأمّا فروع الدين : فكثيرة أهمّها الصلاة والصيام والزكاة والحج والجهاد. (1)

 

الجبر والاختيار والتفويض

    يقول أحد كتّابهم في هذا الصدد :

    عقيدة المسلمين العلويين في هذه المسألة هي طبق ما جاء عن الاِمام أمير الموَمنين علي بن أبي طالب (عليه السّلام) وهو ينفي الجبر والاِهمال ، وقد منح اللّه العباد القوّة على أفعالهم وأوكلهم فيها إلى نفوسهم فعلاً وتركاً بعد الوعد والوعيد ، قال (عليه السّلام) في نهج البلاغة : « إنّ اللّه سبحانه أمر عباده تخييراً ونهاهم تحذيراً ، وكلّف يسيراً ولم يكلف عسيراً ، وأعطى على القليل كثيراً ، ولم يعص مغلوباً ولم يطع مكرهاً ، ولم يرسل الاَنبياء لعباً ولم ينزل الكتاب عبثاً ، ولا خلق السماوات والاَرض وما بينهما باطلاً ، ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار ».

    وقد شنع الاَمير الشاعر المكزون السنجاري على القائلين بالجبر ووصفهم بأنّ عبيد اللات خير منهم قال :

________________________________________

    1 ـ عبد اللّه الخير : عقيدتنا وواقعنا نحن المسلمين العلويين : 20 ـ 23 ، نقل بتلخيص.

________________________________________

(409)

عبيد اللات فيما جاء عنهموأما المجبرون فعن يقين            يسبّون الاِله بغير علميسبّون الاِله بكل ظلم

    ويقول أيضاً :

إذا كان فعلي له مراداولم دعاني إلى أُمور             فلم بما قد أراد يعصىمني لها الخلف ليس يحصى

    ومن احتجاجه على القائلين بالجبر قوله :

قل لمن قال إنّ باري البرايامن ترى ان أراد بالعبد سوءاًاتقوا اللّه ذاك أمر محالوإذا لم يكن فقد ثبت القو           ليس في خلقه مريد سواهراح في العبد كارهاً ما قضاهأن يرى ساخطاً رضاه رضاهل لعبد ومان في مدعاه. (1)

    ما حيك حولهم

    وفي غياب المصادر الموثوقة ، نسب مناوئوهم عقائد وآراء شتى إلى العلويين نشير في ما يلي إلى بعضها :

    1 ـ الاعتقاد بالحلول والغلو في حقّ الاَئمّة سيّما الاِمام علي بن أبي طالب عليه السّلام. (2)

    2 ـ التناسخ. (3)

    3 ـ نبوّة النميري محمد بن نصير. (4)

________________________________________

    1 ـ علي عزيز الاِبراهيم : العلويون والتشيع : 76 ـ 83.

    2 ـ الشهرستاني : الملل والنحل : 2/25 ، 26 ، سليمان الاذنى : الباكورة السليمانية : 87.

    3 ـ النوبختي : فرق الشيعة : 93 ـ 94.

    4 ـ نفس المصدر.

________________________________________

(410)

    4 ـ شركة الاِمام علي مع رسول اللّه في نبوته. (1)

    5 ـ إباحة المحارم وتحليل نكاح الرجال بعضهم بعضاً. (2)

    6 ـ افتراقهم إلى ثلاث فرق في خلافة محمد بن نصير النميري. (3)

    7 ـ عبادة السماء والشمس والقمر على تقاليد الفينيقيين والاعتقاد بوجود الاَئمّة (عليهم السّلام) فيها. (4)

    وهذه الافتراءات والتهم إنّما تهدف إلى شيء واحد وهو تأليب الناس عليهم دون أن تستند إلى مصدر أو مستند أو وثيقة. ودون أن يتجشّم الموَلّفون لتحقيقها ، فإنّ موَلّفي الفرق والملل والنحل كان همّ أكثرهم توسيع رقعة الخلاف ، وخلق أكبر عدد ممكن من الفرق وطرح أشياء غريبة عجيبة وغير معقولة ولا مشروعة.

