مظلومية السيدة الزهراء صلوات الله عليها

باب في ذكر مظلوميّتها وما جرى عليها من مصائبَ ورزايا

 

  


* العلامة المجلسي في البحار, روي نقلاً عن السيد رضي الدين الموسوي رضي الله عنه من كتاب خصائص الائمة عن هارون بن موسى، عن أحمد بن محمد بن عمار العجلي الكوفي، عن عيسى الضرير, عن الكاظم عليه السلام قال: قلت لأبي: فما كان بعد خروج الملائكة عن رسول الله صلى الله عليه وآله؟ قال: فقال: ثم دعا علياً وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وقال لمن في بيته: اخرجوا عني، وقال لأم سلمة: كوني على الباب فلا يقربه أحد، ففعلت، ثم قال: يا علي أدن مني فدنا منه فأخذ بيد فاطمة فوضعها على صدره طويلاً، وأخذ بيد علي بيده الأخرى فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وآله الكلام غلبته عبرته! فلم يقدر على الكلام، فبكت فاطمة بكاء شديداً وعلي والحسن والحسين عليهم السلام لبكاء رسول الله صلى الله عليه وآله! فقالت فاطمة: يا رسول الله قد قطعت قلبي، وأحرقت كبدي لبكائك يا سيد النبيين من الأولين والآخرين، ويا أمين ربه ورسوله ويا حبيبه ونبيه، مَن لولدي بعدَك؟ ولذل ينزل بي بعدَك؟ من لعلي أخيك وناصر الدين؟ من لوحي الله وأمره؟ ثم بكت وأكبت على وجهه فقبَّلته، وأكب عليه علي والحسن والحسين صلوات الله عليهم فرفع رأسه صلى الله عليه وآله إليهم ويدها في يده فوضعها في يد علي وقال له: يا أبا الحسن هذه وديعة الله ووديعة رسوله محمد عندك فاحفظ الله واحفظني فيها، وإنك لفاعله, يا علي هذه والله سيدة نساء أهل الجنة من الأولين والآخرين، هذه والله مريم الكبرى أما والله ما بلغت نفسي هذا الموضع حتى سألت الله لها ولكم، فأعطاني ما سألته, يا علي انفذ لما أمرتك به فاطمة فقد أمرتها بأشياء أمر بها جبرئيل عليه السلام، واعلم يا علي إني راض عمن رضيت عنه ابنتي فاطمة، وكذلك ربي وملائكته، يا علي ويل لمن ظلمها وويل لمن ابتزها حقها، وويل لمن هتك حرمتها، وويل لمن أحرق بابها، وويل لمن آذى خليلها، وويل لمن شاقها وبارزها، اللهم إني منهم بريء، وهم مني برآء، ثم سماهم رسول الله صلى الله عليه وآله وضم فاطمة إليه وعلياً والحسن والحسين عليهم السلام وقال: اللهم إني لهم ولمن شايعهم سلم، وزعيم بأنهم يدخلون الجنة، وعدو وحرب لمن عاداهم وظلمهم وتقدمهم أو تأخر عنهم وعن شيعتهم، زعيم بأنهم يدخلون النار، ثم والله يا فاطمة لا أرضى حتى ترضي! ثم لا والله لا أرضى حتى ترضي! ثم لا والله لا أرضى حتى ترضي! [...] الخبر.[1]

 

* العلامة المجلسي في البحار, كتاب الطرف للسيد علي بن طاووس نقلاً من كتاب الوصية للشيخ عيسى بن المستفاد الضرير، عن موسى بن جعفر، عن أبيه عليه السلام قال: لما حضرت رسول الله صلى الله عليه وآله الوفاة دعا الانصار وقال: يا معشر الانصار قد حان الفراق، وقد دعيت وأنا مجيب الداعي، وقد جاورتم فأحسنتم الجوار، ونصرتم فأحسنتم النصرة، وواسيتم في الاموال، ووسعتم في المسلمين، وبذلتم لله مهج النفوس والله يجزيكم بما فعلتم الجزاء الاوفى، وقد بقيت واحدة وهي تمام الامر وخاتمة العمل، العمل معها مقرون, إني أرى أن لا أفترق بينهما جميعاً, لو قيس بينهما بشعرة ما انقاست، من أتى بواحدة وترك الاخرى كان جاحداً للأولى ولا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً, قالوا: يا رسول الله فأين لنا بمعرفتها فلا نمسك عنها فنضل ونرتد عن الاسلام والنعمة من الله ومن رسوله علينا، فقد أنقذنا الله بك من الهلكة يا رسول الله، وقد بلغت ونصحت وأديت وكنت بنا رؤفاً رحيماً شفيقاً؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لهم: كتاب الله وأهل بيتي فإن الكتاب هو القرآن وفيه الحجة والنور والبرهان، كلام الله جديد غض طري شاهد ومحكم عادل ولنا قائد بحلاله وحرامه وأحكامه يقوم غداً فيحاج أقواماً فيزل الله به أقدامهم عن الصراط، واحفظوني معاشر الانصار في أهل بيتي، فإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، ألا وإن الاسلام سقف تحته دعامة، لا يقوم السقف إلا بها، فلو أن أحدكم أتى بذلك السقف ممدوداً لا دعامة تحته فأوشك أن يخر عليه سقفه فيهوي في النار، أيها الناس الدعامة: دعامة الاسلام، وذلك قوله تعالى: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه}[2] فالعمل الصالح طاعة الامام ولي الامر والتمسك بحبله، أيها الناس أفهمتم؟ الله! الله! في أهل بيتي، مصابيح الظلم، ومعادن العلم، وينابيع الحكم، ومستقر الملائكة، منهم وصيي وأميني ووارثي، وهو مني بمنزلة هارون من موسى ألا هل بلغت معاشر الانصار؟ ألا فاسمعوا ومن حضر، ألا إن فاطمة بابها بابي وبيتها بيتي، فمن هتكه فقد هتك حجاب الله! قال عيسى: فبكى أبو الحسن عليه السلام طويلاً، وقطع بقية كلامه وقال: هتك والله حجاب الله! هتك والله حجاب الله! هتك والله حجاب الله! يا أمه![3] صلوات الله عليها.[4]

 

* الشيخ الصدوق في الأمالي, حدثنا علي بن أحمد بن موسى الدقاق & قال: حدثنا محمد ابن أبي عبد الله الكوفي قال: حدثنا موسى بن عمران النخعي, عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي, عن الحسن بن علي بن أبي حمزة, عن أبيه, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان جالساً ذات يوم إذ أقبل الحسن عليه السلام فلما رآه بكى, ثم قال: إليّ يا بني, فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليمنى, ثم أقبل الحسين عليه السلام فلما رآه بكى, ثم قال: إليّ يا بني, فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليسرى, ثم أقبلت فاطمة صلوات الله عليها فلما رآها بكى, ثم قال: إليّ يا بنية, فأجلسها بين يديه, ثم أقبل أمير المؤمنين عليه السلام فلما رآه بكى, ثم قال: إليّ يا أخي, فما زال يدنيه حتى أجلسه إلى جنبه الأيمن, فقال له أصحابه: يا رسول الله ما ترى واحداً من هؤلاء إلا بكيت؟ أو ما فيهم من تسر برؤيته! فقال صلى الله عليه وآله: والذي بعثني بالنبوة, واصطفاني على جميع البرية, إني وإياهم لأكرم الخلق على الله عز وجل, وما على وجه الارض نسمة أحب إليّ منهم.

أما علي بن أبي طالب فإنه أخي وشقيقي, وصاحب الأمر بعدي, وصاحب لوائي في الدنيا والآخرة, وصاحب حوضي وشفاعتي, وهو مولى كل مسلم, وإمام كل مؤمن, وقائد كل تقي, وهو وصيي وخليفتي على أهلي وأمتي في حياتي وبعد مماتي, محبه محبي, ومبغضه مبغضي, وبولايته صارت أمتي مرحومة, وبعداوته صارت المخالفة له منها ملعونة, وإني بكيت حين أقبل لأني ذكرت غدر الامة به بعدي حتى إنه ليزال عن مقعدي, وقد جعله الله له بعدي, ثم لا يزال الامر به حتى يضرب على قرنه ضربة تخضب منها لحيته في أفضل الشهور {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان}[5].

وأما ابنتي فاطمة, فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين, وهي بضعة مني, وهي نور عيني, وهي ثمرة فؤادي, وهي روحي التي بين جنبيّ, وهي الحوراء الانسية, متى قامت في محرابها بين يدي ربها جل جلاله زهر نورها لملائكة السماء كما يزهر نور الكواكب لاهل الارض, ويقول الله عز وجل لملائكته: يا ملائكتي, انظروا إلى أمتي فاطمة سيدة إمائي, قائمة بين يدي ترتعد فرائصها من خيفتي, وقد أقبلت بقلبها على عبادتي, أشهدكم أني قد أمنت شيعتها من النار, وإني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي, كأني بها وقد دخل الذل بيتها, وانتهكت حرمتها, وغصبت حقها, ومنعت إرثها, وكسر جنبها، وأسقطت جنينها, وهي تنادي: يا محمداه! فلا تجاب, وتستغيث فلا تغاث, فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية, تتذكر انقطاع الوحي عن بيتها مرة, وتتذكر فراقي أخرى, وتستوحش إذا جنها الليل لفقد صوتي الذي كانت تستمع إليه إذا تهجدت بالقرآن, ثم ترى نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيام أبيها عزيزة, فعند ذلك يؤنسها الله تعالى ذكره بالملائكة فنادتها بما نادت به مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة {إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين}[6], يا فاطمة {اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين}[7], ثم يبتدئ بها الوجع فتمرض, فيبعث الله عز وجل إليها مريم بنت عمران, تمرضها وتؤنسها في علتها, فتقول عند ذلك: يا رب, إني قد سئمت الحياة, وتبرمت[8] بأهل الدنيا, فألحقني بأبي, فيلحقها الله عز وجل بي, فتكون أول من يلحقني من أهل بيتي, فتقدم علي محزونة مكروبة مغمومة مغصوبة مقتولة, فأقول عند ذلك: اللهم العن من ظلمها, وعاقب من غصبها, وأذل من أذلها, وخلد في نارك من ضرب جنبها حتى ألقت ولدها, فتقول الملائكة عند ذلك: آمين، [...] الخبر.[9]

 

* جعفر بن محمد بن قولويه في كامل الزيارات, حدثني محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن علي بن محمد بن سالم، عن محمد بن خالد، عن عبد الله بن حماد البصري، عن عبد الله بن عبد الرحمان الاصم، عن حماد بن عثمان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما اسري بالنبي صلى الله عليه وآله إلى السماء قيل له: إن الله تبارك وتعالى يختبرك في ثلاث لينظر كيف صبرك، قال: أُسلِّم لأمرك يا رب ولا قوة لي على الصبر الا بك - وساق الحديث إلى أن يقول - وأما الثالثة فما يلقى أهل بيتك من بعدك من القتل، أما أخوك علي فيلقى من أمتك الشتم والتعنيف والتوبيخ والحرمان والجحد والظلم وآخر ذلك القتل، فقال: يا رب قبلت ورضيت ومنك التوفيق والصبر! وأما ابنتك فتظلم وتحرم ويؤخذ حقها غصباً الذي تجعله لها، وتُضرب وهي حامل، ويُدخل عليها وعلى حريمها ومنزلها بغير إذن، ثم يمسها هوان وذل ثم لا تجد مانعاً، وتطرح ما في بطنها من الضرب وتموت من ذلك الضرب, قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون قبلت يا رب وسلمت ومنك التوفيق للصبر! - إلى أن يقول - وأما ابنتك فإني أوقفها عند عرشي فيقال لها: إن الله قد حكمك في خلقه فمن ظلمك وظلم ولدك فاحكمي فيه بما أحببتِ فإني أجيز حكومتك فيهم فتشهد العرصة، فإذا وقف من ظلمها أمرت به إلى النار، فيقول الظالم: واحسرتاه على ما فرطت في جنب الله[10]، ويتمنى الكرة، ويعض الظالم على يديه ويقول: {يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً * يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً}[11] وقال: {حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين * ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون}[12] فيقول الظالم: أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، أو الحكم لغيرك، فيقال لهم: ألا {لعنة الله على الظالمين * الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً وهم بالآخرة كافرون}[13] وأول من يحكم فيهم محسن بن علي عليه السلام وفي قاتله، ثم في قنفذ، فيؤتيان هو وصاحبه، فيضربان بسياط من نار، لو وقع سوط منها على البحار لغلت من مشرقها إلى مغربها، ولو وُضعت على جبال الدنيا لذابت حتى تصير رماداً، فيضربان بها, [...] الخبر.[14]

 

* العلامة المجلسي في البحار, روي في بعض مؤلفات أصحابنا، عن الحسين بن حمدان، عن محمد ابن إسماعيل وعلي بن عبد الله الحسني، عن أبي شعيب ومحمد بن نصير، عن عمر بن الفرات، عن محمد بن المفضل، عن المفضل بن عمر - في حديث طويل في ذكر الرجعة - قال قال أبو عبد الله الصادق عليه السلام: ثم لكأني أنظر يا مفضل إلينا معاشر الأئمة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله نشكوا إليه ما نزل بنا من الأمة بعده، وما نالنا من التكذيب والرد علينا وسبينا ولعننا وتخويفنا بالقتل، وقصد طواغيتهم الولاة لأمورهم من دون الامة بترحيلنا عن الحرمة إلى دار ملكهم، وقتلهم إيانا بالسم والحبس، فيبكي رسول الله صلى الله عليه وآله ويقول: يا بني ما نزل بكم إلا ما نزل بجدكم قبلكم! ثم تبتدئ فاطمة صلوات الله عليها وتشكو ما نالها من أبي بكر وعمر، وأخذ فدك منها ومشيها إليه في مجمع من المهاجرين والأنصار، وخطابها له في أمر فدك، وما رد عليها من قوله: إن الأنبياء لا تورث، واحتجاجها بقول زكريا ويحيى ‘ وقصة داود وسليمان ‘, وقول عمر: هاتي صحيفتك التي ذكرت أن أباك كتبها لك وإخراجها الصحيفة وأخذه إياها منها، ونشره لها على رؤس الأشهاد من قريش والمهاجرين والأنصار وسائر العرب وتفله فيها، وتمزيقه إياها, وبكائها, ورجوعها إلى قبر أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله باكية حزينة تمشي على الرمضاء قد أقلقتها، واستغاثتها بالله وبأبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وتمثلها بقول رقيقة بنت صيفي[15]:

قد كان بعدك أنباء وهنبثة * لو كنت شاهدها لم يكبر الخطبُ

إنا فقدناك فقد الأرض وابلها * واختل أهلك فاشهدهم فقد لعبوا

أبدت رجال لنا فحوى صدورهم * لما نأيت وحالت دونك الحجبُ

لكل قوم لهم قرب ومنزلة * عند الاله على الأدنين مقترب

يا ليت قبلك كان الموت حل بنا * أملوا أناس ففازوا بالذي طلبوا

وتقص عليه قصة أبي بكر وإنفاذه خالد بن الوليد وقنفذاً وعمر بن الخطاب وجمعه الناس لإخراج أمير المؤمنين عليه السلام من بيته إلى البيعة في سقيفة بني ساعدة واشتغال أمير المؤمنين عليه السلام بعد وفات رسول الله صلى الله عليه وآله بضم أزواجه وقبره وتعزيتهم وجمع القرآن وقضاء دينه، وإنجاز عداته، وهي ثمانون ألف درهم، باع فيها تليده وطارفه وقضاها عن رسول الله صلى الله عليه وآله, وقول عمر: اخرج يا علي إلى ما أجمع عليه المسلمون وإلا قتلناك، وقول فضة جارية فاطمة: إن أمير المؤمنين عليه السلام مشغول والحق له إن أنصفتم من أنفسكم وأنصفتموه، وجمعهم الجزل والحطب على الباب لإحراق بيت أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وزينب وأم كلثوم وفضة، وإضرامهم النار على الباب، وخروج فاطمة إليهم وخطابها لهم من وراء الباب, وقولها: ويحك يا عمر ما هذه الجرأة على الله وعلى رسوله؟! تريد أن تقطع نسله من الدنيا وتفنيه وتطفئ نور الله؟! والله متم نوره، وانتهاره لها, وقوله: كفي يا فاطمة فليس محمد حاضراً ولا الملائكة آتية بالأمر والنهي والزجر من عند الله، وما علي إلا كأحد المسلمين فاختاري إن شئت خروجه لبيعة أبي بكر أو إحراقكم جميعاً, فقالت وهي باكية: اللهم إليك نشكو فقد نبيك ورسولك وصفيك، وارتداد أمته علينا، ومنعهم إيانا حقنا الذي جعلته لنا في كتابك المنزل على نبيك المرسل, فقال لها عمر: دعي عنك يا فاطمة حمقات النساء، فلم يكن الله ليجمع لكم النبوة والخلافة، وأخذت النار في خشب الباب, وإدخال قنفذ يده لعنه الله يروم فتح الباب، وضرب عمر لها بالسوط على عضدها، حتى صار كالدملج الأسود، وركل الباب برجله، حتى أصاب بطنها وهي حاملة بالمحسن، لستة أشهر وإسقاطها إياه, وهجوم عمر وقنفذ وخالد بن الوليد وصفقه خدها حتى بدا قرطاها تحت خمارها، وهي تجهر بالبكاء، وتقول: وا أبتاه! وا رسول الله! ابنتك فاطمة تكذب وتضرب، ويقتل جنين في بطنها!! وخروج أمير المؤمنين عليه السلام من داخل الدار محمر العين حاسراً، حتى ألقى ملاءته عليها، وضمَّها إلى صدره وقوله لها: يا بنت رسول الله قد علمتي أن أباك بعثه الله رحمة للعالمين، فالله الله أن تكشفي خمارك، وترفعي ناصيتك، فوالله يا فاطمة لئن فعلت ذلك لا أبقى الله على الأرض من يشهد أن محمداً رسول الله, ولا موسى, ولا عيسى, ولا إبراهيم, ولا نوح, ولا آدم، ولا دابة تمشي على الأرض ولا طائراً في السماء إلا أهلكه الله! ثم قال: يا ابن الخطاب لك الويل من يومك هذا وما بعده وما يليه اخرج قبل أن أشهر سيفي فأفني غابر الأمة, فخرج عمر وخالد بن الوليد وقنفذ وعبد الرحمن بن أبي بكر فصاروا من خارج الدار، وصاح أمير المؤمنين بفضة يا فضة مولاتك فاقبلي منها ما تقبله النساء فقد جاءها المخاض من الرفسة ورد الباب، فأسقطت محسناً فقال أمير المؤمنين عليه السلام: فانه لاحق بجده رسول الله صلى الله عليه وآله فيشكو إليه.

- وساق الحديث إلى أن يقول عليه السلام: - ويأتي محسن تحمله خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين عليه السلام وهن صارخات وأمه فاطمة تقول: {هذا يومكم الذي كنتم توعدون}[16] {اليوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً}[17] قال: فبكى الصادق عليه السلام حتى اخضلت لحيته بالدموع، ثم قال: لا قرَّت عين لا تبكي عند هذا الذكر! قال: وبكى المفضل بكاء طويلاً! ثم قال: يا مولاي ما في الدموع يا مولاي؟ فقال: ما لا يحصى إذا كان من محق.

ثم قال المفضل: يا مولاي ما تقول في قوله تعالى: {وإذا الموؤدة سئلت * بأي ذنب قتلت}[18]؟ قال: يا مفضل والموؤدة والله محسن، لأنه منا لا غير، فمن قال غير هذا فكذبوه, قال المفضل: يا مولاي ثم ماذا؟ قال الصادق عليه السلام: تقوم فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله فيقول: اللهم أنجز وعدك وموعدك لي فيمن ظلمني وغصبني، وضربني وجزعني بكل أولادي، فتبكيها ملائكة السماوات السبع وحملة العرش، وسكان الهواء، ومن في الدنيا، ومن تحت أطباق الثرى، صائحين صارخين إلى الله تعالى، فلا يبقى أحد ممن قاتلنا وظلمنا ورضي بما جرى علينا إلا قُتل في ذلك اليوم ألف قتلة, [...] الخبر.[19]

 

* الشيخ عباس القمي في بيت الأحزان, قال صاحب كتاب علم اليقين, نقلاً من كتاب إلتهاب نيران الأحزان ما هذا لفظه: ثم إن عمر جمع جماعة من الطلقاء والمنافقين وأتى بهم إلى منزل أمير المؤمنين عليه السلام فوافوا بابه مغلق, فصاحوا به: أخرج يا علي فإن خليفة رسول الله يدعوك فلم يفتح لهم الباب, فأتوه بحطب فوضعوه على الباب وجاؤوا بالنار ليضرموه فصاح عمر وقال: والله لئن لم تفتحوا لنضرمنه بالنار, فلما عرفت فاطمة صلوات الله عليها إنهم يحرقون منزلها قامت وفتحت الباب, فدفعوها القوم قبل أن تتوارى عنهم, فاختبت فاطمة صلوات الله عليها وراء الباب فدفعها عمر حتى ضغطها بين الباب والحائط, ثم إنهم تواثبوا على أمير المؤمنين عليه السلام وهو جالس على فراشه, واجتمعوا عليه حتى أخرجوه سحباً من داره ملبباً بثوبه يجرونه الى المسجد, فحالت فاطمة صلوات الله عليها بينهم وبين بعلها, وقالت: والله لا أدعكم تجرون ابن عمي ظلماً! ويلكم ما أسرع ما خنتم الله ورسوله فينا أهل البيت, وقد أوصاكم رسول الله صلى الله عليه وآله باتباعنا ومودتنا والتمسك بنا, فقال الله تعالى: {قل لا أسئلكم عليه أجراً إلا المودة في القربى}[20] قال: فتركه أكثر القوم لأجلها, فأمر عمر قنفذاً ابن عمه أن يضربها بسوطه فضربها قنفذ بالسوط على ظهرها وجنبيها إلى أن أنهكها وأثر في جسمها الشريف, وكان ذلك الضرب أقوى ضرر في إسقاط جنينها, وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله سماه محسناً, وجعلوا يقودون أمير المؤمنين عليه السلام إلى المسجد حتى أوقفوه بين يدي أبي بكر فلحقته فاطمة صلوات الله عليها الى المسجد لتخلصه فلم تتمكن من ذلك, فعدلت إلى قبر أبيها, فاشارت إليه بحرقة ونحيب وهي تقول:

نفسي على زفراتها محبوسة * يا ليتها خرجت مع الزفرات

لا خير بعدك في الحياة وإنما * أبكي, مخافة أن تطول حياتي

ثم قالت: واأسفاه عليك يا أبتاه! واثكل حبيبك أبو الحسن المؤتمن وأبو سبطيك الحسن والحسين, ومن ربيته صغيراً وواخيته كبيراً, وأجلّ أحبائك لديك, وأحب أصحابك إليك أولهم سبقاً إلى الإسلام, ومهاجرة إليك يا خير الأنام, فها هو يساق في الأسر كما يقاد البعير! ثم أنها أنَّت أنَّه, وقالت: وامحمداه! واحبيباه! واأباه! واأبا القاسماه! واأحمداه! واقلة ناصراه! واغوثاه! واطول كربتاه! واحزناه! وامصيبتاه واسوء صباحاه! وخرت مغشية عليها, فضج الناس بالكباء والنحيب, وصار المسجد مأتماً, ثم إنهم أوقفوا أمير المؤمنين عليه السلام بين يدي أبي بكر وقالوا له: مد يدك فبايع!! فقال: والله لا أبايع, والبيعة لي في رقابكم, فروى عن عدي بن حاتم, إنه قال: والله ما رحمت أحداً قط رحمتي على علي ابن أبي طالب عليه السلام حين أتي به ملبباً بثوبه, يقودونه إلى أبي بكر, وقالوا: بايع!

قال: فإن لم أفعل؟ قالوا: نضرب الذي فيه عيناك, قال: فرفع رأسه الى السماء, وقال: اللهم إني أشهدك إنهم أتوا أن يقتلوني, فإني عبد الله وأخي رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا له: مد يدك فبايع! فأبى عليهم فمدوا يده كرهاً فقبض عليه السلام على أنامله, فراموا بأجمعهم فتحها فلم يقدروا فمسح عليها أبو بكر وهي مضمومة, وهو عليه السلام يقول وينظر إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله: يا بن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلوني.

قال الراوي: إن علياً عليه السلام خاطب أبا بكر بهذين البيتين:

فإن كنت بالشورى ملكت أمورهم * فكيف بهذا والمشيرون غيب

وان كنت بالقربى حججت خصيمهم * فغيرك أولى بالنبي وأقرب

وكان عليه السلام كثيراً ما يقول: واعجباً تكون الخلافة بالصحابة, ولا تكون بالقرابة والصحابة.[21]

 

* الشيخ الطبرسي في الاحتجاج, روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: لما استُخرج أمير المؤمنين عليه السلام من منزله خرجت فاطمة صلوات الله عليها خلفه فما بقيت امرأة هاشمية الا خرجت معها حتى انتهت قريباً من القبر فقالت لهم: خلوا عن ابن عمي فوالذي بعث محمداً أبي صلى الله عليه وآله بالحق إن لم تخلوا عنه لأنشرن شعري ولأضعن قميص رسول الله على رأسي ولأصرخن إلى الله تبارك وتعالى, فما صالح بأكرم على الله من أبي ولا الناقة بأكرم مني ولا الفصيل بأكرم على الله من ولدي.

قال سلمان رضي الله عنه: كنت قريباً منها, فرأيت والله أساس حيطان مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله تقلعت من أسفلها حتى لو أراد رجل أن ينفذ من تحتها لنفذ, فدنوت منها فقلت: يا سيدتي ومولاتي إن الله تبارك وتعالى بعث أباك رحمة فلا تكوني نقمة, فرجعت ورجعت الحيطان حتى سطعت الغبرة من أسفلها فدخلت في خياشيمنا[22].[23]

 

* الشيخ المفيد في الاختصاص, أبو محمد, عن عمرو بن أبي المقدام, عن أبيه, عن جده قال: ما أتى على علي عليه السلام يوم قط أعظم من يومين أتياه, فأما أول يوم فاليوم الذي قبض فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وأما اليوم الثاني فوالله إني لجالس في سقيفة بني ساعدة عن يمين أبي بكر والناس يبايعونه إذ قال له عمر: يا هذا لم تصنع شيئاً ما لم يبايعك علي فابعث إليه حتى يأتيك فيبايعك, قال: فبعث قنفذاً, فقال له: أجب خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله, قال علي عليه السلام: لأسرع ما كذبتم على رسول الله صلى الله عليه وآله ما خلف رسول الله صلى الله عليه وآله أحداً غيري, فرجع قنفذ وأخبر أبا بكر بمقالة علي عليه السلام فقال أبو بكر: انطلق إليه فقل له: يدعوك أبو بكر ويقول: تعال حتى تبايع فإنما أنت رجل من المسلمين, فقال علي عليه السلام: أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله أن لا أخرج بعده من بيتي حتى أؤلف الكتاب فإنه في جرائد النخل وأكتاف الإبل فأتاه قنفذ وأخبره بمقالة علي عليه السلام, فقال عمر: قم إلى الرجل, فقام أبو بكر وعمر وعثمان وخالد ابن الوليد والمغيرة بن شعبة وأبو عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة وقمت معهم وظنت فاطمة صلوات الله عليها أنه لا تدخل بيتها إلا بإذنها, فأجافت الباب وأغلقته, فلما انتهوا إلى الباب ضرب عمر الباب برجله فكسره وكان من سعف[24] فدخلوا على علي عليه السلام وأخرجوه ملبباً, فخرجت فاطمة صلوات الله عليها فقالت: يا أبا بكر وعمر تريدان أن ترملاني من زوجي والله لئن لم تكفا عنه لأنشرن شعري ولأشقن جيبي ولآتين قبر أبي ولأصيحن إلى ربي, فخرجت وأخذ بيد الحسن والحسين ‘ متوجهة إلى القبر فقال علي عليه السلام لسلمان: يا سلمان أدرك ابنة محمد صلى الله عليه وآله فإني أرى جنبتي المدينة تكفئان, فوالله لئن فعلت لا يناظر بالمدينة أن يخسف بها وبمن فيها, قال: فلحقها سلمان فقال: يا بنت محمد صلى الله عليه وآله إن الله تبارك وتعالى إنما بعث أباك رحمة فانصرفي, فقالت: يا سلمان ما علي صبر فدعني حتى آتي قبر أبي, فأصيح إلى ربي, قال سلمان: فإن علياً بعثني إليك وأمرك بالرجوع فقالت: أسمع له وأطيع فرجعت, وأخرجوا علياً ملبباً قال: وأقبل الزبير مخترطاً سيفه وهو يقول: يا معشر بني عبد المطلب أيفعل هذا بعلي وأنتم أحياء وشد على عمر ليضربه بالسيف فرماه خالد بن الوليد بصخرة فأصابت قفاه وسقط السيف من يده فأخذه عمر وضربه على صخرة فانكسر ومر علي عليه السلام على قبر النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا {ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني}[25] وأُتي بعلي عليه السلام إلى السقيفة إلى مجلس أبي بكر, فقال له عمر: بايع! قال: فإن لم أفعل فمه؟ قال: إذاً والله نضرب عنقك, قال علي عليه السلام: إذاً والله أكون عبد الله وأخي رسول الله صلى الله عليه وآله المقتول, فقال عمر: أما عبد الله المقتول فنعم وأما أخا رسول الله صلى الله عليه وآله فلا حتى قالها ثلاثاً, وأقبل العباس فقال: يا أبا بكر ارفقوا بابن أخي, فلك عليّ أن يبايعك فأخذ العباس بيد علي عليه السلام فمسحها على يدي أبي بكر وخلوا علياً مغضباً فرفع رأسه إلى السماء, ثم قال: اللهم إنك تعلم أن النبي الأمي صلى الله عليه وآله قال لي: إن تموا عشرين فجاهدهم, وهو قولك في كتابك: {فإن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين}[26] اللهم إنهم لم يتموا, حتى قالها ثلاثاً, ثم انصرف.[27]

* الشيخ عباس القمي في بيت الأحزان, روي عن كتاب سليم, أنه أغرم عمر بن الخطاب في بعض سنين جميع عماله أنصاف أموالهم سوى قنفذ, قال سليم: إنتهيت إلى حلقة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله ليس فيها إلا هاشمي غير سلمان, وأبي ذر, والمقداد, ومحمد بن أبي بكر, وعمر بن أبي سلمة, وقيس بن سعد بن عبادة فقال العباس لعلي عليه السلام: ما ترى عمر منعه أن يغرم قنفذاً كما غرم جميع عماله؟ فنظر علي عليه السلام إلى من حوله ثم إغرورقت عيناه! ثم قال: شكر له ضربة ضربها فاطمة صلوات الله عليها بالسوط فماتت وإن في عضدها أثره كأنه الدملج.[28]

 

* العلامة المجلسي في البحار, روي أن فاطمة صلوات الله عليها بقيت بعد أبيها أربعين صباحاً ولما حضرتها الوفاة قالت لأسماء: إن جبرئيل أتى النبي صلى الله عليه وآله لما حضرته الوفاة بكافور من الجنة فقسمه أثلاثاً ثلثاً لنفسه, وثلثاً لعلي وثلثاً لي, وكان أربعين درهماً فقالت: يا أسماء ائتيني ببقية حنوط والدي من موضع كذا وكذا فضعيه عند رأسي فوضعته, ثم تسجت بثوبها وقالت: انتظريني هنيهة وادعيني فإن أجبتك وإلا فاعلمي أني قد قدمت على أبي صلى الله عليه وآله, فانتظرتها هنيهة ثم نادتها فلم تجبها فنادت: يا بنت محمد المصطفى! يا بنت أكرم من حملته النساء! يا بنتخير من وطئ الحصا! يا بنت من كان من ربه قاب قوسين أو أدنى! قال: فلم تجبها, فكشفت الثوب عن وجهها فإذا بها قد فارقت الدنيا فوقعت عليها تقبلها وهي تقول: فاطمة! إذا قدمت على أبيك رسول الله فاقرئيه عن أسماء بنت عميس السلام, فبينا هي كذلك إذ دخل الحسن والحسين فقالا: يا أسماء ما ينيم أمنا في هذه الساعة؟ قالت: يا ابني رسول الله ليست أمكما نائمة, قد فارقت الدنيا فوقع عليها الحسن يقبلها مرة ويقول: يا أماه كلميني قبل أن تفارق روحي بدني قالت: وأقبل الحسين يقبل رجلها ويقول: يا أماه أنا ابنك الحسين كلميني قبل أن يتصدع قلبي فأموت, قالت لهما أسماء: يا ابني رسول الله انطلقا إلى أبيكما علي فأخبراه بموت أمكما, فخرجا حتى إذا كانا قرب المسجد رفعا أصواتهما بالبكاء, فابتدرهما جميع الصحابة فقالوا ما يبكيكما يا ابني رسول الله لا أبكى الله أعينكما لعلكما نظرتما إلى موقف جدكما فبكيتما شوقاً إليه, فقالا: لا, أو ليس قد ماتت أمنا فاطمة صلوات الله عليها قال: فوقع علي عليه السلام على وجهه يقول: بمن العزاء يا بنت محمد!! كنت بك أتعزى ففيم العزاء من بعدك!! ثم قال:

لكل اجتماع من خليلين فرقةٌ            وكل الذي دون الفراق قليلُ

وإن افتقادي فاطماً بعد أحمدٍ             دليل على أن لا يدوم خليلُ، [...] الخبر.[29]

 

* الشيخ المفيد في الأمالي, حدثنا أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين قال: حدثنا أبي قال: حدثنا أحمد بن أدريس قال: حدثنا محمد بن عبد الجبار, عن القاسم بن محمد الرازي, عن علي بن محمد الهرمزاني، عن علي بن الحسين بن علي, عن أبيه الحسين عليهم السلام قال: لما مرضت فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وآله وصّت إلى علي صلوات الله عليه أن يكتم أمرها, ويخفي خبرها, ولا يؤذن أحداً بمرضها, ففعل ذلك, وكان يمرضها بنفسه, وتعينه على ذلك أسماء بنت عميس رحمها الله على استسرار بذلك كما وصت به, فلما حضرتها الوفاة وصت أمير المؤمنين عليه السلام أن يتولى أمرها, ويدفنها ليلاً, ويعفي قبرها, فتولى ذلك أمير المؤمنين عليه السلام ودفنها, وعفى موضع قبرها, فلما نفض يده من تراب القبر, هاج به الحزن, فأرسل دموعه على خديه, وحول وجهه إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: السلام عليك يا رسول الله مني, والسلام عليك من ابنتك وحبيبتك وقرة عينك وزائرتك والبائتة في الثرى ببقعتك والمختار لها الله سرعة اللحاق بك, قلَّ يا رسول الله عن صفيتك صبري, وضعف عن سيدة النساء تجلدي[30], إلا أن في التأسي لي بسنتك والحزن الذي حل بي بفراقك موضع التعزي, فلقد وسدتك في ملحود قبرك بعد أن فاضت نفسك على صدري, وغمضتك بيدي، وتوليت أمرك بنفسي, نعم وفي كتاب الله أنعم القبول: إنا لله وإنا إليه راجعون, لقد استرجعت الوديعة، وأخذت الرهينة, واختلست الزهراء, فما أقبح الخضراء والغبراء, يا رسول الله! أما حزني فسرمد, وأما ليلي فمسهد[31], لا يبرح الحزن من قلبي, أو يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم, كمد[32] مقيح, وهم مهيج, سرعان ما فرق بيننا, وإلى الله أشكو, وستنبئك ابنتك بتضافر أمتك عليّ وعلى هضمها حقها, فاستخبرها الحال, فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلاً وستقول, ويحكم الله وهو خير الحاكمين.

سلام عليك يا رسول الله سلام مودع, لا سئم ولا قال, فإن أنصرف فلا عن ملالة, وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين, والصبر أيمن وأجمل, ولولا غلبة المستولين علينا لجعلت المقام عند قبرك لزاماً, وللبثت عنده معكوفاً, ولأعولت إعوال الثكلى على جليل الرزية, فبعين الله تدفن ابنتك سراً, وتهتضم حقها قهراً, وتمنع إرثها جهراً, ولم يطل العهد, ولم يخل منك الذكر, فإلى الله يا رسول الله المشتكى, وفيك أجمل العزاء, وصلوات الله عليك وعليها ورحمة الله وبركاته.[33]

 

* محمد بن جرير الطبري في دلائل الامامة, روي أنها قبضت لعشر بقين من جمادى الآخرة, وقد كمل عمرها يوم قبضت ثماني عشرة سنة, وخمسة وثمانين يوماً بعد وفاة أبيها, فغسلها أمير المؤمنين عليه السلام ولم يحضرها غيره والحسن والحسين وزينب وأم كلثوم وفضة جاريتها وأسماء بنت عميس, وأخرجها إلى البقيع في الليل, ومعه الحسن والحسين, وصلى عليها ولم يعلم بها ولا حضر وفاتها ولا صلى عليها أحد من سائر الناس غيرهم, ودفنها في الروضة, وعفى موضع قبرها, وأصبح البقيع ليلة دفنت وفيه أربعون قبراً جديداً وإن المسلمين لما علموا وفاتها جاءوا إلى البقيع, فوجدوا فيه أربعين قبراً, فأشكل عليهم قبرها من سائر القبور, فضج الناس ولام بعضهم بعضاً, وقالوا: لم يخلف نبيكم فيكم إلا بنتاً واحدة, تموت وتدفن ولم تحضروا وفاتها ولا دفنها ولا الصلاة عليها! بل ولم تعرفوا قبرها!

فقال ولاة الأمر منهم: هاتوا من نساء المسلمين من ينبش هذه القبور حتى نجدها فنصلي عليها ونزور قبرها, فبلغ ذلك أمير المؤمنين صلى الله عليه, فخرج مغضباً قد احمرت عيناه! ودرت أوداجه! وعليه قباؤه الاصفر الذي كان يلبسه في كل كريهة, وهو يتوكأ على سيفه ذي الفقار, حتى ورد البقيع, فسار إلى الناس من أنذرهم وقال: هذا علي بن أبي طالب قد أقبل كما ترونه, يقسم بالله لئن حول من هذه القبور حجر ليضعن السيف في رقاب الآمرين, فتلقاه عمر ومن معه من أصحابه, وقال له: مالك يا أبا الحسن! والله لننبشن قبرها ولنصلين عليها! فضرب علي عليه السلام بيده إلى جوامع ثوبه فهزه ثم ضرب به الارض, وقال له: يا بن السوداء!! أمّا حقي فقد تركته مخافة أن يرتد الناس عن دينهم, وأما قبر فاطمة فوالذي نفس علي بيده لئن رمت وأصحابك شيئاً من ذلك لاسقين الارض من دمائكم! فإن شئت فاعرض يا عمر, فتلقاه أبو بكر فقال: يا أبا الحسن, بحق رسول الله وبحق من فوق العرش إلا خليت عنه, فإنا غير فاعلين شيئاً تكرهه, قال: فخلى عنه وتفرق الناس ولم يعودوا إلى ذلك.[34]

 

* العلامة المجلسي في البحار, قال مؤلف المزار الكبير حدثنا جماعة عن الشيخ المفيد أبي علي الحسن بن محمد بن علي الطوسي, وعن الشريف أبي الفضل المنتهى بن أبي زيد الحسيني وعن الشيخ الأمين محمد بن شهريار الخازن, وعن الشيخ الجليل ابن شهر آشوب عن المقري, عن عبد الجبار الرازي, وكلهم يروون عن الشيخ أبي جعفر محمد بن علي الطوسي, عن الحسين بن عبيد الله الغضايري, عن أبي المفضل محمد بن عبيد الله السلمي قالوا: وحدثنا الشيخ المفيد أبو علي الحسن بن محمد الطوسي والشيخ محمد ابن أحمد بن شهريار قالا: حدثنا محمد بن أحمد بن عبد العزيز العكبري المعدل في داره ببغداد سنة سبع وستين واربعمائة قال: حدثنا أبو الفضل محمد بن عبد الله بن المطلب الشيباني, عن محمد بن يزيد, عن أبي الازهر النحوي, عن محمد بن عبد الله بن زيد النهشلي, عن أبيه, عن الشريف زيد بن جعفر العلوي, عن محمد بن وهبان, عن الحسين بن علي بن سفيان البزوفري, عن أحمد بن إدريس بن محمد بن أحمد العلوي عن محمد بن جمهور العمي, عن الهيثم بن عبد الله الناقد, عن بشار المكاري أنه قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام بالكوفة وقد قدم له طبق رطب طبرزد وهو يأكل فقال لي: يا بشار أدن فكل, قلت: هنّأك الله وجعلني فداك قد أخذتني الغيرة من شيء رأيته في طريقي أوجع قلبي وبلغ مني, فقال لي: بحقي لما دنوت فأكلت, قال: فدنوت فأكلت فقال لي: حديثك؟ قلت: رأيت جلوازاً[35] يضرب رأس امرأة يسوقها إلى الحبس وهي تنادي بأعلى صوتها المستغاث بالله ورسوله ولا يغيثها أحد! قال: ولم فعل بها ذاك؟ قال: سمعت الناس يقولون إنها عثرت فقالت: لعن الله ظالميك يا فاطمة! فارتكب منها ما ارتكب, قال: فقطع الأكل ولم يزل يبكي حتى ابتل منديله ولحيته وصدره بالدموع! ثم قال: يا بشار قم بنا إلى مسجد السهلة فندعو الله ونسأله خلاص هذه المرأة قال: ووجه بعض الشيعة إلى باب السلطان وتقدم إليه بأن لا يبرح إلى أن يأتيه رسوله فإن حدث بالمرأة حدث صار إلينا حيث كنا, قال: فصرنا إلى مسجد السهلة وصلى كل واحد منا ركعتين, ثم رفع الصادق عليه السلام يده إلى السماء وقال: أنت الله لا إله إلا أنت مبدئ الخلق ومعيدهم, وأنت الله لا إله إلا أنت خالق الخلق ورازقهم, وأنت الله لا إله إلا أنت القابض الباسط, وأنت الله لا إله إلا أنت مدبر الامور, وباعث من في القبور, وأنت وارث الارض ومن عليها أسألك باسمك المخزون المكنون الحي القيوم, وأنت الله لا إله إلا أنت عالم السر وأخفى, أسألك باسمك الذي إذا دعيت به أجبت, وإذا سئلت به أعطيت واسألك بحق محمد وأهل بيته وبحقهم الذي أوجبته على نفسك أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تقضي لي حاجتي الساعة الساعة, يا سامع الدعاء, يا سيداه يا مولاه يا غياثاه, أسئلك بكل اسم سميت به نفسك أو استاثرت به في علم الغيب عندك, أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تعجل خلاص هذه المرأة, يا مقلب القلوب والابصار يا سميع الدعاء قال: ثم خر ساجداً لا اسمع منه إلا النفس, ثم رفع رأسه فقال: قم فقد أطلقت المرأة, قال: فخرجنا جميعاً فبينما نحن في بعض الطريق إذ لحق بنا الرجل الذي وجهنا إلى باب السلطان, فقال له: ما الخبر؟ قال له: لقد أطلق عنها, قال: كيف كان إخراجها؟ قال: لا أدري ولكنني كنت واقفاً على باب السلطان إذ خرج حاجب فدعاها وقال لها: ما الذي تكلمت به؟ قالت: عثرت فقلت لعن الله ظالميك يا فاطمة ففعل بي ما فعل, قال: فأخرج مائتي درهم وقال: خذي هذه واجعلي الامير في حل فأبت أن تأخذها, فلما رأى ذلك منها دخل وأعلم صاحبه بذلك, ثم خرج فقال: انصرفي إلى بيتك, فذهبت إلى منزلها, فقال أبو عبد الله عليه السلام: أبت أن تأخذ مائتي درهم؟ قال: نعم وهي والله محتاجة إليها, فقال: فأخرج من جيبه صرة فيها سبعة دنانير وقال: اذهب أنت بهذه إلى منزلها فأقرئها مني السلام وادفع إليها هذه الدنانير, فقال: فذهبنا جميعاً فأقرأناها منه السلام فقالت: بالله أقرأني جعفر بن محمد السلام؟! فقلت لها: رحمك الله والله إن جعفر بن محمد أقرأك السلام, فشهقت ووقعت مغشية عليها! قال: فصبرنا حتى أفاقت, وقالت: أعِدها علي فأعدناها عليها, حتى فعلت ذلك ثلاثاً ثم قلنا لها خذي هذا ما أرسل به إليك وأبشري بذلك, فأخذته منا وقالت: سلوه أن يستوهب أمته من الله فما أعرف أحداً أتوسل به إلى الله أكبر منه ومن آبائه وأجداده عليهم السلام, قال: فرجعنا إلى أبي عبد الله عليه السلام فجعلنا نحدثه بما كان منها, فجعل يبكي ويدعو لها, ثم قلت: ليت شعري متى أرى فرج آل محمد صلى الله عليه وآله قال: يا بشار إذا توفي ولي الله وهو الرابع من ولدي في أشد البقاع بين شرار العباد فعند ذلك تصل إلى بني فلان[36] مصيبة سوداء مظلمة فإذا رأيت ذلك التقت حلق البطان[37] ولا مرد لأمر الله.[38]

 

* الشيخ الكليني في الكافي, علي بن محمد, عن ابن جمهور, عن أبيه, عن فضالة بن أيوب, عن السكوني قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وأنا مغموم مكروب, فقال لي: يا سكوني مما غمك؟ قلت: ولدت لي ابنة, فقال: يا سكوني على الارض ثقلها وعلى الله رزقها, تعيش في غير أجلك وتأكل من غير رزقك, فسرى والله عني, فقال لي: ما سميتها؟ قلت: فاطمة, قال: آه! آه! ثم وضع يده على جبهته فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: حق الولد على والده إذا كان ذكراً أن يسْتفره أمه[39], ويستحسن اسمه, ويعلِّمه كتاب الله ويطهره, ويعلمه السباحة وإذا كانت أنثى أن يسْتفره أمها, ويستحسن إسمها, ويعلمها سورة النور, ولا يعملها سورة يوسف, ولا ينزلها الغرف, ويعجل سراحها إلى بيت زوجها, أما إذا سميتها فاطمة فلا تسبها ولا تلعنها ولا تضربها.[40]

 

* الحافظ رجب البرسي في مشارق أنوار اليقين, روي أنها لما منعت حقها أخذت بعضادة حجرة النبي وقالت: ليست ناقة صالح عند الله بأعظم مني, ثم رفعت جنب قناعها إلى السماء وهمت أن تدعو فارتفعت جدران المسجد عن الأرض, ونزل العذاب فجاء أمير المؤمنين عليه السلام فمسك يدها وقال: يا بقية النبوة وشمس الرسالة, ومعدن العصمة والحكمة, إن أباك كان رحمة للعالمين فلا تكوني عليهم نقمة, أقسم عليك بالرؤوف الرحيم, فعادت إلى مصلاها.[41]

* العلامة المجلسي في البحار, رسالة أمير المؤمنين عليه السلام إلى أبي بكر، لمّا بلغه عنه كلام بعد منع الزهراء صلوات الله عليها فدك:

شقّوا متلاطمات أمواج الفتن بحيازيم[42] سفن النجاة، وحطّوا تيجان أهل الفخر بجميع أهل الغدر، واستضيئوا[43] بنور الأنوار، واقتسموا مواريث الطاهرات الأبرار، واحتقبوا[44] ثقل الأوزار، بغصبهم نحلة النبيّ المختار, فكأنّي بكم تتردّدون في العمى كما يتردّد البعير في الطاحونة، أما واللّه لو أذن لي بما ليس لكم به علم لحصدت رؤوسكم عن أجسادكم كحبّ الحصيد بقواضب من حديد، ولقلعت من جماجم شجعانكم ما أقرح به آماقكم[45]، وأوحش به محالكم, فإنّي منذ عرفتموني مردي العساكر، ومفني الجحافل، ومبيد خضرائكم، ومخمد ضوضائكم، وجزّار الدوارين[46] إذ أنتم في بيوتكم معتكفون، وإنّي لصاحبكم بالأمس، لعمر أبي لن تحبوا أن تكون فينا الخلافة والنبوة وأنتم تذكرون أحقاد بدر وثارات أُحد, أما واللّه لو قلت ما سبق من اللّه فيكم لتداخلت أضلاعكم في أجوافكم كتداخل أسنان دوارة الرحى، فإن نطقْت تقولون حسد، وإن سكتّ فيقال جزع ابن أبي طالب من الموت، هيهات! هيهات! أنا الساعة يقال لي هذا! وأنا الموت المميت، خوّاض المنيات[47] في جوف ليل خامد، حامل السيفين الثقيلين، والرمحين الطويلين، ومكسّر الرايات في غطامط[48] الغمرات[49]، ومفرج الكربات عن وجه خيرة البريات، ايهنوا! فواللّه لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل إلى محالب أمّه، هبلتكم الهوابل! لو بحت بما أنزل اللّه فيكم في كتابه لاضطربتم اضطراب الأرشية[50] في الطوي[51] البعيدة، ولخرجتم من بيوتكم هاربين، وعلى وجوهكم هائمين، ولكنّي أهوّن وجدي حتّى ألقى ربي بيد جذّاء[52] صفراء من لذّاتكم، خلوا من طحناتكم, فما مثل دنياكم عندي إلا كمثل غيم علا فاستعلى، ثمّ استغلظ فاستوى، ثمّ تمزّق فانجلى.

رويداً فعن قليل ينجلي لكم القسطل[53]، فتجدون ثمر فعلكم مراً أم تحصدون غرس أيديكم ذعافاً[54] ممزّقاً، وسمّاً قاتلاً, وكفى باللّه حكماً، وبرسول اللّه خصيماً، وبالقيامة موقفاً، ولا أبعد اللّه فيها سواكم، ولا أتعس فيها غيركم، والسلام على من اتبع الهدى, فلمّا أن قرأ أبو بكر الكتاب رعب من ذلك رعباً شديداً، وقال يا سبحان اللّه ما أجرأه عليّ، وأنكله[55] عن غيري, معاشر المهاجرين والأنصار تعلمون أنّي شاورتكم في ضياع فدك بعد رسول اللّه فقلتم إنّ الأنبياء لا يورّثون، وإن هذه أموال يجب أن تضاف إلى مال الفي‏ء، وتصرف في ثمن الكراع[56] والسلاح وأبواب الجهاد ومصالح الثغور، فأمضينا رأيكم ولم يمضه من يدّعيه, وهو ذا يبرق وعيداً، ويرعد تهديداً، إيلاء[57] بحقّ نبيّه أن يمضخها[58] دماً ذعافاً, واللّه لقد استقلت منها فلم أقل، واستعزلتها عن نفسي فلم أعزل، كلّ ذلك احترازاً من كراهيّة ابن أبي طالب، وهرباً من نزاعه، وما لي لابن أبي طالب! هل نازعه أحد ففلج عليه؟!

فقال له عمر أبيتَ أن تقول إلا هكذا، فأنت ابن من لم يكن مقداماً في الحروب، ولا سخيّاً في الجدوب[59]، سبحان اللّه ما أهلع فؤادك، وأصغر نفسك قد صَفّيتُ لك سجالاً[60] لتشربها، فأبيت إلا أن تظمأ كظمائك، وأنختُ لك رقاب العرب، وثبّتُ لك إمارة أهل الإشارة والتدبير، ولولا ذلك لكان ابن أبي طالب قد صيّر عظامك رميماً، فاحمد اللّه على ما قد وهب لك منّي، واشكره على ذلك، فإنّه من رقي منبر رسول اللّه كان حقيقاً عليه أن يحدث للّه شكراً, وهذا عليّ بن أبي طالب الصخرة الصمّاء[61] الّتي لا ينفجر ماؤها إلا بعد كسرها، والحيّة الرقشاء[62] الّتي لا تجيب إلّا بالرّقى[63]، والشجرة المرّة الّتي لو طليت بالعسل لم تنبت إلّا مرّاً، قتل سادات قريش فأبادهم، وألزم آخرهم العار ففضحهم, فطب نفساً، ولا تغرّنّك صواعقه، ولا تهولنّك رواعده، فإنّي أسُدُّ بابه قبل أن يَسدَّ بابك.

فقال أبو بكر ناشدتك اللّه يا عمر لمّا تركتني من أغاليطك وتربيدك[64]، فواللّه لو همّ بقتلي وقتلك لقتلنا بشماله دون يمينه، ما ينجينا منه إلا ثلاث خصال, إحداها أنّه واحد لا ناصر له, والثانية أنّه يتبع فينا وصيّة رسول اللّه, والثالثة فما من هذه القبائل أحد إلا وهو يتخضمه[65] كتخضّم ثنية[66] الإبل أوان الربيع, فتعلم لولا ذلك لرجع الأمر إليه ولو كنّا له كارهين، أما إنّ هذه الدنيا أهون عليه من لقاء أحدنا الموت, أنسيت له يوم أحد وقد فررنا بأجمعنا وصعدنا الجبل، وقد أحاطت به ملوك القوم وصناديدهم، موقنين بقتله، لا يجد محيصاً للخروج من أوساطهم، فلمّا أن سدّد القوم رماحهم، نكس نفسه عن دابته حتّى جاوزه طعان القوم، ثمّ قام قائماً في ركابه وقد طرق عن سرجه وهو يقول يا اللّه يا اللّه يا جبريل يا جبريل يا محمّد يا محمّد[67] النجاة النجاة, ثمّ عهد إلى رئيس القوم فضربه ضربة على رأسه فبقي على فكّ ولسان، ثمّ عمد إلى صاحب الراية العظمى فضربه ضربة على جمجمته ففلقها، فمرّ السيف يهوي في جسده فبراه ودابته نصفين, فلمّا أن نظر القوم إلى ذلك انجفلوا[68] من بين يديه، فجعل يمسحهم[69] بسيفه مسحاً، حتّى تركهم جراثيم خموداً على تلعة[70] من الأرض يتمرغون في حسرات المنايا، ويتجرعون كؤوس الموت، قد اختطف أرواحهم بسيفه، ونحن نتوقّع منه أكثر من ذلك, ولم نكن نضبط أنفسنا من مخافته، حتّى ابتدأت أنت منك إليه، فكان منه إليك ما تعلم, ولولا أنّه أنزل اللّه إليه آية من كتاب اللّه لكنّا من الهالكين، وهو قوله {ولقد عفا عنكم}[71] فاترك هذا الرجل ما تركك، ولا يغرّنّك قول خالد إنّه يقتله، فإنّه لا يجسر على ذلك، وإن رامه كان أوّل مقتول بيده، فإنّه من ولد عبد مناف، إذا هاجوا أهيبوا، وإذا غضبوا أذمّوا[72]، ولا سيّما عليّ بن أبي طالب، فإنّه بابها الأكبر وسنامها الأطول، وهمامها[73] الأعظم، والسلام على من اتبع الهدى.[74]

 

 

 

* محمد بن جرير الطبري في دلائل الإمامة, حدثني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى التلعكبري قال: حدثني أبي، قال: حدثني أبو علي محمد بن همام بن سهيل رضي الله عنه قال: روى أحمد ابن محمد بن البرقي، عن أحمد بن محمد الاشعري القمي، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عبد الله بن سنان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام قال: ولدت فاطمة صلوات الله عليها في جمادى الآخرة، يوم العشرين منه، سنة خمس وأربعين من مولد النبي صلى الله عليه وآله, وأقامت بمكة ثمان سنين، وبالمدينة عشر سنين، وبعد وفاة أبيها خمسة وسبعين يوماً, وقبضت في جمادي الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه، سنة إحدى عشرة من الهجرة, وكان سبب وفاتها أن قنقذاً مولى عمر لكزها بنعل السيف بأمره، فأسقطت محسناً ومرضت من ذلك مرضاً شديداً، ولم تدع أحداً ممن آذاها يدخل عليها, وكان الرجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله سألا أمير المؤمنين أن يشفع لهما إليها، فسألها أمير المؤمنين عليه السلام فأجابت، فلما دخلا عليها قالا لها: كيف أنت يا بنت رسول الله؟ قالت: بخير بحمد الله, ثم قالت لهما: ما سمعتما النبي صلى الله عليه وآله يقول: فاطمة بضعة مني، فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله؟ قالا: بلى, قالت: فوالله لقد آذيتماني, قال: فخرجا من عندها وهي ساخطة عليهما.[75]

 

* محمد بن جرير الطبري في دلائل الإمامة, حدثني أبو المفضل محمد بن عبد الله قال: حدثنا أبو العباس أحمد ابن محمد بن سعيد الهمداني قال: حدثني محمد بن المفضل بن إبراهيم بن المفضل بن قيس الاشعري قال: حدثنا علي بن حسان، عن عمه عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين عليهم السلام، قال: لما رجعت فاطمة إلى منزلها فتشكت وكان وفاتها في هذه المرضة، دخل إليها النساء المهاجرات والانصاريات، فقلن لها: كيف أصبحت يا بنت رسول الله؟ فقالت: أصبحت والله عائفة[76] لدنياكم، قالية[77] لرجالكم، شنأتهم[78] بعد إذ عرفتهم, ولفظتهم[79] بعد إذ سبرتهم[80]، ورميتهم بعد أن عجمتهم[81]، فقبحاً لفلول الحد[82], وخطل[83] الرأي, وعثور الجد، وخوف الفتن {لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون}[84] لا جرم لقد قلدتهم ربقتها[85]، وشننت[86] عليهم عارها، فجدعاً[87] وعقراً وبعداً للقوم الظالمين.

ويحهم أنى زحزحوها عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوة ومهبط الروح الامين بالوحي المبين، الطبين[88] بأمر الدنيا والدين ألا ذلك هو الخسران المبين!

ما الذي نقموا من أبي حسن؟! نقموا والله منه شدة وطأته ونكال وقعته، ونكير سيفه، وتبحره في كتاب الله، وتنمره[89] في ذات الله, وأيم الله لو تكافوا[90] عن زمام نبذه إليه رسول الله لاعتلقه[91], ثم لسار بهم سيراً سجحاً[92]، لا يكلم[93] خشاشه[94]، ولا يتعتع[95] راكبه، ولأوردهم منهلاً[96] روياً صافياً فضفاضاً تطفح ضفتاه، ثم لأصدرهم بطاناً[97] قد تخير لهم الري غير متحل منه بطائل[98] إلا بغمر[99] الماء وردعه سورة الساغب[100]، ولانفتحت عليهم بركات من السماء والارض، ولكنهم بغوا فسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون.

ألا فاسمعن! ومن عاش أراه الدهر العجب، وإن تعجبن فانظرن إلى أي نحو اتجهوا؟ وعلى أي سند استندوا؟ وبأي عروة تمسكوا؟ ولمن اختاروا؟ ولمن تركوا؟ لبئس المولى، ولبئس العشير, إستبدلوا والله الذنابي[101] بالقوادم[102]، والعجز بالكاهل، فرغماً لمعاطس[103] قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون، {أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون}[104].

أما لعمر الله لقد لقحت، فانظروها تنتج, ثم احتلبوا طلاع القعب[105] دماً عبيطاً وذعافا[106]ً ممقراً[107]، هنالك خسر المبطلون، وعرف التالون غب ما أسس الأولون, ثم طيبوا بعد ذلك نفساً، واطمئنوا للفتنة جأشاً، وابشروا بسيف صارم، وهرج شامل، واستبداد من الظالمين، يدع فيئكم زهيداً، وجمعكم حصيداً، فيا خسرى لكم، وكيف بكم وقد عميت عليكم {أنلزمكموها وأنتم لها كارهون}[108].[109]

 

* السيد علي ابن معصوم في الدرجات الرفيعة, روي أن فاطمة صلوات الله عليها قالت ذات يوم: إني أشتهي أن أسمع صوت مؤذن أبي صلى الله عليه وآله بالأذان فبلغ ذلك بلالاً فأخذ في الآذان فلما قال الله أكبر ذكرت أباها وأيامه فلم تتمالك من البكاء, فلما بلغ إلى قوله أشهد أن محمداً رسول الله شهقت فاطمة صلوات الله عليها وسقطت لوجهها وغُشي عليها فقال الناس لبلال أمسك فقد فارقت ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله الدنيا فظنوا أنها قد ماتت فقطعوا أذانه ولم يُتمه فأفاقت فاطمة صلوات الله عليها وسألته أن يُتم الأذان فلم يفعل وقال لها: يا سيدة النسوان إني أخشى عليك مما تنزلينه بنفسك إذا سمعت صوتي بالأذان فأعفته عن ذلك.[110]

 

* العلامة المجلسي في البحار, وجدت في بعض الكتب خبراً في وفاتها صلوات الله عليها فأحببت إيراده وإن لم آخذه من أصل يعول عليه, روى ورقة بن عبد الله الازدي قال: خرجت حاجاً إلى بيت الله الحرام راجياً لثواب الله رب العالمين، فبينما أنا أطوف وإذا أنا بجارية سمراء، ومليحة الوجه عذبة الكلام، وهي تنادي بفصاحة منطقها وهي تقول: اللهم رب الكعبة الحرام، والحفظة الكرام، وزمزم والمقام، والمشاعر العظام ورب محمد خير الانام صلى الله عليه وآله البررة الكرام أسألك أن تحشرني مع ساداتي الطاهرين، وأبنائهم الغر المحجلين الميامين, ألا فاشهدوا يا جماعة الحجاج والمعتمرين أن موالي خيرة الاخيار، وصفوة الابرار، والذين علا قدرهم على الاقدار، وارتفع ذكرهم في سائر الامصار المرتدين بالفخار[111].

قال ورقة بن عبد الله: فقلت: يا جارية إني لأظنك من موالي أهل البيت عليهم السلام فقالت: أجل، قلت لها: ومن أنت من مواليهم؟ قالت: أنا فضة أمة فاطمة الزهراء ابنة محمد المصطفى صلى الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها, فقلت لها: مرحباً بك وأهلاً وسهلاً، فلقد كنت مشتاقاً إلى كلامك ومنطقك فأريد منك الساعة أن تجيبيني من مسألة أسألك، فإذا أنت فرغت من الطواف قفي لي عند سوق الطعام حتى آتيك وأنت مثابة مأجورة، فافترقنا, فلما فرغت من الطواف وأردت الرجوع إلى منزلي جعلت طريقي على سوق الطعام وإذا أنا بها جالسة في معزل عن الناس، فأقبلت عليها واعتزلت بها وأهديت إليها هدية ولم أعتقد أنها صدقة، ثم قلت لها: يا فضة أخبريني عن مولاتك فاطمة الزهراء صلوات الله عليها وما الذي رأيت منها عند وفاتها بعد موت أبيها محمد صلى الله عليه وآله, قال ورقة: فلما سمعت كلامي تغرغرت عيناها بالدموع ثم انتحبت نادبة وقالت: يا ورقة بن عبد الله هيجت علي حزناً ساكناً! وأشجاناً في فؤادي كانت كامنة! فاسمع الآن ما شاهدت منها صلوات الله عليها, اعلم أنه لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله افتجع له الصغير والكبير، وكثر عليه البكاء، وقل العزاء، وعظم رزؤه على الأقرباء والأصحاب والأولياء والأحباب والغرباء والأنساب، ولم تلق إلا كل باك وباكية، ونادب ونادبة، ولم يكن في أهل الارض والاصحاب، والاقرباء والاحباب، أشد حزناً وأعظم بكاء وانتحاباً من مولاتي فاطمة الزهراء صلوات الله عليها، وكان حزنها يتجدد ويزيد، وبكاؤها يشتد, فجلست سبعة أيام لا يهدأ لها أنين، ولا يسكن منها الحنين، كل يوم جاء كان بكاؤها أكثر من اليوم الاول، فلما كان في اليوم الثامن أبدت ما كتمت من الحزن، فلم تطق صبراً إذ خرجت وصرخت، فكأنها من فم رسول الله صلى الله عليه وآله تنطق، فتبادرت النسوان، وخرجت الولائد والولدان، وضج الناس بالبكاء والنحيب وجاء الناس من كل مكان، وأطفئت المصابيح لكيلا تتبين صفحات النساء وخُيِّل إلى النسوان أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد قام من قبره، وصارت الناس في دهشة وحيرة لما قد رهقهم[112]، وهي صلوات الله عليها تنادي وتندب: أباه! وا أبتاه! وا صفياه! وا محمداه! وا أبا القاسماه! وا ربيع الارامل واليتامى! من للقبلة والمصلى! ومن لابنتك الوالهة الثكلى! ثم أقبلت تعثر في أذيالها، وهي لا تبصر شيئاً من عبرتها، ومن تواتر دمعتها حتى دنت من قبر أبيها محمد صلى الله عليه وآله فلما نظرت إلى الحجرة وقع طرفها على المأذنة فقصرت خطاها، ودام نحيبها وبكاها، إلى أن أغمي عليها، فتبادرت النسوان إليها فنضحن الماء عليها وعلى صدرها وجبينها حتى أفاقت، فلما أفاقت من غشيتها قامت وهي تقول: رفعت قوتي، وخانني جلدي، وشمت بي عدوي، والكمد قاتلي، يا أبتاه بقيت والهة وحيدة، وحيرانة فريدة، فقد انخمد صوتي، وانقطع ظهري، وتنغص عيشي، وتكدر دهري، فما أجد يا أبتاه بعدك أنيساً لوحشتي، ولا راداً لدمعتي ولا معيناً لضعفي، فقد فني بعدك محكم التنزيل، ومهبط جبرئيل، ومحل ميكائيل, انقلبت بعدك يا أبتاه الاسباب، وتغلقت دوني الابواب، فأنا للدنيا بعدك قالية وعليك ما ترددت أنفاسي باكية، لا ينفد شوقي إليك، ولا حزني عليك, ثم نادت: يا أبتاه! وا لباه! ثم قالت:

إن حزني عليك حزن جديد * وفؤادي والله صب عنيد

كل يوم يزيد فيه شجوني * واكتيابي عليك ليس يبيد

جل خطبي فبان عني عزائي * فبكائي كل وقت جديد

إن قلباً عليك يألف صبراً * أو عزاء فإنه لجليد

ثم نادت: يا أبتاه انقطعت بك الدنيا بأنوارها، وزوت زهرتها وكانت ببهجتك زاهرة، فقد أسود نهارها، فصار يحكي حنادسها[113] رطبها ويابسها، يا أبتاه لا زلت آسفة عليك إلى التلاق، يا أبتاه زال غمضي منذ حق الفراق، يا أبتاه من للأرامل والمساكين، ومن للأمة إلى يوم الدين، يا أبتاه أمسينا بعدك من المستضعفين, يا أبتاه أصبحت الناس عنا معرضين، ولقد كنا بك معظَّمين في الناس غير مستضعفين فأي دمعة لفراقك لا تنهمل، وأي حزن بعدك عليك لا يتصل، وأي جفن بعدك بالنوم يكتحل، وأنت ربيع الدين، ونور النبيين، فكيف للجبال لا تمور، وللبحار بعدك لا تغور، والارض كيف لم تتزلزل, رميت يا أبتاه بالخطب الجليل، ولم تكن الرزية بالقليل، وطرقت يا أبتاه بالمصاب العظيم، وبالفادح المهول, بكتك يا أبتاه الاملاك، ووقفت الافلاك، فمنبرك بعدك مستوحش، ومحرابك خال من مناجاتك، وقبرك فرح بمواراتك، والجنة مشتاقة إليك وإلى دعائك وصلاتك, يا أبتاه ما أعظم ظلمة مجالسك، فوا أسفاه عليك إلى أن أقدم عاجلاً عليك وأثكل أبو الحسن المؤتمن أبو ولديك الحسن والحسين، وأخوك ووليك وحبيبك ومن ربيته صغيراً، وواخيته كبيراً، وأحلى أحبابك وأصحابك إليك من كان منهم سابقاً ومهاجراً وناصراً، والثكل شاملنا، والبكاء قاتلنا، والأسى لازمنا ثم زفرت زفرة وأنَّت أنَّة كادت روحها أن تخرج, ثم قالت:

قل صبري وبان عني عزائي * بعد فقدي لخاتم الانبياء

عين يا عين أسكبي الدمع سحا * ويك لا تبخلي بفيض الدماء

يا رسول الاله يا خيرة الله * وكهف الايتام والضعفاء

قد بكتك الجبال والوحش جمعاً * والطير والارض بعد بكي السماء

وبكاك الحجون والركن والمشعر * يا سيدي مع البطحاء

وبكاك المحراب والدرس * للقرآن في الصبح معلناً والمساء

وبكاك الاسلام إذ صار في الناس * غريباً من سائر الغرباء

لو ترى المنبر الذي كنت تعلوه * علاه الظلام بعد الضياء

يا إلهي عجِّل وفاتي سريعاً * فلقد تنغصت الحياة يا مولائي

قالت: ثم رجعت إلى منزلها وأخذت بالبكاء والعويل ليلها ونهارها، وهي لا ترقأ دمعتها, ولا تهدأ زفرتها, واجتمع شيوخ أهل المدينة وأقبلوا إلى أمير المؤمنين علي عليه السلام فقالوا له: يا أبا الحسن إن فاطمة صلوات الله عليها تبكي الليل والنهار فلا أحد منا يتهنأ بالنوم في الليل على فرشنا، ولا بالنهار لنا قرار على أشغالنا وطلب معايشنا، وإنا نخبرك أن تسألها إما أن تبكي ليلاً أو نهاراً، فقال عليه السلام: حباً وكرامة, فأقبل أمير المؤمنين عليه السلام حتى دخل على فاطمة صلوات الله عليها وهي لا تفيق من البكاء، ولا ينفع فيها العزاء فلما رأته سكنت هنيئة له، فقال لها: يا بنت رسول الله صلى الله عليه وآله إن شيوخ المدينة يسألوني أن أسألك إما أن تبكين أباك ليلاً وإما نهاراً, فقالت: يا أبا الحسن ما أقل مكثي بينهم وما أقرب مغيبي من بين أظهرهم فو الله لا أسكت ليلاً ولا نهاراً أو ألحق بأبي رسول الله صلى الله عليه وآله! فقال لها علي عليه السلام: افعلي يا بنت رسول الله ما بدا لك, ثم إنه بنى لها بيتاً في البقيع نازحاً عن المدينة يسمى بيت الأحزان، وكانت إذا أصبحت قَدَّمت الحسن والحسين & أمامها، وخرجت إلى البقيع باكية فلا تزال بين القبور باكية، فإذا جاء الليل أقبل أمير المؤمنين عليه السلام إليها وساقها بين يديه إلى منزلها, ولم تزل على ذلك إلى أن مضى لها بعد موت أبيها سبعة وعشرون يوماً، واعتلت العلة التي توفيت فيها، فبقيت إلى يوم الاربعين، وقد صلى أمير المؤمنين عليه السلام صلاة الظهر وأقبل يرد المنزل إذا استقبلته الجواري باكيات حزينات فقال لهن: ما الخبر وما لي أراكن متغيرات الوجوه والصور؟ فقلن: يا أمير المؤمنين أدرك ابنة عمك الزهراء صلوات الله عليها وما نظنك تدركها! فأقبل أمير المؤمنين عليه السلام مسرعاً حتى دخل عليها، وإذا بها ملقاة على فراشها وهو من قباطي مصر وهي تقبض يميناً وتمد شمالاً، فألقى الرداء عن عاتقه والعمامة عن رأسه، وحل أزراره، وأقبل حتى أخذ رأسها وتركه في حجره، وناداها: يا زهراء! فلم تكلمه، فناداها: يا بنت محمد المصطفى! فلم تكلمه، فناداها: يا بنت من حمل الزكاة في طرف ردائه وبذلها على الفقراء! فلم تكلمه، فناداها: يا ابنة من صلى بالملائكة في السماء مثنى مثنى! فلم تكلمه، فناداها: يا فاطمة كلميني فأنا ابن عمك علي بن أبي طالب! قال: ففتحت عينيها في وجهه ونظرت إليه وبكت وبكى وقال: ما الذي تجدينه فأنا ابن عمك علي بن أبي طالب؟ فقالت: يا ابن العم إني أجد الموت الذي لا بد منه ولا محيص عنه، وأنا أعلم أنك بعدي لا تصبر على قلة التزويج, فإن أنت تزوجت امرأة اجعل لها يوماً وليلة, واجعل لأولادي يوماً وليلة, يا أبا الحسن ولا تصح في وجوههما فيصبحان يتيمين غريبين منكسرين فإنهما بالامس فقدا جدهما واليوم يفقدان أمهما، فالويل لأمة تقتلهما وتبغضهما ثم أنشأت تقول:

ابكني إن بكيت يا خير هادي * واسبل الدمع فهو يوم الفراق

يا قرين البتول أوصيك بالنسل * فقد أصبحا حليف اشتياق

ابكني وابك لليتامى ولا * تنس قتيل العدى بطف العراق

فارقوا فاصبحوا يتامى حيارى * يحلف الله فهو يوم الفراق

قالت: فقال لها علي عليه السلام: من أين لك يا بنت رسول الله هذا الخبر، والوحي قد انقطع عنا؟ فقالت: يا أبا الحسن رقدت الساعة فرأيت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله في قصر من الدر الابيض فلما رآني قال: هلمي إليَّ يا بنية فإني إليك مشتاق فقلت: والله إني لأشدُّ شوقاً منك إلى لقائك، فقال: أنت الليلة عندي وهو الصادق لما وعد والموفي لما عاهد, فإذا أنت قرأت يس فاعلم أني قد قضيت نحبي فغسلني ولا تكشف عني فإني طاهرة مطهرة وليصل علي معك من أهلي الأدنى فالأدنى ومن رزق أجري وادفني ليلاً في قبري، بهذا أخبرني حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله.

فقال علي: والله لقد أخذت في أمرها وغسلتها في قميصها ولم أكشفه عنها فوالله لقد كانت ميمونة طاهرة مطهرة ثم حنطتها من فضلة حنوط رسول الله صلى الله عليه وآله وكفنتها وأدرجتها في أكفانها فلما هممت أن أعقد الرداء ناديت يا أم كلثوم! يا زينب! يا سكينة! يا فضة! يا حسن! يا حسين! هلموا تزودوا من أمكم فهذا الفراق واللقاء في الجنة, فأقبل الحسن والحسين & وهما يناديان وا حسرتا لا تنطفئ أبداً من فقد جدنا محمد المصطفى وأمنا فاطمة الزهراء! يا أم الحسن! يا أم الحسين! إذا لقيت جدنا محمد المصطفى فاقرئيه منا السلام وقولي له: إنا قد بقينا بعد يتيمين في دار الدنيا, فقال أمير المؤمنين علي عليه السلام: إني أشهد الله أنها قد حنت وأَنَّت ومدت يديها وضمتهما إلى صدرها ملياً وإذا بهاتف من السماء ينادي يا أبا الحسن ارفعهما عنها فلقد أبكيا والله ملائكة السماوات فقد اشتاق الحبيب إلى المحبوب، قال: فرفعتهما عن صدرها وجعلت أعقد الرداء وأنا أنشد بهذه الابيات:

فراقك أعظم الاشياء عندي * وفقدك فاطم أدهى الثكول

سأبكي حسرة وأنوح شجوا * على خل مضى أسنى سبيل

ألا يا عين جودي واسعديني * فحزني دائم أبكي خليلي

ثم حملها على يده وأقبل بها إلى قبر أبيها ونادى: السلام عليك يا رسول الله, السلام عليك يا حبيب الله، السلام عليك يا نور الله، السلام عليك يا صفوة الله, مني السلام عليك والتحية واصلة مني إليك ولديك، ومن ابنتك النازلة عليك بفنائك وإن الوديعة قد استردت، والرهينة قد أخذت، فوا حزناه على الرسول، ثم من بعده على البتول، ولقد اسودت علي الغبراء، وبعدت عني الخضراء، فوا حزناه ثم وا أسفاه, ثم عدل بها على الروضة فصلى عليه في أهله وأصحابه ومواليه وأحبائه وطائفة من المهاجرين والانصار، فلما واراها وألحدها في لحدها أنشأ بهذه الابيات يقول:

أرى علل الدنيا علي كثيرة * وصاحبها حتى الممات عليل

لكل اجتماع من خليلين فرقة * وإن بقائي عندكم لقليل

وإن افتقادي فاطماً بعد أحمد * دليل على أن لا يدوم خليل.[114]

 

رسالة عمر إلى معاوية لعنهم الله:

* العلامة المجلسي في البحار, حدثنا أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى التلعكبري قال: حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا أبو علي محمد بن همام قال: حدثنا جعفر ابن محمد بن مالك الفزاري الكوفي قال: حدثني عبد الرحمن بن سنان الصيرفي, عن جعفر بن علي الحوار, عن الحسن بن مسكان, عن المفضل بن عمر الجعفي, عن جابر الجعفي, عن سعيد بن المسيب, قال: لما قتل الحسين بن علي صلوات الله عليهما ورد نعيه إلى المدينة, وورد الاخبار بجز رأسه وحمله إلى يزيد بن معاوية, وقتل ثمانية عشر من أهل بيته, وثلاث وخمسين رجلاً من شيعته, وقتل علي ابنه بين يديه وهو طفل بنشابة, وسبي ذراريه, أقيمت المآتم عند أزواج النبي صلى الله عليه وآله في منزل أم سلمة رضي الله عنها, وفي دور المهاجرين والانصار, قال: فخرج عبد الله بن عمر بن الخطاب صارخاً من داره لاطماً وجهه شاقاً جيبه يقول: يا معشر بني هاشم وقريش والمهاجرين والانصار! يستحل هذا من رسول الله صلى الله عليه وآله في أهله وذريته وأنتم أحياء ترزقون!! لا قرار دون يزيد, وخرج من المدينة تحت ليله, لا يرد مدينة إلا صرخ فيها واستنفر أهلها على يزيد, وأخباره يكتب بها إلى يزيد, فلم يمر بملأ من الناس إلا لعنه وسمع كلامه, وقالوا هذا عبد الله بن عمر ابن خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وهو ينكر فعل يزيد بأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله ويستنفر الناس على يزيد, وإن من لم يجبه لا دين له ولا إسلام, واضطرب الشام بمن فيه, وورد دمشق وأتى باب اللعين يزيد في خلق من الناس يتلونه, فدخل إذن يزيد إليه فأخبره بوروده ويده على أم رأسه والناس يهرعون إليه قدامه ووراءه, فقال يزيد: فورة من فورات أبي محمد, وعن قليل يفيق منها, فأذن له وحده فدخل صارخاً يقول: لا أدخل يا أمير المؤمنين! وقد فعلت بأهل بيت محمد صلى الله عليه وآله ما لو تمكنت الترك والروم ما استحلوا ما استحللت, ولا فعلوا ما فعلت! قم عن هذا البساط حتى يختار المسلمون من هو أحق به منك, فرحب به يزيد وتطاول له وضمه إليه وقال له: يا أبا محمد! اسكن من فورتك, واعقل, وانظر بعينك واسمع بأذنك, ما تقول في أبيك عمر بن الخطاب أكان هادياً مهدياً خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وناصره ومصاهره بأختك حفصة, والذي قال: لا يعبد الله سراً؟ فقال عبد الله: هو كما وصفت, فأي شيء تقول فيه؟ قال: أبوك قلّد أبي أمر الشام, أم أبي قلد أباك خلافة رسول الله صلى الله عليه وآله؟ فقال: أبي قلد أباك الشام, قال: يا أبا محمد! أفترضى به وبعهده إلى أبي أو ما ترضاه؟ قال: بل أرضى, قال: أفترضى بأبيك؟ قال: نعم, فضرب يزيد بيده على يد عبد الله بن عمر وقال له: قم يا أبا محمد حتى تقرأ, فقام معه حتى ورد خزانة من خزائنه, فدخلها ودعا بصندوق ففتح واستخرج منه تابوتاً مقفلاً مختوماً فاستخرج منه طوماراً لطيفاً في خرقة حرير سوداء, فأخذ الطومار بيده ونشره, ثم قال: يا أبا محمد, هذا خط أبيك؟ قال: إي والله! فأخذه من يده فقبله, فقال له: اقرأ, فقرأه ابن عمر, فإذا فيه:

بسم الله الرحمن الرحيم إن الذي أكرهنا بالسيف على الاقرار به فأقررنا, والصدور وغرة, والانفس واجفة, والنيات والبصائر شائكة مما كانت عليه من جحدنا ما دعانا إليه, وأطعناه فيه رفعاً لسيوفه عنا, وتكاثره بالحي علينا من اليمن, وتعاضد من سمع به ممن ترك دينه وما كان عليه آباؤه في قريش, فبهبل أقسم والاصنام والاوثان واللات والعزى ما جحدها عمر مذ عبدها ولا عبد للكعبة رباً!! ولا صدَّق لمحمد صلى الله عليه وآله قولاً, ولا ألقى السلام إلا للحيلة عليه وإيقاع البطش به, فإنه قد أتانا بسحر عظيم, وزاد في سحره على سحر بني إسرائيل مع موسى وهارون وداود وسليمان وابن أمه عيسى, ولقد أتانا بكل ما أتوا به من السحر وزاد عليهم ما لو أنهم شهدوه لاقروا له بأنه سيد السحرة, فخذ يابن أبي سفيان سُنة قومك واتباع ملتك والوفاء بما كان عليه سلفك من جحد هذه البنية التي يقولون إن لها رباً أمرهم بإتيانها والسعي حولها وجعلها لهم قبلة فأقروا بالصلاة والحج الذي جعلوه ركناً, وزعموا أنه لله اختلقوا[115], فكان ممن أعان محمداً منهم هذا الفارسي الطمطاني روزبه, وقالوا إنه أوحي إليه: {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين}[116] وقولهم: {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضيها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره}[117] وجعلوا صلاتهم للحجارة, فما الذي أنكره علينا لولا سحره من عبادتنا للاصنام والاوثان واللات والعزى وهي من الحجارة والخشب والنحاس والفضة والذهب؟! لا واللات والعزى ما وجدنا سبباً للخروج عما عندنا وإن سحروا وموهوا, فانظر بعين مبصرة, واسمع بأذن واعية, وتأمل بقلبك وعقلك ما هم فيه, واشكر اللات والعزى واستخلاف السيد الرشيد عتيق بن عبد العزى على أمة محمد وتحكمه في أمواله ودمائهم وشريعتهم وأنفسهم وحلالهم وحرامهم, وجبايات الحقوق التي زعموا أنهم يجبونها لربهم ليقيموا بها أنصارهم وأعوانهم, فعاش شديداً رشيداً يخضع جهراً ويشتد سراً, ولا يجد حيلة غير معاشرة القوم, ولقد وثبت وثبة على شهاب بني هاشم الثاقب, وقرنها الزاهر, وعلمها الناصر, وعدتها وعددها مسمى بحيدرة المصاهر لمحمد على المرأة التي جعلوها سيدة نساء العالمين يسمونها فاطمة, حتى أتيت دار علي وفاطمة وابنيهما الحسن والحسين وابنتيهما زينب وأم كلثوم, والامة المدعوة بفضة, ومعي خالد بن وليد وقنفذ مولى أبي بكر ومن صحب من خواصنا, فقرعت الباب عليهم قرعاً شديداً, فأجابتني الامة, فقلت لها: قولي لعلي دع الاباطيل ولا تلج نفسك إلى طمع الخلافة, فليس الامر لك, الامر لمن اختاره المسلمون واجتمعوا عليه, ورب اللات والعزى لو كان الامر والرأي لأبي بكر لفشل عن الوصول إلى ما وصل إليه من خلافة ابن أبي كبشة, لكني أبديت لها صفحتي, وأظهرت لها بصري, وقلت للحيين نزار وقحطان بعد أن قلت لهم ليس الخلافة إلا في قريش, فأطيعوهم ما أطاعوا الله, وإنما قلت ذلك لما سبق من ابن أبي طالب من وثوبه واستيثاره بالدماء التي سفكها في غزوات محمد وقضاء ديونه, وهي ثمانون ألف درهم وإنجاز عداته, وجمع القرآن, فقضاها على تليده وطارفه[118], وقول المهاجرين والانصار لما قلت إن الامامة في قريش قالوا: هو الاصلع البطين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله البيعة له على أهل ملته, وسلمنا له بإمرة المؤمنين في أربعة مواطن, فإن كنتم نسيتموها معشر قريش فما نسيناها وليست البيعة ولا الامامة والخلافة والوصية إلا حقاً مفروضاً, وأمراً صحيحاً, لا تبرعاً ولا إدعاءً فكذبناهم, وأقمت أربعين رجلاً شهدوا على محمد أن الامامة بالاختيار, فعند ذلك قال الانصار: نحن أحق من قريش, لأنَّا آوينا ونصرنا وهاجر الناس إلينا, فإذا كان دفع من كان الامر له فليس هذا الامر لكم دوننا, وقال قوم: منا أمير ومنكم أمير, قلنا لهم: قد شهدوا أربعون رجلاً أن الائمة من قريش, فقبل قوم وأنكر آخرون وتنازعوا, فقلت والجمع يسمعون: ألا أكبرنا سناً وأكثرنا ليناً, قالوا: فمن تقول؟ قلت: أبو بكر الذي قدمه رسول الله صلى الله عليه وآله في الصلاة, وجلس معه في العريش يوم بدر يشاوره ويأخذ برأيه, وكان صاحبه في الغار, وزوج ابنته عائشة التي سماها: أم المؤمنين, فأقبل بنو هاشم يتميزون غيظاً, وعاضدهم الزبير وسيفه مشهور وقال: لا يبايع إلا علي أو لا أملك رقبة قائمة سيفي هذا, فقلت: يا زبير! صرختك سكن[119] من بني هاشم, أمك صفية بنت عبد المطلب, فقال: ذلك والله الشرف الباذخ والفخر الفاخر, يابن خنتمة ويابن صهاك! أسكت لا أم لك, فقال قولاً فوثب أربعون رجلاً ممن حضر سقيفة بني ساعدة على الزبير, فوالله ما قدرنا على أخذ سيفه من يده حتى وسدناه الارض, ولم نر له علينا ناصراً, فوثبت إلى أبي بكر فصافحته وعاقدته البيعة وتلاني عثمان بن عفان وسائر من حضر غير الزبير, وقلنا له: بايع أو نقتلك, ثم كففت عنه الناس, فقلت له: أمهلوه, فما غضب إلا نخوة لبني هاشم, وأخذت أبا بكر بيده فأقمته وهو يرتعد قد اختلط عقله, فأزعجته إلى منبر محمد إزعاجاً, فقال لي: يا أبا حفص! أخاف وثبة علي, فقلت له: إن علياً عنك مشغول, وأعانني على ذلك أبو عبيدة بن الجراح كان يمده بيده إلى المنبر وأنا أزعجه من ورائه كالتيس إلى شفار[120] الجاذر[121], متهوناً, فقام عليه مدهوشاً, فقلت له: اخطب! فأغلق عليه وتثبت فدهش, وتلجلج وغمض, فعضضت على كفي غيظاً, وقلت له: قل ما سنح لك, فلم يأت خيراً ولا معروفاً, فأردت أن أحطه عن المنبر وأقوم مقامه, فكرهت تكذيب الناس لي بما قلت فيه, وقد سألني الجمهور منهم: كيف قلت من فضله ما قلت؟ ما الذي سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله في أبي بكر؟ فقلت لهم: قد قلت سمعت من فضله على لسان رسول الله ما لو وددت أني شعرة في صدره ولي حكاية, فقلت: قل وإلا فانزل, فتبينها والله في وجهي وعلم أنه لو نزل لرقيت, وقلت ما لا يهتدي إلى قوله, فقال بصوت ضعيف عليل: وليتكم ولست بخيركم وعلي فيكم, واعلموا أن لي شيطاناً يعتريني وما أراد به سواي فإذا زللت فقوموني لا أقع في شعوركم وأبشاركم, وأستغفر الله لي ولكم, ونزل فأخذت بيده وأعين الناس ترمقه وغمزت يده غمزاً, ثم أجلسته وقدمت الناس إلى بيعته وصحبته لأرهبه, وكل من ينكر بيعته ويقول: ما فعل علي بن أبي طالب؟! فأقول: خلعها من عنقه وجعلها طاعة المسلمين قلة خلاف عليهم في اختيارهم, فصار جليس بيته, فبايعوا وهم كارهون, فلما فشت بيعته علمنا أن علياً يحمل فاطمة والحسن والحسين إلى دور المهاجرين والانصار يذكرهم بيعته علينا في أربعة مواطن, ويستنفرهم فيعدونه النصرة ليلاً ويقعدون عنه نهاراً, فأتيت داره مستيشراً لإخراجه منها, فقالت الامة فضة وقد قلت لها قولي لعلي: يخرج إلى بيعة أبي بكر فقد اجتمع عليه المسلمون فقالت إن أمير المؤمنين عليه السلام مشغول, فقلت: خلي عنك هذا وقولي له يخرج وإلا دخلنا عليه وأخرجناه كرهاً, فخرجت فاطمة فوقفت من وراء الباب, فقالت: أيها الضالون المكذبون! ماذا تقولون؟ وأي شئ تريدون؟ فقلت: يا فاطمة! فقالت فاطمة: ما تشاء يا عمر؟! فقلت: ما بال ابن عمك قد أوردك للجواب وجلس من وراء الحجاب؟ فقالت لي: طغيانك يا شقي أخرجني وألزمك الحجة, وكل ضال غوي, فقلت: دعي عنك الاباطيل وأساطير النساء وقولي لعلي يخرج, فقالت: لا حب ولا كرامة أبحزب الشيطان تخوفني يا عمر! وكان حزب الشيطان ضعيفاً, فقلت: إن لم يخرج جئت بالحطب الجزل وأضرمتها ناراً على أهل هذا البيت وأحرق من فيه, أو يقاد علي إلى البيعة, وأخذت سوط قنفذ فضربت وقلت لخالد بن الوليد: أنت ورجالنا هلموا في جمع الحطب, فقلت: إني مضرمها, فقالت: يا عدو الله وعدو رسوله وعدو أمير المؤمنين, فضربت فاطمة يديها من الباب تمنعني من فتحه فرمته فتصعب عليَّ فضربت كفيّها بالسوط فألمها, فسمعت لها زفيراً وبكاءً, فكدت أن ألين وأنقلب عن الباب فذكرت أحقاد علي وولوعه في دماء صناديد العرب, وكيد محمد وسحره, فركلت الباب وقد ألصقت أحشاءها بالباب تترسه, وسمعتها وقد صرخت صرخة حسبتها قد جعلت أعلى المدينة أسفلها, وقالت: يا أبتاه! يا رسول الله! هكذا كان يفعل بحبيبتك وابنتك, آه يا فضة! إليك فخذيني فقد والله قتل ما في أحشائي من حمل, وسمعتها تمخض وهي مستندة إلى الجدار, فدفعت الباب ودخلت فأقبلت إلي بوجه أغشى بصري, فصفقت صفقة على خديها من ظاهر الخمار فانقطع قرطها وتناثرت إلى الارض, وخرج علي, فلما أحسست به أسرعت إلى خارج الدار وقلت لخالد وقنفذ ومن معهما: نجوت من أمر عظيم! وفي رواية أخرى: قد جنيت جناية عظيمة لا آمن على نفسي, وهذا علي قد برز من البيت وما لي ولكم جميعاً به طاقة, فخرج علي وقد ضربت يديها إلى ناصيتها لتكشف عنها وتستغيث بالله العظيم ما نزل بها, فأسبل علي عليها ملاءتها وقال لها: يا بنت رسول الله! إن الله بعث أباك رحمة للعالمين, وأيم الله لئن كشفت عن ناصيتك سائلة إلى ربك ليهلك هذا الخلق لأجابك حتى لا يبقى على الارض منهم بشراً, لأنك وأباك أعظم عند الله من نوح عليه السلام الذي غرق من أجله بالطوفان جميع من على وجه الارض وتحت السماء إلا من كان في السفينة, وأهلك قوم هود بتكذيبهم له, وأهلك عادا بريح صرصر, وأنت وأبوك أعظم قدراً من هود وعذب ثمود وهي اثنا عشر ألفاً بعقر الناقة والفصيل, فكوني يا سيدة النساء رحمة على هذا الخلق المنكوس ولا تكوني عذاباً, واشتد بها المخاض ودخلت البيت فأسقطت سقطاً سماه علي محسناً, وجمعت جمعاً كثيراً, لا مكاثرة لعلي ولكن ليُشد بهم قلبي وجئت وهو محاصر فاستخرجته من داره مكرهاً مغصوباً وسقته إلى البيعة سوقاً, وإني لأعلم علماً يقيناً لا شك فيه لو اجتهدت أنا وجميع من على الارض جميعاً على قهره ما قهرناه, ولكن لهنات كانت في نفسه أعلمها ولا أقولها, فلما انتهيت إلى سقيفة بني ساعدة قام أبو بكر ومن بحضرته يستهزؤن بعلي, فقال علي: يا عمر! أتحب أن أعجل لك ما أخرته سواء عنك؟ فقلت: لا, يا أمير المؤمنين! فسمعني والله خالد بن الوليد, فأسرع إلى أبي بكر, فقال له أبو بكر: ما لي ولعمر! ثلاثاً, والناس يسمعون, ولما دخل السقيفة صبا[122] أبو بكر إليه, فقلت له: قد بايعت يا أبا الحسن فانصرف, فأشهد ما بايعه ولا مد يده إليه, وكرهت أن أطالبه بالبيعة فيعجل لي ما أخره عني, وود أبو بكر أنه لم ير علياً في ذلك المكان جزعاً وخوفاً منه, ورجع علي من السقيفة وسألنا عنه, فقالوا: مضى إلى قبر محمد فجلس إليه, فقمت أنا وأبو بكر إليه, وجئنا نسعى وأبو بكر يقول: ويلك يا عمر!! ما الذي صنعت بفاطمة, هذا والله الخسران المبين, فقلت: إن أعظم ما عليك أنه ما بايعنا ولا أثق أن تتثاقل المسلمون عنه, فقال: فما تصنع؟ فقلت: تظهر أنه قد بايعك عند قبر محمد, فأتيناه وقد جعل القبر قبلة, مسنداً كفه على تربته وحوله سلمان وأبو ذر والمقداد وعمار وحذيفة بن اليمان, فجلسنا بإزائه وأوعزت إلى أبي بكر أن يضع يده على مثل ما وضع علي يده ويقربها من يده, ففعل ذلك وأخذت بيد أبي بكر لامسحها على يده, وأقول قد بايع, فقبض علي يده فقمت أنا وأبو بكر موليا, وأنا أقول: جزا الله علياً خيراً فإنه لم يمنعك البيعة لما حضرت قبر رسول الله صلى الله عليه وآله, فوثب من دون الجماعة أبو ذر جندب بن جنادة الغفاري وهو يصيح ويقول: والله! يا عدو الله ما بايع علي عتيقاً, ولم يزل كلما لقينا قوماً وأقبلنا على قوم نخبرهم ببيعته وأبو ذر يكذبنا, والله ما بايعنا في خلافة أبي بكر ولا في خلافتي ولا يبايع لمن بعدي ولا بايع من أصحابه اثنا عشر رجلاً لا لأبي بكر ولا لي, فمن فعل يا معاوية فعلي واستشار أحقاده السالفة غيري! وأما أنت وأبوك أبو سفيان وأخوك عتبة فأعرف ما كان منكم في تكذيب محمد صلى الله عليه وآله وكيده, وإدارة الدوائر بمكة وطلبته في جبل حرى لقتله, وتألف الاحزاب وجمعهم عليه, وركوب أبيك الجمل وقد قاد الاحزاب, وقول محمد: لعن الله الراكب والقائد والسائق, وكان أبوك الراكب وأخوك عتبة القائد وأنت السائق, ولم أنس أمك هنداً وقد بذلت لوحشي ما بذلت حتى تكمن لحمزة الذي دعوه أسد الرحمن في أرضه وطعنه بالحربة, ففلق فؤاده وشق عنه وأخذ كبده فحمله إلى أمك, فزعم محمد بسحره أنه لما أدخلته فاها لتأكله صار جلموداً[123] فلفظته من فيها, فسماها محمد وأصحابه: آكلة الاكباد, وقولها في شعرها لاعتداء محمد ومقاتليه:

نحن بنات طارق * نمشي على النمارق[124]

كالدر في المخانق[125] * والمسك في المفارق[126]

إن يقبلوا نعانق * أو يدبروا نفارق

فراق غير وامق[127]

ونسوتها في الثياب الصفر المرئية مبديات وجوههن ومعاصمهن ورؤوسهن يحرصن على قتال محمد, إنكم لم تسلموا طوعاً وإنما أسلمتم كرهاً يوم فتح مكة فجعلكم طلقاء, وجعل أخي زيداً وعقيلاً أخا علي بن أبي طالب والعباس عمهم مثلهم, وكان من أبيك في نفسه, فقال: والله يا بن أبي كبشة! لأملأنّها عليك خيلاً ورجلاً وأحول بينك وبين هذه الاعداء, فقال محمد: ويؤذن للناس أنه علم ما في نفسه أو يكفي الله شرك يا أبا سفيان! وهو يرى الناس أن لا يعلوها أحد غيري, وعلي ومن يليه من أهل بيته فبطل سحره وخاب سعيه, وعلاها أبو بكر وعلوتها بعده وأرجوا أن تكونوا معاشر بني أمية عيدان أطنابها, فمن ذلك قد وليتك وقلدتك إباحة ملكها وعرفتك فيها وخالفت قوله فيكم, وما أبالي من تأليف شعره ونثره, أنه قال: يوحى إلي منزل من ربي في قوله: {والشجرة الملعونة في القرآن}[128] فزعم أنها أنتم يا بني أمية, فبين عداوته حيث ملك كما لم يزل هاشم وبنوه أعداء بني عبد شمس, وأنا مع تذكيري إياك يا معاوية وشرحي لك ما قد شرحته ناصح لك ومشفق عليك من ضيق عطنك[129] وحرج صدرك, وقلة حلمك, أن تعجل فيما وصيتك به ومكنتك منه من شريعة محمد صلى الله عليه وآله وأمته أن تبدي لهم مطالبته بطعن أو شماتة بموت أو رداً عليه فيما أتى به, أو استصغاراً لما أتى به فتكون من الهالكين, فتخفض ما رفعت وتهدم ما بنيت, واحذر كل الحذر حيث دخلت على محمد مسجده ومنبره وصدق محمداً في كل ما أتى به وأورده ظاهراً, وأظهر التحرز والواقعة في رعيتك, وأوسعهم حلماً, وأعمهم بروايح العطايا, وعليك بإقامة الحدود فيهم وتضعيف الجناية منهم لسببا[130] محمد من مالك ورزقك ولا ترهم أنك تدع لله حقاً ولا تنقض فرضاً ولا تغير لمحمد سنة فتفسد علينا الامة, بل خذهم من مأمنهم, واقتلهم بأيديهم, وأبدهم بسيوفهم وتطاولهم ولا تناجزهم, ولن لهم ولا تبخس عليهم, وافسح لهم في مجلسك, وشرقهم في مقعدك, وتوصل إلى قتلهم برئيسهم, وأظهر البشر والبشاشة بل أكظم غيظك واعف عنهم يحبوك ويطيعوك, فما آمن علينا وعليك ثورة علي وشبليه الحسن والحسين, فإن أمكنك في عدة من الامة فبادر ولا تقنع بصغار الامور, واقصد بعظيمها واحفظ وصيتي إليك وعهدي واخفه ولا تبده, وامتثل أمري ونهيي وانهض بطاعتي, وإياك والخلاف علي, واسلك طريق أسلافك, واطلب بثارك, واقتص آثارهم, فقد أخرجت إليك بسري وجهري, وشفعت هذا بقولي:

معاوي إن القوم جلت أمورهم * بدعوة من عم البرية بالوتري

صبوت إلى دين لهم فأرابني * فابعد بدين قد قصمت به ظهري

وأن أنس لا أنس الوليد وشيبة * وعتبة والعاص السريع لدى بدر

وتحت شغاف القلب لدغ لفقدهم * أبو حكم أعني الضيئل من الفقري

أولئك فاطلب يا معاوي ثارهم * بنصل سيوف الهند والاسل السمري[131]

وصل برجال الشام في معشرهم * هم الاسد والباقون في أكم[132] الوعري

توسل إلى التخليط في الملة التي * أتانا به الماضي المسموه بالسحري

وطالب بأحقاد مضت لك مظهراً * لعلة دين عم كل بني النضر

فلست تنال الثار إلا بدينهم * فتقتل بسيف القوم جيد بني عمري

لهذا لقد وليتك الشام راجياً * وأنت جدير أن تؤول إلى صخري

قال: فلما قرأ عبد الله بن عمر هذا العهد, قام إلى يزيد فقبل رأسه, وقال: الحمد لله يا أمير المؤمنين! على قتلك الشاري ابن الشاري, والله ما أخرج أبي إلي بما أخرج إلى أبيك, والله لا رآني أحد من رهط محمد بحيث يحب ويرضى, فأحسن جائزته وبره, ورده مكرماً, فخرج عبد الله بن عمر من عنده ضاحكاً, فقال له الناس: ما قال لك؟ قال: قولاً صادقاً لوددت أني كنت مشاركه فيه, وسار راجعاً إلى المدينة, وكان جوابه لمن يلقاه هذا الجواب, ويروى أنه أخرج يزيد لعنه الله إلى عبد الله بن عمر كتاباً فيه عهد عثمان بن عفان فيه أغلظ من هذا وأدهى وأعظم من العهد الذي كتبه عمر لمعاوية, فلما قرأ عبد الله العهد الآخر قام فقبل رأس يزيد لعنهما الله, وقال: الحمد لله على قتلك الشاري ابن الشاري, واعلم أن والدي عمر أخرج إليّ من سره بمثل هذا الذي أخرج إلى أبيك معاوية, ولا أرى أحداً من رهط محمد وأهله وشيعته بعد يومي هذا إلا غير منطو لهم على خير أبداً, فقال يزيد: أفيه شرح الخفا يا بن عمر؟ والحمد لله وحده وصلى الله على محمد وآله, قال ابن عباس: أظهروا الايمان وأسروا الكفر, فلما وجدوا عليه أعواناً أظهروه.[133]

 


[1] البحار ج22 ص484, مجمع النورين ص66, الصراط المستقيم ج2 ص92 مختصراً.

[2] سورة فاطر, الآية 10.

[3] وفي نسخة: يا أمه! يا أمه!.

[4] البحار ج22 ص476, غاية المرام ج2 ص118, الصراط المستقيم ج2 ص90 مختصراً, مستدرك الوسائل ج4 ص237 بعضه.

[5] سورة البقرة, الآية 185.

[6] سورة آل عمران, الآية 42.

[7] سورة آل عمران, الآية 43.

[8] برمت: أي ضجرت.

[9] أمالي الشيخ الصدوق ص176، عنه البحار ج28 ص38/ ج31 ص620/ ج43 ص172، المحتضر ص109، بشارة المصطفى ص306، الفضائل لشاذان ص9، غاية المرام ج1 ص171, إرشاد القلوب ج2 ص295, بيت الأحزان ص47، اللمعة البيضاء ص853.

[10] {أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله}, سورة الزمر, الآية 56.

[11] سورة الفرقان, الآية 28, 29.

[12] سورة الزخرف, الآية 38, 39.

[13] سورة الأعراف, الآية 44, 45.

[14] كامل الزيارات ص547, عنه البحار ج28 ص61, تأويل الآيات ج2 ص879, الجواهر السنية ص288, بيت الأحزان ص122.

[15] يقال: رقيقة بنت صيفي بن هاشم بن عبد مناف.

[16] سورة الأنبياء, الآية 103.

[17] سورة آل عمران, الآية 30.

[18] سورة التكوير, الآية 8, 9.

[19] البحار ج53 ص24, الهداية الكبرى ص405, إلزام الناصب ج2 ص231, مختصر البصائر ص191 بعضه, بيت الأحزان ص122 بعضه.

[20] سورة الشورى, الآية 23.

[21] بيت الأحزان ص117.

[22] الخيشوم: موضع من الأنف.

[23] الإحتجاج ج1 ص113، عنه البحار ج28 ص206/ ج43 ص47، مناقب إبن شهر آشوب ج3 ص118، عنه خاتمة المستدرك ج3 ص288، بيت الأحزان ص111، غاية المرام ج5 ص339، المسترشد ص381.

[24] سعف: أغصان النخلة.

[25] سورة الأعراف, الآية 150.

[26] سورة الأنفال, الآية 65.

[27] الإختصاص ص185، عنه غاية المرام ج5 ص337، تفسير العياشي ج2 ص66، عنه البحار ج28 ص227، بيت الأحزان ص110 نحوه.

[28] بيت الأحزان ص115، كتاب سليم بن قيس ص224، بحار الأنوار ج30 ص303، الأنوار العلوية ص320.

[29] بحار الأنوار ج43 ص186، كشف الغمة ج2 ص122, الأنوار البهية ص60، بيت الأحزان ص179، اللمعة البيضاء ص864.

[30] التجلد: القوة.

[31] السهود: الطويل الشديد.

[32] كمد: هم وحزن لا يستطاع إمضاؤه.

[33] أمالي الشيخ المفيد ص281، أمالي الطوسي ص109، الكافي ج1 ص458، عنه البحار ج43 ص193، مناقب إبن شهر آشوب ج3 ص139، بيت الأحزان ص183، بشارة المصطفى ص396، دلائل الإمامة ص137، روضة الواعظين ص152، كشف الغمة ج2 ص127، نهج البلاغة ج2 ص182 بعضه.

[34] دلائل الإمامة ص136، عنه اللمعة البيضاء ص852، بيت الأحزان ص185، الهداية الكبرى ص179، عيون المعجزات ص47 باختصار، عنه البحار ج43 ص212/ ج30 ص349/ ج43 ص171، الأنوار العلوية ص305.

[35] الجلوز: قيل هو الشرطي.

[36] قال العلامة المجلسي &: المراد ببني فلان بني العباس.

[37] البطان: الحزام الذي يُجعل تحت بطن البعير, ويقال التقت حلقتا البطان للأمر إذا اشتد.

[38] بحار الأنوار ج47 ص379/ ج97 ص441، بيت الأحزان ص125، المزار للشهيد الأول ص254، المزار الكبير للمشهدي ص137، مستدرك الوسائل ج3 ص418.

[39] يستفره أمه: أي يكرمها.

[40] الكافي ج6 ص48، تهذيب الأحكام ج8 ص110، وسائل الشيعة ج15 ص200.

[41] مشارق أنوار اليقين ص127.

[42] الحيازيم جمع حيزوم: ضلوع وسط الصدر.

[43] وفي الاحتجاج: واستضاؤوا.

[44] احتقبوا: جمعوا.

[45] مؤق العين: طرفها مما يلي الأنف.

[46] الدواري: الدهور والأزمنة.

[47] المنية: الموت.

[48] غطامط: بالضم صوت غليان القدر وموج اليحر.

[49] الغمرة: الكثيرة من الناس.

[50] الرشاء: الحبل.

[51] الطوي: البئر, وفي نسخة الاحتجاج: الطوى البعيدة.

[52] جذاء: مقطوعة أو مكسورة.

[53] القسطل: الغبار.

[54] الذعاف: السم, وموت ذعاف أي سريع يعجّل القتل.

[55] نكل: أي جبن.

[56] الكراع: اسم لجمع الخيل.

[57] الإيلاء: الحلف.

[58] مضخ: منع.

[59] الجدوب: نقيض الخصب.

[60] السِّجال: جمع السَّجل وهو الدلو إذا كان فيه ماء.

[61] الصماء: الصلبة.

[62] الرقشاء: المرقطة بنقط سواد وبياض.

[63] الرقى: جمع رقية وهي الطلاسم والتعويذات وأشباهها.

[64] وفي نسخ: تدبيرك.

[65] الخضم: الأكل والمضغ بأقصى الأضراس.

[66] الثنية من الإبل: ما دخل في السنة السادسة.

[67] وفي بعض النسخ: قُدم ذكر محمد | على جبرائيل ×.

[68] انجفل القوم: أي انقلعوا كلهم ومضوا.

[69] مسحه بالسيف: قطعه.

[70] التّلعة: ما ارتفع من الأرض.

[71] سورة آل عمران, الآية 152.

[72] أذمّ: تهاون بهم وتركهم مذمومين في الناس.

[73] الهمام بالضم: الملك العظيم الهمة والسيد الشجاع السخي.

[74] البحار ج29 ص140، عن الإحتجاج ج1 ص127، اللمعة البيضاء ص799، بيت الأحزان ص138.

[75] دلائل الإمامة ص134, عنه البحار ج43 ص170, اللمعة البيضاء ص851.

[76] عائفة: كارهة. 

[77] قالية: مبغضة. 

[78] شنأتهم: ابغضتهم. 

[79] اللفظ: طرح الشيء من الفم كراهة له.

[80] سبرتهم: امتحنتهم.

[81] عجمه: ابتلاه واختبره.

[82] فلول السيف: كسور في حده.

[83] الخطل: الاضطراب.

[84] سورة المائدة, الآية 80.

[85] الربقة: ما يكون في عنق الغنم وغيرها من الخيوط.

[86] شننت: صببت.

[87] جدعاً له: هو دعاء معناه ألزمه الله الجدع، أي قطع عنه الخير وجعله ناقصاً معيباً.

[88] الطبين: العالمين.

[89] تنمره: أي تغضبه.

[90] تكافوا: أي كفوا أيديهم عنه.

[91] لاعتلقه: لاخذه بيده.

[92] السجح: السير السهل.

[93] لا يكلم: لا يجرح ولا يدمي.

[94]الخشاش: ما يكون في أنف البعير من الخشب.

[95] لا يتعتع: أي لا يكره ولا يقلق.

[96]المنهل: مورد الماء.

[97] البطان: جمع بطين، وهو الريان.

[98] غير متحل منه بطائل: أي كان لا يأخذ من مالهم قليلاً ولا كثيراً.

[99] الغمر: القدح الصغير.

[100] ردعه سورة الساغب: أي كان يأكل من ذلك قدر ما يردع ثوران الجوع.

[101] الذنابي: ما يلي الذنب من الجناح.

[102] القوادم: ما تقدم منه.

[103] المعاطس: الانوف.

[104] سورة يونس, الآية 35.

[105] القعب: القدح الكبير.

[106] الذعاف: السم.

[107] الممقر: المر.

[108] سورة هود, الآية 28.

[109] دلائل الإمامة ص125, الإحتجاج ج1 ص146, عنه البحار ج43 ص159, معاني الأخبار ص354, عنه البحار ج43 ص158, كشف الغمة ج2 ص114, الأمالي للطوسي ص374 نحوه, عنه البحار ج43 ص161, شرح النهج ج16 ص233, اللمعة البيضاء ص849, بيت الأحزان ص173.

[110] الدرجات الرفيعة ص365، من لا يحضره الفقيه ج1 ص297، بحار الأنوار ج43 ص157, بيت الأحزان ص168.

[111] أي لابسين رداء الفخر.

[112] رهقهم: غشيهم.

[113] الحندس: الظلمة.

[114] البحار ج43 ص174, اللمعة البيضاء ص854.

[115] وفي نسخة: اختلفوا.

[116] سورة آل عمران, الآية 96.

[117] سورة البقرة, آية 144.

[118] التليد: ما ولد عندك من مالك أو نتج, وهو كناية عن القدبم, والطارف: ضده.

[119] سكن: النار.

[120] شفار جمع شفرة: وهي السكين العظيم.

[121] الجاذر: القاطع.

[122] صبا: حن.

[123] جلمود: الصخر.

[124] النمرقة: الوسادة

[125] مخنقة: القلادة.

[126] مفرق: وسط الرأس.

[127] وامق: محب.

[128] سورة الإسراء, الآية 60.

[129] العطن: وطن الإبل ومبركها حول الحوض.

[130] وفي نسخة: لسبب.

[131] السمر جمع الأسمر: الرمح.

[132] الأكمة: التل من حجر واحد.

[133] البحار ج30 ص287.