باب ما جاء في الصمت و حفظ اللسان

اعلم أن اللسان من أجل نعم الله تعالى إذ به تميز الإنسان عن سائر الحيوان و هو أفضل الحواس جميعها فإن العين لا تصل إلى غير الألوان و الصور و الأذن لا تصل إلى غير الأصوات و اليد لا تصل إلى غير الأجسام و كذلك سائر الأعضاء و اللسان رحب الميدان ليس له مرد و لا لمجاله منتهى و لا حد فله في الخير مجال رحب و له في الشر مجر و سحب فمن أطلق عذبة عنان لسانه ساقه إلى شفا جرف هار إلى أن يضطره إلى البوار و لا يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم فلا ينجى منه إلا أن يقيد بلجام الشرع فلا يطلقه إلا فيما ينتفع به في الدنيا و الآخرة .

فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : من صمت نجا .

و قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : الصمت حكم و قليل فاعله .

أي هي حكمة و حزم .

قال بعضهم : يا رسول الله صلى الله عليك أخبرني عن الإسلام بأمر لا أسأل عنه أحدا بعدك قال قل آمنت بالله ثم استقم قلت فما أتقي فأومأ بيده إلى لسانه .

و قال عقبة بن عامر : قلت يا رسول الله صلى الله عليك ما النجاة قال املك عليك لسانك و ليسعك بيتك و ابك على خطيئتك .

و قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : من وقى شر قبقبه و ذبذبه و لقلقه فقد وقي.

و القبقب البطن و الذبذب الفرج و اللقلق اللسان فهذه الشهوات الثلاثة بها هلك أكثر الخلق .

و قال معاذ بن جبل : قلت يا رسول الله صلى الله عليك أ نؤاخذ بما نقول فقال ثكلتك أمك يا ابن جبل و هل يكب الناس على مناخرهم في نار جهنم إلا حصائد ألسنتهم.

و قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه و لا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه و لا يدخل الجنة رجل لا يأمن جاره بوائقه .

و قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : من سره أن يسلم فليلزم الصمت .

و عن ابن مسعود : أنه كان على الصفا يلبي و يقول يا لسان قل خيرا تغنم أو أنصت تسلم من قبل أن تندم قيل له يا أبا عبد الرحمن هذا شي‏ء تقوله أو شي‏ء سمعته قال لا بل سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول إن أكثر خطايا ابن آدم في لسانه.

و روي : أن عمر اطلع على أبي بكر و هو يمد لسانه فقال ما تصنع فقال إن هذا أوردني الموارد .

و قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : من كف لسانه ستر الله عورته و من ملك غضبه وقاه الله عذابه و من اعتذر إلى الله قبل الله عذره .

و روي : أن معاذ بن جبل قال يا رسول الله صلى الله عليك أوصني قال اعبد الله كأنك تراه و اعدد نفسك مع الموتى و إن شئت أنبأتك بما هو أملك لك من هذا كله و أشار بيده إلى لسانه .

قيل جاء أعرابي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال دلني على عمل أدخل به الجنة قال أطعم الجائع و اسق الظمآن و أمر بالمعروف و انه عن المنكر فإن لم تطق فكف لسانك إلا من خير فإنك بذلك تغلب الشيطان .

و قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : إن الله عند لسان كل قائل فليتق الله امرؤ و علم ما يقول .

و قال (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا رأيتم المؤمن صموتا وقورا فادنوا منه فإنه يلقي الحكمة .

و قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : : إن لسان المؤمن وراء قلبه فإذا أراد أن يتكلم بشي‏ء يدبره بقلبه ثم أمضاه بلسانه و إن لسان المنافق أمام قلبه فإذا هم بالشي‏ء أمضاه بلسانه و لم يتدبره بقلبه .

و قال عيسى (عليه السلام) : العبادة عشرة أجزاء تسعة منها في الصمت و جزء في الفرار من الناس .

الآثار .

قال وهب بن منبه في حكمة آل داود : حق على العاقل أن يكون عارفا بزمانه حافظا للسانه مقبلا على شأنه .

