(المجلس الأول مقتطفات من مصائب كربلاء المتعلقة بالإمام علي بن الحسين (ع

القصيدة: من أرجوزة للشيخ محمد حسين

الأصفهاني النجفي

 

سـبحان من أبدع في الإيجاد      بـسرِّه الـمودع فـي السجاد

أبـان سـرَّ الـحقِّ والحقيقة      بـصـورةٍ بـديـعةٍ أنـيقه

يـفصح  عن مقام سرِّ الذات      يـعرب  عن حقائق الصفات

وفــي الـعبودية والـعباده      فـي غـاية الـسموِّ والسياده

وصبره الجميل في المصائب      وحـمله  من أعجب العجائب

ونال من ذوي القلوب القاسيه      مـالا تـطيقه الجبال الراسيه

شـاهد  بـالطف من الضائع      مـالا  امضَّ منه في الفجائع

شـاهد رضَّ هـيكل التوحيد      بـعاديات  الـشرك والجحود

رأى اضطرامُ النار في الخباء      وهـو  خـباء الـعزِّ والإباء

رأى هـجوم الكفر والضلاله      عـلى  بنات الوحي والرساله

رأى  فـرارهن فـي البيداء      وهـو  عـليه أعظم الأرزاء

شـاهد فـي عـقائل الـنبوه      مـا لـيس في شريعة المروَّه

مـن نـهبها وسلبها وضربها      ولا مـجير قـطُّ غـير ربها

ومـا رآه فـي دمـشق الشام      أدهـى  من الكل على الإمام

ولا تسل عمَّا رأى من الأذى      يـا حبذا الموت المريحُ حبَّذا

وما انقضى بكاؤه حتى قضى      حـياته وهـو حليف للرضا

وكيف  لا يبكي وقد شاهد ما      بـكت به عين السماء بالدما

وفـي ذرى الـعوالم العلويه      اقـيمت  الـمآتمُ الشجيه(1)

 

(مجردات)

 

لـيل  انهار والدمعه جريه      عـلى والـده نجل الزچيه

الخلوه  عاري اعله الوطيه      او زينب تنخي أهل الحميه

داست  احسين اخيول اميه      او يـبچي الـعماته السبيه

الـمشوها  لـلطاغي هديه      او  هاذي عليه اعظم رزيه

ظـل يـبچي لحدود المنيه      لـمن سـموه اولاد الدعيه

 

(أبوذية)

المصايب بس على السجاد تنصاب      ابـيوم  الموزمه بالمرض تنصاب

الـمآتم  الـك يـا مولاي تنصاب      اشچم  شـده شـفت واشچم رزيه

 

مقتطفات من مصائب كربلاء المتعلقة بالإمام علي بن الحسين (ع)

لقد ذكرت الأخبار المستفيضة: أن الإمام علي بن الحسين (ع) بكى على أبيه الحسين (ع) بقية عمره الذي عاشه بعد واقعة الطف وهو أربع وثلاثون سنة وكان (ع) يقول: كلما نظرت إلى أخواتي وعماتي خنقتني العبرة وذكرت فرارهن من خيمة إلى خيمة والمنادي ينادي أحرقوا بيوت الظالمين على أهلها.

والسر في حزنه وبكائه (ع) معلوم لأن هذا الإمام عايش أحداث كربلاء كلها فما من مصيبة وقعت في تلك الواقعة إلا وكان هو أحد المفجوعين بها فقد رأى (ع) مصرع أصحاب أبيه الواحد بعد الآخر ومصرع أخوته وعمومته وابناء عمومته كما كان يسمع نداءات أبيه: هل من ناصر ينصرنا هل من ذاب يذب عن حرم رسول الله وبعينيه رأى كيف تعلقت تلك النساء الفاقدات بأبيه عند الوداع هذه تقبل يديه وتلك تقبل رأسه وتلك تصرخ إلى أين يا حمانا إلى أين يا رجانا والحسين (ع) يرد عليهن عليكن بالصبر فهذا آخر الوداع وقد قرب منكن الافتجاع.

أما المصيبة العظمى فكانت مذبح أبيه (ع) الذي ذبحه شمر بن ذي الجوشن وداست الخيول على صدره وعندما جاءت إليه عمته زينب (ع) وكان القوم أحرقوا الخيام بالنار وهي تقول: عمة ماذا نصنع؟ قال: (ع) عمة فروا على وجوهكن في البيداء.

 

يـبـكي  أبـاه بـلوعة      والـجسم بـالأسقام ناحل

أتـراه  يـنسى ما جنت      حرب على الصيد الاماثل

ينسى الجسوم على الثرى      نهب القواضب والعواسل

والـقوم فـوق صدورها      مـن فارس يعدو وراجل

يـنسى  كريمات الرسالة      حـسراً فـوق الـهوازل

 

وقد رأى (ع) العديد من أطفال بني هاشم قد ماتوا سحقاً بأرجل الخيل (2) أو ماتوا من العطش(3).

وأما سلب عماته وأخواته فإنه (ع) شاهد كل ذلك وهو لا يستطيع حتى القيام من شدة المرض الذي ألمَّ به فضلا عن أن يرد عنهن الأعداء ولكن هذه المشاهد كانت تؤكد كلما تذكرها بل ما كانت تغيب عن باله.

 

لـقد تحمَّل من أرزائها محنا      لم يحتملها نبيٌّ أو وصيُّ نبي

 

ولما حملوا مخدرات الرسالة إلى الكوفة لسبيهن كان (ع) معهن وكان عليلا قد أخذ الضعف مأخذا من جسده. قال الراوي فلم يتمالك الإمام الركوب من شدة الضعف فأخبروا ابن سعد فقال: قيدوا رجليه من تحت بطن الناقة ففعلوا ذلك (4). هذا وقد سمع (ع) ينشد في الشام.

 

اقـاد أسـيرا في دمشق كأنني      من الزنج عبدٌ غاب عنه نصير

وجدي رسول الله في كلٌ مشهدٍ      وشـيخي أمير المؤمنين وزير

فيا  ليت أمي لم تلدني ولم أكن      يـراني  يزيدٌ في البلاد أسير

 

وعن دخولهم على يزيد يقول (ع) أدخلونا ونحن مربقون بالحبال الحبل ممدود من عنقي إلى كتف عمتي زينب وباقي البنيات.

 

نعم: فيا بنفسي كم كابد (ع) من مصائب عظيمة وتحمل من رزايا

جسيمة تندك لبعضها شامخات الجبال وتشيب لقليلها رؤوس الأطفال.

 

لـله قـلبُ ابن الحسين      وصاحب الحزن الطويل

ماذا  تحمَّل من مصائب      بـعـد والـده الـقتيل

 

أقول بعد تلك المصائب العظيمة يدس إليه الوليد بن عبد الملك لعنه الله السم القاتل فيرديه صريعا على فراشه يقبض يمينا ويمد شمالا من ألم السم، أي وا إماماه، وا سيداه، وا علياه، وا مسموماه.

 

حـتى قـضى بـعد الـعنا      بـالـسم  مـفطور الـغليل

ومضى عن الدنيا نقيَّ الثوب      ذو الـمـجـد الأثــيـل

 

(مجردات)

گوَّض عـلي السجاد مهموم      او مـنه الچبد ويلاه مسموم

والـباقر ابـنه اشلون مالوم      والـدمع ويلي اعليه مسجوم

وايـنادي بويه اهنا يمظلوم      هـاذي  مـظلمه دار العلوم

او تبچي العيال اعليك بدموم

 

(تخميس)

بـقتلك لا كهفٌ إذا الدهر نابني      وبعدك لا أقوى على ما أصابني

ومـن يَرعَني قدما أراه أراعني      أبي قد سطا دهري عليَّ وخانني

ومـا كان عهدي بالزمان يخون


(1) ـ ديوان محمد حسين الأصفهاني، الموسوم بالأنوار القدسية.

(2) ـ منهم: عاتكة بنت مسلم بن عقيل وأمها رقية بنت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ومنهم أم الحسن وأم الحسين بنتا الإمام الحسن المجتبى وأمهما أم بشر بنت مسعود الأنصارية. راجع كتاب وفاة الإمام السجاد ص21 للشيخ حسين القديحي البلادي.

(3) ـ سعد وعقيل ابنا الرحمن بن عقيل بن أبي طالب (ع) وأمهما خديجة بنت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) المصدر السابق نقلا عن مقتل الشويكي.

(4) ـ وفاة الإمام السجاد (ع) ص25.