السيدة زينب سلام الله عليها ليلة العاشر من محرم

عن فخر المخدرات زينب (ع) قالت : لما كانت ليلة عاشوراء من المحرم خرجت من خيمتي لأتفقد أخي الحسين (ع) وأنصاره ، وقد أفرد له خيمة ، فوجدته جالسا وحده يناجي ربه ويتلو القرآن ، فقلت في نفسي أفي مثل هذه الليلة يترك أخي وحده ، والله ! لأمضين إلى إخوتي وبني عمومتي وأعاتبهم بذلك . فأتيت إلى خيمة العباس (ع)، فسمعت منها همهمة ودمدمة ، فوقفت على ظهرها فنظرت فيها ، فوجدت بني عمومتي وإخوتي وأولاد إخوتي مجتمعين كالحلقة وبينهم العباس بن أمير المؤمنين (ع) وهو جاث على ركبتيه كالأسد على فريسته ، فخطب فيهم خطبة ما سمعتها إلا من الحسين (ع) مشتملة بالحمد والثناء لله والصلاة والسلام على النبى (ص). ثم قال في آخر خطبته : يا إخوتي ، وبني إخوتي ، وبني عمومتي ! إذا كان الصباح فما تقولون ؟ فقالوا : الأمر إليك يرجع ونحن لا نتعدى لك قولك .
فقال العباس (ع): إن هؤلاء - أعني الأصحاب - قوم غرباء ، والحمل الثقيل لا يقوم إلا بأهله ، فإذا كان الصباح فأول من يبرز إلى القتال أنتم ، نحن نقدمهم للموت لئلا يقول الناس : قدموا أصحابهم ، فلما قتلوا عالجوا الموت بأسيافهم ساعة بعد ساعة .
فقامت بنو هاشم وسلوا سيوفهم في وجه أخي العباس وقالوا: نحن على ما أنت عليه .
قالت زينب (ع): فلما رأيت كثرة اجتماعهم ، وشدة عزمهم وإظهار شيمتهم ، سكن قلبي وفرحت ، ولكن خنقتني العبرة ، فأردت أن أرجع إلى أخي الحسين (ع) وأخبره بذلك ، فسمعت من خيمة حبيب بن مظاهر همهمة ودمدمة ، فمضيت إليها ووقفت بظهرها ، ونظرت فيها فوجدت الأصحاب على نحو بني هاشم مجتمعين كالحلقة وبينهم حبيب بن مظاهر وهو يقول: يا أصحابي ! لم جئتم إلى هذا المكان ؟ أوضحوا كلامكم رحمكم الله . فقالوا : أتينا لننصر غريب فاطمة (ع) .
فقال ، لهم : لم طلقتم حلائلكم ؟ فقالوا : لذلك . قال حبيب : فإذا كان في الصباح فما أنتم قائلون ؟ فقالوا : الرأي رأيك ولا نتعدى قولا لك . قال : فإذا صار الصباح فأول من يبرز إلى القتال أنتم ، نحن نقدمهم القتال ولا نرى هاشميا مضرجا بدمه وفينا عرق يضرب لئلا يقول الناس : قدموا ساداتهم للقتال وبخلوا عليهم بأنفسهم ، فهزوا سيوفهم على وجهه وقالوا : نحن على ما أنت عليه .
قالت زينب (ع): ففرحت من ثباتهم ، ولكن خنقتني العبرة ، فانصرفت عنهم وأنا باكية ، وإذا بأخي الحسين (ع) قد عارضني ، فسكنت نفسي وتبسمت في وجهه فقال: أخيه ! فقلت : لبيك يا أخي!
فقال : يا أختاه! منذ رحلنا من المدينة ما رأيتك متبسمة ، أخبريني ما سبب تبسمك ؟ فقلت له : يا أخي ! رأيت من فعل بني هاشم ، والأصحاب كذا وكذا .
فقال لي : يا أختاه ! إعلمي ، أن هؤلاء أصحابي من عالم الذر ، وبهم وعدني جدي رسول الله (ص) ...

كلمات الإمام الحسين (ع) ص407, نقله عن كتاب معالي السبطين