قاعدة التلف في زمن الخيار

19 - قاعدة التلف في زمن الخيار  

 

قاعدة التلف في زمن الخيار * ومن جملة القواعد الفقهية المشهورة المسلمة عند الاصحاب قاعدة التلف في زمن الخيار من مال من لا خيار له . وفيها جهات من البحث: الجهة الاولى في مستندها وهو أمور: الاول: الاخبار: منها: صحيحة ابن سنان: عن الرجل يشتري الدابة أو العبد ويشترط إلى يوم أو يومين، فيموت العبد أو الدابة أو يحدث فيه حدث على من ضمان ذلك ؟ فقال: على البائع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيام ويصير المبيع للمشتري شرط له أم لم يشترط. وإن كان بينهما شرط أياما معدودة فهلك في يد المشتري فهو من مال البائع 1. ومنها: رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله البصري مولى بنى شيبان قال: سألت

 

(هامش)

 

الحق المبين ص 80، القواعد ص 101 و 105، قواعد فقه ص 278، القواعد الفقهية (مكارم الشيرازي) ج 4، ص 391، المبادى العامة للفقه الجعفري ص 268. (1) تهذيب الاحكام ج 7، ص 24، ح 103، باب عقود البيع، ج 20، وسائل الشيعة ج 12، ص 352، أبواب الخيار، باب 5، ح 2. (*)

 

 

أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل اشترى أمة بشرط من رجل يوما أو يومين، فماتت عنده، و قد قطع الثمن على من يكون ضمان ذلك ؟ قال: ليس على الذي اشترى ضمان حتى يمضي بشرطه 1. ومنها: النبوي المروى في الوسائل عن محمد بن الحسن باسناده عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله في رجل اشترى عبدا بشرط ثلاثة أيام فمات العبد في الشرط ؟ قال: يستحلف بالله ما رضيه ثم هو برئ من الضمان 2. ومنها: ما عن الوسائل عن الصدوق باسناده عن ابن فضال عن الحسن بن رباط عن من رواه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن حدث بالحيوان حدث قبل ثلاثة أيام فهو من مال البائع 3. وظاهر هذه الاخبار - كما هو واضح - أن تلف المبيع في يد المشتري - وهي عبارة أخرى عن قبضه للمبيع إذا كان الخيار للمشتري فقط دون البائع - يكون من كيس البائع أي: ممن ليس له الخيار، وهذا هو مفاد القاعدة أي: التلف في زمن الخيار من مال من ليس له الخيار الذي هيهنا هو البائع. نعم لا يدل على هذه القاعدة بطور الكلية، بل فيما إذا كان من له الخيار هو المشتري دون البائع ولا يدل فيما إذا كان بالعكس أي: كان الخيار للبائع دون المشتري. هذا أولا وثانيا: لا يدل فيما إذا كان الخيار غير خيار الشرط والحيوان إلا بتنقيح المناط والقاء خصوصية خياري الحيوان والشرط. وهو في غاية الاشكال لان هذا حكم مخالف للقواعد ورد التعبد به فيجب الوقوف على مورده، ومورده خصوص هذين الخيارين وبالنسبة إلى المشتري فقط

 

(هامش)

 

(1) الكافي ج 5، ص 171، باب الشرط والخيار في البيع، ح 9، تهذيب الاحكام ج 7، ص 24، ح 104، باب عقود البيع، ح 21، وسائل الشيعة ج 12، ص 351، أبواب الخيار، باب 5، ح 1. (2) وسائل الشيعة ج 12، ص 352، أبواب الخيار، باب 5، ص 4. وفيه: عن عبد الله بن الحسن... . (3) وسائل الشيعة ج 12، ص 352، أبواب الخيار، باب 5، ح 5. (*)

 

فلا شمل غيرهما وكذلك لا يشمل فيما إذا كان ذو الخيار غير المشتري. الثاني: الاجماع - وقد ادعاه غير واحد كصاحب الرياض 1 ومفتاح الكرامة 2 - قدس سرهما - ونفى الخلاف في الاخير في هذه القاعدة. ولكن أنت خبير أنه على فرض تسليم وجود الاتفاق وتحققه على هذا الحكم - أي كون التلف في زمن الخيار من مال من لا خيار له - لا اعتبار بهذا الاتفاق لاستناد كثير منهم إلى هذه الروايات فلا يكون من الاجماع المصطلح الذى يكون مسببا عن تلقيه من المعصوم عليه السلام أو يكون مسببا عن وجود دليل معتبر عند الكل وقد ضاع عندنا، مع أن هذا الاخير لا يخلو عن إشكال. فالعمدة في مستند هذه القاعدة هو هذه الروايات التي ذكرناها فالابد من ملاحظتها ومقدار دلالتها. الثالث: كون هذا الحكم مقتضى القواعد الاولية، إذ من له الخيار فقط من المتعاملين وليس للآخر يكون خروج العوض عن ملكه ودخول المقابل متزلزلا إذ له أن يفسخ ويرجع ما خرج إليه بسبب فسخه فكان التلف يقوم مقام الفسخ فيرجع ما خرج عن ملكه إليه ثانيا فالتالف يذهب من كيس من ليس له الخيار وهو مفاد هذه القاعدة. وأما كون التلف بمنزلة الفسخ فمن جهة أن العقلاء يرون في موارد ثبوت الخيار - خصوصا في خيار الشرط وخيار الحيوان - أن ذا الخيار يتأمل وينظر في أنه هل إبقاء هذه المعاملة من صلاحه أو لا بل صلاحه حله وفسخه ؟ فإذا تلف أحد العوضين فيما إذا كان التالف ما انتقل إلى ذي الخيار كما إذا كان الشرط للمشتري فقط وتلف المبيع وكما في خيار الحيوان إذا كان المبيع حيوانا ووقع التلف عليه عند

 

(هامش)

 

(1) رياض المسائل ج 1، ص 528. (2) مفتاح الكرامة ج 4، ص 599. (*)

 

المشتري كما هو مورد الروايات بناء على اختصاص خيار الحيوان بالمشتري فيما إذا كان المبيع حيوانا كما هو المشهور فلا يبقى مجال للتأمل والنظر وقهرا تنفسخ المعاملة ويرجع الثمن إلى ملك من له الخيار أي المشتري ويذهب الثمن من كيس من ليس له الخيار أي البائع. وحاصل ما ذكرنا: أن ملكية ذي الخيار لما دخل في ملكه بسبب المعاملة متزلزل وكذلك خروج ما خرج متزلزل متوقف على بقاء ما دخل في ملكه فإذا وقع عليه التلف فقهرا تنفسخ المعاملة ولا يبقى مورد للتأمل والنظر حتى يختار الفسخ أو الابرام فحكمة جعل الخيار في الحيوان ثلاثة أيام أو جعل اخيار والشرط من نفس المتعاقدين تقتضي أن يكون الضمان - أي المسمى - ينتقل ثانيا ممن ليس له الخيار إلى الذي له الخيار. وفيه: أن هذا صرف استحسان لا يمكن أن يكون منشأ للحكم الشرعي ومقتضى القواعد الاولية - حيث أن المعاملة بالقبض تمت وصار المبيع ملكا تاما للمشتري وتلف في يده - أن لا يكون ضمان في البين أصلا ولا يكون المشتري ولا غيره ضامنا أما المشتري فلان ماله تلف في يده على الفرض والانسان لا معنى لان يكون ضامنا لنفسه بواسطة تلف ماله عنده وأما غيره - أي البائع - لان غيره أجنبي هيهنا فمن جهة أن المعاملة والمعاوضة تمت ومال كل واحد منهما انتقل إلى الآخر بعوض مال الآخر وما انتقل إلى المشتري تلف في يده فالبائع أجنبي عنه فلا وجه لان يكون ضامنا لتلف مال شخص آخر في يد نفس ذلك الشخص. نعم كان لذلك الشخص الآخر - أي المشتري مثلا وفي المفروض - خيار الفسخ لو كان يعمله وكان يفسخ لكان الثمن يرجع إليه وأين هذا من ضمان البائع بصرف التلف ومن دون الفسخ.

 

الجهة الثانية في مفاد هذه القاعدة ومقدار دلالتها من حيث العموم والخصوص فنقول: لو كانت هذه الجملة والكلية أي جملة التلف في زمن الخيار من مال من لا خيار له بهذه الالفاظ واردة ومنصوصة أو كانت معقد إجماع لكانت شاملة للثمن والمبيع وأيضا كانت تشمل ذا الخيار مطلقا سواء كان خيار الحيوان أو الشرط أو غيرهما وذلك من جهة أن لفظ الخيار يشمل جميع الخيارات ولفظ من لا خيار له يشمل البائع والمشتري ولفظ التلف في زمن الخيار يشمل المبيع والثمن. ولكن الامر ليس كذلك أي هذه الجملة بهذه الالفاظ ليست مروية في خبر أو حديث ولا مما انعقد الاجماع على هذا العنوان بحيث يكون معقد الاجماع هذه الجملة بألفاظها حتى يمكن التمسك باطلاق تلك الالفاظ بل المدرك لهذه القاعدة ليس إلا تلك الاخبار التي تقدمت فلابد من النظر والتأمل في ظهورها وتشخيص ما هو المراد منها حتى يعرف مقدار سعة دلالتها وشمولها. فالبحث فيها من جهات: الاولى: في أنه هل مفادها ثبوت هذا الحكم مطلقا وفي أي خيار كان أو في خصوص خيار الحيوان وخيار الشرط ؟ أقول: أما صحيحة ابن سنان فقوله عليه السلام في صدرها على البائع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيام ويصير المبيع للمشتري شرط له أم لم يشترط ظاهر في خيار الحيوان فقط. وأما ذيلها أي قوله عليه السلام وان كان بينهما شرط أيام معدودة فهلك في يد المشتري فهو من مال البائع ظاهر في خيار الشرط فالصحيحة صدرا وذيلا لا تدل على ثبوت هذا الحكم إلا في خيار الحيوان وخيار الشرط. وكذلك الامر في سائر الروايات الواردة في هذا الباب لا تدل على ثبوت هذا الحكم إلا في خيار الشرط أو خيار الحيوان فاثباته في غيرهما من الخيارات يحتاج إلى دليل مفقود في المقام.

 

وأما تسرية الحكم منهما إلى غيرهما من الخيارات بتنقيح المناط فاشبه بالقياس فالحق أن هذا الحكم مختص بخياري الحيوان والشرط لا يشمل غيرهما وذلك من جهة ما قلنا إن هذا الحكم تعبدي ومخالف للقواعد الاولية ولابد من الوقوف على مورد النص وما هو الظاهر منه وقد عرفت أن ظاهر الروايات هو ثبوت هذا الحكم في خياري الشرط والحيوان دون سائر الخيارات وأيضا فيما إذا كان التلف عند المشتري والخيار له فيضمن البائع الذي ليس له الخيار. وبعبارة أخرى: هذا الحكم في تلف المبيع عند المشتري لا تلف الثمن عند البائع كل ذلك من أجل ظهور الروايات التي وردت في هذا المقام فيما ذكرنا من حصر مورد القاعدة في خصوص خيار الحيوان أو الشرط بالنسبة إلى تلف المبيع عند المشترى لا تلف الثمن عند البائع. والحاصل: أن الخيار إما خيار شرط وحيوان وإما سائر الخيارات وهذه القاعدة تجري فيهما دون سائر الخيارات وفي تلف المبيع عند المشتري دون تلف الثمن عند البائع كل ذلك لاجل ظهور الروايات فيما ذكرنا بعد الفراغ عن عدم كون هذا الحكم على مقتضى القواعد الاولية. نعم ربما يقال بثبوت هذا الحكم أي شمول هذا القاعدة لخيار المجلس خصوصا إذا كان للمشتري دون البائع كما إذا أسقط البائع خياره لانه لو كان الخيار لكلاهما - أي البيعان - فلا موضوع لهذه القاعدة لانه ليس هناك من ليس له الخيار حتى يكون ضمان التالف عليه فاتيان هذه القاعدة وشمولها لخيار المجلس - مع أنه مجعول في أصل الشرع لكلا المتعاقدين - منوط بسقوط خيار أحدهما وهذا واضح معلوم. فإذا فرضنا سقوط خيار البائع في خيار المجلس وبقاء خيار المشتري فقط فلو قبض المشتري المبيع في المجلس وتلف في يده في نفس المجلس فلو قلنا بشمول هذه القاعدة لخيار المجلس يكون الضمان على البائع لانه ليس له الخيار على الفرض

 

