قال أمير المؤمنين ×: ما زلت مظلوما منذ ولدتني أمي.[1]
من رسالة أمير المؤمنين × لمعاوية: وقلت إني كنت أقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتى أبايع، ولعمر الله لقد أردت أن تذم فمدحت، وأن تفضح فافتضحت، وما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوما ما لم يكن شاكا في دينه ولا مرتابا بيقينه. [2]
عن أمير المؤمنين ×: ما زلت مظلوما منذ ولدتني أمي.[3]
عن أمير المؤمنين ×: فنظرت فإذا ليس معين إلا أهل بيتي، فضننت بهم عن الموت، وأغضيت على القذى، وشربت على الشجا، وصبرت على أخذ الكظم وعلى أمر من طعم العلقم. [4]
عن أمير المؤمنين ×: لم تكن بيعتكم إياي فلتة وليس أمري وأمركم واحدا, إني أريدكم لله وأنتم تريدونني لأنفسكم, أيها الناس أعينوني على أنفسكم, وايم الله لأنصفن المظلوم, ولأقودن الظالم بخزامته حتى أورده منهل الحق وإن كان كارها. [5]
عن أمير المؤمنين ×: ظلمني المدر والوبر, ولم يبق بيت من العرب إلا وقد دخلت مظلمتي عليهم, وما زلت مظلوما حتى قعدت مقعدي هذا. [6]
عن أبي الحسن الثالث × في زيارة أمير المؤمنين × قال: السلام عليك يا ولي الله, أنت أول مظلوم, وأول من غصب حقه, صبرت واحتسبت حتى أتاك اليقين, وأشهد أنك لقيت الله وأنت شهيد, عذب الله قاتلك بأنواع العذاب, وجدد عليه العذاب.[7]
عن صاحب الزمان (ع) في دعاء الندبة, في وصف أمير المؤمنين (ع): ...وَلا تَأخُذُهُ في اللهِ لَومَةُ لائِمٍ، قَد وَتَرَ فِيهِ صَناديدَ العَرَبِ وَقَتَلَ أبطالَهُم وَناوَشَ ذُؤبانَهُم فَأودَعَ قُلُوبَهُم أحقاداً بَدرِيَّةً وَخَيبَرِيَّةً وَحُنَينِيَّةً وَغَيرَهُنَّ، فَأضَبَّت عَلى عَداوَتِهِ وَأكَبَّت عَلى مُنابَذَتِهِ حَتى قَتَلَ النَّاكِثِينَ وَالقاسِطِينَ وَالمارِقِينَ. وَلَمَّا قَضى نَحبَهُ وَقَتَلَهُ أشقى الآخِرينَ يَتبَعُ أشقَى الأوّلِينَ لَم يُمتَثَل أمرُ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) في الهادِينَ بَعدَ الهادِينَ، وَالاُمَّةُ مُصِرَّةٌ عَلى مَقتِهِ مُجتَمِعَةٌ عَلى قَطِيعَةِ رَحِمِهِ وَإقصاءِ وُلدِهِ إلاّ القَلِيلَ مِمَّن وَفى لِرِعايَةِ الحَقِّ فِيهِم، فَقُتِلَ مَن قُتِلَ وَسُبِيَ مَن سُبِيَ وَأُقصِيَ مَن أُقصِيَ... [8]
صبره وامتحانه ×:
عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر × قال: أتى رأس اليهود علي بن أبي طالب × عند منصرفه من وقعة النهروان، وهو جالس في مسجد الكوفة، فقال: يا أمير المؤمنين إني أريد أن أسألك عن أشياء لا يعلمها إلا نبي أو وصي نبي، فإن شئت سألتك، وإن شئت أعفيتك، قال: سل عما بدا لك يا أخا اليهود. قال: إنا نجد في الكتاب أن الله عز وجل إذا بعث نبيا أوحى إليه أن يتخذ من أهل بيته من يقوم بأمر أمته من بعده، وأن يعهد إليهم عهدا فيه يحتذى عليه، ويعمل به في أمته من بعده، وأن الله عز وجل يمتحن الأوصياء في حياة الأنبياء، ويمتحنهم بعد وفاتهم، فأخبرني كم يمتحن الأوصياء في حياة الأنبياء؟ وكم يمتحنهم بعد وفاتهم من مرة؟ وإلى ما يصير آخر الأوصياء إذا رضي محنتهم؟ فقال له علي ×: والله الذي لا إله غيره الذي فلق البحر لبني إسرائيل، وأنزل التوراة على موسى لئن أخبرتك بحق عما تسأل عنه لتقرن به؟ قال: نعم، قال: والذي فلق البحر لبني إسرائيل وأنزل التوراة على موسى × لئن أجبتك لتسلمن؟ قال: نعم. فقال علي ×: إن الله عز وجل يمتحن الأوصياء في حياة الأنبياء في سبعة مواطن ليبتلي طاعتهم، فإذا رضي طاعتهم ومحنتهم أمر الأنبياء أن يتخذوهم أولياء في حياتهم، وأوصياء بعد وفاتهم، ويصير طاعة الأوصياء في أعناق الأمم ممن يقول بطاعة الأنبياء، ثم يمتحن الأوصياء بعد وفاة الأنبياء × في سبعة مواطن، ليبلوا صبرهم، فإذا رضي محنتهم ختم لهم بالسعادة ليلحقهم بالأنبياء، وقد أكمل لهم السعادة. قال له رأس اليهود: صدقت يا أمير المؤمنين فأخبرني كم امتحنك الله في حياة محمد من مرة؟ وكم امتحنك بعد وفاته من مرة؟ وإلى ما يصير آخر أمرك؟ فأخذ علي × بيده وقال: انهض بنا أنبئك بذلك يا أخا اليهود، فقام إليه جماعة من أصحابه فقالوا: يا أمير المؤمنين أنبئنا بذلك معه، فقال: إني أخاف أن لا تحتمله قلوبكم، قالوا: ولم ذاك يا أمير المؤمنين؟ قال: لأمور بدت لي من كثير منكم. فقام إليه الأشتر فقال: يا أمير المؤمنين أنبئنا فو الله إنا لنعلم أنه ما على ظهر الأرض وصي نبي سواك، وإنا لنعلم أن الله لا يبعث بعد نبينا نبيا سواه، وأن طاعتك لفي أعناقنا موصولة بطاعة نبينا. فجلس علي × وأقبل على اليهودي فقال: يا أخا اليهود إن الله عز وجل امتحنني في حياة نبينا محمد | في سبعة مواطن، فوجدني فيهن- من غير تزكية لنفسي- بنعمة الله له مطيعا، قال: فيم وفيم يا أمير المؤمنين؟ قال: أما أولهن فإن الله عز وجل أوحى إلى نبينا عليه الصلاة والسلام، وحمله الرسالة وأنا أحدث أهل بيتي سنا، أخدمه في بيته، وأسعى بين يديه في أمره، فدعا صغير بني عبد المطلب وكبيرهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأنه رسول الله، فامتنعوا من ذلك وأنكروه عليه، وهجروه، ونابذوه، واعتزلوه، واجتنبوه، وسائر الناس مقصين له، ومخالفين عليه، قد استعظموا ما أورده عليهم مما لم تحتمله قلوبهم، ولم تدركه عقولهم، فأجبت رسول الله | وحدي إلى ما دعا إليه مسرعا مطيعا موقنا، لم يتخالجني في ذلك شك، فمكثنا بذلك ثلاث حجج، وما على وجه الأرض خلق يصلي أو يشهد لرسول الله بما آتاه الله غيري، وغير ابنة خويلد رحمها الله وقد فعل ثم أقبل أمير المؤمنين × على أصحابه، فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين. وأما الثانية يا أخا اليهود فإن قريشا لم تزل تخيل الآراء وتعمل الحيل في قتل النبي | حتى كان آخر ما اجتمعت في ذلك في يوم الدار دار الندوة وإبليس الملعون حاضر في صورة أعور ثقيف، فلم تزل تضرب أمرها ظهر البطن حتى اجتمعت آراؤها على أن ينتدب من كل فخذ من قريش رجل، ثم يأخذ كل رجل منهم سيفه، ثم يأتي النبي |، وهو نائم على فراشه، فيضربونه جميعهم بأسيافهم ضربة رجل واحد فيقتلوه، فإذا قتلوه منعت قريش رجالها ولم تسلمها فيمضي دمه هدرا، فهبط جبرئيل × على النبي | فأنبأه بذلك، وأخبره بالليلة التي يجتمعون فيها، والساعة التي يأتون فراشه فيها، وأمره بالخروج في الوقت الذي خرج فيه إلى الغار، فأخبرني رسول الله | بالخبر، وأمرني أن أضطجع في مضجعه، وأقيه بنفسي، فأسرعت إلى ذلك مطيعا له مسرورا لنفسي بأن أقتل دونه، فمضى × لوجهه، واضطجعت في مضجعه، وأقبلت رجالات قريش موقنة في نفسها أن تقتل النبي | فلما استوى بي وبهم البيت الذي أنا فيه ناهضتهم بسيفي، ودفعتهم عن نفسي بما قد علمه الله والناس، ثم أقبل على أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين. فقال ×: وأما الثالثة يا أخا اليهود فإن ابني ربيعة وابن عتبة كانوا فرسان قريش دعوا إلى البراز يوم بدر، فلم يبرز لهم خلق من قريش فأنهضني رسول الله | مع صاحبي رضي الله عنهما (و قد فعل) وأنا أحدث أصحابي سنا وأقلهم للحرب تجربة، فقتل الله عز وجل بيدي وليدا وشيبة، سوى من قتلت من جحاجحة قريش في ذلك اليوم، وسوى من أسرت، وكان مني أكثر مما كان من أصحابي واستشهد ابن عمي في ذلك اليوم- رحمة الله عليه- ثم التفت إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ فقالوا: بلى يا أمير المؤمنين. فقال ×: وأما الرابعة يا أخا اليهود فإن أهل مكة أقبلوا إلينا على بكرة أبيهم قد استحاشوا من يليهم من قبائل العرب وقريش طالبين بثأر مشركي قريش في يوم بدر، فهبط جبرئيل × على النبي | فأنبأه بذلك فذهب النبي | وعسكر بأصحابه في سد أحد، وأقبل المشركون إلينا فحملوا علينا حملة رجل واحد، واستشهد من المسلمين من استشهد، وكان ممن بقي ما كان من الهزيمة، وبقيت مع رسول الله | ومضى المهاجرون والأنصار إلى منازلهم في المدينة كل يقول: قتل رسول الله | وقتل أصحابه، ثم ضرب الله عز وجل وجوه المشركين، وقد جرحت بين يدي رسول الله | نيفا وسبعين جراحة، منها هذه وهذه ثم ألقى × ردائه، وأمر يده على جراحاته، وكان مني في ذلك اليوم ما على الله عز وجل ثوابه إن شاء الله، ثم التفت × إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين. فقال ×: وأما الخامسة يا أخا اليهود فإن قريشا والعرب تجمعت وعقدت عقدا وميثاقا لا ترجع عن وجهها حتى تقتل رسول الله وتقتلنا معه معاشر بني عبد المطلب، ثم أقبلت بحدها وحديدها حتى أناخت علينا بالمدينة واثقة بأنفسها فيما توجهت له. فهبط جبرئيل × على النبي | فأنبأه بذلك، فخندق على نفسه ومن معه من المهاجرين والأنصار، فقدمت قريش فأقامت على الخندق محاصرة لنا، فترى في أنفسها القوة وفينا الضعف، ترعد وتبرق، ورسول الله | يدعوها إلى الله عز وجل ويناشدها بالقرابة والرحم، فتأبى ولا يزيدها ذلك إلا عتوا، وفارسها فارس العرب يومئذ عمرو بن عبدود، يهدر كالبعير المغتلم، يدعو إلى البراز، ويرتجز ويخطر برمحه مرة وبسيفه مرة، لا يقدم عليه مقدم، ولا يطمع فيه طامع، ولا حمية تهيجه، ولا بصيرة تشجعه، فأنهضني إليه رسول الله |، وعممني بيده وأعطاني سيفه هذا، وضرب بيده إلى ذي الفقار، فخرجت إليه ونساء أهل المدينة بواك إشفاقا علي من ابن عبدود، فقتله الله عز وجل بيدي والعرب لا تعد لها فارسا غيره، وضربني هذه الضربة وأومأ بيده إلى هامته فهزم الله قريشا، والعرب بذلك وبما كان مني فيهم من النكاية، ثم التفت × إلى أصحابه، فقال: أليس كذلك، قالوا: بلى يا أمير المؤمنين. فقال ×: وأما السادسة يا أخا اليهود فإنا وردنا مع رسول الله | مدينة أصحابك خيبر على رجال من اليهود وفرسانها من قريش وغيرها، فتلقونا بأمثال الجبال من الخيل والرجال والسلاح، وهم في أمنع دار، وأكثر عدد، كل ينادي ويدعو ويبادر إلى القتال، فلم يبرز إليهم من أصحابي أحد إلا قتلوه، حتى إذا احمرت الحدق ودعيت إلى النزال، وأهمت كل امرىء نفسه، فالتفت بعض أصحابي إلى بعض، وكل يقول: يا أبا الحسن انهض، فأنهضني رسول الله | إلى دارهم، فلم يبرز إلي منهم أحد إلا قتلته، ولا يثبت لي فارس إلا طحنته. ثم شددت عليهم شدة الليث على فريسته، حتى أدخلتهم جوف مدينتهم مسددا عليهم، فاقتلعت باب حصنهم بيدي حتى دخلت عليهم مدينتهم وحدي، أقتل من يظهر فيها من رجالها، وأسبي من أجد من نسائها، حتى فتحتها وحدي ولم يكن لي فيها معاون إلا الله وحده، ثم التفت إلى أصحابه فقال ×: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين. فقال ×: وأما السابعة يا أخا اليهود فإن رسول الله | لما توجه لفتح مكة أحب أن يعذر إليهم ويدعوهم إلى الله عز وجل آخرا كما دعاهم أولا، فكتب إليهم كتابا يحذرهم فيه، وينذرهم عذاب الله، ويعدهم الصفح ويمنيهم مغفرة ربهم، ونسخ لهم في آخره سورة براءة لتقرأ عليهم، ثم عرض على جميع أصحابه المضي به فكلهم يرى التثاقل فيه، فلما رأى ذلك ندب منهم رجلا فوجهه به. فأتاه جبرئيل × فقال: يا محمد لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك، فأنبأني رسول الله | بذلك، ووجهني بكتابه ورسالته إلى أهل مكة فأتيت مكة، وأهلها من قد عرفتم ليس منهم أحد إلا ولو قدر أن يضع على كل جبل مني إربا لفعل، ولو أن يبذل في ذلك نفسه وأهله وولده وماله، فبلغتهم رسالة النبي | وقرأت عليهم كتابه، فكلهم يلقاني بالتهدد والوعيد، ويبدي إلي البغضاء، ويظهر لي الشحناء من رجالهم ونسائهم، فكان مني في ذلك ما قد رأيتم، ثم التفت × إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين. فقال ×: يا أخا اليهود هذه المواطن التي امتحنني فيهن ربي عز وجل مع نبيه |، فوجدني فيها كلها بمنه مطيعا، وليس لأحد فيها مثل الذي لي، ولو شئت لوصفت ذلك، ولكن الله عز وجل نهى عن التزكية. فقالوا: يا أمير المؤمنين صدقت والله، لقد أعطاك الله عز وجل الفضيلة بالقرابة من نبينا، وأسعدك بأن جعلك أخاه، تنزل منه بمنزلة هارون من موسى، وفضلك بالمواقف التي باشرتها، والأهوال التي ركبتها، وذخر لك الذي ذكرت وأكثر منه مما لم تذكره، ومما ليس لأحد من المسلمين مثله، يقول ذلك من شهدك منا مع نبينا ومن شهدك بعده، فأخبرنا يا أمير المؤمنين ما امتحنك الله عز وجل به بعد نبينا فاحتملته وصبرت عليه، فلو شئنا أن نصف ذلك لوصفناه علما منا به، وظهورا منا عليه، إلا أنا نحب أن نسمع منك ذلك، كما سمعنا منك ما امتحنك الله به في حياته فأطعته فيها. فقال ×: يا أخا اليهود إن الله عز وجل امتحنني بعد وفاة نبيه | في سبعة مواطن فوجدني فيهن من غير تزكية لنفسي بمنه ونعمته صبورا. أما أولهن يا أخا اليهود فإنه لم يكن لي خاصة دون المسلمين عامة أحد آنس به، أو اعتمد عليه، أو استنيم إليه، أو أتقرب به غير رسول الله |، هو رباني صغيرا، وبوأني كبيرا، وكفاني العيلة، وجبرني من اليتم، وأغناني عن الطلب، ووقاني المكسب، وعال لي النفس والولد والأهل، هذا في تصاريف أمر الدنيا، مع ما خصني به من الدرجات التي قادتني إلى معالي الحظوة عند الله عز وجل، فنزل بي من وفاة رسول الله | ما لم أكن أظن الجبال لو حملته عنوة كانت تنهض به. فرأيت الناس من أهل بيتي ما بين جازع لا يملك جزعه، ولا يضبط نفسه، ولا يقوى على حمل فادح ما نزل به، قد أذهب الجزع صبره، وأذهل عقله، وحال بينه وبين الفهم، والإفهام، والقول، والاستماع، وسائر الناس من غير بني عبد المطلب بين معز يأمر بالصبر، وبين مساعد باك لبكائهم، جازع لجزعهم، وحملت نفسي على الصبر عند وفاته، بلزوم الصمت والاشتغال بما أمرني به: من تجهيزه، وتغسيله وتحنيطه وتكفينه، والصلاة عليه، ووضعه في حفرته، وجمع كتاب الله وعهده إلى خلقه، لا يشغلني عن ذلك بادر دمعة، ولا هائج زفرة، ولا لاذع حرقة، ولا جزيل مصيبة، حتى أديت في ذلك الحق الواجب لله عز وجل ولرسوله | علي، وبلغت منه الذي أمرني به، واحتملته صابرا محتسبا، ثم التفت × إلى أصحابه، فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين. فقال ×: وأما الثانية يا أخا اليهود فإن رسول الله | أمرني في حياته على جميع أمته، وأخذ على جميع من حضره منهم البيعة والسمع والطاعة لأمري، وأمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب ذلك، فكنت المؤدي إليهم عن رسول الله | أمره إذا حضرته، والأمير على من حضرني منهم إذا فارقته، لا تختلج في نفسي منازعة أحد من الخلق لي في شيء من الأمر في حياة النبي | ولا بعد وفاته. ثم أمر رسول الله | بتوجيه الجيش الذي وجهه مع أسامة بن زيد عند الذي أحدث الله به من المرض الذي توفاه فيه، فلم يدع النبي | أحدا من أبناء العرب ولا من الأوس والخزرج وغيرهم من سائر الناس مما يخاف على نقضه ومنازعته، ولا أحدا ممن يراني بعين البغضاء ممن قد وترته بقتل أبيه وأخيه أو حميمه إلا وجهه في ذلك الجيش، ولا من المهاجرين والأنصار والمسلمين وغيرهم من المؤلفة قلوبهم والمنافقين، لتصفو قلوب من يبقى معي بحضرته، ولئلا يقول قائل شيئا مما أكرهه، ولا يدفعني دافع من الولاية والقيام بأمر رعيته من بعده. ثم كان آخر ما تكلم به في شيء من أمر أمته أن يمضي جيش أسامة ولا يختلف عنه أحد ممن أنهض معه، وتقدم في ذلك أشد التقدم، وأوعز فيه أبلغ الإيعاز، وأكد فيه أكثر التأكيد، فلم أشعر بعد أن قبض النبي | إلا برجال من بعث أسامة بن زيد وأهل عسكره قد تركوا مراكزهم، وأخلوا مواضعهم، وخالفوا أمر رسول الله | فيما أنهضهم له وأمرهم به، وتقدم إليهم من ملازمة أميرهم، والسير معه تحت لوائه حتى ينفذ لوجهه الذي أنفذه إليه. فخلفوا أميرهم مقيما في عسكره، وأقبلوا يتبادرون على الخيل إلى حل عقدة عقدها الله عز وجل لي ولرسوله في أعناقهم فحلوها، وعهد عاهدوا الله ورسوله فنكثوه، وعقدوا لأنفسهم عقدا ضجت به أصواتهم واختصت به آراؤهم، من غير مناظرة لأحد منا بني عبد المطلب، أو بمشاركة في رأي، أو في استقالة لما في أعناقهم من بيعتي، فعلوا ذلك وأنا برسول الله | مشغول، وبتجهيزه عن سائر الأشياء مصدود، فإنه كان أهمها وأحق ما بدىء به منها. فكان هذا يا أخا اليهود أقرح ما ورد على قلبي مع الذي أنا فيه من عظيم الرزية، وفاجع المصيبة، وفقد من لا خلف منه إلا الله تبارك وتعالى، فصبرت عليها إذ أتت بعد أختها على تقاربها وسرعة اتصالها، ثم التفت إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين. فقال ×: وأما الثالثة يا أخا اليهود فإن القائم بعد النبي | كان يلقاني معتذرا في كل أيامه، ويلزم غيره ما ارتكبه من أخذ حقي ونقض بيعتي، ويسألني تحليله! فكنت أقول: تنقضي أيامه ثم يرجع إلي حقي الذي جعله الله لي عفوا هنيئا من غير أن أحدث في الإسلام مع حدوثه، وقرب عهده بالجاهلية حدثا في طلب حقي بمنازعة، لعل فلانا يقول فيها: نعم، وفلانا يقول: لا، فيؤول ذلك من القول إلى الفعل، وجماعة من خواص أصحاب محمد | أعرفهم بالنصح لله ولرسوله ولكتابه ودينه الإسلام يأتوني عودا وبدءا وعلانية وسرا فيدعوني إلى آخر حقي، ويبذلون أنفسهم في نصرتي ليؤدوا إلي بذلك بيعتي في أعناقهم، فأقول: رويدا وصبرا قليلا لعل الله يأتيني بذلك عفوا بلا منازعة، ولا إراقة الدماء. فقد ارتاب كثير من الناس بعد وفاة النبي |، وطمع في الأمر بعده من ليس له بأهل، فقال كل قوم: منا أمير، وما طمع القائلون في ذلك إلا لتناول غيري الأمر، فلما دنت وفاة القائم، وانقضت أيامه صير الأمر بعده لصاحبه، ولكانت هذه أخت أختها، ومحلها مني مثل محلها، وأخذا مني ما جعل الله لي، فاجتمع إلي من أصحاب محمد | ممن مضى، وممن بقي ممن أخره الله من اجتمع، فقالوا فيها مثل الذي قالوا في أختها، فلم يعد قولي الثاني قولي الأول صبرا واحتسابا ويقينا وإشفاقا من أن تفنى عصبة تألفهم رسول الله | باللين مرة وبالشدة أخرى، وبالبذل مرة وبالسيف أخرى. حتى لقد كان من تألفه لهم أن كان الناس في الكر والفرار والشبع والري واللباس والوطأ والدثار، ونحن أهل بيت محمد | لا سقوف لبيوتنا، ولا أبواب ولا ستور إلا الجرائد وما أشبهها، ولا وطاء ولا دثار علينا، يتداول الثوب الواحد في الصلاة أكثرنا، وتطوي الليالي والأيام جوعا عامتنا، وربما أتانا الشيء مما أفاء الله علينا، وصيره لنا خاصة دون غيرنا، ونحن على ما وصفت من حالنا، فيؤثر به رسول الله أرباب النعم والأموال تألفا منه لهم، فكنت أحق من لم يفرق هذه العصبة التي ألفها رسول الله | ولم يحملها على الخطة التي لا خلاص لنا منها دون بلوغها أو فناء آجالها. لأني لو نصبت نفسي فدعوتهم إلى نصرتي كانوا مني وفي أمري على إحدى منزلتين: إما متبع مقاتل وإما مقتول إن لم يتبع الجميع، وإما خاذل يكفر إن قصر في نصرتي أو أمسك عن طاعتي، وقد علم أني منه بمنزلة هارون من موسى، يحل به في مخالفتي والإمساك عن نصرتي ما أحل قوم موسى بأنفسهم في مخالفة هارون وترك طاعته، ورأيت تجرع الغصص ورد أنفاس الصعداء ولزوم الصبر حتى يفتح الله أو يقضي بما أحب أزيد لي في حظي وأرفق بالعصابة التي وصفت أمرهم، {وكان أمر الله قدرا مقدورا}. ولو لم أتق هذه الحالة- يا أخا اليهود- ثم طلبت حقي لكنت أولى ممن طلبه، لعلم من مضى من أصحاب رسول الله | ومن بحضرتك منهم بأني كنت أكثر عددا وأعز عشيرة وأمنع رجالا وأطوع أمرا وأوضح حجة وأكثر في هذا الدين مناقب وآثارا، لسوابقي وقرابتي ووراثتي، فضلا عن استحقاقي ذلك بالوصية التي لا مخرج للعباد منها والبيعة المتقدمة في أعناقهم ممن تناولها، وقد قبض محمد | وإن ولاية الأمة في يده وفي بيته، لا في يد الأولى تناولوا، ولا في بيوتهم، ولأهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا أولى بالأمر من بعده من غيرهم في جميع الخصال، ثم التفت إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين. فقال ×: وأما الرابعة يا أخا اليهود فإن القائم بعد صاحبه كان يشاورني في موارد الأمور فيصدرها عن أمري، ويناظرني في غوامضها فيمضيها عن رأيي، لا أعلم أحدا ولا يعلمه أصحابي يناظره في ذلك غيري، ولا يطمع في الأمر بعده سواي، فلما أن أتته منيته على فجأة بلا مرض كان قبله، ولا أمر كان أمضاه في صحة من بدنه، لم أشك أني قد استرجعت حقي في عافية بالمنزلة التي كنت أطلبها، والعاقبة التي كنت ألتمسها، وأن الله سيأتي بذلك على أحسن ما رجوت، وأفضل ما أملت. فكان من فعله أن ختم أمره بأن سمى قوما أنا سادسهم ولم يسوني بواحد منهم، ولا ذكر لي حالا في وراثة الرسول |، ولا قرابة ولا صهر ولا نسب، ولا لواحد منهم مثل سابقة من سوابقي، ولا أثر من آثاري، وصيرها شورى بيننا، وصير ابنه فيها حاكما علينا، وأمره أن يضرب أعناق النفر الستة الذين صير الأمر فيهم إن لم ينفذوا أمره وكفى بالصبر على هذا- يا أخا اليهود- صبرا، فمكث القوم أيامهم كلها، كل يخطب لنفسه، وأنا ممسك عن أن سألوني عن أمري فناظرتهم في أيامي وأيامهم، وآثاري وآثارهم، وأوضحت لهم ما لم يجهلوه من وجوه استحقاقي لها دونهم، وذكرتهم عهد رسول الله إليهم، وتأكيد ما أكده من البيعة لي في أعناقهم، فدعاهم حب الإمارة وبسط الأيدي والألسن في الأمر والنهي والركون إلى الدنيا والاقتداء بالماضين قبلهم إلى تناول ما لم يجعل الله لهم. فإذا خلوت بالواحد ذكرته أيام الله وحذرته ما هو قادم عليه وصائر إليه، التمس مني شرطا أن أصيرها له بعدي! فلما لم يجدوا عندي إلا المحجة البيضاء، والحمل على كتاب الله عز وجل ووصية الرسول، وإعطاء كل امرىء منهم ما جعله الله له، ومنعه ما لم يجعل الله له، أزالها عني إلى ابن عفان طمعا في الشحيح معه فيها، وابن عفان رجل لم يستو به وبواحد ممن حضره حال قط فضلا عمن دونهم لا ببدر التي هي سنام فخرهم، ولا غيرها من المآثر التي أكرم الله بها رسوله ومن اختصه معه من أهل بيته. ثم لم أعلم القوم أمسوا من يومهم ذلك حتى ظهرت ندامتهم، ونكصوا على أعقابهم، وأحال بعضهم على بعض، كل يلوم نفسه ويلوم أصحابه، ثم لم تطل الأيام بالمستبد بالأمر ابن عفان حتى أكفروه وتبرؤوا منه، ومشى إلى أصحابه خاصة وسائر أصحاب رسول الله | على هذه، يستقيلهم من بيعته، ويتوب إلى الله من فلتته، فكانت هذه- يا أخا اليهود- أكبر من أختها، وأفظع وأحرى أن لا يصبر عليها، فنالني منها الذي لا يبلغ وصفه، ولا يحد وقته، ولم يكن عندي فيها إلا الصبر على ما أمض وأبلغ منها. ولقد أتاني الباقون من الستة من يومهم كل راجع عما كان ركب مني! يسألني خلع ابن عفان، والوثوب عليه، وأخذ حقي، ويعطيني صفقته وبيعته على الموت تحت رايتي، أو يرد الله عز وجل علي حقي. فو الله- يا أخا اليهود- ما منعني منها إلا الذي منعني من أختيها قبلها، ورأيت الإبقاء على من بقي من الطائفة أبهج لي وآنس لقلبي من فنائها، وعلمت أني إن حملتها على دعوة الموت ركبته، فأما نفسي فقد علم من حضر ممن ترى وممن غاب من أصحاب محمد | أن الموت عندي بمنزلة الشربة الباردة في اليوم الشديد الحر من ذي العطش الصدى. ولقد كنت عاهدت الله عز وجل ورسوله أنا وعمي حمزة، وأخي جعفر، وابن عمي عبيدة على أمر وفينا به لله عز وجل ولرسوله، فتقدمني أصحابي، وتخلفت بعدهم لما أراد الله عز وجل، فأنزل الله فينا: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا} حمزة، وجعفر، وعبيدة، وأنا والله المنتظر- يا أخا اليهود- وما بدلت تبديلا. وما سكتني عن ابن عفان وحثني على الإمساك إلا