قاعدة لا شك في النافلة

24 - قاعدة لا شك في النافلة 

 

قاعدة لاشك في النافلة ومن جمله القواعد الفقهية المشهورة هو أنه لا شك في النافلة وفيها جهات من البحث: الجهة الاولى في مدركها وهو أمران: الاول: الروايات: فمنها: قوله عليه السلام في حسنة البختري: لا سهو في نافلة 1 بعد الفراغ عن أن المراد من السهو بقرينة سائر الفقرات هو الشك. ومعلوم أن المراد من نفي الشك في النافلة هو نفيه تشريعا لا تكوينا والنفي التشريعي للامور التكوينية لابد وأن يكون بلحاظ الآثار التشريعية لذلك الشيء وإلا فالشئ التكويني لا يمكن رفعه حقيقة في عالم الاعتبار كما أنه لا يمكن أن يوجد في عالم الاعتبار والتشريع وإلا ينقلب الاعتبار تكوينا وهو خلف محال. والاثر المجعول للشك في عدد الركعات في عالم التشريع هو البطلان في الثنائية

 

(هامش)

 

(1) الكافي ج 3، ص 358، باب من شك في صلاته كلها ولم يدر...، ح 5، تهذيب الاحكام ج 3، ص 54، ح 1 باب أحكام الجماعة...، ج 99، وسائل الشيعة ج 5، ص 340، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 24، ح 8. (*)

 

والثلاثية والبناء على الاكثر في الرباعية فإذا كانت صلاة النافلة أربع ركعات - كما في صلاة الاعرابي وبعض الموارد الاخر المنصوصة - فمعنى نفي الشك فيها هو عدم وجوب البناء على الاكثر بل إما البناء على الاقل بحكم الاستصحاب بعد سقوط حكم الشك - أي البناء على الاكثر - بواسطة هذه الروايات غيرها من الادلة واما التخيير بين الاقل والاكثر بعد البناء على عدم حجية الاستصحاب في عدد ركعات الصلاة إجماعا. وإذا كانت أقل من أربع ركعات فحكم الشك هو البطلان للروايات المستفيضة الواردة في هذا الباب فإذا ارتفع البطلان فالحكم إما البناء على الاقل لو قلنا بحجية الاستصحاب في عدد الركعات أو التخيير بناء على عدم حجيته. ومنها: صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن السهو في النافلة ؟ فقال عليه السلام: وليس عليك شيء - وفي بعض النسخ - سهو 1 وعلى كلتا النسختين النتيجة واحدة وهي صحة الصلاة وعدم وجوب البناء على الاكثر. ومنها: ما رواه في الكافي مرسلة وقال: وروى: إذا سها في النافلة بنى على الاقل 2. وظاهر هذه المرسلة هو تعين البناء على الاقل وبناء على ما قلنا - من عدم دلالة الصحيحة على وجوب البناء على الاكثر بل لها دلالة على عدم البناء على الاكثر كما أنه يجب ذلك أي البناء على الاكثر في الرباعيات من الفريضة فان كان حكم الشك فيها ومرفوع في النافلة - فلا تعارض بينها وبين المرسلة التي رواها الكليني فتكون النتيجة هو البناء على الاقل.

 

(هامش)

 

(1) الكافي ج 3، ص 359، باب من شك في صلاته...، ح 1، تهذيب الاحكام ج 2، ص 343، ح 1422، باب أحكام السهو، ح 10، وسائل الشيعة ج 5، ص 331، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 18، ح 1. (2) الكافي ج 3، ص 395، باب من شك في صلاته كلها...، ح 6. (*)

 

ولكن لما تحقق الاجماع على التخيير بل قال في الامالي: إنه من دين الامامية فلا يمكن سالالتزام بالبناء على الاقل. وبعبارة اخرى: مقتضى الصحيحة هو المضي في الصلاة التي كانت نافلة وعدم الاعتناء بالشك فيلاحظ المصلي ما هو صرفته فيبني عليه سواء كان هو الاقل أو الاكثر فربما يكون صرفته في البناء على الاكثر فله أن يبني عليه كما أنه إذا كان صرفته في البناء على الاقل له أن يبني عليه. وهذا المعنى خلاف التخيير بل معناه لزوم البناء على الاقل في صورة ولزوم البناء على الاكثر في صورة أخرى وظاهر المرسلة هو تعين البناء على الاقل مطلقا. ولكن بواسطة هذا الاجماع المحقق لابد وأن يرفع اليد عن ظهور كل واحد في تعين خصوص الاقل أو الاكثر أي يجمع بين الصحيحة والمرسلة هكذا. وربما يقال: بأن ظاهر الصحيحة هو التخيير لان ظاهر قوله عليه السلام ليس عليك شيء هو أنك لست ملزما بشئ فلو كان الواجب هو البناء على الاقل أو كان هو البناء على الاكثر فيلزم أن يكون عليه شيء وهو وجوب البناء على خصوص الاقل أو خصوص الاكثر فمقتضى نفي الشيء عليه هو التخيير. هذا ولكن الظاهر من نفي الشيء هو صلاة الاحتياط أو سجود السهو إن كان المراد من السهو خصوص النسيان أو الاعم منه ومن الشك. والتحقيق: هو أنه لو لم يكن هذا الاجماع لكان مقتضى قوله عليه السلام: لا سهو في النافلة - بناء على أن يكون المراد من السهو هو لشك - نفي حكم الشك الذي هو البطلان في الثنائية والثلاثية والبناء على الاكثر في الرباعية وبعد نفي هذين الاثنين فإما التخيير لو قلنا بعدم حجية الاستصحاب في الركعات كما أنه قيل أو البناء على الاقل بناء على حجيته. وأما خصوص البناء على الاكثر فلا يستفاد من هذه الرواية أصلا وأما الصحيحة

 

فقد عرفت أن ظاهرها هو البناء على الصرفة وأما المرسلة فقد عرفت أن ظاهرها تعين البناء على الاقل واما تعين البناء على الاكثر فليس له أثر في الاخبار إلا إذا كان فيه الصرفة. والانصاف: أنه لو لم يكن هذا الجماع على التخيير كان المتعين هو الاخذ بالصرفة الذى هو مفاد الصحيحة لان المرسلة وان كان لا ينكر ظهورها في تعين البناء على الاقل إلا أن مخالفتها للشهرة بل الاجماع المحقق توجبها ضعفا على ضعف، فلا يمكن الالتزام بمؤداها. وأما قوله عليه السلام في حسنة البختري لا سهو في النافلة فلا تعارض له مع مفاد الصحيحة أي الاخذ بالصرفة لانه في مقام ففي حكم الشك لا البناء على خصوص الاقل أو الاكثر ولكن هذا الاجماع المحقق على التخيير يمنع عن تعين الاخذ بالاقل أو الاكثر وان كان فيه الصرفة. وربما يقال: إن المراد من لا سهو في النافلة أو قوله عليه السلام ليس عليه شيء أي ليس عليه الاعادة - من جهة الحكم بالبطلان كما هو كذلك في جملة من موارد الشك في الفريضة التي حكم فيها ببطلان ما وقع الشك فيها كفريضة الصبح والمغرب أو الذي لا يدري أنه كم صلى - أو أنه ليس عليه جبر مع البناء على الاكثر أي يبني على الاكثر وليس عليه صلاة الاحتياط مثلا لو شك بين الواحد والاثنين فيبني على الاثنين بدون تدارك ما احتمل فوته أي الركعة الثانية بالركعة المنفصلة احتياطا كما أنه كان يجب الاحتياط في الفريضة. واحتمل أن الكليني قدس سره فهم - من صحيحة محمد بن مسلم - عن أحدهما قال: سألته عن السهو في النافلة ؟ قال عليه السلام: ليس عليه شيء أو في نسخة أخرى: ليس عليه سهو هذا المعنى أي ليس عليه الجبر بصلاة الاحتياط ويجب البناء على الاكثر فقط بخلاف الفريضة لان فيها الجبر ويجب فيها البناء على الاكثر أيضا.

 

فمفاد الصحيحة بناء على هذا هو أن النافلة والفريضة مشتركان في البناء على الاكثر والفرق بينهما هو أنه ليس في النافلة جبر ما احتمل نقصه بصلاة الاحتياط بخلاف الفريضة فان فيها الجبر وحيث فهم من الصحيحة هذا المعنى أي البناء على الاكثر مع عدم الجبر ذكر بعد ذلك تلك المرسلة التي تدل على البناء على الاقل كي يجمع بينهما وبين الصحيحة بارادة التخيير. ولكن أنت خبير بما في هذا الاحتمال من الضعف والخلل وقد عرفت أن الظاهر من الصحيحة هو البناء على الصرفة لان الظاهر من كلمة لا شيء عليه أي يمضي في صلاته بدون أن يكون عليه شيء من الاعادة أو الجبر بصلاة الاحتياط ولازم هذا المعنى هو الاخذ بالصرفة التي قلنا بها في معنى الحديث. الثاني: الاجماع وقد ادعاه جمع من الاعاظم كما في المعتبر 1 والرياض 2 والمصابيح والتهذيب 3 وعن مفتاح الكرامة نقلا عن الامالي أنه من دين الامامية 4 وعن الغنية والخلاف كما في الجواهر نقلا عنه حيث قال: لا سهو في النافلة وبه قال ابن سيرين وقال باقي الفقهاء: حكم النافلة حكم الفريضة فيما يوجب السهو دليلنا: إجماع الفرقة وأيضا الاصل البرائة فمن أوجب حكما فعليه الدليل واخبارنا في ذلك أكثر من أن تحصى 5. قد عرفت مرارا ما في الاستدلال بالاجماع في هذه الموارد فلا نعيد نعم هذه الاجماعات المدعاة في أمثال المقام توجب الوثوق بصدور الرواية التي مفادها مفاد هذه الاجماعات.

 

(هامش)

 

(1) المعتبر ج 2، ص 395. (2) الرياض ج 1، ص 222. (3) تهذيب الاحكام ج 2، ص 178، ذيل ح 713. (4) مفتاح الكرامة ج 3، ص 345. (5) جواهر الكلام ج 12، ص 424. (*)

 

الجهة الثانية في مفاد هذه القاعدة وبيان المراد منها فنقول: إن توضيح هذا المطلب يتوقف على بيان أمور: الاول: أن التخيير المدعى في المقام بين الاقل والاكثر من جهة الاجماع والقدر المتيقن منه هو أن لا يكون البناء على الاكثر موجبا لفساد الصلاة وذلك لانه بمناسبة الحكم والموضوع يفهم أن هذا الحكم - أي التخيير - توسعة في مقام امتثال النوافل ومن باب المسامحة فيها وان الاهتمام في حفظ النوافل وحدودها ليس مثل الاهتمام بالفرائض وحدودها وكذلك الاهتمام بفرض الله أزيد من الاهتمام بفرض النبي ويتسامح فيه بما لا يتسامح في فرض الله. وبعبارة اخرى: التخيير للتسهيل فهو ينافي ما إذا كان موجبا لبطلان العمل ولزوم الاعادة فظهر أن التخيير فيما إذا كان الشك بين الواحد والاثنين فيما إذا كانت النافلة ثنائية كما هو كذلك في أكثر النوافل أو كان بين الاثنين والثلاث كما في نافلة الوتر بناء على أن الشفع والوتر صلاة واحدة أو بين الثلاث والاربع كصلاة الاعرابي بناء على أنها أربع ركعات متصلة. والحاصل: أن لا يكون طرف الاكثر من شكه أزيد من الصلاة المشكوك فيها ففي مثل هذه الموارد مخير بين البناء على الاقل والاكثر لان البناء على كل واحد منهما لا ينافي مع صحة الصلاة فالقول بالتخيير مطلقا لا وجه له. واما إذا كان الشك بين الاثنين والثلاث فما زاد في الثنائية أو الثلاث والاربع فما زاد في الثلاثية أو الاربع والخمس فما زاد في الرباعية كل ذلك بعد إكمال السجدتين وفي حال الجلوس فليس له البناء على الاكثر بل يتعين عليه البناء على الاقل كي تكون صلاته صحيحة. وهذا معنى قوله عليه السلام: لا شيء عليه لانه بناء على هذا لا اعادة عليه ولا عليه

 

صلاة الاحتياط بل إن كان طرف الاقل آخر ركعة صلاته الصحيحة فيتشهد ويسلم وينصرف وان كان غيرها فيقوم ويأتي بالباقي ركعة أو ركعات متصلة - لا مثل صلاة الاحتياط منفصلة - ويتشهد ويسلم ولا يضر هاهنا زيادة ركعة أو ركعات واقعا كما كان مضرا في الفريضة وذلك لما ذكرنا من عدم اهتمام الشارع بحفظ حدود النوافل مثل اهتمامه بحفظ حدود الفرائض كل ذلك من جهة اختلاف المصالح الواقعية فيهما. الثاني: في أنه ما هو مقتضى الاصل لو شك في ثبوت هذا الحكم في مورد مثلا لو شك في النافلة المنذورة كما إذا نذر أن يصلي صلاة الليل أو صلاة جعفر وانه هل يشملها هذا الحكم أم لا ؟ ومعلوم أنه لو كان إطلاق لدليل إلغاء الشك في النافلة بحيث يشمل مورد الشك فلا تصل النوبة إلى الاصل العملي مطلقا تنزيليا كان أم غير تنزيلي لحكومة الاطلاقات اللفظية على الاصول العملية فان شك في شمول الاطلاقات لمورد ربما يتوهم الرجوع إلى استصحاب عدم تحقق الاكثر من طرفي الشك فتكون النتيجة البناء على الاقل ووجوب الاتيان بالباقي فمقتضى الاصل صحة الصلاة ووجوب إتيان ما يحتمل عدم الاتيان به من ركعات الصلاة المنذورة وهذا هو عين البناء على الاقل عملا. وفيه: أنه لا شك في أن الصلاة إما نافلة بمعنى أنها مصداق حقيقي لمفهوم النافلة واما ليست بنافلة والثاني إما رباعية أو غير رباعية فهذه ثلاثة أقسام. أما غير الرباعية سواء كانت ثنائية أو ثلاثية وكذلك الرباعية إذا كان الشك في تحقق الاوليين بمعنى أنه شك مثلا بين الواحد والاثنين ففي هذه الصور الثلاث الادلة تدل على بطلان الصلاة فلا مورد ولا مجال للاستصحاب. وأما إذا كان الشك في الرباعية في الاخيرتين بعد إكمال السجدتين من الركعة الثانية فالادلة تدل على وجوب البناء على الاكثر فأيضا لا يبقى مورد

 

للاستصحاب لحكومة تلك الادلة على الاستصحاب. وأما إذا كان الشك في النافلة فألغى الشك بحكم الشارع فلا يبقى مورد للاستصحاب في عدد الركعات مطلقا. وبعد ما ظهر لك أنه لا مجال للاستصحاب في عدد الركعات فنقول: إن أدلة الشكوك في الصلاة تدل على بطلان الصلاة في بعض الموارد وعلى البناء على الاكثر في بعض الموارد الاخر ودليل لا شك في النافلة خصص هذين الحكمين - أي البطلان في البعض والبناء على الاكثر في بعض آخر - بلسان الحكومة بغير النافلة أي أخرج النافلة عن تحت هذين الحكمين لكن لا بلسان التخصيص بل بلسان الحكومة. وحيث أن لفظ النافلة مجمل مفهوما في هذا المقام كما هو المفروض ولا يعلم أن المراد منه أن تكون نافلة بالذات وبالفعل - بمعنى أنها تكون نافلة بحسب الجعل الاولى ولم يطرأ عليها ما يوجب صيرورتها واجبة بالعرض كأمر السيد أو الوالدين أو بنذر أو حلف أو ما شابه ذلك - أو يكفي كونها نافلة بالعرض ولم تكن نافلة بالذات أو يكفي كونها نافلة بالذات ولو لم تكن نافلة بالفعل وصارت واجبا بالعرض ؟ وخلاصة الكلام: أنه إذا حصل الشك ولم يكن استظهار في البين فالمرجع هو العام لاجمال المخصص مفهوما كما هو محرر في الاصول والعام هاهنا أدلة الشكوك التي مفادها إما بطلان الصلاة إذا كانت ثنائية أو ثلاثية أو كانت في الركعتين الاوليين من الرباعية وإما البناء على الاكثر إن كانت الصلاة التي شك فيها رباعية وكان الشك بعد إكمال السجدتين من الركعة الثانية فلا تصل النوبة إلى الاصل العملي لحكومة الاطلاقات عليها. الثالث: ما هو الذي يستظهر من الادلة وهل نفي الشك عن النافلة يشمل

 

الاقسام الثلاثة للنافلة أو ظاهر في بعضها دون بعض ؟ فنقول: أما الاقسام الثلاثة: فالاول: هو أن تكون نفلا بالذات وبالفعل كصلاة الليل التي لم يطرأ عليها عنوان الوجوب بسبب من الاسباب وهذا هو القدر المتيقن من مورد النفي. والثاني: أن تكون نفلا بالذات ولكن صارت واجبة بالعرض. والثالث: أن تكون واجبة بالذات ولكن صارت نفلا بالعرض. وفي هذين القسمين - الاخيرين أي ما كان نفلا بالذات ولكن صار واجبا بالعرض أو كان واجبا بالذات ولكن صار نفلا بالعرض - وقع الخلاف وان المدار في هذا الحكم - أي عدم الاعتناء بالشك وإلغا - هل هو فعلية النفل وان كان عرضيا المدار فيه على كونها نفلا بالذات وان لم يكن نفلا فعلا أو المدار على اجتماع الامرين أي يكون نفلا بالذات وبالفعل ؟ اختار صاحب الجواهر قدس سره كونها نفلا بالذات وان صارت واجبة بالعرض 1 فبناء على قوله لو نذر أن يصلي صلاة جعفر حيث أنها بالذات نافلة لو شك مثلا بين الواحد والاثنين فيشمله قوله عليه السلام: ليس في النافلة سهو ويكون الشك ملغا ولا تكون باطلة. وقال آخرون: المدار على النافلة الفعلية سواء كانت بحسب الجعل الاولى أيضا نافلة أو لم تكن بل كانت فريضة بالذات ولكن طرأ عليها أمر صارت نافلة كصلاة العيدين في عصر عدم حضور الامام عليه السلام أو عدم بسط يده وكصلاة المعادة جماعة استحبابا أو كصلاة المعادة احتياطا استحبابيا ففي مثل هذه المذكورات لو حصل الشك ففي مورد البطلان - لو لا طرو هذا الاستحباب - لا تكون باطلة وفي مورد البناء على الاكثر يكون مخيرا لانه فعلا نافلة وظاهر الدليل هو نفي الشك عما هو

 

(هامش)

 

(1) جواهر الكلام ج 12، ص 427. (*)

 

نافلة فعلا. واستدل صاحب الجواهر قدس سره على ما اختاره 1 من أن المدار على كونه نفلا بالذات بوجهين: الاول: أن عنوان النافلة الذى جعل موضوعا لهذا الحكم اشارة إلى الذوات التي تكون بحسب الجعل الاولي نافلة وليس لو صف النفل مدخلية في الحكم والقول بانتفاء هذا الحكم عند انتفاء هذا الوصف استدلال بمفهوم الوصف وقد ثبت في محله عدم مفهوم للوصف خصوصا في الوصف الغالبي والوصف الذي ليس معتمدا على الموصوف كما في المقام لان قوله عليه السلام: ليس في النافلة سهو ليس من قبيل الوصف المعتمد على الموصوف وأيضا الوصف غالبي لان تلك الذوات غالبا متصفة بالنفل وقد يعرض عليها الوجوب بواسطة طرو عنوان آخر كالنذر أو أمر الوالدين أو الاجارة أو غير ذلك من موجبات الوجوب. وفيه: إننا لا نريد أن نستدل على نفي هذا الحكم - أي عدم الاعتناء بالشك عن النافلة التي طرأ عليها الوجوب - بمفهوم الوصف حتى تقول بأنه لا مفهوم للوصف خصوصا في الوصف الغالبي والوصف غير المعتمد على الموصوف بل نقول بأن ظاهر كل عنان أخذ موضوعا لحكم هو أن يكون ذلك العنوان فعليا لا أنه كان كذلك أو يكون فيما بعد. هذا مضافا إلى أنه ثبت في محله أن المشتق مجاز فيما انقضى عنه المبدأ فيصح سلب مفهوم النافلة عن النافلة التي طرأ عليها الوجوب فيكون من قبيل التفاء الحكم بانتفاء الموضوع لا من قبيل الاستدلال بالمفهوم. الثاني: الاستصحاب وبيانه أن صلاة جعفر مثلا قبل نذرها كان الشك فيها ملغا لا يعتنى به وبعد أن نذرها يشك في بقاء هذا الحكم فيستصحب وكذلك في العكس

 

(هامش)

 

(1) جواهر الكلام ج 12، ص 427 - 428. (*)

 

أي صلاة الظهر التي صلاها فرادى فيعيدها جماعة استحبابا نقول هذه الصلاة قبل أن تكون معادة كان الشك فيها أي في الركعتين الاخيرتين بعد إكمال السجدتين من الركعة الثانية موجبا للبناء على الاكثر وبعد أن طرأ عليها الاستحباب يشك في بقاء هذا الحكم فيستصحب. وفيه: بعد الاغماض عن عدم اتحاد القضيتين بحسب الموضوع حتى عرفا أن الاستصحاب فيما إذا لم يكن دليل اجتهادي في البين وهاهنا إطلاق دليل لا سهو في النافلة لو شمل النافلة بالعرض فلا يبقى مجال للاستصحاب كما أنه لو لم يشمل وكان مفهوم النافلة منصرفا عن مثل هذه الاستحبابات العرضية يكون مشمولا لاطلاقات أدلة البناء على الاكثر في بعض الموارد ولادلة البطلان في البعض الآخر وعلى كل حال لا يبقى مجال ومحل للاستصحاب. وخلاصة الكلام في المقام: هو أنه لابد وأن يرجع إلى العرف في تعيين مفهوم النافلة وانه عبارة عن النوافل الاصلية التي جعلها الشارع نافلة بعنوانه الاولي - ولو طرأ عليها عنوان الوجوب بعد ذلك لجهة اخرى وخرج عن كونه نافلة وصار واجبا بالعرض كما يدعيه صاحب الجواهر قدس سره - أو لا ؟ بل الظاهر والمتفاهم العرفي هو أن يكون بالفعل متلبسا بمبدأ الاشتقاق كما هو الحال في سائر المشتقات فان كل ذات كان متلبسا بمبدا الاشتقاق فاطلاق المشتق عليه حال تلبسه حقيقي سواء كان بحسب الجعل الاولي كذلك أو لم يكن. اللهم إلا أن يدعي الانصراف إلى النوافل الاصلية أو كان مفهوم النافلة عنوانا مشيرا إلى تلك النوافل الاصلية التي جعلها الشارع نافلة بعنوانها الاولي. أو يقال بأن مفهوم النافلة غير مفهوم المستحب فان مفهوم المستحب مقابل مفهوم الواجب فان الواجب هو المطلوب الذي لم يرخص الشارع في تركه والمستحب هو المطلوب الذي رخص في تركه واما مفهوم النافلة عبارة عن الافعال التي لها - بعناوينها الاولية - ملاكات ومصالح غير ملزمة فبناء على هذا إطلاق

 

النافلة على هذه المستحبات التي صارت مطلوبة بواسطة طرو بعض العناوين عليها غير صحيح. ولكن أنت خبير بأن هذه الدعاوي كلها خالية عن البينة والبرهان بل ظاهر اللفظ هو أن يكون مستحبا فعلا خصوصا بمناسبة الحكم والموضوع لان عدم الاعتناء بالشك والمسامحة يناسب المستحب الذي يسامح فيه بأشياء لا يسامح في الواجب كما أنه لم يعتبر القيام والسورة والاستقبال والاستقرار وغير ذلك. فالاولى أن يقال: أن في ثبوت هذا الحكم - أي إلغاء الشك وعدم الاعتناء به - لابد من اجتماع كلا الامرين: أي يكون نافلة في الاصل أي بالذات وبالفعل أيضا أي لم يطرأ عليه الوجوب. أما لزوم كونها بالفعل نافلة ولم يطرأ عليه لما عرفت من أن ظاهر كل عنوان أخذ موضوعا للحكم هو أن يكون بالفعل كذلك أي متصفا بذلك العنوان واما ما يصح سلبه عنه ومع ذلك يكون موضوعا فهو في غاية الركاكة فموضوع هذا الحكم في لسان الدليل هو عنوان النافلة فقوله عليه السلام: ليس في النافلة سهو شموله لما ليس بنافلة فعلا وما يصح سلب هذا المفهوم عنه في غاية البعد فلابد في شموله من كونه نافلة بالفعل. وأما لزوم كونها نافلة في الاصل وبالذات فمن جهة الشك في شمول قوله عليه السلام: ليس في النافلة سهو للفريضة التي طرأ عليها النفل لاحتمال أن يكون عنوان النافلة في الرواية عنوانا مشيرا إلى تلك النوافل الاصلية التي بالذات - أي بعنوانها الاولي - جعلها الشارع نافلة وهذا الاحتمال يكون موجبا لعدم ظهور لفظ النافلة في مطلق النافلة سواء كان نفلها بالذات أو بالعرض فإذا سقطت هذه الرواية عن ظهورها في الاطلاق لاجل هذا الاحتمال يكون المرجع عموم أو إطلاق أدلة البناء على الاكثر في بعض الموارد أو أدلة بطلان الصلاة بالشك في بعض الموارد الاخر ولا تصل النوبة

 

إلى الاستصحاب وذلك لحكومة الاطلاقات والعمومات التي هي أمارة على الاستصحاب وقد تقدم تفصيل ذلك. وخلاصة الكلام: أن ثبوت هذا الحكم أي التخيير بين البناء على الاقل والاكثر وإلغاء الشك وعدم الاعتناء به مختص بما إذا كانت الصلاة التي وقع الشك فيها نافلة بالفعل وبالذات وأما إذا كانت نافلة بالذات وطرأ عليها الوجوب كالنافلة المنذورة أو كانت فريضة بالذات ولكن طرأ عليها النفل كالمعادة جماعة بعد ما أتى بها فرادى فلا يشملهما هذا الحكم. ثم إنهم ذكروا أمثلة وموارد للنفل بالذات والنفل بالعرض وكذلك للفرض بالذات والفرض بالعرض لا يخلو بعضها عن المناقشة والخلط فها نحن نذكرها لتميز الصحيح منها عن غير الصحيح. وبعد ما عرفت واقع الامر تعرف أن حكمهم بعدم الاعتناء بالشك والتخيير بين الاقل والاكثر في بعض الموارد والامثلة وكذلك حكمهم بالاعتناء بالشك والبطلان أو البناء على الاكثر في بعض الموارد والامثلة الاخر لا وجه له بل خلط واشتباه. فمن القسم الاول: وقولهم بجريان حكم النفل - أي عدم الاعتناء بالشك والتخيير بين الاقل والاكثر - هو صلاة الطواف لمن اعتمر استحبابا يزعم أن الصلاة فيها نفل بالذات عرض عليها الفرض. وهذا الزعم باطل لان صلاة الطواف في العمرة المستحبة ليس مستحبة كي يقال بأنها نافلة طرأ عليها الفرض بل هي واجبة فيها وان كانت العمرة في أصل شروعها مستحبة ولكنه حيث يجب إتمامها بعد أن دخل فيها استحبابا فكل فعل يصدر من المعتمر بعد الشروع فيها يقع بصفة الوجوب فصلاة الطواف فيها بهذا القيد - أي بعد الشروع فيها وان كان أصل الشروع فيها غير واجب - تكون أزلا وأبدا واجبة ولم تكن في آن من الآنات نفلا كي يقال بأنها نفل بالذات عرض عليها الوجوب بل هي

 

فريضة بالذات دائما. ومن القسم الثاني: صلاة العيدين في عصر الغيبة حيث أنهم يقولون بأنها كانتا فريضتين بالذات فصارتا بواسطة غيبة الامام - عجل الله تعالى فرجه - نافلة بالعرض فبناء على كون المدار في ثبوت هذا الحكم وعدمه هو النفل والفرض الاصلي وان تغيرا بالعرض بواسطة طرو عنوان عليهما يقولون بالاعتناء بالشك فيهما لانهما بالذات من الفرائض فيحكمون ببطلانهما بوقوع الشك فيهما لانهما ثنائية. ولكن أنت خبير بأن الاحكام تابعة للمصالح والمفاسد وهي تختلف بحسب اختلاف الحالات فيمكن أن تكون لصلاة العيدين في حال الحضور مصلحة ملزمة وفي حال الغيبة لا تكون مصلحتهما ملزمة فيكون من قبيل التنويع فنوع منها - أي في حال الحضور - واجب بالذات ونوع آخر منها - أي في حال الغيبة - تكون نافلة بالذات فيكون الحكم فيهما في حال الغيبة هو التخيير بين البناء على الاقل أو الاكثر لانهما في هذا الحال نافلتين بالذات. وكذلك نقول في عبادة الصبي - بناء على شرعيتها - أنها نافلة بالاصل وليس مما هو واجب بالاصل فصار نافلة بالعرض لما ذكرنا من اختلاف المصالح والمفاسد باختلاف الحالات بل الازمنة وأيضا بطرو العناوين للافعال كالقيام بعنوان تعظيم المؤمن له مصلحة وبعنوان اهانته والاستهزاء به يصير ذا مفسدة فصلاة الظهر مثلا في حال الكبر لها مصلحة ملزمة وتكون واجبة وفي حال الصغر ليست لها مصلحة ملزمة ولذا لا تكون واجبة فانها في تلك الحال إما ليس لها مصلحة أصلا فلا تكون عبادته شرعية وهذا مبنى القول بعدم شرعية عبادات الصبي وإما لها مصلحة ولكن ليست ملزمة فتكون نفلا وهذا مبنى القول بمشروعيتها. وعلى كل حال: بناء على شرعية عباداته تكون عباداته نفلا بالذات وبالاصل لا أن صلاة الظهر مثلا كانت واجبة بالاصل مطلقا فصارت بواسطة الصغر نفلا

 

بالعرض. وهذا ليس بأولى من أن يقال: كانت صلاة الظهر نفلا بالذات فلما وصل إلى حد البلوغ صارت فرضا بالعرض. نعم فيما إذا كان فعل في حد نفسه وبعنوانه الاولي له مصلحة غير الملزمة أو الملزمة فصار بعنوان ثانوي ما ليس له مصلحة ملزمة ذا مصلحة ملزمة أو بالعكس صح أن يقال في الاول كان نفلا بالذات فصار فرضا بالعرض كصلاة الليل أو صلاة جعفر حيث أنها بعنوانها الاولي ليست لها مصلحة ملزمة من أي شخص وفي أي زمان أو مكان كانت ولكن لما تعنونت بعنوان الحلف أو النذر أو العهد تصير ذا مصلحة ملزمة فيصح أن يقال كانت صلاة الليل أو صلاة جعفر مثلا أو سائر النوافل نفلا بالذات وبالاصل وبواسطة النذر أو العهد أو الحلف صارت فرضا بالعرض وصح أن يقال في الثاني - أي فيما له المصلحة الملزمة - كانت فرضا بالذات فصار نفلا بالعرض. ولكن ليس من هذا القبيل صلاة المعادة جماعة لمن صلاها فرادى وذلك من جهة أن المعادة أيضا فرض مثل المبتدئة فرادى ولذلك يجب عليه أن ينوي أنه يريد أن يأتي بما هو واجب عليه أي بالصلاة الواجبة غاية الامر بمصداق آخر لتلك الطبيعة التي تعلق بها الامر الوجوبي فيختار الله أحبهما إليه. وكذلك الامر في صلاة المتبرع بها عن الغير فليست من الفرض الذي عرض له النفل بل المتبرع يأتي بما هو واجب على غيره ولذلك يجب عليه أن يأتي بها بقصد الامر الوجوبي المتوجه إلى ذلك الغير في حياته ولم يمتثله قصورا أو تقصيرا. وكذلك النوافل المستأجرة عليها ليست من النفل الذي عرض عليها الفرض بواسطة الاجارة بل هي باقية على نفليتها حتى بعد الاجارة والامر الذي يأتي من قبل الاجارة وان كان أمرا وجوبيا - أي يجب على المستأجر إتيان ما هو متعلق

 

الاجارة - ولكن ذلك الامر الوجوبي لم يتعلق بالصلاة بعنوان كونها صلاة، مثلا لو استأجر على صلاة جعفر فليس الامر الآتي من قبل هذه الاجارة متعلقا بصلاة جعفر بعنوان صلاة جعفر بل هي باقية على استحبابه وانما الامر الوجوبي الآتي من قبل الاجارة متعلق بالوفاء بهذا العقد. وان شئت قلت: إن المستأجر ملك على ذمة الاجير هذا العمل ويجب على الاجير تسليم ما ملكه المستأجر في ذمته إليه. وربما يقال في النفل المنذور أيضا إن لله تعالى بواسطة النذر يتعلق حق بالمنذور فيجب على الناذر إيصال ذلك الحق إليه تبارك وتعالى بالوفاء بنذره ولا تجب نفس الصلاة المنذورة. ولكن ما ذكرنا في باب النذر والحلف والعهد هو الصحيح وهو أن هذه الامور عناوين ثانوية توجب تغيير المصلحة في نفس الفعل فيطرأ عليه الوجوب ولذلك لو نذر إتيان مستحب عبادي فهناك يتعلق بذلك الفعل أمران: أحدهما: واجب توصلي وهو الامر الذي يأتي من قبل النذر والآخر: مستحب تعبدي وكل واحد من الامرين يكتسب لونا من الآخر ويتحدان فالامر الاستحبابي العبادي يكتسب الوجوب من الامر النذري والامر النذري يكتسب العبادية من الامر الاستحبابي العبادي. والنتيجة: أنه بعد كسب كل واحد منهما من الآخر ما قلنا يكون الفعل واجبا عباديا. والسر في ذلك: أن الامر النذري يتعلق بعين ما تعلق به الامر الندبي ويكون الامران وعرضيين لا طولية بينهما فقهرا يتحدان وإلا يلزم اجتماع الضدين أي الوجوب والاستحباب. وبعبارة اخرى: الامر الندبي يلغي حده الاستحبابي ويتلبس حد الوجوبي والامر

 

الوجوبي حيث توصلي يكتسب لون التعبدي من الامر الندبي فتصير النتيجة هو أن يكون الفعل واجبا تعبديا فهيهنا من الموارد التي يطرأ الوجوب على النفل الاصلي. وأما أمر السيد عبده باتيان صلاة النافلة أو أمر أحد الوالدين بها أو الاستئجار عليها فليس من هذا القبيل. بيان ذلك: أن متعلق الوجوب في هذه الامور ليس ذات العمل بل متعلق الوجوب في أمر الوالدين وأمر السيد هو عنوان الاطاعة أو في أمر الوالدين ليس وجوب في البين بل يحرم مخالفتهما - أي العقوق - وعلى كل حال تحصل الاطاعة أو يمتثل حرمة المخالفة باتيان ذلك المستحب الذي أمر كل واحد من السيد والوالدين به ولم يتعلق أمر من قبل الله تبارك وتعالى بذات العمل لا ابتداء ولا من قبل أمر هؤلاء. فالنفل الاصلي باق على ما كان ولم يطرأ عليه وجوب أصلا وكذلك في باب الاجارة المأمور به هو الوفاء بعقد الاجارة والوفاء يتحقق باتيان هذا العمل المستحب. هذا ما ذكره شيخنا الاستاذ قدس سرس سره وان الامر الآتي من قبل أمر الوالدين أو من قبل الاجارة في طول الامر الندبي المتعلق بذات العمل وان الامر الآتي من قبل النذر في عرض الامر الندبي المتعلق بذات العمل ففي مورد النذر يطرأ الوجوب على ما هو نافلة بالاصل دون هذه الموارد الثلاث أي أمر السيد وأمر الوالدين وأمر الآتي من قبل الاجارة 1. ولكن أنت خبير بأن الفرق لا يخلو من مناقشة بل تحكم وخلاصة الكلام أن الامر الآتي من قبل هذه الامور لم يتعلق بالفعل بعنوان أنها صلاة بل بعنوان الوفاء بالعقد أو العهد أو النذر أو الاطاعة كل في مورده وهذه العناوين أجنبية عن الصلاة.

 

(هامش)

 

(1) كتاب الصلاة ج 3، ص 187. (*)

 

فالانصاف أن الصغرى لهاتين الكبريين - أي النفل الاصلي الذي طرأ عليه الفرض أو بالعكس - إما لا توجد أو في غاية القلة فهذا البحث - أي أن موضوع هذا الحكم هل هو اجتماع الامرين أي يكون نفلا ذاتا وبالفعل أو يكفي كونها ذاتا وان لم يكن بالفعل أو يكفي كونها نفلا بالفعل وان لم يكن كذلك ذاتا - قليل الجدوى أو لا جدوى فيه أصلا. الرابع: الظاهر أن هذا الحكم - أي عدم الاعتناء بالشك وإلغائه في النافلة - فيما إذا كان في عدد الركعات لا فيما إذا تعلق الشك بأفعال الصلاة، فلو شك في أنه كبر تكبيرة الافتتاح أو قرأ فاتحة الكتاب أو ركع أو سجد أو تشهد أو سلم أو لا فحال النافلة من هذه الجهة حال الفريضة فإذا كان شكه قبل تجاوز المحل يأتي به لاصالة عدم الاتيان به. وإذا كان بعد تجاوز المحل فيمضي لقاعدة التجاوز. وذلك من جهة أن المراد بالسهو في قوله عليه السلام: ليس في النافلة سهو هو خصوص الشك من جهة وحدة السياق مع سائر الفقرات التي في الرواية والرفع تعبدي لان الرفع التكويني أولا ليس من وظيفة الشارع في عالم التشريع وثانيا رفع التكويني يحتاج إلى أسباب تكوينية ولا يتحقق بصرف النفي كما أنه لم يتحقق وموجود كثيرا والرفع التشريعي مرجعه إلى رفع الآثار الشرعية التي للشئ. والآثار الشرعية للشك المجعولة له من قبل الشارع هو البطلان لو كان الشك في الثنائية أو الثلاثية أو كان في الرباعية ولكن في الاوليين قبل إكمال السجدتين أو البناء على الاكثر لو كان في الرباعية بعد إكمال السجدتين من الركعة الثانية منها وكلا الامرين في الشك في عدد الركعات ولا ربط لهما بالشك في أفعال الصلاة ولم يجعل الشارع للشك في أفعال الصلاة إذا كان الشك في المحل حكم كي يرفع بقوله ليس في النافلة سهو بل وجوب إتيانه لاصالة العدم ولو لم تكن أصالة العدم لكان وجوب الاتيان بمقتضى قاعدة الشغل.

 

وأما إذا كان بعد التجاوز عن المحل فحينئذ وان حكم الشارع بعدم الاعتناء والمضي فيها ولكن ارتفاع هذا الحكم معناه الاعتناء بالشك فيكون نقيض ما هو المراد من القاعدة لان الظاهر من القاعدة بمناسبة الحكم والموضوع هو المسامحة والتسهيل وعدم الاهتمام بحفظ حدود النافلة كثيرا مثل الاهتمام بالواجبات والفرائض وإلغاء الشك وفرضه كالعدم فيها فرفع حكم عدم الاعتناء بالشك إذا كان بعد التجاوز عن المحل معناه عدم إلغائه والاعتناء به وهذا نقيض ما يستفاد من ظاهر هذه القاعدة فاتضح عدم شمول هذه القاعدة للشك في الافعال. الخامس: لا فرق في جريان هذا الحكم - أي عدم الاعتناء بالشك ورفع حكمه من الابطال أو تعين البناء على الاكثر وتدارك ما احتمل نقصانه بصلاة الاحتياط أي بالركعة أو الركعات المنفصلة والتخيير - بين أن تكون صلاة النافلة ثنائية - كما هو الغالب بل دائما إلا في موردين - وبين أن تكون ثلاثية أو رباعية. أما النافلة الثلاثية كصلاة الوتر بناء على أن الشفع والوتر صلاة واحدة وليس بينهما تسليم بل يقوم بعد أن تشهد في الثانية ويأتي بالوتر والشاهد على ذلك بعض الروايات الذي مفاده أن القنوت في الوتر في الثالثة. وأما النافلة الرباعية فكصلاة الاعرابي مثلا فلو شك فيها بين الاثنين والثلاث أو الثلاث والاربع أو غير ذلك من الاقسام الشك المتصور فيها فهو مخير بين البناء على الاكثر أو الاقل فكذلك في صلاة الوتر لو شك بين ما هو الاقل وبين ما هو الاكثر فهو مخير بين الاقل والاكثر. ولكن تقدم أن هذا التخيير فيما إذا لم يكن البناء على الاكثر موجبا لبطلانه وإلا ليس له التخيير وكذلك إذا شك في الثنائية التي كونها نافلة هو الغالب بل وكذلك لو شك في الوتر بناء على أنها ركعة واحدة فلو شك في أنه أتى بالوتر ركعة واحدة أو اثنتين لم تبطل صلاته ولكن ليس له هاهنا التخيير بل يتعين عليه البناء على الاقل

 

لان البناء على الاكثر موجب لفساده وبطلانه. ودليل عدم الفرق بين أقسام الثلاثة من النافلة إطلاق قوله عليه السلام ليس في النافلة سهو فيشمل باطلاقه النافلة مطلقا ثنائية كانت أو ثلاثية أو رباعية وليس مقيدا يقيده أو يخصصه بقسم خاص منها. نعم روى الشيخ قدس سره في الصحيح عن العلا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الرجل يشك في الفجر ؟ قال: يعيد . قلت: المغرب ؟ قال: نعم والوتر والجمعة من غير أن أسأله 1. وعن الخصال في حديث الاربعمائة قال: لا يكون السهو في الخمس: في الوتر والجمعة والركعتين الاوليين من كل صلاة مكتوبة وفي الصبح والمغرب 2. وظاهر الصحيح أنه تجب إعادة الوتر إذا شك فيه كما أن ظاهر رواية الخصال أيضا ذلك من باب وحدة السياق، لان المراد من نفي السهو في غير الوتر من الاربعة التي يذكره بعده هو البطلان فلابد وان يكون المراد من نفي السهو في الوتر أيضا هو البطلان بحكم وحدة السياق. وقد يقال في توجيه الروايتين - بناء على قول المشهور من عدم بطلان الوتر - بأنهما منزلان على الغالب وهو أن يكون في أصل وجود الوتر لا الشك في عدد ركعاته. وهو توجيه بعيد خصوصا بملاحظة وحدة السياق وقد حمل صاحب الوسائل إعادة الوتر مع الشك في الصحيح على الاستحباب وهو حسن. السادس: في أن هذا الحكم - أي عدم الاعتناء بالشك في عدد الركعات والمضي في الصلاة وكونه مخيرا بين البناء على الاقل أو الاكثر - هل يختص بالشك أم يجري في

 

(هامش)

 

(1) تهذيب الاحكام ج 2، ص 180، ح 722، باب أحكام السهو في الصلاة...، ح 23، الاستبصار ج 1، ص 366، ح 1395، باب الشك في فريضة الغداة، ح 6. (2) الخصال ص 828، أبواب الثمانين وما فوقه. (*)

 

نسيان الركعة أو نسيان فعل من أفعال الصلاة ؟ فيكون المراد من السهو هو الغفلة كي يكون أعم من الشك والنسيان كما احتمله الوحيد البهبهاني قدس سره في قوله عليه السلام ليس سهو في النافلة 1 فرفع النسيان ونفيه تشريعا عبارة عن عدم ترتب الاثر على النسيان فيكون نفيه عبارة عن عدم بطلانها بالنسيان ونتيجته عدم لزوم الاعادة وان كان المنسي ركنا من الاركان ؟ أقول: بعد ما عرفت أن المراد من السهو بقرينة وحدة السياق هو الشك - لا خصوص النسيان ولا الاعم منه ومن الشك - فلا وجه لاسراء هذا الحكم إلى النسيان. وأما القول بأن مناط هذا الحكم في باب الشك - أي المسامحة والتسهيل في أمر النافلة - موجود في النسيان أيضا فهو أشبه بالقياس ما لم يكن مدلولا لدليل لفظي. السابع: يغتفر زيادة الركن في النافلة. ويدل عليه خبر الحلبي: سألته عن الرجل سهى في ركعتين من النافلة فلم يجلس بينهما حتى قام فركع في الثالثة ؟ قال عليه السلام: يدع ركعة ويجلس ويتشهد ويسلم ثم يستأنف الصلاة 2. وخبر الصيقل عن الصادق عليه السلام في الرجل يصلي الركعتين من الوتر ثم يقوم فينسى التشهد حتى يركع ويذكر وهو راكع ؟ قال: يجلس من ركوعه فيتشهد ثم يقوم فيتم قال: قلت: أليس قلت في الفريضة إذا ذكره بعد ما يركع مضى ثم يسجد سجدتين بعد ما ينصرف فيتشهد فيهما ؟ قال عليه السلام: ليس النافلة مثل الفريضة 3. هذا ما قيل.

 

(هامش)

 

(1) لم نجد هذه العبارة في الكتب الروائية والموجود هكذا: سألته عن السهو في النافلة فقال ليس عليك شيء . الكافي ج 3، ص 359، ح 6، التهذيب ج 2، ص 343، ح 10، باب 13، وسائل الشيعة ج 5، ص 331، ابواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 18، ح 1. (2) تهذيب الاحكام ج 2، ص 189، ح 750، باب أحكام السهو في الصلاة..، ح 51، وسائل الشيعة ج 5، ص 331، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 18، ح 4. (3) الكافي ج 3، ص 448، باب صلاة النوافل، ح 22، تهذيب الاحكام ج 2، ص 189، ح 751، باب أحكام (*)

 

ولكن أن خبير بأن ظاهر خبر الحلبي أنه يريد أن يأتي بنافلة الظهر مثلا ثمانية ركعات ركعتين ركعتين وبعد كل ركعتين يجلس ويتشهد ويسلم ثم يقوم ويشرع في الركعتين الاخريين وهكذا يجلس ويتشهد ويسلم ثم يقوم في الركعتين الآخريين حتى يتم الصلاة أي نافلة الظهر التي هي ثماني ركعات فعلى هذا لم يزد ركنا في النافلة وانما أبطل صلاته الثاني لعدم إتمام الاول فالمراد بقوله عليه السلام ثم يستأنف الصلاة أي الصلاة الثانية من النافلة. وبعبارة أخرى: نافلة الظهر مثلا عبارة عن أربع صلوات كل واحدة منها ركعتين مثل فريضة الصبح أو نافلته فإذا سهى أي نسى التشهد والتسليم من إحديهما وقام للصلاة الاخرى وكبر وقرأ وركع ثم بعد أن ذكر بعد الركوع فيقول عليه السلام: يجلس ويتشهد ويسلم ثم يستأنف أي يشتغل بصلاة أخرى من تلك الصلوات الاربع التي هي نافلة الظهر فلم يزد في النافلة شيء لانه دخل في صلاة أخرى لنسيان التشهد والتسليم لا أنه مثلا كبر وقرأ وركع بعنوان أنه في الركعتين الاوليين من النافلة حتى تكون زيادة الركن فيها وتكون مغتفرة. والشاهد على ذلك أن قوله: فلم يجلس بينهما ليس المراد من ضمير التثنية هو الركعتين أي عدم الجلوس بين نفس الركعتين حتى يكون معناه عدم الجلوس بين الركعة الاولى والثانية إذ لا ارتباط بين عدم الجلوس بين نفس الركعتين والقيام للثالثة. فالمراد من بينهما أي بين الركعتين الاوليين وبين الركعتين الثانيتين أي النافلتين وحينئذ يكون الامر كما وجهنا أي ليس ما زاد على الركعتين زيادة فيها بل من جهة شروعه في نافلة أخرى لنسيان التشهد والتسليم في النافلة الاولى فلا ربط لهذه الرواية باغتفار زيادة الركن في النافلة. * (هامش) * السهو في الصلاة...، ح 52، وسائل الشيعة ج 4، ص 997، أبواب التشهد، باب 8، ح 1. (*)

 

اللهم إلا أن يقال: إن ظاهر قوله: حتى قام فركع في الثالثة أي بدون تكبيرة الاحرام وبعنوان أنه يأتي بتتمة النافلة التي كان مشغولا بها وسها عن أن هذه هي الركعة الثالثة بل يأتي بها بزعم أنها الثانية ثم بعد أن ركع التفت بأنها ثالثة فقوله عليه السلام: يجلس ويتشهد ويسلم صريح في أن زيادة الركوع ليس بمضر. نعم هذه الرواية لا تدل على أن زيادة غير الركوع من سائر الاركان أيضا ليس بمضر إلا على سبيل القياس الباطل وأيضا لا تدل على عدم بطلان النافلة بنقيصة الاركان بطريق أولي. وأما خبر الصيقل: فعلى تقدير انفصال صلاة الوتر عن الشفع - كما هو المعروف - وكونهما صلاتين مستقلتين فلا يدل على المطلوب. لان معنى قوله: ثم يقوم فينسى التشهد حتى يركع ويذكر وهو راكع اشتغاله بصلاة الوتر بزعم إتمام صلاة الشفع لنسيانه التشهد والتسليم ثم تذكر بعد أن ركع للوتر فقوله عليه السلام: يجلس من ركوعه - إلى آخر ما قال عليه السلام - معناه أنه يرفع اليد عن الوتر ويتم الشفع ثم يقوم ويتم الوتر فلم تقع زيادة في نافلة الشفع ولا في نافلة الوتر لانه يرفع اليد عن المقدار الذي أتى بنافلة الوتر ويأتي بالتشهد والتسليم لاتمام الشفع ثم يأتي بالوتر من أوله ويستأنف أو يبني على ما أتى وعلى كل حال لم يأت بزيادة لا في الشفع ولا في الوتر. وأما لو قلنا بأنهما - أي الشفع والوتر - صلاة واحدة ولابد أن يأتي بالوتر متصلة فلا محالة يكون من زيادة الركوع في النافلة كما هو واضح. ويشهد على ذلك أيضا قوله عليه السلام: ليس النافلة كالفريضة بعد سؤال الراوي وقوله: أليس قلت في الفريضة إذا ذكر بعد ما يركع مضى ثم يسجد سجدتين بعد ما ينصرف فيتشهد فيهما . فكلامه قدس سره يدل على أن زيادة الركوع في الفريضة توجب بطلان الصلاة ولذلك بعد أن دخل في الركوع ليس له أن يرجع ويتشهد أي يرجع ويأتي بالمنسي لانه بعد

 

أن أتى بالتشهد المنسي إما أن يأتي بما بعده مما أتى به وقت النسيان واما أن لا يأتي ففي الصورة الاولى يلزم زيادة الركوع الذي هو ركن وفي الصورة الثانية يلزم ترك جملة من أجزاء الصلاة عمدا وفيها الركن أعني الركوع. وأما في النافلة وان لزم أيضا من إتيان المنسي زيادة الركوع الذي هو ركن ولكن يفهم من هذه الرواية أن زيادة الركوع في النافلة ليس بمضر. ثم إن المذكور في الروايتين وان كان زيادة الركوع من جهة نسيان التشهد فهل يشمل لو كانت الزيادة في غير الركوع من الاركان ؟ لا يخلو من إشكال. وأيضا هل يشمل ما إذا كان المنسي إبتداء هو نفس الركوع مثلا في الركعة السابقة فيرجع ويأتي به ثم يأتي بما بعده وفيه الركوع ؟ والانصاف أنه لا يخلو من إشكال وان كان التعليل بعدم كون النافلة كالفريضة يشعر بشمول كلتا الصورتين أيضا نعم لا يشمل النقيصة قطعا. الثامن: أنه لا تجب سجدتا السهو في النافلة إذا طرأ عليها ما يوجبهما في الفريضة ولا القضاء فيما فيه القضاء في الفريضة كنسيان السجدة والتشهد في النافلة وذلك لاختصاص دليلها أي دليل القضاء بالفريضة اليومية فلا تجب في سائر الواجبات فضلا عن النافلة وان شئت راجع أخبار الباب فان موردها فريضة اليومية وليس لها إطلاق يتمسك به لوجوب القضاء في غير الفريضة اليومية. الجهة الثالثة في نسبة القاعدة مع الادلة الاولية التي دلت على ثبوت أحكام للشك وفي موارد تطبيقها أما الاول: فدليل هذه القاعدة أي قوله عليه السلام: ليس في النافلة سهو له حكومة

 

على الادلة التي مفادها بيان حكم الشك في عدد ركعات الصلاة والحكومة هاهنا حكومة واقعية في جانب الموضوع بالتضييق وقد شرحنا الحكومة وأقسامها الثمانية في كتابنا منتهى الاصول 1 وإن شئت فراجع وذلك من جهة أن الشك جعل موضوعا للبناء على الاكثر في الصلوات الرباعية إذا كان في الركعتين الاخيرتين منها أو جعل موضوعا للبطلان في الثنائية والثلاثية أو في الرباعية إن كان قبل إكمال السجدتين من الركعة الثانية فدليل هذه القاعدة - الذي هو عبارة عن قوله عليه السلام: ليس في النافلة سهو أي الشك - يرفع الشك تعبدا وهذا معنى تضييق الموضوع تعبدا. وأما الثاني: أي موارد تطبيق هذه القاعدة: فقد عرفت كثيرا منها ولا يحتاج إلى ذكرها واعادتها وبطور الاجمال: إذا كان الشك في عدد ركعات النافلة أي نافلة كانت ثنائية أو ثلاثية أو رباعية مخير بين البناء على الاقل والاكثر إلا إذا كان البناء على الاكثر موجبا لبطلانها فيتعين البناء على الاقل. والحمد لله أولا وآخرا وباطنا.

 

(هامش)

 

(1) منتهى الاصول ج 2، ص 535. (*)