 

رميهم بالغلو والتطرّف

    أُمُّ الاتهامات ضدّهم هي تهمة الغلو وتأليه الاِمام علي (عليه السّلام) حيث يكرره الموَلفون من قديم وجديد. (5)

    ويترآى أنّ رميهم بالغلو والتطرف كان ردّ فعل من مناوئيهم حيث كان يرميهم هوَلاء بالتقصير في حقّ علي بن أبي طالب (عليه السّلام) أو عدم الاِيمان بفضائله وأفضليته من سائر الصحابة ، حتى عدائهم له بتحريض من خلفاء الاَُمويين ،

________________________________________

    1 ـ المصدر نفسه.

    2 ـ الشهرستاني : الملل والنحل : 2/25 ـ 26.

    3 ـ النوبختي : فرق الشيعة : 115 ـ 116 ، الرازي فخر الدين : اعتقادات فرق المسلمين والمشركين : 61.

    4 ـ النوبختي : فرق الشيعة : 115 ـ 116 ، وراجع : القلقشندي : صبح الاَعشى : 13/222 ـ 253.

    5 ـ الدكتور عبد الرحمان بدوي : مذاهب الاِسلاميين : 2/425 ، دار العلم للملايين ، بيروت ـ 1973م.

(411)

فقابلوا تهمة بتهمة. ولا غرو في ذلك فانّ النزاع السياسي والعسكري بين العشائر العلوية وخصومهم من الاَُمويين والعباسيين والعثمانيين الذين كانوا يتمتعون بالسلطة الرسمية تسبب في شن حرب إعلامية نفسية ضدّهم وسلب الشرعيّة عنهم حتى يبرّر ذلك التنكيلَ بهم والفتكَ الذريع بحقهم ، وقد أجاد شاعرهم الاَمير حسن المكزون السنجاري حينما أنشد :

قد بدت البغضاء منهم لناوما لنا إلاّ موالاتنا           كما منالهم بدا الحبلآل طه عندهم ذنب

    أعود للحديث عن عقيدة العلويين ، فأقول ليس للعلويين مذهب خاصّ بهم يختلف عن مذهب أهل البيت (عليهم السّلام) كما يحاول أن يصوّر ذلك بعض الجهّال السذّج ، وإنّما هم شيعة إمامية اثنا عشرية يتمذهبون بمذهب أهل البيت (عليهم السّلام) ويعولون عليه في أحكامهم ومعاملاتهم ، إلاّ أنّ ثمة معتقدات علوية متميّزة سوف أحاول التركيز عليها باختصار.

 

أ. الطريقة الجنبلائية

    يقال أحدثها في الشيعة العلويين رجل اسمه أبو محمد عبد اللّه الجنبلاني المعروف بالجنَّان ، ويعتقد بعض العلويين أنّه من روَسائهم الكبار ، ومن أعلم أهل عصره في التصوّف ، وكان يقيم في العراق العجمي في بلدة جنبلا ، ومن هنا اشتهر بالفارسي ، ويقال إنّه سافر إلى مصر وهناك أدخل الحسين بن حمدان الخصيبي في طريقته ، وقد تبعه الاَخير إلى جنبلا عند عودته فأخذ عنه الاَحكام الصوفية والفلسفية وعلوم النجوم والهيئة وبقية العلوم العصرية. (1)

    والخصيبي أحد مشايخ العلويين الكبار وقد خلّف الجنبلاني في رئاسة

________________________________________

    1 ـ علي عزيز إبراهيم العلوي : العلويون فدائيو الشيعة المجهولون : 28 ـ 29.

________________________________________

(412)

مشيخة الطريقة وعنه يقول صاحب كتاب تاريخ العلويين :

    كان دأب السيد حسين بن حمدان الخصيبي ووكلاوَه في الدين إرشاد بعض أفراد بقيّة الاَديان إلى دين الاِسلام ، وهوَلاء يبقون بصفة أفراد مسلمين شيعة أي جعفرية ، والذين يشاهد فيهم الكفاءة يدخلهم في الطريقة الجنبلائية. (1)

    من هنا نعلم أنّ الرجل كانت غايته أن يدعو الناس إلى مذهب أهل البيت كما هو ظاهر ، وأنّ الطريقة الجنبلائية ليست سوى معتقد صوفي كبقية المعتقدات الصوفية المكتومة لدى أكثر فرق المسلمين.

 

ب. العقيدة في الباب

    يرى العلويون أنّ الاَئمّة (عليهم السّلام) هم أوصياء الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولمّا كانت الاَئمّة (عليهم السّلام) يحصون علوم الاَوّلين والآخرين كان لابدّ لهم من باب يوَخذ فيه عنهم مصداقاً ، ولذلك اتبعوا الاَثر فاتخذوا باباً لكلّ منهم ، والاَبواب هم :

    1 ـ الاِمام علي بن أبي طالب (عليه السّلام) باب مدينة العلم التي هي النبي ، وبابه سلمان الفارسي.

    2 ـ الاِمام الحسن المجتبى (عليه السّلام) بابه قيس بن ورقة المعروف بالسفينة.

    3 ـ الاِمام الحسين الشهيد (عليه السّلام) بابه رشيد الهجري.

    4 ـ الاِمام علي زين العابدين (عليه السّلام) بابه عبد اللّه الغالب الكابلي.

    5 ـ الاِمام محمد الباقر (عليه السّلام) بابه يحيى بن معمر بن أُمّ الطويل الشمالي.

    6 ـ الاِمام جعفر الصادق (عليه السّلام) بابه جابر بن يزيد الجعفي.

    7 ـ الاِمام موسى الكاظم (عليه السّلام) بابه محمد بن أبي زينب الكاهلي.

    8 ـ الاِمام علي الرضا (عليه السّلام) بابه المفضل بن عمر.

    9 ـ الاِمام محمد الجواد (عليه السّلام) بابه محمد بن مفضل بن عمر.

________________________________________

    1 ـ محمد أمين غالب الطويل : تاريخ العلويين : 208.

________________________________________

(413)

    10 ـ الاِمام علي الهادي (عليه السّلام) بابه عمر بن الفرات ، المشهور بالكاتب.

    11 ـ الاِمام حسن العسكري (عليه السّلام) بابه أبو شعيب محمد بن نصير النميري.

    12 ـ الاِمام الحجّة محمد المهدي (عليه السّلام) فلم يكن له باب.

 

المحنة والاضطهاد المتواصل

    الشيعة عموماً كانوا يعتقدون عدم استحقاق الحكام العباسيين الذين استندوا إلى وسادة الخلافة ، وكانوا يضطهدون الشعوب الاِسلامية باسم الدين ، ومن جملة هوَلاء العلويون ، فعمدت السلطة إلى قمعهم وتشريدهم وتعذيبهم ، ونشير فيما يلي إلى بعض محنهم ومعاناتهم :

    1 ـ أيّام المتوكل العباسي اشتد الضغط على أتباع أهل البيت (عليهم السّلام) ، فهاجر جمع غفير منهم إلى أقاصي البلاد كبلاد خراسان وبلاد الاَكراد ، وذلك عام 236 هـ ، حيث أمر باستحضار أئمّة أهل البيت (عليهم السّلام) إلى العراق.وفي القرون التالية ، هجم الجيش العباسي بمعاونة جماعة من المتعصبين من حي الرصافة ببغداد على حيٍّ آخر يسمى الكرخ ، فنهبوا الدور ، وأحرقوا المكتبات و المحلات التجارية والبيوت (1)

    ِ حيث أمر الخليفة المنتصر بقتل الشيع ضحيتها أربعون ألفاً.

    2 ـ أيام السلطان المملوكي محمد بن قلاوون في عام 1305م أمر بتسيير حملة عسكرية عظيمة إلى جبال كسروان (جونيه حالياً بقرب بيروت) في لبنان لاِبادة الطوائف الشيعية هناك ، ومن جملة من فتك بهم العرب العلويون الذين كانوا في شمال لبنان ، ولا سيما في القنيطرة و العاقورة ونواحي البترون وعكا ثمّ امتدوا إلى كسروان ، والذين تخلّصوا من الموت رحلوا إلى الشمال ، أي جهات

________________________________________

    1 ـ أحمد علي حسن : المسلمون العلويون في لبنان : 30 ، ط 1 ، 1989م ، بيروت؛ الشيخ محمود صالح : النبأ اليقين عن العلويين : 154 ، موَسسة البلاغ ، بيروت ـ 1987م.

________________________________________

(414)

اللاذقية وانطاكية. (1)

    3 ـ أيام السلطان سليم العثماني صدرت فتوى بطلب السلطان ، اشتهرت بالفتوى الحامدية ، فقتل على إثرها عدد كثير من الشيعة في حلب وجبال العلويين (2) ذى هذا بالاِضافة إلى تعذيبهم ، وكان ذلك بعد انتصار 1516م في معركة مرج دابق ، فزجّ السلطان بنصف مليون من الشعب التركي لمواجهة العلويين.

    4 ـ حوالي نهاية القرن الثامن عشر وعلى أثر مقتل طبيب انكليزي استحضر سليمان باشا وتسلّم ولاية طرابلس فقتل من قتل من العلويين. (3)

    5 ـ أيام ثورة الشيخ صالح العلي ، في شهر ايار عام 1921 م قام الفرنسيون بحرب دون هوادة ضد الشعب العلوي وقتلوا جمعاً غفيراً منهم ، وانتهت المعارك بانتصار الفرنسيين ، وقيام الحكم الانتدابي في البلاد. (4)

    هذا مع غض النظر عن المعارك الدامية بينهم وبين الفرنج الصليبيين والقراصنة الذين كانوا يهاجمون الساحل الشامي وحدود الاَراضي الاِسلامية منذ القرن الثاني إلى أواخر أيام العثمانيين فيأخذون ضحايا من العلويين. (5) وإضافة إلى المعارك الداخلية والحروب الاَهلية الطائفية التي كانت تتأجّج نيرانها بدسائس أصحاب السلطة أو المستعمرين والصليبيين؛ كما نشاهد في حروب العلويين والاِسماعيلية ، والحروب القبلية بين العشائر العلوية. (6)

________________________________________

    1 ـ المصادر نفسها.

    2 ـ عبد الحسين شرف الدين : الفصول المهمة في تأليف الاَُمّة : المقدمة؛ علي عزيز إبراهيم : العلويون والتشيع : 43؛ محمد أمين غالب الطويل : تاريخ العلويين : 396 ـ 402 و445.

    3 ـ محمد أمين غالب الطويل : تاريخ العلويين : 445.

    4 ـ الشيخ محمود الصالح : النبأ اليقين عن العلويين : 169.

    5 ـ محمد أمين غالب الطويل : تاريخ العلويين : 423 ـ 426 وص 308.

    6 ـ محمد أمين غالب الطويل : تاريخ العلويين : 423 ـ 426 وص 308.

________________________________________

(415)

الخلط بين العلويين و الاِسماعيليين والقرامطة

    هذا الاشتباه والخلط حصل لكثير من الباحثين منهم ابن تيمية في فتواه المشهورة حيث رمى الجميع بنبل واحد (1) مدّعياً أنّ الملاحدة الاِسماعيلية والقرامطة والباطنية والخرمية والمحمدة أسماء لطائفة واحدة. (2)

    على الرغم من أنّ الخلافات العقائدية والمناوشات العسكرية لم تترك مجالاً للخلط والاشتباه ، فنذكر فيما يلي الحروب الطاحنة التي قامت بين العلويين والاِسماعيلية على سبيل الاِيجاز :

    1 ـ في أيام حسن الصباح سكنت قوى الاِسماعيليين جبل القصيرة واستأجرت قلعة القدموس حتى استولوا على قلاع العلويين في مصياف والعليقة والخوابي وأبو قبيس وصهيون ، وفي عام 520 هـ استولوا على قلعة بانياس ، ولما هجم عليهم المسلمون من كلّ ناحية عندما رأوا عدم مساعدتهم ، حالف الاِسماعيليون الصليبيين وسلّموهم قلعة بانياس عام 523 هـ .

    2 ـ تداوم العداء بعد ذلك بين العلويين والاِسماعيليين حتى سنة 977 هـ ، حيث هجم عليهم العلويون واستولوا على قلاعهم ولكن سرعان ما أنجدت الحكومة العثمانية الاِسماعيليين وأعادت لهم مواقعهم.

    3 ـ في خلال سنة 1115 هـ جاءت عشيرة بني رسلان واستولت على قلعة مصياف ، وقتلت جميع الذكور الكبار ، وسكنت مدّة ثمان سنين ، وهذه العشيرة من العشائر العلوية.

________________________________________

    1 ـ راجع نصّالفتوى في رسائل ابن تيمية؛ وتجدها كاملة في مذاهب الاِسلاميين لعبد الرحمان بدوي : 2/445.

    2 ـ نفس المصدر : 451.

________________________________________

(416)

    4 ـ ثمّ هاجمت بعض القوات العثمانية القلاع لنجدة الاِسماعيليين وقذفوهم بالمدافع وسلموا القلعة للاِسماعيليين.

    5 ـ تكررت هذه المناوشات حتى لم يبق للاِسماعيليين سوى القدموس. (1)

    وممن شهد بذلك من المحقّقين ، الدكتور عارف تامر في كتابيه القرامطة ، ومعجم الفرق الاِسلامية. (2)

    6 ـ كانت هناك محاولات للتقريب بين عقائد الاِسماعيلية والعلويين باءت بالفشل بمساعي مشايخ العلويين العلماء على رأسهم حاتم الطوياني سنة 745 هـ . (3)

 

أهمّ العشائر العلوية

    العشائر العلوية الرئيسة أربع : الحداديون والنميلانيون والرشاونة والخياطيون ، وتقسم كلّ واحدة من هذه العشائر إلى أفخاذ وبطون ، وترجع الثلاث الاَُولى منها إلى عشيرة المحارزة البشازعة التي هي أقدم العشائر جميعاً. (4)

    ومن عشائرهم نواصرة وقراحلة ورشاونة ورسالنة ، جروية باشوطية ومقاورة ، ومهالبة.

    فهم يرجعون في نسبهم إلى فرعين رئيسيين :

________________________________________

    1 ـ محمد أمين غالب الطويل : تاريخ العلويين : 338 ـ 340.

    2 ـ عارف تامر : معجم الفرق الاِسلامية : 128 فمابعد.

    3 ـ محمد أمين غالب الطويل : تاريخ العلويين : 378.

    4 ـ الدكتور وجيه محي الدين : مجلة النهضة العلوية؛ أحمد زكي تفاحة : أصل العلويين وعقيدتهم : 24 ـ 25 ، المطبعة العلمية ، النجف الاَشرف ـ 1376 هـ / 1957م.

________________________________________

(417)

    1 ـ فرع القبائل اليمنية (العرب القحطانيين) من همدان وكندة. (1)

    2 ـ فرع القبائل الشاميّة والعراقية من غسّان وبهرا وتنوخ. (2)

    الذين اعتنقوا المذهب الشيعي في وقت مبكر. بعض قبائلهم كالمحارزة يدّعون أنّهم هاشميون ، وبعضهم ازداد عددهم بهجرة قبائل طي (نهاية القرن الثالث الهجري) وغسّان الذين دفعتهم الحروب الصليبية ومعهم الاَمير حسن بن المكزون (ت638 هـ) من جبل سنجار في العراق إلى منطقة الشام في المنطقة الممتدة من طبرية وجبل عامل حتى حلب. (3)

    العشائر العلوية كانوا يسكنون بادية الشام أوّلاً ثمّ نزحوا إلى ديار ربيعة في الجزيرة الفراتية ، وفي العهد العثماني تركوا بلادهم وسكنوا بيلان ، اضنه وانطاكية وقسم منهم سكنوا منطقة الكلبية بقرب اللاذقية في سوريا وقسم آخر منهم في جبال البهرة مع الاِسماعيليين ، وتسمى جبال لكام ، وقسم آخر منهم في جند الاَردن وطبريا بالقدس المحتلة.

    ومعظم العلويين يحتشدون في سلسلة الجبال الممتدة من عكار (4) جنوباً إلى طوروس شمالاً ، ويتوزع بعضهم في محافظات حمص ، حماة ودمشق وحوران كيليكيا ولواء الاسكندرون في سوريا ، ويوجد في المهاجر الاَمريكية أكثر من ربع مليون علوي فضلاً عن الموجود منهم في لبنان والعراق وفلسطين وإيران. (5)

    وكذلك في أُوربا من تركيا واليونان و بلغاريا إلى آلبانيا السفلى. (6)

________________________________________

    1 ـ تاريخ اليعقوبي : 324 ، طبع ليدن.

    2 ـ الهمداني : صفة جزيرة العرب : 132 ، وراجع تاريخ العلويين : لمحمد أمين غالب الطويل : 349 ـ 356.

    3 ـ محمد أمين غالب الطويل : تاريخ العلويين : 356.

    4 ـ في لبنان و كذلك يتواجدون في وادي التيم ، وفي جبال الظنيين(راجع لبنان من الفتح العربي إلى الفتح العثماني للدكتور محمد علي ملي).

    5 ـ عبد اللطيف يونس : الثورة العلوية؛ الدكتور سامي النشار : نشأة الفكر الفلسفي في الاِسلام.

    6 ـ هاشم عثمان : العلويون بين الاَُسطورة و الحقيقة : 40 ـ 41.

________________________________________

(418)

أعلام العلويين

1 ـ إسحاق الاَحمر

(... ـ 286 هـ)

    إسحاق بن محمد بن أحمد بن أبان النخعي ، أبو يعقوب ، الملقب بالاَحمر ، من أهل الكوفة ، رئيس الطائفة الاِسحاقية ، وإليه نسبتهم وكانوا بالمدائن على نحلة النصيرية ، وكان إسحاق يطلي بصره بما يغيره فسمي الاَحمر ، وقيل : لبرص فيه. ذكره الذهبي في رجال الحديث وطعن به وبالغ في ذمه ، عمل كتاباً في التوحيد سماه « الصراط ». (1)

 

2 ـ المنتجب العاني

(330 ـ 400 هـ)

    محمد بن الحسن العاني الخديجي المضري ، أبو الفضل ، المنتجب ، ولد في عانة عام 330 هـ وإليها نسبته ، ونشأ فيها وفي بغداد حيث استقر مدّة ، ثمّ انتقل إلى حلب وسكنها ثمّغادرها إلى جبال اللاذقية واتصل بحسين بن حمدان الخصيبي وتلقى عنه العقيدة والطريقة وأصبح من دعاتها ، وله ديوان شعر كان شاعراً وجدانياً غزير المعاني باطنياً. (2)

________________________________________

    1 ـ ميزان الاِعتدال : 1/196 برقم 784؛ البداية والنهاية : 11/82؛ لسان الميزان : 1/370؛ تاريخ بغداد : 3/290و6/378؛ الاَعلام : 1/295.

    2 ـ الزركلي : الاَعلام : 6/82؛ بروكلمان : تاريخ الاَدب العربي : 3/358؛ الدكتور أسعد أحمد علي : فن المنتجب العاني وعرفانه : 37 ، دار النعمان ، بيروت ـ 1968م.

________________________________________

(419)

3 ـ الحسين بن حمدان الخصيبي

(260 ـ 358 هـ)

    ومن أعظم رجالات العلويين وعلمائهم الحسين بن حمدان الخصيبي الجنبلائي (1) وكنيته أبو عبد اللّه ، ولد في جنبلا سنة 06 سبع سنين ، وحفظه وهو ابن عشر ، وحج وهو ابن عشرين ، وأتى حلب سنة 315 هـ ، وتوفي فيها عام 358 هـ ، وقبره يعرف بالشيخ يبرق. (2)

    وشهد وفاته بعض تلامذته ومريديه ، منهم : أبو محمد القيس البديعي ، وأبو محمد الحسن بن محمد الاعزازي ، وأبو الحسن محمد بن علي الجلي.

    وأقوال الموَرخين المعاصرين عنه كثيرة بين متحامل عليه وحاقد ، وبين ملتزم في الصمت ، منهم : النجاشي ، وابن الغضائري ، وصاحب الخلاصة من المتحاملين عليه.

    وفي الفهرست لابن النديم : الحسين بن حمدان الخصيبي الجنبلاني يكنّى أبا عبد اللّه ، روى عنه التلعكبري وسمع منه في داره بالكوفة سنة 334 هـ ، وله فيه إجازة.

    وفي لسان الميزان : الحسين بن حمدان بن خصيب الحصيبي أحد المصنفين في فقه الاِمامية ، روى عنه أبو العباس بن عقدة وأثنى عليه وأطراه وامتدحه ، كان يوَم سيف الدولة ابن حمدان في حلب. (3)

    وفي أعيان الشيعة للعلاّمة السيد محسن الاَمين العاملي ترجمة للخصيبي

________________________________________

    1 ـ جنبلاء محدوداً بضمتين وثانية ساكنة ، كورة ومنزل بين واسط والكوفة في العراق.

    2 ـ محمد أمين غالب الطويل : تاريخ العلويين : 198؛ الطبرسي النوري : نفس الرحمن : 142 ـ 144.

    3 ـ علي عزيز الاِبراهيم : العلويون والتشيع : 129.

