بيان فضيلة التواضع

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا و ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله .

و قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ما من أحد إلا و معه ملكان و عليه حكمة يمسكانه بها فإن هو رفع نفسه جذباها ثم قالا اللهم ضعه و إن وضع نفسه قالا اللهم ارفعه .

و قال طوبى لمن تواضع في غير مسألة و أنفق مالا جمعه في غير معصية و رحم أهل الذل و المسكنة و خالط أهل الفقه و الحكمة .

و عن أبي سلمة المدني عن أبيه عن جده قال : كان رسول الله عندنا بقبا و كان صائما فأتيناه عند إفطاره بقدح من لبن و جعلنا فيه شيئا من عسل فلما رفعه و ذاقه وجد حلاوة العسل فقال ما هذا قلنا يا رسول الله جعلنا فيه شيئا من عسل فوضعه و قال أما إني لا أحرمه و من تواضع لله رفعه و من تكبر وضعه و من اقتصد أغناه الله و من بذر أفقره الله و من أكثر ذكر الله أحبه الله .

و روي : أن رسول الله ص كان في نفر من أصحابه في بيته يأكلون فقام سائل على الباب و به زمانة يتكره منها فأذن له فلما دخل أجلسه على فخذه ثم قال اطعم و كان رجل من قريش اشمأز منه و تكرهه فما مات حتى كانت به زمانة مثلها .

و قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : خيرني ربي بين أمرين عبدا رسولا و ملكا نبيا فلم أدر أيهما أختار و كان ضيفي من الملائكة جبرئيل فرفعت رأسي فقال تواضع لربك فقلت عبدا رسولا .

و أوحى الله تعالى إلى موسى (عليه السلام) إنما أقبل صلاة من تواضع لعظمتي و لم يتعظم على خلقي و ألزم على قلبه خوفي و قطع النهار بذكري و كف نفسه عن الشهوات من أجلي .

و قال (صلى الله عليه وآله وسلم) الكرم التقوى و الشرف التواضع و اليقين الفناء .

و قال عيسى : طوبى للمتواضعين في الدنيا هم أصحاب المنابر يوم القيامة طوبى للمصلحين بين الناس في الدنيا هم الذين يرثون الفردوس يوم القيامة طوبى للمطهرة قلوبهم في الدنيا هم الذين ينعمون يوم القيامة .

و قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : إذا هدى الله عبدا للإسلام و حسن صورته و جعله في موضع غير شائن له و رزقه مع ذلك تواضعا فذلك من صفوة الله.

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : إذا تواضع العبد رفعه الله إلى السماء السابعة .

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : إن التواضع لا يزيد العبد إلا رفعة فتواضعوا رحمكم الله .

و روي : أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يطعم فجاء رجل أسود به جدري قد تقشر فجعل لا يجلس إلى أحد إلا قام من جنبه فأجلسه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى جنبه .

و قال (صلى الله عليه وآله وسلم) إنه ليعجبني أن يحمل الرجل الشي‏ء في يده يكون مهنئا لأهله يدفع به الكبر عن نفسه .

و قال : ما لي لا أرى عليكم حلاوة العبادة قالوا و ما حلاوة العبادة قال التواضع .

و قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : إذا رأيتم المتواضعين من أمتي فتواضعوا لهم و إذا رأيتم المتكبرين فتكبروا عليهم فإن ذلك لهم مذلة و صغار .

و قال بعضهم : إن العبد إذا تواضع لله تعالى رفع الله حكمته و قال انتعش رحمك الله و إذا تكبر و عدا طوره وهصه الله في الأرض و قال اخسأ أخسأك الله فهو في نفسه كبير و في أعين الناس حقير حتى أنه لأحقر عندهم من الخنزير.

و قال جرير بن عبد الله انتهيت مرة إلى ظل شجرة تحتها رجل نائم قد استظل بنطع له و قد جاوزت الشمس النطع فسويته عليه ثم إن الرجل استيقظ فإذا هو سلمان الفارسي فذكرت له ما صنعت فقال يا جرير تواضع لله في الدنيا فإنه من تواضع لله في الدنيا رفعه الله يوم القيامة أ تدري ما ظلمة النار يوم القيامة قلت لا قال فإنه ظلم الناس بعضهم بعضا في الدنيا .

و سئل بعضهم عن التواضع فقال هو أن تخضع للحق و تنقاد له و لو سمعته من صبي .

و قيل إن رأس التواضع أن تضع نفسك عند من هو دونك في نعيم الدنيا حتى تعلمه أنه ليس لك بدنياك عليه فضل و إن ترفع نفسك عمن هو فوقك في نعيم الدنيا حتى تعلمه أنه ليس له عليك بدنياه فضل .

و قال بعضهم : من أعطي مالا أو جمالا أو علما ثم لم يتواضع فيه كان عليه وبالا يوم القيامة .

قيل أوحى الله تعالى إلى عيسى (عليه السلام) إذا أنعمت عليك بنعمة فاستقبلها بالاستكانة أتمها عليك .

و قيل ما أنعم الله على عبد من نعمة في الدنيا فشكرها لله و تواضع بها لله إلا أعطاه الله رفعة في الدنيا و رفع له بها درجة في الآخرة و ما أنعم الله على عبد من نعمة في الدنيا فلم يشكرها لله و لا تواضع بها لله إلا منعه الله نفعها في الدنيا و فتح له طبقات من النار يعذبه بها إن شاء أو يتجاوز عنه .

قيل لعبد الملك بن مروان أي الرجال أفضل قال من تواضع على قدره و زهد عن قدره .

قيل دخل بعضهم على الرشيد فقال يا أمير المؤمنين إن تواضعك في شرفك أشرف لك من شرفك فقال ما أحسن ما قلت فقال يا أمير المؤمنين إن امرأ آتاه الله جمالا في خلقته و موضعا في حسبه و بسط له في ذات يده فعف في جماله و واسى في ماله و تواضع في حسبه كتب في ديوان الله من خالصة الله فدعا هارون بدواة و قرطاس فكتبه بيده .

و كان سليمان بن داود (عليه السلام) إذا أصبح تصفح وجوه الأغنياء و الأشراف حتى يجي‏ء إلى المساكين فيقعد معهم و يقول مسكين مع المساكين .

و يقال أرفع ما يكون العبد عند الله أوضع ما يكون عند نفسه و أوضع ما يكون عند الله أرفع ما يكون عند نفسه .

و قال بعضهم : الزهد بغير تواضع كالشجرة التي لا تثمر .

و قال بعضهم : من أحب الرئاسة لم يفلح أبدا .

و قال آخر : كانت عندنا زلزلة و ريح حمراء فذهبت إلى شيخ عندنا فقلت يا عبد الله أنت شيخ كبير فادع الله عز و جل فبكى ثم قال ليتني لم أكن سبب هلاككم.

و قال بعضهم : لا يتواضع العبد حتى يعرف نفسه.

و قال بعضهم : ما دام العبد يظن أن في الخلق من هو شر منه فهو متكبر و تواضع كل إنسان على قدر معرفته بربه عز و جل و معرفته بنفسه .

و قال آخر : : التواضع في الخلق كلهم حسن و في الأغنياء أحسن و الكبر في الخلق كلهم قبيح و في الفقراء أقبح .

و يقال لا عز إلا لمن تذلل لله و لا رفعة إلا لمن تواضع لله تعالى و لا أمن إلا لمن خاف الله عز و جل و لا ربح إلا لمن ابتاع نفسه من الله عز و جل .

و تفاخرت قريش عند سلمان الفارسي رضي الله عنه فقال سلمان لكن خلقت من نطفة قذرة و أعود جيفة منتنة ثم إلى الميزان فإن ثقل فأنا كريم و إن خف فأنا لئيم.

قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر .

و إنما صار حجابا من الجنة لأنه يحول بين العبد و بين أخلاق المؤمنين كلها و تلك الأخلاق هي أبواب الجنة و الكبر و عز النفس يغلق تلك الأبواب كلها لأنه لا يقدر على أن يحب للمؤمنين ما يحب لنفسه و فيه شي‏ء من العز و لا يقدر على التواضع و هو رأس أخلاق المؤمنين و فيه العز و لا يقدر على ترك الحقد و فيه العز و لا يقدر على أن يدوم على الصدق و فيه العز و لا يقدر على ترك الحسد و فيه العز و لا يقدر على ترك الغضب و فيه العز و لا يقدر على كظم الغيظ و فيه العز و لا يقدر على النصح اللطيف و فيه العز و لا يقدر على قبول النصح و فيه العز و لا يسلم من الإزراء بالناس و من اغتيابهم و فيه العز و لا معنى للتطويل بل و ما من خلق ذميم إلا و صاحب العز و الكبر مضطر إليه ليحفظ به عزه و ما من خلق محمود إلا و هو عاجز عنه خوفا من أن يفوته عزه و من هذا لم يدخل الجنة من في قلبه مثقال حبة منه و الأخلاق الذميمة متلازمة و البعض داع إلى البعض لا محالة و شر أنواع الكبر ما يمنع من استفادة العلم و قبول الحق و الانقياد له و فيه وردت الآيات التي فيها ذم المتكبرين قال الله تعالى ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ .