الإمام الصادق(عليه السلام) أخلاقه وآدابه تاريخ محنه ومشاكله

الإمام الصادق(عليه السلام) أخلاقه وآدابه  تاريخ محنه ومشاكله 

 

المنصور والإمام الصادق (عليه السلام)

للدولة العباسية حلم تسعى لتحقيقه دعما لنفوذها وصيانة لسلطانها وهو إسباغ أبراد القدسية عليها وإبرازها بشكل يقضي على المعارضين لسياستهم المعوجة والمخالفة لنواميس الشرع وتعاليمه.

وقد لجأوا الى ادعاء لون من الإمامة يتغذى على صفة شاحبة ولون باهت واقتربوا من الكيسانية التي واجهها الأئمة بالتفنيد وتصدوا بجعل حججهم داحضة والتي كان من نتائجها عدول الكثيرين وعودتهم الى الحق كما حدث للشاعر إسماعيل بن محمد الحميري وقال العباسيون أن أبا هاشم بن محمد ابن الحنفية الذي قالت الكيسانية بإمامته بعد أبيه أوصى الى علي بن عبدالله ابن العباس بن عبدالمطلب وعلي بن عبدالله أوصى الى ابنه محمد بن علي وإن محمدا أوصى الى ابنه إبراهيم الملقب بالإمام وإن إبراهيم أوصى الى أخيه أبي العباس السفاح. وقد مات أبو هاشم عند علي بن عبدالله وكانت هذه الدعوة التي جعلتهم من بين الكيسانية بحسب هذه العلقة التي يسعون من ورائها الى ادعاء الإمامة بأي سند كان مع أن الكيسانية كلها لا إمام لها وإنما ينتظرون الموتى(58).

وانتهى سعيهم الى الراوندية الخرمدينية الذين قالوا بالغلو والتناسخ وأخذوا بالشطط والشذوذ على أن العباسيين تكتموا على هذه الدعوى ولم يدعوا الناس إليها إلا بطريقة سرية تتماشى سوية مع الإفصاح عن وجود إبراهيم رأسا لهم وإماما.

أما عند المجامع العامة والمواطن التي تحرك فيه الناس انتقاما لأهل بيت النبوة فكانوا يدارون المشاعر ولا يجرأون على القول بإمامتهم هذه التي لا يعرفها الناس إلا من خلال جهد الأئمة في علاج الكيسانية وأوهامهم التي تبعثها العاطفة المكبوتة فتؤثر في السلوك والمواقف ثم ما تلبث أن تثوب الى الواقع بتصدي أئمة أهل البيت لتطويعها وتخفيف غمرة الانفعال عنها وتسكين موجة التأثر تأسيا وتألما لما أصاب آل بيت النبوة من أهوال وفجائع فاعتاض الناس بالخيال والأوهام وراحوا ينسجون على منوال العاطفة أحوالا من النعيم وأوضاعا من الجنة في الجبال العالية.

وعلى أي حال كان العباسيون يريدون بذلك أن ينظر الناس إليهم كخلفاء للرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)وامناء على شريعته وأنهم ظل الله في أرضه ورعاة عباده مع عدم الصفات المؤهلة لهم إذ لم يبرزوا بالشكل الذي يحقق ذلك.

وكان المنصور هو أول من جاهر بالخطة وباشر بالتنفيذ وقد أعلن ذلك على المنبر يوم عرفة بقوله:

أيها الناس إنما أنا سلطان الله في أرضه أسوسكم بتوفيقه وتسديده وأنا خازنه على فيئه أعمل بمشيئته وأقسمه بإرادته وأعطيه بإذنه فقد جعلني الله عليه قفلا إذا شاء أن يفتحني لأعطياتكم وقسم فيئكم فتحني... إلخ(59).

وخاطب أهل خراسان بقوله: ابتعثكم الله لنا شيعة وأنصارا فأحيا الله شرفنا وعزنا بكم وأظهر حقنا وأصار إلينا ميراثنا من نبينا(صلى الله عليه وآله وسلم) فقر الحق في قراره وأظهر الله مناره وأعز أنصاره وقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمدلله رب العالمين(60).

وهذه اللهجة كانت لهجة خادعة ومغالطة يحاول أن يسيطر بها على عقول اولئك البسطاء ليخنق فكرة المعارضة التي تؤدي بسلطانه إلى الانهيار وليستغل تلك الاستعدادات التي فينفوسهم لمناصرة الخلافة الحقة ويربط بين شعورهم وبينه فإن هدف الثوار في تلك النهضة التي أطاحت بالحكم الاموي هو إقامة دولة تحكم بكتاب الله وسنة رسوله وكانت الهتافات للدعوة إلى الرضا من آل محمد وظل العباسيون في غمار الثورة يحتفظون بادعائهم للإمامة كما أخفوا نواياهم التي بدأ المنصور بإظهارها بالتدريج ويعلن عنها كما في كلامه لأهل خراسان.

يا أهل خراسان أنتم شيعتنا وأنصارنا ولو بايعتم غيرنا لم تبايعوا خيرا منا وإن ولد أبي طالب تركناهم والذي لا إله إلا هو فلم نعرض لهم بقليل ولا بكثير إلى أن يقول: فلما استقرت الامور على قرارها من فضل الله وحكمه العدل وثبوا علينا حسدا منهم وبغيا لهم بما فضلنا الله عليهم وأكرمنا من خلافته ميراثنا من رسول الله(61).

وبهذا وغيره فقد تمكن من وضع طابع الدولة الشرعي صوريا ليكسب لنفسه ولأحفاده من بعده حق وراثة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فإن استدراج البسطاء بأساليب التمويه والخداع من السهولة بمكان ولكن من العسير عليه أن يخدع ذوي الأفكار الواسعة والعقائد الراسخة. لذلك كان يحسب لهم ألف حساب.

إنه يريد أن يتربع على دست الحكم ويصبح خليفة للمسلمين وأميرا للمؤمنين وبهذا يلزمه العمل بكتاب الله وسنة رسوله وأن ينصح للمسلمين ما استطاع إلى ذلك سبيلا فإمرة المسلمين ليست شيئا هينا يستطيع كل من ولي أمر المسلمين أن يتلقب بها وإنما هي تصور الأعباء الثقال والعناء المتصل والجهد الذي ليس فوقه جهد في إقرار العدل ورفع الظلم وإنصاف الضعفاء من الأقوياء وتحقيق المساواة بين الناس والقيام فيهم بأمر الحزم كل الحزم حتى لا يطمع إلى ما لا ينبغي أن يبلغه وفوق هذا كله إنصاف الناس من نفسه كإنصاف بعضهم من بعض.

والمنصور لا يتصف بشيء من ذلك فهو ظالم في حكمه جائر على رعيته قد أستأثر بأموال الامة وجعل بيت المال ملكا له دون المسلمين وكانت سيرته لا ترتبط مع تعاليم الإسلام ومفاهيمه وقد تعرضنا فيما سبق عن سوء سيرته وقبيح أعماله كما وقد مرت الإشارة إلى قبضه على زعماء الطالبيين وقتل جماعة منهم وسجن آخرين ماتوا كلهم في السجن نتيجة للتعذيب الوحشي والمعاملة القاسية التي سار عليها لتثبيت دعائم ملكه.

ولم يبق أمام عينه إلا الإمام الصادق(عليه السلام) وهو زعيم العلويين وسيد أهل البيت في عصره وقد اشتهر ذكره وأقبلت الامة على الأخذ منه وكانت مدرسته يقصدها طلاب العلم ورجال الحديث على اختلاف نزعاتهم وكان ذكره حديث الأندية وكل ذلك يشق على المنصور وترتعد فرائصه كلما ذكر عنده جعفر بن محمد بخير.

وكم فكر المنصور في القضاء عليه وإلحاقه بقائمة الشهداء من أهلالبيت(عليهم السلام) فلم يجد طريقا لذلك لأنه يخشى عاقبة الأمر فالإمام الصادق(عليه السلام) كان يزداد على مرور الأيام تمكنا في القلوب وشهرة في الشعوب تجبى إليه الأموال وتشد لمدرسته الرحال وتهوي إليه الأفئدة ولم يعرف عنه أنه دعا إلى ثورة دموية أو نازع في سلطان علنا ليكون ذلك من المبررات للوقعية فيه وقد اتخذ المنصور شتى الحيل في اتهامه فلم يستطع لذلك سبيلا(62) لأنه يرى أن دعوة الإمام الصادق(عليه السلام) وهي الدعوة الإصلاحية من أهم المشاكل التي تقف أمام تحقيق أهدافه من انتحال السلطان الشرعي وأن كل ما يفعله بإرادة الله وإذنه كما تقدم فهو بتلك الإيحاءات يحاول أن يوجه الناس إلى الاعتقاد بصحة خلافته وأن الخروج عليه خروج على إمام المسلمين وقد اتخذ شتى الأساليب في تنمية هذه الروح ليسلم من المؤاخذة على ما يرتكبه من الفتك برجال الامة فهو يوجه الناس بأقواله ليجعلهم يؤمنون بصحة أعماله لأنها تصدر بمشيئة الله كما يزعم هو.

وكان الإمام الصادق(عليه السلام) يهدم ما يبنيه المنصور ويكذب ما يدعيه فقد كان يعبر عنه بالطاغية ولم يخاطبه بأمير المؤمنين قط وما ورد في مساجلاته معه عند مقابلته بأنه خاطبه بهذا اللفظ فإنما هو من تعبير الرواة ولهجتهم وتأتي في النصوص المنقولة مما يجب الانتباه إليه.

كيف تتحقق أهداف المنصور ولم يكسب رضا أعظم شخصية إسلامية وأكبر زعيم ديني وهو الإمام الصادق(عليه السلام)؟الذي كان نسيجا وحده في الاستقامة والحرص على هداية الامة ولم يعرف الناس عنه إلا أنه داعية إلى الله مجاهد في نصرة الدين محافظ على وحدة المسلمين في التمسك بتعاليم الإسلام ونبذ الحزازات وترك الخرافات.

وكان هو بنفسه(عليه السلام) يصل من قطعه ويعفو عمن ظلمه ولا يرى في النهار إلا صائما وفي الليل إلا قائما وكان من العلماء العباد الذين يخشون الله. كما حدث عنه تلميذه مالك(63).

فكانت شخصيته(عليه السلام) تزداد تمكنا في القلوب وشهرة في جميع الأقطار الإسلامية وسارت الركبان بذكره وقصده كبار الفقهاء ورجال الحديث من مختلف الأقطار على اختلاف نزعاتهم يسألونه عن مختلف المسائل وشتى العلوم.

والشيء الذي نريد أن نقوله هنا هو أن المنصور كان يعد الإمام الصادق(عليه السلام)منافسا خطيرا أعياه أمره إذ لم يتمكن من القضاء عليه كما لم يتمكن من تحصيل تأييده فيحقق هدفه بل الأمر بالعكس.

فلقد كان رأي الإمام الصادق في الدولة العباسية كرأيه في الدولة الاموية من حيث الظلم للرعية والاستبداد في الحكم والابتعاد عن الإسلام. وقد نهى عن المؤازرة للدولة الجديدة كما نهى عن المؤازرة للدولة المنقرضة وصرح بذلك في عدة مواطن.

فمثلا سئل(عليه السلام) عن البناء لهم وكراية النهر فأجاب: ما احب أن أعقد لهم عقدة أو وكيت لهم وكاء ولا مدة بقلم إن أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتى يحكم الله بين العباد(64)

كما نهى عن معاونتهم حتى في بناء المساجد لأنه(عليه السلام) يرى أن أموالهم مغصوبة لا يحق لهم التصرف فيها بأي نوع كان والمعاونة لهم في ذلك تشجيع لهم ومضاعفة لبلاء الامة في تركيز عروش الظالمين.

وأعلن غضبه على الفقهاء الذين يسيرون في ركب الدولة وحذر الناس منهم لأن شرهم أعظم بكثير من غيرهم عندما يخونون أمانة العلم ورسالة الإسلام. فكان يقول(عليه السلام): الفقهاء امناء الرسل فإذا رأيتم الفقهاء قد ركبوا إلى السلاطين فاتهموهم(65)

وكان(عليه السلام) ينهى عن الترافع إلى القضاة ولا يرى نفوذ حكمهم ويعتبر الترافع إليهم محرما لأنهم يحكمون بغير ما أنزل الله بل كان يؤنب من يجتمع به من القضاة ويبين له سوء هذا العمل ويحذره من العذاب وعلى سبيل المثال نذكر القصة التالية:

قال سعيد بن أبي الخضيب البجلي: كنت مع ابن أبي ليلى القاضي مزاملة حتى جئنا إلى المدينة فبينما نحن في مسجد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) إذ دخل جعفر بن محمد فقلت لابن أبي ليلى: تقوم بنا إليه.

فقال: وما نصنع عنده؟

فقلت: نسأله ونحدثه.

فقال: قم. فقمنا إليه فسألني جعفر عن أهلي ثم قال: من هذا معك؟فقلت: ابن أبي ليلى قاضي المسلمين.

فقال: أنت ابن أبي ليلى قاضي المسلمين؟! قال: نعم.

قال: تأخذ مال هذا وتعطيه هذا؛ وتفرق بين المرء وزوجه لا تخاف في ذلك أحدا؟!..

ثم قال: فما تقول إذا جيء بأرض من فضة وسماء من فضة ثم أخذ رسول الله بيدك فأوقفك بين يدي ربك فقال: يا ربي هذا قضى بغير ما قضيت.

قال سعيد: فاصفر وجه ابن أبي ليلى مثل الزعفران(66).

وهذه الامور وكثير من أمثالها تبعث في نفس المنصور أثرا يجعله يشتد في امتحان الإمام والفتك به؛ إذ ليس من الهين عليه رد ما يدعيه من الاستقلال بالإمامة وأنه خليفة الله في الأرض ووارث نبيه وخازن مال الله ثم يبدو ما يكذب هذه الدعوى من شخصية لها مكانتها في المجتمع.

ولا يبعد عن تفكيرنا ما أحدثه التأثر في نفس المنصور من شهرة الإمام الصادق(عليه السلام)واتساع مدرسته من أشياء مختلفة في المجتمع الإسلامي أهمها محاولة ربط العلم بعجلة الدولة وتحديد الفتوى وحمل الناس على الأخذ بما تقره الدولة وترتضيه ولا نريد هنا أن نتجاوز الموضوع بتفصيل ذلك وبيانه بعد أن مرت الإشارة إليه.

ولكننا يجب أن نتصور مدى المشكلة التي واجهها الإمام الصادق(عليه السلام) في عصره وما تحمله من خصمه الألد الذي قبض على زمام الحكم وقضى على كل معارض وفتك بكل من يتهمه بالمعارضة له من دون توقف وتريث فلا رحمة ولا عدل.

ولقد بذل كل جهده واستعمل حيله في القضاء على الإمام الصادق ولكن جهوده باءت بالفشل.

وقد أشرنا في الأجزاء السابقة الى محاولات المنصور اختلاق الأعذار للقضاء على الإمام الصادق وكيف كان الإمام الصادق يحرص على أن لا يبدر منه ما يتذرع به المنصور وهي روايات في مصادرها تحتاج الى تحقيق في بعض العبارات التي تروى على لسان الصادق لأنها على غير المعهود عنه(عليه السلام) فهو يتحاشى اتهام المنصور ويخاطبه بعبارة بليغة لا تثير غضبه كما لا تطمعه فيه أو يلجأ الى الاعتصام بالله كما حدث عندما استدعاه المنصور في المرة الثالثة بالربذة برواية إبراهيم بن جبلة عن مخرم الكندي قال أبو جعفر المنصور: من يعذرني من جعفر هذا... يابن جبلة قم إليه فضع في عنقه ثباتة ثم ائتني به سحبا. قال إبراهيم: فخرجت حتى أتيت منزله فلم أصبه فطلبته في مسجد أبيذر فوجدته في باب المسجد قال: فاستحييت أن أفعل ما امرت فأخذت بكمه فقلت له: أجب أمير المؤمنين فقال(عليه السلام): إنا لله وإنا إليه راجعون دعني حتى اصلي ركعتين.

بقي الإمام الصادق(عليه السلام) أيام المنصور تحت رقابة شديدة وأخباره تصل إلى المنصور في كل وقت ولكن لم يجد وسيلة تبرر له أن يفتك بالإمام لأنه يخشى العاقبة لما يعلمه من تعلق الناس بشخصية الإمام فكان المنصور على أحر من الجمر إذ يرى أن سلطانه مهدد وملكه زائل إن طال الوقت واستمر الزمن. وأراد أن يقرب ما يرومه وذلك في فرض الإقامة على الإمام في الكوفة ليكون قريبا منه وعسى أن تصدر منه بادرة فينقض عليه.

ولما قدم الإمام(عليه السلام) الكوفة التف الناس حوله وازدحم رجال العلم عليه وكان محل تقدير جميع الطبقات مما جعل المنصور يحذر منه أشد الحذر لأن الناس التفوا حول الإمام(عليه السلام) وافتتنوا به على حد تعبير المنصور الدوانيقي كما حدث بذلك أبو حنيفة قال: بعث إلي المنصور وقال لي: إن الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد فهيء له مسائل شدادا فلخصت أربعين مسألة وبعثت بها إلى المنصور ثم أبرد إلي أي أرسل إلي بالبريد فوافيته على سريره وجعفر بن محمد عن يمينه فتداخلني من جعفر هيبة لم أجدها من المنصور فأجلسني ثم التفت إليه قائلا: يا أبا عبدالله هذا أبو حنيفة.

فقال(عليه السلام): نعم أعرفه.

ثم قال المنصور: سله عما بدا لك يا أبا حنيفة فجعلت أسأله ويجيب الإجابة الحسنة حتى أجاب عن أربعين مسألة. فرأيته أعلم الناس باختلاف الفقهاء فبذلك أحكم أنه أفقه من رأيت(67).

وخاب أمل المنصور وأصبح أبو حنيفة يعلن للملأ ويحكم بأن أفقه الامة جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام) كما كان يرى أنه إمام الحق ويتكتم بذلك.

سأله رجل يوما فقال: يا أبا حنيفة ما تقول في رجل وقف ماله للإمام فمن يكون المستحق؟

فأجابه أبو حنيفة: المستحق هو جعفر الصادق لأنه هو إمام الحق(68).

قال هذا بعد أن تأكد من الرجل في كتمان ما قاله وهذا أحد الأسباب التي أدت إلى القضاء على أبي حنيفة بحجة امتناعه عن القضاء.

ولا استبعد أن قصة القائد الذي دعا الإمام الصادق إلى المائدة وأحضر عليها الشراب كان بوحي من المنصور ليحط من كرامة الإمام(عليه السلام).

قال هارون بن الجهم: كنا مع أبي عبدالله(عليه السلام) بالحيرة حين أقدمه المنصور فختن بعض القواد ابنا له وصنع طعاما ودعا الناس وكان أبو عبدالله فيمن دعي فاستسقى رجل ماء فأتي بقدح فيه شراب لهم فلما أن صار القدح بيد الرجل قام أبو عبدالله عن المائدة. وقال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): "ملعون ملعون من جلس على مائدة يشرب عليها الخمر".

وفي رواية اخرى: "ملعون ملعون من جلس طائعا على مائدة يشرب عليها الخمر"(69)

وناهيك بما أحدثته هذه القضية من أثر في الاجتماع عندما يطلق أبو عبدالله هذه العبارة معبرا بها عن غضبه واستهانت كرامة ذلك القائد حفظا لكرامة الإسلام فمن يا ترى يسمع هذه الكلمة من الصادق وينظر إلى تأثره ويبقى على تلك المائدة.

فلذلك نهج الإمام في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يرسخ أحكام القرآن ويرعى بذور الإيمان. أما الذين باعوا دينهم بدنياهم وارتضوا أن يكونوا أتباعا لحكام الجور والفجور فلهم أن يروا في موقف الإمام ما يناسب مصالحهم ويحميها لتبقى بطونهم ملأى بكل عفن وعقولهم سكرى بالضلال والانحراف.

وبالاختصار فإن وجود الإمام الصادق(عليه السلام) في الكوفة كان أعظم على المنصور من كل شيء فعدل عن حكمه بالإقامة الجبرية على الإمام وأرجعه إلى المدينة وهكذا عدة مرات.

وكان(عليه السلام) يلجأ إلى الله في مهماته ويسأله دفع شر خصمه ومكره.

قال رزام بن قيس الكاتب مولى خالد العشري: أرسلني المنصور إلى جعفر بن محمد بن علي بن الحسين(عليه السلام) فلما أقبلت عليه والمنصور بالحيرة وعلونا النجف نزل جعفر عن راحلته فأسبغ الوضوء فصلى ركعتين ثم رفع يديه فدنوت منه فإذا هو يقول: اللهم بك أستفتح وبك أستنجد وبمحمد عبدك ورسولك أتوسل اللهم سهل حزونته وذلل لي صعوبته وأعطني من الخير أكثر ما أرجو واصرف عني من الشر أكثر مما أخاف. ثم ركب راحلته فلما وقف بباب المنصور وأعلم بمكانه فتحت الأبواب ورفعت الستور فلما قرب من المنصور قام إليه فتلقاه وأخذ بيده وماشاه حتى انتهى به إلى مجلسه ثم أقبل عليه يسأله عن حاله... إلخ(70). وأنجاه الله من شره وتغير المنصور عما عزم عليه كل يلقى فيها الإمام من أسرار سيرة الإمام الروحية.

وحدث الربيع بأن المنصور أمر بإحضار جعفر بن محمد مرارا وقال والله لأقتلنه فلما لم ير بدا من إحضاره ولما دنا الإمام الصادق من الباب قام يحرك شفتيه. وكان يدعو (71)...

وقد مر تفصيل هذه الحوادث وبيانها في الجزء الثاني والإشارة إليها في الجزء الرابع من هذا الكتاب وأن المنصور أحضره بين يديه للفتك به والقضاء عليه مرارا.

وعلى كل حال: فإن الإمام الصادق(عليه السلام) قد واجه محنا وتحمل مصاعب في سبيل الدعوة إلى الخير وتهذيب النفوس بنشر التعاليم الإسلامية الكفيلة بتنوير العقل الإنساني وإرشاده إلى أقوم سبل الخير والسعادة فكان المنار الذي اهتدت به القافلة الضالة فيمر تاريخه عبر مراحل التاريخ ويتخطى ذكره الزمن فتخلده الأجيال وتعتز به العلماء وترجح أقواله وأحكامه في مثار الجدل ومجالات النزاع العلمي فيكون قوله الفصل وحكمه العدل.

وتمر قرون وقرون وهو ذلك الصادق في القول الموجه في دعوته والمعلم الأول لجميع المذاهب ويبقى ذكره رغم الحواجز والعقبات وينتشر مذهبه بقوة الحق ووضوح الحجة لا بقوة الحكومات ونفوذ السلطة.

ومن العجيب أن يسمح البعض من كتاب اليوم لنفسه بالتقول بما ليس له نصيب من الصحة فيذهب الى ادعاء صفاء العلاقة بين الإمام الصادق والمنصور وأن المنصور هو الذي أطلق لقب الصادق على الإمام وذلك مما ينافي الحقيقة فقد رأينا كيف كان الإمام الصادق يواجه محنة دائمة بسبب المنصور وكيف كان المنصور يواجه مشكلة مستعصية تتمثل في نهج الإمام ومدرسته وسلوكه وميل القلوب إليه حتى أعجزه أمره لأن المكانة الروحية للإمام والمنزلة العلمية التي طبعت ذلك الجيل بطابعها وتركت الناس يلهجون بذكر الإمام الصادق ليس بسهل على المنصور إنكارها أو تجاهل نتائج القضاء على الإمام الصادق بين أوساط العلماء وهو الذي يتودد إليهم ويحاول أن يركز سلطانه بصفة تتجاوز حدود الإمامة كما يسعى الى تركيز شخصيات عساها تؤثر على انصراف الناس الى الإمام الصادق.

ولا يعني فيواقع الأمر شيئا ما يطلقه المنصور على الإمام الصادق قدحا أو مدحا وأنه وصف الإمام بالصادق لأنه رفض أن يستجيب لدعوة بني عمه الحسنيين إذ كان يرى أن بني العباس قد تهيأوا للأمر وأكل قلوبهم حب الحكم فصرح(عليه السلام) بأن الأمر سيكون لهم وإنما كان ذلك من خلال حركة الدين والعلم إذ ضجت المراكز ومساجد الصلاة بالعلماء وهم يحدثون عن الإمام جعفر بن محمد في زمن كثر فيه ادعاء العلم ونشطت فيه حركة الوضع فكان كل منهم يقول: حدثني الصادق أو (أخبرنا العالم) إشارة الى الإمام جعفر وارث علم النبيين والراوي بسلسلة ذهبية تنمى الى جده المصطفى(صلى الله عليه وآله) حيث صار من يدعي العلم ممن هو امعة بيد السلطان الجائر يسير في ركابه وينفذ أغراضه الدنيئة ممن تسمى بجعفر أيضا يرمى بالكاذب تمييزا عن جعفر الهدى والصدق وسيد أهل عصره.

ويمكننا القول أن لقب الصادق كان أصل إطلاقه لأجل المكانة العلمية والمنزلة الروحية ثم كان سببا في إطلاق لقب الكاذب على من حمل اسمه وقصد الإساءة لنهج أهل البيت فهو في الأساس لصفة الصدق الغالبة في العلم والحديث وهي من خصائص أهل البيت ثم كانت في مواجهة الانحراف عن السلوك المحمدي. فالواقع أن هناك من يرى أن اللقب وجد في هذه الظروف الأخيرة وهو اشتباه أيضا.

 

الإمام الصادق(عليه السلام)لمحات من أخلاقه وآدابه

 

تمهيد

وجريا على ما نهجناه في الأجزاء السابقة من ذكر طرف من تعاليم الإمام الصادق(عليه السلام) وسيرته وحكمه التي تتمثل فيها مفاهيم الإسلام في نهج التربية وحسن السلوك في الحياة وقد رأينا هناك كيف كان حرصه على تربية من يتصل به تريبة صحيحة يوجهه ويرشده إلى طريق الحق ونهج الصواب.

فقد كان لا يدع فرصة مناسبة إلا اغتنمها للإرشاد ببليغ قوله وحسن بيانه ومن المناسب أن نورد بعضا مما لم نذكره هناك من أخباره وحكمه وآدابه ومواعظه وتوجيهاته تيمنا بذلك ولئلا يخلو هذا الجزء من ذلك التراث القيم الذي أفردنا له جزءا خاصا.

تعاليمه

قال عنبسة بن نجاد: لما مات إسماعيل بن الإمام جعفر بن محمد(عليه السلام)وفرغنا من جنازته جلس الإمام وجلسنا حوله وهو مطرق ثم رفع رأسه إلينا وقال: أيها الناس الدنيا دار فراق ودار التواء لا دار استواء على أن لفراق المألوف حرقة لا تدفع ولوعة لا تقلع وإنما يتفاضل بحسن العزاء وصحة الفكر فمن لم يثكل أخاه ثكله أخوه ومن لم يقدم ولدا كان هو المقدم دون الولد ثم تمثل بقول الهذلي:

فلا تحسبني أني تناسيت عهده *** ولكن صبري يا اميم جميل(72)

وكان يقول لأصحابه: إن الله أوجب عليكم حبنا وموالاتنا وفرض عليكم طاعتنا ألا فمن كان منا فليقتد بنا وأن من شأننا الورع والاجتهاد وأداء الأمانة إلى البر والفاجر وصلة الرحم وإقراء الضيف والعفو عن المسيء؛ ومن لم يقتد بنا فليس منا. لا تسفهوا فإن أئمتكم ليسوا بسفهاء(73)

قال صفوان بن يحيى(74): جاءني عبدالله بن سنان(75) فقال: هل عندك شيء؟ قلت : نعم. فبعثت ابني وأعطيته درهما يشتري به لحما فقال لي عبدالله: أين أرسلت ابنك؟ فأخبرته فقال: رده رده؛ عندك زيت؟ قلت: نعم. قال: هات فإني سمعت أبا عبدالله(عليه السلام)يقول: هلك امرؤ احتقر لأخيه ما يحضره وهلك امرؤ احتقر لأخيه ما قدم إليه(76)

وقال(عليه السلام): المؤمن لا يحتشم من أخيه ولا يدري أيهما أعجب: الذي يكلف أخاه إذا دخل أن يتكلف له أو المتكلف لأخيه(77)

وقال هشام بن سالم: دخلنا مع ابن أبي يعفور على أبي عبدالله ونحن جماعة فدعا بالغداء فتغدينا وتغدى معنا وكنت أحدث القوم سنا فجعلت أقصر وأنا آكل فقال لي(عليه السلام): كل أما علمت أنه تعرف مودة الرجل لأخيه بأكله من طعامه(78)؟

قال ابن أبي يعفور: رأيت عند أبي عبدالله(عليه السلام) ضيفا فقام يوما في بعض الحوائج فنهاه أبو عبدالله عن ذلك وقام بنفسه إلى تلك الحاجة وقال(عليه السلام): نهى رسول الله عن أن يستخدم الضيف(79)

وقال الجارود بن المنذر: قال لي أبو عبدالله(عليه السلام): بلغني أنه ولد لك ابنة فتسخطها وما عليك منها ريحانة تشمها وقد كفيت رزقها وقد كان رسول الله أبا بنات.

وقال(عليه السلام): إن أبي إبراهيم سأل ربه أن يرزقه ابنة تبكيه وتندبه بعد موته(80)

كلماته الحكمية

وقال(عليه السلام) لولده موسى الكاظم(عليه السلام): يا بني افعل الخير إلى كل من طلبه منك فإن كان من أهله فقد أصبت موضعه وإن لم يكن له بأهل كنت أنت أهله وإن شتمك رجل عن يمينك ثم تحول إلى يسارك واعتذر إليك فاقبل منه(81)

وقال (عليه السلام): ليس شيء إلا وله حد. فقال له أبو بصير: جعلت فداك فما حد التوكل؟ قال(عليه السلام): اليقين.

فقال أبو بصير: فما حد اليقين؟ قال(عليه السلام): ألا تخاف مع الله شيئا.

وقال(عليه السلام): من صحة يقين المرء المسلم ألا يرضي الناس بسخط الله ولا يلزمهم على ما لم يؤته الله فإن الرزق لا يسوقه حرص حريص ولا يرده كراهة كاره.

وقال(عليه السلام): حسن الظن بالله ألا ترجو إلا الله ولا تخاف إلا ذنبك.

وقيل له(عليه السلام): أي الجهاد أفضل؟ فقال: كلمة حق عند إمام ظالم.

وقال(عليه السلام) لأصحابه: لا تشعروا قلوبكم الاشتغال بما فات فتشغلوا أذهانكم عن الاستعداد لما يأتي.

وقال محمد بن العلا وإسحاق بن عمار: ما وعدنا أبو عبدالله الصادق قط إلا أوصانا بخصلتين: بصدق الحديث وأداء الأمانة إلى البر والفاجر فإنهما مفتاحالرزق. *وقال(عليه السلام): ينبغي للعاقل أن يكون مقبلا على شأنه حافظا للسانه عارفا بأهل زمانه.* أربع يذهبن ضياعا مودة تمنح من لا وفاء له ومعروف يوضع عند من لا يشكره وعلم يعلم من لا يستمع له وسر يودع من لا حصانة له.* اصلاح المال من الإيمان.* أنفق وأيقن بالخلف واعلم أنه من لم ينفق في طاعة الله ابتلي بأن ينفق في معصية الله ومن لم يمش في حاجة ولي الله ابتلي بأن يمشي في حاجة عدو الله.

* وسئل(عليه السلام) عن الزاهد في الدنيا فقال: الذي يترك حلالها مخافة حسابه ويترك حرامها مخافة عذابه.

* ووصفوا عنده رجلا بالدين والفضل والعبادة وغيرها.

فقال(عليه السلام): كيف عقله؟ إن الثواب على قدر العقل.

* وقال لداود الكرخي حينما أراد أن يتزوج: انظر أين تضع نفسك.

* وقال(عليه السلام): لا يصلح المرء المسلم إلا بثلاث: التفقه في الدين والتقدير في المعيشة والصبر على البلايا.* اصبر على أعداء النعم فإنك لن تكافي من عصى الله فيك من أن تطيع فيه.* من لم يكن له واعظ من قلبه وزاجر من نفسه ولم يكن له قرين مرشد استمكن عدوه من عنقه.* اجعل قلبك قرينا تزاوله واجعل علمك والدا تتبعه واجعل نفسك عدوا تجاهده واجعل مالك عارية تردها.* جاهد هواك كما تجاهد عدوك.* العاقل من كان ذلولا عند إجابة الحق جموحا عند الباطل يترك دنياه ولايترك دينه ودليل العاقل شيئان: صدق القول وصواب العمل.* الملوك حكام على الناس والعلماء حكام على الملوك.

وقال له رجل من أصحابه: جعلت فداك ما أحب إلي من الناس من يأكل الجشب ويلبس الخشن وينخشع فيرى عليه أثر الخشوع.

فقال(عليه السلام): ويحك إنما الخشوع في القلب أو ما علمت أن نبيا ابن نبي كان يلبس أقبية الديباج مزرورة بالذهب وكان يجلس ويحكم بين الناس فما يحتاج الناس إلى لباسه وإنما احتاجوا إلى قسطه وعدله. وكذلك إنما يحتاج الناس من الإمام إلى أن يقضي بالعدل إذا قال صدق وإذا وعد انجز وإذا حكم عدل إن الله عز وجل لم يحرم لباسا أحله ولا طعاما ولا شرابا من حلال وإنما حرم الحرام قل أو كثر وقد قال الله عز وجل: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق).

وسئل(عليه السلام) عن رجل دخله الخوف من الله تعالى حتى ترك النساء والطعام الطيب ولا يقدر أن يرفع رأسه إلى السماء تعظيما لله تعالى.

فقال(عليه السلام): أما قولك في ترك النساء فقد علمت ما كان لرسول الله منهن وأما قولك في ترك الطعام الطيب فقد كان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يأكل اللحم والعسل وأما قولك دخله الخوف من الله حتى لا يستطيع أن يرفع رأسه إلى السماء فإنما الخشوع في القلب ومن ذا يكون أخشع وأخوف من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)؟! فما كان هذا يفعل؟!! وقد قال الله عز وجل:(لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر).

وقال(عليه السلام): إن عليا كان يقول: ينبغي للرجل إذا أنعم الله عليه بنعمة أن يرى أثرها عليه في ملبسه ما لم يكن شهرة.

وسأله رجل فقال: يابن رسول الله هل يعد من السرف أن يتخذ الرجل ثيابا كثيرة يتجمل بها ويصون بعضها من بعض؟

فقال(عليه السلام): لا ليس هذا من السرف.* وقال: أربع خصال يسود بها المرء: العفة والأدب والجود والعقل.* لا مال أعود من العقل ولا مصيبة أعظم من الجهل ولا ورع كالكف ولا عبادة كالتفكر ولا قائد خير من التوفيق ولا قرين خير من حسن الخلق ولا ميراث خير منالأدب.* لا يتكلم الرجل بكلمة هدى فيؤخذ بها إلا كان له مثل أجر من أخذ بها ولا يتكلم بكلمة ضلالة إلا كان عليه مثل وزر من أخذ بها.

* الإمام العادل لا ترد له دعوة والمظلوم لا ترد له دعوة ومن قواصم الظهر سلطان جائر يعصي الله وأنت تطيعه!!(82)

هذه غاية ما يسمح لي الوقت به من ذكر بعض أخباره وحكمه وآدابه(عليه السلام) وقد مر في كل جزء من الأجزاء السابقة بعض منها وسننشر ما بقي من ذلك وما ذكر سابقا من جزء مستقل ليكون أعم نفعا وأسهل تناولا فإن ذلك التراث الفكري الخالد وتلك الآداب التي كان(عليه السلام) يؤدب بها من يتصل به هي أشمل لنظام الحياة لاتصالها بواقع المسلمين من حيث الأخذ بتعاليم دينهم الذي يتكفل لهم السعادة.

صفاته

لقد كان الإمام الصادق(عليه السلام) مثلا أعلى للصفات الكاملة والمزايا الحميدة والأخلاق الفاضلة فهو الصادق في القول والناطق بالحق والعالم العامل بعلمه والموجه للامة بدعوته وما أجمع علماء الإسلام على اختلاف طوائفهم كما أجمعوا على فضله وعلمه.

وقد كان قويا في دينه لا يهن لشدة ولا يتزلزل عند النوازل ولا يضعف عند النكبة بل يتلقى كل ذلك بقلب لا يتسرب إليه الضعف.

ولقد وصفه المنصور وهو خصمه الألد بقوله: إنه ممن اصطفاه الله وكان من السابقين في الخيرات(83).

شهد الأنام بفضله حتى العدا *** والفضل ما شهدت به الأعداء

وقد وصفه تلميذه مالك بن أنس بأنه: كان من العلماء العباد الذين يخشونالله(84).

ووصفه أبو حنيفة بأنه: أعلم أهل زمانه وما رأى أعلم منه وأن هيبته تفوق هيبة المنصور صاحب الملك والصولجان(85).

ووصفه عمرو بن المقدام بقوله: ما نظرت إلى جعفر بن محمد إلا وعلمت أنه من سلالة النبيين(86).

وقد ثبت عن الإمام زيد بن علي(عليه السلام) أنه قال: إنه أي الصادق(عليه السلام) حجة الله لا يضل من تبعه ولا يهتدي من خالفه(87).

ولا بد لنا من الإيجاز هنا فيما يتعلق بصفاته ومميزاته بعد أن ذكرنا بعضا من ذلك في الأجزاء السابقة ولنا عودة في بيان صفاته ومميزاته إن شاء الله.

والآن وقد أوشكنا على الالتقاء بالاستاذ محمد أبو زهرة الذي نوهنا عنه في المقدمة؛ لإبداء ملاحظاتنا حول ما كتبه عن الإمام الصادق(عليه السلام) وقبل أن يضمنا مجلس النقاش وتبادل الآراء نود هنا أن نقتطف من ذلك الكتاب بعض انطباعات الاستاذ عن شخصية الإمام وصفاته ومميزاته فلنترك الحديث له.

من كتاب الإمام الصادق

ما أجمع علماء الإسلام على اختلاف طوائفهم كما أجمعوا على فضل الإمام الصادق(عليه السلام) وعلمه فأئمة السنة الذين عاصروه تلقوا عنه وأخذوا أخذ عنه مالك وأخذ عنه طبقة مالك كسفيان بن عيينة وسفيان الثوري وغيرهم كثير وأخذ عنه أبو حنيفة مع تقاربهما في السن واعتبره أعلم الناس لأنه أعلم الناس باختلاف الناس وقد تلقى عليه رواة الحديث طائفة كبيرة من التابعين منهم يحيى بن سعيد الأنصاري وأيوب السختياني وأبان بن تغلب وأبو عمرو بن العلاء وغيرهم من أئمة التابعين في الفقه والحديث وذلك فوق الذين رووا عنه من تابعي التابعين ومن جاء بعدهم والأئمة المجتهدين الذين أشرنا إلى بعضهم.

وفوق هذه العلوم اوتي الإمام الصادق(عليه السلام) علما بحاجات سلوك المؤمن ومتطلبات الحفاظ على الأخلاق فسدد الى الرأي الناجع والقول الحكيم والهم قدرة التقويم والتأثير في النفوس. وقد اطلعنا على جوانب من اهتمام الإمام(عليه السلام)بحياة الناس ومشاكل المجتمع فكان يبذل جهده من رأي ومال ومشاركة فعلية وجعل علم الأخلاق في مقدمة ما يرمي الى شيوع اصوله وقواعده المتمثلة بدعوته الى التمسك بتعاليم الدين الحنيف وقد أشرق علم الأخلاق من خلال قوة البرهان ونور الوجدان الديني وفعل مواقف الإمام وسيرته في النفوس وكانت وجوه التقوى والورع في مواجهة الانحراف وتقبل الناس للرذيلة.

وهكذا النفس المسؤولة التي تتحمل أعباء دوام الدعوة تعالج الاعوجاج بالخلق القويم وتواجه الباطل بالحق المبين.

ولننقل لك وصيته لابنه موسى فهي خلاصة تجارب نفس مؤمنة مستمسكة تمرست بالحياة وعلمت ما فيها فقد جاء في حلية الأولياء ما نصه:

حدث بعض أصحاب جعفر بن محمد الصادق قال: دخلت على جعفر وموسى بين يديه وهو يوصيه فكان مما حفظت منها أن قال:يا بني اقبل وصيتي وأحفظ مقالتي فإنك إن حفظتها تعيش سعيدا وتموت حميدا.يا بني من رضي بما قسمه الله له استغنى ومن مد عينيه إلى ما في يد غيره مات فقيرا ومن لم يرض بما قسمه الله اتهم الله في قضائه ومن استصغر زلة نفسه استعظم زلة غيره.يا بني من كشف حجاب غيره انكشفت عورات بيته ومن سل سيف البغي قتل به ومن احتفر لأخيه بئرا سقط فيها ومن داخل السفهاء حقر ومن خالط العلماء وقر ومن دخل مداخل السوء اتهم.يا بني إياك أن تزري بالرجال فيزرى بك وإياك والدخول فيما لا يعنيك فتذل لذلك.يا بني قل الحق لك أو عليك يا بني كن لكتاب الله تاليا وللسلام فاشيا وبالمعروف آمرا وعن المنكر ناهيا ولمن قطعك واصلا ولمن سكت عنك مبتدئا ولمن سألك معطيا وإياك والنميمة فإنها تزرع الشحناء في قلوب الرجال وإياك والتعرض لعيوب الناس فمنزلة المتعرض لعيوب الناس بمنزلة الهدف...(88)

2 ويقول في ص99: إن الصادق كان على علم دقيق بالفلسفة ومناهج الفلاسفة وعلى علم بمواضع التهافت عندهم وإنه مرجع عصره في رد الشبهات وقد كان بهذا جديرا وذلك لانصرافه المطلق إلى العلم ولأنه كان ذا أفق واسع في المعرفة لم يتسن لغيره من علماء عصره فقد كانوا محدثين أو فقهاء أو علماء في الكلام أو علماء في الكون وكان هو في كل ذلك(رضي الله عنه).

3 ولقد اشتهرت مناظرات الإمام الصادق حتى صارت مصدرا للعرفان بين العلماء وكان مرجعا للعلماء في كل ما تعضل عليهم الإجابة عنه من أسئلة الزنادقة وتوجيهاتهم وقد كانوا يثيرون الشك في كل شيء ويستمسكون بأوهى العبارات ليثيروا غبارا حول الحقائق الإسلامية والوحدانية التي هي خاصة الإسلام.

ويقول في ص75: وبقي أن نقول كلمة في صفاته وشخصيته العلمية نتيجة لما سقناه والنتيجة دائما مطوية في مقدماتها وكل ما أوتي به من علم وما أثر عنه من فقه هو نتيجة لتلك الشخصية التي تميزها صفاته.

وأول ما يستشرف له القارئ هو أن يقدم له الكتاب وصفا جسميا يقربه إلى خياله وتصويره وقد قال كتاب مناقبه أنه ربعة ليس بالطويل ولا القصير أبيض الوجه أزهر له لمعان كأنه السراج أسود الشعر جعده أشم الأنف قد انحسر الشعر عن جبينه وعلى خده خال أسود.

ويظهر أن هذا الوصف كان في شبابه قبل أن يعلوه الشيب فيزيده بهاء ووقارا وجلالا وهيبة.

هذا وصفه الجسمي أما وصفه النفسي والعقلي فقد بلغ فيه الذروة وها هي ذي قبسة من صفاته التي علا بها في جيله حتى نفس حكام الأرض عليه مكانه ولكنها هبة السماء وأنى لأهل الأرض أن يسامتوا أهل السماء.

الإخلاص

قد اتصف الإمام الصادق التقي بنبل المقصد وسمو الغاية والتجرد في طلب الحقيقة من كل هوى أو عرض من أعراض الدنيا فما طلب أمرا دنيويا تنتابه الشهوات أو تحف به الشبهات بل طلب الحقائق النيرة الواضحة وطلب الحق لذات الحق لا يبغي به بديلا لا تلتبس عليه الامور وإذا ورد عليه أمر فيه شبهة هداه إخلاصه إلى لبه ونفذت بصيرته إلى حقيقته بعد أن يزيل عنه غواشي الشبهات وإذا عرض أمر فيه شهوة أو إثارة مطمع بدد الظلمات بعقله الكامل وهو فيهذا متصف بما ورد في حديث مرسل عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)إذ قال: "إن الله يحب ذا البصر النافذ عند ورود الشبهات ويحب ذا العقل الكامل عند حلول الشهوات". ومن غير الإمام الصادق يبدد الشهوات بعقله النير وبصيرته الهادية المرشدة؟!

وإن الاخلاص من مثل الصادق هو من معدنه لأنه من شجرة النبوة فأصل الاخلاص في ذلك البيت الطاهر ثابت وإذا لم يكن الاخلاص غالب أحوال عترة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وأحفاد إمام الهدى علي(عليه السلام) ففيمن يكون الاخلاص؟ لقد توارثوا خلفا عن سلف وفرعا عن أصل فكانوا يحبون الشيء ولا يحبونه إلا لله ويعتبرون ذلك من اصول الإيمان وظواهر اليقين. فقد قال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): "لايؤمن أحدكم حتى يحب الشيء لا يحبه إلا لله".

وقد أمد الله تعالى الاخلاص في قلب الإمام الصادق(عليه السلام) بعدة عناصر غذته ونمته فآتى اكله.أولها: ملازمته للعلم ورياضته نفسه وانصرافه للعبادة وابتعاده عن كل مآرب الدنيا ولنترك الكلمة للإمام مالك يصف حاله فيقول: كنت آتي جعفر ابن محمد وكان كثير التبسم فإذا ذكر عنده النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أخضر واصفر ولقد اختلفت إليه زمانا فما كنت أراه إلا على إحدى ثلاث خصال: إما مصليا وإما صائما وإما يقرأ القرآن وما رأيته قط يحدث عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) إلا على طهارة ولا يتكلم فيما لا يعنيه وكان من العباد الزهاد الذين يخشون الله(89).وثانيها: الورع ولكن ورعه لم يكن حرمانا مما أحل الله فلم يكن تركا للحلال بل كان طلب الحلال من غير إسراف ولا خيلاء وقد أخذ بقول النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): كلوا واشربوا وألبسوا في غير سرف ولا مخيلة.

ولكنه مع طلبه الحلال كان يميل إلى الحسن من الثياب وكان يحب أن يظهر أمام الناس بملبس حسن لكيلا تكون مراءاة فيما يفعل فكان يخفي تقشفه تطهيرا لنفسه من كل رياء.

ولقد دخل سفيان الثوري على أبي عبدالله الصادق(عليه السلام) فرأى عليه ثيابا حسنة لها منظر حسن ويقول الثوري: فجعلت أنظر إليه متعجبا فقال لي ياثوري مالك لا تنظر إلينا؟ لعلك تعجب مما رأيت؟!

قلت: يابن رسول الله ليس هذا من لباسك ولا لباس آبائك.

فقال لي: يا ثوري كان ذلك زمانا مقفرا مقترا وكانوا يعملون على قدر إقفاره وإقتاره وهذا زمان قد أقبل كل شيء فيه ثم حسر عن ردن جبته وإذا تحته جبة صوف بيضاء يقصر الذيل عن الذيل والردن عن الردن ثم قال الصادق: يا ثوري لبسنا هذا لله وهذا لكم فما كان لله أخفيناه وما كان لكم أبديناه(90)وثالثها: أنه لم ير لأحد غير الله حسابا فما كان يخشى أحدا في سبيل الله ولا يقيم وزنا للوم اللائمين ولم يخش أميرا لإمرته ولم يخش العامة لكثرتهم ولم يغيره الثناء ولم يثنه الهجاء أعلن براءته ممن حرفوا الإسلام وأفسدوا تعاليمه ولم يمال المنصور في أمر وكان بهذا الإخلاص وبتلك التقوى السيد حقا وصدقا(91).

نفاذ بصيرته وقوة إدراكه

وإن الاخلاص إذا غمر النفس أشرقت بنور الحكمة واستقام الفكر والقول والعمل ولذلك الاخلاص نفذت بصيرته فصار يعرف الحق من غير عائق يعوقه وكان مع ذلك فيه ذكاء شديد وإحاطة واسعة وعلم غزير...إلخ(92).

حضور بديهته

وكان رضي الله عنه حاضر البديهة تجيئه إرسال المعاني في وقت الحاجة إليها من غير حبسة في الفكر ولا عقدة في اللسان وأن مناظراته الفقهية الكثيرة تكشف عن بديهة حاضرة وانظر إليه وأبو حنيفة يسأله في أربعين مسألة فيجيب عنها من غير تردد ولا تلكؤ مبينا اختلاف الفقهاء فيها وما يختار من أقوالهم وما يخالفهم جميعا فيه.

وإن مناظراته التي كان يلقم بها الزنادقة وغيرهم الحجة ما كانت ليستقيم فيها الحق لولا بديهة تسعفه بالحق في الوقت المناسب ولننقل لك مناظرة له في العدل بين الأزواج أثارها زنديق.

قال الزنديق: أخبرني عن قول الله تعالى (فانكحوا ماطاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة)(93) وقال في آخر السورة (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل)(94).

قال الصادق: أما قوله تعالى: (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة) فإنما عنى النفقة وقوله تعالى: (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم) فإنما عنى بها المودة فإنه لا يقدر أحد أن يعدل بين امرأتين في المودة.وإن حضور البديهة من ألزم اللوازم لقادة الأفكار والأئمة المتبعين فلا توجد قيادة فكرية لعيي في البيان ولا توجد قيادة فكرية لمن عنده حبسة في المعاني(95)

جلده وصبره

لقد كان أبو عبدالله الصادق ذا جلد وصبر وقوة نفس وضبط لها وأن الصابرين هم الذين يعلون على الأحداث ولا يزعجهم اضطراب الامور عليهم ونيلهم بالأذى وكان الإمام الصادق(عليه السلام) صبورا قادرا على العمل المستمر الذي لا ينقطع فقد كان في دراسة دائمة.

وكان مع ذلك الصبر وضبط النفس عبدا شكورا وإنا نرى أن الصبر والشكر معنيان متلاقيان في نفس المؤمن القوي الإيمان فمن شكر النعمة فهو الصابر عند نزول النقمة بل إن شكر النعمة يحتاج إلى صبر والصبر في النقمة لا يتحقق إلا من قلب شاكر يذكر النعمة في وقت النقمة والصبر في أدق معناه لا يكون إلا كذلك إذ الصبر الحقيقي يقتضي الرضا وهو الصبر الجميل.

ولقد كان أبو عبدالله(عليه السلام) صابرا شاكرا خاشعا قانتا عابدا صبر في الشدائد وصبر في فراق الأحبة وصبر في فقد الولد: مات بين يديه ولد له صغير من غصة اعترته فبكى وتذكر النعمة في هذا الوقت وقال: لئن أخذت لقد أبقيت ولئن ابتليت فقد عافيت.

ثم حمله إلى النساء فصرخن حين رأينه فأقسم عليهم ألا يصرخن ثم أخرجه إلى الدفن وهو يقول: سبحان من يقبض أولادنا ولا نزداد له إلا حبا. ويقول بعد أن واراه التراب: إنا قوم نسأل الله ما نحب فيمن نحب فيعطينا فإذا أنزل ما نكره فيمن نحب رضينا.

وها أنت ذا ترى أنه(رضي الله عنه) يذكر عطاء الله فيما أنعم في وقت نزول ما يكره وذلك هو الشكر الكامل مع الصبر الكامل.

وإن الصبر مع التململ لا يعد صبرا إنما هو الضجر والضجر والصبر متضادان وإنا نقول بحق: إن أوضح الرجال الذين يلتقي فيهم الصبر مع الشكر؛ هو الإمام الصادق(96).

سخاؤه

قال كثيرون من المفسرين في قوله تعالى: (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا)(97) إنها نزلت في علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وإن كانت هي في عمومها وصفا للمؤمنين الصادقي الإيمان لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ومهما يكن من القول في ذلك فإنه من المؤكد أن علي بن أبي طالب كان من أسخى الصحابة رضي الله عنهم بل من أسخى العرب وقد كان أحفاده كذلك من بعده فعلي زين العابدين كان يحمل الطعام ليلا ليوزعه على بيوت ما عرفت خصاصتها إلا من بعده.

ولم يكن غريبا أن يكون الإمام الصادق (عليه السلام) النابت في ذلك المنبت الكريم سخيا جوادا فكان يعطي من يستحق العطاء وكان يأمر بعض أتباعه أن يمنع الخصومات بين الناس بتحمل ما يكون فيها من الخسائر.

وكان (رضي الله عنه) يقول: لا يتم المعروف إلا بثلاثة: بتعجيله وتصغيره وستره. ولهذا كان يسر العطاء في أكثر الأحيان وكان يفعل ما كان يفعله جده علي زين العابدين فكان إذا جاء الغلس يحمل جرابا فيه خبز ولحم ودراهم فيحمله على عاتقه ثم يذهب إلى ذوي الحاجة من أهل المدينة ويعطيهم وهم لا يعلمون من المعطي حتى مات وتكشف ما كان مستورا وظهرت الحاجة فيمن كان يعطيهم وجاء في حلية الأولياء: وكان جعفر بن محمد يعطي حتى لا يبقي لعياله شيئا.

وإن السخاء بالمال يدل على مقدار قوة الإحساس الاجتماعي وإن ستره يدل على مقدار قوة الوجدان الديني وملاحظته جانب الله وحده وليس ذلك بعجب ممن نشأ مثل نشأة الإمام الصادق(98).

حلمه وسماحه

وفي صفحة 81 قال: ولقد كان رضي الله عنه سمحا كريما لا يقابل الإساءة بمثلها بل يقابلها بالتي هي أحسن عملا بقوله تعالى: (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم)(99).

وكان يقول: إذا بلغك عن أخيك شيء يسوؤك فلا تغتم فإن كنت كما يقول القائل كانت عقوبة قد عجلت وإن كنت على غير ما يقول كانت حسنة لم تعملها(100)

وكان رقيقا مع كل من يعامله من عشراء وخدم ويروى في ذلك أنه بعث غلاما له في حاجة فأبطأ فخرج يبحث عنه فوجده نائما فجلس عند رأسه وأخذ يروح له حتى انتبه فقال: ما ذلك لك تنام الليل والنهار لك الليل ولنا النهار.

على أن التسامح والرفق ليبلغ به أن يدعو الله بأن يغفر الإساءة لمن يسيء إليه ويروي في ذلك أنه كان إذا بلغه شتم له في غيبة يقوم ويتهيأ للصلاة ويصلي طويلا ثم يدعو ربه ألا يؤاخذ الجاني لأن الحق حقه وقد وهبه للجاني غافرا له ظلمه وكان يعتبر من ينتقم من عدوه وهو قادر على الانتقام ذليلا وإذا كان في العفو ذل فهو الذل في المظهر لا في الحقيقة بل إنه لا ذل فيه والانتقام إذا صدر عن القوي إذا أهانه الضعيف هو الذل الكبير فلا ذل في عفو ولا عظمة في انتقام ولقد قال(عليه السلام):ما نقص مال من صدقة وما زاد عبد بالعفو إلا عزا ومن تواضع لله رفعه.

وإن الحلم والتسامح خلق قادة الفكر والدعاة إلى الحق كما قال تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)(101) وكما قال آمرا نبيه وكل هاد بل كل مؤمن:(خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين)(102).

شجاعته

وفي صفحة 82 قال: اولئك ذرية علي ونسله الكرام صقلتهم الشدائد ولم تهن من عزائمهم المحن فالشجاعة فيهم من معدنه وهي فيهم كالجبلة لا يهابون الموت وخصوصا من يكون في مثل أبي عبدالله الصادق الذي عمر الإيمان قلبه وانصرف عن الأهواء والشهوات واستولى عليه خوف الله وحده. ومن عمر الإيمان قلبه ومن لا يخشى إلا الله فإنه لا يخاف أحدا من عباده مهما تكن سطوتهم وقوتهم وقد كان(رضي الله عنه) شجاعا في مواجهة من يدعون أنهم أتباع له وهم مع ادعاء هذه التبعية الرفيعة يحرفون الكلم عن مواضعه فهو لم ين عن تعريفهم الحق وتصحيح أخطائهم وعن توجيههم حتى إذا لم يجد التوجيه والملام أعلن البراءة منهم وأرسل من يتحدثون باسمه ليعلنوا هذه البراءة.

وكذلك كان شجاعا أمام الأقوياء ذوي السلطان والجبروت لا يمتنع عن تذكيرهم بالطغيان تعريضا أو تصريحا على حسب ما توجبه دعوة الحق من مراعاة مقتضى الحال ويحكى أن المنصور سأله: لم خلق الله تعالى الذباب؟ وذلك عندما وقعت ذبابة على وجه المنصور عدة مرات فأجاب الصادق معرضا بأهل الجبروت والطغيان: ليذل به الجبارين.

وقد كان هذا في لقائه للمنصور وقد تقول عليه الذين يطوفون بالحكام الأقاويل وإن هذه الإجابة في هذا اللقاء لأكبر دليل على ما كان يتحلى به من شجاعة وإنه في هذا اللقاء لا يكتفي بذلك بل ينصح المنصور قائلا له: عليك بالحلم فإنه ركن العلم واملك نفسك عند أسباب القدرة فإنك إن تفعل ما تقدر عليه كنت كمن يحب أن يذكر بالصولة واعلم إنك إن عاقبت مستحقا لم تكن غاية ما توصف به إلا العدل والحال التي توجب الشكر أفضل من الحال التي توجب الصبر.

ويروى أن بعض الولاة نال من علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في خطبته فوقف أبو عبدالله الصادق ورد قوله في شجاعة المحق المؤمن بالله وحده وختم كلامه بقوله: ألا انبئكم بأخلى الناس ميزانا يوم القيامة وأبينهم خسرانا من باع آخرته بدنيا غيره وهو هذا الفاسق(103).

فراسته

وفي صفحة 84 قال: كان الصادق ذا فراسة قوية ولعل فراسته هي التي منعته أن يقتحم في السياسة ويستجيب لما كان يدعوه إليه مريدوه مع ما يراه من حال شيعته في العراق من أنهم يكثر قولهم ويقل عملهم وقد اعتبر بما كان منهم لأبي الشهداء الإمام الحسين(رضي الله عنه) ثم لزيد وأولاده ثم لأولاد عبدالله ابن الحسن لذا لم يطعهم في إجابة رغباتهم في الخروج وكان ينهى كل الذين خرجوا في عهده عن الخروج.

وإن الأحداث التي نزلت بأسرته ووقعت حوله واحيط به في بعضها قد جعلته ذا إحساس قوي يدرك به مغبة الامور مع ذكائه الألمعي وزكاة نفسه فكان بهذا من أشد الناس فراسة وألمعية وأقواهم يقظة حس وقوة إدراك...إلخ(104).

هيبته

وفي صفحة 85 قال:

أضفى الله على جعفر بن محمد الصادق جلالا ونورا من نوره وذلك لكثرة عبادته وصمته عن لغو القول وانصرافه عما يرغب فيه الناس وجلده للحوادث كل هذا جعل له مهابة في القلوب فوق ما يجري في عروقه من دم طاهر نبيل وما يحمل من تاريخ مجيد لاسرته وما آتاه الله من سمت حسن ومنظر مهيب وعلو عن الصغائر واتجاه إلى المعالي وحسبك ما ذكرنا من أن أبا حنيفة عندما رآه في الحيرة وهو جالس مع المنصور الذي لا تغيب الشمس عن سلطانه راعه منظر الصادق واعتراه من الهيبة له ما لم يعتره من الهيبة للمنصور صاحب الحول والطول والقوة ولقد كانت هيبته تهدي الضال وترشد الحائر وتقوم المنحرف وكان يلقى الرجل من دعاة رؤوس الفرق المنحرفة فإذا رأى ما عليه الإمام من مهابة وجلال وروعة تلعثم بين يديه وهو اللجوج في دعايته ذو البيان القوي فإذا جادله الإمام بعد أن أخذته مهابته لا يلبث أن يقول ما يقول الإمام ويردد ما يرشده إليه.

قد التقى مرة بابن أبي العوجاء وهو داعية من دعاة الزنادقة بالعراق فلما رأى الصادق واسترعاه ما عليه من سمت وأخذ الصادق يتكلم لم يحر جوابا حتى تعجب الصادق والحاضرون فقال له: ما يمنعك من الكلام؟

ويقول الزنديق: ما ينطق لساني بين يديك فإني شاهدت العلماء وناظرت المتكلمين فما داخلتني(105) هيبة قط مثلما داخلني من هيبتك(106).

ويختم الاستاذ هذا الفصل بقوله: تلك بعض سجايا الصادق وإنه ببعض هذه الصفات يعلو الرجال على أجيالهم ويرتفعون إلى أعلى مراتب القيادة الفكرية فكيف وقد تحلى بهذه الصفات وبغيرها؟ وقد كان عطوفا ألوفا لين الجانب حلو العشرة وكان زاهدا عابدا قنوتا شاكرا صابرا(107).

هذا ما أردنا ذكره على انفراد من انطباعات الاستاذ أبي زهرة عن شخصية الإمام الصادق(عليه السلام) في كتابه الذي خصصه لدراسة حياته(عليه السلام) والذي نحن بصدد إبداء الملاحظات عليه وسننتقل بالقراء إلى مجلس المناقشة معه بعد أن نعقب على ما كتبناه هنا ببيان موجز كتمهيد للدخول في المناقشة معالاستاذ.

استنتاج وتعقيب

لعل ما قدمناه من البيان ينتهي بنا إلى نتيجة يحسن أن يقف عندها الباحثون عن تاريخ الشيعة وما اعتراه من ملابسات وما احيط به من غموض. وكل ذلك يعود إلى الخصومة المتكونة بين الشيعة وبين الدولتين الاموية والعباسية لأن أهل البيت(عليهم السلام) هم حملة لواء المعارضة في جميع الأدوار وشيعتهم ينضمون إلى جانبهم مهما كلفهم الأمر وهم أنصار تلك المعارضة وحملة تلك الدعوة وقد نكل بهم الامويون أشد تنكيل واضطهدوهم أعظم اضطهاد وقد بلغ الأمر إلى حد مؤلم إذ أصبحت التسمية باسم علي توجب الاتهام بالتشيع وأصبح اسم علي(عليه السلام) خطرا على من يذكره بخير حتى التجأ المحدثون إلى أن يكنوا عنه.

قال ابن عساكر(108): وفد زريق القرشي على عمر بن عبدالعزيز فقال: يا أمير المؤمنين إني رجل من أهل المدينة وقد حفطت القرآن والفرائض وليس لي ديوان.

فقال له عمر: من أي الناس أنت؟

فقال زريق: أنا رجل من موالي بني هاشم.

فقال عمر: مولى من أنت؟

قال: رجل من المسلمين.

فقال عمر: أسألك من أنت وتكتمني؟

فقال زريق: أنا مولى علي بن أبي طالب وكان بنو امية لا يذكر علي بين أيديهم فبكى عمر حتى وقعت دموعه على الأرض وقال: أنا مولى علي؛ حدثني سعيد بن المسيب عن سعد أن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعلي: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى"(109)

والقارئ يدرك بهذه القصة مدى التكتم من ذكر اسم علي في العهد الاموي ولعلنا في غنى عن ذكر الشواهد لذلك وبيان أعمال العنف التي ارتكبها الامويون في معاملة شيعة علي وما سجله التاريخ مما لا يمكن إنكاره وإن كان هناك إنكار فهو مكابرة ومغالطة.

أما الدور العباسي فقد اشتدت به الخصومة وتضاعفت المحنة وأصبح الأمر أشد نكاية وأعظم وقعا: وقد أظهر العباسيون في بداية الأمر عطفهم على أبناء علي والطلب بثأرهم والانتقام من خصومهم كسبا للظرف الراهن. ولكن سرعان ما تبدل الأمر فقد تنكر العباسيون للشيعة لأنهم قد لمسوا عدم الارتياح منهم لدولتهم وقد فتك السفاح بمن يتهمه بالميل لآل علي من القواد والزعماء مع تظاهره بالعطف على آل علي.

وانقضت أيام السفاح وجاء دور المنصور وهو داهية العباسيين ويعد في الواقع هو مؤسس الدولة فكان يحسب لأهل البيت وأنصارهم ألف حساب لأنه يخشاهم أكثر من غيرهم فكان يراقبهم عن كثب ويغري من يحصي عليهم المؤاخذات.

وقد عامل العلويين بالشدة وقابلهم بالنقمة وعامل أنصارهم بأقسى أنواع الظلم والإرهاب والقتل والتشريد بعد أن عجز عن جلبهم إليه واستخدامهم في دولته ليأمن جانبهم ويمضي في حكمه بدون معارضة أو مؤاخذة.

ولكن الشيعة قد آثروا الانفصال عن الدولة مهما نالهم من تعذيب وتنكيل اتباعا لأوامر الإمام الصادق(عليه السلام)زعيم أهل البيت في عصره عندما أعلن غضبه على الدولة وأمر الناس بعدم الركون إلى حكامها.

وهكذا تمر الأدوار وتعظم الأحداث ويذهب ملك ويأتي آخر وموقف الشيعة موقف ثبات ومعارضة في جميع الميادين وقد رسخت أقدامهم على ما اعتقدوه وهان عليهم في سبيل ذلك ما يلاقونه من ضروب المحن وقدموا التضحيات المجيدة حتى عرفوا في قاموس لغة السياسة أنهم امة هدامة أو حزب ثوري لا يعترفون بنظام الحكم القائم.

وليس من الصحيح أن يؤخذ مفهوم الشيعة بأمثال هذه التعريفات فالشيعة يعترفون بنظام الحكم الإسلامي الذي تتخذه الدولة شعارا لها ولكن المعارضة من الشيعة إنما هي لنفس الحكام إذ لم يسيروا على ما يوجبه ذلك النظام وقد لعبت بهم الأهواء والشهوات وحكموا بنظم مختلفة وآراء مضطربة لا تتفق مع نظم الإسلام وتعاليمه وما يدعونه من المحافظة على ذلك فهو بعيد عن الواقع. وثورة الشيعة ومعارضتهم إنما هي من أجل تطبيق نظام الإسلام الذي رفضه حكام الجور وأن أعمالهم التي سجلها التاريخ تعطي صورة عن تلك الامور المتناقضة والإنكار على ذلك من أعظم الأخطار التي تهدد الدولة فمن واجبها أن تقضي على المنكرين لتلك الأعمال.

والشيعة مما لا جدال فيه هم حملة لواء المعارضة وباسمهم تقوم الثورات المتتالية على تلك الأعمال المخالفة للإسلام وكان شعورهم بوجوب القضاء على ذلك النظام الفاسد يبدو مرة ويكمن اخرى ويظهر حينا ويختفي حينا آخر وهكذا حتى أصبحوا قادة المعارضة وأبدوا في ذلك ضروب البسالة فلم يثنهم إرهاب ولم تلن لهم قناة ولقد كانوا موضع إعجاب الناس وتقديرهم ولذا فإن الخليفة الذي كان يشد قبضة الإرهاب على الشيعة كان يستفز بمسلكه جمهور المسلمين ويثير حفيظتهم(110).

وعلى سبيل الاجمال فإن المصادر التي بين أيدينا تتضمن تلك الحوادث وتعطي صورة عن تلك الخصمومة واتساع دائرتها وهي أصدق تفسير لما كان يرمى به أتباع أهل البيت من تهم وما يسند إليهم من آراء وأقوال لا وجود لها. وإن استعمال تلك الأساليب الخداعة في تضليل الناس عن واقع الأمر كان أقوى سلاح تستعمله السلطة في محاربة الشيعة فقد كان يسلم من نقمة المخدوعين من يعرفونه دهريا وسوفسطائيا ولا يتعرضون لمن يدرس كتابا فلسفيا أو مانويا ويقتلون من عرفوه شيعيا ويسفكون دم اسم من سمى ابنه عليا(111).

ونتيجة لتلك الخصومة فقد استطاعت السلطة بقوة الحكم وشدة الإرهاب وأساليب الدعاية أن يقرن اسم الشيعة بالكفر عندما يطلق أو بالضلال عندما يعرف أو البغي عندما يصدر علماء السوء فتوى في وجوب قتل الشيعة وإبادتهم(112).فيجب على المؤرخ أو الكاتب إن كان هدفه الوصول إلى الحقيقة أن يأخذ أثر تلك الخصومة التي نشبت بين الشيعة وبين ولاة الأمر على ممر الأيام بعين الاعتبار ويكون النظر إلى الحوادث بعين العقل من دون تقليد أو تعصب إذ الاستسلام لكل قول والأخذ بكل رأي من دون تمحيص جناية على التاريخ.

وقد قلت سابقا: إن مهمة المؤرخ عن الشيعة هي أعسر من مهمة من يؤرخ لغيرها من طوائف المسلمين؛ لوجود عواطف الاتهام وزوابع الافتراء طبقا لرغبات ولاة الأمر مما أوجد غموضا في الموضوع وتشويها للحقيقة وقد اندفع أنصارهم لتأييد ما يقترحونه في اتهام الشيعة ونشرها في المجتمع حتى نالت تلك الأوهام على ممر الأيام صبغة الواقع إذ لم تجد من يكشف عن واقعها بيد لم تلوث بأدران التعصب.

والمؤرخ أو الكاتب إذ كان مقلدا أو متعصبا لم يتسع أفق تفكيره بل ويضيق مسلكه فهو لا يؤدي حق التاريخ وأمانة الأجيال لأن جموده على عبارات سلف نشأوا في عصور مظلمة بتيارات الخلافات المذهبية يجعله أسير آراء شاذة وليس لعقله وحرية تفكيره دخل في دراسته ولئن بقي الأمر على ما هو عليه؛ فستبقى القافلة تتعثر في الظلام كما تبقى براكين العداء تغلي ويخشى انفجارها بين آونة واخرى وفي كل فترة يبرز كاتب مأجور يحمل بيده مقدحة الفتنة ليوقد نارها فنسطلي بلهيبها وأعداؤنا يعملون عملهم الجدي فيما يعود عليهم بالنفع والتقدم ولا نكسب من ذلك إلا الخسران والتأخر.

ونحن الآن وبعد أن لمسنا أضرار ذلك التفكك والانقسام نأمل كما يأمل كثير من الناس أن تطرح المغالطات جانبا وأن يتركز البحث على إظهار الحقيقة ليرفع الستار وتزول الأشباح المخيفة الجاثمة من ورائه وهناك يكون التفاهم ويحصل التقارب الواقعي ويخسر هنالك المبطلون الذين يعظم عليهم تقارب المسلمين لأنهم يعيشون في الماء القذر ولا يهمهم إلا الهوس والتهريج وإثارة الفتنة خدمة لأسيادهم وطمعا في الحطام الزائل.

تلك عصور مضت وأيام خلت وذهبت بما فيها من آلام ومحن أيام كان المسلمون يتخاصمون ويتنازعون ويكفر بعضهم بعضا. وقد واجهت الامة الإسلامية أعظم الأخطار وهي تحيا حياة التفكك والانقسام.

والآن وقد ولت تلك الأدوار بما فيها من محن وكوارث يلزم أن نلقي ستارا على آثار تلك الخصومات وأن نحلل الامور تحليلا يوصلنا إلى الحق الذي يجب أن نتبعه وأن نوجه الأضواء الكاشفة عن حقيقة ما كتب في تلك العصور المظلمة حول العقائد والآراء ولكثير من طوائف المسلمين وبالأخص الشيعة لتظهر لنا الحقيقة كاملة ونسير على ضوء العلم والواقع.

ونحن بهذا الوقت الحاضر لا يسعنا إلا الاعتراف بوجود وعي عام يرجى من ورائه إزالة الحواجز التي حالت بين المسلمين وبين تقاربهم والدعوة إلى التآلف والتقارب لتشق طريقها بنجاح بين المسلمين جميعا.

وقد عظم ذلك على كثيرين من ضعفاء النفوس وذوي الأقلام المسمومة الذين لا يروق لهم اتحاد المسلمين وتقاربهم فراحوا يثيرون الفتن وقلوبهم توقد بنار الغيظ (قل موتوا بغيظكم) فالامة الإسلامية قد اصطدمت بواقعها والشعور بوجوب بناء العلاقات الإسلامية على ما أمر الله به ورسوله قد انتشر ولا يمكن مقاومة هذا الوعي بما تبثونه من غدر وخيانة في نشر الخلاف وبذر الحقد بين صفوف المسلمين.

وإلى الله نبتهل بأن يجمع كلمة الامة الإسلامية ويحقق آمال دعاة الإصلاح في لم الشعث وجمع الشمل بعد أن لعبت بهم الأهواء وفرقتهم الخصومة.

وعلى هذا الأمل المنشود والامنية التي هي غاية كل مؤمن نساير الاستاذ الشيخ محمد أبو زهرة في مناقشاتنا له ببعض ما ورد في مؤلفه "الإمام الصادق" فعلى بساط الواقع يعقد مجلسنا وعلى ضوء العلم نسجل مؤاخذتنا وخدمة الامة هدفنا ورضا الله قصدنا وهو حسبنا ونعم الوكيل.

 

 (58) النوبختي ص 36.

(59) تاريخ الطبري ج9 ص31.

(60) مروج الذهب ج3 ص314.

(61) مروج الذهب ج3 ص314.

(62) راجع الجزء الرابع في خلاصة الصراع بين دعوة الإمام الإصلاحية ودولة المنصور العباسية.

(63) التوسل والوسيلة لابن تيمية ص52 ومالك بن أنس لمحمّد أبو زهرة ص28 نقلاً عن المدارك للقاضي عياض ص212.

(64) الكافيج5 ص107 ح7.

(65) حلية الأولياء ج3 ص194.

(66) رجال المامقاني ج2 ص24.

(67) جامع أسانيد أبي حنيفة ج1 ص222 ومناقب أبي حنيفة للموفق ج1 ص 177.

(68) تاريخ العلويين لمحمّد أمين غالب ص140.

(69) الكافي ج6 ص268 ح1.

(70) تاريخ ابن عساكر ج5 ص320.

(71) تاريخ ابن عساكر ج4 ص208.

(72) بحار الأنوار ج47 ص254 ـ 255.

(73) بحار الأنوار ج72 ص115 ح17.

(74) صفوان بن يحيى أبو محمّد البجلي المتوفى سنة (210 هـ) كان من أصحاب الإمام موسى بن جعفر وقد روى عن أربعين رجلاً من رواة الإمام الصادق وكان معروفاً بالزهد والعبادة وكان قد تعاقد هو وعبدالله بن جندب وعلي بن النعمان؛ أنّ من مات منهم صلى من بقي منهم صلاته وصام صيامه فماتا وبقي صفوانفكان يصلي في كل يوم مائة وخمسين ركعة فرضاً ونفلاً ويصوم في السنة ثلاثة أشهر وكان مؤلفاً وله كتب يربو عددها على الثلاثين ذكره النجاشي وغيره.

(75) عبدالله بن سنان بن طريف الحنظلي كان من ثقات أصحاب الصادق(عليه السلام) وقد مرت الإشارة إليه.

(76) بحار الأنوار ج72 ص453 ح15.

(77) بحار الأنوار ج72 ص453 ح13.

(78) بحار الأنوار ج72 ص449 ح6.

(79) بحار الأنوار ج74 ص41 ح49.

(80) عدة الداعي ص79.

(81) بحار الأنوار ج75 ص141 ح34. وفيه "عن علي بن الحسين بدل الصادق (عليه السلام)".

(82) تحف العقول ص373 ـ 403.

(83) تاريخ اليعقوبي ج3 ص177.

(84) مناقب ابن شهرآشوب ص297.

(85) تذكرة الحفاظ ج1 ص157 جامع أسانيد أبي حنيفة ج1 ص122 مناقب أبي حنيفة للموفق ج1 ص173 الإمام الصادق لأبي زهرة ص85.

(86) حلية الأولياء ج3 ص193.

(87) بحار الأنوار ج47 ص19.

(88) حلية الأولياء ج3 ص195.

(89) المدارك مخطوط بدار الكتب المصرية الورقة رقم 210.

(90) حلية الأولياء ج3 ص193.

(91) الإمام الصادق لأبي زهرة ص78.

(92) الإمام الصادق لأبي زهرة ص78.

(93) النساء: 3 .

(94) النساء: 129.

(95) الإمام الصادق لأبي زهرة ص78 ـ 79.

(96) الإمام الصادق لأبي زهرة ص 80.

(97) الإمام الصادق لأبي زهرة ص80، والآية في سورة الإنسان 8.

(98) الإمام الصادق لأبي زهرة ص81.

(99) فصلت 34 .

(100) الإمام الصادق لأبي زهرة ص81.

(101) النحل 125.

(102) الإمام الصادق لأبي زهرة ص82، والآية في سورة الأعراف 199.

(103) الإمام الصادق لأبي زهرة ص83.

(104) الإمام الصادق لأبي زهرة ص84.

(105) في الرواية فما تداخلني.

(106) بحار الأنوار ج3 ص46 .

(107) الإمام الصادق، محمد أبوزهرة ص86 .

(108) تاريخ ابن عساكر ج5 ص320.

(109) صحيح مسلم ج4 ص1780 ح2404.

(110) ثورة الزنج ص36.

(111) ثورة الزنج ص35.

(112) رسائل ابن عابدين ج1 ص368 ـ 369 تجد نص فتوى أبي السعود في وجوب قتل الشيعة وجهادهم ومستنده أنهم بغاة على السلطان .