فيرجع الثمن إلى المشتري بدون رجوع شيء إلى البائع. واستظهر شيخنا الاعظم الانصاري قدس سره من قوله عليه السلام في ذيل صحيحة ابن سنان حتى ينقضي شرطه ويصير المبيع للمشتري شمولها لخيار المجلس إذا كان للمشتري فقط دون البائع 1. وتقريب استظهاره من هذه الفقرة هو أن ظاهر لفظ الشرط في الاخبار هو خيار المجلس فيكون مفاد الصحيحة أن ضمان المبيع على البائع حق ينقضي الشرط أي خيار المجلس الذي للمشتري فحينئذ أي بعد انقضاء خيار المجلس يخرج البائع عن الضمان أما قبله فيكون الضمان عليه وان قبض المشتري المبيع في المجلس. فالمناط في خروج البائع عن الضمان هو انقضاء خيار المشتري لا القبض بل قوله عليه السلام بعد ذلك ويصير المبيع للمشتري يظهر منه أن المناط في سقوط ضمان البائع هو صيرورة المبيع ملكا مستقرا للمشتري بحيث لا يمكن له الفسخ ولو كان هذا هو مناط سقوط ضمان البائع وخروجه عنه فتشمل القاعدة جميع الخيارات إذا كان للمشتري ولا اختصاص لهذا الحكم بخياري الحيوان والشرط وخيار المجلس لان العلة سارية في الجميع. بل يمكن أن يقال بعدم الفرق بين البائع والمشتري في شمول هذا الحكم للبائع أيضا بواسطة هذا التعليل والمناط وهو صيرورته ملكا مستقرا للمشتري بحيث لا يمكن سلبه عن نفسه بفسخ المعاملة نعم لابد وأن يلغى خصوصية المشتري وكون التالف هو المثمن بل لو كان التالف هو الثمن بعد قبض البائع ولكن كان الخيار للبائع فقط فالضمان أيضا على من ليس له الخيار أي المشتري لاجل هذا التعليل أي عدم استقرار ملكية الثمن للبائع بحيث لا يمكن سلبه عن نفسه بواسطة فسخ المعاملة إذ المفروض أن خيار البائع موجود وله أن يفسخ فذلك الملاك والمناط - الذي كان في

 

(هامش)

 

(1) المكاسب ص 300. (*)

 

صورة خيار المشتري فقط مع تلف المبيع عنده وفي يده موجودا في هذه الصورة أي فيما إذا كان الخيار للبائع فقط مع تلف الثمن في يده موجود أيضا لان الثمن التالف في يده وان كان قبضه ولكن حيث أن خياره باق يمكن له الفسخ وسلبه عن نفسه فذلك التعليل آت هنا أيضا. وبعبارة أخرى: سقوط ضمان البائع في تلك الصورة كان منوطا بانقضاء الخيار وصيرورة المبيع ملكا مستقرا للمشترى بحيث لا يمكن أن يسلب عن نفسه بالفسخ، وهذا المعنى متوقف على انقضاء الخيار فقبل انقضائه لا يسقط ضمان البائع للمثمن ولو تلف في يد المشتري، بل يكون في ضمانه، فليكن سقوط ضمان الشمتري أيضا إذا تلف الثمن في يد البائع منوطا بانقضاء خيار البائع ويكون قبل انقضاء زمان خياره في ضمان المشتري. ولكن أنت خبير بأن هذا قياس محض. واستشكل شيخنا الاستاذ قدس سره على هذا الوجه لتعميم هذه القاعدة وشمولها لجميع الخيارات سواء أكان أحد هذه الثلاثة - أي خيار الحيوان أو خيار الشرط أو خيار المجلس - أو كان غيرها من الخيارت، بأن كلمة حتى قلما تستعمل في العلية، بل يكون معناها غالبا هي الغاية فلا تكون ظاهرة في العلية لكي تكون القاعدة شاملة لجميع الخيارات، بل وللثمن والمثمن 1. ولكنك خبير بأن معنى حتى وان كان غالبا هو انتهاء الغاية - كما صرح بذلك ابن هشام في المغنى 2 - ولكن هيهنا قرينة التعليل موجودة وهو قوله عليه السلام ويصير المبيع للمشتري وفي الحقيقة جملة حتى تنقضي الشرط توطئة لذكر العلة التي هي في الحقيقة قوله عليه السلام ويصير المبيع للمشتري المترتب على انقضاء الخيار ولما كان

 

(هامش)

 

(1) منية الطالب ج 2، ص 177. (2) مغني اللبيب ج 2، ص 166. (*)

 

صيرورة المبيع ملكا للمشترى ليس متوقفا على انقضاء الخيار أي خيار كان فلا بد وأن يحمل على الملك المستقر الذي لا يمكنه أن يسلبه عن نفسه بان يفسخ المعاملة. ومعلوم أن مثل هذا الملك موقوف ومترتب على انقضاء الخيار، ففي الواقع علل عليه السلام سقوط الضمان عن البائع بصيرورة المبيع ملكا مستقرا للمشتري. والشيخ الاعظم الانصاري قدس سره أيضا يشير إلى هذا المعنى بأن يقول - بعد قوله: بناء على أن المناط انقضاء الشرط الذي تقدم أنه يطلق على خيار المجلس - بل ظاهره أن المناط في رفع ضمان البائع صيرورة المبيع للمشتري واختصاصه به بحيث لا يقدر على سلبه عن نفسه 1. ثم إنه قدس سره يستشهد بكلام السرائر بما يؤيد ما ذكرنا من أن العلة استقرار الملك لا انقضاء الشرط وانما ذكر هو توطئة لذكر العلة فافهم. ثم إن شيخنا الاستاذ قدس سره استشكل باشكالين آخرين على تعميم هذه القاعدة بالنسبة إلى جميع الخيارات بواسطة هذا التعليل: أولا: بأن هذه الجملة على فرض كونها علة لهذا الحكم تقيد التعميم لو كان علة للمجعول لا للجعل والتشريع. وثانيا: أن ظاهر قوله عليه السلام وان كان الشرط أياما معدودة أن يكون الشرط محدودا مضبوطا ففي هذه الصور يأتي هذا الحكم. ومعلوم أن هذا المعنى لا ينطبق على غير خياري الحيوان والشرط، إذ فيهما فقط الشرط يكون محدودا مضبوطا، فخيار الحيوان محدود بثلاثة أيام من طرف الشارع، وخيار الشرط محدود من طرف المشروط له والمشروط عليه، وما عداهما حتى خيار المجلس ليس محدودا لان أمد المجلس غير معين، والمجالس تختلف قصرا وطولا فلا تشمل القاعدة خيار المجلس