أني عرفت من أخلاقه فيما اختبرت منه بما لن يدعه حتى يستدعي الأباعد إلى قتله وخلعه، فضلا عن الأقارب، وأنا في عزلة، فصبرت حتى كان ذلك، لم أنطق فيه بحرف من «لا» ولا «نعم» ثم أتاني القوم، وأنا- علم الله- كاره، لمعرفتي بما يطمعون به من اعتقال الأموال والمرح في الأرض، وعلمهم بأن تلك ليست لهم عندي، وشديد عادة منتزعة، فلما لم يجدوا عندي تعللوا الأعاليل، ثم التفت × إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ فقالوا: بلى يا أمير المؤمنين. فقال ×: وأما الخامسة- يا أخا اليهود- فإن المتابعين لي لما لم يطمعوا في تلك مني وثبوا بالمرأة علي، وأنا ولي أمرها والوصي عليها، فحملوها على الجمل وشدوها على الرحال، وأقبلوا بها تخبط الفيافي وتقطع البراري وتنبح عليها كلاب الحوأب، وتظهر لهم علامات الندم في كل ساعة وعند كل حال، في عصبة قد بايعوني ثانية بعد بيعتهم الأولى في حياة النبي |، حتى أتت أهل بلدة، قصيرة أيديهم، طويلة لحاهم، قليلة عقولهم، عاذبة آراؤهم، وهم جيران بدو، ووراد بحر، فأخرجتهم، يخبطون بسيوفهم من غير علم، ويرمون بسهامهم بغير فهم، فوقفت من أمرهم على اثنتين، كلتاهما في محلة المكروه ممن إن كففت لم يرجع ولم يعقل، وإن أقمت كنت قد صرت إلى التي كرهت. فقدمت الحجة بالإعذار والإنذار، ودعوت المرأة إلى الرجوع إلى بيتها، والقوم الذين حملوها على الوفاء ببيعتهم لي، والترك لنقضهم عهد الله عز وجل في، وأعطيتهم من نفسي كل الذي قدرت عليه، وناظرت بعضهم فرجع وذكرت فذكر، ثم أقبلت على الناس بمثل ذلك، فلم يزدادوا إلا جهلا وتماديا وغيا، فلما أبوا إلا هي، ركبتها منهم، فكانت عليهم الدبرة، وبهم الهزيمة، ولهم الحسرة، وفيهم الفناء والقتل، وحملت نفسي على التي لم أجد منها بدا، ولم يسعني إذ فعلت ذلك وأظهرته آخرا مثل الذي وسعني منه أولا من الإعطاء والإمساك، ورأيتني إن أمسكت كنت معينا لهم علي بإمساكي على ما صاروا إليه وطمعوا فيه من تناول الأطراف، وسفك الدماء، وقتل الرعية، وتحكيم النساء النواقص العقول والحظوظ على كل حال، كعادة بني الأصفر ومن مضى من ملوك سبأ والأمم الخالية، فأصبر على ما كرهت أولا وآخرا، وقد أهملت المرأة وجندها يفعلون ما وصفت بين الفريقين من الناس، ولم أهجم على الأمر إلا بعد ما قدمت وأخرت، فتأنيت وراجعت، وأرسلت وسافرت، وأعذرت وأنذرت، وأعطيت القوم كل شيء التمسوه بعد أن أعرضت عليهم كل شيء لم يلتمسوه. فلما أبوا إلا تلك أقدمت عليها، فبلغ الله بي وبهم ما أراد، وكان لي عليهم بما كان مني إليهم شهيدا، ثم التفت إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين. فقال ×: وأما السادسة- يا أخا اليهود- فتحكيمهم الحكمين ومحاربة ابن آكلة الأكباد، وهو طليق بن طليق، معاند لله ولرسوله وللمؤمنين منذ بعث الله محمدا | إلى أن فتح الله عليه مكة عنوة، فأخذت بيعته وبيعة أبيه لي معه في ذلك اليوم وفي ثلاثة مواطن بعده، وأبوه بالأمس أول من سلم علي بإمرة المؤمنين، وجعل يحثني على النهوض في أخذ حقي من الماضين قبلي، يجدد لي بيعته كلما أتاني. وأعجب العجب أنه لما رأى ربي تبارك وتعالى قد رد إلي حقي، وأقره في معدنه، وانقطع طمعه أن يصير في دين الله رابعا، وفي أمانة حملناها حاكما، كر على العاصي بن العاص فاستماله، فمال إليه، ثم أقبل به بعد أن أطمعه مصر، وحرام عليه أن يأخذ من الفيء دون قسمه درهما، وحرام على الراعي إيصال درهم إليه فوق حقه، فأقبل يخبط البلاد بالظلم، ويطأها بالغشم، فمن بايعه أرضاه، ومن خالفه ناواه. ثم توجه إلي ناكثا علينا، مغيرا في البلاد شرقا وغربا ويمينا وشمالا، والأنباء تأتيني والأخبار ترد علي بذلك، فأتاني أعور ثقيف، فأشار إلي أن أوليه البلاد التي هو بها لأداريه بما أوليه منها! وفي الذي أشار به الرأي في أمر الدنيا، لو وجدت عند الله عز وجل في توليته لي مخرجا، وأصبت لنفسي في ذلك عذرا، فأعلمت الرأي في ذلك، وشاورت من أثق بنصيحته لله عز وجل ولرسوله ولي وللمؤمنين، فكان رأيه في ابن آكلة الأكباد كرأيي، ينهاني عن توليته، ويحذرني أن أدخل في أمر المسلمين يده، ولم يكن الله ليراني لأتخذ المضلين عضدا، فوجهت إليه أخا بجيلة مرة، وأخا الأشعريين مرة، كلاهما ركن إلى الدنيا، وتابع هواه فيما أرضاه. فلما لم أره يزداد فيما انتهك من محارم الله إلا تماديا، فشاورت من معي من أصحاب محمد | البدريين، والذين ارتضى الله عز وجل أمرهم، ورضي عنهم بعد بيعتهم، وغيرهم من صلحاء المسلمين والتابعين، فكل يوافق رأيه رأيي في غزوه ومحاربته، ومنعه مما نالت يده، وإني نهضت إليه بأصحابي، أنفذ إليه من كل موضع كتبي، وأوجه إليه رسلي، أدعوه إلى الرجوع عما هو فيه، والدخول فيما فيه الناس معي، فكتب يتحكم علي ويتمنى علي الأماني، ويشترط علي شروطا لا يرضاها الله عز وجل ورسوله، ولا المسلمون، ويشترط في بعضها أن أدفع إليه أقواما من أصحاب محمد | أبرارا فيهم عمار بن ياسر، وأين مثل عمار؟ والله لقد رأينا مع النبي وما تقدمنا خمسة إلا كان سادسهم، ولا أربعة إلا كان خامسهم، اشترط دفعهم إليه ليقتلهم ويصلبهم وانتحل دم عثمان ولعمر الله ما ألب على عثمان، ولا جمع الناس على قتله إلا هو وأشباهه من أهل بيته، أغصان الشجرة الملعونة في القرآن. فلما لم أجب إلى ما اشترط من ذلك كر مستعليا في نفسه بطغيانه وبغيه، بحمير لا عقول لهم ولا بصائر، فموه لهم أمرا فاتبعوه، وأعطاهم من الدنيا ما أمالهم به إليه فناجزناهم وحاكمناهم إلى الله عز وجل بعد الإعذار والإنذار، فلما لم يزده ذلك إلا تماديا وبغيا لقيناه بعادة الله التي عودنا من النصر على أعدائه وعدونا، وراية رسول الله | بأيدينا، لم يزل الله تبارك وتعالى يفل حزب الشيطان بها حتى يقضي الموت عليه، وهو معلم رايات أبيه التي لم أزل أقاتلها مع رسول الله | في كل المواطن، فلم يجد من الموت منجا إلا الهرب. فركب فرسه وقلب رايته! لا يدري كيف يحتال؟ فاستعان برأي ابن العاص، فأشار إليه بإظهار المصاحف ورفعها على الأعلام، والدعاء إلى ما فيها، وقال: إن ابن أبي طالب وحزبه أهل بصائر ورحمة وبقيا، وقد دعوك إلى كتاب الله أولا وهم مجيبوك إليه آخرا، فأطاعه فيما أشار به عليه، إذ رأى أنه لا منجا له من القتل أو الهرب غيره. فرفع المصاحف يدعو إلى ما فيها بزعمه، فمالت إلى المصاحف قلوب من بقي من أصحابي بعد فناء خيارهم وجهدهم في جهاد أعداء الله وأعدائهم على بصائرهم، فظنوا أن ابن آكلة الأكباد له الوفاء بما دعا إليه، فأصغوا إلى دعوته، وأقبلوا بأجمعهم في إجابته، فأعلمتهم أن ذلك منه مكر، ومن ابن العاص معه، وأنهما إلى النكث أقرب منهما إلى الوفاء، فلم يقبلوا قولي ولم يطيعوا أمري، وأبوا إلا إجابته كرهت أم هويت، شئت أو أبيت، حتى أخذ بعضهم يقول لبعض: إن لم يفعل فألحقوه بابن عفان أو ادفعوه إلى ابن هند برمته! فجهدت- علم الله- جهدي، ولم أدع علة في نفسي إلا بلغتها في أن يخلوني ورأيي فلم يفعلوا، وراودتهم على الصبر على مقدار فواق الناقة أو ركضة الفرس، فلم يجيبوا ما خلا هذا الشيخ- وأومأ بيده إلى الأشتر- وعصبة من أهل بيتي. فو الله ما منعني أن أمضي على بصيرتي إلا مخافة أن يقتل هذان- وأومأ بيده إلى الحسن والحسين- فينقطع نسل رسول الله | وذريته من أمته ومخافة أن يقتل هذا وهذا- وأومأ بيده إلى عبد الله بن جعفر، ومحمد بن الحنفية رضي الله عنهما- فإني أعلم لو لا مكاني لم يقفا ذلك الموقف، فلذلك صبرت على ما أراد القوم مع ما سبق فيه من علم الله عز وجل. فلما رفعنا عن القوم سيوفنا، تحكموا في الأمور، وتخيروا الأحكام والآراء، وتركوا المصاحف، وما دعوا إليه من حكم القرآن، وما كنت أحكم في دين الله أحدا إذا كان التحكيم في ذلك الخطأ الذي لا شك فيه ولا امتراء. فلما أبوا إلا ذلك أردت أن أحكم رجلا من أهل بيتي أو رجلا ممن أرضى رأيه وعقله، وأثق بنصيحته ومودته ودينه، وأقبلت لا أسمي أحدا إلا امتنع منه ابن هند، ولا أدعوه إلى شيء من الحق إلا أدبر عنه، وأقبل ابن هند يسومنا عسفا وما ذاك إلا باتباع أصحابي له على ذلك، فلما أبوا إلا غلبتي على التحكم تبرأت إلى الله عز وجل منهم، وفوضت ذلك إليهم، فقلدوه امرءا فخدعه ابن العاص خديعة ظهرت في شرق الأرض وغربها، وأظهر المخدوع عليها ندما، ثم أقبل على أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين. فقال ×: وأما السابعة فإن رسول الله | كان عهد إلي أن أقاتل في آخر الزمان من أيامي قوما من أصحابي يصومون النهار، ويقومون الليل، ويتلون الكتاب، يمرقون بخلافهم علي ومحاربتهم إياي من الدين، كما يمرق السهم من الرمية، فيهم ذو الثدية، يختم لي بقتلهم بالسعادة، فلما انصرفت إلى موضعي هذا- يعني بعد الحكمين- أقبل بعض باللائمة، فيما صاروا إليه من تحكيم الحكمين، فلم يجدوا لأنفسهم من ذلك مخرجا إلا أن قالوا: كان ينبغي لأميرنا أن لا يتابع من أخطأ وأن يقضي بحقيقة رأيه على قتل نفسه وقتل من خالفه منا، فقد كفر بمتابعته إيانا وطاعته لنا في الخطأ، وأحل لنا بذلك قتله وسفك دمه، فتجمعوا على ذلك، وخرجوا راكبين رؤوسهم ينادون بأعلى صوتهم لا حكم إلا لله. ثم تفرقوا فرقة بالنخيلة، وأخرى بحروراء، وأخرى راكبة رأسها تخبط الأرض شرقا حتى عبرت دجلة، فلم تمر بمسلم إلا امتحنه، فمن تابعها استحيته، ومن خالفها قتلته، فخرجت إلى الأوليين واحدة بعد أخرى، أدعوهم إلى طاعة الله عز وجل والرجوع إليه، فأبيا إلا السيف لا يقنعهما غير ذلك، فلما أعيت الحيلة فيهما حاكمتهما إلى الله عز وجل فقتل الله هذه وهذه. وكانوا- يا أخا اليهود- لو لا ما فعلوا لكانوا ركنا قويا وسدا منيعا، فأبى الله إلا ما صاروا إليه، ثم كتبت إلى الفرقة الثالثة، ووجهت رسلي تترى وكانوا من جلة أصحابي وأهل التعبد منهم والزهد في الدنيا، فأبت إلا اتباع أختيها والاحتذاء على مثالهما، وأسرعت في قتل من خالفها من المسلمين، وتتابعت إلي الأخبار بفعلهم. فخرجت حتى قطعت إليهم دجلة، أوجه السفراء والنصحاء، وأطلب العتبى بجهدي بهذا مرة وبهذا مرة- وأومأ بيده إلى الأشتر، والأحنف بن قيس، وسعيد بن قيس الأرحبي، والأشعث بن قيس الكندي- فلما أبوا إلا تلك ركبتها منهم فقتلهم الله- يا أخا اليهود- عن آخرهم، وهم أربعة آلاف أو يزيدون، حتى لم يفلت منهم مخبر، فاستخرجت ذا الثدية من قتلاهم بحضرة من ترى، له ثدي كثدي المرأة، ثم التفت × إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين فقال ×: قد وفيت سبعا وسبعا- يا أخا اليهود- وبقيت الأخرى وأوشك بها فكان قد فبكى أصحاب علي × وبكى رأس اليهود. وقالوا: يا أمير المؤمنين أخبرنا بالأخرى فقال ×: الأخرى أن تخضب هذه- وأومأ بيده إلى لحيته- من هذه- وأومأ بيده إلى هامته- قال: وارتفعت أصوات الناس في المسجد الجامع بالضجة والبكاء حتى لم يبق بالكوفة دار إلا خرج أهلها فزعا، وأسلم رأس اليهود على يدي علي × من ساعته. ولم يزل مقيما حتى قتل أمير المؤمنين × وأخذ ابن ملجم لعنه الله، فأقبل رأس اليهود حتى وقف على الحسن ×، والناس حوله وابن ملجم لعنه الله بين يديه، فقال له: يا أبا محمد اقتله قتله الله، فإني رأيت في الكتب التي أنزلت على موسى أن هذا أعظم عند الله عز وجل جرما من ابن آدم قاتل أخيه، ومن القدار عاقر ناقة ثمود. [9]
شهادة أمير المؤمنين ×:
عن أمير المؤمنين × في خطبة رسول الله | لاستقبال شهر رمضان, فقلت: يا رسول الله, ما يبكيك؟ فقال: يا علي, أبكي لما يستحل منك في هذا الشهر, كأني بك وأنت تصلي لربك وقد انبعث أشقى الأولين والآخرين شقيق عاقر ناقة ثمود فضربك ضربة على قرنك فخضب منها لحيتك, قال أمير المؤمنين ×: قلت: يا رسول الله, وذلك في سلامة من ديني؟ فقال: في سلامة من دينك, ثم قال |: يا علي من قتلك فقد قتلني, ومن أبغضك فقد أبغضني, ومن سبك فقد سبني, لأنك مني كنفسي, روحك من روحي, وطينتك من طينتي, إن الله تبارك وتعالى خلقني وإياك واصطفاني وإياك, واختارني للنبوة واختارك للإمامة, فمن أنكر إمامتك فقد أنكر نبوتي. يا علي, أنت وصيي, وأبو ولدي, وزوج ابنتي, وخليفتي على أمتي في حياتي وبعد موتي, أمرك أمري ونهيك نهيي, أقسم بالذي بعثني بالنبوة وجعلني خير البرية إنك لحجة الله على خلقه, وأمينه على سره وخليفته على عباده. [10]
عن رسول الله |: يا علي, أتدري من أشقى الأولين والآخرين؟ قلت: الله ورسوله أعلم, قال |: من يخضب هذه من هذه, يعني لحيته من هامته. [11]
عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر ×, عن أمير المؤمنين × في حديث مع يهودي يعدد بها امتحاناته, فقال ×: قد وفيت سبعا وسبعا يا أخا اليهود, وبقيت الأخرى, وأوشك بها فكان قد فبكى أصحاب علي × وبكى رأس اليهود, وقالوا: يا أمير المؤمنين, أخبرنا بالأخرى فقال ×: الأخرى أن تخضب هذه, وأومأ بيده إلى لحيته, من هذه وأومأ بيده إلى هامته, قال: وارتفعت أصوات الناس في المسجد الجامع بالضجة والبكاء, حتى لم يبق بالكوفة دار إلا خرج أهلها فزعا، وأسلم رأس اليهود على يدي علي × من ساعته, ولم يزل مقيما حتى قتل أمير المؤمنين × وأخذ ابن ملجم لعنه الله، فأقبل رأس اليهود حتى وقف على الحسن ×، والناس حوله وابن ملجم لعنه الله بين يديه، فقال له: يا أبا محمد, اقتله قتله الله، فإني رأيت في الكتب التي أنزلت على موسى أن هذا أعظم عند الله عز وجل جرما من ابن آدم قاتل أخيه، ومن القدار عاقر ناقة ثمود. [12]
عن ابن نباتة قال: خطبنا أمير المؤمنين × في الشهر الذي قتل فيه, فقال: أتاكم شهر رمضان وهو سيد الشهور, وأول السنة, وفيه تدور رحى السلطان, ألا وإنكم حاجوا العام صفا واحدا, وآية ذلك أني لست فيكم, قال: فهو ينعى نفسه ونحن لا ندري. [13]
عن الرضا عن آبائه × قال: خطب الناس أمير المؤمنين × بالكوفة فقال: معاشر الناس, إن الحق قد غلبه الباطل، وليغلبن الباطل عما قليل، أين أشقاكم أو قال ×: شقيكم, شك أبي هذا، فوالله ليضربن هذه فليخضبنها من هذه, وأشار بيده إلى هامته ولحيته. [14]
عن أبي عبد الله × في حديث أن يهوديا سأل أمير المؤمنين ×: كم يعيش وصيه بعده؟ قال ×: ثلاثين سنة, قال: ثم مه يموت أو يقتل؟ قال ×: يقتل يضرب على قرنه, فتخضب لحيته قال: صدقت والله, إنه لبخط هارون وإملاء موسى.[15]
عن أبي الطفيل عامر بن واثلة رحمة الله عليه قال: جمع أمير المؤمنين × الناس للبيعة, فجاء عبد الرحمن بن ملجم المرادي لعنه الله, فرده مرتين أو ثلاثا, ثم بايعه, وقال × عند بيعته له: ما يحبس أشقاها, فو الذي نفسي بيده لتخضبن هذه من هذا, ووضع يده على لحيته, ورأسه ×, فلما أدبر ابن ملجم عنه منصرفا قال × متمثلا:
اشدد حيازيمك للموت ... فإن الموت لاقيك
ولا تجزع من الموت ... إذا حل بواديك[16]
كما أضحكك الدهر ... كذاك الدهر يبكيك[17]
عن ابن نباتة قال: أتى ابن ملجم أمير المؤمنين × فبايعه, فيمن بايع ثم أدبر عنه, فدعاه أمير المؤمنين × فتوثق منه وتوكد عليه أن لا يغدر ولا ينكث, ففعل, ثم أدبر عنه, فدعاه الثانية, فتوثق منه وتوكد عليه أن لا يغدر ولا ينكث, ففعل ثم أدبر عنه, فدعاه أمير المؤمنين × الثالثة, فتوثق منه وتوكد عليه أن لا يغدر ولا ينكث فقال ابن ملجم لعنه الله: والله يا أمير المؤمنين, ما رأيتك فعلت هذا بأحد غيري, فقال أمير المؤمنين ×:
أريد حباءه ويريد قتلي ... عذيرك من خليلك من مراد
امض يا ابن ملجم فو الله ما أرى أن تفي بما قلت. [18]
عن أشياخ كندة قال: سمعتهم أكثر من عشرين مرة يقولون: سمعنا عليا × على المنبر يقول: ما يمنع أشقاها أن يخضبها من فوقها بدم, ويضع يده على لحيته ×. [19]
عن أبي سنان الدؤلي, أنه عاد عليا × في شكوى اشتكاها, قال: فقلت له: تخوفنا عليك يا أمير المؤمنين في شكواك هذه, فقال ×: لكني والله ما تخوفت على نفسي, لأني سمعت رسول الله | الصادق المصدق, يقول: إنك ستضرب ضربة هاهنا, وأشار إلى صدغيه فيسيل دمها, حتى يخضب لحيتك, ويكون صاحبها أشقاها, كما كان عاقر الناقة أشقى ثمود. [20]
عن أمير المؤمنين × وهو ساجد يبكي, حتى علا نحيبه وارتفع صوته بالبكاء فقلنا: يا أمير المؤمنين, لقد أمرضنا بكاؤك وأمضنا وشجانا, وما رأيناك قد فعلت مثل هذا الفعل قط, فقال ×: كنت ساجدا أدعو ربي بدعاء الخيرات في سجدتي, فغلبني عيني فرأيت رؤيا هالتني وفظعتني, رأيت رسول الله | قائما وهو يقول: يا أبا الحسن, طالت غيبتك, فقد اشتقت إلى رؤياك, وقد أنجز لي ربي ما وعدني فيك, فقلت: يا رسول الله, وما الذي أنجز لك في؟ قال |: أنجز لي فيك وفي زوجتك وابنيك وذريتك في الدرجات العلى في عليين, قلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله, فشيعتنا؟ قال |: شيعتنا معنا, وقصورهم بحذاء قصورنا, ومنازلهم مقابل منازلنا, قلت: يا رسول الله |, فما لشيعتنا في الدنيا؟ قال |: الأمن والعافية, قلت: فما لهم عند الموت؟ قال |: يحكم الرجل في نفسه, ويؤمر ملك الموت بطاعته, قلت: فما لذلك حد يعرف؟ قال |: بلى, إن أشد شيعتنا لنا حبا يكون خروج نفسه كشراب أحدكم في يوم الصيف الماء البارد, الذي ينتقع به القلوب, وإن سائرهم ليموت كما يغبط أحدكم على فراشه, كأقر ما كانت عينه بموته. [21]
ضربته ×
عن أمير المؤمنين × أنه قال: رأيت رسول الله | وهو يمسح الغبار عن وجهي, وهو يقول: يا علي, لا عليك لا عليك, قد قضيت ما عليك, فما مكث إلا ثلاثا حتى ضرب. [22]
روى إسماعيل بن زياد قال: حدثتني أم موسى خادمة علي ×, وهي حاضنة فاطمة ابنته × قالت: سمعت عليا × يقول لابنته أم كلثوم: يا بنية, إني أراني قل ما أصحبكم؟ قالت: وكيف ذلك يا أبتاه؟ قال ×: إني رأيت رسول الله | في منامي وهو يمسح الغبار عن وجهي, ويقول: يا علي, لا عليك قضيت ما عليك, قال ×: فما مكثنا إلا ثلاثا, حتى ضرب تلك الضربة فصاحت أم كلثوم, فقال ×: يا بنية, لا تفعلي, فإني أرى رسول الله | يشير إلي بكفه, ويقول: يا علي, هلم إلينا فإن ما عندنا هو خير لك. [23]
عن أبي صالح الحنفي قال: سمعت عليا × يقول: رأيت النبي | في منامي, فشكوت إليه ما لقيت من أمته من الأود واللدد وبكيت, فقال |: لا تبك يا علي, والتفت فالتفت وإذا رجلان مصفدان, وإذا جلاميد ترضح بها رءوسهما,[24] قال أبو صالح: فغدوت إليه من الغد كما كنت أغدو إليه كل يوم, حتى إذا كنت في الجزارين لقيت الناس يقولون: قتل أمير المؤمنين ×. [25]
قال أمير المؤمنين × في سحرة اليوم الذي ضرب فيه: ملكتني عيني وأنا جالس, فسنح لي رسول الله | فقلت: يا رسول الله, ماذا لقيت من أمتك, من الأود واللدد فقال |: ادع عليهم, فقلت: أبدلني الله بهم خيرا منهم, وأبدلهم بي شرا مني. [26]
عن أحدهما × قال: الغسل في سبعة عشر موطنا, وساق الحديث إلى أن قال: وليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان, وهي الليلة التي أصيب فيها سيد أوصياء الأنبياء ×, وفيها رفع عيسى ابن مريم,[27] وقبض موسى ×.[28]
عن إسماعيل بن عبد الله الصلعي، وكانت له صحبة، قال: لما كثر الاختلاف بين أصحاب رسول الله |، وقتل عثمان بن عفان تخوفت على نفسي الفتنة، فاعتزمت على اعتزال الناس، فتنحيت إلى ساحل البحر، فأقمت فيه حينا لا أدري ما فيه الناس، (معتزلا لأهل البحر والإرجاف). فخرجت من بيتي لبعض حوائجي، وقد هدأ الليل ونام الناس، فإذا أنا برجل على ساحل البحر يناجي ربه ويتضرع إليه بصوت شجي وقلب حزين فنصت له وأصغيت إليه من حيث لا يراني، فسمعته يقول: يا حسن الصحبة، يا خليفة النبيين، أنت أرحم الراحمين، البديء البديع الذي ليس كمثلك شيء، والدائم غير الغافل، والحي الذي لا يموت، أنت كل يوم في شأن، أنت خليفة محمد، وناصر محمد، ومفضل محمد، أنت الذي أسألك أن تنصر وصي محمد، والقائم بالقسط بعد محمد، اعطف عليه نصرك أو توفني برحمة. قال: ثم رفع رأسه، فقعد مقدار التشهد، ثم إنه سلم فيما أحسب تلقاء وجهه، ثم مضى فمشى على الماء، فناديته من خلفه: كلمني يرحمك الله، فلم يلتفت، وقال: الهادي خلفك، فاسأله عن أمر دينك، قال: قلت: من هو؟ قال: وصي محمد من بعده، فخرجت متوجها إلى الكوفة، فأمسيت دونها، فبت قريبا من الحيرة، فلما أجنني الليل إذ أنا برجل قد أقبل حتى استتر برابية ثم صف قدميه، فأطال المناجاة، وكان فيما قال: اللهم إني سرت فيهم بما أمرني به رسولك وصفيك، فظلموني، وقتلت من المنافقين كلما أمرتني فجهلوني، وقد مللتهم وملوني، وأبغضتهم وأبغضوني، ولم يبق لي خلة أنتظرها إلا المرادي، اللهم فاجعل له الشقاء، وتغمدني بالسعادة، اللهم قد وعدني نبيك أن تتوفاني إليك إذ سألتك، اللهم وقد رغبت إليك في ذلك، ثم مضى فقفوته، فدخل منزله، فإذا هو علي بن أبي طالب ×، فلم ألبث أن نادى المنادي بالصلاة، فخرج وتبعته، حتى دخل المسجد، فغمصه ابن ملجم لعنه الله بالسيف. [29]
عن عثمان بن المغيرة قال: لما دخل شهر رمضان كان أمير المؤمنين × يتعشى ليلة عند الحسن ×, وليلة عند الحسين ×, و ليلة عند عبد الله بن جعفر, وكان لا يزيد على ثلاث لقم, فقيل له ليلة من تلك الليالي في ذلك, فقال ×: يأتيني أمر الله وأنا خميص, إنما هي ليلة أو ليلتان, فأصيب × آخر الليل. [30]
عن الحسن البصري قال: سهر أمير المؤمنين × في الليلة التي قتل في صبيحتها, ولم يخرج إلى المسجد لصلاة الليل على عادته, فقالت له ابنته أم كلثوم رحمة الله عليها: ما هذا الذي قد أسهرك؟ فقال ×: إني مقتول لو قد أصبحت, فأتاه ابن النباح فآذنه بالصلاة, فمشى غير بعيد ثم رجع, فقالت له أم كلثوم: مر جعدة فليصل بالناس, قال ×: نعم مروا جعدة فليصل, ثم قال ×: لا مفر من الأجل, [31] فخرج إلى المسجد وإذا هو بالرجل قد سهر ليلته كلها يرصده, فلما برد السحر نام, فحركه أمير المؤمنين × برجله, فقال له: الصلاة, فقام إليه فضربه. [32]
روي في حديث أن أمير المؤمنين × سهر تلك الليلة (ليلة التاسع عشر من شهر رمضان), فأكثر الخروج والنظر في السماء, وهو يقول: والله ما كذبت ولا كذبت وإنها الليلة التي وعدت بها, ثم يعاود مضجعه, فلما طلع الفجر شد إزاره وخرج وهو يقول:
اشدد حيازيمك للموت ... فإن الموت لاقيك
ولا تجزع من الموت ... إذا حل بواديك
فلما خرج إلى صحن الدار استقبلته الإوز فصحن في وجهه, فجعلوا يطردونهن فقال: دعوهن فإنهن نوائح, ثم خرج فأصيب ×. [33]
عن علي بن الحسين × قال: لما ضرب ابن ملجم لعنه الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ×, كان معه آخر فوقعت ضربته على الحائط, وأما ابن ملجم فضربه فوقعت الضربة وهو ساجد على رأسه على الضربة التي كانت, فخرج الحسن والحسين ‘, وأخذا ابن ملجم وأوثقاه, واحتمل أمير المؤمنين × فأدخل داره, فقعدت لبابة عند رأسه, وجلست أم كلثوم عند رجليه, ففتح عينيه فنظر إليهما فقال: الرفيق الأعلى خير مستقرا وأحسن مقيلا, ضربة بضربة, أو العفو إن كان ذلك, ثم عرق ثم أفاق فقال ×: رأيت رسول الله | يأمرني بالرواح إليه عشاء ثلاث مرات. [34]
عن جعفر بن محمد عن أبيه ×, أن علي بن أبي طالب × خرج يوقظ الناس لصلاة الصبح, فضربه عبد الرحمن بن ملجم بالسيف على أم رأسه, فوقع على ركبتيه, وأخذه فالتزمه حتى أخذه الناس, وحمل علي × حتى أفاق, ثم قال للحسن والحسين ‘: احبسوا هذا الأسير, وأطعموه, واسقوه,[35] وأحسنوا إساره, فإن عشت فأنا أولى بما صنع في إن شئت استقدت, وإن شئت صالحت, وإن مت فذلك إليكم, فإن بدا لكم أن تقتلوه فلا تمثلوا به. [36]
قال الراوي: وكان من كرم أخلاقه × أنه يتفقد النائمين في المسجد ويقول للنائم: الصلاة يرحمك الله الصلاة قم إلى الصلاة المكتوبة عليك, ثم يتلو × {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} ففعل ذلك كما كان يفعله على مجاري عادته مع النائمين في المسجد, حتى إذا بلغ إلى الملعون فرآه نائما على وجهه قال له: يا هذا قم من نومك هذا فإنها نومة يمقتها الله وهي نومة الشيطان ونومة أهل النار, بل نم على يمينك فإنها نومة العلماء, أو على يسارك فإنها نومة الحكماء, ولا تنم على ظهرك فإنها نومة الأنبياء. قال: فتحرك الملعون كأنه يريد أن يقوم وهو من مكانه لا يبرح فقال له أمير المؤمنين ×: لقد هممت بشيء {تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا} ولو شئت لأنبأتك بما تحت ثيابك ثم تركه وعدل عنه إلى محرابه وقام قائما يصلي وكان × يطيل الركوع والسجود في الصلاة كعادته في الفرائض والنوافل حاضرا قلبه, فلما أحس به فنهض الملعون مسرعا وأقبل يمشي حتى وقف بإزاء الأسطوانة التي كان الإمام × يصلي عليها, فأمهله حتى صلى الركعة الأولى وركع وسجد السجدة الأولى منها ورفع رأسه, فعند ذلك أخذ السيف وهزه ثم ضربه على رأسه المكرم الشريف فوقعت الضربة على الضربة التي ضربه عمرو بن عبد ود العامري, ثم أخذت الضربة إلى مفرق رأسه إلى موضع السجود, فلما أحس الإمام × بالضرب لم يتأوه وصبر واحتسب ووقع على وجهه وليس عنده أحد قائلا: بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله, ثم صاح وقال: قتلني ابن ملجم قتلني اللعين ابن اليهودية ورب الكعبة, أيها الناس لا يفوتنكم ابن ملجم وسار السم في رأسه وبدنه - الى أن قال الراوي- ثم أحاطوا بأمير المؤمنين × وهو يشد رأسه بمئزره والدم يجري على وجهه ولحيته وقد خضبت بدمائه وهو يقول: هذا ما وعد {الله ورسوله وصدق الله ورسوله}. قال الراوي: فاصطفقت أبواب الجامع وضجت الملائكة في السماء بالدعاء وهبت ريح عاصف سوداء مظلمة ونادى جبرئيل × بين السماء والأرض بصوت يسمعه كل مستيقظ: تهدمت والله أركان الهدى, وانطمست والله نجوم السماء وأعلام التقى, وانفصمت والله العروة الوثقى, قتل ابن عم محمد المصطفى, قتل الوصي المجتبى, قتل علي المرتضى, قتل والله سيد الأوصياء, قتله أشقى الأشقياء. قال: فلما سمعت أم كلثوم × نعي جبرئيل × فلطمت على وجهها وخدها وشقت جيبها وصاحت: وا أبتاه وا علياه وا محمداه وا سيداه. [37]
لما ضربه – أمير المؤمنين × - ابن ملجم لعنه الله قال ×: فزت ورب الكعبة.[38]
عن المعلى بن زياد قال: جاء عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله إلى أمير المؤمنين × يستحمله, فقال: يا أمير المؤمنين, احملني, فنظر إليه ثم قال × له: أنت عبد الرحمن بن ملجم المرادي, قال ×: يا غزوان احمله على الأشقر, فجاء بفرس أشقر فركبه ابن ملجم, وأخذ بعنانه فلما ولى قال أمير المؤمنين ×:
أريد حباءه ويريد قتلي ... عذيرك من خليلك من مراد
قال: فلما كان من أمره ما كان, وضرب أمير المؤمنين ×, قبض عليه وقد خرج من المسجد, فجيء به إلى أمير المؤمنين × فقال × له: والله, لقد كنت أصنع بك ما أصنع وأنا أعلم أنك قاتلي, ولكن كنت أفعل ذلك بك لأستظهر بالله عليك.[39]
روى جماعة من أهل السير, منهم أبو مخنف, وإسماعيل بن راشد أبو هاشم الرفاعي, وأبو عمرو الثقفي وغيرهم, أن نفرا من الخوارج اجتمعوا بمكة, فتذاكروا الأمراء فعابوهم, وعابوا أعمالهم, وذكروا أهل النهروان وترحموا عليهم, فقال بعضهم لبعض: لو أنا شرينا أنفسنا لله فأتينا أئمة الضلال فطلبنا غرتهم, وأرحنا منهم العباد والبلاد, وثأرنا بإخواننا الشهداء بالنهروان, فتعاهدوا عند انقضاء الحج على ذلك, فقال عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله: أنا أكفيكم عليا, وقال البرك بن عبيد الله التميمي: أنا أكفيكم معاوية, وقال عمرو بن بكر التميمي: أنا أكفيكم عمرو بن العاص, وتعاقدوا على ذلك, وتوافقوا على الوفاء, واتعدوا شهر رمضان في ليلة تسع عشرة منه, ثم تفرقوا, فأقبل ابن ملجم لعنه الله وكان عداده في كندة, حتى قدم الكوفة فلقي بها أصحابه, فكتمهم أمره مخافة أن ينتشر منه شيء, فهو في ذلك إذ زار رجلا من أصحابه ذات يوم من تيم الرباب, فصادف عنده قطام بنت الأخضر التيمية, وكان أمير المؤمنين × قتل أباها وأخاها بالنهروان, وكانت من أجمل نساء أهل زمانها, فلما رآها ابن ملجم شغف بها, واشتد إعجابه بها, وسأل في نكاحها وخطبها, فقالت له: ما الذي تسمي لي من الصداق؟ فقال لها: احتكمي ما بدا لك, فقالت له: أنا محتكمة عليك ثلاثة آلاف درهم, ووصيفا, وخادما, وقتل علي بن أبي طالب ×, فقال لها: لك جميع ما سألت, فأما قتل علي بن أبي طالب × فأنى لي بذلك, فقالت: تلتمس غرته فإن أنت قتلته, شفيت نفسي وهنأك العيش معي, وإن أنت قتلت فما عند الله خير لك من الدنيا, فقال: أما والله ما أقدمني هذا المصر, وقد كنت هاربا منه لا آمن مع أهله, إلا ما سألتني من قتل علي بن أبي طالب ×, فلك ما سألت, قالت: فأنا طالبة لك بعض من يساعدك على ذلك ويقويك, ثم بعثت إلى وردان بن مجالد من تيم الرباب, فخبرته الخبر وسألته معونة ابن ملجم لعنه الله, فتحمل ذلك لها, وخرج ابن ملجم فأتى رجلا من أشجع يقال له شبيب بن بجرة, فقال: يا شبيب, هل لك في شرف الدنيا والآخرة؟ قال: وما ذاك؟ قال: تساعدني على قتل علي بن أبي طالب ×, وكان شبيب على رأي الخوارج, فقال له: يا ابن ملجم, هبلتك الهبول, لقد جئت شيئا إدا, وكيف تقدر على ذلك؟ فقال له ابن ملجم: نكمن له في المسجد الأعظم, فإذا خرج لصلاة الفجر فتكنا به, فإن نحن قتلناه شفينا أنفسنا وأدركنا ثارنا, فلم يزل به حتى أجابه, فأقبل معه حتى دخلا المسجد الأعظم على قطام, وهي معتكفة في المسجد الأعظم قد ضربت عليها قبة, فقالا لها: قد اجتمع رأينا على قتل هذا الرجل, فقالت لهما: إذا أردتما ذلك فأتياني في هذا الموضع, فانصرفا من عندها, فلبثا أياما ثم أتياها ومعهما الآخر ليلة الأربعاء لتسع عشرة, ليلة خلت من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة, فدعت لهم بحرير, فعصبت به صدورهم, وتقلدوا أسيافهم, ومضوا وجلسوا مقابل السدة التي كان يخرج منها أمير المؤمنين × إلى الصلاة, وقد كانوا قبل ذلك ألقوا إلى الأشعث بن قيس ما في نفوسهم من العزيمة على قتل أمير المؤمنين ×, وواطأهم على ذلك, وحضر الأشعث بن قيس في تلك الليلة لمعونتهم على ما اجتمعوا عليه, وكان حجر بن عدي في تلك الليلة بائتا في المسجد, فسمع الأشعث يقول: يا ابن ملجم النجاء النجاء لحاجتك, فقد فضحك الصبح, فأحس حجر بما أراد الأشعث, فقال له: قتلته يا أعور, وخرج مبادرا ليمضي إلى أمير المؤمنين × ليخبره الخبر, ويحذره من القوم, وخالفه أمير المؤمنين × من الطريق, فدخل المسجد فسبقه ابن ملجم فضربه بالسيف, وأقبل حجر والناس يقولون: قتل أمير المؤمنين ×. وذكر عبد الله بن محمد الأزدي قال: إني لأصلي في تلك الليلة في المسجد الأعظم مع رجال من أهل المصر, كانوا يصلون في ذلك الشهر من أوله إلى آخره, إذ نظرت إلى رجال يصلون قريبا من السدة, وخرج علي بن أبي طالب × لصلاة الفجر, فأقبل ينادي الصلاة الصلاة, فما أدري أنادى أم رأيت بريق السيوف, وسمعت قائلا يقول: لله الحكم لا لك يا علي ولا لأصحابك, وسمعت عليا × يقول: لا يفوتنكم الرجل, فإذا × مضروب, وقد ضربه شبيب بن بجرة فأخطأه, ووقعت ضربته في الطاق, وهرب القوم نحو أبواب المسجد, وتبادر الناس لأخذهم, فأما شبيب بن بجرة فأخذه رجل فصرعه, وجلس على صدره, وأخذ السيف ليقتله به, فرأى الناس يقصدون نحوه, فخشي أن يعجلوا عليه ولم يسمعوا منه, فوثب عن صدره وخلاه وطرح السيف من يده, ومضى شبيب هاربا حتى دخل منزله, ودخل عليه ابن عم له فرآه يحل الحرير عن صدره, فقال له: ما هذا, لعلك قتلت أمير المؤمنين ×؟ فأراد أن يقول لا, قال: نعم, فمضى ابن عمه واشتمل على سيفه, ثم دخل عليه فضربه به حتى قتله, وأما ابن ملجم فإن رجلا من همدان لحقه فطرح عليه قطيفة كانت في يده, ثم صرعه وأخذ السيف من يده, وجاء به إلى أمير المؤمنين ×, وأفلت الثالث وانسل بين الناس, فلما دخل ابن ملجم على أمير المؤمنين × نظر إليه, ثم قال ×: النفس بالنفس, فإن أنا مت فاقتلوه كما قتلني, وإن أنا عشت رأيت فيه رأيي, فقال ابن ملجم: والله لقد ابتعته بألف وسممته بألف, فإن خانني فأبعده الله, قال: ونادته أم كلثوم: يا عدو الله, قتلت أمير المؤمنين ×, قال: إنما قتلت أباك, قالت ×: يا عدو الله, إني لأرجو أن لا يكون عليه بأس, قال لها: فأراك أنما تبكين علي إذا لقد والله ضربته ضربة لو قسمت على أهل الأرض لأهلكتهم, فأخرج من بين يديه ×, وإن الناس ينهشون لحمه بأسنانهم كأنهم سباع, وهم يقولون: يا عدو الله, ما فعلت؟ أهلكت أمة محمد |, وقتلت خير الناس, وإنه لصامت لم ينطق, فذهب به إلى الحبس, وجاء الناس إلى أمير المؤمنين × فقالوا له: يا أمير المؤمنين, مرنا بأمرك في عدو الله, والله لقد أهلك الأمة وأفسد الملة, فقال لهم أمير المؤمنين ×: إن عشت رأيت فيه رأيي, وإن أهلكت فاصنعوا به كما يصنع بقاتل النبي اقتلوه ثم حرقوه بعد ذلك بالنار, قال: فلما قضى أمير المؤمنين × نحبه, وفرغ أهله من دفنه, جلس الحسن ×, وأمر أن يؤتى بابن ملجم, فجيء به فلما وقف بين يديه, قال × له: يا عدو الله, قتلت أمير المؤمنين ×, وأعظمت الفساد في الدين, ثم أمر فضربت عنقه, واستوهبت أم الهيثم بنت الأسود النخعية جثته منه, لتتولى إحراقها فوهبها لها فأحرقتها بالنار, وأما الرجلان اللذان كانا مع ابن ملجم في العقد على قتل معاوية وعمرو بن العاص, فإن أحدهما ضرب معاوية وهو راكع, فوقعت ضربته في أليته ونجا منها, وأخذ وقتل من وقته, وأما الآخر فإنه وافى عمرا في تلك الليلة, وقد وجد علة فاستخلف رجلا يصلي بالناس, يقال له: خارجة بن أبي حبيبة العامري, فضربه بسيفه وهو يظن أنه عمرو, فأخذ وأتى به عمرو فقتله, ومات خارجة في اليوم الثاني. [40]
عن أبي عبد الله × قال: إن الأشعث بن قيس شرك في دم أمير المؤمنين ×, وابنته جعدة سمت الحسن × ومحمد ابنه شرك في دم الحسين ×. [41]
شهادته ووصيته ×
عن إسحاق بن عبد الله بن أبي مروان: سألت أبا جعفر محمد بن علي ×: كم كانت سن علي بن أبي طالب × يوم قتل؟ قال ×: ثلاثا وستين سنة. [42]
[43]
وكانت الوصية الأخرى مع الأولى: {بسم الله الرحمن الرحيم} هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب، أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله {بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون} صلى الله عليه وآله، ثم {إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت} وأنا من المسلمين, ثم إني أوصيك يا حسن، وجميع أهل بيتي وولدي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ربكم، {ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا}, فإني سمعت رسول الله | يقول: صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام، وأن المبيرة الحالقة للدين فساد ذات البين، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، انظروا ذوي أرحامكم، فصلوهم, يهون الله عليكم الحساب.
الله الله في الأيتام، فلا تغبوا أفواههم، ولا يضيعوا بحضرتكم, فقد سمعت رسول الله | يقول: من عال يتيما حتى يستغني، أوجب الله عز وجل له بذلك الجنة، كما أوجب لآكل مال اليتيم النار.
الله الله في القرآن، فلا يسبقكم إلى العمل به أحد غيركم.
الله الله في جيرانكم, فإن النبي | أوصى بهم، وما زال رسول الله | يوصي بهم حتى ظننا أنه سيورثهم.
