حركة التنازع بيـن المذاهــب

 

حركة التنازع 

بيـن المذاهــب

 

كلمات حول تنازع المذاهب

كان النزاع بين طوائف المسلمين إنّما هو نزاع علمي، واختلاف لا يتعدى حدود القول في النقض لبعض ما ينهجه الآخر، وسارت الاُمور على هذا المنوال، ولكن حركة الانشقاق تتّسع وروح الاختلاف تسري في المجتمع بسرعة، لقوّة الدافع السياسي الذي يحاول أن لا تتّفق الاُمة على رأي واحد، فهو يعمل على إحياء العصبية، إذ لا حياة للنظام الملكي إلاّ بها(1).

ومضى عصر أئمّة المذاهب وجاء دور أتباعهم فشغل كلّ بمذهبه الذي يرتضيه، وتأصلت روح الخصومة وانحاز كلّ إلى جهة بدون التفات إلى ماوراء هذا التحيّز من خطر على العلم، في ضياع حقيقته، وسلب منافعه التي أراد الإسلام أن تسير الاُمة على ضوء تعاليمه القيّمة لاكتساب السعادة. ولم يصل الأمر إلى تحديد الأخذ بمذهب معيّن لا غير والزام الناس بالأخذ عن المذاهب الأربعة فحسب إلاّ بعد مدة من الزمن.

يقول الشاه ولي الدهلوي(2): اعلم أنّ الناس كانوا في المائة الأولى والثانية غير مجتمعين على التقليد في مذهب واحد بعينه، بل كان الناس على درجتين: العلماء والعامة، وكانوا في المسائل الاجتماعية التي لا خلاف فيها بين المسلمين أو بين جمهور المجتهدين لا يقلّدون إلاّ صاحب الشرع، وكانوا يتعلّمون صفة الوضوء والغسل وأحكام الصلاة والزكاة ونحوه، من آبائهم أو معلمي بلادهم فيمشون على ذلك، وإذا وقعت لهم واقعة نادرة استفتوا فيها أي مذهب وجدوا من غير تعيين مذهب.

وأما العلماء فكانوا على مرتبتين: منهم من أمعن في تتبّع الكتاب والسنة والآثار حتى حصل له بالقوة القريبة من الفعل ملكة تؤهله لفتيا الناس يجيبهم في الوقائع غالباً، بحيث يكون جوابه أكثر مما يتوقف فيه ويخصّ باسم المجتهد، وهذا الاستعداد يحصل تارة باستفراغ الجهد في جميع الروايات، فإنّه ورد كثير من الأحكام في الأحاديث وكثير منها في آثار الصحابة والتابعين.

ثم بعد هذه القرون كان ناس آخرون، ذهبوا يميناً وشمالاً ، وحدث فيهم اُمور منها: الجدل والخلاف في علم الفقه وتفصيله، على ما ذكره الغزالي(3).

ولمّا انقرض عهد الخلفاء الراشدين أفضت الخلافة إلى قوم تولّوها بغير استحقاق، ولا استقلال بعلم الفتاوى والأحكام، فاضطروا إلى الاستعانة بالفقهاء، وإلى استصحابهم في جميع أحوالهم، وكان بقي من العلماء من الطراز الأوّل، فكانوا إذا طلبوا هربوا وأعرضوا، فرأى أهل تلك الأعصار ـ غير العلماء ـ اقبال الأئمة عليهم مع اعراضهم، فاشتروا طلب العلم توصلاً إلى نيل العزّ، فأصبح الفقهاء بعد أن كانوا مطلوبين طالبين، وبعد أن كانوا أعزة بالاعراض عن السلاطين أذلّة بالاقبال عليهم، إلاّ من وفّقه اللّه، وقد كان من قبلهم قد صنف ناس في علم الكلام، وأكثروا القال والقيل والإيراد والجواب وتمهيد طرق الجدال، وقع ذلك منهم بموقع من قبل أن كان الصدور والملوك من مالت نفسه إلى المناظرة في الفقه من مذهب الشافعي وأبي حنيفة، فترك الناس الكلام وفنون العلم، واقبلوا على المسائل الخلافية بين الشافعي وأبي حنيفة على الخصوص، وتساهلوا في الخلاف مع مالك وسفيان وأحمد بن حنبل وغيرهم، وزعموا أنّ غرضهم استنباط دقائق الشرع وتقرير علل المذهب، وتمهيد اُصول الفتاوى، وأكثروا فيها التصانيف وهم مستمرون عليه إلى الآن، ولسنا ندري ما الذي قدّره اللّه تعالى فيما بعده من الأعصار؟

ويعطينا الخطابي(4) في كتابه معالم السنن صورة عن الخلاف الذي حصل بعد المائة الثالثة بين فقهاء المسلمين ومتّبعي المذاهب، إذ يقول :

رأيت أهل زماننا انقسموا إلى فرقتين: أصحاب حديث وأثر، وأهل فقه ونظر، ووجدت هاتين الفرقتين إخواناً متهاجرين .

أمّا أهل الحديث والأثر، فإنّ الأكثر منهم إنّما  كدهم الروايات وجمع الطرق، وطلب الغريب والشاذ من الحديث الذي أكثره موضوع أو مقلوب لا يراعون ولا يفهمون المعاني، وربّما عابوا الفقهاء وتناولوهم بالطعن وادّعوا عليهم مخالفة السنن. وأمّا الطبقة الاُخرى وهم أهل الفقه والنظر، فإنّ أكثرهم لا يعرجون من الحديث إلاّ على أقلّه، ولا يكادون يميزون صحيحه من سقيمه، إذا وافق مذاهبهم التي ينتحلونها، ووافق آراءهم التي يعتقدونها، وقد اصطلحوا على مواضعة بينهم في قبول الخبر الضعيف والحديث المنقطع إذا كان قد اشتهر عندهم ، وتعاورته الألسن فيما بينهم من غير تثبّت فيه، أو يقين علم به، ولو حكي لهم عن واحد من رؤساء مذاهبهم وزعماء نحلهم قول يقوله باجتهاده من قبل نفسه طلبوا فيه الثقة واستبرأوا له العدّة، فتجد أصحاب مالك لا يعتمدون في مذهبه إلاّ على ما كان من رواية ابن القاسم وأشهب، فإذا جاءت رواية عبداللّه بن الحكم واضرابه لم يكن عندهم طائلاً، وترى أصحاب أبي حنيفة لايقبلون من الرواية عنه إلاّ ما حكاه أبو يوسف ومحمد بن الحسن ، فإن جاءهم عن الحسن بن زياد اللؤلؤي وذوي روايته قول بخلاف لم يقبلوه ولم يعتمدوه. وكذلك تجد أصحاب الشافعي، إنما يعوّلون في مذهبه على رواية المزني والربيع بن سليمان المرادي، فإذا جاءت رواية خزيمة والجرمي وأمثالهما لم يلتفتوا إليها، ولم يعتدّوا بها في أقاويله.

وعلى هذا عادة كلّ فرقة من العلماء في أحكام مذاهب أئمتهم وأساتذتهم. فإذا كان هذا دأبهم وكانوا لا يقتنعون في أمر هذه الفروع والرواية عن هؤلاء الشيوخ إلاّ بالوثيقة والتثبّت، فكيف يجوز لهم أن يتساهلوا في الأمر الأهم، والخطب الأعظم، وأن يتواكلوا الرواية والنقل عن إمام الأئمة ورسول ربّ العزة(صلى الله عليه وآله وسلم) الواجب حكمه، اللازمة طاعته، الذي يجب علينا  التسليم لحكمه والانقياد لأمره، من حيث لا نجد في أنفسنا حرجاً مما قضاه، ولا في صدورنا غلاً من شيء أبرمه وأمضاه، ولكنّ أقواماً عساهم استوعروا طريق الحق، واستطابوا الدعة في ذلك الخطّ، وأحبوا عجالة النيل ، فاختصروا طريق العلم، واقتصروا على نتف وحروف منتزعة من معاني اُصول الفقه سمّوها عللاً وجعلوهم شعاراً لأنفسهم في الترسم برسم  العلم، وأخذوا جُنّة عند لقاء خصومهم ونصبوها ذريعة للخوض والجدال يتناظرون بها ويتلاطمون عليها، وعند التصادر عنها قد حكم الغالب بالحذق والتبرير، فهو الفقيه المذكور في عصره والرئيس المعظّم في بلده ومصره، انتهى باختصار(5).

التعصّب بين المذاهب

هذه بعض كلمات علماء ذلك العصر أوردناها ليتّـضح للقارئ سير العلم في تلك الأدوار، والخلاف الذي أدى إلى الارتباكات التي أحاطت بمفهومه، وبلغ الحال إلى تطور مؤلم أدى إلى الطعن في المعتقدات، ونتج من وراء ذلك ثورات دموية ذهبت بكثير من النفوس والأموال بشكل يبعث على الأسف الشديد لما حل من التطاحن بين المذاهب، فأصبحوا أعداء متخاصمين في المعتقدات، وقد عامل بعضهم بعضاً معاملة الخارجين عن الدين، حتى قال محمد بن موسى الحنفي قاضي دمشق المتوفى سنة (506 هـ ): «لو كان لي من الأمر شيء لأخذت على الشافعية الجزية»(6) ويقول أبو حامد الطوسي المتوفى سنة (567 هـ ) : «لو كان لي أمر لو ضعت على الحنابلة الجزية»(7).

إنّ أسباب تلك الفتن التي حلت بالمسلمين كلّها تعود لمسايرة بعض العلماء للدولة، يشايعها ويؤيّد وجهة نظرها، فأغدقت عليه العطاء، وبذلك أصبح العلم مسايراً للدولة.

ولو استقلّ العلم عن مؤثرات السياسة في تلك العصور، لأرغمت الدولة على الخضوع له ولسارت في ركابه، وفي ذلك سعادة الاُمّة، ولكن بعض حملة العلم بمسايرتهم لولاة الأمر الذين انحرفوا عن الدين أصبحوا دعامة تستند عليها سلطتهم الجائرة في أهم الاُمور، ممّا جعل الناس ينظرون إلى الإسلام وهو مسلوب القوة العادلة عن تنظيم شؤون العالم. والدين أجلّ وأسمى من أن يكون مهبّاً للاهواء، أو مثاراً لاختلاف الآراء أو مجالاً لتحزّب العلماء.

وعلى أيّ حال فقد اصطدمت الطوائف اصطداماً عنيفاً، وخلقت كثيراً من المشاكل التي هي في نهاية التعقيد ولا يمكن حلّها ما دام علماء الدولة هم المحور لتلك الاُمور، ومنهم تنبعث تلك الأفكار التي تتحرك بها شعور العامة فيقع من وراء ذلك حوادث مؤلمة.

*   *   *

وإذا نظرنا إلى الحوادث المؤلمة التي حصل فيها التشاجر والتطاحن بين معتنقي المذاهب الأربعة، فإنّ ذلك يبعث في نفوسنا الألم، مما وصلت إليه الحالة السيئة بين جماعات الاُمّة، ويدلّنا ذلك بكلّ وضوح على إبطال من يدّعي لهم الاتفاق وعدم الخلاف، وهو بذلك يستدلّ على أحقيّة مذاهبهم، وصدق معتقداتهم، كما ذهب إليه صاحب كتاب التبصير وغيره ممّن يطلقون الأقوال بدون تدبر، ويحكمون بدون تثبّت.

ليت شعري أخفيت عليهم تلك الحوادث التي وقعت بين الحنفية والحنابلة وبين الحنابلة والشافعية، يوم قام خطباء الحنفية يلعنون الحنابلة والشوافع على المنابر، والحنابلة يحرقون مسجداً للشافعية بمرو.

وتقع هناك فتنة ذهب تحت هياجها خلق كثير، ويعظم الأمر والخلاف بين الحنفية والشافعية في نيسابور، وتقع فتنة مبعثها التعصب المذهبي، فتحرق الأسواق والمدارس، ويكثر القتل في الشافعية فينتصرون بعد ذلك على الحنفية، ويسرفون في أخذ الثأر منهم وذلك في سنة (554 هـ ) ومثلها

تقع بين الشافعية والحنابلة، وتضطر السلطة إلى التدخل في حسم النزاع

بالقوة، وذلك في سنة (716 هـ )(8) وكثر القتل وحرق المساكن والأسواق في اصبهان وكان منشؤه التعصب(9).

ولشدّة وقوع الفتن ببغداد فقد نادى منادي السلطان بمنع  الفتن وعدم ذكر المذاهب والخصومة فيها(10).

وكان الحنابلة يخلون في أعمالهم بالأمن، ويرهجون بغداد، ويستظهرون بالعميان على الشافعية الذين كانوا يأوون للمساجد، فإذا مرّ بهم شافعيّ المذهب أغروا به العميان فيضربونه(11)، وكان رئيس الحنابلة وزعيمهم الديني الشيخ البربهاري يتولى إثارة الفتنة وذلك في سنة (323 هـ ) .

ولما تولّى القشيري الوعظ بالمدرسة النظامية عظم ذلك على الحنابلة فحطّوا منه، وكان ينال منهم فوقعت بينهم فتنة ذهبت بكثير من النفوس(12)، واشتدّ تعصّب محبّ الدين محمد الهندي الحنفي المتوفى سنة (789 هـ ) على الشافعية وكان يظهر التديّن والنسك، ويرى تعصّبه عليهم تديناً والدين بريء من ذلك(13)، وتجتمع بقية المذاهب على الحنابلة غضباً على أعمال ابن تيمية ونودي في دمشق وغيرها: من كان على دين  ابن تيمية حلّ ماله ودمه بمعنى انّهم كفرة يعاملون معاملة الكافرين على أنّ الشيخ ابن حاتم الحنبلي يقول: «من لم يكن حنبلياً فليس بمسلم»(14) فهو يكفّر جميع المسلمين، وعكسه الشيخ أبو بكر المقري الواعظ في جوامع بغداد ذهب إلى تكفير الحنابلة أجمع(15).

ولقد لقي الشيخ عبد الغني المقدسي المتوفى سنة (600هـ ) من التحامل عليه والتكفير له، وللحنابلة بدمشق ما يطول ذكره حتى هجر دمشق.

وتكفير الفرق بعضها بعضاً أمر شائع يحزّ في صدر الحقّ، ويؤلم التأريخ وقعه، ويتبرّأ الإسلام منه.

هذا أبو سهل بن زياد القطان، وكان من الحفّاظ والثقات عندهم يذهب إلى تكفير المعتزلة مستدلاًّ بقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ)(16) ـ الآية ـ ، وثارت فتن عمياء ووقعت حوادث مؤلمة مبعثها التعصّب الأعمى .

فهذا الشيخ أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزآبادي المتوفى سنة (479هـ ) وكان شيخ الشافعية وعالمهم المبرز تعصّب الحنابلة عليه فتكلّموا فيه وبالغوا في الأذى بألسنتهم، فثارت فتنة عظيمة أدّت إلى ذهاب نفوس من الطرفين، وانتصر السلطان لأبي إسحاق فسجن شيخ الشافعية(17). وهذا الفقيه أبو منصور المتوفى سنة (567 هـ ) قتله الحنابلة بالسم تعصباً عليه، قال ابن الجوزي: إنّ الحنابلة دسوا إليه امرأة جاءت إليه بصحن حلوى

وقالت: هذا يا سيدي من غزلي، فأكل هو وامرأته وولد له صغير فأصبحوا موتى، وكان من علماء الشافعية المبرزين(18)، وكذلك أبو الحسن بن فورك قتل مسموماً بسبب التعصب وأبو علي خادم المستنصر كان من أئمة الشافعية في مصر، وكان يجلس في حلقة ابن عبد الحكم ويناظرهم فسعوا به إلى السلطان، وقالوا: هذا جاسوس فحبسه سبع سنين، واجتمع مشايخ المذاهب في هراة عند الملك ألب أرسلان يستغيثون به من الشيخ محمد بن عبداللّه الأنصاري الحنبلي بعد أن جعلوا صنماً تحت سجادته، ويقولون للملك إنّه مجسّم، وأنّه يترك في محرابه صنماً يزعم أنّ اللّه على صورته، فتفحّص الملك ووجد الأمر كذلك(19).

التحوّل من مذهب إلى مذهب

ويحدّثنا ابن خلكان(20) عن الشيخ الآمدي المتوفى سنة (631 هـ ) كان أول اشتغاله حنبليّ المذهب، وانحدر إلى بغداد وبقي مدة ثم انتقل إلى مذهب الشافعي، وعاد إلى الديار المصرية وتولى الاعادة بالمدرسة المجاورة لضريح الإمام الشافعي، فحسده جماعة من فقهاء البلاد وتعصّبوا عليه، ونسبوا إليه فساد العقيدة وانحلال الطوية، ومذهب الفلاسفة والحكماء، وكتبوا محضراً يتضمّن ذلك، ووضعوا خطوطهم بما يستباح به دمه.

وفي مصر يأمر القاضي المالكي وهو الحارث بن مسكين بإخراج الحنفية والشافعية من المسجد وأمر بنزع حصرهم .

وفي سنة (538 هـ ) قدم بغداد الحسن بن أبي بكر النيسابوري الحنفي وتحامل على الأشعري وعلى الشافعية، وفيها أخرج أبو الفتوح الاسفراييني من بغداد لما حصل فيها من الفتن بين الأشعرية والشافعية(21).

ولعلّ أعظم صورة تتجلّى بها روح العصبية والخلاف بين الطوائف هي قضية القفال عند السلطان محمود بن ناصر، وذلك أنّه كان حنفيّاً وتحوّل شافعياً فأحضر علماء الفريقين، وطلب من القفال المروزي أن يصلي ركعتين طبق المذهب الحنفي، فصلّى القفال على مذهب الشافعي، وكان شافعي المذهب بوضوء وشرائط معتبرة، ثم صلى على مذهب أبي حنيفة وما يجوزه في الصلاة فصلى ركعتين بتلك الصورة القبيحة التي ذكروها، ونحن نعرض عن ذكرها(22).

وهذا الشيخ علي بن الحسن الملقب بسيف الدين المتوفى سنة (631 هـ )، كان حنبليّاً ثم صار شافعيّاً، وتعصّب عليه فقهاء البلاد وحكموا عليه بالكفر والزندقة(23).

وكثير من أمثاله من العلماء الذين قتلوا بسيف التعصّب بشهادة رجال ذلك العصر، ولا يستبعد أنّ ذلك كلّه افتراء محض، وأنّ أكثر هؤلاء هم بريئون مما نسب إليهم، وقد استساغ أعداؤهم  شهادة الزور على من يخالفهم تديناً.

استفتى بعضهم في شهادة على شافعيّ زوراً فأجابه المفتي ألست تعتقد أنّ دمه وماله حلال؟ قال: نعم. قال: فما دون ذلك، فاشهد وادفع فساده عن المسلمين.

وهذه الاُمور التي ابتلي بها الإسلام إنّما هي من جنايات علماء السوء الذين تزلّفوا للدولة، وتأثّروا بسياستها لفتح باب الشحناء والنزاع والتخاصم والبغضاء بين طوائف المسلمين، فتجد الحنابلة يتعصّبون على الحنفية والحنفية على الحنابلة، ولو أنعمنا النظر في طيات التاريخ، واستعرضنا حوادث الفتن بين المنتسبين إلى السنة بعضهم مع بعض، فإنّنا نجد من الواقع ما يؤلم قلب كلّ مسلم.

يقول الاُستاذ السيد محمد رشيد رضا صاحب المنار: ومن أغرب ما تجد أنّ العدوان بين الشافعية كان من أسباب حملة التتار على المسلمين، تلك الحملة التي كانت أوّل صدمة صدعت بناء قوة المسلمين صدعاً لم يلتئم من بعده. أدر طرفك في بلادهم اليوم وانظر حال هذه المذاهب على ضعف الدين في نفوس الجماهير تجد بأسهم بينهم شديداً تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى، كما قال اللّه تعالى في وصف من لا إيمان لهم ولا إيمان(24).

التعصّب لأئمة المذاهب

تعدّدت عوامل التفرقة، وكثرت طرق الخلاف بين الطوائف، وتعصّب كلّ إلى جهة، فأهل الجرح والتعديل أدّى بهم التعصّب إلى الحطّ مما يخالف مذهبهم فاستهان بعضهم ببعض، واختلق بعضهم مكارم  لبعض، فكم من مجروح عدلوه، وعادل جرحوه، وأعطف عليهم المؤرخون، فإنّهم ربّما وضعوا اُناساً ورفعوا اُناساً، إمّا لتعصب، أو لجهل، أو لمجرّد اعتماد على نقل من لا يوثق به أو غير ذلك.

يقول السبكي: «والجهل في المؤرخين أكثر منه في الجرح والتعديل، وكذلك التعصّب، قلّ إن رأيت تاريخاً خالياً من ذلك، وأمّا تأريخ شيخنا الذهبي غفر اللّه له فإنّه على حسنه وجمعه مشحون بالتعصّب، فإنّه أكثر الوقيعة في أهل الدين الذين هم صفوة الخلق، واستطال بلسانه على كثير من أئمة الشافعية والحنفية، ومال فأفرط ومدح فزاد في المجسّمة.

ويقول الحافظ صلاح الدين: إنّ الحافظ شمس الدين الذهبي لا شكّ في دينه وورعه، ولكنّه غلب عليه مذهب الاثبات ومنافرة التأويل، والغفلة عن التنزيه حتى أثّر ذلك في طبعه انحرافاً شديداً(25).

وعلى أيّ حال فقد مالت الأهواء وأثّرت النزعات فنفروا من الحقائق ولم يتقبلوها، فكتبوا بما توحيه إليهم أهواؤهم وأغراضهم، لا بما تقتضيه الحقيقة من حيث هي حقيقة لا تقبل الدجل والتدليس .

وتأصّلت روح العداء، وتحيّز كلّ إلى مذهبه، وغلوا في أئمتهم غلوّاً أخرجهم عن حدود الاتزان، ووضعوا في مدحهم ما شاءت رغباتهم بدون قيد وشرط، وتوسّعوا في وضع الأحاديث عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) بالبشائر بأئمّة المذاهب، كما أورد الحنفية مرسلا: أنّ آدم افتخر بي وأنا أفتخر برجل من اُمتي اسمه النعمان، وبصورة اُخرى: الأنبياء يفتخرون بي وأنا أفتخر بأبي حنيفة، من أحبّه فقد أحبّني ومن أبغضه فقد أبغضني(26).

وتوسّعوا في الادعاءات لتصحيح مذهبه ووجوب اتباعه، وأنّ عيسى يحكم بمذهبه، وأنّ اللّه غفر له ولأهل مذهبه إلى يوم القيامة(27)، وأنّه أعظم معجزة للنبيّ بعد القرآن.

ومن ذلك قولهم إنّ اللّه خصّ أبا حنيفة بالشريعة والكرامة، ومن كرامته أنّ الخضر(عليه السلام) كان يجيء إليه كلّ يوم وقت الصبح ويتعلّم منه أحكام الشريعة إلى خمس سنين، فلما توفي أبو حنيفة دعا الخضر ربّه، فقال: ياربّ إن كان لي عندك منزلة فأذن لأبي حنيفة حتى يعلمني من القبر على عادته، حتى اعلم الناس شرع محمّد على الكمال ليحصل لي الطريق، فأجابه ربه إلى ذلك. وأتمّ الخضر دراسته على أبي حنيفة وهو في قبره في مدة خمس وعشرين سنة إلى آخر ما في هذه الأسطورة التي تُتلى في مجالس الحنفية في الهند ومساجدهم(28)، وقد صنعت في عصور التعصّب، ولو بُعث أبو حنيفة لأقام الحدّ على هؤلاء المتجرئين بالكذب والافتراء على مقام الأنبياء، ولخرّ صعقاً إلى الأرض وعفّر خدّه فهو يعرف نفسه، ولكنّهم أرادوا أن يحسنوا فأساءوا، ويقول شاعرهم لتأييد صحة مذهبه وترجيحه على غيره.

غدا مذهب النعمان خير المذاهب  ***  كذا القمر الوضاح خير الكواكب

مذاهب أهل الفقه عندي تقلّصت  *** واين عن الروسي نسج العناكب

ويقول الشاعر الشافعي :

مثل الشافعي في العلماء *** مثل البدر في نجوم السماء

قل لمن قاسه بنعمان جهلاً *** أيقاس الضياء بالظلماء

والمالكية يدعون لإمامهم اُموراً : منها أنّه مكتوب على فخذه بقلم القدرة «مالك حجة اللّه في أرضه»، وأنّه يحضر الأموات من أصحابه في قبورهم وينحي الملكين عن الميت ولا يدعهما يحاسبانه على أعماله(29)، ومنها أنّه القى كتابه الموطأ في الماء فلم يبتل ويقول شاعرهم:

إذا ذكروا كتب العلوم فحي هل  ***  يكتب الموطأ من تصانيف مالك

فشد به كف الصيانة تهتدي ***  فمن حاد عنه هالك في الهوالك

ويقول الحنبلي :

سبرت شرائع العلماء طراً *** فلم أر كاعتقاد الحنبلي

فكن من أهله سراً وجهراً  *** تكن أبداً على النهج السوي

ويقول آخر :

أنا حنبلي ما حييت وإن أمت *** فوصيتي للناس أن يتحنبلوا

والحنابلة يقولون: أحمد بن حنبل إمامنا فمن لم يرض فهو مبتدع، فما أكثر المبتدعين في نظرهم على هذه القاعدة!

وتقوّلوا على الشافعي قوله: من أبغض أحمد بن حنبل فهو كافر، فقيل له: أتطلق عليه اسم الكفر؟ فقال: نعم، من أبغض أحمد عاند السُنة، ومن عاند السنة قصد الصحابة، ومن قصد الصحابة أبغض النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ومن أبغض النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) كفر باللّه العظيم(30).

وإنّي استبعد صدور هذا القول من الشافعي وهو في مكانته، ولكنّ الغلوّ لايقف عند حدّ، ولا يتقيد بشرط، وإلاّ فلماذا لا يسمّى من أبغض علياً  كافراً؟ مع انّا نراهم يعظّمون المتوكل العباسي ويسمّونه بناصر السنة ويحوكون له المناقب والفضائل(31)، وهو في تحامله على عليّ(عليه السلام) وبغضه له، وتقريبه من عرف بالنصب والعداء له: كعمر بن فروخ، وأبي السمط، وعبد اللّه بن

محمد بن داود، وعلي بن الجهم وغيرهم من حزبه وأعوانه، حتى أنّه كان لا يأنس إلاّ بنقص علي(عليه السلام) والحطّ من كرامته، وكان يقصد من يبلغه عنه أنّه يتولى علياً وأهل بيته فيأخذ ماله ويهدر معه، ولكنّهم لم يلتفتوا إلى هذا الخطأ فوسموه بأنه ناصر السنة، وأنه من أهل الجنة، ومن أولياء اللّه ومجاوريه في حظيرة القدس، وجعلوه في عداد أبي بكر وعمر بن عبد العزيز(32) .

وكذلك حزبه النواصب وسمّوهم بالسنة، وقال ابن الجوزي في مناقب أحمد: وكان علي بن الجهم من أهل السنة، حسن الرأي في أحمد.

فعلى هذا أنّ كلّ من كان حسن الرأي في أحمد هو من أهل السنة، وإن أساء الرأي في جميع المسلمين ونال منهم، قاتل اللّه الغلوّ  كيف يحيد بصاحبه عن طريق الحق .

وكذلك يقولون: إنّه ما قام بأمر الإسلام أحد بعد رسول اللّه ما قام به أحمد ابن حنبل ولا أبو بكر الصديق مثله، وإنّ اللّه جلّ وعلا كان يزور قبره إلى آخر ما هنالك من مناقب مبعثها الجهل والتعصّب .

ويحدّثنا الشيخ عبد اللّه بن محمد الهروي إذ يقول : قصدت أبا حاتم بن جاموس بالري، وكان مقدّم أهل السنة، وقد أمر السلطان محمود أنّ على كلّ من دخل الري أن يعرض اعتقاده على الشيخ أبي حاتم، قال : فلما قربت من الري كان معي رجل في الطريق، فسألني عن مذهبي، فقلت: حنبلي، فقال: مذهب ما سمعت به، وهذه بدعة وأخذ بثوبي وقال: لا أفارقك حتى تذهب إلى الشيخ أبي حاتم، فذهب بي إلى داره فأخبره بذلك، فقال الشيخ : دعه فكلّ من لم يكن حنبلياً فليس بمسلم(33).