________________________________________

(420)

مفادها امتداحه والثناء عليه وكلّ ما نسب إليه من معاصريه وغيرهم لا أصل له ولا صحّة وإنّما كان طاهر السريرة والجيب وصحيح العقيدة. (1)

    ومن أهم مصنفاته :

    1 ـ كتاب الهداية الكبرى في تاريخ النبي والاَئمّة ومعجزاتهم وقد قدّم كتابه هذا إلى سيف الدولة الحمداني. (2)

    وهذا الكتاب يشتمل على أربعة عشر باباً في مناقب الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته ، أوّلها باب رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، وثانيها باب السيدة الزهراء (عليها السّلام) ، واثنا عشر باباً لكل إمام منهم باب من علي إلى المهدي (عليهم السّلام) ، غير انّه توسع في باب المهدي (عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف ). وقد عدّ في هذا الكتاب أسماء رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، و أسماء أمير الموَمنين علي بن أبي طالب (عليه السّلام) ، وأسماء فاطمة الزهراء و الحسن والحسين والاَئمة التسعة من ذرية الحسين (عليهم السّلام) في السرياني والعبراني والعربي و جميع اللغات المختلفة بجميع أسمائهم وكناهم والخاص والعام منهم ، وأسماء أُمهاتهم ومواليدهم وأولادهم ودلائلهم وبراهينهم في الاَوقات ، ووفراً من كلامهم وشاهدهم وأبوابهم والدلالة من كتاب اللّه عزّ وجلّ والاَخبار المروية المأثورة بالاَسانيد الصحيحة ، وفضل شيعتهم.

    2 ـ الاِخوان3 ـ المسائل4 ـ تاريخ الاَئمة5 ـ الرسالة6 ـ أسماء النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأسماء الاَئمة. (3)

________________________________________

    1 ـ محسن الاَمين العاملي : أعيان الشيعة : 5/490 ـ 491.

    2 ـ الذريعة : 25/164؛ أحمد زكي تفاحة : أصل العلويين وعقيدتهم : 55؛ المامقاني : تنقيح المقال : 1/326.

    3 ـ أعيان الشيعة : 5/491.

(421)

4 ـ الميمون الطبراني

(358 ـ 426 هـ)

    سرور بن القاسم الطبراني ، أبو سعيد ، الملقب بالميمون شيخ العلويين في اللاذقية ، ورئيس الطريقة المعروفة عندهم بالجنبلانية ، ولد في طبريا وإليها نسبته ، وانتقل إلى حلب فتفقه بفقه العلويين أصحاب الخصيبي والجنبلاني ، وصنف كتاباً في مذهبهم ، ثمّرحل إلى اللاذقية والتف حوله من فيها منهم واستمر إلى أن توفي ودفن بها على شاطىَ البحر في مسجد الشعراني. (1)

 

5 ـ الحسن بن مكزون السنجاري

(583 ـ 638 هـ)

    هو الاَمير حسن بن يوسف مكزون ابن خضر ، ينتهي نسبه إلى المهلّب بن أبي صفرة الاَزدي ولد عام 583 هـ في سنجار العراق ، يعدّه العلويون في سورية من كبار رجالهم ، كان مقامه في سنجار أميراً عليها ، واستنجد به علويو اللاذقية ليدفع عنهم شرور الاِسماعيلية سنة 617 هـ ، فزحف إليهم سنة 620 هـ وأزال نفوذهم ، ثمّ تصوّف وانصرف إلى العبادة ، ومات في قرية « كفر سوسة » عام 638 هـ بقرب دمشق ، وقبره معروف فيها. (2)

    له ديوان شعر ، وكتاب تزكية النفس في العبادات الخمس ، وهو صاحب

________________________________________

    1 ـ الزركلي : الاَعلام : 3/81؛ ترمانيني : أحداث التاريخ الاِسلامي : 2/1132.

    2 ـ الزركلي : الاَعلام : 2/227.

________________________________________

(422)

نزعة فلسفية روحية تميل نحو فلسفة محي الدين العربي في تفسير القرآن على رأي المتصوفين ، وأنّه يعارض ابن الفارض في تائيته في جملة قصائده التي مطلعها :

لبّيت لما دعتني ربّة الحجب                  وغبت عني بها في شدّة الطرب (1)

إلى غير ذلك من الشخصيات التي ذكرها أصحاب التراجم.