خطبة 147

الغاية من البعثة

فبعث اللّه محمّدا (صلى الله عليه وآله) بالْحقّ ليخْرج عباده منْ عبادة الْأوْثان إلى عبادته و منْ طاعة الشّيْطان إلى طاعته بقرْآن قدْ بيّنه و أحْكمه ليعْلم الْعباد ربّهمْ إذْ جهلوه و ليقرّوا به بعْد إذْ جحدوه و ليثْبتوه بعْد إذْ أنْكروه فتجلّى لهمْ سبْحانه في كتابه منْ غيْر أنْ يكونوا رأوْه بما أراهمْ منْ قدْرته و خوّفهمْ منْ سطْوته و كيْف محق منْ محق بالْمثلات و احْتصد من احْتصد بالنّقمات.

الزمان المقبل

و إنّه سيأْتي عليْكمْ منْ بعْدي زمان ليْس فيه شيْ‏ء أخْفى من الْحقّ و لا أظْهر من الْباطل و لا أكْثر من الْكذب على اللّه و رسوله و ليْس عنْد أهْل ذلك الزّمان سلْعة أبْور من الْكتاب إذا تلي حقّ تلاوته و لا أنْفق منْه إذا حرّف عنْ مواضعه و لا في الْبلاد شيْ‏ء أنْكر من الْمعْروف و لا أعْرف من الْمنْكر فقدْ نبذ الْكتاب حملته و تناساه حفظته فالْكتاب يوْمئذ و أهْله طريدان منْفيّان و صاحبان مصْطحبان في طريق واحد لا يؤْويهما مؤْو فالْكتاب و أهْله في ذلك الزّمان في النّاس و ليْسا فيهمْ و معهمْ و ليْسا معهمْ لأنّ الضّلالة لا توافق الْهدى و إن اجْتمعا فاجْتمع الْقوْم على الْفرْقة و افْترقوا على الْجماعة كأنّهمْ أئمّة الْكتاب و ليْس الْكتاب إمامهمْ فلمْ يبْق عنْدهمْ منْه إلّا اسْمه و لا يعْرفون إلّا خطّه و زبْره و منْ قبْل ما مثّلوا بالصّالحين كلّ مثْلة و سمّوْا صدْقهمْ على اللّه فرْية و جعلوا في الْحسنة عقوبة السّيّئة و إنّما هلك منْ كان قبْلكمْ بطول آمالهمْ و تغيّب آجالهمْ حتّى نزل بهم الْموْعود الّذي تردّ عنْه الْمعْذرة و ترْفع عنْه التّوْبة و تحلّ معه الْقارعة و النّقْمة .

عظة الناس

أيّها النّاس إنّه من اسْتنْصح اللّه وفّق و من اتّخذ قوْله دليلا هدي للّتي هي أقوم فإنّ جار اللّه آمن و عدوّه خائف و إنّه لا ينْبغي لمنْ عرف عظمة اللّه أنْ يتعظّم فإنّ رفْعة الّذين يعْلمون ما عظمته أنْ يتواضعوا له و سلامة الّذين يعْلمون ما قدْرته أنْ يسْتسْلموا له فلا تنْفروا من الْحقّ نفار الصّحيح من الْأجْرب و الْبارئ منْ ذي السّقم و اعْلموا أنّكمْ لنْ تعْرفوا الرّشْد حتّى تعْرفوا الّذي تركه و لنْ تأْخذوا بميثاق الْكتاب حتّى تعْرفوا الّذي نقضه و لنْ تمسّكوا به حتّى تعْرفوا الّذي نبذه فالْتمسوا ذلك منْ عنْد أهْله فإنّهمْ عيْش الْعلْم و موْت الْجهْل هم الّذين يخْبركمْ حكْمهمْ عنْ علْمهمْ و صمْتهمْ عنْ منْطقهمْ و ظاهرهمْ عنْ باطنهمْ لا يخالفون الدّين و لا يخْتلفون فيه فهو بيْنهمْ شاهد صادق و صامت ناطق .