فسائر أهل المذاهب الإسلامية أجمع  في نظر هذا الشيخ كفّار، وما أعظمها من قسوة في الحكم، وما أبعد هذا الشيخ عن الانتساب لمنزلة العلم! ولكن حكم العاطفة العمياء يسلب الرجل رشده، وللعصبية وقعها وطابعها إذا ما كانت بدافع السياسة وبتأثير الحكام وهي النوع الأغلب الذي بفعله حدثت المآسي. ولولا انجرار ضعاف النفوس وضيّقي العقول لما تحوّلت صفحات الإخاء الى سطور دموية.

حركات التعصّب بين المذاهب

وكان القضاء للحنفية لإيثار الخلفاء لهم بذلك، ولمّا أراد القادر باللّه نقله إلى الشافعية، عيّن أبا العباس أحمد بن محمد البارزي الشافعي بدلاً من الأكفاني الحنفي قاضي بغداد بإشارة أبي حامد الأسفراييني، وكتب أبو حامد بذلك إلى السلطان محمود، وأهل خراسان: أنّ الخليفة نقل القضاء عن الحنفية إلى الشافعية، فاشتهر ذلك وصار أهل بغداد حزبين ثارت بينهما الفتن، فاضطر الخليفة إلى جمع الأشراف والقضاة وأخرج إليهم رسالة تتضمّن أنّ الاسفراييني دخل على أمير المؤمنين مداخل أوهمه فيها النصح والشفقة والأمانة.

وكانت على اُصول الدخل والخيانة، فلما تبيّن له أمره ووضح عنده خبث اعتقاده فيما سأل فيه من تقليد البارزي الحكم والعدول بأمير المؤمنين عمّا كان عليه أسلافه، من إيثار الحنفية وتقليدهم واستعمالهم، صرف البارزي وأعاد الأمر إلى حقّه وأجراه على قديم رسمه، وحمل الحنفية على ما كانوا عليه من العناية والكرامة، والحرمة والاعزاز، وتقدم إليهم أن لا يلقوا أبا حامد ولا يقضوا له حقاً ولا يردوا عليه سلاماً ، وخلع على أبي محمد الأكفاني، وانقطع أبو حامد عن دار الخلافة وظهر التسخّط عليه والانحراف عنه(34).

ظهر لنا من هذه القصة عظيم اهتمام الحنفية في منصب القضاء. ويعود الأمر لمنزلة القضاة، إذ هم همزة الوصل بين البلاط وأهل ذلك المذهب، وتكون لهم تلك الحظوة ونيل الكرامة والعناية والحرمة والاعزاز; ما حمل الحنفية على إثارة تلك الفتنة عندما أراد الشافعية سلبها منهم، والاختصاص بهذه المنزلة دونهم، وانتهت تلك المشكلة بتنازل الخليفة عن رأيه، وعاد الأمر إلى نصابه.

والتزاحم بالمناكب على القضاء هو أقوى عامل لإثارة تلك الفتن وبثّ روح الشغب والفرقة، وتغليب مذهب على مذهب بقوة السلطة القائمة، ونشر القضاة المناصرين لمذهب على مذهب.

وكان القضاة في أغلب الأوقات يثيرون الفتن ويوقدون نار الحرب بين الطوائف. فأحمد بن صاعد الحنفي رئيس نيسابور وقاضيها، وكان يلقب بشيخ الإسلام، وقد بالغ في تعصّبه على بقية المذاهب فأغرى بعضهم ببعض حتى لعنت الخطباء أكثر الطوائف على المنابر(35).

وأراد القاضي بكار أن يعمل في جامع بني اُمية إماماً حنفياً، وكان لا يؤم فيه إلاّ شافعي، ولا صعد منبره غير شافعي، فأراد هذا القاضي أن يشاركهم بإمام على مذهبه فثارت الشافعية وأغلقوا الجامع وعزل القاضي(36).

ولعلّ من أعظم  تلك الفتن التي وقعت بين المذاهب هي فتنة ابن القشيري عندما ورد بغداد سنة (469 هـ ) وجلس في النظامية وأخذ يذمّ الحنابلة وينسبهم إلى التجسيم، وكتب إلى الوزير يشكو الحنابلة ويسأله المعونة، وهجم أصحاب القشيري على زعيم الحنابلة عبد الخالق بن عيسى، ووقع قتال بين الطرفين واغلق اتباع ابن القشيري وهم الشافعية أبواب سوق مدرسة النظام، وغضب أبو إسحاق الشيرازي وكاتب فقهاء الشافعية نظام الملك غضباً لتسلط الحنابلة، واتّسعت الفتنة وفكّر الخليفة في حلّ هذه المشكلة واهتدى إلى سعيه في الصلح، فجمع القشيري وأصحابه وأبا جعفر الشريف زعيم الحنابلة وأصحابه بمحضر الوزير، فقام القشيري رئيس الشافعية والتفت إلى الوزير عندما طلب منه الصلح وقال: أيّ صلح يكون بيننا؟ إنمّا يكون الصلح بين مختصمين على ولاية أو ديناً أو تنازع في ملك. فأمّا هؤلاء القوم فإنّهم يزعمون إنّا كفار، ونحن نزعم أنّ من لا يعتقد ما نعتقده كان كافراً، فأيّ صلح يكون بيننا؟(37)

وقد واجه كثير من العلماء وتحمّلوا بلاءً عظيماً عندما يتحولون من مذهب إلى مذهب حتى قالوا: «إن من يصير حنفياً يخلع عليه، ومن يصير شافعياً يعزّر»(38).

فهذا أبو سعيد المتوفى سنة (562 هـ ) كان حنفيّ المذهب وتحول شافعياً، ولقي عناء وامتحن لذلك، وهذا السمعاني لما انتقل من المذهب الحنفي إلى المذهب الشافعي لقي محناً وتعصباً وقامت الحروب على ساق، واضطرمت نيران الفتنة بين الفريقين، فكانت تملأ ما بين خراسان والعراق، واضطرب أهل مرو لذلك اضطراباً فظيعاً، وفتحت باب المشاقة، وتعلّق أهل الرأي بأهل الحديث وساروا إلى باب السلطان إلى آخر ما وصفه السبكي في الطبقات(39).

والشيخ عبد العزيز بن الخزاعي كان من أكابر المالكية، فلما قدم الإمام الشافعي بغداد تبعه وقرأ عليه كتبه ونشر علمه، والشيخ محمد بن عبد اللّه المتوفى سنة (268 هـ ) كان على مذهب الإمام مالك، فلما قدم الشافعي إلى مصر انتقل إلى مذهبه ثم رجع، وأبو جعفر بن نصر الترمذي المتوفى سنة (259 هـ ) رأس الشافعية بالعراق كان حنفياً فلما حجّ انتقل إلى مذهب الشافعي، وأبو جعفر الطحاوي كان شافعياً وتفقه على خاله المزني ثم تحول حنفياً بعد ذلك، والخطيب البغدادي الحافظ  المتوفى سنة (493 هـ ) كان حنبلياً ثم صار شافعياً، وابن فارس صاحب كتاب المجمل في اللغة، كان شافعياً تبعاً لوالده ثم انتقل إلى مذهب مالك، والسيف الآمدي الاُصولي المشهور المتوفى سنة (631 هـ ) كان حنبلياً، ثم تحول إلى مذهب الشافعي، والشيخ محمد بن الدهان النحوي المتوفى سنة (590 هـ ) كان حنبلياً ثم انتقل إلى مذهب الشافعي ثم تحول حنفياً، حينما طلب الخليفة نحوياً يعلّم ولده النحو ثم تحول شافعياً، والشيخ تقي الدين محمد بن علي بن دقيق العيد كان أولاً مالكياً ثم تحول إلى مذهب الشافعي، وكلّ هؤلاء امتحنوا وعذّبوا من قبل أنصار المذهب الذي يتحولون منه وأمثالهم كثيرون(40).

وقد طغت موجة التعصّب حتى أصبح التكتّم بالمذهب لازماً. يقول أبو بكر محمد بن عبد الباقي المتوفى سنة (535 هـ ) وكان حنبليّاً :

احفظ لسانك لا  تبح بثلاثة *** سن ومال ما استطعت ومذهب

فعلى الثلاثة تبتلى بثلاثة *** بمكفر وبحاسد ومكذب

ويعطينا الزمخشري صورة واضحة من صور الخلاف وشدّة التطاحن بين المذاهب، وطعن البعض على البعض بقوله :

إذا سألوا عن مذهبي لم أبح به  *** وأكتمه كتمانه لي أسلم

فإن حنفياً قلت قالوا بأنني *** أبيح الطلى وهو الشراب المحرّم

وإن شافعياً قلت قالوا بأنني *** أبيح نكاح البنت والبنت تحرم

وإن مالكياً قلت قالوا بأنني ***  أبيح لهم أكل الكلاب وهم هم

وان قلت من أهل الحديث وحزبه *** يقولون تيس ليس يدري ويفهم(41)

محنة خلق القرآن

هذا عرض موجز لحركات التعصّب الطائفي الذي تستّرت به السلطة الحاكمة من وراء تلك الحوادث، لتوقع الفرقة في صفوف المسلمين، فتصل إلى غاياتها، ويشقّ علينا ذكر أمثال هذه الحوادث المؤلمة، وقد ذكرنا بعضها استطراداً في البحث لإظهار حقيقة يلزمنا اظهارها نصرة للحق، ورداً للباطل وتكذيباً لما يدّعيه البعض كالأسفراييني وغيره من اتفاق المذاهب وعدم حصول أي خلاف بينهم، ولم يحصل بينهم شقاق وتطاحن، ولم يكفّر بعضهم بعضاً، مستدلين بذلك على صحة مبادئهم وبطلان مذهب الشيعة وفساد عقائدهم بحصول الخلاف فيما بينهم، وتكفير بعضهم بعضاً، ونحن لا نستغرب من الاسفراييني هذه الدعوة الباطلة فكم له في كتابه من غرائب وافتعالات على سائر فرق المسلمين بدون دليل، بل هو تقول بالباطل ورجم في الغيب، واليك قوله : الفصل الثاني من هذا الباب في طريق تحقيق النجاة لأهل السنة ، والجماعة في العاقبة.

منها أنّ أهل السنة مجتمعون فيما بينهم لا يكفّر بعضهم بعضاً، وليس بينهم خلاف يوجب التبرّي والتكفير، فهم إذاً أهل الجماعة، قائمون بالحقّ، واللّه تعالى يحفظ الحقّ وأهله، كما قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)(42) قال المفسرون: أراد به الحفظ عن التناقض، وما من فريق من فرق المخالفين إلاّ وفيما بينهم تكفر وتبري، يكفّر بعضهم بعضاً. كما ذكرنا من الخوارج والروافض والقدرية، حتى اجتمع سبعة منهم في مجلس واحد فافترقوا عن تكفير بعضهم بعضاً، وكانوا بمنزلة اليهود والنصارى حين كفّر بعضهم بعضاً، حتى قالت اليهود: (ليست النصارى على شيء)، وقالت النصارى: (ليست اليهود على شيء)(43). هذا ما يقوله بل يتقوّله الأسفراييني وكم له من تقوّل وافتعال، ولا أدري أخفي على الأسفراييني تلك الحوادث التي مر ذكرها فيذهب إلى هذا الرأي؟ أم نسي محنة القول بخلق القرآن، وما حدث من ورائها من تكفير البعض للبعض؟ فقد ذهب أحمد بن حنبل إلى تكفير من يقول بخلق القرآن، ويقول أبو عبد اللّه محمد بن يحيى الدهلي المتوفى سنة (255 هـ ) : من زعم أنّ القرآن مخلوق فقد كفر، وبانت منه امرأته، فإن تاب وإلاّ ضربت عنقه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ومن وقف وقال لا أقول مخلوق أو غير مخلوق فقد ضاهى الكفر، ومن زعم أنّ لفظي بالقرآن مخلوق فهو مبتدع، ولا يدفن في مقابر المسلمين، على أنّ أحمد بن حنبل لم يقبل توبة التائب، وكان لا يشيع جنازة من يقول بخلق القرآن ، ولم يصلِّ على أحد منهم، وكان يرتّب عليهم أحكام الكفّار، وشاع التكفير حتى عند النساء، يحدثنا الخطيب، إنّ امرأة تقدمت إلى قاضي الشرقية عبد اللّه بن محمد الحنفي، فقالت: إنّ زوجي لا يقول بمقالة أمير المؤمنين في القرآن، ففرّق بيني وبينه(44).

واتّسع الخلاف بين المسلمين، من تكفير البعض للبعض، فطائفة تقول: إنّ من قال القرآن غير مخلوق فهو كافر، وعليه ابن أبي داود وجماعته، حتى أنّ الواثق استفك من الروم أربعة آلاف من الاُسارى، ولكنه اشترط أنّ من قال القرآن مخلوق يخلى من الأسر، ويُعطى دينارين(45)، ومن امتنع عن ذلك فيترك في الأسر ولا يفكّ، بمعنى أنّه رتّب آثار الكفر على من لم يقل بخلق القرآن .

ولمّا قدم أحمد بن نصر إليه قال له الواثق: ما تقول في القرآن؟ وكان أحمد ممن يذهب إلى أنّ القرآن غير مخلوق، فقال: كلام اللّه، وأصرّ على رأيه غير متلعثم، فقال بعض الحاضرين: هو حلال الدم، وقال ابن أبي داود: هو شيخ مختلّ لعلّ به عاهة أو تغيّر عقله، يؤخّر أمره ويستتاب، فقال الواثق ما أراه إلاّ داعياً للكفرة، ثم دعا بالصمصامة فقال: إذا قمت إليه فلا يقومنّ أحد معي فإنّي أحتسب خطاي إلى هذا الكافر الذي يعبد ربّاً لا نعرفه، ثم أمر بالنطع فأجلس عليه وهو مقيّد، وأمر أن يشدّ رأسه بحبل، وأمرهم أن يمدّوه، ومشى إليه برجله وضرب عنقه، وأمر بحمل رأسه إلى بغداد(46).

هذا بعض ما حلّ بالمسلمين من عوامل الفرقة، وحوادث الشغب بين معتنقي المذاهب الأربعة، ممّا يبعث على الأسف الشديد، لما حلّ بالاُمّة من التفكك والتحيّز، الأمر الذي جعل المتدخلين في صفوف المسلمين ينفّذون خططهم، ويحقّقون أهدافهم في تفريق كلمة المسلمين وصدع وحدتهم.

ولم نقصد بهذا العرض إلاّ اعطاء صورة عمّا حدث من الحوادث التي لا يزال اثرها في تاريخ الاُمّة الإسلامية من أكبر عوامل التأخر والانحطاط.

بين السنّة والشيعة

وإذا أردنا أن نولّي وجوهنا شطر الحوادث التي حدثت بين المسلمين: السنّة والشيعة. فإنّ ذلك أدهى وأمرّ، وأشدّ وقعاً، وأعظم خطراً.

لقد وقعت بين السنّة والشيعة حوادث مؤلمة أدّت إلى إثارة نيران الفتن وإراقة الدماء، وحرق المساكن.

وليس بودّنا أن نذكر هنا  كلّ ما حدث من خلاف بين هاتين الطائفتين في اُمور، لو طرحت على بساط البحث والمناقشة العلمية لزال كلّ شيء، وكان الحكم للحقّ وحده، والحقّ أحقّ أن يتّبع .

لأنّ الخلاف كان لا يتعدّى حدود النزاع في مسألة الإمامة وغيرها من المسائل التي حدث الخلاف بين الطائفتين فيها، ثم تطور الوضع إلى تحزّب ضد الشيعة، واتّجاه معاكس، فحاكوا لهم التهم وحملوا عليهم بكلّ ما هو شائن من دون التفات إلى حقّ العلم، أو خضوع للحق.

ويطول بنا الحديث حول ذلك هنا، وسنتحدّث عن ذلك فيما بعد، والشيء الذي نودّ أن نشير إليه هو: أنّ الأمر بلغ أشدّه حتى أدّى إلى ثورات دموية مؤسفة، وفتن ذهب تحت هياجها خلق كثير، ولعلّ من أعظم ذلك يوم كان الشيعة يقومون بإقامة شعائرهم الدينية كيوم عاشوراء، ويوم الغدير، فإنّ ذلك يدعو إلى الإنكار من إخوانهم السنّيين، بدعوى أنّ النياحة وإقامة الزينة يوم الغدير بدعة.

وكان يصحب هذا الإنكار اعتداء أدّى إلى إراقة الدماء بين الفريقين، وقتل خلق كثير(47).

ومع هذا فإنّ السنة قاموا بما قامت به الشيعة من النياحة على مصعب بن الزبير مقابلة للحسين(عليه السلام)، واقاموا الزينة يوم الغار مقابل يوم الغدير، وقد مرّت الإشارة لذلك(48).

كما أنّهم أقاموا النياحة على كثير من الناس، وقد رأوا أنّ ذلك من الاُمور المستحسنة، حتى قال محمد بن يحيى النيسابوري ـ حين بلغه موت أحمد بن حنبل ـ : ينبغي لأهل كلّ دار في بغداد أن يقيموا على أحمد بن حنبل النياحة في دورهم(49).

واُقيمت النياحة على أحمد بن حنبل وعظم الحزن عليه، ولازموا قبره مدة من الزمن، اظهاراً للتفجع، واقيمت مجالس العزاء عليه، كما اُقيمت النياحة على غيره من الرجال وللمثال نذكر بعضاً من ذلك:

يموت أبو الفتح إسماعيل بن السلطان محمود سنة (567 هـ )، فتقام عليه المآتم ويناح عليه نوح الثكلى ، ويكثر البكاء في الطريق، وتفرش بالرماد اظهاراً للحزن، وتعظيماً للمصاب(50).

ويموت ابن تيمية سنة (728 هـ ) فتحضر جنازته خمسون ألف امرأة ينحن عليه، ومائتا ألف رجل يرفعون أصواتهم بالتكبير مزيجاً بالبكاء والعويل، ولما غسّل جمع ماء غسله فشربوه تبركاً به، واقتسم جماعة بقيّة السدر الذي غسل به تبركاً، ودفع بالطاقية التي على رأسه خمسمائة درهم، والخيط الذي في رقبته فيه الزئبق لدفع القمل دفع فيه مائة وخمسون ديناراً، وسارت جنازته بين الضجيج والبكاء، والمنادي أمامه ينادي هكذا تكون جنائز أهل السنة، ولما وضع على المغتسل دخل الرجال عليه يقبّلونه وينوحون عليه، ثم أذن للنساء ففعلن مثل ذلك(51)، واُقيمت عليه المآتم ودامت النياحة ورثاه خلق كثير، منهم شمس الدين الذهبي وغيره(52).

ويموت أحمد بن السلطان ملك شاه سنة (481 هـ ) فيمكث الناس ينوحون عليه سبعة أيام ولم يركب أحد فرساً والنساء ينحن عليه في الأسواق، وسوّد أهل البلاد أبوابهم .

ويموت شيخ الحرمين، فتطوف تلامذته في الشوارع ينوحون عليه نوح النساء وكسروا المحابر وأقاموا النياحة عليه سنة كاملة(53).

وأبو عمر الحنبلي المتوفى سنة (607 هـ ) يعظم عليه البكاء والعويل ويتناحون عليه رجالاً ونساء، وغسل في المسجد، ونشف ماء غسله بخمر النساء، وعمائم الرجال ـ للتبرك طبعاً ـ ويتسابقون إلى تمزيق كفنه يتبركون به، وكادت تبدو عورته، لولا محافظة الدولة على كرامته، فدفعت الناس عنه بالسيف. قال ابن العماد: ولولا الدولة لما وصل من كفنه إلى قبره شيء(54).

وتخرج النساء يوم وفاة المسترشد العباسي سنة (529 هـ ) ينحن عليه ويلطمن وهن منشرات الشعور ينشدن المراثي في الطرقات، أما الرجال فشاركوهن بالنياحة وزادوا بأن شقوا الثياب عليه(55).

وغير هؤلاء ممن يطول بنا الحديث عنهم، وما حدث من مظاهر الحزن والأسى يوم وفاتهم وبعده.

والعزاء أو البكاء من الحالات الإنسانية التي تظهر العطف وتبيّن ما في دواخل المرء من مشاعر وهي تتناسب عكسياً مع القسوة والغلظة، وإنّما تناولنا مظاهرها في خلال الفترة التاريخية التي أصبح فيها القضاء والفتوى تبعاً لأهواء الحكّام الذين يسمحون بذلك، لأنّ المتوفين لا يمثلون في شخصياتهم رموزاً تهدّد أركان نظامهم، كالإمام الحسين أو الإمام الصادق أو الإمام الكاظم الذي ترك جثمانه الطاهر على رأس الجسر ومنادي السلطة ينادي بذاك النداء المعروف، ولا مانع أن تقابل البدع ببدع اُخرى ـ كما يرى الحكّام ـ لأنّ أساس الاتهام واه، فلو كان قطعيّاً أو حتى ظنّياً لكان على هؤلاء أن يتوقفوا عند المنع.

ويكفي ما تضمّه الروايات من صور لعاطفة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يبكي عمّه حمزة، منها: ما رواه الواقدي عندما جاءته صفية فجلست عنده فجعلت إذا بكت يبكي(صلى الله عليه وآله وسلم)، وفاطمة الزهراء(عليها السلام) تبكي، فلمّا بكت بكى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم).

أو ما رواه البخاري أنّه(صلى الله عليه وآله وسلم) دخل على ابنه إبراهيم وهو يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) تذرفان. فقال له عبدالرحمن بن عوف: وأنت يا رسول الله! فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): يابن عوف، إنّها رحمة، ثم أتبعها باُخرى فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): إنّ العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلاّ ما يرضي ربّنا، وإنّا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون.

وأيضاً عن أنس بن مالك قال: شهدنا بنتاً لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) تدفن ورسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)جالس عند القبر، قال: فرأيت عينيه تدمعان.

ولما استشهد جعفر بن أبي طالب، أتى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أسماء فقال: أخرجي لي ولد جعفر، فخرجوا إليه فضمّهم إليه وشمّهم ودمعت عيناه.

وروي عن الإمام الصادق(عليه السلام) قوله: «إن زين العابدين(عليه السلام) بكى على أبيه أربعين سنة، صائماًنهاره، وقائماً ليله فإذا حضره الإفطار جاءه غلامه بطعامه وشرابه، فيضعه بين يديه، ويقول: كُل يا مولاي، فيقول: قتل ابن رسول الله جائعاً، قتل ابن رسول الله عطشاناً، ولا يزال يكرّر ذلك ويبكي، حتى يبل طعامه من دموعه، فلم يزل كذلك حتى لحق بالله عزّ وجل».

ونحن إذا نظرنا إلى أسباب تلك المؤاخذات التي تؤاخذ بها الشيعة واستوجبت حدوث تلك الحوادث، نجد الأسباب تعود إلى متابعة أغراض السلطة، حتى تحكّم العداء للشيعة وأصبح الابتعاد عن تهمة التشيع، أمراً لازماً حتى حرموا التشبّه بهم .

ذكر الزرقاني في المواهب اللدنية في صفة عِمّة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) على رواية علي(عليه السلام) في إسدالها على منكبه حين عمّمه رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم ذكر قول الحافظ العراقي إنّ ذلك أصبح شعار كثير من فقهاء الإمامية فينبغي تجنّبه لترك التشبّه بهم(56).

فهذا الشيخ يفتي بترك التشبه بالشيعة في اتّخاذ العِمّة التي كان رسول اللّه يلبسها، وهذا شاهد من آلاف الشواهد التي عامل بها رجال اُولئك العصر شيعة آل محمد.

وعبّروا أنّ من المصلحة أن يمنع المصلي عن اختصاص جبهته بما يسجد عليه من أرض وغيرها، لأنّ ذلك الاختصاص من شعار الشيعة.

ولا غرابة فإنّ تهمة التشيع تدعو لسخط الدولة، وهل وراء ذلك إلاّ ازهاق الأرواح، ونهب الأموال أو السجن أو التبعيد؟ لذلك التجأ الأكثر إلى التظاهر في الوقيعة بهم فأدى الأمر إلى التباعد عنهم والحذر من تهمة التشيّع حتى في الرؤيا.

يحدّثنا الخطيب البغدادي: أنّ رجلاً رأى علياً(عليه السلام) في المنام فلم يجسر على الدنو منه فسأله صاحبه، فقال : أخشى أن قربت إليه أسأله أن أتّهم بالتشيع(57).

هكذا أرادت السلطة الجائرة، تفريق كلمة المسلمين، وإيقاد نار العداء فيما بينهم، لغايات تعود لمصالحهم الخاصة، ورغبات في نفوسهم، لا تنال مع الوحدة والاتحاد، وتبادل الثقة والاخاء.

وكان في الاُمّة رجال يدعون إلى الحقّ، وينبّهونهم على هذه الأخطاء، ولكن جهودهم لم تثمر كثير فائدة، لأنّ الفوضى تحكّمت في المجتمع، ودبّت روح الاختلاف في النفوس، وطغت موجة التعصب، حتى كانت عاقبة ذلك الجهل أن سلّط عليهم أعداء لا يعرفون الرحمة، فألبسوهم الذل، وحكموا فيهم السيف، وسقوا من دمائهم الأرض، وأقاموا من رؤوسهم تلالاً، فتمكّن من قلوب المسلمين الرعب، وسلبت منهم تلك القوة والشجاعة، والتفاني في سبيل نشر كلمة التوحيد، يوم ساروا تحت  راية الإسلام، وهم يستهينون بالحياة، ويستقبلون الموت، ويتمنون الشهادة، حتى أخضعوا جبابرة الأرض ودانت لهم البلاد.

وإذا بهم بعد تلك العزّة يستولي عليهم الذل، ويدخل في قلوبهم الرعب، ولا يدافعون عن أنفسهم ، فكان الرجل الواحد من التتر يقتل جماعة من المسلمين الواحد بعد الآخر .

ودخلت امرأة داراً وقتلت جماعة من أهلها، ولم يدفعوها عن أنفسهم، ودخل واحد منهم درباً فيه مائة رجل، فما زال يقتلهم واحداً واحداً حتى أفناهم، ولم تمدّ إليه يد بسوء.

وأخذ رجل من التتر رجلاً من المسلمين ولم يجد ما يقتله فيه، فقال له: ضع رأسك على هذا الحجر ولا تبرح، فوضع رأسه وبقي نائماً حتى جاء التتري وقتله(58).

وهذا ما يذهب بنفس المسلم حسرات، ويميت قلبه أسفاً وحزناً، وها نحن اليوم أمام تيّار المبادئ الفاسدة، والآراء الهدامة، والعقائد السخيفة، وأنّ خطرها على المسلمين لأعظم خطر يخاف عاقبته، وتخشى مغبته إن لم ينهج المسلمون لمكافحتها منهج فهم التعاليم الإسلامية والقيام بتطبيقها عمليّاً، وأن يتّحدوا لإبعاد المتدخلين بين صفوف المسلمين، لهدم المجتمع الإسلامي، وتشويه تعاليمه الدينية والأخلاقية، واستبداله بتعاليم إباحية، ولا يدفع ذلك الخطر إلاّ باتحاد الكلمة وفهم الإسلام فهماً صحيحاً، وأن تُستقى تعاليمه من ينبوعه الذي أراد اللّه أن نأخذ منه ونتبّع قول الحق، وأئمّة الصدق: (يا أيّها الذين آمنوا اتقوا اللّهَ وكونوا مع الصادقين )(59). (واعتصموا بحبلِ اللّه جميعاً ولا تَفرقوا)(60).

انتشار المذاهب الأربعة في الاقطار الإسلامية

اشتهر الأخذ بالمذاهب الأربعة، وانتشر العمل بها في الاقطار الإسلامية، فهي في القرن الرابع الهجري قد تغلبت على ماسواها من المذاهب المعمول بها في القرن الثاني والثالث، ما عدا المذهب الشيعي فإنّه سار بقوته الروحية رغم العقبات التي وقفت في طريقه، ويحدّثنا المقدسي عن انتشار المذاهب في القرن الرابع بما يلي:

سواد صنعاء ونواحيها مع سواد عمان شراة غالية، وبقية الحجاز وأهل الرأي بعمان وجهر وصعده شيعة. والغالب على صنعاء أصحاب أبي حنيفة والجوامع بأيديهم، وفي نواحي نجد واليمن مذهب سفيان. وفي العراق الغلبة ببغداد للحنابلة والشيعة، وبه مالكية واشعرية، وبالكوفة الشيعة إلاّ الكناسة فإنّها سُنة، وأكثر أهل البصرة قدرية (وشيعة) وثم حنابلة، وببغداد غالية يفرطون بحبّ معاوية. وهنا يحدّثنا المقدسي عن دخوله جامع واسط واستماعه لقصّاص يقصّ على الناس حديثاً عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم): إنّ اللّه يدني معاوية يوم القيامة فيجلسه إلى جنبه ثم يجلوه على الخلائق كالعروس، قال المقدسي: فقلت له بماذا؟ بمحاربته علياً رضي اللّه عنه؟ كذبت يا ضال، فصاح: خذوا هذا الرافضي، فأقبل الناس عليّ، فعرفني بعض الكتبة فكرّكرهم عني.

إقليم اقور وهو اليوم شمال العراق ـ أي الموصل ونواحيها ـ مذهبهم سنة وجماعة، إلاّ عانة فإنّها كثيرة المعتزلة ولا ترى في الرأي غير مذهب أبي حنيفة والشافعي، وفيها حنابلة وجلبة للشيعة، واقليم الشام مذاهبهم مستقيمة أهل جماعة وسنة، وأهل طبرية ونصف نابلس وأكثر عمان شيعة ولا ترى فيه مالكياً، والعمل كان فيه على مذهب أصحاب الحديث.

إقليم مصر على مذهب أهل الشام، غير أنّ أكثر فقهائهم مالكيون، ألا ترى أنّهم يصلون قدام الإمام ويربّون الكلاب؟ وأعلى القصبة شيعة وسائر المذاهب في الفسطاط موجودة ظاهرية.

وإقليم المغرب، فالمذاهب على ثلاثة أقسام، وأما في الأندلس فمذهب مالك، وقراءة نافع، وهم يقولون: لا نعرف إلاّ كتاب اللّه وموطأ مالك، فإن ظهروا على حنفي أو شافعي نفوه، وإن عثروا على معتزلي أو شيعي ونحوهما ربما قتلوه، وبسائر المغرب إلى مصر لا يعرفون مذهب الشافعي إلاّ مذهب أبي حنيفة ومالك، وأصحاب مالك يكرهون الشافعي، يقولون أخذ العلم عن مالك ثم خالفه.

إقليم جانب خراسان للشيعة والمعتزلة والغلبة لأصحاب أبي حنيفة إلاّ في كورة الشاش فإنّهم شوافع، وفيهم قوم على مذهب عبد اللّه السرخسي.

وإقليم الرحاب مذاهبهم مستقيمة، إلاّ أنّ أهل الحديث حنابلة، والغالب بدبيل مذهب أبي حنيفة.

وإقليم الجبال أمّا بالري فمذاهبهم مختلفة، فالغلبة للحنفية وهم نجارية، وبالري حنابلة كثيرة، وأهل قم شيعة، وفي الدينور جلبة لمذهب سفيان الثوري.

إقليم خوزستان مذاهبهم مختلفة، أكثر أهل الأهواز ورامهرمز والدورق حنابلة، ونصف الأهواز شيعة، وبه من أصحاب أبي حنيفة كثير ولهم فقهاء وبالأهواز مالكيون.

إقليم فارس، العمل فيه على أصحاب الحديث، وأصحاب أبي حنيفة، وللداودية دروس ومجالس وغلبة، ويتقلدون القضاء والأعمال.

إقليم كرمان المذاهب الغالبة للشافعي.

إقليم السند مذاهبهم أكثرها أصحاب حديث. ورأيت القاضي أبا محمد المنصور داودياً إماماً في مذهبه وأهل الملتان «شيعة يحيعلون في الأذان ويثنون في الإقامة» ولا تخلوا القصبات من فقهاء على مذهب أبي حنيفة وليس بهم مالكية، ولا معتزلة، ولا عمل للحنابلة(61).

انتشارها في الوقت الحاضر

أما إحصائيات المذاهب الأربعة في الوقت الحاضر، وانتشارها في البلاد الإسلامية فيحدثنا عن ذلك العـلاّمة أحمد تيمور(62) بما يلي:

المغرب الأقصى يغلب عليه ـ الآن ـ المذهب المالكي. وعلى الجزائر وتونس أيضاً.

«طرابلس» المذهب المالكي بكثرة، والحنفي بقلّة، وهم من بقايا الاُسر التركية; وأكثرهم في تونس، ومنهم أفراد بيت الإمارة بها، ولهذا تمتاز حاضرتها بالقضاء الحنفي مشاركاً للقضاء المالكي، وأما سائر أعمالها فقضاتها مالكية، وفي الحاضرة كبير المفتين الحنفي ويلقّب بشيخ الإسلام، وله التقدم والزعامة المعنوية على الجميع، والمالكي وله المقام الثاني، وقد تساهلوا ـ الآن ـ في تلقيبه بشيخ الإسلام أيضاً. ومع قلّة المقلدين للمذهب الحنفي، فإنّ من السنن المتبعة عندهم أن يكون نصف مدرسي جامع الزيتونة حنفية، والنصف الآخر مالكية. وإنّما امتاز الحنفي بذلك لكونه مذهب الاُسرة المالكة.

«مصر » الشافعي والمالكي، ويغلب الأول في الريف والثاني في الصعيد والسودان، ويكثر الحنفي وهو مذهب الدولة، والمتبع في الفتوى والقضاء. والحنبلي قليل بل نادر.

«الشام»: الحنفي يشمل نصف أهل السنة بها والربع شافعية، والربع الآخر حنابلة.

«فلسطين»: يغلب على مذاهب أهل السنة فيه الشافعي، ويليه الحنبلي فالحنفي، فالمالكي.

«العراق»: يغلب الحنفي فيه على مذاهب أهل السنة، ويليه الشافعي وبه مالكية وحنابلة.

«الترك»: العثمانيون والألبان وسكان بلاد البلقان ، المذهب الحنفي.

«الأكراد»: المذهب الشافعي وهو الغالب على بلاد أرمينية، لأن مسلميها من أصل تركماني أو كردي، والسنيون من أهل فارس أغلبهم شافعية وقليل منهم حنفية.

«الأفغان»: المذهب الحنفي والشافعي، والحنبلي بقلة.

«تركستان الغربية»: التي منها بخارى المذهب الحنفي، وأما تركستان الشرقية فكان الغالب عليها الشافعي، ثم تغلب الحنفي بمسعى العلماء الواردين عليها من بخارى القفقاز وما والاها الحنفي وفيهم شافعية.

«الهند»: الحنفي والشافعي بقلة، وفيها مذاهب اُخرى.

«الهند الصينية»: شافعية وكذلك مسلمو استرالية، وفي البرازيل من أمريكا نحو 25 ألف مسلم حنفية.

«أمريكا»: فيها من المسلمين عدد ينوف على 140 ألفاً وهم مختلفو المذاهب.

«الحجاز»: الشافعي والحنلبي وفيه حنيفة ومالكية في المدن وأهل عسير شافعية.

«اليمن»: السنيون فيها وفي عدن، وحضرموت شافعية، وقد يوجد بنواحي عدن حنفية، والغالب على عمان الأباضية، ولكنها لا تخلو من حنابلة وشافعية.

«قطر والبحرين»: المالكي وفيهما حنابلة من الواردين عليهما من نجد.

«الاحساء»: الغالب على أهل السنة فيها الحنبلي والمالكي.

«الكويت»: المالكي.

هذا ما ذكره العـلاّمة أحمد تيمور باشا عن المذاهب الأربعة وانتشارها، ولم يتعرض لانتشار المذهب الشيعي في الأقطار الإسلامية في العصر الحاضر، وسنشير لانتشار المذهب الشيعي في الأقطار الإسلامية بعد عرضنا لتاريخ المذهب ونشأته، ولابد من ملاحظة عامل الزمن والتغيرات السياسية. كما لا يعني أنّ تقسيمات تيمور وإحصاءاته هي من الدقة بحيث لا تقبل الإضافة في الأسماء والزيادة في العدد، لأن تيمور لم يذكر الشيعة ونرجو أن يكون ذلك لا يخفي غرضاً ينافي العلم ويمجّه الذوق، كما أن من السهولة الانتباه إلى نقص في تسمية المذاهب الغالبة الموجودة كما هو الأمر في الجزيرة والخليج.

وكما قلنا سابقاً أن هذه المذاهب قد لقيت تشجيعاً من السلطة وتعدّدت عوامل انتشارها، وكان من أهمها إنشاء المدارس لها ممّا يدعو إلى الإقبال عليها ولنشر هنا إلى بعض تلك المعاهد التي اُنشئت لدراسة فقه المذاهب الأربعة خاصة.

مدارسها في الاقطار الإسلامية

كانت بغداد في العهد العباسي ربوعاً عامرة أنشئت فيها دور للعلم، وبنيت مدارس لتعليم الفقه الإسلامي على المذاهب الأربعة، وأجريت على طلاب العلم منهم نفقات طائلة، وقد انفق نظام الملك عليهم في كلّ سنة ما يبلغ ستمائة ألف دينار، وكان أبو الحسن علي بن محمد وزير المقتدر العباسي يقوم بنفقات خمسة آلاف طالب منهم، وبذلك أصبحت بغداد دار الهجرة يؤمّها طلاب العلم من كلّ ناحية وصوب، وأهمّ تلك المدارس هي:

1 ـ النّظامية: التي أنشأها نظام الملك الطوسي على شاطئ دجلة سنة (457 هـ ) وبنى حولها أسواقاً وجعلها وقفاً عليها، مع كثير من الضياع والخانات والحمامات.

2 ـ التاجية: وقد بنيت سنة (482 هـ ) بناها تاج الدين أبو الغنائم المتولي لتدبير دولة ملك شاه بعد نظام الملك.

3 ـ التتوشية: التي بناها خمارتكين خادم تتش بن ألب ارسلان بن داود بن سلجوق، وهي خاصة لأصحاب أبي حنيفة فقط.

4 ـ باب الازج: بنيت لثقة الدولة أبي الحسن علي بن محمد القزويني.

5 ـ مدرسة ابن دينار: بنيت لأبي حكيم إبراهيم بن دينار البغدادي الفقيه الشافعي.

6 ـ مدرسة زيرك أو مدرسة سوق العميد: خاصة للحنفية.

7 ـ المدرسة الشرابية: أنشأها شرف الدين اقبال الشرأبي سنة (628 هـ ) على عهد المستنصر بسوق العجم.

8 ـ المدرسة البشيرية: اُنشئت بالجانب الغربي من بغداد، وقد أمرت ببنائها حظية المستعصم وجعلتها وقفاً على المذاهب الأربعة، ووقفت عليها أوقافاً كثيرة.

ولكن أهمّ تلك المدارس هي المستنصرية التي مرّت الإشارة إليها في الأبحاث السابقة، وقد وصفها السيوطي(63)، وابن بطوطة في رحلته(64)، وابن الفوطي(65) وغيرهم. وكانت تعدّ هذه المدرسة كالجامعة لتخريج العلماء على المذاهب الأربعة في ذلك العصر.

أما في مصر فكان مجموع المدارس التي اُنشئت للمذاهب الأربعة لا يقلّ عددها عن تسعين مدرسة، وإليك ذكر البعض منها:

1 ـ المدرسة الفائزية: أنشأها شرف الدين بن صاعد سنة (636 هـ ) وهي خاصة للشافعية.

2 ـ المدرسة القطبية: اُنشئت سنة (570 هـ )، أنشأها الأمير قطب الدين خسرو وهي للشافعية.

3 ـ المدرسة السيوفية: اُنشئت سنة (572 هـ ) وهي للحنفية، أنشأها الملك الناصر صلاح الدين أيوب وأوقف على مستحقيها 32 حانوتاً.

4 ـ المدرسة الفاضلية: أنشأها القاضي الفاضل عبد الرحيم سنة (580 هـ ) وجعلها لفقهاء الشافعية والمالكية.

5 ـ مدرسة المحلى: أنشأها برهان الدين إبراهيم بن علي المحلى .

6 ـ المدرسة الفارقانية: اُنشئت سنة (676 هـ ) وهي للشافعية والحنفية.

7 ـ المدرسة الشريفية: أنشأها أحد اُمراء مصر في الدولة الأيوبية سنة (612 هـ ) وهي للشافعية.

8 ـ المدرسة الصالحية: أنشأها الملك نجم الدين أيوب سنة (639 هـ ) للفقهاء الأربعة.

9 ـ المدرسة الكاملية: أنشأها السلطان ناصر الدين محمد ابن الملك العادل للشافعية.

10 ـ المدرسة الظاهرية: للشافعية والحنفية.

11 ـ المدرسة القطبية: اُنشئت في القرن السابع بوصيّة من الست عصمة مونسة خاتون(66).

ولا يسعنا ذكر بقية المدارس التي اُنشئت في سائر الأقطار الإسلامية للمذاهب الأربعة، ونكتفي بهذه الإشارة إلى عظيم تشجيع الدولة والاُمراء في تلك العصور لنشر العلم طبقاً للمذاهب الأربعة فقط، ليلتزم الناس التمسك بها دون غيرها.

أما مذهب أهل البيت وهو المذهب الجعفري فلم يلق تشجيعاً من دولة أو تأييداً من سلطة، بل كان عرضة لمقاومة السلطة، وهدفاً لسهام الاتّهام بكلّ ما لا يليق به، وقد صمد المذهب أمام تلك الحوادث متمسّكاً بمبادئ أهل البيت متمثلاً وصايا رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)في آله حتى انتشر على وجه البسيطة بقوّته الروحية، والآن نتحدث عنه باختصار .

 

 

(1)  فلسفة السياسة للإسلام ص21 نقلاً عن ابن خلدون.

(2)  رسالة الانصاف ص8 .

(3)  هو محمد بن محمد الغزالي نسبة إلى غزالة قرية من قرى طوس، الملقب حجة الإسلام صاحب كتاب إحياء العلوم الذي نال شهرة عظيمة إلاّ أنّه أورد فيه خمسمائة حديث مرسل ليس لها طريق، ولم يروها أحد، ولم يخرجها الحفاظ وله مؤلفات كثيرة، ومنزلته العلمية أشهر من أن تذكر. ولد في سنة (450هـ) وتوفي سنة (505هـ) ودفن بالطابران في طوس، وكان في عداد الشافعية إلاّ أنه مجتهد.

(4)  هو الشيخ حمد ( بفتح الحاء وسكون الميم) بن محمد بن الخطاب الخطابي البستي، قال السمعاني: كان الخطابي حجة صدوقاً، رحل إلى العراق والحجاز وجال في خراسان وخرج إلى ما وراء النهر، وقال السبكي في طبقات الشافعية: كان إماماً في الفقه والحديث واللغة، وقال الذهبي: كان ثقة من أوعية العلم، وقال البهنسي: انه من الأعلام المجتهدين في قواعد الأحكام توفي سنة (388 هـ ) .

(5)  رسالة الانصاف للدهلوي ص17.

(6)  البداية والنهاية ج12 ص187، لسان الميزان ج5 ص402 .

(7)  شذرات الذهب ج4 ص224، العبر في خبر من عبر ج3 ص52 .

(8)  البداية والنهاية ج14 ص76.

(9)  مرآة الجنان ج3 ص343.

(10)  المنتظم ج10 ص111 .

(11)  الكامل لابن الأثير ج8 ص229 .

(12)  مرآة الجنان ج3 ص97 .

(13)  شذرات الذهب ج6 ص260 .

(14)  تذكرة الحفاظ ج3 ص375.

(15)  شذرات الذهب ج3 ص253.

(16) آل عمران: 156 .

(17)  طبقات الشافعية ج3 ص109 .

(18)  طبقات الشافعية  ج4 ص184 .

(19)  تذكرة الحفاظ ج3 ص358 .

(20)  وفيات الأعيان ج1 ص301 .

(21)  المنتظم ج10 ص106 ـ 108 .

(22)  وفيات الأعيان ج2 ص86 والطبقات ج4 ص14 .

(23)  مرآة الجنان ج4 ص24.

(24)  الوحدة الإسلامية ص2 .

(25)  طبقات الشافعية ج1 ص190 .

(26)  الدر المختار في شرح  تنوير الابصار ج1 ص53 و 54 .

(27)  الدر المختار  في شرح تنوير الأبصار ج1 ص52 و53 .

(28)  كتاب الياقوت في الوعظ لأبي الفرج علي بن الجوزي ص48 .

(29)  مشارق الأنوار للعدوي ص288 .

(30)  طبقات الحنابلة ج1 ص13 .

(31)  مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص256  ـ 257 .

(32)  النجوم الزاهرة ج2 ص325.

(33)  تذكرة الحفاظ ج3 ص375 .

(34)  نظرة تاريخية لأحمد تيمور باشا ص87 .

(35)  شذرات الذهب  ج3 ص261 .

(36)  طبقات الشافعية ج1 ص174 .

(37)  ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب ج1 ص22 باختصار .

(38)  اُنظر الدين الخالص  ج3 ص355.

(39)  طبقات الشافعية ج3 ص22 .

(40)  وفيات الأعيان ج1 ص301 مرآة الجنان ج4 ص24 .

(41)  الكشاف ج2 ص498 .

(42)  الحجر : 9 .

(43)  البقرة: 113 .

(44)  تاريخ بغداد: ج10 ص74 .

(45)  طبقات الشافعية ج3 ص22 وتاريخ اليعقوبي ج3 ص194 .

(46)  شذرات الذهب ج2 ص67، وتاريخ الخطيب ج5 ص177 .

(47)  البداية والنهاية لابن كثير ص11 ـ 235 .

(48) شذرات الذهب، لابن العماد ج3 ص 120 .

(49)  طبقات الحنابلة ص2 ـ 51 .

(50)  شذرات الذهب  ج6 ص112 .

(51)  تاريخ ابن كثير ج14 ص138.

(52)  العقود الدرية في مناقب ابن تيمية  ص399 .

(53)  طبقات الشافعية  ج3 ص259.

(54)  شذرات الذهب ج3 ص30.

(55)  تاريخ دول الإسلام للذهبي ج1 ص182 .

(56)  شرح الزرقاني على المواهب اللدنيّة ج6 ص277 .

(57)  تاريخ بغداد ج12 ص251 .

(58)  المد والجزر لأبي الحسن المناوي  ص37 .

(59) التوبة : 119 .

(60)  آل عمران : 103.

(61)  أحسن التقاسيم لشمس الدين محمد بن أحمد المعروف بالشاري طبع سنة 1909 م بمطبعة بريل.

(62)  نظرة تاريخية لأحمد تيمور باشا ص42.

(63)  تاريخ الخلفاء ص185 ، ط بولاق .

(64)  رحلة ابن بطوطة ص225 .

(65)  الحوادث الجامعة ص53 .

(66)  الخطط للمقريزي ج4 ص191 ـ 262 .