باب الغضب

روي : أن رجلا قال يا رسول الله صلى الله عليك مرني بعمل و أقل قال لا تغضب ثم أعاد عليه فقال لا تغضب .

و قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : : ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب .

الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) : الغضب مفتاح كل شر .

و قال بعضهم : إياك و الغضب فإنه يصير إلى ذلة الاعتذار و أقل الناس غضبا أعقلهم فإن كان للدنيا كان داهيا نكرا و إن كان للآخرة كان علما و حلما .

و قال بعض الأنبياء لمن تبعه من يكفل لي أن لا يغضب و يكون معي في درجتي و يكون بعدي خليفتي فقال شاب من القوم أنا ثم أعاد عليه فقال الشاب أنا و وفي به فلما مات كان في منزلته بعده و هو ذو الكفل سمي به لأنه كفل بالغضب و وفى فالواجب على العاقل أن يتفكر في حال الغضب و قبحه و قبح صورته عند غضبه بأن يتذكر صورة غيره في حالة الغضب و يتفكر في قبح حاله الغضب في نفسه و مشابهة صاحبه كالكلب الضاري و السبع العادي و مشابهة الحكيم الهادي التارك للغضب للأنبياء و العلماء و الحكماء و يخير نفسه بين أن يشبه نفسه بالكلاب و السباع و أراذل الناس و بين أن يشبه سبيل الأنبياء و العلماء في عادته ليميل إلى حب الاقتداء بهؤلاء إن كان فيه مسكة من عقل و تفكر في السبب الذي يدعوه إلى الانتقام و يمنعه من كظم الغيظ و لا بد أن يكون له سبب مثل قول الشيطان له هذا يحملك على العجز و صغر النفس و الذلة و المهانة و تصير حقيرا في أعين الناس فليقل لنفسه ما أعجبك يا نفس تأنفين من الاحتمال الآن و لا تأنفين من خزي يوم القيامة إذا أخذ هذا بيدك و انتقم منك و تحذرين من أن تصغري في أعين الناس و لا تحذرين من أن تصغري عند الله و عند الملائكة و النبيين و مهما كظم غيظا فينبغي أن يكظمه لله و ذلك يعظمه عند الله فما له و الناس و ذلة يوم القيامة أشد من ذل من انتقم منه الآن أ فلا يحب أن يكون هو القائم إذا نودي يوم القيامة ليقم من أجره على الله فلا يقوم إلا من عفى فهذا و أمثاله من معارف الإيمان ينبغي أن يقرره على قلبه فإذا غضب أحدكم فليقل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لأن الغضب من الشيطان .

و قال إذا غضب أحدكم فليتوضأ بالماء عند الغضب فإنما الغضب من النار .

و في رواية أخرى : أن الغضب من الشيطان و إنما الشيطان من النار و إنما الماء يطفي النار .

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : إذا غضبت فاسكت .

قال أبو سعيد الخدري : قال النبي ألا إن الغضب حمرة في قلب ابن آدم أ لا ترون إلى حمرة عينيه و انتفاخ أوداجه فمن وجد من ذلك شيئا فليلصق خده بالأرض .

فكان هذا إشارة إلى السجود و تمكين أعز الأعضاء من أذل المواضع و هو التراب لتستشعر النفس الذلة و تزايل به العزة و الزهو الذي هو سبب الغضب قال الله تعالى وَ الْكاظِمِينَ الْغَيْظَ.

قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : من كظم غيظا و لو شاء أن يمضيه أمضاه أملأ الله قلبه أمنا و إيمانا .

و قال ابن عمر : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما جرع عبد جرعة أعظم أجرا من جرعة غيظ كظمها ابتغاء وجه الله عز و جل .

و روي : أنه ورد على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الأشج فأناخ راحلته ثم عقلها ثم طرح عنه ثوبين كانا عليه و أخرج من العيبة ثوبين فلبسهما و ذلك بعين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما يصنع ثم أقبل يمشي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال يا أشج إن فيك خلقين يحبهما الله و رسوله قال ما هما بأبي أنت و أمي يا رسول الله قال الحلم و الأناة فقال الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله و رسوله .

و قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : إن الله يحب الحليم الحيي الغني المتعفف و يبغض الفاحش البذي السائل الملحف .

و قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : أ و يعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم قالوا و ما أبو ضمضم قال (صلى الله عليه وآله وسلم) كان رجل فيمن قبلكم إذا أصبح يقول اللهم إني أتصدق اليوم بعرضي على من ظلمني .

و قيل في قوله تعالى رَبَّانِيِّينَ أي حلماء و علماء .

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : إذا جمع الخلائق يوم القيامة نادى مناد أين أهل الفضل فيقوم أناس و هم يسير فينطلقون سراعا إلى الجنة فتلقاهم الملائكة فيقولون إنا نراكم سراعا إلى الجنة فيقولون نحن أهل الفضل فيقولون ما كان فضلكم فيقولون كنا إذا ظلمنا غفرنا و إذا أسي‏ء إلينا عفونا و إذا جهل علينا حلمنا فيقال لهم ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين.

و كان بعضهم يقول تعلموا العلم و تعلموا للعلم السكينة و الحلم .

و قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : ليس الخير أن يكثر مالك و ولدك و لكن الخير أن يكثر عملك و يعظم حلمك و أن تباهي الناس بعبادة ربك و إذا أحسنت حمدت الله و إذا أسأت استغفرت الله فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) إن أول عوض الحليم من حلمه أن الناس كلهم أعوانه على الجاهل .

و قال بعضهم : في قول الله تعالى فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ إلى قوله عَظِيمٍ هو الرجل يشتم أخاه فيقول إن كنت كاذبا غفر الله لك و إن كنت صادقا غفر الله لي .

و حكي عن زين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) أنه : سبه رجل فرمى عليه خميصة كانت عليه و أمر له بألف درهم فقال بعضهم جمع فيه خمس خصال الحلم و إسقاط الأذى و تخليص الرجل مما يبعده عن الله و حمله على الندم و التوبة و رجوعه إلى المدح بعد الذم و اشترى جميع ذلك بيسير من الدنيا .

و قال رجل للصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) إنه قد وقع بيني و بين قوم منازعة في أمر و إني أريد أن أتركه فيقال لي أن تركك له ذل فقال (عليه السلام) إنما الذليل الظالم .

و قال رجل لبعض الحكماء و الله لأسبك سبا يدخل معك في قبرك فقال معك يدخل لا معي .

قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : ثلاث و الذي نفسي بيده إن كنت لحالفا عليهن

ما نقصت صدقة من مال فتصدقوا و لا عفا رجل عن مظلمة يبتغي بها وجه الله إلا زاده الله بها يوم القيامة و لا فتح رجل باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر .

قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : التواضع لا يزيد العبد إلا رفعة فتواضعوا يرفعكم الله و العفو لا يزيد العبد إلا عزا فاعفوا يعزكم الله و الصدقة لا تزيد المال إلا كثرة فتصدقوا يرحمكم الله .