قال عمر بن عبد العزيز : من أكثر ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير و من عد كلامه من عمله قل كلامه فيما لا يعنيه .

و فيما ذكرناه من كلام رسول (صلى الله عليه وآله وسلم) و الآثار من مدح الصمت ما يغني عن إيراد زيادة عليه و الأولى ترك الكلام فيما لا يعنيك.

اعلم أن أحسن الأحوال أن تحفظ لسانك عن الغيبة و الكذب و المراء و النفاق و غير ذلك و تتكلم بما هو مباح لا ضرر فيه عليك و لا على مسلم أصلا ثم لا تتكلم بما أنت مستغن عنه و لا حاجة بك إليه فإنك تضيع زمانك و تحاسب على قدر عمل لسانك و تستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير لأنك لو صرفت الكلام إلى الفكر ربما كان ينفتح لك من نفحات رحمة الله عند الفكرة ما يعظم جزاؤه و لو هللت الله سبحانه و تعالى و سبحته و حمدته و ذكرته لكان خيرا لك فكم من كلمة يبنى بها قصر في الجنة و من قدر أن يأخذ كنزا من الكنوز فأخذ بدله مدرة لا ينتفع بها كان خاسرا خسرانا مبينا و هذا مثل من ترك ذكر الله و اشتغل بمباح لا يعنيه فإنه و إن لم يأثم فقد خسر ربح العظيم بترك ذكر الله فإن المؤمن لا يكون صمته إلا فكرا و نظره إلا عبرة و نطقه إلا ذكرا هكذا .

قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : بل رأس مال العبد أوقاته .

و مهما صرفه إلى ما لا يعنيه و لم يدخر به ثوابا في الآخرة فقد ضيع رأس ماله و لهذا .

قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.

قال أبو ذر رضي الله عنه : قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أ لا أعلمك بعمل خفيف على البدن ثقيل في الميزان قلت بلى يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) صلى الله عليك قال هو الصمت و حسن الخلق و ترك ما لا يعنيك .

و لما كانت أوقات الإنسان هي رأس ماله فمتى ضيعها خسر فينبغي له أن لا يتكلم فيما لا يعنيه من المباح فضلا عن غيره و هو أنه ربما جلس إلى أقوام و حكى ما شاهده في أسفاره من جبال و أنهار و وقائع و مما استحسنه من الأطعمة و الثياب فهذه أمور إن سكت عنها لم يأثم و إن تكلم لها لم يغنم و إذا بلغ في الاجتهاد حتى لم يمتزج حكايته عن زيادة و نقصان و تزكية نفسه و لا اغتياب شخص و لا مذمته بشي‏ء فأنت مع ذلك كله مضيع زمانك و أنى تسلم من الآفات و ربما سألت غيرك عما لا يعنيك فأنت بالسؤال عنه مضيع زمانك و قد ألجأت صاحبك أيضا إلى التضييع فإنك تسأله عن عبادته فتقول هل أنت صائم فإن قال نعم كان مظهرا عبادته فيدخل عليه الرياء و إن لم يدخل سقطت عبادته من ديوان السر و عبادة السر التي تفضل على عبادة الجهر بدرجات و إن قال لا كان كاذبا و إن سكت كان مستحقرا إياك و تأذيت به و إن حال لمدافعة الجواب افتقر إلى جهد و تعب فيه فقد عرضته بالسؤال إما للرياء أو للكذب أو للاستحقار أو للتعب في حيلة الدفع و كذلك سؤالك عن سائر عباداته و كذلك سؤالك عن المعاصي و عن كل ما يخفيه و يستحيي منه و سؤالك عما يحدث به عن غيره فيقول ما ذا تقول و فيم أنتم و من ذلك أنه رئي رجل عليه جبة صوف فقيل له لم لبست هذه الجبة فسكت فقيل له لم لا تجب فقال إن قلت زهدا فأمدح نفسي و أخشى أن أقول فقرا فأذم ربي .

و روي : أن لقمان (عليه السلام) دخل على داود (عليه السلام) و هو يسرد درعا و لم يكن رآها قبل ذلك .

فجعل يتعجب مما رأى فأراد أن يسأله عن ذلك فمنعته الحكمة فأمسك نفسه و لم يسأله فلما فرغ قام داود ع و لبسها .

ثم قال نعم الدرع للحرب فقال لقمان (عليه السلام) الصمت حكم و قليل فاعله.

أي حصل العلم من غير سؤال و استغنى عن السؤال و قيل كان يتردد إليه سنة.

و هو يريد أن يعلم ذلك و لم يسأل فترك السؤال فيه عما لا يعني و ترك الكلام فيما لا يعني .

هو راحة عظيمة و فائدة جليلة و لا تصح له هذه الحالة إلا بأن يجعل الموت بين عينيه و أنه مسئول عن كل كلمة و أنفاسه محصية عليه لقوله تعالى وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ و قوله تعالى ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ أ ما يستحيي أحدكم أن لو نشرت صحيفته التي أملأها صدر نهاره و كان أكثر ما فيها ليس من أمر دينه و لا دنياه .

قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : طوبى لمن أمسك الفضل من لسانه.

و أنفق الفضل من ماله .

فانظر كيف قلب الناس ذلك فأمسكوا فضل المال و أطلقوا فضل اللسان .

باب ما جاء في المراء و المزاح و السخرية .

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : لا تمار أخاك و لا تمازحه.

و لا تعده موعدا فتخلفه .

و قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : من ترك المراء و هو محق .

بنى الله له بيتا في أعلى الجنة و من ترك المراء و هو مبطل بنى الله له بيتا في ربض الجنة .

و قال بعضهم : إياكم و المراء فإنها ساعات جهل العالم و عندها يبتغي الشيطان زلته و قيل المراء يقسي القلب و يورث الضغائن و قال لقمان لابنه : يا بني ; لا تجادل العلماء فيمقتوك .

و قال بعضهم : لا تتعلم العلم لثلاث و لا تتركه لثلاث لا تتعلم لتمارى به و لا تباهي به و لا ترائى به و لا تتركه حياء من طلبه و لا زهادة فيه و لا رضي بالجهل منه .

فالمراء طعن في كلام الغير لإظهار خلل فيه من غير غرض سوى تحقيره و إظهار مزية الكياسة .

قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصيم.

و قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : من جادل في خصومة بغير علم لم يزل في سخط الله حتى ينزع .

و قيل : و إياكم و الخصومة فإنها تمحق الدين و الخصومة و الجدال .

إذا كان صاحبه مقصودة فيه اللدد في الخصومة على قصد التسلط أو على قصد الإيذاء و يتناول الذي تحدي به .

بأن يمزح في الخصومة كلمات مؤذية و ليس يحتاج إليها في نصرة الحجج و إظهار الحق و يتناول الذي يحمله على الخصومة بمحض العناد لقهر الخصم و كسره مع أنه قد يستحقر ذلك القدر و كسره و في الناس من يصرح و يقول للناس إنما قصدي عنادة و كسر عرضه فمن كان هذا غرضه فهو مذموم جدا و أما الذي يريد أن ينصر حجته في طريق الشرع من غير لدد و لا إسراف و زيادة لجاج و من غير قصد عناد و إيذاء ففعله ليس بحرام و لكن الأولى تركه ما وجد إليه سبيلا فإن ضبط اللسان في الخصومة. على حد الاعتدال متعذر و الخصومة توغر الصدر .

و تهيج الغضب للشي‏ء المنازع فيه و تثمر الحقد بين المتخاصمين حتى يفرح كل واحد منهما بمساءة صاحبه و يحزن بمسرته و ربما أطلق اللسان في عرضه فمن ابتدأ بالخصومة فقد تعرض لهذه المحظورات و أقل ما فيه تشويش خاطره حتى أنه ربمااشتغل سره في صلاته .

بمحاجة خصمه فالخصومة على هذا الوجه مبدأ كل شر و كذا الجدال و المراء.

فينبغي أن لا يفتح بابه إلا لضرورة و عند الضرورة ينبغي .

أن يحفظ اللسان و القلب عن تبعات الخصومة و ذلك متعذر جدا فيفوته بفعل ذلك أشياء كثيرة و أقل ما يفوته طيبة الكلام و ما ورد فيه من الثواب إذ أقل درجات طيبة الكلام إظهار الموافقة و لا خشونة أعظم في الكلام من الطعن و الاعتراض الذي حاصله إما تجهيل أو تكذيب فإن من جادل غيره أو خاصمه أو ماراه فقد جهله أو كذبه فيفوت به طيب الكلام .

و قد قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يمكنكم من الجنة طيب الكلام.

و إطعام الطعام .

و قد قال الله تعالى وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً .

و قال الكلمة الطيبة صدقة .

و قال اتقوا النار و لو بشق تمرة فإن لم يكن فبكلمة طيبة .

و قال بعض الحكماء كل كلام لا يسخط ربك .

إلا أنه يرضى به جليسك فلا تكن به بخيلا .

فلعل الله يعوضك به ثواب المحسنين و هذا كله في فضل الكلام الطيب و يضاد الخصومة و المراء و اللجاج و الجدال و أما الفحش و بذاء اللسان فهي منهي عنه مذموم و مصدره الفحش و اللوم .

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : إياكم و الفحش فإن الله لا يحب الفحش و التفحش .

و قال : الجنة حرام على كل فاحش أن يدخلها .

و قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : لو كان الفحش رجلا لكان رجل سوء.

و قال (صلى الله عليه وآله وسلم) البذاء و البيان شعبتان من النفاق.

و يحتمل أن يكون المراد بالبيان كشف ما لا يجوز كشفه .

و قال جابر بن سمرة : كنت جالسا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أبي أمامي فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) الفحش و التفحش ليسا من الإسلام في شي‏ء و إن أحسن الناس إسلاما أحسنهم أخلاقا .

و قال أعرابي لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أوصني .

فقال : عليك بتقوى الله فإن امرؤ عيرك بشي‏ء يعلمه فيك فلا تعيره بشي‏ء تعلمه فيه .

يكن وباله عليه و أجره لك .

و قال عياض بن حماد قلت يا رسول الله صلى الله عليك الرجل من قومي يسبني و هو دوني فهل علي بأس أن أنتصر منه فقال المتسابان شيطانان يتعاويان و يتهاتران .

و قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : المتسابان ما قالا فعلى البادي.

حتى يعتدي المظلوم .

و قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : ملعون من سب والديه .

و في رواية أخرى : من أكبر الكبائر أن يسب الرجل والديه قالوا يا رسول الله صلى الله عليك .

و كيف الرجل يسب والديه قال يسب الرجل فيسب أباه فيسب الآخر أباه.

فأما المزاح فأصله مذموم منهي عنه .

إلا قدر يسير يستثنى منه .

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : لا تمار أخاك و لا تمازحه.

فإن أقل المماراة إيذاء لأن فيه تكذيب الأخ و الصديق أو تجهيله و أما المزاح المستثنى عنه .

فمطايبة فيه انبساط و طيبة قلب و ما كان منه هذا القدر فلم ينه عنه اعلم أن المنهي عنه الإفراط فيه و المداومة عليه أما المداومة فلأنه اشتغال باللعب و الهزل و اللعب مباح و لكن المواظبة عليه مذموم و أما الإفراط فيه فإنه يورث كثرة الضحك و كثرة الضحك تميت القلب و تورث الضغينة و تسقط المهابة و الوقار .

فما يخلو من هذه الأمور لا يكون مذموما .

كما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال إني لأمزح و لا أقول إلا حقا .

و مثله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقدر أن يمازح .

و لا يقول إلا حقا فأما غيره إذا فتح باب المزاح كان غرضه أن يضحك أو يضحك الناس كيف كان .

و قد قال (صلى الله عليه وآله وسلم) إن الرجل ليتكلم بالكلمة ليضحك بها جلساءه فيهوي بها أبعد من الثريا .

و لأن الضحك يدل على الغفلة عن الآخرة .

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : لو علمتم ما أعلم لبكيتم كثيرا و لضحكتم قليلا .

و قال رجل لأخيه .

هل أتاك أنك وارد النار قال نعم قال فهل أتاك أنك خارج منها فقال لا .

قال فمم الضحك .

و نظر بعضهم إلى قوم يضحكون في يوم فطر فقال إن كان هؤلاء قد غفر لهم.

فما هذا فعل الشاكرين و إن لم يغفر لهم فما هذا فعل الخائفين .

و كان بعضهم يقول .

أ تضحك و لعل أكفانك قد خرجت من عند القصار .

و قال ابن عباس رضي الله عنه : من أذنب ذنبا و هو يضحك دخل النار و هو يبكي .

و قال بعضهم : إذا رأيت رجلا في الجنة يبكي .

أ لست تعجب من بكائه قال بلى قال و الذي يضحك في الدنيا و هو ما يدري إلى ما يصير هو أعجب منه و المذموم منه أن يستغرق ضحكا و المحمود التبسم الذي ينكشف منه السن .

و لم يسمع الصوت كذلك كان ضحك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و الأئمة (عليه السلام) .

و قال بعضهم : يا بني ; لا تمازح الشريف فيحقد عليك و لا تمازح الدني فيجترئ عليك .

و قال آخر : : اتقوا الله و إياكم و الممازحة فإنها تورث الضغينة و تجر القبيحة تحدثوا بالقرآن و تجالسوا به .

فإن ثقل عليكم فحديث حسن .

و قال آخر : : أ تدرون لم سمي المزاح مزاحا قالوا لا قال لأنه زاح عن الحق فإن قيل قد نقل المزاح عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

فكيف ينهى عنه فنقول إن قدرت على ما قدر عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو أن تمزح و لا تقول إلا حقا و لا تؤذي قلبا .

و لا تفرط فيه و تقتصر عليه أحيانا نادرا .

فلا حرج عليك فيه و لكن من الغلط العظيم أن يتخذ الإنسان المزاح ديدنه.

و يواظب عليه و يفرط فيه فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان كثير التبسم .

و من مزاحه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال أتت امرأة عجوز إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) لا تدخل الجنة عجوز فبكت.

فقال إنك لست يومئذ بعجوز قال الله تعالى إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً .

و روي : عن زيد بن أسلم أن امرأة يقال لها أم أيمن .

جاءت إلى رسول الله ص فقالت إن زوجي يدعوك .

فقال و من هو أ هو الذي بعينه بياض فقالت و الله ما بعينه بياض .

فقال بلى إن بعينه بياضا فقالت لا و الله فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) ما من أحد إلا و بعينه بياض أراد به البياض المحيط بالحدقة .

و روى علقمة عن أبي سلمة : أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يدلع لسانه للحسن و الحسين (عليه السلام) فيرى الصبي لسانه فيهش إليه فقال عيينة بن بدر الفزاري و الله ليكون لي الابن رجلا .

قد خرج وجهه و ما قبلته قط فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من لم يرحم لا يرحم .

و أكثر هذه المطايبات منقولة مع النساء و الصبيان و ذلك من رسول الله ص معالجة لضعف قلوبهم من غير ميل إلى هزل .

و أما السخرية و الاستهزاء فهو محرم. مهما كان مؤذيا قال الله تعالى لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ و معنى السخرية الاستحقار و الاستهانة و التنبيه على العيوب و النقائص على وجه يضحك منه .

قالت عائشة : حكيت إنسانا فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما أحب أن أحكي إنسانا و لي كذا و كذا .

فأنكر علي .

قال ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى : يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها الصغيرة التبسم بالاستهزاء بالمؤمن و الكبيرة القهقهة بذلك .

و هو إشارة إلى أن الضحك على الناس .

من الجرائم و الذنوب .

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : من عير أخاه بذنب قد تاب منه.

لم يمت حتى يعمله .

و كل هذا يرجع إلى استحقار الغير و الضحك عليه .

استهانة به و استصغارا له .