الله الله في بيت ربكم، فلا يخلو منكم ما بقيتم, فإنه إن ترك لم تناظروا، وأدنى ما يرجع به من أمه أن يغفر له ما سلف.
الله الله في الصلاة، فإنها خير العمل، إنها عمود دينكم.
الله الله في الزكاة, فإنها تطفئ غضب ربكم.
الله الله في شهر رمضان, فإن صيامه جنة من النار.
الله الله في الفقراء والمساكين، فشاركوهم في معايشكم.
الله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم، فإنما يجاهد رجلان: إمام هدى، أو مطيع له مقتد بهداه.
الله الله في ذرية نبيكم، فلا يظلمن بحضرتكم وبين ظهرانيكم وأنتم تقدرون على الدفع عنهم.
الله الله في أصحاب نبيكم الذين لم يحدثوا حدثا، ولم يؤووا محدثا, فإن رسول الله | أوصى بهم، ولعن المحدث منهم ومن غيرهم، والمؤوي للمحدث.
الله الله في النساء، وفيما ملكت أيمانكم, فإن آخر ما تكلم به نبيكم | أن قال: أوصيكم بالضعيفين: النساء، وما ملكت أيمانكم.
الصلاة الصلاة الصلاة، لاتخافوا في الله لومة لائم, يكفكم الله من آذاكم وبغى عليكم، {قولوا للناس حسنا} كما أمركم الله عز وجل، ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيولي الله أمركم شراركم، ثم تدعون فلا يستجاب لكم عليهم.
وعليكم يا بني بالتواصل والتباذل والتبار، وإياكم والتقاطع والتدابر والتفرق, {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب} حفظكم الله من أهل بيت، وحفظ فيكم نبيكم، أستودعكم الله وأقرأ عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
ثم لم يزل يقول: لا إله إلا الله، لاإله إلا الله حتى قبض × ورحمته, في ثلاث ليال من العشر الأواخر ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان ليلة الجمعة, سنة أربعين من الهجرة، وكان ضرب ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان. [44]
[45]
من وصيته ×, للحسن والحسين ‘ لما ضربه ابن ملجم لعنه الله وأخزاه: أوصيكما بتقوى الله, وأن لا تبغيا الدنيا وإن بغتكما, ولا تأسفا على شيء منها زوي عنكما, وقولا بالحق, واعملا للآخرة, وكونا للظالم خصما وللمظلوم عونا, أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي, بتقوى الله ونظم أمركم, وصلاح ذات بينكم, فإني سمعت جدكما | يقول: صلاح ذات البين, أفضل من عامة الصلاة والصيام,[46] الله الله في الأيتام, فلا تغبوا أفواههم, ولا يضيعوا بحضرتكم, والله الله في جيرانكم, فإنه وصية نبيكم |, مازال يوصي بهم حتى ظننا أنه سيورثهم, والله الله في القرآن لا يسبقكم بالعمل به غيركم, والله الله في الصلاة فإنها عمود دينكم, والله الله في بيت ربكم لا تخلوه ما بقيتم فإنه إن ترك لم تناظروا, والله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم في سبيل الله, وعليكم بالتواصل والتباذل, وإياكم والتدابر والتقاطع, لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, فيولى عليكم أشراركم, ثم تدعون فلا يستجاب لكم, ثم قال ×: يا بني عبد المطلب, لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضا, تقولون: قتل أمير المؤمنين ×, ألا لا يقتلن بي إلا قاتلي, انظروا إذا أنا مت من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة, ولا يمثل بالرجل, فإني سمعت رسول الله | يقول: إياكم والمثلة, ولو بالكلب العقور.[47]
عن الإمام الحسن ×: دخلت على أمير المؤمنين × وهو يجود بنفسه لما ضربه ابن ملجم, فجزعت لذلك, فقال × لي: أتجزع؟ فقلت: وكيف لا أجزع, وأنا أراك على حالك هذه؟ فقال ×: ألا أعلمك خصالا أربع, إن أنت حفظتهن نلت بهن النجاة وإن أنت ضيعتهن فاتك الداران, يا بني, لا غنى أكبر من العقل, ولا فقر مثل الجهل, ولا وحشة أشد من العجب, ولا عيش ألذ من حسن الخلق. [48]
[49] فيا لها حسرة على كل ذي غفلة, أن يكون عمره عليه حجة أو يؤديه أيامه إلى شقوة, جعلنا الله وإياكم ممن لا يقصر به عن طاعة الله رغبة, أو تحل به بعد الموت نقمة, فإنما نحن له وبه, ثم أقبل على الحسن × فقال: يا بني, ضربة مكان ضربة, ولا تأثم. [50]
عن الفجيع العقيلي قال: حدثني الحسن بن علي بن أبي طالب × قال: لما حضرت والدي الوفاة أقبل يوصي فقال: هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب أخو محمد رسول الله |, وابن عمه, وصاحبه, أول وصيتي أني أشهد أن لا إله إلا الله, وأن محمدا رسوله, وخيرته اختاره بعلمه, وارتضاه لخيرته, وإن الله باعث من في القبور, وسائل الناس عن أعمالهم, عالم بما في الصدور, ثم إني أوصيك يا حسن, وكفى بك وصيا بما أوصاني به رسول الله |, فإذا كان ذلك يا بني الزم بيتك وابك على خطيئتك, ولا تكن الدنيا أكبر همك, وأوصيك يا بني, بالصلاة عند وقتها, والزكاة في أهلها عند محلها, والصمت عند الشبهة, والاقتصاد والعدل في الرضا, والغضب وحسن الجوار, وإكرام الضيف, ورحمة المجهود, وأصحاب البلاء, وصلة الرحم, وحب المساكين ومجالستهم, والتواضع فإنه من أفضل العبادة, وقصر الأمل, واذكر الموت وازهد في الدنيا, فإنك رهين موت, وغرض بلاء, وطريح سقم, وأوصيك بخشية الله في سر أمرك وعلانيتك, وأنهاك عن التسرع بالقول والفعل, وإذا عرض شيء من أمر الآخرة فابدأ به, وإذا عرض شيء من أمر الدنيا فتأنه حتى تصيب رشدك فيه, وإياك ومواطن التهمة, والمجلس المظنون به السوء, فإن قرين السوء يغر جليسه, وكن لله يا بني عاملا, وعن الخنى زجورا, وبالمعروف آمرا, وعن المنكر ناهيا, وواخ الإخوان في الله, وأحب الصالح لصلاحه, ودار الفاسق عن دينك, وأبغضه بقلبك, وزايله بأعمالك لئلا تكون مثله, وإياك والجلوس في الطرقات, ودع المماراة ومجاراة من لا عقل له ولا علم, واقتصد يا بني في معيشتك, واقتصد في عبادتك, وعليك فيها بالأمر الدائم الذي تطيقه, والزم الصمت تسلم, وقدم لنفسك تغنم, وتعلم الخير تعلم, وكن لله ذاكرا على كل حال, وارحم من أهلك الصغير, ووقر منهم الكبير, ولا تأكلن طعاما حتى تصدق منه قبل أكله, وعليك بالصوم فإنه زكاة البدن, وجنة لأهله, وجاهد نفسك واحذر جليسك, واجتنب عدوك, وعليك بمجالس الذكر, وأكثر من الدعاء, فإني لم آلك يا بني نصحا, وهذا فراق بيني وبينك, وأوصيك بأخيك محمد خيرا, فإنه شقيقك وابن أبيك, وقد تعلم حبي له, وأما أخوك الحسين, فهو ابن أمك, ولا أريد الوصاة بذلك, والله الخليفة عليكم, وإياه أسأل أن يصلحكم, وأن يكف الطغاة البغاة عنكم, والصبر الصبر حتى ينزل الله الأمر, ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.[51]
عن حبيب بن عمرو قال: دخلت على أمير المؤمنين × في مرضه الذي قبض فيه, فحل عن جراحته, فقلت: يا أمير المؤمنين, ما جرحك هذا بشيء, وما بك من بأس؟ فقال × لي: يا حبيب, أنا والله مفارقكم الساعة, قال: فبكيت عند ذلك, وبكت أم كلثوم وكانت قاعدة عنده, فقال × لها: ما يبكيك يا بنية؟ فقالت: ذكرت يا أبت إنك تفارقنا الساعة فبكيت, فقال × لها: يا بنية, لا تبكين فو الله لو ترين ما يرى أبوك ما بكيت, قال حبيب: فقلت له: وما الذي ترى يا أمير المؤمنين؟ فقال: يا حبيب, أرى ملائكة السماء والنبيين بعضهم في أثر بعض, وقوفا إلى أن يتلقوني, وهذا أخي محمد رسول الله | جالس عندي, يقول: اقدم فإن أمامك خير لك مما أنت فيه, قال: فما خرجت من عنده حتى توفي ×, فلما كان من الغد وأصبح الحسن ×, قام خطيبا على المنبر: فحمد الله وأثنى عليه, ثم قال: أيها الناس, في هذه الليلة نزل القرآن, وفي هذه الليلة رفع عيسى ابن مريم, وفي هذه الليلة قتل يوشع بن نون, وفي هذه الليلة مات أبي أمير المؤمنين ×, والله لا يسبق أبي أحد كان قبله من الأوصياء إلى الجنة, ولا من يكون بعده, وإن كان رسول الله | ليبعثه في السرية, فيقاتل جبرئيل عن يمينه, وميكائيل عن يساره, وما ترك صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم, فضلت من عطائه كان يجمعها ليشتري بها خادما لأهله.[52]
عن أبي مطر قال: لما ضرب ابن ملجم الفاسق لعنه الله أمير المؤمنين × قال له الحسن ×: أقتله؟ قال ×: لا, ولكن احبسه, فإذا مت فاقتلوه, فإذا مت فادفنوني في هذا الظهر, في قبر أخوي هود وصالح. [53]
عن أسيد بن صفوان صاحب رسول الله | قال: لما كان اليوم الذي قبض فيه أمير المؤمنين × ارتج الموضع بالبكاء ودهش الناس كيوم قبض النبي |، وجاء رجل باكيا، وهو مسرع مسترجع وهو يقول: اليوم انقطعت خلافة النبوة حتى وقف على باب البيت الذي فيه أمير المؤمنين × فقال: رحمك الله يا أبا الحسن كنت أول القوم إسلاما وأخلصهم إيمانا، وأشدهم يقينا، وأخوفهم لله، وأعظمهم عناء وأحوطهم على رسول الله | وآمنهم على أصحابه، وأفضلهم مناقب، وأكرمهم سوابق، وأرفعهم درجة، وأقربهم من رسول الله |، وأشبههم به هديا وخلقا وسمتا وفعلا، وأشرفهم منزلة، وأكرمهم عليه، فجزاك الله عن الاسلام، وعن رسوله وعن المسلمين خيرا. قويت حين ضعف أصحابه، وبرزت حين استكانوا، ونهضت حين وهنوا، ولزمت منهاج رسول الله | إذ هم أصحابه، وكنت خليفته حقا، لم تنازع، ولم تضرع برغم المنافقين، وغيظ الكافرين، وكره الحاسدين، وصغر الفاسقين. فقمت بالامر حين فشلوا، ونطقت حين تتعتعوا، ومضيت بنور الله إذ وقفوا، فاتبعوك فهدوا، وكنت أخفضهم صوتا، وأعلاهم قنوتا، وأقلهم كلاما، وأصوبهم نطقا، وأكبرهم رأيا، وأشجعهم قلبا، وأشدهم يقينا، وأحسنهم عملا، وأعرفهم بالأمور. كنت والله يعسوبا للدين، أولا وآخرا: الأول حين تفرق الناس، والآخر حين فشلوا، كنت للمؤمنين أبا رحيما، إذ صاروا عليك عيالا، فحملت أثقال ما عنه ضعفوا، وحفظت ما أضاعوا، ورعيت ما أهملوا، وشمرت إذ اجتمعوا، وعلوت إذ هلعوا، وصبرت إذ أسرعوا، وأدركت أوتار ما طلبوا، ونالوا بك ما لم يحتسبوا. كنت على الكافرين عذابا صبا ونهبا، وللمؤمنين عمدا وحصنا، فطرت والله بنعمائها وفزت بحبائها، وأحرزت سوابغها، وذهبت بفضائلها، لم تفلل حجتك، ولم يزغ قلبك، ولم تضعف بصيرتك، ولم تجبن نفسك ولم تخر. كنت كالجبل لا تحركه العواصف، وكنت كما قال: امن الناس في صحبتك وذات يدك، وكنت كما قال: ضعيفا في بدنك، قويا في أمر الله، متواضعا في نفسك، عظيما عند الله، كبيرا في الأرض، جليلا عند المؤمنين، لم يكن لاحد فيك مهمز، ولا لقائل فيك مغمز [ ولا لاحد فيك مطمع ] ولا لاحد عندك هوادة، الضعيف الذليل عندك قوي عزيز حتى تأخذ له بحقه، والقوي العزيز عندك ضعيف ذليل حتى تأخذ منه الحق، والقريب والبعيد عندك في ذلك سواء، شأنك الحق والصدق والرفق، وقولك حكم وحتم وأمرك حلم وحزم، ورأيك علم وعزم فيما فعلت، وقد نهج السبيل، وسهل العسير وأطفئت النيران، واعتدل بك الدين، وقوي بك الاسلام، فظهر أمر الله ولو كره الكافرون، وثبت بك الاسلام والمؤمنون، وسبقت سبقا بعيدا، وأتعبت من بعدك تعبا شديدا، فجللت عن البكاء، وعظمت رزيتك في السماء، وهدت مصيبتك الأنام، فإنا لله وإنا إليه راجعون، رضينا عن الله قضاه، وسلمنا لله أمره، فوالله لم يصاب المسلمون بمثلك أبدا. كنت للمؤمنين كهفا وصحنا، وقنة راسيا، وعلى الكافرين غلظة وغيظا، فألحقك الله بنبيه، ولا أحرمنا أجرك، ولا أضلنا بعدك. قال: وسكت القوم حتى انقضى كلامه، وبكى، وبكى أصحاب رسول الله |، ثم طلبوه فلم يصادفوه.
وهي الزيارة المعروفة بزيارة الخضر ×. [54]
عن الأصبغ بن نباتة العبدي، قال: لما ضرب ابن ملجم لعنه الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب × غدونا عليه نفر من أصحابنا: أنا، والحارث، وسويد بن غفلة، وجماعة معنا، فقعدنا على الباب، فسمعنا البكاء، فبكينا، فخرج إلينا الحسن بن علي ×، فقال: يقول لكم أمير المؤمنين ×: انصرفوا إلى منازلكم، فانصرف القوم غيري، فاشتد البكاء من منزله، فبكيت، فخرج الحسن ×، وقال: ألم أقل لكم انصرفوا؟ فقلت: لا والله يا بن رسول الله | ما تتابعني نفسي، ولا تحملني رجلي أن أنصرف حتى أرى أمير المؤمنين ×. قال: وبكيت، فدخل، ولم يلبث أن خرج، فقال لي: ادخل، فدخلت على أمير المؤمنين ×، وهو إذا مستند معصوب الرأس بعمامة صفراء قد نزف، واصفر وجهه ما أدري وجهه أصفر أم العمامة، فأكببت عليه فقبلته، فقال لي: لا تبك يا أصبغ فإنها والله الجنة، فقلت له: جعلت فداك إني أعلم والله إنك تصير إلى الجنة، وإنما أبكي لفقداني إياك يا أمير المؤمنين جعلت فداك.[55]
دفنه ×
عن أبي عبد الله ×: لما غسل أمير المؤمنين ×, نودوا من جانب البيت: إن أخذتم مقدم السرير كفيتم مؤخره, وإن أخذتم مؤخره كفيتم مقدمه. [56]
عن أم كلثوم بنت علي × قالت آخر عهد أبي إلى أخوي × أن قال: يا بني إن أنا مت فغسلاني ثم نشفاني بالبردة التي نشفتم بها رسول الله | وفاطمة ÷ ثم حنطاني وسجياني على سريري ثم انتظرا حتى إذا ارتفع لكما مقدم السرير فاحملا مؤخره, قالت: فخرجت أشيع جنازة أبي حتى إذا كنا بظهر الغري ركز المقدم فوضعنا المؤخر ثم برز الحسن بالبردة التي نشف بها رسول الله وفاطمة ÷ فنشف بها أمير المؤمنين × ثم أخذ المعول فضرب ضربة فانشق القبر عن ضريح فإذا هو بساجة مكتوب عليها: "بسم الله الرحمن الرحيم هذا قبر ادخره نوح النبي لعلي وصي محمد قبل الطوفان بسبعمائة عام" [57]
عن الحسن البصري قال: أوصى علي × عند موته للحسن والحسين ‘ وقال لهما: إن أنا مت, فإنكما ستجدان عند رأسي حنوطا من الجنة, وثلاثة أكفان من إستبرق الجنة, فغسلوني وحنطوني بالحنوط وكفنوني, قال الحسن ×: فوجدنا عند رأسه طبقا من الذهب, عليه خمس شمامات من كافور الجنة, وسدرا من سدر الجنة, فلما فرغوا من غسله وتكفينه, أتى البعير فحملوه على البعير بوصية منه, وكان قال ×: فسيأتي البعير إلى قبري فيقيم عنده, فأتى البعير حتى وقف على شفير القبر, فو الله ما علم أحد من حفره, فألحد فيه بعد ما صلي عليه, وأظلت الناس غمامة بيضاء وطيور بيض, فلما دفن ذهبت الغمامة والطيور. [58]
عن أبي عبد الله الجدلي في وصية أمير المؤمنين × للإمام الحسن × فقال: يا بني, إني ميت من ليلتي هذه, فإذا أنا مت فاغسلنيو كفني, وحنطني بحنوط جدك, وضعني على سريري, ولا يقربن أحد منكم مقدم السرير, فإنكم تكفونه, فإذا حمل المقدم فاحملوا المؤخر, وليتبع المؤخر المقدم حيث ذهب, فإذا وضع المقدم فضعوا المؤخر, ثم تقدم أي بني فصل علي, فكبر سبعا, فإنها لن تحل لأحد من بعدي, إلا لرجل من ولدي يخرج في آخر الزمان, يقيم اعوجاج الحق, فإذا صليت فخط حول سريري, ثم احفر لي قبرا في موضعه إلى منتهى كذا وكذا, ثم شق لحدا فإنك تقع على ساجة منقورة, ادخرها لي أبي نوح وضعني في الساجة, ثم ضع علي سبع لبن كبار, ثم ارقب هنيهة, ثم انظر فإنك لن تراني في لحدي. [59]
عن حسان بن علي القسري قال: حدثنا مولى لعلي بن أبي طالب × قال: لما حضرت أمير المؤمنين × الوفاة قال للحسن والحسين ‘: إذا أنا مت, فاحملاني على سرير, ثم أخرجاني واحملا مؤخر السرير, فإنكما تكفيان مقدمه, ثم ائتيا بي الغريين, فإنكما ستريان صخرة بيضاء فاحتفرا فيها, فإنكما ستجدان فيها ساجة فادفناني فيها, قال: فلما مات أخرجناه, وجعلنا نحمل مؤخر السرير ونكفى مقدمه, وجعلنا نسمع دويا وحفيفا حتى أتينا الغريين, فإذا صخرة بيضاء تلمع نورا, فاحتفرنا فإذا ساجة مكتوب عليها: ما ادخر نوح × لعلي بن أبي طالب ×, فدفناه فيها[60] وانصرفنا ونحن مسرورون بإكرام الله تعالى لأمير المؤمنين ×, فلحقنا قوم من الشيعة لم يشهدوا الصلاة عليه, فأخبرناهم بما جرى وبإكرام الله تعالى أمير المؤمنين ×, فقالوا: نحب أن نعاين من أمره ما عاينتم, فقلنا لهم: إن الموضع قد عفي أثره بوصية منه ×, فمضوا وعادوا إلينا, فقالوا: إنهم احتفروا فلم يروا شيئا.[61]
عن أبي عبد الله ×: أن أمير المؤمنين × أمر ابنه الحسن × أن يحفر له أربع قبور في أربع مواضع في المسجد, وفي الرحبة, وفي الغري, وفي دار جعدة بن هبيرة, وإنما أراد بهذا أن لا يعلم أحد من أعدائه موضع قبره. [62]
عن أحمد بن حباب قال: نظر أمير المؤمنين × إلى ظهر الكوفة, فقال: ما أحسن منظرك, وأطيب قعرك, اللهم اجعل قبري بها. [63]
عن أبي جعفر × قال: كان في وصية أمير المؤمنين ×: أن أخرجوني إلى الظهر, فإذا تصوبت أقدامكم فاستقبلتكم ريح فادفنوني, وهو أول طور سيناء, ففعلوا ذلك. [64]
عن عمر الجرجاني, عن الحسن بن علي بن أبي طالب, عن جده أبي طالب قال: سألت الحسن بن علي × أين دفنتم أمير المؤمنين × قال: على شفير الجرف, ومررنا به ليلا على مسجد الأشعث, وقال ×: ادفنوني في قبر أخي هود.[65]
عن أبي بصير قال: سألت أبا جعفر × عن قبر أمير المؤمنين, فإن الناس قد اختلفوا فيه, قال ×: إن أمير المؤمنين × دفن مع أبيه نوح في قبره, قلت: جعلت فداك, من تولى دفنه؟ فقال ×: رسول الله |, مع الكرام الكاتبين بالروح والريحان. [66]
عن عبد الرحيم القصير قال: سألت أبا جعفر × عن قبر أمير المؤمنين ×, فإن الناس قد اختلفوا فيه, فقال ×: إن أمير المؤمنين ×, دفن مع أبيه نوح ×. [67]
عن عبد الرحيم القصير قال: سألت أبا جعفر × عن قبر أمير المؤمنين ×, فقال ×: أمير المؤمنين مدفون في قبر نوح, قال: قلت: ومن نوح؟ قال ×: نوح النبي ×, قلت: كيف صار هكذا؟ فقال ×: إن أمير المؤمنين صديق, هيأ الله له مضجعه في مضجع صديق, يا عبد الرحيم, إن رسول الله | أخبرنا بموته, وبموضع دفن فيه, فأنزل الله عز وجل حنوطا من عنده مع حنوط أخيه رسول الله |, وأخبره أن الملائكة تنشر له قبره, فلما قبض ×, كان فيما أوصى به ابنيه الحسن والحسين ‘ إذ قال لهما: إذا مت, فغسلاني وحنطاني واحملاني بالليلة سرا, واحملا يا ابني مؤخر السرير واتبعا مقدمه, فإذا وضع فضعا, وادفناني في القبر الذي يوضع السرير عليه, وادفناني مع من يعينكما على دفني في الليل وسويا. [68]
عن جابر بن يزيد قال: سألت أبا جعفر × أين دفن أمير المؤمنين ×؟ قال ×: دفن بناحية الغريين, ودفن قبل طلوع الفجر, ودخل قبره الحسن والحسين ‘ ومحمد بنو علي ×, وعبد الله بن جعفر. [69]
عن أبي عبد الله × أنه قال: لما قبض أمير المؤمنين ×, أخرجه الحسن والحسين ‘ ورجلان آخران, حتى إذا خرجوا من الكوفة تركوها عن أيمانهم, ثم أخذوا في الجبانة حتى مروا به إلى الغري, ودفنوه وسووا قبره, وانصرفوا. [70]
عن ابن أبي عمير عن رجاله قال: قيل للحسين بن علي ×: أين دفنتم أمير المؤمنين ×؟ فقال ×: خرجنا به ليلا على مسجد الأشعث, حتى خرجنا به إلى الظهر بجنب الغريين, فدفناه هناك. [71]
لما ألحد أمير المؤمنين × وقف صعصعة بن صوحان العبدي رضي الله عنه على القبر ووضع إحدى يديه على فؤاده والأخرى قد أخذ بها التراب ويضرب به رأسه ثم قال بأبي أنت وأمي يا أمير المؤمنين ثم قال هنيئا لك يا أبا الحسن فلقد طاب مولدك وقوي صبرك وعظم جهادك وظفرت برأيك وربحت تجارتك وقدمت على خالقك فتلقاك الله ببشارته وحفتك ملائكته واستقررت في جوار المصطفى فأكرمك الله بجواره ولحقت بدرجة أخيك المصطفى وشربت بكأسه الأوفى فأسأل الله أن يمن علينا باقتفائنا أثرك والعمل بسيرتك والموالاة لأوليائك والمعاداة لأعدائك وأن يحشرنا في زمرة أوليائك فقد نلت ما لم ينله أحد وأدركت ما لم يدركه أحد وجاهدت في سبيل ربك بين يدي أخيك المصطفى حق جهاده وقمت بدين الله حق القيام حتى أقمت السنن وأبرت الفتن واستقام الإسلام وانتظم الإيمان فعليك مني أفضل الصلاة والسلام بك اشتد ظهر المؤمنين واتضحت أعلام السبل وأقيمت السنن وما جمع لأحد مناقبك وخصالك سبقت إلى إجابة النبي ص مقدما مؤثرا وسارعت إلى نصرته ووقيته بنفسك ورميت سيفك ذا الفقار في مواطن الخوف والحذر قصم الله بك كل جبار عنيد وذل بك كل ذي بأس شديد وهدم بك حصون أهل الشرك والكفر والعدوان والردى وقتل بك أهل الضلال من العدى فهنيئا لك يا أمير المؤمنين كنت أقرب الناس من رسول الله ص قربا وأولهم سلما وأكثرهم علما وفهما فهنيئا لك يا أبا الحسن لقد شرف الله مقامك وكنت أقرب الناس إلى رسول الله ص نسبا وأولهم إسلاما وأوفاهم يقينا وأشدهم قلبا وأبذلهم لنفسه مجاهدا وأعظمهم في الخير نصيبا فلا حرمنا الله أجرك ولا أذلنا بعدك فو الله لقد كانت حياتك مفاتح للخير ومغالق للشر وإن يومك هذا مفتاح كل شر ومغلاق كل خير ولو أن الناس قبلوا منك لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ولكنهم آثروا الدنيا على الآخرة. [72]
عن أبي الفرج الجوزي قال: قرأت بخط أبي الوفاء بن عقيل قال: لما جيء بابن ملجم إلى الحسن × قال له: إني أريد أن أسارك بكلمة, فأبى الحسن ×, وقال: إنه يريد أن يعض أذني, فقال ابن ملجم: والله لو أمكنني منها لأخذتها من صماخه.[73]
عن جعفر عن أبيه × قال: أخبرني أبي أن الحسن × قدم ابن ملجم, فأراد أن يضرب عنقه بيده, فقال: قد عهدت الله عهدا أن أقتل أباك, فقد وفيت فإن شئت فاقتل, وإن شئت فاعف, فإن عفوت ذهبت إلى معاوية فقتلته وأرحتك منه, ثم جئتك فقال ×: لا, حتى أعجلك إلى النار, فقدمه فضرب عنقه. [74]
عن أبي جعفر × قال: إن عاقر ناقة صالح كان أزرق ابن بغي, وإن قاتل علي × ابن بغي, وكانت مراد تقول: ما نعرف له فينا أبا ولا نسبا, وإن قاتل الحسين بن علي × ابن بغي, وإنه لم يقتل الأنبياء ولا أولاد الأنبياء إلا أولاد البغايا. [75]
عن بعض أصحاب أمير المؤمنين × قال: دخل عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله على أمير المؤمنين ×, في وفد مصر الذي أوفدهم محمد بن أبي بكر ومعه كتاب الوفد, قال: فلما مر باسم عبد الرحمن بن ملجم, قال ×: أنت عبد الرحمن؟ لعن الله عبد الرحمن, قال: نعم يا أمير المؤمنين, أما والله يا أمير المؤمنين إني لأحبك, قال ×: كذبت والله ما تحبني, ثلاثا, قال: يا أمير المؤمنين, أحلف ثلاثة أيمان أني أحبك, وأنت تحلف ثلاثة أيمان أني لا أحبك, قال ×: ويلك أو ويحك, إن الله خلق الأرواح قبل الأبدان بألفي عام, فأسكنها الهواء فما تعارف منها هنالك ائتلف في الدنيا, وما تناكر منها اختلف في الدنيا, وإن روحي لا تعرف روحك, قال: فلما ولى قال ×: إذا سركم أن تنظروا إلى قاتلي فانظروا إلى هذا, قال بعض القوم: أولا تقتله, أو قال: تقتله؟ فقال ×: من أعجب من هذا, تأمروني أن أقتل قاتلي لعنه الله.[76]
عن أبي عبد الله × قال: سأل هشام بن عبد الملك أبي × فقال: أخبرني عن الليلة التي قتل فيها علي بن أبي طالب ×, بما استدل النائي عن المصر الذي قتل فيه علي ×, وما كانت العلامة فيه للناس, وأخبرني هل كانت لغيره في قتله عبرة؟ فقال له أبي ×: إنه لما كانت الليلة التي قتل فيها علي × لم يرفع عن وجه الأرض حجر إلا وجد تحته دم عبيط, حتى طلع الفجر, وكذلك كانت الليلة التي فقد فيها هارون أخو موسى ×ما, وكذلك كانت الليلة التي قتل فيها يوشع بن نون, وكذلك كانت الليلة التي رفع عيسى ابن مريم ×, وكذلك الليلة التي قتل فيها الحسين ×. [77]
