الباب الرّابع والعشرون ما استدلَّ به على قتل الحسين بن عليٍّ عليهما السلام في البلاد

 1 ـ حدَّثني أبي ـ رحمه الله ـ وجماعة مشايخي ، عن سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ـ عن رَجل ـ عن يحيى بن بشير «قال : سمعت أبا بصير يقول : قال أبو عبدالله عليه السلام : بعث هِشام بن عبدالمَلِك إلى أبي فأشخصه إلى الشّام ، فلمّا دخل عليه قال له : يا أبا جعفر أشخصناك لنَسْألك عن مسألةٍ لم يصلح أنْ يسألك عنها غَيري ، ولا أعلم في الأرض خَلْقاً ينبغي أنْ يعرف أو عرف هذه المسألة إن كان إلاّ واحداً ، فقال أبي : ليسألني أمير المؤمنين عمّا أحبَّ ، فإن عَلِمتُ أُجبتُ ذلك؛ وإن لم أعْلَمْ قلتُ : لا أدري ؛ وكان الصّدق أولى بي ، فقال هِشام : أخبرني عن اللَّيلة الّتي قُتِل فيها عليُّ بن أبي طالب بما استدلّ به الغائب عن المصر الَّذي قُتل فيه على قتله ، وما العَلامة فيه للنّاس فإن علمتَ ذلك وأجبتَ فأخبرني هَلْ كان تلك العَلامة لغير عليٍّ في قَتلِه ، فقال له أبي : يا أمير المؤمنين إنّه لمّا كان تلك اللّيلة الّتي قُتِلَ فيها أمير المؤمنين لم يرفع عن وجه الأرض حَجَرٌ إلاّ وُجِدَ تحته دَمٌ عَبيط حتّى طلع الفَجر ، وكذلك كانت الليلة الَّتي قتل فيها هارون أخو موسى ، وكذلك كانتِ اللَّيلة التي قتل فيها يوشع بن نون ، وكذلك كانتِ الليلة التي رفع فيها عيسى بن مَريم إلى السّماء ، وكذلك كانتِ اللَّيلة الَّتي قتل فيها شَمعون بن حمون الصّفا ، وكذلك كانت الليلة التي قتل فيها علي بن أبي طالب ، وكذلك كانتِ اللَّيلة الَّتي قتل فيه الحسين بن عليٍّ .  قال : فتربَّد(1) وجهُ هِشام حتّى انتُقع لَونُه(2) وهَمَّ أن يبطش بأبي ، فقال له أبي : يا أمير المؤمنين الواجب على العِباد الطّاعة لإمامهم والصِّدق له بالنَّصيحة ؛ وإنَّ الَّذي دعاني إلى أن اُجيب أمير المؤمنين فيما سألني عنه مَعرفتي إيّاه بما يجبُ له عليَّ من الطّاعة؛ فليحسن أمير المؤمنين عليَّ الظَّنَّ ، فقال له هِشام : انصرف إلى أهلك إذا شئت ، قال : فخرج فقال له هشام عن خروجه : أعطِني عهدَ الله وميثاقَه أن لا توقع هذا الحديث إلى أحَدٍ حتّى أموت ، فأعطاه أبي مِن ذلك ما أرضاه ـ وذكر الحديث بطوله ـ »(3) .  
2 ـ حدَّثني أبو الحسين أحمد بن عبدالله بن عليٍّ النّاقِد(4) قال : حدَّثني عبدالرَّحمن البلخيُّ . وقال لي أبو الحسين : وأخبرني عمّي عن أبيه ، عن أبي نَضْرة عن رَجل من أهل بيت المقدس ـ «أنّه قال : والله لقد عرفنا أهل بيت المَقْدِس ونواحيها عَشيّةَ قتل الحسين بن عليٍّ [عليهما السلام] ، قلت : وكيف ذاك؟ قال : ما رَفعنا حَجَراً ولا مَدَراً ولا صخراً إلاّ ورأينا تحتها دَماً عَبيطاً يغلي ، واحمرَّت الحيطان كالعلق ، ومطر ثلاثة أيّام دَماً عَبيطاً ، وسمعنا منادياً ينادي في جوف اللّيل يقول : 
أَتَرْجُو اُمَّةٌ قَــتَلَتْ حُسَيْناً * شَفاعَةَ جَدِّهِ يَومَ الحــِسابِ
مَعــاذَ اللهِ ! لا نِلْتُمْ يَقيناً * شَفاعــَةَ أحْمَدَ وَأبي تُرابِ
قَتَلْتُمْ خَيْرَمَنْ رَكبَ الْمَطايا * وَخَيْرَ الشَّيـْبِ طَرّا وَالشَّبابِ
 وانكسفت الشَّمس ثلاثة أيّام(‍‍‍5) ثمَّ تجلّت عنها وانشبكت النُّجوم(6) ، فلمّا كان مِنَ الغَد اُرجفنا بقتله ، فلم يأت علينا كثير شيءٍ حتّى نعي إلينا الحسين عليه السّلام» .  
 3 ـ حدَّثنا أبو الحسن أحمدَ بن عبدالله بن عليٍّ النّاقد بإسناده قال : قال عُمَر ابن سعد : حدَّثني أبو معشر ، عن الزُّهريّ «قال : لمّا قتل الحسين عليه السلام لم يبق في بيتِ المَقْدِس حصاةٌ إلاّ وجد تحتها دمٌ عَبيط» .
____________
1 ـ تربَّدَ وجه فلانٍ أي تغيّر مِن الغضب.
2 ـ على بناء المجهول ، أي تغيَّر مِن حزنٍ أو سرورٍ.
3 ـ ما جاء في هذا الباب كان ممّا تواتر عند المحدِّثين والمؤخِّرين مِن العامّة والخاصَّة واعترف به المخالفون ، راجع تفاسيرهم ذيل قوله تعالى : «فما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ ـ الآية» [الدّخان : 29] وأيضاً تفسير الدّرّ المنثور ج6 ص30 ، وتاريخ دمشق لابن عساكر ج7 ص 148 ، والخصائص الكبرى ج2 ص126 ، وتهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني ج2 ص254 ، وتاريخ الخلفاء للسّيوطيّ ، ومجمع الزَّوائد للهيثميّ ، وغيرهم من العامّة ، وجلّ المحدّثين من الخاصّة. نقل ابن عساكر بإسناده عن ابن سيرين أنّه قال: «لم تبك السَّماءُ على أحدٍ بعد يحيى بن زَكريّا إلاّ على الحسن بن عليّ» عليه السلام ، وقال : «لم نكن نرى هذه الحمرة في السَّماء حتّى قُتل الحسين بن عليٍّ» عليهما السلام ، وعن خلف بن خليفة ، عن أبيه قال : «لمّا قتل الحسين اسودَّتِ السّماءُ وظهرت الكواكب نهاراً ، حتّى رأيتُ الجَوزاء عند العصر وسقط التراب الأحمر» . وعن خَلاّد ـ وكان ينزل بني جُحدر ـ قال : «حدَّثتني اُمّي ، قالتْ : كنّا زماناً بعد مقتل الحسين ، وإنَّ الشَّمس تطلع محمرَّة على الحيطان والجدر بالغداة والعشيّ ، قالت : وكانوا لا يرفعون حَجَراً إلاّ يوجد تحته دم» ، وعن نصرة الأزديّة قالت : «لمّا أنْ قتل الحسين مطرتِ السَّماء دماً ، فأصبحت وكلّ شيءٍ لنا ملآن دَماً» وعن جعفر بن سالم قال: حدَّثَتْني خالتي اُمّ سالم قالت : «لمّا قتل الحسين مطرنا مطراً كالدَّم على البيوت والجدر ، قال: وبلغني أنّه كان بخراسان والشّام والكوفة» ، وقال بوّاب عبيدالله بن زياد : «لمّا جيء برأس الحسين فوضع بين يديه رأيت حيطان دار الإمارة تَسايَل دَماً» ، وعن اُمّ حيّان قالت : «يوم قتل الحسين أظلمت علينا ثلاثاً ، ولم يَمَسَّ أحدٌ مِن زعفرانهم شيئاً فجعله على وجهه على وجهه إلاّ احترق ، لم يقلب حجر ببيت المقدس إلاّ أصبح تحته دم عبيط» . (العبيط من الدَّم : الخالص الطّريّ) .  وعن محمّد بن عمر بن عليّ : «أرسل عبدالملك إلى ابن رأس الجالوت فقال : هل كان في قتل الحسين عَلامَة؟ قال ابن راس الجالوت: ما كشف يومئذٍ حجر إلاّ وجد تحته دم عبيط» .  وقال الحافظ نور الدّين عليّ بن أبي بكر الهيثميّ في كتابه المعروف بـ «مجمع الزّوائد» (ج9 ص196 ، دار الكتاب: بيروت ـ لبنان) روى الطّبراني بسند ـ رجاله ثقات ـ عن الزُّهريّ «قال : قال لي عبدالملك : أيّ واحد أنت إن أعلمتني أيّ علامة كانت يوم قتل الحسين؟ فقال : قلت : لم ترفع حصاة ببيت المقدس إلاّ وجد تحتها دم عبيط ، فقال لي عبدالملك ، إنّي وإيّاك في هذا الحديث لقرينان» .  وعن الزّهريّ «قال : ما رفع بالشّام حجرٌ يوم قتل الحسين بن عليّ إلاّ عن دم» ، وقال : رواه الطّبراني ورجاله رجال الصّحيح .  وعن اُمّ حكيم «قالت : قتل الحسين وأنا يومئذ جويرية ، فمكثتِ السّماء أيّاماً مثل العلقة» ، قال : رواه الطّبرانيّ ورجاله إلى اُمّ حكيم رجال الصّحيح . أقول: «اُمّ حكيم» صّحابيّة .
4 ـ تقدّم في ص74 وفيه : «محمّد بن عبدالله بن عليّ النّاقد ، عن عبدالرّحمن الأسلمي» .
5 ـ في البحار : «انكسفت الشّمس ثلاثاً» . والمراد : أنّا رأيناها منكسفاً في أعيننا .
6 ـ كذا في النّسخ ، وفي البحار أيضاً ، والصّواب : «اشتبكت النّجوم» ، وفي اللّسان: اشتبكت النّجوم : أي ظهرت جميعها واختلط بعضها ببعض لكثرة ما ظهر منها .