دعاؤه عليه السلام في المناجاة، المسمّى بدعاء الاعتقاد

الهي انّ ذنوبي وكثرتها قد غيّرت(1) وجهي عندك، وحجبتني عن استئهال رحمتك، وباعدتني عن استنجاز مغفرتك، ولولا تعلقي بالائك، وتمسّكي بالرّجاء لما وعدت امثالي من المسرفين، واشباهي من الخاطئين، بقولك: «يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعاً انّه هو الغفور الرّحيم»(2). وحذرت القانطين من رحمتك، فقلت: «ومن يقنط من رحمة ربه الاّ الضّالّون»(3)، ثمّ ندبتنا برحمتك الى دعاءك، فقلت: «ادعوني استجب لكم انّ الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنّم داخرين»(4). الهي لقد كان ذلّ الاياس عليّ مشتملاً، والقنوط من رحمتك بي ملتحفاً، الهي قد وعدت المحسن ظنّه بك ثواباً، واوعدت المُسيء ظنّه بك عقاباً. اللهم وقد اسبل(5) دمعي حسن ظني(6) بك في عتق رقبتي من النار، وتغمّد زللي، واقالة عثرتي، وقلت وقولك الحقُّ، لا خلف له ولا تبديل: «يوم ندعو كلً اناس بامامهم» (7)، ذلك يوم النّشور اذا نفح في الصّور، وبُعثِرَ ما في القُبُور(8).
 اللهمّ انّي اقرُّ واشهد واعترف ولا اجحد، واُسِرُّ واُظْهر، واُعلن واُبطن، بانّك انت الله الذي لا اله الاّ انت وحدك لاشريك لك، وانّ محمّداً عبدك ورسولك، وانّ عليّاً امير المؤمنين وسيّد الوصيّين ووارث علم النبيّين، وقاتل المشركين وامام المتّقين، ومنير المنافقين، ومجاهد النّاكثين والقاسطين والمارقين، امامي ومحجّتي(9) ومن لا اثق بالاعمال وان زكت، ولا اراها منجية وان صلحت الاّ بولايته والائتمام به، والاقرار بفضائله، والقبول من حملتها، والتّسليم لرواتها. اللهمّ واُقِرًّ باَوْصيائه من ابنائه، اَئمّةً وحججاً، وادلّة وسرجاً، واعلاماً ومناراً، وسادةً وابراراً، وادين بسرّهم وجهرهم، وظاهرهم وباطنهم، وحيّهم وميّتهم، وشاهدهم وغائبهم، لاشكّ في ذلك ولا ارتياب، ولا تحوّل عنهم ولا انقلاب. اللهمّ فادْعُني يومَ حشري وحين نَشْري بامامتهم، واحشرني في زمرتهم، واكتبني في اصحابهم، واجعلني من اخوانهم، وانقذني بهم يا مولاي من حرّ النيران، فانّك ان اعفيت منها كنت من الفائزين. اللهمّ وقد اصبحت في يومي هذا، لا ثقة لي ولا مفزع، ولاملجأ ولا مُلْتجأ غيرُ من توسّلت بهم اليك من آل رسولك صلّى الله عليه وآله: عليّ امير المؤمنين وسيدتي فاطمة الزهراء(10)، والحسن والحسين والائمّة من ولدهم، والحجّة(11) المستورة من ذرّيّتهم، المرجوّ للامّة من بعدهم وخيرتك عليه وعليهم السلام. اللهمّ فاجعلهم حصني من المكاره، ومعقلي من المخاوف، ونجّني بهم من كلّ عدوٍّ طاغ وفاسق باغ(12)، ومن شرِّ ما اعرف وما انكر، وما استتر عليّ وما ابصر، ومن شرِّ كلِّ دابّة ربّي آخذ بناصيتها انّ ربّي على صراط مستقيم. اللهمّ توسّلي اليك بهم، وتقرّبي بمحبّتهم، افتح عليّ ابواب رحمتك ومغفرتك، وحبّبني الى خلقك، وجنّبني عداوتهم وبغضهم انّك على كلّ شيء قدير. اللهمّ ولكلّ متوسّل ثواب، ولكلّ ذي شفاعة حقٌّ، فأسألك بمن جعلته اليك سببي وقدّمته امام طلبتي، ان تعرّفني بركة يومي هذا وعامي هذا وشهري هذا. اللهمّ فهم معوّلي في شدّتي، ورخائي، وعافيتي وبلائي، ونومي ويقظتي، وظغني (13) واقامتي، وعسري ويسري، وصباحي ومسائي، ومنقلبي ومثوايَ. اللهمّ فلا تخلني بهم من نعمتك، ولا تقطع رجائي من رحمتك، ولا تفتنّي باغلاق ابواب الارزاق وانسداد مسالكها، وافتح لي من لدنك فتحاً يسيراً، واجعل لي من كلّ ضَنْك مخرجاً، والى كلّ سعة منهجاً، برحمتك يا ارحم الرّاحمين.اللهمّ واجعل اللّيل والنّهار مختلفين عليّ، برحمتك ومعافاتك ومنّك وفضلك، ولا تفقرني الى احدٍ من خلقك برحمتك يا ارحم الرّاحمين، انّك على كلّ شيء قدير وبكلّ شيء محيط، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
*******
(1) غبّرت (خ ل).
(2) الزمر: 23.
(3) الحجر: 56.
(4) الغافر: 60.
(5) اسبل المطر والدمع اذا هطل، الهطل: تتابع المطر والدمع وسيلانه.
(6) حسن الظنّ (خ ل).
(7) الاسرى: 71.
(8) بعثرت القبور (خ ل).
(9) المحجّة: الطريق الواضح.
(10) وعلى امير المؤمنين وعلى سيدتي فاطمة الزهراء (خ ل).
(11) الحجج (خ ل).
(12) عدوّ وطاغ وفاسق وباغ (خ ل).
(13) الظعن: الارتحال والسفر.