عن ابن عباس قال: قال رسول الله |: إن السماء والأرض لتبكي على المؤمن إذا مات أربعين صباحا, وإنها لتبكي على العالم إذا مات أربعين شهرا, وإن السماء والأرض ليبكيان على الرسول أربعين سنة, وإن السماء والأرض ليبكيان عليك يا علي إذا قتلت أربعين سنة, قال ابن عباس: لقد قتل أمير المؤمنين × على الأرض بالكوفة, فأمطرت السماء ثلاثة أيام دما. [78]
عن سعيد بن المسيب: أنه لما قبض أمير المؤمنين × لم يرفع من وجه الأرض حجر إلا وجد تحته دم عبيط. [79]
عن سليمان بن يسار قال: رأيت ابن عباس لما توفي أمير المؤمنين × بالكوفة, وقد قعد على المسجد محتبيا, ووضع فرقه على ركبتيه, وأسند يده تحت خده, وقال: أيها الناس إني قائل فاسمعوا, {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}, سمعت عن رسول الله | يقول: إذا مات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ×, وأخرج من الدنيا ظهرت في الدنيا خصال لا خير فيها, فقلت: وما هي يا رسول الله؟ فقال: تقل الأمانة, وتكثر الخيانة, حتى يركب الرجل الفاحشة وأصحابه ينظرون إليه, والله لتضايق الدنيا بعده بنكبة, ألا وإن الأرض لم تخل مني ما دام علي بن أبي طالب × حيا في الدنيا بقية من بعدي, علي في الدنيا عوض مني بعدي, علي كجلدي, علي لحمي, علي عظمي, علي كدمي, علي عروقي, علي أخي, ووصيي في أهلي وخليفتي في قومي,[80] ومنجز عداتي وقاضي ديني, قد صحبني علي في ملمات أمري, وقاتل معي أحزاب الكفار, وشاهدني في الوحي, وأكل معي طعام الأبرار, وصافحه جبرئيل × مرارا نهارا جهارا, وشهد جبرئيل وأشهدني أن عليا × من الطيبين الأخيار, وأنا أشهدكم معاشر الناس, لا يتساءلون من علم آمركم ما دام علي فيكم, فإذا فقدتموه فعند ذلك تقوم الآية, {ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة} صدق الله وصدق نبي الله |. [81]
[1] علل الشرائع ج 1 ص 45, اعتقادات الإمامية ص 105, الروضة في الفضائل ص 115, وسائل الشيعة ج 12 ص 123, حلية الأبرار ج 2 ص 334, بحار الأنوار ج 27 ص 62
[2] نهج البلاغة ص 387, الاحتجاج ج 1 ص 178, بحار الأنوار ج 29 ص 621
[3] علل الشرائع ج 1 ص 45, اعتقادات الإمامية ص 105, الروضة في الفضائل ص 115, وسائل الشيعة ج 12 ص 123, حلية الأبرار ج 2 ص 334, بحار الأنوار ج 27 ص 62
[4] نهج البلاغة ص 68, مناقب آل أبي طالب ج 1 ص 271, بحار الأنوار ج 29 ص 610
[5] نهج البلاغة ص 194, بحار الأنوار ج 32 ص 49. نحوه: الإرشاد ج 1 ص 243, وقعة الجمل ص 67
[6] الخرائج ج 1 ص 180, مدينة المعاجز ج 2 ص 188, بحار الأنوار ج 42 ص 187
[7] الكافي ج 4 ص 569, الفقيه ج 2 ص 586, التهذيب ج 6 ص 28, كامل الزيارات ص 41, المزار للمفيد ص 84, مصباح المتهجد ج 2 ص 745, المزار الكبير ص 191, فرح الغري ص 111, البلد الأمين ص 294, مصباح الكفعمي ص 480, الوافي ج 14 ص 1428, وسائل الشيعة ج 14 ص 394, بحار الأنوار ج 97 ص 265
[8] المزار الكبير ص 577, الإقبال ج 1 ص 507, بحار الأنوار ج 99 ص 106, زاد المعاد ص 305
[9] الخصال ج 2 ص 364, الاختصاص ص 163, حلية الأبرار ج 2 ص 360 بحار الأنوار ج 38 ص 167, إرشاد القلوب ج 2 ص 343 نحوه
[10] الأمالي للصدوق ص 93, عيون أخبار الرضا × ج 1 ص 295, فضائل الأشهر الثلاثة ص 77, فضائل أمير المؤمنين × لابن عقدة ص 133, روضة الواعظين ج 2 ص 345, الإقبال ج 1 ص 25, الوافي ج 11 ص 366, بحار الأنوار ج 93 ص 356, المصباح للكفعمي ص 633, زاد المعاد ص 70, وسائل الشيعة ج 10 ص 313
[11] العدد القوية ص 236, بحار الأنوار ج 42 ص 195
[12] الخصال ج 2 ص 382, إرشاد القلوب ج 2 ص 358, حلية الأبرار ج 2 ص 380, بحار الأنوار ج 38 ص 183
[13] الإرشاد للمفيد ج 1 ص 14, أعلام الورى ص 155, بحار الأنوار ج 42 ص 193, إثبات الهداة ج 3 ص 506 باختصار
[14] شرح الأخبار ج 2 ص 592, الأمالي للطوسي ص 364, إثبات الهداة ج 3 ص 464, بحار الأنوار ج 42 ص 191
[15] الخصال ج 2 ص 476, بحار الأنوار ج 10 ص 10
[16] إلى هنا في شرح الأخبار وروضة الواعظين وإثبات الهداة
[17] الإرشاد للمفيد ج 1 ص 11, شرح الأخبار ج 2 ص 291, روضة الواعظين ج 1 ص 132, إثبات الهداة ج 3 ص 505
[18] الإرشاد للمفيد ج 1 ص 12, روضة الواعظين ج 1 ص 132, إثبات الهداة ج 3 ص 506, بحار الأنوار ج 42 ص 192
[19] الإرشاد للمفيد ج 1 ص 13, إثبات الهداة ج 3 ص 506, بحار الأنوار ج 42 ص 193
[20] طرف من الأنباء ص 475, كشف الغمة ج 1 ص 427, بحار الأنوار ج 42 ص 193
[21] تأويل الآيات ص 751, البرهان ج 5 ص 608, بحار الأنوار ج 6 ص 161, تفسير كنز الدقائق ج 14 ص 187
[22] الإرشاد للمفيد ج 1 ص 15, روضة الواعظين ج 1 ص 135, الحرائج والجرائح ج 1 ص 233, مدينة المعاجز ج 3 ص 211, بحار الأنوار ج 42 ص 223
[23] الإرشاد للمفيد ج 1 ص 14, روضة الواعظين ج 1 ص 135, مناقب آل أبي طالب × ج 3 ص 311, بحار الأنوار ج 42 ص 225, تسلية المجالس ج 1 ص 481 باختصار
[24] إلى هنا في مناقب آل أبي طالب × وتسلية المجالس
[25] الإرشاد للمفيد ج 1 ص 15, إعلام الورى ج 1 ص 310, بحار الأنوار ج 42 ص 225, مناقب آل أبي طالب × ج 3 ص 310, تسلية المجالس ج 1 ص 481
[26] نهج البلاغة ص 99, تسلية المجالس ج 1 ص 487, إثبات الهداة ج 3 ص 484, بحار الأنوار ج 34 ص 79
[27] إلى هنا في تفسير نور الثقلين وتفسير كنز الدقائق
[28] التهذيب ج 1 ص 114, الخصال ج 2 ص 508, الوافي ج 6 ص 381, وسائل الشيعة ج 3 ص 306, بحار الأنوار ج 42 ص 201, تفسير نور الثقلين ج 1 ص 346, تفسير كنز الدقائق ج 3 ص 112
[29] مجموعة ورام ج 2 ص 2, حلية الأبرار ج 2 ص 388, مدينة المعاجز ج 3 ص 42, بحار الأنوار ج 42 ص 252
[30] الإرشاد ج 1 ص 14, الخرائج ج 1 ص 201, إثبات الهداة ج 3 ص 507, بحار الأنوار ج 42 ص 198. نحوه: روضة الواعظين ج 1 ص 135, إعلام الورى ص 155, مناقب آل أبي طالب × ج 2 ص 271, كشف الغمة ج 1 ص 434, الدر النظيم ص 424,
[31] إلى هنا في مستدرك الوسائل
[32] الإرشاد للمفيد ج 1 ص 16, مجموعة نفيسة ص 225, إثبات الهداة ج 3 ص 507, مدينة المعاجز ج 3 ص 40, بحار الأنوار ج 42 ص 226, مستدرك الوسائل ج 7 ص 215
[33] الإرشاد ج 1 ص 16, روضة الواعظين ج 1 ص 135, إعلام الورى ص 156, بحار الأنوار ج 42 ص 226
[34] الأمالي للطوسي ص 365, بحار الأنوار ج 42 ص 205
[35] إلى هنا في مستدرك الوسائل
[36] قرب الإسناد ص 142, بحار الأنوار ج 42 ص 206, مستدرك الوسائل ج 11 ص 78
[37] بحار الأنوار ج 42 ص 281, الأنوار العلوية ص 375
[38] خصائص الأئمة عليهم السلام ص 63, مناقب آل أبي طالب ج 2 ص 119, حلية الأبرار ج 2 ص 391, الطرائف ج 2 ص 519, الدر النظيم ص 271, بحار الأنوار ج 41 ص 2
[39] الإرشاد للمفيد ج 1 ص 12, مجموعة نفيسة ص 224, إثبات الهداة ج 3 ص 506, بحار الأنوار ج 42 ص 308
[40] الإرشاد للمفيد ج 1 ص 17, بحار الأنوار ج 42 ص 228
[41] الكافي ج 8 ص 167, الوافي ج 2 ص 239, بحار الأنوار ج 42 ص 228
[42] فرحة الغري ص 51, بحار الأنوار ج 42 ص 220,
[43] إلى هنا في التهذيب ووسائل الشيعة وبحار الأنوار
[44] الكافي ج 7 ص 49, الوافي ج 10 ص 561, التهذيب ج 9 ص 149, وسائل الشيعة ج 19 ص 199, بحار الأنوار ج 41 ص 40
[45] الأمالي للطوسي ص 595, تنبيه الخواطر ج 2 ص 75, إعلام الورى ص 215, بحار الأنوار ج 42 ص 247
[46] إلى هنا في مستدرك الوسائل
[47] نهج البلاغة ص 421, روضة الواعظين ج 1 ص 136, تسلية المجالس ج 1 ص 488, بحار الأنوار ج 42 ص 256, مستدرك الوسائل ج 13 ص 441
[48] كشف الغمة ج 1 ص 572, بحار الأنوار ج 75 ص 111
[49] إلى هنا في إثبات الوصية والدر النظيم
[50] الكافي ج 1 ص 299, الوافي ج 2 ص 332, حلية الأبرار ج 4 ص 94, بحار الأنوار ج 42 ص 207, إثبات الوصية ص 156, الدر النظيم ص 384
[51] الأمالي للمفيد ص 220, الأمالي للطوسي ص 7, كشف الغمة ج 1 ص 535, بحار الأنوار ج 42 ص 202
[52] الأمالي للصدوق ص 318, روضة الواعظين ج 1 ص 137, بحار الأنوار ج 42 ص 201
[53] التهذيب ج 6 ص 33, الغارات ج 2 ص 847, فرحة الغري ص 38, الوافي ج 14 ص 1414, وسائل الشيعة ج 14 ص 397, بحار الأنوار ج 11 ص 379
[54] الكافي ج 1 ص 454, كمال الدين ج 2 ص 387, الأمالي للصدوق ص 241, بحار الأنوار ج 97 ص 354, الدر النظيم ص 424, الوافي ج 3 ص 741, مدينة المعاجز ج 3 ص 65, زاد المعاد ص 485 فقط الزيارة
[55] الأمالي للمفيد ص 351, الأمالي للطوسي ص 122, بشارة المصطفى ص 260, البرهان ج 4 ص 372, حلية الأبرار ج 2 ص 390, بحار الأنوار ج 42 ص 204
[56] الكافي ج 1 ص 457, خصائص الأئمة ص 64, فرحة الغري ص 31, الوافي ج 14 ص 1339, مدينة المعاجز ج 3 ص 63, بحار الأنوار ج 42 ص 251
[57] فرحة الغري ص 34, بحار الأنوار ج 42 ص 216
[58] مناقب آل أبي طالب × ج 2 ص 348, مدينة المعاجز ج 3 ص 58, بحار الأنوار ج 42 ص 234
[59] الغارات ج 2 ص 846, فرحة الغري ص 32, بحار الأنوار ج 42 ص 215, إثبات الهداة ج 3 ص 516 باختصار
[60] إلى هنا في إثبات الهداة
[61] الغارات ج 2 ص 846, الإرشاد للمفيد ج 1 ص 23, روضة الواعظين ج 1 ص 136, إعلام الورى ص 202, فرحة الغري ص 36, مدينة المعاجز ج 3 ص 48, بحار الأنوار ج 42 ص 217, إثبات الهداة ج 3 ص 507
[62] فرحة الغري ص 32, بحار الأنوار ج 42 ص 214, مستدرك الوسائل ج 7 ص 215
[63] فرحة الغري ص 31, إرشاد القلوب ج 2 ص 439, إثبات الهداة ج 3 ص 516, بحار الأنوار ج 42 ص 216
[64] جامع الأخبار ص 22, فرحة الغري ص 50, بحار الأنوار ج 42 ص 219
[65] التهذيب ج 6 ص 33, الغارات ج 2 ص 847, جامع الأخبار ص 22, فرخة الغري ص 38, الوافي ج 14 ص 1415, وسائل الشيعة ج 14 ص 398, بحار الأنوار ج 42 ص 218
[66] فرحة الغري ص 48, مدينة المعاجز ج 3 ص 46, بحار الأنوار ج 42 ص 218
[67] فرحة الغري ص 50, وسائل الشيعة ج 14 ص 386, بحار الأنوار ج 42 ص 219
[68] فرحة الغري ص 49, بحار الأنوار ج 42 ص 219
[69] الغارات ج 2 ص 850, الإرشاد للمفيد ج 1 ص 24, إعلام الورى ص 202, فرحة الغري ص 50, مجموعة نفيسة ص 229, بحار الأنوار ج 42 ص 220
[70] الكافي ج 1 ص 458, الوافي ج 14 ص 1412, بحار الأنوار ج 42 ص 222
[71] الإرشاد للمفيد ج 1 ص 25, مجموعة نفيسة ص 229, بحار الأنوار ج 42 ص 234
[72] بحار الأنوار ج 42 ص 296, نهج السعادة ج 7 ص 170, الأنوار العلوية ص 389
[73] فرحة الغري ص 19, إرشاد القلوب ج 2 ص 439, بحار الأنوار ج 42 ص 306
[74] قرب الإسناد ص 143, بحار الأنوار ج 42 ص 302
[75] قصص الأنبياء عليهم السلام للراوندي ص 220, بحار الأنوار ج 14 ص 182, قصص الأنبياء عليهم السلام للجزائري ص 400
[76] بصائر الدرجات ج 1 ص 88, بحار الأنوار ج 42 ص 196
[77] كامل الزيارات ص 76, قصص الأنبياء عليهم السلام للراوندي ص 143, إثبات الهداة ج 3 ص 495, مدينة المعاجز ج 4 ص 184, بحار الأنوار ج 42 ص 302
[78] مناقب آل أبي طالب × ج 2 ص 346, مدينة المعاجز ج 3 ص 68, بحار الأنوار ج 42 ص 308
[79] كامل الزيارات ص 76, قصص الأنبياء عليهم السلام للراوندي ص 143, مناقب آل أبي طالب × ج 2 ص 346, تسلية المجالس ج 1 ص 498, مدينة المعاجز ج 3 ص 69, بحار الأنوار ج 42 ص 308
[80] إلى هنا في إثبات الهداة
[81] تفسير فرات ص 155, بحار الأنوار ج 42 ص 310, إثبات الهداة ج 3 ص 174