المجلس الأول الإمام محمد الباقر (ع) ومأساة كربلاء

القصيدة: للسيد محسن الأمين

 

يـا  أقُـبراً مـنها البقيع اغتدى      يـسـمو سـنام الـفلك الـدائر

سـقاك يـا أقـبرا ربُّ الـسما      مـن  الـحيا بـالصيِّب الماطر

لا  يـنقضي وجدي ولا حسرتي      لـسـاكني مـربـعك الـعاطر

جـلت  مصيبته على كل الورى      فـالكل  بـات لها بطرف ساهر

يـذري الدموع على مصيبة سيدٍ      مـن آل احـمدَ بـزَّ كلَّ مُفاخر

لـله  أيُّ مـصيبة جـلَّت فـلا      يلفى  لها في الكون بعض نظائر

ذهبت بركن الدين مصباح الهدى      غـوث الـمؤمَّل والإمام الطاهر

الـصبرُ عـزَّ لها فكم من جازع      تهفو  جوانحه ولا من صابر(1)

 

(موشح)

يـالـتناشدني  ابـهليوم اشـسده      والـد الـصادق گضه ابسم العده

غـسِّله  او كفنه الصادق والدموع      تجري واعليه انحنت منه الضلوع

شـيعه  او واراه واخلافه الربوع      بگت  وحشه امن انفگد بحر النده

صدگ إلنه اعليه نوح او إلنه ويد      لـكن ابـتشييعه مـن نسمع نهيد

مـا بگت جثته على حر الصعيد      مـثل  جـده من الثياب امجرده

الـباقر  اعليه بالمدينه النوح ثار      والـمياتم لـيل منصوبه او نهار

او جده وجوا بالخيم من بعده نار      شي او شي هجمت الثقله اتفرهده

 

(أبوذية)

بيني او بين اخوي الگوم حاله      يجدي اتعال شوف احسين حاله

گطـع  راسه عليه الشمر حاله      وهـو عطشان ما ضاگ المنية

 

الإمام محمد الباقر (ع) ومأساة كربلاء

لقد مرت على صاحب الذكرى الإمام محمد الباقر (ع) مصائب كثيرة وكبيرة رافقته منذ سني حياته الأولى فإنه (ع) ولد في سنة 57هـ وفي النصف الثاني من سنة 60هـ بدأت فصلو كربلاء تلوح في الأفق والإمام (ع) يرصد ذلك وهو يعلم أن المأساة الكبرى تقترب من أهل البيت بمن فيهم هو سلام الله عليه. ولما كانت هجرة جده الإمام الحسين (ع) من المدينة إلى مكة كان الإمام الباقر وهو ابن ثلاث سنين معه يسمع مخاطباته وما يريده القوم منه وتهديدهم له بالموت. ولما أرادوا قتل جده في مكة كان قريبا من ذلك الحدث وكان يسمع كلماته التي ملأت الأسماع: كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء فيملأن مني أكراشا جوفا وأجربه سغبا.

وفي الطريق إلى كربلاء كان يرى بأن عينيه محاصرة الجيش الأموي لهم. ولما وقعت الواقعة وحدثت الجزرة بحق آل محمد كان (ع) يومها طفلا صغيرا ولكن ليس كبقية الأطفال كان يرى عمه علي الأكبر تارة يقع على الأرض صريعاً ويرى جده واقفا على رأسه ينادي ولدي علي على الدنيا بعدك العفا... وا ولداه، وا علياه.

وأخرى ينظر بعينيه إلى جده وقد أتى بغلام لم يبلغ الحلم ذلك هو القاسم حاملا له على صدره ورجلاه تخطان في الأرض لعظم المصيبة على أبي عبد الله الحسين (ع) وإذا بالغلام مفلوق الهامة قد أصطبغ جمال وجهه بالدماء والحسين عند رأسه يبكي ويقول: هذا يوم كثر واتره والله وقلَّ ناصره بني قاسم بعداً لقوم قتلوك أتراهم ما عرفوا من جدك وأبوك.

وتارة أخرى ينظر إلى جده وهو منحن على عضيده وقائد جيشه أبي الفضل العباس وهو مقطوع الكفين والسهم نابت في العين مناديا الآن انكسر ظهري وقلَّت حيلتي وشمت بي عدوي.

ثم رأى جده وحيدا لا ناصر له ولا معين وهو يسمعه مستغيثاً: هل من ناصر ينصرنا هل من ذاب فيذب عنا هل من راحم يرحم آل الرسول فلم يجبه أحد من القوم وكانت استغاثات جده تمزق قلبه المقدس.

وعندما دعا إلى الوداع أحاطت به نساؤه من كل جانب وكان الباقر من جملة من ودع جده. وكأني به مخاطبا جده إلى أين تمضي وتتركنا بين هؤلاء القوم الذين لا رحمة عندهم ولا رأفة في قلوبهم؟

وبرز الحسين (ع) إلى القتال فما هي إلا سويعات حتى علت غبرة واسود الفضاء وزلزلت الأرض فجاء الإمام الباقر مع بقية الأطفال والنساء إلى الإمام السجاد الذي كان عليلا لا يقوى على القيام وهم يقولون: ماذا نصنع؟ وإذا بالجواب فروا على وجوهكم في البيداء فقالوا له: ولِمَ؟ ماذا جرى؟ قال (ع) ذلك رأس والدي الحسين على رمح طويل.

 

وزُلزلت الأرضون وارتجت السما      وكـادت  لـها أفـلاكها تـتعطل

 

ورأى سلب النساء وضربهن بالسياط وسبيهن من بلدة إلى بلدة ومن ظالم إلى ظالم:

 

ومن  بلدةٍ تُسبى إلى شرَّ بلدةٍ      ومن ظالم تُهدى إلى شرِّ ظالم

 

(أبوذية)

الـباقر چم رزيه وگف ياره      ابيوم الطاح جدَّه احسين ياره

يـا  مولاي بسَّك صاح ياره      أخـاف  اعليك تدناك المنيه

 

وبعد تلك المشاهدات الأليمة رأى مصائب عظيمة جرت على أهل البيت (ع) لاسيما على أبيه الذي قتلوه مسموما وكان الإمام الباقر (ع) هو الذي جهز والده فغسله وحنطه وكفنه وصلى عليه ودفنه. وبعد ذلك عمد اللئم هشام بن عبد الملك إلى إمامنا الباقر فوضع له سما قاتلا أرداه صريعا وكان (ع) أثناء مرضه (ع) يقبض يمينا ويمد شماله من شدة الألم حتى قضى نحبه ولقي ربه رحم الله من نادى وا إماماه وا سيداه وا مسموماه.

 

أفـديه مـسموما بـسمٍّ قـاتلٍ      أصمى الحُشاشة من بني ياسين

 

(نصاري)

او الـصادق گضـه والچبد مسموم      (عگب ذيچ الهظيمه او ذيچ الهموم)

او عـليه تـنحب يويلي دار العلوم      والـمحراب يـبچي ابـدمع أحمر

 

(أبوذية)

عـلى  الباقر تهل ادموع العيون      او لاجله الصادق ابهليوم محزون

واهـل  بيته عليه كلهم ينوحون      او لفوا أهل المدينه ابروس حسَّر

***

ثوى  باقرُ العلم في مَلحَدِ      إمـامُ الورى طيب المولد

فمن  لي سوى جعفرٍ بعده      إمام الورى الأوحدِ الأمجد


(1) ـ المجالس السنية ج2 ص452/459.