خطبة السيدة زينب عليها السلام في مجلس يزيد

أحداث مجلس يزيد لعنه الله وتصريحه بالكفر و خطبة السيدة زينب عليها السلام
« الاحتجاج، روى شيخ صدوق من مشايخ بني هاشم ، وغيره من الناس : أنه لما دخل علي بن الحسين ( عليه السلام ) وحرمه على يزيد ، وجيء برأس الحسين ( عليه السلام ) ووضع بين يديه في طست ، فجعل يضرب ثناياه بمخصرة كانت في يده ، وهو يقول :
لعبـت هاشم بالملـك فـل خبـر جاء ولا وحـي نزل
ليـت أشياخـي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل
لأهلـوا و استهلـوا فرحـا و لقالـوا : يا يزيد : لا تشل
فجـزينـاه ببـدر مثـلاً و أقمنـا مثل بـدر فاعتـدل
لسـت من خندف إن لم أنتقم من بني أحمد ما كان فعل
قالوا : فلما رأت زينب ذلك أهوت إلى جيبها فشقته (3) ، ثم نادت بصوت حزين يقرح القلوب : « يا حسيناه ! يا حبيب رسول الله ، يا بن مكة ومنى ، يا بن فاطمة الزهراء سيدة النساء ، يا بن محمد المصطفى ».
قال : فأبكت ـ والله ـ كل من كان ، ويزيد ساكت ، ثم قامت على قدميها ، وأشرفت على المجلس ، وشرعت في الخطبة ، إظهاراً لكمالات محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وإعلاناً بأنا نصبر لرضى الله ، لا لخوف ولا دهشة ، فقامت إليه زينب بنت علي ، وأمها فاطمة بنت رسول الله ، وقالت : 
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة على جدي سيد المرسلين. 
صدق الله سبحانه ، كذلك يقول : « ثم كان عاقبة الذين أساؤا السوئى أن كذبوا بآيات الله ، وكانوا بها يستهزئون ». 
أظننت ـ يا يزيد ـ حين أخذت علينا أقطار الأرض ، وضيقت علينا آفاق السماء ، فأصبحنا لك في إسار ، نساق إليك سوقاً في قطار ، وأنت علينا ذواقتدار ، أن بنا من الله هواناً ، وعليك منه كرامةً
وامتنانا ، وأن ذلك لعظم خطرك وجلالة قدرك ، فشمخت بأنفك ، ونظرت في عطفك ، تضرب أصدريك فرحاً ، وتنفض مذرويك مرحاً ، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة والأمور لديك متسقة ، وحين صفى لك ملكنا ، وخلص لك سلطاننا ، فمهلاً مهلا ، لا تطش جهلاً ، أنسيت قول الله ( عزوجل ) : « ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم ، إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ، ولهم عذاب مهين » . 
أمن العدل ـ يابن الطلقاء ـ تخديرك حرائرك وإماءك وسوقك بنات رسول الله سبايا ، قد هتكت ستورهن ، وأبديت وجوههن ، تحدوا بهن الأعداء من بلد إلى بلد ، ويستشرفهن أهل المناقل ، ويتبرزن لأهل المناهل ، ويتصفح وجوههن القريب والبعيد ، والشريف والوضيع ، والدنيئ والرفيع ، ليس معهن
من رجالهن ولي ، ولا من حماتهن حمي ، عتواً منك على الله ، وجحوداً لرسول الله ، ودفعاً لما جاء به من عند الله. 
ولا غرو منك ولا عجب من فعلك ، وأنى ترتجى مراقبة إبن من لفظ فوه أكباد الشهداء ، ونبت لحمه بدماء السعداء ، ونصب الحرب لسيد الأنبياء ، وجمع الأحزاب ، وشهر الحراب ، وهز السيوف في وجه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ). أشد العرب لله جحوداً ، وأنكرهم له رسولاً ، وأظهرهم له عدواناً ، وأعتاهم على الرب كفراً وطغياناً. 
ألا إنها نتيجة خلال الكفر ، وضب يجرجر في الصدر لقتلى يوم بدر. 
فلا يستبطى في بغضنا ـ أهل البيت ـ من كان نظره إلينا شنفاً وإحناً وأضغانا ، يظهر كفره برسول الله ، ويفصح ذلك بلسانه وهو يقول ـ فرحاً بقتل ولده وسبي ذريته ، غير متحوب ولا مستعظم ، يهتف بأشياخه ـ :
لأهلـوا واستهلـوا فرحاً ولقالوا : يا يزيد : لا تشل
منحنياً على ثنايا أبي عبد الله ـ وكانت مقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ ينكتها بمخصرته ، قد التمع السرور بوجهه. 
لعمري لقد نكأت القرحة ، واستأصلت الشأفة ، بإراقتك دم سيد شباب أهل الجنة ، وابن يعسوب الدين ، وشمس آل عبد المطلب. 
وهتفت بأشياخك ، وتقربت بدمه إلى الكفرة من أسلافك ، ثم صرخت بندائك ، ولعمري لقد ناديتهم لو شهدوك ، ووشيكاً تشهدهم ولن يشهدوك ، ولتود يمينك ـ كما زعمت ـ شلت بك عن مرفقها وجذت ، وأحببت أمك لم تحملك ، وإياك لم تلد ، حين تصير إلى سخط الله ، ومخاصمك رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ). 
اللهم خذ بحقنا ، وانتقم من ظالمنا ، واحلل غضبك على من سفك دماءنا ، ونقض ذمارنا ، وقتل 
حماتنا ، وهتك عنا سدولنا. 
وفعلت فعلتك التي فعلت ، وما فريت إلا جلدك ، وما جزرت إلا لحمك ، وسترد على رسول الله بما تحملت من دم ذريته ، وانتهكت من حرمته ، وسفكت من دماء عترته ولحمته ، حيث يجمع به شملهم ، ويلم به شعثهم ، وينتقم من ظالمهم ، ويأخذ لهم بحقهم من أعدائهم ، فلا يستفزنك الفرح بقتلهم ، « ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً ، بل أحياء عند ربهم يرزقون ، فرحين بما آتاهم الله من فضله ». (1) 
وحسبك بالله ولياً وحاكماً ، وبرسول الله خصماً ، وبجبرائيل ظهيرا. 
وسيعلم من بوأك ومكنك من رقاب المسلمين أن « بئس للظالمين بدلاً » وأيكم شر مكاناً وأضل سبيلا. 
وما استصغاري قدرك ، ولا استعظامي تقريعك توهماً لانتجاع الخطاب فيك ، بعد أن تركت 
عيون المسلمين ـ به ـ عبرى ، وصدورهم ـ عند ذكره ـ حرى. 
فتلك قلوب قاسية ، ونفوس طاغية ، وأجسام محشوة بسخط الله ، ولعنة الرسول ، قد عشش فيها الشيطان وفرخ ، ومن هناك مثلك ما درج (1). 
فالعجب كل العجب لقتل الأتقياء ، وأسباط الأنبياء ، وسليل الأوصياء ، بأيدي الطلقاء الخبيثة ، ونسل العهرة الفجرة !! 
تنطف أكفهم من دمائنا ، وتتحلب أفواههم من لحومنا. 
تلك الجثث الزاكية على الجبوب الضاحية ، تنتابها العواسل ، وتعفرها أمهات الفواعل. 
فلئن اتخذتنا مغنماً ، لتجد بنا ـ وشيكاً ـ مغرماً ، حين لا تجد إلا ما قدمت يداك ، وما الله بظلام للعبيد.
فإلى الله المشتكى والمعول ، وإليه الملجأ والمؤمل. 
ثم كد كيدك ، واجهد جهدك. 
فوالله الذي شرفنا بالوحي والكتاب ، والنبوة والإنتخاب ، لا تدرك أمدنا ، ولا تبلغ غايتنا ، ولا تمحو ذكرنا ، ولا يرحض عنك عارها. 
وهل رأيك إلا فند ؟ وأيامك إلا عدد ؟ وجمعك إلا بدد ؟ 
يوم ينادي المنادي : ألا : لعن الله الظالم العادي. 
والحمد لله الذي حكم لأوليائه بالسعادة ، وختم لأصفيائه بالشهادة ، ببلوغ الإرادة ، ونقلهم إلى الرحمة والرأفة ، والرضوان والمغفرة. 
ولم يشق ـ بهم ـ غيرك ، ولا ابتلي ـ بهم ـ سواك. 
ونسأله أن يكمل لهم الأجر ، ويجزل لهم الثواب والذخر ، ونسأله حسن الخلافة ، وجميل الإنابة ، إنه رحيم ودود ».