 

(هامش)

 

(1) المكاسب ص 300. (*)

 

فضلا عن سائر الخيارات. ولكنك خبير بما فيهما: أما في إشكاله الاول بأنه لا شك في أن عدم صيرورة المبيع ملكا مستقرا للمشتري وامكان سلبه عن نفسه علة للمجعول أي كون الضمان على البائع وإن كان تلف عند المشتري، كما أن صيرورته كذلك علة لسقوط الضمان ورفعه عن البائع، ولا ينبغي التوهم لكونها علة لجعل الشارع هذا الحكم، بل لم نفهم معنى محصلا لكونها علة للجعل. وأما في إشكاله الثاني: فان قوله عليه السلام وان كان الشرط أياما معدودة في مقام بيان ثبوت هذا الحكم في خيار الشرط ولا شك في أن خيار الشرط محدود مضبوط ولا ينافي كونه بصدد بيان خيار الشرط مع تسرية هذا الحكم إلى سائر الخيارات بواسطة عموم التعليل والمناط. ثم إن شيخنا الاعظم الانصاري قدس سره استشكل على هذا الوجه الذي استظهره من ذيل صحيحة ابن سنان على التعميم لجميع الخيارت بقوله: وفي الاعتماد على هذا الاستظهار تأمل في مقابلة القواعد مع أنه يمكن منع دلالة هذا المناط المستنبط عليه لان ظاهر الصحيحة الاختصاص بما إذا كان التزلزل وعدم كون المبيع لازما على المشتري ثابتا من أول الامر كما يظهر من لفظة حتى الظاهرة في الابتداء 2. ومراده من هذا الكلام: أولا أن هذا الاستظهار من جهة مقابلته للقواعد الاولية المستفادة من أدلة الاحكام - مع أنه مخالف لها - لا يمكن الركون إليه إذ مقتضي القواعد الاولية أن مال شخص لو تلف في يده وعند نفسه لا يكون ضمانه على غيره ففى ما نحن فيه مثلا إذا

 

(هامش)

 

(1) منية الطالب ج 2، ص 177. (2) المكاسب ص 301. (*)

 

تلف المبيع عند المشتري وبعد قبضه إياه لا وجه لان يكون ضمانه على البائع ولو كان للمشتري الخيار فقط دون البائع فهذا الحكم - أي كون الضمان على البائع - مخالف للقواعد المستفادة من الادلة الاولية والخروج عن تلك القواعد المسلمة الثابتة بالادلة القطعية بمثل هذا الاستظهار مشكل. وفيه: إن صح هذا الظهور فهذا حكم تعبدي مخالف للقواعد ودليله هذا الظهور كما أنه في خياري الحيوان والشرط ثبت هذا الحكم مع أنه هناك أيضا مخالف للقواعد. اللهم إلا أن ينكر مثل هذا الظهور فحينئذ لا يثبت هذا الحكم وان لم يكن مخالفا للقواعد لان ثبوت كل حكم يحتاج إلى دليل. وثانيا: مراده من قوله إن ظاهر الصحيحة هو اختصاص هذا الحكم بما لو كان التزلزل من أول الامر أن خياري الحيوان والشرط يوجب تزلزل المعاملة من أول وجوده إلى انقضاء الخيار وسائر الخيارات ليس كذلك ولفظة حتى الغائية ظاهرة في استمرار ما قبلها من أول وجوده إلى حصول تلك الغاية مثلا سرت حتى دخلت البصرة أي سيري كان مستمرا من أول وجوده إلى حصول الغاية أي دخول البصرة. وفيما نحن فيه هذا المعنى متحقق بالنسبة إلى خياري الحيوان والشرط أي تزلزل ملكية المشتري للمبيع متحقق من أول وجوده إلى انقضاء الخيار في هذين الخيارين دون سائر الخيارات فلا عموم في البين كي يشمل سائر الخيارات أي خيار الغبن والعيب والرؤية وغيرها. وفيه: أن قوله عليه السلام في صحيحة ابن سنان وعلى البائع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيام ويصير المبيع للمشتري مفاده كما هو الظاهر منه أن ضمان المبيع على البائع من أول وجود المعاملة إلى انقضاء الشرط ثلاثة أيام أي خيار الحيوان وصيرورته المبيع للمشتري بحيث لا يمكن له أن يسلبه عن نفسه بالفسخ فيكون كناية عن اللزوم.

 

وهذا المعنى - أي كون المبيع مثلا في ضمان البائع من أول وجود المعاملة مستمرا إلى انقضاء الخيار وحصول اللزوم - لا مانع من الالتزام به في جميع الخيارات فالالتزام بهذا الحكم في جميع الخيارات لا يكون مخالفا لما هو ظاهر كلمة حتى وان قلنا بظهورها في استمرار وجود ما قبلها أي الحكم المغيى بها إلى حصول تلك الغاية. وبعبارة أخرى: في غير هذين الخيارين - أي خياري الحيوان والشرط - كخيار الغبن والعيب أيضا الخيار وعدم استقرار الملك بحيث يمكن أن يسلب عن نفسه من أول وقوع العقد ووجوده موجود غاية الامر لا يعلم بوجوده وبعد الاطلاع على أن المبيع معيب أو لا يساوي الثمن الذي اشتراه بذلك الثمن أي بعد ظهور العيب والغبن يعلم بوجود الخيار فظهور العيب أو الغبن كاشف عن وجود الخيار من أول الامر لا أنه سبب لحدوث الخيار فالتزلزل وعدم كون الملكية مستقرا حاصل من أول وجود العقد ومستمر إلى انقضاء زمان الخيار. نعم لو كان هناك قائل بأن ظهور العيب أو العلم بالغبن الفاحش موجب لحدوث الخيار من حين العلم والظهور فلابد له من القول بعدم التعميم بناء على أن يكون هذا التعليل علة للتعميم وشمول القاعدة لسائر الخيارات. وحاصل الكلام: أنه بناء على أن ظهور الغبن والعيب كاشف عقلي من ثبوت الخيار لا أنه شرط شرعي لحدوثه فلا يبقى مجال لاشكال شيخنا الاعظم قدس سره وتأمله في استظهاره. نعم هناك أمر آخر يوجب التأمل في استفادة العموم من التعليل وهو أن جعل الضمان على البائع في خيار الحيوان مع قبض المشتري للمبيع وتلفه في يده من جهة مراعاة من انتقل إليه الحيوان وانه قبل مضي ثلاثة أيام يمكن أن يخفى عليه بعض نقائص المبيع فجعل القبض كالعدم وجعل مناط سقوط الضمان انقضاء الشرط وحصول الملكية المستقرة بحيث لا يمكن أن يسلبه عن نفسه بالفسخ. ومع هذا

 

الاحتمال كيف يمكن أن يقال بتعميم المناط. وأما خيار الشرط فشريك مع خيار الحيوان في هذه الجهة والنكتة ولذلك أطلق على كليهما الشرط في الاخبار غاية الامر أن الشرط في خيار الحيوان من قبل الشارع وفي خيار الشرط من قبل المتعاملين وهذا ليس بفارق فيما هو المهم في المقام من أن المناط لجعل الضمان في عهدة من ليس له الخيار حتى بعد قبض من له الخيار من جهة مراعاة من انتقل إليه الحيوان أو المشروط له في خيار الشرط فيكون التعليل مختصا بهذين الخيارين ولا يسري إلى خيار المجلس فضلا عن سائر الخيارات. وأما ما ربما يقال - في وجه عدم التعميم واختصاص هذه القاعدة بهذين الخيارين دون غيرهما من أن قولهم: التلف في زمن الخيار يدل على أن الخيار المذكور في هذه القاعدة لا بد وأن يكون من الخيارات الزمانية أي ما كان لها زمان محدود من طرف الشارع كخيار الحيوان المحدود بثلاثة أيام أو من طرف المتعاملين كخيار الشرط وليس في سائر الخيارات تحديد بحسب الزمان لا من طرف الشارع ولا من طرف غيره فهذه القاعدة بقرينة كلمة زمن الخيار لا تشمل الخيارات غير الزمانية - فعجيب. وذلك من جهة أن كل حادث زماني لابد وان يكون لوجوده زمان يمتد بامتداد وجوده وكما أن لكل جسم مكان يحيط به كذلك لكل حادث في سلسلة الزمان وفي وعائه زمان يحيط به وهذا الزمان هو عمر ذلك الشيء فكل شيء كان امتداد وجوده في وعاء الزمان أكثر يكون عمره أطول وكل خيار سواء كان أحد هذين الخيارين أو غيرهما حيث أنه حادث زماني فله زمان يحيط به من أول وجود هذا الحق إلى آخره وانتهائه فقولهم: التلف في زمن الخيار أي ذلك الزمان المحيط بالخيار لا الخيارات الزمانية كما توهم.

 

فتلخص من مجموع ما ذكرنا: أن مدرك هذه القاعدة هو الاخبار الواردة في خياري الحيوان والشرط والظاهر اختصاصها بذينك الخيارين وعدم شمولها لسائر الخيارات حتى خيار المجلس فافهم وذلك لعدم تنقيح المناط الذي ذكره شيخنا الاعظم قدس سره بطور يوجب الاطمئنان حتى تحكم بالتعميم. وأما شمولها لخيار المجلس - باعتبار إطلاق الشرط عليه في الاخبار مع اختصاص مورد الروايات الواردة في هذا الباب بخياري الحيوان والشرط - فلا يخلو من نظر وتأمل. وأما شمولها للثمن والمثمن بالنسبة إلى التالف وللبائع والمشتري بالنسبة إلى من لا خيار له فنقول: إن صور المسألة أربع لان التلف المفروض أنه بعد القبض - وإلا يكون من مصاديق قاعدة تلف المبيع قبل القبض ويكون خارجا عن دائرة انطباق هذه القاعدة - إما يكون في يد البائع أو المشتري وفي كل واحدة من الصورتين إما أن يكون الخيار للذي وقع التلف في يده فقط أو يكون للآخر الذي لم يقع التلف في يده. الصورة الاولى: أن يكون التلف في يد البائع فقهرا يكون التالف هو الثمن لان المفروض أنه بعد القبض ويكون الخيار للآخر أي المشتري فلا ضمان لاحد لان ملك البائع تلف في يده ويكون كسائر أمواله ولا وجه لان يكون تلفه موجبا لضمان شخص آخر إلا بأحد أسباب الضمان المعروفة وليس شيء منها في البين. الصورة الثانية: أن يكون التلف أيضا في يد البائع ولكن كان الخيار البائع فقط. وهذه هي الصورة التي يكون الضمان على المشتري إن قلنا بتعميم القاعدة بالنسبة إلى البائع والمشتري لان الضمان يكون على من لا خيار له وهو هيهنا المشتري كما هو المفروض. الصورة الثالثة: أن يكون التلف في يد المشتري وكان الخيار للبائع فقط ولا شك

 

في أن الضمان لا يكون على أحد أصلا وذلك لان مال المشتري تلف في يده ولا وجه لان يكون في ضمان شخص آخر إلا بأحد أسباب الضمان من إتلاف ذلك الآخر أو كون يده يد ضمان أو غير ذلك من أسباب الضمان والمفروض أنه ليس شيء آخر في البين. الصورة الرابعة: أن يكون التلف في يد المشتري والخيار له فقط وهذه الصورة هي التي مشمولة لهذه القاعدة نصا وفتوى إجماعا ويكون من المسلمات أن ضمان التالف على البائع الذي ليس له الخيار فيما إذا كان الخيار الذي للمشتري خيار الحيوان أو خيار الشرط وأما فيما عداهما من الخيارات فيأتي ذلك الكلام الطويل الذي تقدم. بقى الكلام في أن الضمان المذكور في هذه القاعدة - وانه من مال من لا خيار له - هل هو ضمان المسمى الذى هو أحد العوضين في المعاملة أو هو عبارة عن الضمان الواقعي أي المثل والقيمة كل واحد منهما في محله ومورده ؟ فنقول مبنى المسألة على أنه جعل الشارع قبض ذي الخيار في المفروض كالعدم فالضمان الثابت قبل القبض باق لعدم ما يوجب رفعه فإذا كان الامر كذلك فلابد من القول بأن الضمان ضمان المسمى لعدم الشك في كون الضمان السابق على القبض ضمان المسمى. وأما إن قلنا بأن الضمان إذا تلف في يد ذي الخيار بعد القبض حكم تعبدي لا من جهة أن الشارع جعل القبض كلا قبض بل بقبض المشتري مثلا خرج المبيع عن عهدة البائع وحصل القبض والاقباض الذي كان من مقتضيات العقد. فقوله عليه السلام فيما إذا تلف المبيع في يد المشتري بعد القبض في زمن خيار الحيوان أو الشرط فهو من مال البائع حكم تعبدي لا ربط له بضمان البائع قبل القبض الذى كان عبارة عن اشتغال ذمته بتسليم المبيع المعين المسمى إلى المشتري لان المفروض أن ذلك حصل وتم ولا معنى للزوم حصوله ثانيا فلا معنى لبقائه بعد القبض

 

والتسليم فحينئذ لا طريق لمعرفة نوع الضمان إلا الاستظهار من هذه الجملة أي قوله عليه السلام: فهو من مال بايعه . فنقول: يمكن أن يكون المراد من هذه الجملة أن خسارته وغرامته على البائع سواء فسخ المعاملة أم لم يفسخ بناء على أن تلف المبيع لا يكون مانعا عن جواز فسخ المشتري في زمان خياره. نعم لو فسخ المشتري يسترد عين الثمن إن كان شخصيا و كان باقيا وان كان تالف فمثله أو قيمته كل واحد منهما في مورده وان كان كليا فيأخذ أحد مصاديقه. وان لم يفسخ فيكون البائع ضامنا للمبيع التالف في يد المشتري بالضمان الواقعي أي المثل أو القيمة كل واحد في مورده لانه معنى كون غرامة التالف وخسارته على البائع هو أن ضمانه الواقعي عليه. ويمكن أن يكون المراد منها أن التلف يقع من مال بائعه بمعنى أنه ينتقل إلى البائع آنا ما فيتلف ولا شك في أنه لا ينتقل إلى البائع مجانا وبلا عوض فلابد وأن يكون انتقاله إلى البائع إما ببدله الواقعي من المثل والقيمة كل في محله أو يكون بانفساخ المعاملة آنا ما قبل التلف حتى يرجع كل واحد من العوضين إلى ملك مالكه الاول أي إلى مالكه قبل وقوع المعاوضة كما قلنا في مسألة تلف قبل القبض. ونتيجة الانفساخ القهري هو نتيجة الفسخ الاختياري - كما بيناه - فيرجع عين الثمن إلى المشتري لو كان باقيا وإلا فعلى التفصيل الذى تقدم في صورة الفسخ. هذه الاحتمالات كلها في مقام الثبوت. وأما في مقام الاثبات: فالظاهر هو انفساخ المعاملة آنا ما قبل التلف وذلك من جهة أن قوله قوله عليه السلام: فهو من مال بائعه ظاهر في أن التلف يقع في مال البائع أي التالف يكون من أمواله لا أن خسارة التالف وغرامته عليه وهذا أي كون التلف واقعا على ماله لا يمكن إلا بالانفساخ آنا ما قبل التلف حتى يرجع التالف إلى ملك البائع فيكون التلف واقعا في ملكه

 

فالصواب هو أن الضمان في هذه القاعدة هو ضمان المسمى لا الضمان الواقعي أي المثل والقيمة. وبعبارة أخرى: التلف بعد القبض - إذا كان التلف في يد من له الخيار فقط دون صاحبه - في حكم التلف قبل القبض أي يكون ذلك الضمان الذي قبل القبض موجود وفي عهدة البائع باقيا بعد القبض أيضا ومعلوم أنه كان ضمان المسمى وبهذا صرح جمع من المحققين كالمحقق والشهيد الثانيين 1، ويظهر أيضا من الشهيد قدس سره في الدروس 2 حيث قال: وبالقبض ينتقل الضمان إلى القابض ما لم يكن له خيار. من جهة أن مفهوم هذا الكلام هو أنه لو كان للقابض الذي هو المشتري في المفروض خيار فلا ينتقل الضمان إليه بل يبقى على حاله. وخلاصة الكلام: أن لفظ الضمان وان كان ظاهرا في الضمان الواقعي أي كون الشيء بوجوده الاعتباري في العهدة وارتفاعه عن العهدة ورفع اشتغال الذمة بأداء ذلك الشيء وحيث أن الشيء بعد تلفه لا يمكن أداؤه بخصوصيته الشخصية فلابد وأن يطبق ما في الذمة على ما هو أقرب إليه من غيره وهو مثله إن كان له المثل أي كان من المثليات وقيمته وماليته إن كان من القيميات وذلك من جهة أن نظر العقلاء في مقام تفريغ الذمة في الماليات والغرامات بعد تعذر الخصوصيات الشخصية اعتبار وجود الجهات النوعية والمماثلات وبعد تعذر هذه الجهات أيضا لا يرون الخروج عن العهدة إلا بأداء القيمة. وبعبارة أخرى: لا فرق فيما هو المراد من الضمان بين باب التلف والاتلاف فإذا حكم الشارع بالضمان في مورد من موارد التلف - كما فيما نحن فيه - يكون المراد منه هو الضمان في باب الاتلاف.

 

(هامش)

 

(1) جامع المقاصد ج 4، ص 308، مسالك الافهام ج 1، ص 181. (2) الدروس ج 3، ص 210. (*)

 

ولكن في المقام لم يقل الشارع إن من ليس له الخيار من المتعاملين ضامن لما تلف في يد ذي الخيار وأيضا لم يقل إن التلف في يد ذي الخيار يكون بحكم إتلاف من ليس له الخيار بل قال: التلف في زمن الخيار من مال من ليس له الخيار أو من مال بائعه. وأنت خبير بأن هذه العبارات غير التعبير بأنه ضامن ولا تفيد ذلك المعنى الذي يستفاد من لفظة الضمان . نعم أورد شيخنا الاستاذ قدس سره هاهنا إشكالين على كون الضمان في هذه القاعدة هو ضمان المسمى: الاول هو أن في صحيحة ابن سنان حكم بضمان البائع لو تلف المبيع في يد المشترى الذى له الخيار فقط دون البائع سواء كان التالف نفس المبيع أو صفة من أوصافها حيث قال الراوى: فيموت العبد أو الدابة أو يحدث فيه حدث على من يكون ضمان ذلك ؟ فقال عليه السلام: على البايع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيام . ولا شك في أن الوصف لا يقابل بشئ من المسمى وتمام الثمن بإزاء نفس العين. نعم الاوصاف ربما توجب زيادة قيمة العين المتصفة بها وإلا فلا يقع شيء من الثمن بإزاء الوصف ولذلك تخلف الوصف لا يوجب تبعض الصفقة بل يوجب الخيار بقبول المعاملة بنفس الثمن أو يفسخ ويسترد الثمن تماما لا أنه يقبل ولا يرد المعاملة ويسترد مقدارا من الثمن بإزاء فقدان الوصف. فإذا كان الامر كذلك فلا يمكن أن يكون الضمان الذى حكم الامام عليه السلام في مورد حدوث الحدث بالعبد أو الدابة ضمان المسمى لانه بالنسبة إلى الوصف ليس مسمى في البين حتى يكون ضمانه ضمان المسمى فلابد وأن يحمل قوله عليه السلام: فهو من مال بائعه على الضمان الواقعي حتى يشمل ضمان العين والوصف جميعا وإلا يلزم استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد. والثاني: هو أن ضمان المسمى ارتفع بالقبض لان ضمان المسمى عبارة عن اشتغال

 

ذمته بالمثمن إن كان بائعا وبالثمن إن كان مشتريا والمفروض في المقام أن البائع سلم المثمن إلى المشتري وقبض المشتري فلا يبقى مورد ومجال لاشتغال ذمته ثانيا باعطاء المثمن بل هو من تحصيل الحاصل المحال فلو تجدد ضمان بواسطة كون التلف في زمن الخيار لابد وأن يكون هو الضمان الواقعي أي المثل أو القيمة لانه الظاهر من لفظ الضمان 1. والجواب: أما عن الاشكال الاول: فأولا: أن المراد من حدوث الحدث في المبيع ليس هو فوات الوصف كما زعمه المستشكل بل المراد به أيضا التلف والموت فهو من قبيل التفنن في العبارة أو المراد به موت خاص كالفجاة مثلا فيكون من قبيل ذكر الخاص بعد العام وكم له من نظير وقد ورد في الاخبار بهذا المعنى. وثانيا: فبان الضمان الواقعي أيضا لا يمكن أن يكون جامعا لان الانسان لا يضمن بالمثل أو القيمة لتلف ماله في يده فلابد من حمل كلامه عليه السلام على معنى يلائم مع الانفساخ وغيره وهو أن يقال: إن المراد من قوله عليه السلام فهو من مال بائعه هو أنه خسارته على البائع ويذهب من كيسه سواء أكانت الخسارة التى عليه من جهة انفساخ المعاملة ورجوع الثمن إلى المشتري من دون مقابل يرجع إلى البائع لان المفروض أن مقابل الثمن تلف في يد المشتري بدون أن يكون عليه شيء أو كانت من جهة فسخ المشترى ورجوع الثمن بتمامه إليه ورجوع العين الناقصة إلى البائع ففقدان الوصف خسارة واردة على البائع من غير تدارك. وأما عن الاشكال الثاني: فبأن شخص ذلك الضمان وان ارتفع بالاعطاء والاقباض وتسليم المثمن إلى المشتري ولكن لا مانع من إتيان الدليل على حدوث فرد آخر من ضمان المسمى بواسطة التلف عند ذى الخيار تعبدا كما هو كذلك وجاء الدليل أي

 

(هامش)

 

(1) منية الطالب ج 2، ص 180. (*)

 

قوله عليه السلام: فهو من مال بائعه . ثم إنه هل يجري استصحاب بقاء الكلي الجامع بين الفردين الذين أحدهما ضمان المسمى قبل القبض وثانيهما هو الفرد الآخر الذى بعد القبض إذا شككنا في بقاء الضمان بعد القبض أي بقاء الجامع بين الفردين وإلا فالفرد منه الذي يقينا كان موجودا ارتفع بالقبض يقينا ولكن حيث أنه من المحتمل حدوث فرد آخر منه أي من ضمان المسمى بعد القبض في نفس زمان ارتفاع ذلك الفرد بواسطة الاقباض والتسليم فيكون الكلي الموجود يقينا في ضمن الفرد الزائل قطعا موجودا بقاء احتمالا في ضمن فرد آخر محتمل الحدوث ؟ فيه إشكال فانه من القسم الاول من الاقسام التي للقسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي الذى بنينا تبعا لاكثر المحققين على عدم جريانه. اللهم إلا أن يقال: إنه ليس هيهنا وجودين من ضمان المسمى وان يكون انعدم أحدهما وحدث وجود آخر بل هناك وجود واحد من ضمان المسمى ممتد من أول المعاملة إلى ما بعد تلف المبيع في يد المشتري في زمان خياره الخاص به حتى يخرج عن عهدتة بارجاع الثمن إلى المشتري بدون مقابل. هذا في مفروض المسألة والمقام غاية الامر بسببين: حدوث هذا الضمان بسبب وبقاؤه بسبب آخر فحدوثه بسبب التزام المعاملي إلى زمان القبض وبعد حصول القبض ووفائه بالتزامه لا تأثير للالتزام المعاملي لانه كما ذكرنا يكون من قبيل تحصيل الحاصل ولكن بقاؤه بعد القبض يكون بالتعبد من قبل الشارع والدليل على هذا التعبد هو الاستصحاب. لا يقال: بعد زوال العلة ينعدم المعلول فإذا جائت علة أخرى لذلك الشيء فلابد وأن يكون معلوله موجودا بوجود آخر فيعود الاشكال. وذلك من جهة أنه يمكن أن يكون كل واحد من السببين في حد نفسه لو كان

 

وحده كاف في تأثيره في وجود المعلول غاية الامر عند اجتماعهما يتداخلان فإذا انعدم أحدهما يؤثر الآخر مستقلا كالخيمة القائمة بعمودين ولكن كل واحد منهما لو انفرد كاف في قيام الخيمة به فإذا انعدم أحدهما يكون قيام الخيمة بقاء بذلك العمود الباقي كما أنه هو كذلك بالوجدان. فلو فرضنا قيام الخيمة حدوثا بأحد العمودين ثم في زمان ارتفاع ذلك العمود قام عمود آخر مقامه فالحدوث مستند إلى علة وبقاء الخيمة إلى علة أخرى، لا أن تلك الخيمة بواسطة ارتفاع العمود الاول تنعدم وتوجد خيمة أخرى، وفي الاعتباريات تصويره وامكان وقوعه أسهل وأوضح، كما أن في باب الخيارات يمكن أن يكون حدوث الخيار بموجب وبقاؤه بموجب آخر. والحاصل أنه لا مانع من كون حدوث شيء بعلة وبقائه بعلة أخرى ولا يخرج ذلك الشيء بواسطة تعدد العلة من حيث علة الحدوث والبقاء عن الوحدة. ثم إنه على تقدير جريان هذا الاستصحاب هل يعارضه استصحاب عدم الانفساخ - أي الاصل العدمي مقابل هذا الاصل الوجودى - أم لا فانهما إذا تعارضا يتساقطان فلا يبقى استصحاب حتى يقال ببقاء الضمان حتى بعد القبض ؟ الظاهر عدم تعارض هذين الاصلين أي الاصل الوجودي والعدمي وذلك من جهة حكومة الاصل الوجودي هيهنا على الاصل العدمي لان الشك في الانفساخ مسبب شرعا عن الشك في بقاء الضمان وذلك من جهة أن بقاء ضمان المسمى تعبدا من إثارة الشرعي انفساخ المعاملة حتى يرجع الثمن إلى المشتري الذي له الخيار وحده دون البائع ومعلوم أن الاستصحاب في جانب السبب يرفع موضوع استصحاب المسبب تعبدا وفي عالم التشريع. تذييل: وهو أن هذه القاعدة هل تختص بالمبيع والثمن الشخصيين أو تشمل الكليين منهما ؟

 

مثلا لو باع عبدا أو حيوانا ورفع الغرر بذكر الاوصاف بكذا درهم أو دينار أيضا كليين لا الدرهم أو الدينار الشخصيين فالبائع سلم إلى المشتري مصداقا من مصاديق ذلك الكلي وأقبضه إياه فتلف ذلك المصداق في يد المشتري في زمان خياره المخصوص به. فهل تشمل هذه القاعدة مثل هذه المورد فتجب على البائع رد مصداق الثمن الكلي إن كان قبضه أو لا تشمل فلا تنفسخ المعاملة بل مال المشتري تلف في يده ولا ضمان على أحد لا على المشترى ولا على غيره لان مال شخص تلف عند نفسه فلا وجه للضمان لا المسمى ولا الواقعي ؟ فنقول: الظاهر عدم شمولها للثمن أو المبيع الكليين. أما أولا: فمن جهة ظهور قوله عليه السلام في صحيحة ابن سنان فهلك في يد المشتري في أن يكون التالف في يد المشتري هو نفس المبيع لا الفرد المنطبق عليه المبيع الكلي و قد عرفت أن العمدة في دليل هذه القاعدة هي الروايات وهى لا تدل على أزيد مما كان المبيع شخصيا ففي المبيع الكلي يحتاج إتيان هذه القاعدة إلى دليل وهو مفقود في المقام. وأما ثانيا: فمن جهة أن المبيع إذا كان شخصيا فبعد قبض المشتري له وتلفه في يده فان حكم الشارع بأنه - أي التلف من مال البائع - معناه أن التلف وقع في ملك البائع وماله وهذا لا يمكن إلا بانفساخ العقد آنا ما قبل التلف حتى يكون التلف في ملك البائع وإلا فمال المشتري تلف في يده ولا معنى لان يكون شخص آخر ضامنا له. وإما إذا كان المبيع كليا واعطى البائع مصداقا من ذلك الكلي للمشتري وتلف ذلك الفرد المنطبق عليه الكلي في يده فلا يلزم منه انفساخ العقد إن حكم الشارع بان التلف وقع في ملك البائع من جهة أن ذلك الفرد ليس هو المبيع حتى يكون العقد برجوعه إلى البائع منفسخا بل العقد باق ويعطي فردا آخر للمشتري مع أن ظاهر

 

القاعدة في موارد انطباقها هو الانفساخ. وأما القول بأن ذلك الفرد المنطبق عليه الكلي بعد انطباقه عليه يكون بالحمل الشائع هو المبيع - فرجوعه إلى البائع معناه الانفساخ والانحلال - فعجيب لان المدار في الانفساخ عدم إمكان تسليم البائع للمبيع إلى المشتري بعد تلف ما هو المبيع في يد المشتري والمفروض ليس كذلك. الجهة الثالثة في موارد تطبيق هذه القاعدة فنقول: القدر المسلم منها هو فيما إذا تلف المبيع في يد المشتري بعد قبضه إياه في خيار الحيوان وخيار الشرط واما فيما عداهما أما خيار المجلس فيظهر من الشيخ الاعظم الانصاري قدس سره الميل إلى شموله له وان قال: على إشكال 1. وأما سائر الخيارات المتصلة بالعقد فجريانها فيها في خصوص المثمن لا يخلو من وجه وهو عبارة عن عموم التعليل في صحيحة ابن سنان المستفاد من قوله عليه السلام: حتى ينقضي الشرط ويصير المبيع للمشتري وان تأمل الشيخ الاعظم في هذه الاستفادة 2، وعلى أي حال تقدم تفصيل الكلام فيه في الجهة الثانية. وأما الخيارات المنفصلة عن العقد كخيار الشرط إذا كان الشرط أي الخيار المجعول منفصلا عن العقد فقد تقدم الاشكال في جريان القاعدة لظهور كلمة حتى ينقضي الشرط في كونه من ابتداء المعاملة إلى انقضائه - أي الشرط - على كلام واشكال منا تقدم في الجهة الثانية وأما شمولها للثمن فقد تقدم أنه تابع لان يكون هذا الحكم الكلي - أي التلف في

 

(هامش)

 

(1) المكاسب ص 301. (2) المصدر. (*)

 

زمن الخيار من مال من لا خيار له - على طبق القواعد الاولية أم لا بل حكم تعبدي مستنده الاجماع والاخبار. فبناء على الاول تشمل وبناء على الثاني فقوله عليه السلام: فهو من مال بائعه أي تلف المثمن في أيام خيار المشتري في يده من مال البائع فاسراء هذا الحكم إلى الثمن وتلفه في يد البائع في أيام خياره المختص به من مال المشتري أشبه بالقياس بل هو نفسه وقد تقدم كل ذلك فلا نطول المقام. وأما جريانها في المبيع الكلي فيما إذا طبق البائع على فرد ومصداق واعطاه وسلمه إلى المشتري فقد تقدم الكلام والاشكال في شمولها له فلا نعيد. والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا.