قاعدة اقرار العقلاء

27 - قاعدة اقرار العقلاء 

 

قاعدة إقرار العقلاء (*) ومن القواعد الفقهية المعروفة قاعدة اقرار العقلاء على انفسهم جائز . وفيها جهات من البحث: [ الجهة ] الاولى في مدركها وهو امور: الاول: اتفاق العقلاء من جميع الملل كافة على نفوذ اقرار كل عاقل على نفسه، بمعنى ان اقرار العاقل على نفسه طريق مثبت لما اقر به عندهم جميعا ولم ينكره احد. وذلك ان العاقل لا يقدم على اضرار نفسه الا لبيان ما هو الواقع لوخز ضميره من الخلاف الذي صدر عنه سواء أكان ذلك الخلاف هي السرقة أو جناية أو غصب أو قذف وما شابه ذلك، أو يقر على نفسه ببيان الواقع حذرا من العذاب الاخروي. مثلا لو كان مال غيره في يده وتحت سيطرته وتصرفه فلا يعترف انه لذلك

 

(هامش)

 

: (*): الحق المبين ص 99، عوائد الايام ص 172، عناوين الاصول عنوان 81، خزائن الاحكام ش 43، مجموعه رسائل العدد 22، ص 497، مستقصى مدارك القواعد ص 7 أصول الاستنباط بين الكتاب والسنة ص 207، قواعد فقهي ص 223، القواعد الفقهية (فاضل اللنكراني) ج 1، ص 63، القواعد الفقهية (مكارم الشيرازي) ج 4، ص 403، در باب إقرار محمد اعتضاد البروجردي، مجلة كانون وكلاء 27، إقرار سيد علي شايكان نشرة مجموع حقوقي العام 1، العدد 30. (*).

 

الغير الا لما ذكرنا من الوجوه، كما انه لو كان لنفسه فلا يعترف انه لغيري لعدم الداعي إلى ذلك في الغالب. نعم قد يتفق له الداعي على اقرار بما هو ضرر عليه مع انه على خلاف الواقع، ولكن هذا القسم شاذ قليل الوجود، ولو لم يكن موجودا اصلا لكان الاقرار على النفس موجبا للعلم بصحة ما اقر به، ولكن وجود هذا القسم من الاقرار على النفس اتفاقا صار سببا لان يكون من الامارات الظنية القوية، ولذلك العقلاء بنوا على حجيته. الا ترى ان احدهم لو اتهم بسرقة أو جناية أو غصب أو غير ذلك - مما يكون الاقرار به ضررا على نفسه - لو اقر واعترف بذلك لا يتردد احد في تصديقه وقبول قوله وصدور هذه الافعال عنه، فإذا انكر شخص آخر صدور هذه الافعال عنه يقال له: كيف تقول انها لم يصدر عنه وهو بنفسه اقر واعترف بذلك ؟ ! ولعل هذا مضمون كلام أبي عبد الله جعفر الصادق (ع) في مرسل عطار: (المؤمن أصدق على نفسه من سبعين مؤمن عليه) (1). ولذلك ترى ان القضاة والحكام - من جميع الملل والاقطار والامصار في جميع الاعصار - يعدون اعتراف الجاني والسارق والقاتل بهذه الامور من اقوى المدارك لصدور هذه الافعال عنه، ولم يردع الشارع عن هذه الطريقة بل امضاها كما يمر عليك دليل الامضاء في الامور الاتية، وإذا أردت اكثر من هذا أدلة الامضاء فراجع كتاب القصاص والحدود والديات من كتب الحديث التي الفها العامة والخاصة. الثاني: الاجماع من كافة علماء الاسلام وعدم الخلاف من أحدهم في حجية

 

(هامش)

 

: 1 - صفات الشيعة ص 37، وسائل الشيعة ج 16، ص 110، أبواب كتاب الاقرار، باب 3، ح 1 (*).

 

اقرار العقلاء على انفسهم ونفوذه في الجملة بطور الموجبة الجزئية. ولكن انت خبير بان هذا الاجماع والاتفاق الظاهر انه ليس اتفاقا واجماعا تعبديا من جهة تلقيهم هذا الحكم من المعصوم (ع) بل من جهة انهم يرونه طريقا عند العقلاء مثبتا لما اقر به ولم يردع عنه الشارع بل امضاها كما ذكرنا فليس من الاجماع المصطلح كما نبهنا عليه مرارا. الثالث: الاخبار وعمدتها الحديث المشهور بين الفريقين - وقد عبر عنه صاحب الجواهر (قده) بالنبوي المستفيض أو المتواتر (1)، ولا يبعد تواتره لاتفاق الفريقين على نقله والاستدلال به في الموارد الخاصة - وهو قوله صلى الله عليه وآله (اقرار العقلاء على انفسهم جائز) (2) وقوله صلى الله عليه وآله قولوا الحق ولو على انفسكم (3) اما قوله صلى الله عليه وآله اقرار العقلاء على انفسهم جائز سنتكلم عنه في بيان مفاد القاعدة مفصلا ان شاء الله تعالى. واما قوله صلى الله عليه وآله قولوا الحق ولو على انفسكم فتقريب الاستدلال به ان الامر ظاهر في الوجوب فإذا كان قول الحق واجبا ولو كان على نفسه فيجب قبوله والا يكون وجوب قول الحق لغوا وبلا فائدة فلا بد من القول بوجوب القبول، وهذا معناه حجية الاقرار على النفس لكونه واجب القبول. وفيه: ان ظاهر الحديث - بناء على ما ذكرت - ان قول الحق واجب القبول سواء أكان على نفسه أو لنفسه أو على غيره أو كان لا له ولا عليه ولكن بعد ما ثبت انه قول حق بعلم أو علمي، وأما أن كل ما يقول ويقر على نفسه فهو قول حق فمن أين ؟

 

(هامش)

 

: 1 - جواهر الكلام ج 35، ص 3. 2 - عوالي اللئالي ج 1، ص 223، 104، وج 2، ص 257، ح 5، وج 3، ص 442، ح 5 وسائل الشيعة ج 16، ص 110، أبواب الاقرار، باب 3، ح 2. 3 - بحار الانوار ج 77، ص 173، ب 7، ح 7. قل الحق ولو على نفسك . (*)

 

ولعله يقول قولا باطلا وإقرارا كاذبا على نفسه لجهة من الجهات، كما انه يريد اظهار سخاوته فيقول: استدنت من فلان مبلغ كذا وقسمته بين الفقراء، أو يريد اثبات شجاعته فيقول: جنيت على فلان بكذا وكذا. فالانصاف ان الحديث لا ربط له بهذه القاعدة بل في مقام بيان وجوب اظهار الحق وعدم جواز كتمانه وان كان اظهاره على ضرره. وأما الاخبار المروية عن الائمة المعصومين (ع) فكثيرة جدا، خصوصا في الموارد الخاصة بصورة القضايا الشخصية، وتقدم مرسل عطار عن الصادق (ع): (المؤمن اصدق على نفسه من سبعين مؤمن) وظاهره ان شهادة المؤمن على نفسه أي: اقراره على نفسه اكشف من شهادة سبعين مؤمن، وأيضا خبر جراح المدائني عن الصادق (ع) (لا اقبل شهادة الفاسق الا على نفسه) (1) وهذا الخبر يدل على نفوذ الاقرار على النفس وان كان فاسقا، لانه لا فرق فيما هو المناط في نفوذ اقراره بين أن يكون فاسقا أو عادلا. وخلاصة الكلام ان الروايات الواردة عن اهل بيت العصمة (ع) في الموارد الخاصة - الدالة على نفوذ اقرار كل عاقل على نفسه - كثيرة جدا ومن راجع كتب الحديث من الفريقين - باب القصاص وباب الحدود وباب الديات وباب الغصب وباب الاقرار وباب القضاء منها وامعن النظر - لا يتأمل في ان ذكر المورد لاجل تطبيق الكبرى الكلية عليها أو لاجل الجواب عن القضايا الشخصية، والا فلا خصوصية لها، بل الحكم عام أي: مفاد تلك الاخبار نفوذ اقرار كل عاقل على نفسه في اي مورد كان، ويكون حكما كليا لا قرارات جميع العقلاء في جميع الموارد. الرابع: الآيات ومنها قوله تعالى (أأقررتم واخذتم على ذلكم اصرى قالوا

 

(هامش)

 

: 1 - الكافي ج 7، ص 395، باب ما يرد من الشهود، ح 5، تهذيب الاحكام ج 6، ص 242، ح 600، باب البينات، ح 5، وسائل الشيعة ج 16، ص 112، أبواب الاقرار، باب 6، ح 1. (*)

 

اقررنا قال فاشهدوا وانا معكم من الشاهدين) (1) ومنها قوله تعالى (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا واخر سيئا) (2) وقوله تعالى (كونوا قوامين بالقسط شهداء الله ولو على انفسكم) (3). وفيها: أما الآية الاولى فلا ربط لها بمقامنا، ومحل بحثنا أي: نفوذ الاقرار على النفس لان الله تعالى في الآية يخاطب الناس - ويقول بعد اخذ العهد والمواثيق منهم: أن يؤمنوا وينصروا رسله هل اقررتم وأخذتم على ذلكم إصري أي ثقلي ؟ والمراد بالثقل العهود والمواثيق الذي اخذ منهم أي قبلتم عهودي ومواثيقي، قالوا اقررنا أي قبلنا تلك العهود والمواثيق فقال الله تعالى فاشهدوا أيتها الملائكة أو الانبياء أو الامم على قبولكم وانا الله ايضا من الشاهدين فلا ربط لها بنفوذ اقرار العقلاء على انفسهم لان المراد من الامر بالشهادة تثبيت تلك العهود والمواثيق عليهم واتمام الحجة، ولذلك يقول هو تعالى بعد ذلك (وأنا معكم من الشاهدين) اي لا يمكن لكم ان تنكروا هذه العهود. واما الآية الثانية فالمراد من قوله تعالى - (وآخرون اعترفوا بذنوبهم) إما هم الفاسقون - المعترفون بذنوبهم التائبون عما فعلوا من خلط العمل الصالح بالعمل السئ، أو هم المتخلفون عن غزوة تبوك فندموا وتابوا على التفصيل المذكور في كتب التفاسير، وعلى كل واحد من التقديرين لا ربط لها بنفوذ اقرار العقلاء على انفسهم. نعم اعترافهم بذنوبهم اقرار على انفسهم ولكن أي ربط له بنفوذ اقرار كل عاقل على نفسه. واما الاية الثالثة فتقريب الاستدال بها ان امره تعالى بكونهم شهداء لله ولو

 

(هامش)

 

: 1 - آل عمران (3): 81. 2 - التوبة (9): 102. 3 - النساء (4): 135. (*).

 

على انفسهم ملازم مع وجوب قبول تلك الشهادة التي على النفس وهذا معناه نفوذ اقراره على نفسه وفيه: ان ظاهر الآية وجوب أداء الشهادة وحرمة كتمانها ولو كانت على انفسهم، وهذا لا يدل على ازيد من وجوب قبول شهادة المؤمنين وان كانت على انفسهم إذا كانت واجدة لشرائط وجوب قبول الشهادة من التعدد والعدالة فلا ربط لها بنفوذ اقرار العاقل على نفسه وان كان فاسقا وغير متعدد الذي هو محل البحث. وقد ظهر مما ذكرنا ان الدليل على اعتبار هذه القاعدة أمران: احدهما: هو الامر الاول أي: اتفاق كافة العقلاء على اماريتها وعدم ورود ردع عن قبل الشارع بل ورد الامضاء الثاني: هي الاخبار وعمدتها النبوي المشهور وهو قوله صلى الله عليه وآله (اقرار العقلاء على انفسهم جائز). الجهة الثانية في بيان مفاد هذه القاعدة وانه ما المراد منها ؟ فنقول: ان مفاد القاعدة والمراد منها تابع للسعة والضيق في مدركها، فارادة المعنى الاوسع من مدركها يرجع إلى ارادة ما لا دليل عليه، وارادة الاضيق من دليلها معناه عدم الاعتناء بدليلها وعدم القول باعتبار ما اعتبره الشارع. وقد عرفت ان المدرك لهذه القاعدة امران: اتفاق العقلاء على ان اقرار العاقل على نفسه امارة ثبوت ما اقر به من حيث انه على نفسه لا بقول مطلق - أي: ولو كان له اثر على الغير، فلو اقر بان فلانة زوجتي فالعقلاء يبنون على زوجية فلانة له من حيث الاثار التي على المقر أي: المهر مثلا، وأما ان المرأة تطيعه وترتب اثار

 

الزوجية فلا - والاخبار وعمدتها قوله صلى الله عليه وآله: (اقرار العقلاء على انفسهم جائز) ومفاد الحديث هو عين ما اتفق عليه العقلاء فلا بد من توضيح مفاد الحديث وبيانه. فنقول: اما الاقرار لغة وبحسب المتفاهم العرفي عبارة: عن جعل الشيء ذا قرار وثبات، فمعنى أقره على شغله أي: جعله ثابتا على ذلك الشغل والمتبادر من كلمة (على نفسه) هو كون الشيء على ضرره كما ان معنى لنفسه كونه لنفعه. ومنه قولهم انت لنا أو علينا أي: تنفعنا أو تضرنا ومعنى كلمة جائز أي: نافذ وماض، لا الجواز مقابل الحرام. وذلك من جهة انها بذلك المعنى ليست مختصة بالاقرار على النفس، بل الاقرار للنفس وبما ينفع المقر ايضا جائز، فمن الواضح ان الجواز هاهنا بمعنى النفوذ والمضي كما قلنا ان على هذا المعنى اتفاق العقلاء. هذا مضافا إلى ان الاقرار على النفس ايضا ربما يكون حراما، وذلك فيما إذا كان كاذبا فيما يخبر عنه وخصوصا فيما إذا كان - مضافا إلى انه كذب - مضرا للغير وموجبا لاهانته، كما انه إذا أقر واعترف كاذبا بانه زنى بالمرأة المحصنة الفلانية ولا شك في ان مثل هذا الاقرار وان كان على نفسه ولكنه من اشد المحرمات كما هو صريح الآية الشريفة (ان الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والاخرة ولهم عذاب عظيم) (1). ثم انه إن كان الظرف - أي: على انفسهم - متعلقا بجائز فيكون المعنى انه اقرار العقلاء مطلقا جائز على انفسهم وان كان متعلقا با لاقرار فيكون الحاصل ان اقرار العقلاء على انفسهم لا مطلق اقاريرهم، وتكون كلمة جائز مطلقا لا انه مقيد بالجواز على انفسهم فقط.

 

(هامش)

 

: 1 - النور (24): 23. (*).

 

والفرق بين الصورتين في كمال الوضوح لانه بناء على الصورة الاولى يكون المعنى عبارة: عن ان اقرار العقلاء - الذي يكون على ضررهم لا مطلق اقرارهم ولو لم يكن على ضررهم - نافذ مطلقا -، سواء أكان النفوذ على ضرره أو على نفعه، بمعنى ان الاقرار إذا كان على ضرره ولكن كان له لازم يكون لنفعه، فبناء على تقدير الاول يرتب ذلك اللازم عليه لانه يصدق عليه انه اقرار على النفس، كما انه لو أقر على ان هذا الولد ابني أو هذه المرأة زوجتي فهذا الاقرار ضرر عليه من حيث وجوب اعطاء النفقة لهما ولكن لازمه انهما لو ماتا يرث منهما. فلو كان الظرف من قيود الاقرار وكان الجواز مطلقا فيلزم القول بنفوذ هذا الاقرار بالنسبة إلى هذا اللازم، وأما لو كان من قيود الجواز فيكون المعنى ان اقرارهم جائز في خصوص ما يضرهم لا فيما ينفعهم، فيلزم القول بعدم نفوذ ذلك الاقرار في اللازم المذكور. ولكن الانصاف ان ظاهر هذا الكلام انه صلى الله عليه واله وسلم بصدد بيان ان اقرار العقلاء إذا كان على ضررهم فهو - أي: ذلك الاقرار الذي على ضرره - جائز ونافذ على نفسه فلو كان لاقرارهم الضرري لازم غير ضرري عليه سواء أكان نافعا له أو لم يكن وسواء أكان ضرر على الغير أو لم يكن ففي جميع هذه الصور لا يشمله الحديث لما ذكرنا ان معنى الحديث ان الاقرار الذي على انفسهم جائز عليهم لا لهم، فكان الظرف المذكور في القضية متعلق بكلمة (اقرار العقلاء) وهو ظاهر اللفظ وإلا محذوف ومقدر متعلق بكلمة (جائز) بقرينة الاول مثل قوله تعالى (اسمع بهم وابصر) (1) أي: بهم فحذف من الثاني بقرينة الاول فكان الكلام هكذا (اقرار العقلاء على انفسهم جائز على انفسهم). ونتيجة هذا انه إذا كان للاقرار مدلول التزامي لا يكون ضررا على المقر

 

(هامش)

 

: 1 - مريم (19): 38. (*).

 

لا يشمله الحديث. ان قلت: إذا حكم الشارع بثبوت المقر به بالاقرار على النفس فقهرا يترتب اثار المقر به عليه سواء أكانت تلك الاثار واللوزام على المقر العاقل أو لنفعه، أو لا لنفعه ولا على ضرره قلت: الامر هكذا بناء على امارية الاقرار كما هو كذلك ولكن تقدير الظرف المتعلق بكلمة (جائز) يمنع عن شمول الحديث لغير ما يضر المقر كما ذكرنا من ان معنى الحديث بعد تقييد الاقرار بكونه على نفس المقر وضرريا عليه وأيضا تقييد كلمة جائز بعلى نفسه المقدر فيكون المعين ان الاقرار الذي عليه جائز عليه لا له. ان قلت: بعد حكم الشارع بثبوت المقر به بذلك الاقرار كيف يمكن التفكيك بين ثبوته وثبوت لوازمه ؟ قلت: ان الثبوت لو كان ثبوته واقعيا تكوينيا لكان لهذا الاشكال مجال وأما الثبوت التعبدي فهو بلحاظ الاثار، فيمكن أن يرد الدليل بثبوته بلحاظ بعض الاثار دون بعض، فيمكن أن يقول الشارع تعبد بثبوت ما اقر به بلحاظ اثاره التي تكون على المقر لا له. فتلخص مما ذكرنا ان معنى هذا الحديث - الذي هو مفاد هذه القاعدة والمراد منها - ان اقرار العقلاء الذي يكون على ضررهم مثبت وطريق كاشف عن وجود المقر به وثبوته ولكن من حيث اثاره التي تكون ضررا على المقر، ففي كل مورد لم يكن الاثر ضرريا عليه لا يثبت ما اقر به من تلك الجهة. والتفكيك بين اللوازم والملزمات في التعبديات لا مانع منه، وله نظائر كثيرة لان الثبوت فيها ليس ثبوتا حقيقيا بل هو ثبوت تعبدي بلحاظ الاثار، فيمكن التفكيك بين ثبوته أي ما اقر به من حيثية دون اخرى.

 

كما انه قيل في قاعدة التجاوز - ونحن بنينا على هذا (1) انه لو شك في اتيان صلاة الظهر في اثناء الاشتغال بصلاة العصر أو شك في انه توضأ للصلاة أم لا في اثناء الصلاة فقاعدة التجاوز تثبت الاتيان بصلاة الظهر من حيثية شرطية اتيانها قبل صلاة العصر ولا تثبت وجودها بقول مطلق، ولذلك بعد الفراغ عن الصلاة يجب الاتيان بها، لان قاعدة التجاوز مفادها ان بعد التجاوز عن محل الشرط لو شك في اتيان الشرط يمضى في عمله ويبنى على الاتيان بالشرط، فالتعبد بوجود صلاة الظهر بما هو شرط لا بما هو هو. وبعبارة اخرى مفاد القاعدة انه تعبد بان العمل الذي انت مشغول به ليس فاقد الشرط، وأما ذات صلاة الظهر - وانه اتى بها أو لم يأت بها فلا نظر للقاعدة إليها ولذلك بعد الفراغ يلزم ان يأتي بها وكذلك الامر في الشك في الوضوء في اثناء الصلاة، فقاعدة التجاوز تثبت وجود الطهارة من حيث شرطيتها لهذه الصلاة ولا تثبت ذات الوضوء من حيث نفسه، ولذلك بالنسبة إلى الصلوات الاخر لا بد له الا ان يتوضأ. وحاصل الكلام ان قاعدة التجاوز مفادها التعبد بوجود صلاة الظهر من حيث شرطيتها لصلاة العصر، وكذلك بوجود الوضوء من حيث شرطيته للصلاة لا اصل وجوده. ومما ذكرنا ظهر انه لا وجه لما توهموه من الاشكال بانه ان كان الاقرار على النفس مثبتا لما اقر به فيجب ترتيب جميع اثار ما اقر به وان لم يكن مثبتا له فلا يترتب عليه شيء اصلا، لانه بناء على هذا يكون اقراره وجوده كعدمه، وذلك من جهة ان اقراره يثبت ما اقر به لكن بالنسبة إلى اثاره التي تكون على ضرر المقر، لا ما يكون له، ولا ما يكون ضررا على غيره، ولا ما يكون لنفع غيره ولا ما يكون لا له

 

(هامش)

 

: 1 - القواعد الفقهية ج 1، ص 315. (*).

 

ولا عليه، فلا ينقض على هذه القاعدة بانه لو اقر بما يكون له ضرر على نفسه وعلى نفسه وعلى غيره كالزنا مثلا فان ما اقر به يكون عليه وعلى غيره أي: المرأة التي يقر بالزناء معها. فالفقهاء يقولون بان المقر يجلد إذا كان غير محصن، ويرجم إذا كان محصنا. وأما المرأة فلا شيء عليها من ناحية هذا الاقرار نعم هي بنفسها لو اقرت أو اقيمت عليها البينة تكون حالها حال المقر من ناحية اقرار نفسها أو من ناحية قيام البينة على انها مزنية بها. وكذلك من جهة ان اقرار ذلك الرجل بالزناء لا يثبت الزناء الا بالنسبة إلى الاثار التي تكون ضررية على المقر دون غيرها، وأما التفكيك بين اللوازم فقلنا انه لا مانع منه في التعبديات. وكذلك لو اقر بابوة شخص له أو بنوته أو اخوته أو غير ذلك من النسب التي تكون من الطرفين ولم يقر الاخر فلا يترتب على اقراره الا الاثار التي تكون ضررية على المقر دون ما يكون ضررا على ذلك الطرف الاخر، فإذا كان واجب الانفاق على المقر يجب عليه الانفاق عليه ويرث من المقر. وأما الطرف الاخر فلا يجب عليه الانفاق على المقر وان كان على تقدير ثبوت النسبة التي اقر بها واقعا يجب عليه الانفاق على المقر ويرث المقر منه ولكن الاقرار لا يثبت النسبة واقعا وتكوينا، والتعبد ايضا ليس بلحاظ جميع الاثار بل يكون بلحاظ الاثار التي تكون ضررية على المقر، ولا يثبت الاثار التي تكون ضررية على غير المقر، ولا الاثار التي تكون فيها نفع المقر. ان قلت: اليس الاقرار امارة على ثبوت المقر به، فإذا ثبت الزناء مثلا القائم بالطرفين الزاني والمزنى بها ولا يمكن تحقق احدهما بدون الاخر وهكذا الحال في

 

جميع موارد المتضايفين فابوة زيد لعمرو لا يمكن ان تتحقق بدون بنوة عمرو، فإذا اقر زيد بابوته لعمرو وقلنا ان ابوته لعمرو تثبت بالاقرار الذي من الامارات فقهرا يثبت بنوة عمرو بتلك الامارة. كما انه لو قامت البينة على ابوة زيد لعمرو تثبت بنوة عمرو له ايضا بتلك البينة، وذلك لحجية مثبتات الامارات. قلت: ان امارية الاقرار ليست مطلقة بل يثبت ما اقر به من حيث كونه منشأ للاثار التي تكون ضررية على المقر ولا يثبت ما اقر به مطلقا، وقلنا ان الثبوت ليس ثبوتا حقيقيا وجدانيا وتكوينيا وانما هو ثبوت تعبدي بلحاظ الاثار، فيمكن ان يكون الاقرار امارة على ثبوت الابوة من حيث اثارها التي تكون ضررية على المقر فقط كما مثلنا بقاعدة التجاوز والشك في اثناء صلاة العصر انه اتى بصلاة الظهر ام لا والشك في انه توضأ أم لا. وخلاصة الكلام ان الاقرار قد يكون على نفس المقر فقط - مثل ان يقر بان لفلان عليه كذا - فنافذ قطعا وقد يكون على نفسه وعلى غيره وهذا على قسمين: الاول: ان يكون المقر به في كل واحد منهما مستقلا غير مربوط بالآخر مثل ان يقر احد الشريكين ببيع تمام دار المشترك بينه وبين غيره فينفذ في حصته من تلك الدار دون حصة شريكه وهذه الصورة ايضا لا كلام ولا اشكال فيها لانه في الحقيقة اقراران اقرار ببيع حصته - وهذا على نفسه ونافذ - واقرار ببيع شريكه حصته، وهذا اقرار على الغير وليس بنافذ. الثاني: ان يكون المقر به في كل واحد منهما مربوطا بالآخر لا ينفك احدهما عن الآخر، لان المقر به معنى قائم بالطرفين، وذلك كاقراره بابوة شخص أو بنوته أو اخوته أو بالزناء مع امرأة معينة إلى غير ذلك من الامثلة الكثيرة لهذا القسم. وهذا القسم هر الذي وقع محل الاشكال وانه كيف يمكن التفكيك بان يكون

 

نافذا في حقه ولا يكون نافذا في حق ذلك الطرف الآخر مع انهما متضايفان ووجود احدهما متوقف على وجود الآخر وهذا هو الذي اجبنا عنه وقلنا بان توقف احدهما على الآخر انما هو في مقام الثبوت لا في مقام الاثبات. نعم في مقام الاثبات ايضا ملازمة بين اثبات احدهما واثبات الآخر ان كان الاثبات تكوينيا وجدانيا لان الملازمة بين المتلازمين كما تكون في مقام الثبوت كذلك تكون في مقام الاثبات فان العلم باحد المتلازمين - سواء كانا معلولين لعلة واحدة أو كان احدهما علة والآخر معلول - علة للعلم بالآخر، ولكن هذه الملازمة بينهما ليست في مقام الاثبات إذا كان الاثبات تعبديا إذ من الممكن ان يحكم الشارع بالتعبد باحد المتلازمين دون الآخر وذلك بأن يأمر بترتيب آثار احدهما دون الآخر فلا يبقى اشكال في البين. وها هنا امور يجب التنبيه عليها: الاول: ان الاقرار لغة وعرفا عبارة عن جعل الشيء ذا قرار وثبات وهذا المعنى قد يكون مدلولا مطابقيا للفظ كما انه إذا قال انا مديون لزيد مثلا بكذا مقدار وقد يكون مدلولا التزاميا كقوله رددت عليك بعد قول زيد لي عليك كذا. وذلك من جهة ان مدلول المطابقي لكلمة رددت عليك هو ارجاع ما اخذ منه ولكن العرف يفهم منها بالدلالة الالتزامية انه اعترف بانه كان مديونا غاية الامر يدعي اداء دينه. وقد يكون بغير اللفظ كما إذا اقر بدين عليه بالاشارة المفهمة، مثل ان يقول له الحاكم مثلا ان فلان يقول بأنك مديون له بكذا مقدار فهل ادعائه صحيح وأنت مديون له بهذا المقدار ؟ فيصدقه بالاشارة بحيث يفهم منها العرف تصديقه للمدعي

 

بهذه الاشارة ولذلك يكون الاخرس العاجز عن الكلام اقراره بالاشارة. والحاصل ان الاقرار عبارة عن اثبات الشيء أي جعله ذا قرار وثبات سواء أكان هذا الاثبات بالقول أو بالفعل غاية الامر حجية ظواهر الاقوال معلومة وعليها بناء العقلاء وسيرتهم سواء كان المراد مدلولا مطابقيا للفظ أو مدلولا التزاميا واما الافعال فليست كذلك فلا بد وان يكون - الفعل الذي يتحقق به الاقرار - صريحا فيه لا يكون ذا وجوه بحيث ان العرف يرى انه اقر واعترف بما ادعاه المدعي. وبعبارة اخرى يكون ذلك الفعل في نظر العرف وعندهم مصداقا لمفهوم الاقرار ويحمل عليه مفهوم الاقرار بالحمل الشايع ولا فرق في ذلك بين ان يكون المقر عاجزا عن الكلام كالاخرس ام لا ولكن اقر بالفعل لا بالقول لجهة اخرى غير العجز، فكذلك الامر في الكتابة فان كانت عند العرف صريحة في الاقرار بحيث لا يشكون في انه اقر بذلك - ايضا يثبت بهذا الاقرار، وحيث ان الاقرار عبارة عن الاخبار بثبوت مال أو حق - سواء كان حق الناس أو حق الله على نفسه أو لنفسه أو الاخبار بثبوت امر يستتبع مالا أو حقا على نفسه كاقراره بثبوت نسبة بينه وبين غيره - فكل ما افاد هذا المعنى عند العرف يسمى اقرارا. ولعل هذا مراد صاحب الجواهر (قده) حيث يقول بعد ذكره تعاريف القوم: ولعل الاولى من ذلك (اي من تلك التعاريف) ايكاله إلى العرف الكافي في مفهومه ومصداقه - فبناء على هذا لو فهم العرف من الكتابة مثل المعنى الذي ذكرنا وصدق بانه اقرار فتكون تلك الكتابة اقرارا (1) الامر الثاني: هل نفي الحق عن نفسه أو نفي المال أو نفي النسبة بعد اقرار الطرف بثبوت هذه الامور له يعد اقرارا على نفسه كي يكون جائزا ونافذا عليه ام

 

(هامش)

 

: 1 - جواهر الكلام ج 35، ص 2. (*).

 

لا بل هو انكار لما اقر الطرف فلو قال احد المتابعين للاخر لك الخيار في هذه المعاملة فنفى ذلك الاخر وقال ليس لي هذا الحق أو قال هذا المال لك أو قال: لك علي كذا من الدنانير فقال في جواب الاول ليس هذا المال لي و [ في ] جواب الثاني: ليس لي عليك شيء أو ورثة الميت قالوا له انت اخونا من هذا الاب الميت فانكر هو وقال لست ابنا لهذا الميت كي اكون اخاكم. ولا شك في ان النفي في هذه الموارد مستتبع للضرر عليه فان كان النفي اقرارا يكون من مصاديق - اقرار العقلاء على انفسهم جائز - فلو صدق المقر بعد النفي أي رجع عن نفيه يكون من الانكار بعد الاقرار ولا يسمع. واما لو يكن النفي في هذه الموارد وما يشبهها اقرارا فلا دليل على نفوذ هذه الانكارات فالاقرارات من ذلك المقر باق بحالها والنفي لم يؤثر فيها فإذا رجع عن انكاره وصدق المقر يكون له هذه الامور ويؤخذ المقر باقراراته المفروضة. والظاهر ان النفي في الموارد المذكورة - وما يماثلها حيث انه مستتبع للضرر عليه، يكون اقرارا على نفسه ولا يرى العرف فرقا في صدق الاقرار بين ان يكون ما اقر به وجود صفة أو يكون عدم تلك الصفة فكما انه لو اعترف بانه فاسق مرتكب للكبائر يكون هذا اقرارا على نفسه كذلك لو قال بانه ليس بعادل أو اعترف انه ليس بمجتهد يكون هذا ايضا اقرارا على نفسه. فبناء على امارية الاقرار على النفس لاثبات ما اقر به يكون الاقراران من الامارتين المتعارضتين وبعد عدم الترجيح لاحداهما على الاخرى تتساقطان فلا يؤخذ كل واحد منهما باقراره لا المقر ولا النافي. فإذا رجع النافي عن نفيه وصدق المقر فان كان المقر باقيا على اقراره فيكون كاقرار جديد بلا معارض فيؤخذ باقراره وان لم يكن باقيا على اقراره يدخل في باب الدعاوى وتنطبق عليه موازين القضاء من جديد.

 

الامر الثالث: في ان الانكار بعد الاقرار لا يسمع ولا اثر له، وذلك من جهة ان الاقرار كما تقدم إمارة على ثبوت ما اقر به على نفسه ونفوذه في حقه والانكار الذي يصدر منه بعد اقراره لا دليل على اعتباره فوجوده كعدمه، وهذا معنى سماعه - أي: كلام - لا أثر له. ولكن هذا فيما إذا تم الاقرار وجرت اصالة الظهور لتشخيص المراد وهذا فيما إذا لم تكن قرينة متصلة أو منفصلة تكون اصالة الظهور فيما حاكمة على اصالة الظهور في طرف ذي القرينة ولذلك لا يكون الاستثناء عما اقر به انكارا بعد الاقرار. فلو قال له على عشرة إلا درهما كان اقرار بتسعة لا بعشرة كي يكون استثناء الدرهم انكارا بعد الاقرار وكذلك لو قال هذه الدار لزيد إلا الغرفة الفلانية فهذا اقرار بما عدا تلك الغرفة ولو قال هذه الدار لي إلا الغرفة الفلانية فانها لزيد مثلا فالاقرار على نفسه يكون بتلك الغرفة فقط وهكذا الامر في سائر الموارد. فإذا كان الاستثناء عن الايجاب واقر بالمستثنى منه لغيره فيكون ما اقر به ما عدا المستثنى وان كان الاستثناء في الكلام المنفي بأن قال ليس لزيد شيء من هذه الدار الا الغرفة الفلانية، فيكون ما اقر به نفس المستثنى. والحاصل ان في مقام الاستثناء تارة يكون اخباره بالنفي أو الاثبات متعلقا بحق الغير عليه فالاستثناء في الكلام الموجب نتيجته ان المقر به ما بقى بعد الاستثناء كما إذا قال له على عشرة إلا درهما فيكون الاقرار بتسعة واما الاستثناء في الكلام المنفي كما إذا قال ليس له على شيء إلا درهم نتيجته ان المقر به هو نفس المستثنى اعني الدرهم الواحد وتارة يكون اخباره بالنفي والاثبات بحق نفسه على الغير ففي الكلام الموجب كما إذا قال لي على زيد عشرة إلا درهما يكون الاقرار بالنسبة إلى الدرهم الواحد فقط لان نفي الملكية عنه هو اقرار على نفسه فيكون المقر به هو المستثنى فقط عكس السابق.

 

واما إذا كان الاستثناء في الكلام المنفي كما إذا قال ليس لي من هذه العشرة دراهم إلا درهما فيكون المقر به هو تمام هذه التسعة الذي غير المستثنى فيكون ما أقر به في الصورتين أي النفي والايجاب فيما إذا كان اخباره بالنفي والاثبات بحق نفسه على الغير عكس ما كان اخباره بهما بحق الغير عليه الامر الرابع: في ان امارية الاقرار واعتباره لاثبات المقر به هل مخصوص بما إذا كان في قبال من يدعي ما اقر به أو يكون أمارة مطلقا وان لم يكن مدع في البين أصلا ؟. وبناء على الاول فلو اقر بأن هذه الدار التي في يدي وتحت تصرفي لزيد، أو ليس لي ولم يكن من يدعيها، فلو أنكر بعد ذلك ما اقره وقال: انها ليست لزيد أو قال انها ملكي، فليس من قبيل الانكار بعد الاقرار، وتكون يده امارة الملكية، فلو وهبها لشخص أو وقفها أو باعها أو غير ذلك من التصرفات التي تنفذ للملاك في املاكهم - تكون هذه التصرفات نافذة ولا تأثير لاقراره السابق لانه بناء على هذا التقدير يكون اقراره السابق كالعدم. وأما بناء على الثاني - أي بناء على كونه امارة مطلقا سواء أكان مدع في البين أو لم يكن - فانكاره بعد ذلك يكون انكارا بعد الاقرار ولا يسمع منه، وتسقط يده عن الاعتبار باقراره، فلا يجوز له أي تصرف ناقل للعين أو لمنفعتها. هذا فيما إذا لم يدع الملكية الجديدة، وأما إذا ادعاها فإذا كان حصولها غير ممكن - من جهة اتصال زمان تصرفه بزمان اقراره للغير أو بوقفيته أو بشئ آخر لا يمكن حصول الملكية معه - فالامر واضح لسقوط يده عن الاعتبار بواسطة اقراره ولم يحصل سبب جديد لملكيته على الفرض، فتكون تصرفاته غير نافذة حسب الادلة والامارات. وأما إذا كان حصولها ممكنا فهل يده امارة على الملكية الجديدة فيما لا علم بعدم

 

حصولها أم لا ؟ والمسألة تدور مدار أن استصحاب حال اليد مقدم أو امارية اليد الفعلى، وذلك من جهة انه لا شك في أنه بعد اقراره - بناء على نفوذه وان لم يكن مدع في البين كما هو المفروض - تكون يده يد امانة فيشك في ان تلك الحالة أي: كونها أمانة باقية أم زالت وتبدلت يده من الامانية إلى المالكية. كما إذا كان مستاجرا لدار وكانت يده يد أمانة قطعا ثم يدعي انتقالها إليه بناقل شرعي فهل مثل هذه اليد امارة الملكية أو استصحاب حالتها السابقة يبطل اماريتها ؟ لا يبعد جريان استصحاب حال اليد وعدم كونها امارة الملكية. ثم ان الاحتمالين الذين بيناهما بالنسبة إلى امارية اليد - من كونها امارة مطلقا أو في خصوص ما إذا كان مدع في البين - كان بحسب مقام الثبوت. وأما في مقام الاثبات فظاهر النبوي المستفيض أو المتواتر - أي: قوله صلى الله عليه وآله (اقرار العقلاء على انفسهم جائز) (1) هو نفوذ الاقرار مطلقا كان هناك مدع أو لم يكن، ولا مخصص ولا مقيد لهذا الاطلاق في البين. الجهة الثالثة في موارد تطبيق هذه القاعدة فنقول: ان موارد تطبيق هذه القاعدة التي يذكرها الفقهاء في كتاب الاقرار كثيرة ولكن الموارد مختلفة فبعضها محل الوفاق ولا خلاف فيها، لوضوح كونها من مصاديق القاعدة.

 

(هامش)

 

: 1 - تقدم ذكره في ص 47، رقم (2). (*)

 

مثلا لو اقر العاقل البالغ اختيارا بأن هذه الدار التي تحت تصرفي وفي يدي ملك زيد، أو له علي كذا مقدار من الدراهم والدنانير، وكذا مقدار من الحنطة أو الشعير أو سائر الاجناس التي لها مالية، أو أقر بحق من الحقوق كحق الخيار أو حق التولية والنظارة على وقف أو حق التحجير أو حق السبق في مكان للعبادة أو للمعاملة والتكسب، ففي جميع هذه الموارد إذا كان اقراره مما يكون على نفسه لا له يكون نافذا ولا اشكال ولا خلاف فيه. ولا فرق بين ان يكون المقر له حيا أو ميتا، والمقر به عينا أو دينا أو حقا. نعم يشترط في صحة اقراره ونفوذه أن لا يكون اقراره معلقا على أمر لان التعليق ينافي الاقرار، وذلك من جهة ان الاقرار كما رجحناه عبارة: عن الاخبار جزما وبتا بثبوت شيء عليه أي: يكون ثبوت ذلك الشيء على نفسه، سواء اكان ذلك الشيء عينا أو دينا أو حقا من الحقوق، أو كان ثبوت ذلك الشيء مستتبعا لثبوت عين أو دين أو حق عليه. وثبوت الشيء فعلا مع كونه معلقا بثبوته على أمر - وان كان محقق الوجود فيما سيأتي كطلوع الشمس غدا - مما يتنافيان، ولذلك يكون الاقرار معلقا على أمر باطلا وليس بنافذ، فلو قال لك على كذا ان قدم زيد من السفر يكون باطلا ولا ينفذ، بل وكذلك لو قال لك علي كذا ان طلعت الشمس غدا باطل ولا ينفذ. والسر في ذلك ما ذكرنا من تنافي حقيقة الاقرار مع التعليق حتى وان كان المعلق عليه أمرا محقق الوقوع، وبعض الموارد الاخر ليس انطباق القاعدة عليها بتلك المثابة من الوضوح، ولذا وقع فيها الخلاف والاشكال فمنها: لو قال بعد ادعاء المدعي شيئا من مال أو حق عليه: ان شهد لك فلان

 

فهو صادق، فقال جماعة - وهم الشيخ (1) على ما حكى عنه وابن سعيد (2) والعلامة (3) (قدهما) على ما في الجواهر (4)، بل حكى في الجواهر عن فخر الاسلام انه حكى عن والده نسبته إلى الاصحاب (5) انه اقرار ويلزمه ما ادعاه المدعي، وذكروا لكون هذا الكلام اقرارا وانه يلزمه ما ادعاه المدعي وجوها: منها: ما ذكره المحقق في الشرائع انه إذا صدق يلزمه الحق وان لم يشهد (6) بيان ذلك: انه اقر بصدق الشاهد إذا شهد، ومعلوم ان شهادة ذلك الشاهد لا اثر لها في صدقه بل صدقه معلول سبب ثبوت ذلك الشيء على المقر، فصدق الشاهد على تقدير شهادته معناه: ان ذلك السبب موجود فحيث انه أقر بصدق الشاهد على تقدير شهادته فأقر بوجود ذلك السبب على ذلك التقدير وحيث ان ذلك التقدير أجنبي عن وجود ذلك السبب فيكون اقراره بوجود السبب مطلق سواء شهد أو لم يشهد. وهذا هو المراد من قول المحقق (قده) إذا صدق يلزمه الحق وان لم يشهد أي: ليس للشهادة تأثير في صدقه أو عدمها في كذبه، بل مناط صدقه وكذبه وجود سبب الثبوت وعدم وجوده. ومنها: ان ما يدعيه المدعى عليه إما ثابت عليه في الواقع أو ليس بثابت، وعلى الثاني فعلى تقدير الشهادة أيضا ليس بصادق، فصدقه على تقدير الشهادة متوقف على ثبوت ما يدعيه المدعي في الواقع، فاقراره بصدق الشاهد على تقدير الشهادة

 

(هامش)

 

: - 1 المبسوط ج 3، ص 36. 2 - الجامع للشرائع ص 340. 3 - قواعد الاحكام ج 1، ص 277. 4 - جواهر الكلام ج 35، ص 9. 5 - ايضاح الفوائد ج 3، ص 423 - 424. 6 - شرائع الاسلام ج 3، ص 110. (*).

 

يرجع إلى الاقرار بثبوت ما يدعيه المدعي فليزمه المال أو الحق. وذلك لان الاقرار باللازم الذي هو الصدق على تقدير الشهادة اقرار بملزومه أعني: ثبوت ما يدعيه المدعي. ومنها: انه يصدق هذه القضية أي: كلما لم يكن المال ثابتا أو الحق كذلك في ذمة المقر لم يكن الشاهد صادقا على تقدير الشهادة فعكس ما نقيضه كلما كان الشاهد صادقا على تقدير الشهادة كان المال ثابتا في ذمته يكون صادقا، وذلك لما تقرر في المنطق ان الاصل إذا كان صادقا كان العكس ايضا صادقا، والمقدم في عكس النقيض أي: كلما كان الشاهد صادقا على تقدير الشهادة ثابت باقراره فيترتب عليه التالي وهو كان المال ثابتا في ذمته. ثم ان هاهنا كلام طويل وايرادات ذكرها صاحب الجواهر (قده) في كتاب الاقرار (1) تركنا ذكرها والبحث عنها، لان محل ذكرها والبحث عنها هو كتاب الاقرار. ومنها: لو قال: نعم بعد قول المدعي ألست مديونا لي بكذا ؟ وقع الخلاف في أنه اقرار أم لا بعد الفراغ عن انه لو قال: بلى لا شك في انه اقرار، وذلك من جهة ان بلى حرف جواب وتختص بالنفي وتفيد ابطاله. وان شئت قلت: ان مفادها تصديق المنفي لا النفي بخلاف نعم فانها تصديق للجملة التى قبلها نفيا كانت أم اثباتا، ولذلك حكى في المغني عن ابن عباس رضي الله عنه - انه قال: لو قالوا في جواب قوله تعالى: ألست بربكم (2) نعم كفروا وذلك من جهة ان نعم تصديق لتمام الجملة، فيصير مفاد نعم العياذ بالله نفي ربوبيته تعالى لهم، ولكن قالوا بلى وأبطلوا النفي وصدقوا ما بعده أي: المنفي أعني

 

(هامش)

 

: 1 - جواهر الكلام ج 35، ص 9. 2 - الاعراف (7): 172. (*).

 

صدقوا ربوبيته تعالى لهم (1). ولكن مع ذلك ذهب جماعة إلى انه اقرار لان نعم تستعمل بمعنيين أي تصديق النفي تارة والمنفي اخرى. وقد استشهد لهم صاحب الجواهر قده (2) بقول الانصار في جواب النبي صلى الله عليه وآله حين قال لهم الستم ترون ذلك ؟ فقالوا نعم في مقام تصديق انه لهم. وبقول الشاعر: أليس الليل يجمع ام عمرو * وإيانا فذاك بنا تداني نعم وأرى الهلال كما تراه * ويعلوها النهار كما علاني ثم حكى عن المسالك ان الحكم بكونه إقرارا قوي ولكن انت خبير بان صرف استعمال نعم مقام بلى في بعض الاستعمالات لا يثبت كونه إقرارا ما لم يكن له ظهور عرفي، واثبات مثل هذا الظهور بمجرد استعماله مقام بلى في بعض الاحيان لا يخلو من نظر ولا اقل من الشك في ذلك. ومعلوم انه إذا بلغت النوبة إلى الشك فالاصل عدم ثبوت الاقرار الا ان يكون في مورده اطلاق لفظي يرفع الشك. وأما لو كان السؤال كلاما مثبتا كما إذا سأل عنه: ان لي كذا درهما أو شيئا عليك فأجاب بنعم أو بأجل - يكون إقرارا بمضمون ذلك الكلام، وذلك لان نعم واجل كلاهما حرف تصديق وجواب، فإذا اجاب بها أو باحداهما فقد صدق السائل فيما اثبته عليه. ثم ان الفقهاء ذكروا فروعا كثيرة في كتاب الاقرار، وترددوا أو تنظروا في انطباق هذه القاعدة على بعضها لم نذكرها لان محل البحث عنها هو كتاب الاقرار والمقصود

 

(هامش)

 

: 1 - مغني اللبيب ج 2، ص 452. 2 - جواهر الكلام ج 35، ص 84. (*).

 

هاهنا بيان اعتبار هذه القاعدة وشرح مفادها والاشارة إلى موارد تطبيقها بطور الاجمال لا تفصيل مسائلها، وإلا كان اللازم ذكر جميع مسائل كتاب الاقرار وهو خروج عن وضع الكتاب والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا.