العَهد الاُموي

العَهد الاُموي

بنو اُمية في عهد عثمان:

أتاح القدر لبني اُميّة فرصة نادرة، إذ انتخب عثمان(4) خليفة للمسلمين بعد عمر بن الخطاب، فأصبح زعيم الاُمة وربّ دستها المطاع، وأميرها المسلّط وخليفة صاحب الرسالة، وبذلك برقت لهم الآمال من بين ظلمات اليأس، وتنشّقوا روائح الراحة فتعلّقوا بعرى الفوز، وطلع فجر ليلهم الذي باتوا ينشدون فيه أملهم الضائع ويأسفون لحزبهم الفاشل.

بعد أن خاب كلّ أمل في نيل بغيتهم لإعادة ذلك الحزب المنحلّ، والمنهزم في ميدان المعارضة للحقّ.

ولكنّ الأقدار تجري بين عشيّة وضحاها لامتحان الخلق وغربلة الناس، فإذا بهم يسوسون الاُمّة ويتلاعبون بالإمرة.

ولسنا بصدد البحث عن حوادث عهد الخليفة عثمان، وما فيه من بلاء ومحن وما لقي المسلمون من أبناء أبيه.

عندما أصبح مروان بن الحكم(5) أميناً عاماً ووزيراً خاصاً للخليفة الجديد، يحبى بالأموال ويختصّ بخمس الغنائم ويتنعم بأموال الاُمة بعد ذلك الشقاء، ويتقلّب بأحضان الراحة بعد العناء.

والأغيلمة الذين على أيديهم هلاك الاُمة، يتولون الحكم ويتلاعبون بالإمرة كتلاعب الغلمان بالكرة، وينزون على منبر رسول اللّه نزو القردة(6).

فلنترك ذلك العهد وما فيه من أحداث وحوادث، ولا نناقش ذلك الانتخاب الذي فاز فيه عثمان ، لا بسابقة في الإسلام، ولا قرابة في رحم، وما هو بأولى من علي(عليه السلام) لو كان هناك انتخاب حرّ ومقاييس صحيحة.

نعم لا نريد أن نتعرّض لما خلّفته تلك الأحداث من آثار مؤلمة، وأوضاع شاذة ممّا دعا أصحاب النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى مقاطعة الخليفة، عندما أصبحت مقاليد الحكم بيد بني أبيه، فعمّ الاستياء جميع الأقطار الإسلامية ممّا أدى إلى قيام ثورة مخضت عن قتل عثمان في داره، ومبايعة علي(عليه السلام) وانتصار معاوية بعد قتله وقد خذله في حياته.

عليّ(عليه السلام) ومبايعة معاوية لطلحة والزبير

وجد معاوية(7) نفسه بدائرة ضيّقة بعد قتل عثمان ومبايعة علي بالخلافة، أيعلن معارضة علي؟ ـ وقد عقدت بيعته على أكمل وجه وناصره أصحاب محمد(صلى الله عليه وآله وسلم). والقلوب تغلي على بني اُمية ـ ، أم يدخل فيما دخل فيه الناس كارهاً ـ كدخوله في الإسلام هو وأبوه من قبل ـ، وهو لا يجهل مكانة عليّ ومنزلته في الإسلام، فهو أوّل القوم إسلاماً وأقدمهم إيماناً وأفضل الناس بعد رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)وأقربهم منه.

وعلي قد طبعت نفسه على العدل لا تأخذه في اللّه لومة لائم، ولا يستطيع معاوية أن يعمل في عهد علي عمله الذي يحاول به نجاح مهماته، وتأبى نفس معاوية أن ترضخ للعدل، وتستسلم للواقع، لأ نّه يعرف علياً وسيرته وخشونته في الأمر.

وعلي يعرف معاوية، وعلى أيّ طابع طبعت نفسه، وهو أدرى بحركاته وما يهدف إليه في دهائه الذي استطاع أن يستجلب به رضا عمر ويخاتل عثمان من قبل.

إذاً  كيف يصنع معاوية إذا اشتدّ جانب علي وعظمت شوكته؟ فكان موقفه تجاه هذه المشاكل موقف حيرة وارتباك، ودنياه حبلى ولا يعلم ماتلد في الغد.

كاد معاوية أن يفرّ من ميدان المعارضة لعليّ، لأنّه أعزل من كلّ سلاح يستطيع به مقابلة علي إن أعلن حربه، وليس له حجة يستهوي بها قلوب الناس. بماذا يدعي معاوية وأيّ أمل له بالخلافة والإمرة على المسلمين؟ وهو يعرف نفسه ولا يفوته منها كلّ شيء، فهو ابن هند(8) وابن أبي سفيان(9) زعيم المشركين ومثير الحرب على صاحب الرسالة(صلى الله عليه وآله وسلم).

نعم كاد معاوية أن يهزم ويخضع لسلطان علي ـ وهو كاره له ـ ، ولكن خروج اُم المؤمنين عائشة(10) ونقض طلحة(11) والزبير(12) بيعة علي فتحا له باب أمل ارتجّ عليه من قبل، فأسرع بالكتاب إلى الزبير: إنّي قد بايعتك ولطلحة من بعدك فلا يفوتكما العراق(13).

وليس له بغية بهذه البيعة إلاّ الفرار من علي والخروج عن سلطانه، إذ لا يجد من نفسه قدرة على اتّباع علي فـ «علي مع  الحق والحق مع علي»(14).

وبهذه البيعة انتهى رأيه ليتخلص من المشاكل الشائكة، ووجد فسحة في الأمل وفرجاً بعد الشدة، إن انتصر حزب المعارضين لعلي(عليه السلام).

وهل كان معاوية في غفلة عن سلاح فاتك يستطيع به أن يأمل نجاح أمره، وتكون له حجة في مقابلة علي، وهو الإعلان في الطلب بدم عثمان، واستبعد بعد ذلك عن تفكيره أو أنّه غافل عنه، فهو بدهائه ومكره لا تعزب عنه هذه الفكرة، ولكن في نظر الواقع أنّها فكرة خاطئة وحجة ليس لها برهان، فعثمان قتل بأيدي المسلمين، وما هو ولي دمه، وليس منه في شيء، وبنوه أولى بذلك، ولا يعزب عن معاوية مثل هذا، فهو بحاجة إلى من يدعم حجّته، ويؤيّد هذه الدعوى الكاذبة، ولكنّه جعل هذه الفكرة في جعبة آماله ولم يستطع استعمالها إلاّ بعد أن عرف نجاحها بيد غيره واستخدامها من قبل الآخرين. فهذه اُم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر من تيم تعلن الطلب بدم عثمان الاُموي، وهي التي فتحت باب المؤاخذة عليه وآزرها على ذلك قوم أراقوا بأيديهم دمه بالأمس، وهم يمسحون بها دموع الحزن المصطنعة اليوم: (واعثماناه إنّه قتل مظلوماً)، دوّت هذه الصرخة وإذا بالشام تقوم لها وتقعد. وقاموا بحركات عاطفية وأعمال تقليدية من دون وقوف على حقيقة الأمر، وهم يشاركون قاتل عثمان في الندبة عليه، ويؤازرون من خذله في الأمس ومن حرّض الناس على قتله.

طلب معاوية بدم عثمان

انتحل معاوية لنفسه حقّ الطلب بدم عثمان وأنه أقرب الناس إليه وأولاهم بدمه، وأنّ عثمان قتل مظلوماً، وقد جعل الشارع لوليّه سلطاناً.

إذاً لمن يطالب معاوية والكلّ مشتركون في اثارة الناس عليه؟ وهؤلاء الذين يبكون عليه اليوم قد فتحوا عليه باب المؤاخذة من قبل وأعلنوا للناس انحرافه عن جادة الصواب، لسيره في ركاب بني أبيه، إذاً فالأمر يحتاج إلى مزيد من التأمّل والتفكير، فليس لمعاوية غرض إلاّ مناوأة علي وجعله هو القاتل وحده، ولم يلتفت إلى المعارضات التي قام بها أصحاب محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)ضدّ عثمان، فإنّهم عندما لمسوا ميله لأبناء أبيه واختصاصهم بالغنائم وتوليتهم الأمر، وتقريب مروان بن الحكم وجعله أميناً للدولة، وإهانة بعض الصحابة وتبعيد آخرين حتى أعلنوا مقاطعته والغضب عليه، فهذا عبد الرحمن بن عوف(15) المناصر لعثمان والباذل جهده في انتخابه، هجره وأوصى أن لا يصليّ عثمان عليه(16)، وكان يقول: عاجلوه قبل أن يتمادى في ملكه، وقال لعليّ(عليه السلام) : خذ سيفك وآخذ سيفي فإنّه قد خالف ما أعطاني(17).

وكان طلحة من أشدّ الناس على عثمان حتى كان عثمان يدعو ويقول: اللهمّ اكفني طلحة فإنّه حمل على هؤلاء وألّبهم عليّ، واللّه إني لأرجو أن يكون منها صفراً، وأن يسفك دمه(18).

موقف عائشة وعمرو بن العاص

وهذه اُمّ المؤمنين عائشة تعلن معارضة عثمان وتخرج شعراً من شعر رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)وثوباً من ثيابه ونعلاً من نعاله ثم قالت: ما أسرع ما تركتم سنة نبيِّكم وهذا شعره وثوبه ونعله لم يبل بعد!(19) فغضب عثمان غضباً شديداً حتى ما درى ما يقول، وكانت تقول: إنّ عثمان عطّل الحدود، وتوعد الشهود، وأغلظت لعثمان وأغلظ لها، وقال: ما أنت وهذا إنّما أنت امرأة، اُمرتي أن تقرّي في بيتك، فقال قوم مثل قوله، وقال آخرون: ومن أولى بذلك منها فاضطربوا بالنعال، وكان أول قتال بين المسلمين بعد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)(20). وهذا عمرو بن العاص وزير معاوية وشريكه في الأمر كان من الثائرين والمحرّضين على عثمان يقوم إليه في ملأ من الناس ويقول: إنّك ركبت نهابير وركبناها معك فتب نتب(21) وقال له: اتقّ اللّه يا عثمان، فقال له عثمان: وإنّك هناك يا ابن النابغة قملت جبتك منذ عزلتك عن العمل. ونودي من ناحية اُخرى تب إلى اللّه(22) فخرج إلى فلسطين وأقام هناك، وجعل يحرّض الناس على عثمان حتى رعاة الغنم ولمّا بلغه قتله قال: أنا أبو عبد اللّه، إذا حككت قرحة نكأتها(23).

وجلّ الصحابة أظهروا الإنكار على عثمان لسوء ما ارتكبه بنو أبيه الذين حملهم على رقاب الاُمة، وكان جيش مصر ـ الذي حاصر عثمان واشترك في قتله ـ تحت قيادة عبد الرحمن بن عديس البلوي من كبار الصحابة وهو ممّن شهد الحديبية وبايع بيعة الشجرة، كما اشترك في حصار عثمان جمع من أهل بدر كرفاعة بن رافع الأنصاري وغيره. وقتل نيار بن عياض وهو من الصحابة المحاصرين له.

كما أنّ النصوص التاريخية مجمعة بالاتفاق على مكاتبة الصحابة من أهل المدينة إلى من بالآفاق منهم: إن أردتم الجهاد فهلمّوا إليه فإنّ دين محمد قد أفسده خليفتكم(24).

ومهما يكن من أمر فقد أعلن معاوية الطلب بدم عثمان ولا يريد بذلك إلا اعلان الحرب على علي(عليه السلام)، لأ نّه يبغض علياً بغضاً لا يحمله قلب إنسان على وجه البسيطة; إنّ معاوية يبغض علياً لإيمانه وعدله، وعلي يبغض معاوية لنفاقه وظلمه، لذلك سلك معاوية طرق المكر والخداع واتخذ أعواناً هم على شاكلته يثيرون الناس لحرب علي(عليه السلام)بتهمة قتل خليفة المسلمين، ودبّ وهم هذه الفكرة في أفئدة ضعفاء العقول والإيمان، وأحاطوا بقميص عثمان يبكون عليه، ويتوقّدون لطلب القود من قاتله.

قدم قبيصة العبسي إلى المدينة رسولاً من معاوية، فقال علي: ماوراءك؟ قال: تركت قوماً لا يرضون إليّ بالقود. قال: ممّن؟ قال: من خيط رقبتك، وتركت ستين ألف شيخ يبكون تحت قميص عثمان، وهو منصوب لهم قد ألبسوه منبر دمشق، فقال علي: أمني يطلبون دم عثمان؟!!(25).

موقف معاوية من عثمان

ما هذا العطف من معاوية على عثمان وهذه الرحمة المرتجلة. أين كانت عاطفة معاوية على ابن عمّه يوم كان محصوراً وترده أخباره، ويستنجده فلا يجيبه بشيء، ويستغيث به وكأن في اُذنيه صمماً ؟ !!

يحدثنا الطبري(26): أنّ عثمان كتب إلى معاوية بن أبي سفيان وهو بالشام: بسم اللّه الرحمن الرحيم: أمّا بعد فإنّ أهل المدينة كفروا وخلعوا الطاعة، ونكثوا البيعة، فابعث اليّ من قبلك من مقاتلة أهل الشام على كلّ صعب وذلول. فلمّا جاء معاوية الكتاب تربّص به وكره اظهار مخالفة أصحاب رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) وقد علم اجتماعهم.

لا يريد معاوية نصرة عثمان، وإنّما يحاول أن ينتصر المسلمون عليه فيقتل فتكون له وسيلة لنجاح الخطط التي رسمها ضد علي وبني هاشم، لأنّ الاُمويين يحاولون أن يكيلوا لهم صاع الإنتقام كلّ أذى، وكانوا في حذر من تنازل عثمان عن العرض فتفشل ريحهم، ويخيب كلّ أمل لهم في الأمر، لذلك كان مروان وباقي الحزب الاُموي يقفون حاجزاً دون تحقيق الأهداف التي أراد المصلحون الوصول إليها في إبعاد المفسدين من الاُمويين عن الحكم وتجرّد الخليفة عن معاونتهم، وكان الأمر المهمّ الذي يتطلبه اصلاح وضع الاُمة هو إبعاد عثمان عن الحكم، وقد قام الإمام علي بمعالجة الوضع وكلّما أراد إصلاح أمر عثمان بالاتفاق بينه وبين الثائرين، من طريق التفاهم وإيقاف تيّار الخلاف عند حدّه، كان الاُمويون يسلكون طرق الشغب، ويوقدون نار الفتنة، فكانت مواعيد عثمان كلّها فاشلة، وأعمال بني اُمية وفي طليعتهم مروان تزيد حراجة الموقف. وتضاعف الحال تعقيداً.

وكان الخليفة المقتول يأمل من معاوية نصره في تلك المشكلة، ولكنّه خذله بصورة لا مجال للتشكيك فيها.

ولما ازداد نشاط الثوار عاود عثمان أمله فانتصر بمعاوية مرة اُخرى، فأرسل معاوية جيشاً تحت قيادة يزيد القسري، وأمره أن يقيم بذي خشب ولا يتجاوز، وقال له: لا تقل الشاهد يرى مالا يراه الغائب، فإني أنا الشاهد وأنت الغائب. فأقام الجيش حتى قتل عثمان، فاستقدمه معاوية إلى الشام، وإلى هذا يشير أبو أيوب الأنصارى صاحب رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)بقوله لمعاوية: إنّ الذي تربّص بعثمان وثبط يزيد بن أسد عن نصرته لأنت(27).

فمعاوية بطلبه لثأر عثمان بعد موته وخذلانه له في حياته دليل على سوء نواياه وما يقصده من وراء ذلك. وهو مخطّط اُمويّ للإستيلاء على السلطة ومقابلة علي بكل وجه. وإنّ معاوية لا يقيم لقتل عثمان وزناً ولا يرى له قيمة، ولكنّها حجة استهوى بها اُمة أخضعها لإرادته وسيّرها كما شاء، وإلاّ فإنّ من قتلة عثمان قد أصبحوا أنصار معاوية وحزبه، وهو يعرف ذلك ويعلم جيداً أنّ الإمام عليّاً(عليه السلام) أكثر الناس حرصاً على الدماء، وإنّما كان من قواعد الولاية أن تكون البيعة ثم تفوض الاُمور بالأموال والدماء وكلّ الحقوق الى صاحبها، كما هو العهد في حكم من سبق الإمام، ولكن الأمر لم يكن القصاص أو الثأر لعثمان وإنّما كراهية دولة الحقّ وسلطان الدين، وقد جاء علياً ليعيدها باُصولها، وعلي من اليقين بالله والثقة بدينه ما يجعله يجد في الخلافة أمراً يتعلق بالدين لا بالدنيا، ولذلك كان تجاوزه من قبل، فليس أمام معاوية إلاّ الخديعة والمكر والتظاهر بأمر هو أدرى الناس بملابساته، وليس لمعاوية نصيب من خصائص علي ودين علي، وعليه أن يظهر للناس بأمر مقبول يجنّد له كلّ ما يمكنه من الخديعة والدهاء.

وقد نجح معاوية في مخاتلته ومكره، فقد أصبح خصماً لعلي(عليه السلام) وطرفاً مقابلاً، والتفّ حوله ضعفاء العقول الذين يحاولون الوصول لغاياتهم بكلّ وسيلة، فهاهم يقومون في الأندية والمجتمعات، ويبثّون بين الأفراد والجماعات، يذيعون بين الناس أنّ خليفة المسلمين قتله علي بن أبي طالب(عليه السلام)، وهم يبكون ويتألمون واستدرجوا لهذه الغاية من عرف بالنسك ووسم بالصلاح لتكون كلمته أوقع في النفوس، وسرت هذه الدعوى المفتعلة بخطى واسعة، وتلقّتها النفوس الضعيفة بكلّ قبول فأصبح شتم قاتل عثمان على ألسنتهم، وهم يتوقّدون بنار الغيظ لطلب الثأر، ومعاوية وحزبه يحرّكون شعور الناس بنشر قميص عثمان، فيطول بكاؤهم ويعلو نحيبهم، وأقسموا أن لا يمسّهم الماء إلا للغسل من الجنابة، وأن لا يناموا على الفرش حتى يقتلوا قتلة عثمان ومن قام دونهم قتلوه.

وجاء عمرو بن العاص إلى دمشق راجلاً ومعه إبناه وهو يبكي، كما تبكي المرأة ويقول: واعثماناه أنعي الحياء والدين حتى دخل دمشق، وانضمّ لجانب معاوية على حرب علي، وذلك لما بلغه بيعة علي، لأ نّه يكره ولاية علي(عليه السلام)وبيعته(28) ولكنه اشترط على معاوية أن يعطيه ولاية مصر مادام على قيد الحياة ثمناً لافتعاله واصطناعه التظلم لمقتل عثمان، فرضي معاوية بذلك، ولا يهمّه اشتراك عمرو بن العاص بقتل عثمان في التحريض عليه لهياج الرأي العام، كلّ ذلك لايهمّ معاوية مادام ابن العاص أصبح عدوّاً لعلي، وكان أكثر اعتماد معاوية على المتمردين على الإمام بن أبي طالب(عليه السلام).

وازداد نشاط خصوم علي بهذه الفكرة وقويت شوكة معاوية، وعظم جانبه، وبرّأ الكلّ من دمه إلاّ عليّاً وحده، وانقلب بعض المعارضين لعثمان والثائرين عليه من قبل إلى جهة الشفقة والحنان عليه.

عائشة وعثمان

وكانت اُمّ المؤمنين عائشة تتطلّع أخبار المدينة وهي في مكّة، وقد تركت عثمان محصوراً، فقدم عليها رجل يقال له أخضر فقالت: ماصنع الناس؟ قال: قتل عثمان المصريين، فقالت: إنا للّه وإنا إليه راجعون، أيقتل قوماً جاءوا يطلبون الحقّ وينكرون الظلم؟ : ! واللّه لا نرضى بهذا(29).

فهي هذه اللحظة متمسكة بالإنكار على عثمان، وأنّ من رأيها أحقيّة المطالبين لعثمان، والثائرين عليه ثم لقيها رجل آخر فسألته ما صنع الناس؟ قال: قتل المصريون عثمان. قالت: العجب لأخضر زعم المقتول هو القاتل ولم يظهر إلى هذا الحدّ منها تغيّر وتبدّل، ولكن عندما بلغها قتل عثمان وبيعة علي(عليه السلام) وهي تريد الخروج إلى المدينة، نادت: ردّوني إنّ عثمان قتل مظلوماً فاطلبوا بدم عثمان(30). ليت هذه انطبقت على هذه إن تمّ الأمر لصاحبك ـ تعني عليّاً ـ ردّوني، ردّوني قتل واللّه عثمان مظلوماً، واللّه لأطلبنّ بدمه.

فقال لها الرجل: ولم ؟! واللّه إنّ أول من أمال حرفه لأنت، ولقد كنت تقولين: اقتلوا نعثلاً فقد كفر، قالت: قلت وقالوا، وقولي الأخير خير من الأول، فقال لها:

فمنك البداء ومنك الغير *** ومنك الرياح ومنك المطر

وأنت أمرت بقتل الإمام *** وقلت لنا إنّه قد كفر(31)

والتفّ حولها بنو اُمية الذين هربوا إلى مكّة، وجاء طلحة والزبير فأيّدوا هذا الرأي وانضموا لجانب عائشة، ومن هناك تألّف جيش البصرة، وكثر نعي عثمان وإعلان الحرب على  عليّ(عليه السلام) .

فكانت حرب الجمل(32)، وبعدها صفين، تلك الحرب التي طال امدها وعظم وقعها، فلجأ معاوية إلى المكر والخداع وانتهت بذلك التحكيم الذي جرى بغير ما أنزل اللّه، ثمّ كانت حرب النهروان التي أثارها المارقون عن الدين والخارجون على إمام المسلمين، فانتصر عليهم وشتّت شملهم. وارتحل علي(عليه السلام) إلى دار البقاء شهيداً بعد أن أدّى رسالته على أكمل وجه، وأقام في الاُمة العدل وسار بسيرة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) ، واهتدى بهديه فصلوات اللّه عليه ورحمته ومغفرته ورضوانه.

وقام من بعده ولده الحسن(عليه السلام) بنصّ من أبيه من جهة، واجتماع المسلمين على بيعته من جهة أخرى، وهو ريحانة رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) وسبطه الذي خلفه في اُمته، فكان ما كان من مقابلة معاوية له بإعلان الحرب عليه، ومقابلته له بما يكره، واستعماله طرق الخداع والمكر لتفريق الناس عنه، ليضرب معاوية ضربته القاضية، ويتمّ له الأمر بالظفر والغلبة.

فكان من حنكة الحسن(عليه السلام) وحسن تدبيره تنازله للصلح ليوقف تيار غلبة معاوية عند حدِّه، فإنّ معاوية لو تمّ له الأمر بالغلبة لكان ما كان من أفعال انتقامية، كما هو شأن الظافر الذي لا وازع له يحجزه عن ارتكاب ما يريد وقوعه في خصومه، ولكنّ الحسن(عليه السلام) قيّده بشروط تقف حاجزاً دونه ودون مآربه وتجعله لا يشعر بسلطة الظفر الذي يبيح ما يريد، وكان يثقل عليه وجود الحسن في الوجود، فتوصل إلى قتله(33) بالسمّ، فإنا للّه وإنا إليه راجعون، وتمّ لمعاوية ما أراد، وإنّ ربّك لبالمرصاد.

معاوية والخلافة

ما كان معاوية يحلم يوماً ما بتلك العظمة فيتسنّم عرش الخلافة الإسلامية، لقد كان صعلوكاً لا مال له، وذليلاً تحت عزّة الإسلام، ووسم هو وأبوه وحزبهم الفاشل بالطلقاء، يوم فتح اللّه على نبيِّه ونصره نصراً عزيزاً ودخلوا في الإسلام وقلوبهم مملوءة بالحقد على الإسلام، يتربّصون الفرص لمحو سطوره وقلع جذوره، وما تغير شيء من نفسيات أبي سفيان بعد دخوله في حظيرة الإسلام قلامة ظفر.

فلا يستغرب من معاوية تلك المقابلة التي قابل بها علياً بوجه لا يعرف الخجل، لأنّه وريث ذلك العداء المتأصّل بين بني هاشم وبني اُمية، فتلك عداوة جوهرية ذاتية يستحيل تحويلها ويمتنع زوالها، فما أعظم محنة المسلمين وما أشدّ بليّتهم عندما يعود أمرهم لخصوم لا يعرفون الرحمة، ولا عهد لهم بالعدل! وناهيك بما في القلوب من حقد، وبما في النفوس من حبّ الانتقام، وقد آن الأوان لتحريك ساكن الغلّ وإظهار مكنون العداء.

وإنّه ليثقل على معاوية ذكر علي بخير، وتأبى نفسه أن يرى في الوجود أنصاراً لعلي يحفظون به وصايا محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) ، ويرعون حقه، لذلك أصدر أمره إلى عمّاله عامة بنسخة واحدة: انظروا من قامت عليه البيّنة أنه يحبّ علياً وأهل بيته فامحوه من الديوان واسقطوا عطاءه(34).

فما أعظم بلاء الاُمة عندما فتح معاوية عليهم باب التشفي والانتقام! وما أكثر المأخوذين بهذه التهمة، ومعاوية يحاول بذلك أن يوقع بين صفوف الاُمة عداء تتوارثه الأجيال، ويبعث العصبية بين القبائل ليشقّ الطريق إلى غايته.

ويحدّثنا المدائني في كتاب الأحداث أنّه كتب إلى عمّاله نسخة واحدة ان برئت الذمة ممن روى شيئاً في فضل أبي تراب وأهل بيته(35).

وقام الخطباء في كلّ  كورة ينالون من علي ويقعون فيه وفي أهل بيته، وكان أشدّ الناس بلاء أهل الكوفة لكثرة من بها من شيعة علي، إذ استعمل عليهم المغيرة بن شعبة(36) ثم زياد بن سمية وضمّ إليه البصرة، فكان يقتل كلّ من اتهمه بحبّ علي، ويهدم داره ويقطع الأيدي والأرجل، فكان ذلك الدور من أهمّ أدوار الارهاب والانقلاب على مفاهيم العدل الإسلامي في قتل أهل التوحيد.

والذين على شاكلة معاوية أخلصوا له وقاموا بما يحبّ، فأعلنوا شتم علي والبراءة منه. فكان المرتزقة يتقربون إليه بذلك، وعلماء السوء يوازرونه في نشر الحكايات المفتعلة حتى أدّت الحالة في الشام بأن تختم مجالس الوعظ بشتم علي(عليه السلام)(37). وبعد ذلك فكّر معاوية أنّ هذا العمل الذي يقوم به لا يثمر كثير فائدة، لأ نّه عمل إرهابيّ وسرعان ما يتبدل الوضع، فضمّ لهذا العمل شيئاً آخر من تقريب خصوم علي والمتظاهرين بعدائه والمعروفين بشيعة عثمان واغداق العطاء عليهم ومنحهم الصلات الجزيلة، ورعايتهم والعناية بهم وتسجيل أسمائهم وأسماء عشائرهم، ليكونوا في محلّ الإعتبار، ورفع أسمائهم للبلاط الاُموي ليشملهم بعطفه ويرعاهم بلطفه، فما أكثر المتقرّبين إليه خوفاً من شفرة السيف وظلمة السجن، وضيق اللحد وعناء المطاردة والتبعيد. وقد تلقّى شيعة علي(عليه السلام) كلّ ذلك بصبر وثبات، وتحمّلوا ظلم معاوية وجوره، ولم يتحولوا عن عقيدتهم أو تزل بهم  قدم خوف الارهاب والفتك.

ثم فكّر معاوية بشيء يستطيع به انجاح خططه عندما يستعمل اُولئك الدجالين وذوي الضمائر الرخيصة لوضع الأحاديث على لسان صاحب الرسالة بما تشاء نفسه وتتطلبه مصلحة ملكه، بدون التفات إلى مؤاخذة وعدم مبالاة بجريمة الكذب على اللّه وعلى رسوله، ولم تقف أمامه حواجز عند ارتكاب جرائم قتل المسلمين على الظنّة والتهمة، وسلب الأموال، وهتك الأعراض، وسبي النساء، وهدم الدور، وإلقاء الجثث في الطرقات، والقتل في المساجد وأخذ البريء بالسقيم، إلى غيرها من جرائم يتصدّع لها قلب المسلم وتكاد نفسه تذهب حسرات.

وها نحن نتخطّى عهد معاوية، ولانقف موقف المدقق الذي يريد حصرها، فليس من غرضنا ذلك، وقد كفانا رجال التحقيق من علماء الاُمة، والتاريخ الصحيح بيان ذلك، إذ ليس لنا من الوقت ما يتسع لنشر تلك الصحائف السود، وذكر تلك الفظائع المؤلمة.

فأعمال معاوية سجّلها التاريخ عليه وهي بعيدة عن روح الإسلام ومجانبة للعدالة، وإنّ ضرب الحصانة عليه باسم الصحبة بدعة في الدين وافتراء محض.

بيعة يزيد وأعماله

ومضى معاوية لسبيله مثقلاً بأوزاره تاركاً وراءه ولي عهد فرضه على المسلمين بشكل قسري، كما فرض على نفسه الحلم الاصطناعي، ومداراة الناس ليحملهم على اجابته، ومن سوء حظّ الاُمة أن يلي أمرها فاسق لايعرف إلاّ الرذيلة وهو أشرّ خلق اللّه وألعنهم(38)، وسيعلم الذي مهّد له ذلك أيّ نوعية قدّم للمسلمين وولاه رقابهم. ولا يستبعد من معاوية وكيده للإسلام ومحاربته له من البداية إلى النهاية، أن يرشّح يزيد لعلمه بما طبعت عليه نفسه من الفسق وعدم المبالاة بما يرتكبه، ليتمّ له نجاح الخطط التي رسمها معاوية في حياته لمحاربة الإسلام وأهل البيت، وشرع في تطبيقها في حياته وعهد إلى يزيد لتنمو في عهده، فينال معاوية غرضه. فكان يزيد كما أراد أبوه فقد قام بدور خطر ومثّل تلك العظائم التي يقف القلم عند بيانها.

فكانت باكورة عمله أن قتل الحسين ابن بنت رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) وسبى نساءه بصورة يذوب لها قلب كلّ انسان مهما اختلفت ملته ونحلته فضلاً عن المسلم الذي يعرف الحسين ومنزلته من رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) ومكانته من الإسلام، وما أعظمها من جريمة تقشعرّ لها الجلود وتذوب لها النفوس حسرات، فكانت وقعة الطف سلسلة فجائع مروّعة ونكبات أليمة، فإنّا للّه وإنا إليه راجعون.

وفي السنة الثانية أباح مدينة الرسول وأصبح جنده يجوسون خلال ديار الوحي ليفسدوا فيها ويهلكوا الحرث والنسل، يتدفّقون في شوارع ذلك البلد الطيّب، يهجمون على البيوت، ليهتكوا أعراضاً، ويسلبوا أموالاً، فلا تزعجهم أصوات النساء المعولات على أزواجهن وأولادهن، ولم تلن قلوبهم لأنين الأطفال وذعرهم.

وترى مخدّرات ذلك البلد كأسراب القطا تتخطفها البزاة الجارحة، أو كقطعان الغنم تتناهبها الذئاب الضاربة، فهنّ تحت تصرف اولئك الوحوش ثلاثة أيام يفعلون ما شاءوا، ومروان بن الحكم ينظر الفجائع فيهتزّ طرباً ومرحاً يعجبه أن يرى شيوخ الصحابة ووجوه العرب وأبطال الإسلام يقادون لقائد الجيش ليأخذ منهم البيعة ليزيد بيعة عبودية، فبعين اللّه ما لقيت الاُمة، ولا تخفى على اللّه خافية في الأرض ولا في السماء.

وفي السنة الثالثة هدم الكعبة ولعلّها أبلغ اُمنية لنفس الاُمويين وأعظم إنجازاً لعائلتهم أن ينالوا من البيت الذي كان مهبط الوحي على ابن عبدالله(صلى الله عليه وآله)وقبلة الإسلام الذي قضى على مكانتهم وأباد رجالهم، وحرم التوحيد والإيمان، فبنار مجانيقهم يكون يوماً بيوم هبل واللات والعزى. هذا هو وليّ عهد معاوية الذي عرف لياقته للحكم وصلاحيته للأمر(39)، فلنترك عهده ونتخطّ فظائعه بدون تفصيل فهي أشهر من أن تذكر، وإنّ ربّك لبالمرصاد. فلم يطل عهده وأراح اللّه منه الاُمة، واللّه شديد الانتقام.

تحول الحكم من آل أبي سفيان إلى بني الحكم

وتحوّل الأمر من بعد يزيد بن معاوية من آل أبي سفيان إلى بني الحكم، لأنّ عهد معاوية بن يزيد(40) لم يطل، وقد فرّ بنفسه من ولاية ورثها بدون حقّ، وهو يعرف أهلها، وإنّ أباه وجدّه غاصبون لها، فصرّح بذلك في خطبته فقال:

إنّ هذه الخلافة حبل اللّه، وإنّ جدي معاوية نازع الأمر أهله، ومن هو أحق به منه عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) وركب بكم ما تعلمون، حتى أتته منيته فصار في قبره رهيناً بذنوبه، ثم قلد أبي الأمر، وكان غير أهل له، ونازع ابن بنت رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) فقصف عمره، وانبتر عقبه، وصار في قبره رهيناً بذنوبه، ثم بكى وقال: إنّ من أعظم الاُمور علينا علمنا بسوء مصرعه وبئس منقلبه، وقد قتل عترة رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) وأباح الخمر، وخرّب الكعبة. ولم أذق حلاوة الخلافة، فلا أتقلّد مرارتها، فشأنكم أمركم، واللّه لئن كانت الدنيا خيراً فقد نلنا منها حظاً ، ولئن كانت شراً فكفى ذرية أبي سفيان ما أصابوا منها(41) ، ثمّ تنازل عن عرش اُقيم على جماجم الأبرياء من المسلمين، وخلع برداً نسج على نول المكر والخداع والتمويه، وفرّ بنفسه عن التلبس بتلك الجرائم فعفى اللّه عنه.

وولي الأمر مروان بن الحكم، بعد أخذ ورد ووقوع فتن في الشام وغيره وتعصّب بين القبائل، وحروب في جميع الأقطار وكثرة الدعاة ضدّ بني اُمية.

فأصبح مروان خليفة المسلمين، ولم تطل أيامه ومات سنة (65 هـ ) قتلته زوجته اُمّ خالد بن يزيد، وهو معدود فيمن قتلته النساء.

ثمّ جاء دور عبد الملك بن مروان، بويع له بعد أبيه والاُمور مضطربة والبلاد تموج من فوضى الاُمويين وسوء سيرتهم، وعبد اللّه بن الزبير قارب أن يتمّ له الأمر، والمختار بن أبي عبيدة نهض لطلب ثأر الحسين(عليه السلام) ونكّل بقاتليه ومزّقهم كل ممزّق، وشفى صدور قوم مؤمنين، وقضى على علوج الشرك، وقتلة أولاد الأنبياء فرحمه اللّه وجزاه خيراً، فكان مجيء عبد الملك للحكم، مجيء فاتك لايقف عند حدّ، وناقم لا يعرف قلبه الرحمة، وظالم لا عهد له بالعدل، فكان دوره دور إرهاب وجور .

ولادة الإمام الصادق(عليه السلام)

وبهذا الدور في عهد عبد الملك بن مروان ولد الإمام أبو عبد اللّه جعفر الصادق(عليه السلام) في ليلة الجمعة في السابع عشر من ربيع الأول سنة (82 هـ ) وقيل في غرّة شهر رجب، والاُمة الإسلامية تلاقي تلك الأحكام القاسية، وقد انتشر فيها دعاة الفساد، وتحكّم أئمة الجور، واستولى على الأقطار الإسلامية أولئك الجزّارون الذين يتقربون لأئمتهم بضحايا البشرية بدون جناية، والأخيار من الاُمة الذين ينكرون تلك الأعمال الوحشية عرضة للأخطار ومحلاًّ للنقم.

ولد(عليه السلام) في حجر الرسالة، ونشأ في بيت النبوّة، وترعرع في ربوع الوحي، وتربّى بين جدّه زين العابدين وأبيه الباقر(عليهما السلام).

أقام مع جدّه علي بن الحسين(عليه السلام) اثنتي عشرة سنة، وقيل خمس عشرة سنة، وعلى رواية المدائني ست عشرة سنة(42). وأخذ عنه في حياته وتربى في مدرسته.

وبدون شك إنّ جده زين العابدين هو أفضل الهاشميين، وسيد أهل البيت في عصره، وأعلم الاُمة في زمانه وأورعهم وأصدقهم حديثاً، وبعد وفاة جدّه تفرّد بتربيته أبوه الباقر(عليه السلام)(43) وهو هو في عمله وورعه، فنشأ الإمام تلك النشأة الصالحة وهو خليفة أبيه، والمتحمّل أعباء الإمامة من بعده، وعاشر أباه بعد وفاة جدّه تسع عشرة سنة.

نشأة الإمام الصادق(عليه السلام)

ولا شكّ أنّ الإمام الصادق نشأ في وسط مجتمع لا يتصل بآل البيت إلاّ من طريق الحذر والتكتم لشدة المراقبة التي تحوط بهم من السلطة الاُموية، وشاهد طلاب العلم يتصلون بمدرسة جدّه وأبيه وهم بأشدّ حذر، لأنّ ذلك الدور لا يستطيع أحد أن يتظاهر بالاتصال بآل محمد، ومن عرف في ذلك فإنّما مصيره القبر أو ظلمه السجن إلى حيث الأبد.

نشأ الصادق في عصر تتنازع فيه الأهواء، وتضطرب فيه الأفكار، وطغت فيه موجة الإحن والأحقاد، وتلاطمت فيه أمواج الظلم والإرهاب.

وتقرّب الناس إلى ولاة الأمر بالوشايات والاتهامات فلا حرمة للنفوس ولا قيمة للدين، ولا نظام يشمل الرعية، بل هي فوضى والاُمراء يحكمون بما شاءوا والرعية بين أيديهم اُلعوبة لأغراضهم.

وأشدّ الناس بلاءاً هم أنصار آل محمد وشيعتهم واتخذ خصومهم شتم عليّ سنة يتمون به فرضهم، فلا يدخل الداخل إلى مسجد ولا معبد ولا مجلس ولا حلقة علم إلاّ ويسمع تلك العبارات التي يعبر بها أولئك القوم عن سوء سريرتهم، ولا يكاد يصغي لخطيب أو قصّاص أو واعظ إلاّ وكانت براعة استهلاله شتم علي(عليه السلام).

فكان آل محمد يلاقون تلك المشاق ويواجهون تلك المصاعب بقلوب مطمئنة بما وعد اللّه الصابرين، وكل هذه الاُمور شاهدها الإمام الصادق(عليه السلام)في نشأته، أو أخذ عنها من أبيه صورة واقعية بعد حدوثها، حتى شمله العصف الاُموي عندما جيء مع أبيه الباقر الى الشام مقر الظالمين وموطن البغاة، فبعين اللّه ما لقيت الاُمة الإسلامية وما لقي آل محمد الذين هم حملة العلم ومبلّغو رسالات الإسلام.

أدرك الإمام الصادق صلوات اللّه عليه ثلاث سنين من خلافة عبد الملك، وتسع سنين وثمانية أشهر من خلافة الوليد بن عبد الملك، وثلاث سنين وثلاثة أشهر وخمسة أيّام من خلافة سليمان، وسنتين وخمسة أشهر من خلافة عمر بن عبد العزيز، وأربع سنوات وشهراً من خلافة يزيد بن عبد الملك، وعشرين سنة من خلافة هشام بن عبد الملك، وسنة واحدة من خلافة الوليد بن يزيد، وستة أشهر من خلافة يزيد بن الوليد، وبعده لم يبق خليفة للاُمويين بعينه لكثرة الاضطرابات حتى زال ملكهم في سنة (132هـ ).

كلّ هذه الأدوار شاهدها الإمام الصادق(عليه السلام)، وهو يعيش وأهل بيته بتلك الدائرة الضيّقة محاطاً بالرقابة، لتلك الاتهامات التي يحوكها ضده المتقربون لخصوم آل محمد، وهو يرى بين آونة واُخرى مصارع زعماء الشيعة وسجن آخرين ومطاردة السلطة لبقية السيف منهم، وكان يطرق سمعه مدة تسع عشرة سنة شتم جدّه علي(عليه السلام) وانتقاص آله، وكان يرى بعض ولاة المدينة يجمع العلويين يوم الجمعة قريباً من المنبر يسمعهم شتم علي وانتقاصه، حتى ولي عمر بن عبد العزيز سنة ( 99هـ ) فرفع السبّ عن علي(عليه السلام)كما سيأتي بيانه.

عصر الإمام الصادق(عليه السلام)

كانت نشأة الإمام الصادق(عليه السلام)نشأة خشونة وملاقاة مصائب، وخوض غمرات محن وبلاء، من ولاة أضاعوا الحقّ وظلموا الاُمة، واتّبعوا شهواتهم وأعلنوا العداء لآل محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) ، ومع هذا كلّه فإنّه كان لا يمتنع من الجهر بالحقّ وارشاد الناس وتحذيرهم من مخالطة أولئك الظلمة، وكان ينهى عن المرافعة إليهم وينهى عن الاختلاط بهم واعانتهم في شيء، والتولي لهم وقبول أيّ عمل منهم .

وفي أيّامه كان خروج زيد بن علي في الكوفة، ولما قتل زيد كان يؤبّنه بكلماته البليغة، ويلعن قاتله وذلك في أيام هشام بن عبد الملك ذلك الجائر الذي أظهر العداء لآل أبي طالب بصورة ارهابية بعد قتل زيد، وأمر عمّاله بالتضييق عليهم، وأن تمحى أسماؤهم من ديوان العطاء وملأ منهم السجون، وكتب لعامله يوسف بن عمر الثقفي بقطع لسان الكميت ويده، لأ نّه رثى زيداً، كما منع العطاء عن أهل المدينة لاتهامه اياهم بالميل إلى زيد، وألزم آل أبي طالب بالبراءة من زيد، إلى آخر ما هنالك من فجائع واُمور كانت تحوط بالإمام، وتنكّد عيشه، ولكنّ عناية اللّه قضت بأن يزداد شعور الناس نحو آل محمد مع تلك المحاولات التي اتخذها الاُمويون، فكانت هناك اجتماعات ومؤتمرات سرية سعياً إلى انقلاب عام يزيل مملكة الاُمويين وتحويلها لآل محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، وبانتشار الدعاة لهذه الفكرة وحصول خلاف بين الأمويين انفسهم اضطربت الدولة، ودبّ في جسمها الضعف، وأحاطت بها عوامل الإنهيار، فكانت فترة سعيدة ولكنّها كانت فترة مؤلمة في الوقت نفسه، إذ كان الإمام الصادق(عليه السلام)يرى ما يصيب الدين الإسلامي من وهن وتشويه وانتهاك، فانبرى لفتح أبواب مدرسته وليقوم بما يجب عليه من توجيه الناس، وبثّ الأحكام وتعاليم الدين فهو بين شيخوخة  الدولة الاُموية، وطفولة الدولة العباسية قام في عصر ازدهار العلم لتعليم الناس حتى عدّ تلامذته أربعة آلاف رجل(44).

المرحلة السعيدة

وكان بيته(عليه السلام)في تلك الفترة كالجامعة، يزدان على الدوام بالعلماء الكبار في الحديث والتفسير والحكمة والكلام، فكان يحضر مجلس درسه في أغلب الأوقات ألفان وبعض الأحيان أربعة آلاف من العلماء المشهورين(45).

وكان يؤم مدرسته طلاب العلم ورواة الحديث من الأقطار النائية، لرفع الرقابة وعدم الحذر فأرسلت الكوفة والبصرة وواسط والحجاز إلى جعفر بن محمد أفلاذ أكبادها، ومن كلّ قبيلة من بني أسد ومخارق، وطي، وسليم، وغطفان، وغفار، والأزد، وخزاعة، وخثعم، ومخزوم، وبني ضبّة، ومن قريش، ولا سيّما بني الحارث بن عبد المطلب، وبني الحسن بن الحسن بن علي.

ونقل عنه الحديث واستفاد منه العلم جماعة من الأئمة وأعلامهم مثل يحيى بن سعيد الأنصاري، وابن جريح، ومالك بن أنس، والثوري، وابن عيينة، وأبي حنيفة، وشعبة، وأيوب السجستاني، وغيرهم، وعدّوا أخذهم منه منقبة شرفوا بها وفضيلة اكتسبوها(46).

ونالت مدرسة الصادق شهرة عظيمة، ففي تلك الفترة السعيدة، كان هو زعيم الحركة الفكرية في ذلك العصر، ويعتبر في الواقع أنّه أوّل من أسس المدارس الفلسفية في الإسلام، ولم يكن يحضر حلقته العلمية أولئك الذين أصبحوا مؤسسي المذاهب الفقهية فحسب، بل كان يحضرها طلاب الفلسفة والمتفلسفون من الأنحاء القاصية(47).

وستطّلع على جوانب تكوين هذه المدرسة الكبرى ووجوه نشاطها المختلفة. وإنّ من جوانب عظمة الإمام الصادق أن ينهض في هذا الدور من التاريخ الإسلامي الذي شهد تلك الأحداث السياسية والتحوّلات الفكرية، ويقيم صرحاً فكرياً على قواعد دينية ومناهج علمية وهو يواجه سياسة الضغط وحملات العنف ويعالج روح الاُمة ويتجه الى أفكار أبنائها، وبقيت مدرسة الإمام الصادق ـ برغم سياسة الاُمويين في محو آثار أهل البيت ـ جامعة تمدّ الرجال بعلوم الدين وزاد الإيمان، يتخرج منها الطلاب للدعوة الى الحقّ، كما بقيت على استقلال نهجها ووضوح مناهجها في عهد العباسيين. وقد حفظت لنا مصادر التاريخ صورة لمكانة الإمام الصادق في عصره، ومدى انتشار علمه في الأقطار الإسلامية، حتى كان اسمه في الحديث والرواية من امارات الصحة وعلامات العلم، ففي كلّ مسجد من مساجد المسلمين المعروفة راح الرواة والمحدثون ينهلون من فيضه، وكلّ يقول: حدّثني جعفر بن محمد، حتى قال أحدهم: أدركت في جامع الكوفة تسعمائة شيخ من أهل الدين والورع كلّهم يقول: حدثني جعفر بن محمد.

 

 

[1]

(2)  مقدمة تاريخ ابن خلدون ص 564.

(3) طبع الجزء الأول والثاني من الكتاب طبعة ثانية في العراق ثم توقّف طبع الأجزاء الاُخرى، وصدرت طبعة جديدة في لبنان غلب عليها (الطبعة الثانية).

(4) عثمان بن عفان بن العاص بن اُمية بن عبد شمس واُمه أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، بويع له بالخلافة سنة (23هـ ) وقتل صبيحة الجمعة 18 ذو الحجة سنة (35هـ ) فكانت خلافته 12 سنة وحوصر في داره 22 ليلة ودفن في حش كوكب مقبرة لليهود واختلف في عمره فقيل: 90 و 88 و75 و 86 و 63 اُنظر الطبري ج2 حوادث سنة 35.

(5) مروان بن الحكم بن أبي العاص بن اُمية بن عبد شمس بن عبد مناف ولد يوم اُحد وقيل عام الخندق وقيل بالطائف. قال ابن عبد البر: ولد على عهد رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) سنة 2 من الهجرة وطرد رسول اللّه أباه وهو طفل لا يعقل، وبهذا لا تثبت له صحبة.

           ويعرف مروان بخيط الباطل ولما بويع بالخلافة قال فيه أخوه عبد الرحمان بن الحكم:

لحا اللّه قوماً أمروا خيط باطل *** على الناس يعطي ما يشاء ويمنع

ونظر إليه علي(عليه السلام) فقال: ويلك وويل اُمة محمد منك ومن بنيك، بويع له بعد معاوية بن يزيد سنة (64هـ ) ومات سنة (65هـ ) قتلته زوجته اُم خالد بن يزيد وهو معدود فيمن قتلته النساء ـ انظر ابن عبد البر ج3 ص428 بهامش الاصابة ط الأولى سنة (1328)، والحكم بن العاص نفاه النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الطائف ثم أعيد إلى المدينة في خلافة عثمان وروى الزهري وعطاء ان أصحاب النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) دخلوا عليه وهو يلعن الحكم فقالوا: يارسول اللّه ماله؟ قال: دخل على شق الجدار وأنا مع زوجتي فلانة فكلح في وجهي، ومر النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) بالحكم فجعل الحكم يغمز النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) باصبعه فالتفت فرآه فقال: اللهم اجعله وزغاً فزحف مكانه.

           ومر الحكم يوماً فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): ويل لاُمتي بما في صلب هذا. ومن حديث عائشة أنها قالت لمروان أما أنت يا مروان فأشهد أن رسول اللّه لعن أباك وأنت في صلبه وطرده النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ونفاه إلى الطائف ومات في خلافة عثمان سنة (32هـ ) وضرب فسطاطاً على قبره وعاب الناس عليه ذلك ـ انظر الاصابة ج1 ص346.

(6) حديث ـ اخرج ابن جرير في تفسيره قال: رأى رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) بني الحكم ابن أبي العاص ينزون على منبره نزو القردة فساءه ذلك فما استجمع ضاحكاً حتى مات وأنزل اللّه في ذلك (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلاّ فتنة للناس) الإسراء 60. وأخرجه السيوطي في اللؤلؤ المنثور من حديث عبد اللّه بن عمر ويعلى بن مرة والحسين بن علي وغيرهم (وطرق هذا الحديث كثيرة).

(7) معاوية بن أبي سفيان بن صخر بن حرب بن اُمية بن عبد شمس بن عبد مناف ولد قبل البعثة بخمس سنين وقيل بسبع سنين أسلم عام الفتح ومات في رجب سنة (60 هـ ) قال أبو عمر: معاوية وأبوه من المؤلفة قلوبهم وقال ابن أبي الحديد: كان معاوية مطعوناً في دينه انظر: شرح نهج البلاغة ج1 ص111، وقول الزمخشري في ربيع الأبرار في نسبه وكانت إمارة معاوية، عشرين سنة ولاه عمر بن الخطاب الشام وحاسب عماله إلاّ معاوية وبعد وقوع الصلح تم الأمر لمعاوية فاستقل مدة عشرين سنة.

(8) هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد مناف والدة معاوية ـ كانت تثير شعور المشركين بأراجيزها في حروبهم على النبي وتشجعهم هي وباقي نساء المشركين، وكانت ترجز يوم اُحد: نحن بنات طارق، وبذلت لوحشي ما يحبّ، إن قتل حمزة عم النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) فلما قتل مثلت به واستخرجت كبده فشوت منه وأكلت ـ انظر الاستيعاب بهامش الإصابة ج4 ص426 وتوفيت في عهد عمر بن الخطاب في اليوم الذي مات فيه أبو قحافة والد أبي بكر الصديق.

(9) أبو سفيان: هو صخر بن حرب بن أميّة بن عبد شمس وامه صفية بنت حرب الهلالية مات في خلافة عثمان سنة (34هـ ) وقيل (31 هـ ) وهو ابن ثمان وثمانين سنة وكان يكنى بأبي حنظلة الذي قتل يوم بدر كافراً قتله علي(عليه السلام).

(10) عائشة بن أبي بكر الصديق زوجة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) اُمها اُم رومان بنت عامر بن عويمر الكنانية، ولدت بعد المبعث بأربع سنين دخل بها النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في السنة الثانية من الهجرة وهي بنت تسع سنين وتوفي عنها وهي بنت 17 أو 18 سنة وماتت سنة (58 هـ ) وقيل سنة (57 هـ ) ودفنت بالبقيع بأمر منها، وأن تدفن ليلاً وصلى عليها أبو هريرة .

(11) طلحة بن عبيد اللّه بن عثمان بن عمر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة واُمه الصعبة الحضرمية، شهد اُحداً وأبلى بها بلاءاً حسناً ولم يشهد بدراً وآخى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بينه وبين الزبير وقيل بينه وبين كعب بن مالك، وكان أحد أبطال الثورة على عثمان وقتل يوم الجمل مع عائشة قتله مروان بن الحكم، اخرج البغوي بسند صحيح قال: لما كان يوم الجمل نظر مروان إلى طلحة فقال: لا أطلب ثأري بعد اليوم فنزع بسهم فقتله وكان ذلك في جمادى الأولى سنة (36 هـ ) ومات وله أربع وستون سنة ودفن بالبصرة، ثم نقل لمكان آخر فيها ـ انظر الإصابة ج2 ص230 وابن كثير ج7 ص246 .

(12) الزبيربن العوام بن خويلدبن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب القرشي اُمه صفية بنت عبد المطلب ؤأحد أصحاب الشورى الستة قتل يوم الجمل يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الآخرة سنة (36 هـ ) وعمره 66 سنة ولا يعرف قبره، أما قبره الحالي الواقع في مدينة الزبير قريباً من البصرة فقد شيد على الخطأ يقول ابن كثير في تاريخه ج11 ص319 في حوادث (386  هـ) ماهذا نصه وفي محرمها كشف أهل البصرة عن قبر عتيق فإذا هم بميت طري عليه ثيابه وسيفه فظنوه الزبير بن العوام فأخرجوه وكفنوه ودفنوه واتخذوا عند قبره مسجداً ووقفوا عليه أوقافاً كثيرة وجعل عنده خدام وقوام وتنوير.

           ويقول أبو الفرج بن الجوزي في المنتظم ج7 ص187 في حوادث سنة (386 هـ ) ماهذا نصه: فمن الحوادث فيها أن أهل البصرة في شهر المحرم ادعوا انهم كشفوا عن قبر عتيق فوجدوا فيه ميتاً طرياً بثيابه وسيفه وأنه الزبير بن العوام فأخرجوه وكفنوه ودفنوه بالمريد بين الدربين وبنى عليه الأثير أبو المسك عنبر بناء وجعل الموضع مسجداً ونقلت إليه القناديل والآلات والحصر والسمادات واُقيم فيه قوام ووقف عليه وقوفاً.

(13) تاريخ مختصر الدول ص105.

(14) تاريخ بغداد ج14 ص321، ح7643 .

(15) عبد الرحمن بن عوف بن عبد الحرث بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري، اسمه في الجاهلية عبد عمر ـ وقيل عبد الكعبة. اُمه الشفاء بنت عوف بن الحرث بن زهر، ولد بعد الفيل بعشر سنين وكان من المهاجرين وشهد بدراً والمشاهد كلها مع رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) وهو أحد الستة أصحاب الشورى وكان من أهل الثروة الطائلة وخلف من بعده ألف بعير وثلاثة آلاف شاة ومائة فرس وأوصى بأن يتصدق من ماله بخمسين ألف دينار وصولحت إحدى نسائه التي طلقها في مرضه عن ربع الثمن بثلاثة وثمانين الف دينار/  اُنظر الرياض النضرة ص389 وكان عنده من الذهب ما كسر بالفؤوس وتوفي سنة (32 هـ ) وقيل (31 هـ ) ودفن بالبقيع.

(16) أنساب الأشراف للبلاذري ج5 ص75 .

(17) أنساب الأشراف للبلاذري ج5 ص177، 200 .

(18) الكامل لابن الأثير ج3 ص86 .

(19) أنساب الأشراف للبلاذري ج5 ص48 .

(20) أنساب الأشراف للبلاذري ج5  ص84 .

(21) تاريخ الطبري ج3 ص369 .

(22) الكامل لابن الأثير ج3 ص80 .

(23) انساب الأشراف للبلاذري ج5 ص74 .

(24) الكامل لابن الأثير ج3 ص83 ، انساب الأشراف للبلاذري ج5 ص60 ، تاريخ الطبري ج3  ص400.

(25) الكامل لابن الأثير ج3 ص100 .

(26) تاريخ الطبري ج3  ص402 .

(27) انظر تاريخ دمشق  ج16 ص33  حديث 1876.

(28) الكامل في التاريخ ج3  ص129 .

(29) تذكرة الخواص ص64.

(30) تاريخ الطبري ج3 ص369 والكامل في التاريخ ج3  ص102 .

(31) الكامل في التاريخ ج2 ص313 .

(32) كانت حرب الجمل في سنة (36 هجرية ) في جمادى الآخرة وقتل فيها من الطرفين عدد لا يقل عن عشرة آلاف وفيها قتل طلحة رماه مروان بن الحكم بسهم فقتله وقد اشتهر عنه قوله: أينما أصابت فتح وكذلك وقعة صفين ابتدأت في هذه السنة وانتهت في أمر التحكيم في شهر رمضان سنة (37 هـ ).

(33) مقاتل الطالبيين ص80 .

(34) شرح نهج البلاغة ج11 ص45 .

(35) صلح الإمام الحسن ص321، انظر شرح نهج البلاغة ج11 ص45 ـ 46.

(36) المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود المتوفى سنة (50 هـ ) وكان أحد الدهاة استعان به معاوية واستعمله على الكوفة، وكان عمر قد ولاه البصرة وعزله لقضيته مع اُم جميل، قال قبيصة بن جابر: لو أن مدينة لها ثمانية أبواب لا يخرج منها إلاّ بالمكر لخرج المغيرة منها  كلها.

(37) تاريخ ابن عساكر ج3 ص402 .

(38) مما يثير الأسى أن ينجم عن سياسة إضفاء الصحبة وطابع القداسة على معاوية وأمثاله الإيمان بالطاعة لاُولي الأمر ممن ظلموا أو سفكوا دماء المسلمين وما نتج من آراء بعدم الطعن بمعاوية أو لعن ابنه يزيد أو تكفيره أو حتى رواية قتل الحسين وما جرى بين الصحابة، لأنه يبعث على ذمهم وعندهم لا يجوز نسبة المسلم الى الفسوق، بدون تحقق، بماذا سيجيبون نبيّهم وهم يلقونه غداً؟ نعوذ بالله من خطل القول وزلل اللسان وكل ما يسخط رسول الله(صلى الله عليه وآله) ويرضي أعداءه.

           أما اُولئك الذين أفسد دينهم النُصب وأعمى قلوبهم التعصب ووقعوا ضحايا حملات التضليل فمن فقد عقله راح يفصح عن سخائم سريرته، ومن تزيا بزي العلم على طريقة علماء بلاط ملوك الاُمويين فجاهر بالكفر بالتزامه سياسة يزيد فننشد في وصفهم ما قاله الجوهري صاحب الصحاح وقد رمى الزمن أمامه من أمثال هؤلاء:

رأيت فتى أشقراً أزرقاً *** قليل الدماغ كثير الفضول

يفضّل من حمقه دائباً *** يزيد بن هند على ابن البتول

(39) تاريخ الطبري ج5 ص498 .

(40) معاوية بن يزيد أبو عبد الرحمن ويقال أبو يزيد ويقال أبو ليلى استخلف بعهد من أبيه في ربيع الأوّل سنة (64 هـ) وكان شاباً صالحاً وكانت مدة خلافته أربعين يوماً ولم يخرج إلى الناس بعد هذه الخطبة ولا فعل شيئاً ولا صلى بالناس ومات وهو ابن 21 سنة وقيل 23 سنة وقيل غير ذلك ودفن بمقابر باب الصغير بدمشق ولما حضرته الوفاة قيل له ألا توصي فقال: لا أتزود مرارتها وأترك حلاوتها لبني اُمية ولما دفن حضر مروان دفنه فقال أتدرون من دفنتم؟ قالوا نعم معاوية بن يزيد فقال: مروان نعم هو أبو ليلى الذي يقول فيه الغزاري:

إني أرى فتنة تغلي مراجلها *** والملك بعد أبي ليلى لمن غلبا

(41) الصواعق لابن حجر ص124.

(42) اُنظر البحار ج47 ص4 ـ 6 .

(43) ستأتي في الجزء الثاني لمحة من حياة الإمام الباقر(عليه السلام).

(44) مناقب ابن شهرآشوب ج4 ص268 ـ 269 .

(45) مجلة رسالة الإسلام العدد 4 السنة 6.

(46) مطالب السؤول ج2 ص55 .

(47) تاريخ العرب للسيد مير علي الهندي ص 179 .