قاعدة حرمة إبطال الأعمال العبادية

50 - قاعدة حرمة إبطال الأعمال العبادية 

 

قاعدة حرمة ابطال الاعمال العبادية * ومن القواعد الفقهية المشهورة قاعدة حرمة إبطال الاعمال العبادية إلا ما خرج بالدليل فنقول: البحث من جهات. الجهة الاولى في بيان مفاد هذه القاعدة، وأنه ما المراد منها. أقول: المراد منها هو أن العمل العبادي المركب التدريجي الوجود لا يجوز إبطاله في الاثناء، بمعنى رفع اليد عن إتيانها تماما في الاثناء أو يأتي بشئ لا يصح معه الاتمام ويخرج عن قابلية التحاق الاجزاء اللاحقة بسابقتها كي يتم العمل ويوجد صحيحا: فلو شرع في الصلوة فليس له أن يرفع اليد عنها في الاثناء أو يأتي بأحد قواطع الصلاة كي تخرج عن قابلية الاتمام ووقوعها صحيحا أو شرع في الاحرام لعمرة التمتع كي يتمتع بها إلى الحج فرفع اليد عن إتمام العمرة أو الحج أو أتى بمانع لا يقع معه الحج صحيحا، مثل أن جامع عمدا وإن كان مع زوجته فيفسد حجه، ولا يمكن أن يتمه صحيحا، فهذا معنى حرمة الابطال المراد من هذه القاعدة. ثم إنه لا شك في أن الواجبات المضيقة لا يجوز إبطالها قطعا، ولكن ليس لاجل

 

(هامش)

 

عوائد الايام ص 151، عناوين الاصول عنوان الاصول عنوان 24، أصول الاستنباط بين الكتاب والسنة ص 125. (*)

 

هذه القاعدة، بل لو لم تثبت هذه القاعدة ولم يوجد عليها دليل أيضا لا يجوز قطع تلك الواجبات لان مرجع قطعها وإبطالها بالمعنى الذي ذكرنا للابطال تفويت تلك الواجبات وتركها في وقتها، مع أنها مضيقة فهذا شيئ معلوم فعمدة الكلام في الواجبات الموسعة والمستحبات. وكذلك جواز قطعها لعذر دل الدليل عليه لا ينافي مع هذه القاعدة، وذلك من جهة أن مفاد هذه القاعدة عدم جواز القطع بعنوانه الاولى فلا ينافي الجواز لطرو عناوين اخر كطرو ضرر أو حرج وأمثالهما من الحالات الطارئة. الجهة الثانية في أنه ما الدليل على هذه القاعدة؟ أي حرمة إبطال الاعمال العبادية وهو امور: الاول الاجماع، وادعاه جمع في خصوص الصلوة وتعبيراتهم وإن كانت مختلفة ولكن مفاد كلها واحد، وهو الاتفاق وعدم الخلاف في عدم جواز قطع الصلاة اختيارا ولغير عذر، بل ادعى في شرح المفاتيح أنه من بديهيات الدين. وفيه أن الاجماع على فرض وجوده لا يثبت كلية هذه القاعة، نعم على تقدير ثبوته يكون دليلا على تحريم قطع الصلاة فقط. الثاني قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم. (1) والاستدلال بهذه الآية على حرمة رفع اليد عن المركبات العبادية في أثناء العمل، أو الاتيان بمانع أو قاطع يمنع عن إتمام العمل صحيحا مبنى على أن يكون

 

(هامش)

 

1. محمد (47): 33. (*)

 

المراد من الابطال فيها هو المعنى الذي ذكرنا له من ترك العمل ورفع اليد عنه بعد الشروع فيه وفي أثنائه أو إيجاد مانع أو قاطع في أثنائه كي يسقط عن صلاحية إتمامه صحيحا. ولكن ظهور لفظ الابطال وكلمة لا تبطلوا في هذا المعنى لا يخلو عن مناقشة، إذ من المحتمل القريب أن يكون المراد منه النهي عن إبطال العمل بالرياء أو الشرك أو العجب أو ارتكاب الكبائر التي أوعد الله عليها النار، لا بمعنى الحبط الذي لا نقول به نحن الامامية الاثني عشرية وننكره، بل بمعنى أنه لا توجب تلك الاعمال دخول الجنة بعد ارتكاب الكبائر العظيمة كقتل النفوس المحترمة والزنا بذات البعل وأمثالهما من الجرائم الكبيرة. ويؤيد هذا الاحتمال ما رواه الصدوق قده في ثواب الاعمال عن أبي جعفر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله من قال سبحان الله غرس الله له بها شجرة في الجنة ومن قال الحمد لله غرس الله له بها شجرة في الجنة، ومن قال لا إله إلا الله غرس الله له بها شجرة في الجنة، فقال رجل من قريش يا رسول الله صلى الله عليه وآله إن شجرنا في الجنة لكثير، قال صلى الله عليه وآله: نعم ولكن إياكم أن ترسلوا عليها نيرانا فتحرقوها وذلك أن الله تعالى يقول يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم. (1) فاستشهاد الامام عليه السلام بهذه الآية على أن الشرك والكفر والمعاصي الكبيرة يذهب بأثر تلك الكلمات ويحرق الاشجار التي كانت آثار تلك الكلمات، مؤيد بل دليل على أن المراد من إبطال الاعمال في الآية الشريفة هو ما يوجب ذهاب أثر تلك الاعمال، لا أن المراد من إبطال الاعمال رفع اليد عنها وتركها في الاثناء، أو إتيان مانع أو قاطع يمنع عن إتمامها صحيحا.

 

(هامش)

 

1. ثواب الاعمال ص 32، ح 3. (*)

 

فمع وجود هذا الاحتمال القريب المؤيد بما ذكرنا من الرواية التي رواها في ثواب الاعمال، كيف يمكن دعوى ظهور هذه الجملة من مفاد هذه القاعدة، فلا أقل من الاجمال وعدم ظهورها في كل واحد من هذين المعنيين. هذا مضافا إلى أن حملها على مفاد القاعدة يوجب تخصيص الاكثر المستهجن، وذلك لان إرادة بعض أفراد العام من العموم الافرادي أو ارادة بعض الاصناف من العموم الاصنافي مستهجن خلاف دأب أهل المحاورة وديدنهم في محاوراتهم، ودليل المخصص وظهوره يقدم على دليل العام وظهوره، فيما إذا لا يبلغ إلى حد الاستهجان. وفيما نحن فيه لا ريب أن أعمالكم جمع مضاف وهو من صيغ العموم فيشمل جميع الاعمال المركبة التي ي يمكن رفع اليد عنها في الاثناء على تقدير كون الابطال بهذا المعنى الذي يدعيه المستدل بهذه الاية على هذه القاعدة، سواء كانت تلك الاعمال تعبديا أو كانت توصليا، مع أن أغلب الاعمال يجوز إبطالها في الاثناء برفع اليد عنها أو باتيان ما يوجب بطلانها، وعدم إمكان إتمامها صحيحا. بل الذي قالوا بعدم جواز قطعه في الاثناء هو فريضة الصلاة والحج مطلقا واجبا كان أو مندوبا، مع كلام فيهما أيضا، فكيف يجوز التعبير عن هذين العملين بهذا العموم الواسع، وهل هذا إلا حصر المراد من العموم فيما هو مستهجن جدا لا يليق مثل هذا بكلام السوقة فضلا عن كلام الله تعالى شأنه. وأما ما يقال من أن لفظة الاعمال وإن كانت بحسب ظاهر الكلام تشمل جميع الاعمال عبادية كانت أو غير عبادية، لكن سوق الاية في مقام بيان الاعمال العبادية، فبقرينة السياق ينقلب الظهور ويكون ظاهرا في خصوص العبادات. ففيه أن سياق الاية أن أوامرها إرشادية وأن النهي إرشاد إلى أن إبطال العمل وعدم إتيانه على الوجه الذي امر به ليست باطاعة، فكما أن الامر المتعلق باطاعة الله وإطاعة الرسول ارشادي، ولا يمكن أن يكون مولويا لما تقرر في محله، فكذلك النهي

 

المتعلق بالابطال لوحدة السياق. وحاصله أن مفاد الاية صدرا وذيلا هو أن وظيفة العبد هي الاطاعة وعدم التمرد بترك الاعمال الواجبة أو إبطال أثرها بالعجب والكبر وارتكاب الكبائر أو إبطال نفسه بالريا، وهذا أجنبي عن عدم جواز رفع اليد عن الواجب الموسع ثم الاتيان بفرد آخر منه أو القول بأن سياق الاية يدل على أن المراد بأعمالكم فيها هو خصوص الاعمال العبادية لا عموم الاعمال. فالانصاف أن القول بظهور أعمالكم في الاية في خصوص العبادات لا دليل عليه مضافا إلى أن اختصاصها بالعبادات وظهورها فيها لا يرتفع به تخصيص الاكثر المستهجن وذلك لكثرة المستحبات العبادية التي لا إشكال في جواز قطعها إلا في الحج المندوب. هذا مضافا إلى أن كثيرا من الواجبات التعبدية يجوز قطعها إذا كانت موسعة مثل الطهارات الثلاث فيجوز رفع اليد عنها في الاثناء والاتيان بفرد آخر حتى أنه في الصلاة حكى قول بجواز قطعها اختيارا وإن كان خلاف المختار، لما ذكرنا من ادعاء الاجماع من صاحب المدارك (1) وكشف اللثام (2) وغيرهما، بل قال في شرح المفاتيح أنه من بديهيات الدين. نعم قلنا إن الواجبات المضيقة لا يجوز قطعها لاجل أن قطعها وإبطالها بهذا المعنى يوجب تفويتها وعصيانها بالمرة، فلا ربط لها بهذه القاعدة، وأما الواجبات الموسعة كالنذر الموسع مثلا وكالطهارات الثلاث كما ذكرنا يجوز قطعها ورفع اليد عن الفرد الذي اشتغل بها والاتيان بفرد آخر. وأما الاستدلال بوجوب الاتمام بقوله تعالى أوفوا بعهدي اوف بعهدكم (3) بأن

 

(هامش)

 

1. مدارك الاحكام ج 3، ص 477. 2. كشف اللثام ج 1، ص 241. 3. البقرة (2)، 40. (*)

 

يقال: نية العبادة عهد مع الله تعالى بأن يأتي بها تماما، والامر في أوفوا بعهدي ظاهر في الوجوب، فيكون المعنى بناء على هذا أنه يجب عليكم الوفاء بالعهد الذي عاهدتم معي باتيان العبادة المنوية تماما فيكون قطعه حراما لانه ترك الواجب. ففيه أنه بالخطابة أشبه من البرهان، وخلاصة الكلام أنه ليس دليل على اثبات هذه القاعدة على نحو الكلية، بحيث إذا شككنا في جواز قطع عمل من الاعمال نرجع إليها ونحكم بعدم جواز قطعه، لاجل هذه الكلية، إلى أن يأتي دليل على الجواز وتخصص هذه القاعدة. نعم في خصوص الصلاة الواجبة تمسكوا بأدلة على عدم جواز قطعها: منها هذه الآية وقد عرفت الحال فيها. ومنها الاجماع ولا بأس به. ومنه قوله عليه السلام تحريمها التكبير تحليلها التسليم (1) وتقريب دلالته على حرمة قطع الصلاة أن ظاهره حرمة إيجاد المنافيات من الموانع والقواطع بوقوع التكبير أي بمحض الشروع في الصلاة لان المصلي بالتكبير يشرع فيها، ولا شك في أن إيجاد الموانع والقواطع ملزوم قطع الصلاة، بل في نظر العرف هو عين قطعها، فيكون مفاد الرواية عرفا هو حرمة قطع الصلاة، ولا يجوز إيجادها إلا بالتسليم، لانه مخرج فإذا خرج بالتسليم يحلل به كل ما كان حراما عليه، لانه خرج عن الصلاة. واستشكلوا على هذا الدليل بأن التحريم في المقام ظاهر في الحرمة الشرطية من قبيل تعلق النهي ببعض الموانع، كقوله عليه السلام لا تصل فيما لا يؤكل لحمه (2) فيكون مثل هذا النهي منشأ اعتبار مانعية وجود النهي أو شرطية وجوده أو كليهما على اختلاف

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 3، ص 69، باب النوادر، ح 2، وسائل الشيعة ج 4، ص 1003، أبواب التسليم، باب 1، ح 1. 2. الكافي ج 3، ص 397، باب اللباس الذى تكره الصلاة فيه...، ح 1، تهذيب الاحكام ج 2، ص 209، ح 818، باب ما يجوز الصلاة فيه من اللباس...، ح 26، وسائل الشيعة ج 3، ص أبواب لباس المصلى، باب 2، ح 1، مع تفاوت في النص. (*)

 

المباني في المقام، ولا أقل من الاجمال، فلا يصح استظهار الحرمة التكليفية التي هي المدعاة في المقام. وقال بعض الاعاظم قده في مقام الرد على هذا الاشكال: إنه لو كان المراد من التحريم الحرمة الشرطية لا التكليفية، فكان هناك مركبات اخر شرعية من العبادات كالوضوء والغسل ونحوهما مما لها منافيات، فكان يقتضي ذكر هذه العبارة واطلاقها عليها مع أنه لم يعهد في لسان الشرع هذا الاطلاق، إلا في باب الصلاة والاحرام، وهذا يدل على تمحض النظر فيه إلى حيث الحرمة التكليفية، سواء اجتمعت مع الوضعية كما في قواطع الصلاة، أم لا كما في بعض المحرمات حال الاحرام. وفيه أولا أن عدم إطلاق مثل هذه الجملة في غير الصلاة والاحرام لا يوجب ارتفاع ظهورها في الحرمة الشرطية أو إجماله واحتمالها لكلا الامرين، وثانيا ذكرها في الصلاة وبل في الاحرام لاهميتها وكثرة المنافيات من الموانع والقواطع فيهما فالانصاف أن إثبات حرمة القطع بمثل هذه الجملة التي من المحتمل القريب أن يكون المراد منها أنه بعد أن شرع في الصلاة وكبر بتكبيرة الاحرام يحرم عليه إيجاد المنافيات حرمة شرطية أي صحتها موقوفة على عدم إيجاد تلك المنافيات بعيد عن الصواب. ومنها النواهي المتعلقة بايجاد المنافيات من الموانع والقواطع كقوله عليه السلام استقبل القبلة بوجهك فلا تقلب وجهك عن القبلة فتفسد صلاتك (1) كقوله عليه السلام الاقامة من الصلاة فإذا أقمت فلا تتكلم (2) وغيرهما.

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 3، ص 300، باب الخشوع في الصلاة وكراهية العبث، ح 6، الفقيه ج 1، ص 278، باب القبلة، ح 856، تهذيب الاحكام ج 2، 199، ح 782، باب أحكام السهو في الصلاة، ح 83، وسائل الشيعة ج 3، ص 227، أبواب القبلة، باب 9، ح 3. 2. الكافي ج 3، ص 305، باب بدء الاذان والاقامة وفضلهما وثوابهما، ح 20، تهذيب الاحكام ج 2، ص 54، ح 185، باب الاذان والاقامة، ح 25، وسائل الشيعة ج 4، ص 630، أبواب الاذان والاقامة، باب 10، ح 12. (*)

 

وفيه أن ظاهر هذه النواهي أنها لبيان شرطية ما تعلق النهي بعدمه كقوله عليه السلام فلا تقلب وجهك عن القبلة فهذا النهي مفاده شرطية الاستقبال بتمام البدن حتى الوجه، ولبيان مانعية ما تعلق النهي بوجوده كقوله عليه السلام في خبر أبي هارون فإذا أقمت فلا تتكلم وسياقها سياق قوله عليه السلام في موثقة ابي بكير لا تصل الا فيما لا يؤكل لحمه فان الصلاة في صوف وشعره ووبره وبوله وروثه وكل شيء منه فاسدة لا يقبل الله تلك الصلاة (1) وظهور هذا النهي في الحرمة الوضعية مما لا ينكر. ومنها تعليق جواز القطع وجوبا أو إباحة على الخوف من ضياع مال كشرود دابته أو إباق عبده، أو الخوف على تلف نفسه من جهة مثلا وأمثال ذلك كفرار غريم لك عليه مال كما في صحيحة حريز بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا كنت في صلاة الفريضة فرأيت غلامك قد أتى أو غريما لك عليه مال أو حية تتخوفها على نفسك فاقطع الصلاة وابتغ غلامك أو غريمك واقتل الحية (2) فلو كان قطع الصلاة جائزا ابتداء وبمحض الميل والاشتهاء، فلا يبقى وجه لهذا التعليق. لا يقال إن الامر بالقطع ظاهر في وجوبه، فما هو المعلق هو وجوب القطع ولا ينافي ذلك جوازه بمعنى الاباحة مطلقا وبدون تعليق، لانه لا يمكن أن يكون الامر بالقطع هاهنا لخصوص الوجوب، إذ لا يجب عليه طلب الغريم أو عبده الآبق ويجوز له أن يصرف النظر عن ماله فلا معنى لوجوب القطع إلا أن يكون صرف تعبد وأن يكون مقدمة لطلب غريمه أو عبده، وهو مما لا يمكن الالتزام به. فقد ظهر أنه لا دليل على حرمة قطع الصلاة إلا الاجماع المدعى في المقام ومفهوم الرواية الاخيرة ولكن في وجود المفهوم لها تأمل،

 

(هامش)

 

1. تقدم تخريجه في ص 256، رقم (2). 2. الفقيه ج 1، ص 369، باب المصلي تعرض له السباع والهوام فيقتلها، ح 1073، وسائل الشيعة ج 4، ص 1271، أبواب قواطع الصلاة، باب 21، ح 1. (*)

 

وعلى كل حال يجوز قطعها لامور: منها إذا توقف حفظ نفس محترمة على القطع، فيجب لوجوب ذي المقدمة. ومنها جواز قطعها لحفظ مال محترم وقد يجب إذا كان حفظ ذلك المال عن التلف واجبا كما إذا كان أمانة مالكية أو شرعية عنده، وصور وجوب حفظ المال كثيرة وملاك وجوب القطع في جميع موارد وجوب حفظ المال واحد وهو كونه مقدمة لواجب فتطويل الكلام في هذا المقام لا أثر له. ومنها إذا تزاحم الصلاة مع واجب أهم ولو كان أهميته من جهة كونه مضيقا وكون الصلاة موسعا، كما هو كذلك في المثل المعروف أي وجوب إزالة النجاسة عن المسجد مع الصلاة في الوقت الموسع فحيث إن أحد المرجحات الخمسة المعروفة في باب التزاحم هو ضيق أحد الواجبين المتزاحمين بالنسبة إلى الآخر، فيجوز قطع الصلاة إذا كان وقتها موسعا بالنسبة إلى الازالة. هذا فيما إذا علم بالنجاسة ووجوب إزالتها قبل الصلاة فعصى ودخل في الصلاة فحيث إن الامر بالشئ لا يقتضي النهي عن ضده الخاص، وحررنا المسألة في كتابنا منتهى الاصول (1)، فالصلاة صحيحة إما بالامر الترتبي وإما بالملاك والتفصيل في محله. ولكن الامر بالصلاة كما أنه حدوثا كان طوليا بالنسبة إلى الامر بالازالة، فكذلك يكون بقاء، لانه ما لم يحصل العصيان ولم يسقط الامر بالازالة لا يكون الامر بالصلاة في عرض الامر بالازالة ومطلقا، بل يكون مشروطا بعصيان الازالة وعليه بنينا صحة الترتب، وإلا يكون من المحالات الواضحة البينة. ومثل هذا المر الطولي المشروط بعدم الاشتغال بالازالة في المفروض لا يمكن أن يكون مانعا عن قطعها والاشتغال بالازالة، فلا يمكن أن يكون قطع الصلاة في

 

(هامش)

 

1. منتهى الاصول ج 1، ص 303. (*)

 

هذا الفرض والتقدير حراما إلا أن يأتي دليل خاص على أن قطع الصلاة حتى في فرض وجود المزاحم الاهم والالتفات إليه قبل الصلاة حرام، ولكن مرجع هذا يكون إلى سقوط أمر الاهم، وهو خلاف الفرض. وأما إذا لم يعلم بالنجاسة إلا بعد الدخول في الصلاة، فلا يجوز له قطع الصلاة وذلك لان ما يمنع عن التكليف بالمهم مطلقا ومن غير الاشتراط بعصيان الاهم هو فعلية الاهم وتنجزه، وإلا لو لم يكن منجزا فصرف وجود التكليف واقعا لا يؤثر في سقوط أمر المهم مطلقا، بناء على عدم إمكان الترتب أو إطلاقه بناء على إمكانه ووقوعه. وذلك لان الملاك في كلا المتزاحمين موجود، وسقوط أصل خطاب المهم أو إطلاقه لاجل عدم القدرة على الجمع، وإلا كان يجب أن يأتي بهما جميعا، والذي يسلب القدرة شرعا عن المهم هو تنجز الاهم، وإلا فصرف وجوده وفعليته من دون تنجزه لا يكون موجبا لسلب القدرة عن المهم، لان سلب القدرة عن المهم يكون بصرف القدرة في الاهم فإذا لم يكن منجزا فلا يحكم العقل بصرف القدرة في الاهم فتبقى قدرته للمهم بدون مزاحم، فيكون وجوبه مطلقا غير مشروط بترك الاهم وعصيانه، فيكون حرمة قطعه إن كان المهم هي الصلاة أيضا مطلقا فيقع التزاحم بين حرمة القطع الذي حرمته مطلق وبين وجوب الازالة الذي هو مطلق أيضا بعد الالتفات إلى نجاسة المسجد ووجوب إزالتها عنه. فشاغلية وجوب الازالة في هذا الظرف عن الامر بالمهم متوقف على تنجزه وتنجيزه متوقف على ارتفاع النهي عن الابطال، وارتفاعه متوقف على شاغلية وجوب الازالة أي الامر بالاهم عن الامر بالمهم، وهذا دور واضح. هذا ما ذكره شيخنا الاستاد قده (1) وفيه تأمل واضح، لان تنجزه ليس متوقفا على

 

(هامش)

 

1. فوائد الاصول ج 2، ص 378. (*)

 

ارتفاع النهي، بل تنجزه موقوف على العلم به والالتفات إليه، وبعد العلم به والالتفات إليه تطير حرمة الابطال في ظرف الاشتغال بالازالة كما كان في الاول، لانه لا فرق من هذه الجهة بين الحدوث والبقاء، فبقاء الامر بالمهم أيضا مشروط بترك الاهم وعصيانه. والحمد لله أولا وآخرا.