باب 2- جوامع معجزاته صلى الله عليه و آله و نوادرها

1-  ب، ]قرب الإسناد[ الحسن بن ظريف عن معمر عن الرضا عن أبيه موسى بن جعفر ع قال كنت عند أبي عبد الله ع ذات يوم و أنا طفل خماسي إذ دخل عليه نفر من اليهود فقالوا أنت ابن محمد نبي هذه الأمة و الحجة على أهل الأرض قال لهم نعم قالوا إنا نجد في التوراة أن الله تبارك و تعالى آتى إبراهيم و ولده الكتاب و الحكم و النبوة و جعل لهم الملك و الإمامة و هكذا وجدنا ذرية الأنبياء لا تتعداهم النبوة و الخلافة و الوصية فما بالكم قد تعداكم ذلك و ثبت في غيركم و نلقاكم مستضعفين مقهورين لا يرقب فيكم ذمة نبيكم فدمعت عينا أبي عبد الله ع ثم قال نعم لم تزل أنبياء الله مضطهدة مقهورة مقتولة بغير حق و الظلمة غالبة و قليل من عباد الله الشكور قالوا فإن الأنبياء و أولادهم علموا من غير تعليم و أوتوا العلم تلقينا و كذلك ينبغي لأئمتهم و خلفائهم و أوصيائهم فهل أوتيتم ذلك فقال أبو عبد الله ع ادنه يا موسى فدنوت فمسح يده على صدري ثم قال اللهم أيده بنصرك بحق محمد و آله ثم قال سلوه عما بدا لكم قالوا و كيف نسأل طفلا لا يفقه قلت سلوني تفقها و دعوا العنت قالوا أخبرنا عن الآيات التسع التي أوتيها موسى بن عمران قلت العصا و إخراجه يده من جيبه بيضاء و الجراد و القمل و الضفادع و الدم و رفع الطور و المن و السلوى آية واحدة و فلق البحر قالوا صدقت فما أعطي نبيكم من الآيات اللاتي نفت الشك عن قلوب من أرسل إليه قلت آيات كثيرة أعدها إن شاء الله فاسمعوا و عوا و افقهوا أما أول ذلك فإن أنتم تقرون أن الجن كانوا يسترقون السمع قبل مبعثه فمنعت في أوان رسالته بالرجوم و انقضاض النجوم و بطلان الكهنة و السحرة و من ذلك كلام الذئب يخبر بنبوته و اجتماع العدو و الولي على صدق لهجته و صدق أمانته و عدم جهله أيام طفوليته و حين أيفع و فتى و كهلا لا يعرف له شكل و لا يوازيه مثل و من ذلك أن سيف بن ذي يزن حين ظفر بالحبشة وفد عليه قريش فيهم عبد المطلب فسألهم عنه و وصف لهم صفته فأقروا جميعا بأن هذه الصفة في محمد فقال هذا أوان مبعثه و مستقره أرض يثرب و موته بها و من ذلك أن أبرهة بن يكسوم قاد الفيلة إلى بيت الله الحرام ليهدمه قبل مبعثه فقال عبد المطلب إن لهذا البيت ربا يمنعه ثم جمع أهل مكة فدعا و هذا بعد ما أخبره سيف بن ذي يزن فأرسل الله تبارك و تعالى عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ و دفعهم عن مكة و أهلها و من ذلك أن أبا جهل عمرو بن هشام المخزومي أتاه و هو نائم خلف جدار و معه حجر يريد أن يرميه به فالتصق بكفه و من ذلك أن أعرابيا باع ذودا له من أبي جهل فمطله بحقه فأتى قريشا فقال أعدوني على أبي الحكم فقد لوى بحقي فأشاروا إلى محمد ص و هو يصلي في الكعبة فقالوا ائت هذا الرجل فاستعديه عليه و هم يهزءون بالأعرابي فأتاه فقال له يا عبد الله أعدني على عمرو بن هشام فقد منعني حقي قال نعم فانطلق معه فدق على أبي جهل بابه فخرج إليه متغيرا فقال له ما حاجتك قال أعط الأعرابي حقه قال نعم و جاء الأعرابي إلى قريش فقال جزاكم الله خيرا انطلق معي الرجل الذي دللتموني عليه فأخذ حقي و جاء أبو جهل فقالوا أعطيت الأعرابي حقه قال نعم قالوا إنما أردنا أن نغريك بمحمد و نهزأ بالأعرابي فقال ما هو إلا دق بابي فخرجت إليه فقال أعط الأعرابي حقه و فوقه مثل الفحل فاتحا فاه كأنه يريدني فقال أعطه حقه فلو قلت لا لابتلع رأسي فأعطيته و من ذلك أن قريشا أرسلت النضر بن الحارث و علقمة بن أبي معيط بيثرب إلى اليهود و قالوا لهما إذا قدمتما عليهم فسائلوهم عنه و هما قد سألوهم عنه فقالوا صفوا لنا صفته فوصفوه و قالوا من تبعه منكم قالوا سفلتنا فصاح حبر منهم فقال هذا النبي الذي نجد نعته في التوراة و نجد قومه أشد الناس عداوة له و من ذلك أن قريشا أرسلت سراقة بن جعشم حتى يخرج إلى المدينة في طلبه فلحق به فقال صاحبه هذا سراقة يا نبي الله فقال اللهم اكفنيه فساخت قوائم ظهره فناداه يا محمد خل عني بموثق أعطيكه أن لا أناصح غيرك و كل من عاداك لا أصالح

 فقال النبي ص اللهم إن كان صادق المقال فأطلق فرسه فأطلق فوفى و ما انثنى بعد و من ذلك أن عامر بن الطفيل و أزيد بن قيس أتيا النبي ص فقال عامر لأزيد إذا أتيناه فأنا أشاغله عنك فاعله بالسيف فلما دخلا عليه قال عامر يا محمد حال قال لا حتى تقول لا إله إلا الله و إني رسول الله و هو ينظر إلى أزيد و أزيد لا يخبر شيئا فلما طال ذلك نهض و خرج و قال لأزيد ما كان أحد على وجه الأرض أخوف منك على نفسه فتكا منك و لعمري لا أخافك بعد اليوم قال له أزيد لا تعجل فإني ما هممت بما أمرتني به إلا دخلت الرجال بيني و بينك حتى ما أبصر غيرك فأضربك و من ذلك أن أزيد بن قيس و النضر بن الحارث اجتمعا على أن يسألاه عن الغيوب فدخلا عليه فأقبل النبي ص على أزيد فقال يا أزيد أ تذكر ما جئت له يوم كذا و معك عامر بن الطفيل و أخبر بما كان منهما فقال أزيد و الله ما حضرني و عامرا أحد و ما أخبرك بهذا إلا ملك السماء و أنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أنك رسول الله و من ذلك أن نفرا من اليهود أتوه فقالوا لأبي الحسن جدي استأذن لنا على ابن عمك نسأله فدخل علي ع فأعلمه فقال النبي ص و ما يريدون مني فإني عبد من عبيد الله لا أعلم إلا ما علمني ربي ثم قال أذن لهم فدخلوا عليه فقال أ تسألوني عما جئتم له أم أنبئكم قالوا نبئنا قال جئتم تسألوني عن ذي القرنين قالوا نعم قال كان غلاما من أهل الروم ثم ملك و أتى مطلع الشمس و مغربها ثم بنى السد فيها قالوا نشهد أن هذا كذا و من ذلك أن وابصة بن معبد الأسدي أتاه فقال لا أدع من البر و الإثم شيئا إلا سألته عنه فلما أتاه قال له بعض أصحابه إليك يا وابصة عن رسول الله فقال النبي صلى الله عليه و آله دعه ادنه يا وابصة فدنوت فقال أ تسأل عما جئت له أو أخبرك قال أخبرني قال جئت تسأل عن البر و الإثم قال نعم فضرب بيده على صدره ثم قال يا وابصة البر ما اطمأنت به النفس و البر ما اطمأن به الصدر و الإثم ما تردد في الصدر و جال في القلب و إن أفتاك الناس و أفتوك و من ذلك أنه أتاه وفد عبد القيس فدخلوا عليه فلما أدركوا حاجتهم عنده قال ائتوني بتمر أهلكم مما معكم فأتاه كل رجل منهم بنوع منه فقال النبي ص هذا يسمى كذا و هذا يسمى كذا فقالوا أنت أعلم بتمر أرضنا فوصف لهم أرضهم فقالوا أ دخلتها قال لا و لكن فسح لي فنظرت إليها فقام رجل منهم فقال يا رسول الله هذا خالي و به خبل فأخذ بردائه ثم قال اخرج عدو الله ثلاثا ثم أرسله فبرأ و أتوه بشاة هرمة فأخذ أحد أذنيها بين أصابعه فصار لها ميسما ثم قال خذوها فإن هذه السمة في آذان ما تلد إلى يوم القيامة فهي توالد و تلك في آذانها معروفة غير مجهولة و من ذلك أنه كان في سفر فمر على بعير قد أعيا و قام مبركا على أصحابه فدعا بماء فتمضمض منه في إناء و توضأ و قال افتح فاه فصب في فيه فمر ذلك الماء على رأسه و حاركه ثم قال اللهم احمل خلادا و عامرا و رفيقهما و هما صاحبا الجمل

 فركبوه و إنه ليهتز بهم أمام الخيل و من ذلك أن ناقة لبعض أصحابه ضلت في سفر كانت فيه فقال صاحبها لو كان نبيا يعلم أمر الناقة فبلغ ذاك النبي ص فقال الغيب لا يعلمه إلا الله انطلق يا فلان فإن ناقتك بموضع كذا و كذا قد تعلق زمامها بشجرة فوجدها كما قال و من ذلك أنه مر على بعير ساقط فتبصبص له فقال إنه ليشكو شر ولاية أهله له و سأله أن يخرج عنهم فسأل عن صاحبه فأتاه فقال بعه و أخرجه عنك فأناخ البعير يرغو ثم نهض و تبع النبي ص فقال يسألني أن أتولى أمره فباعه من علي ع فلم يزل عنده إلى أيام صفين و من ذلك أنه كان في مسجده إذ أقبل جمل ناد حتى وضع رأسه في حجره ثم خرخر فقال النبي ص يزعم هذا أن صاحبه يريد أن ينحره في وليمة على ابنه فجاء يستغيث فقال رجل يا رسول الله هذا لفلان و قد أراد به ذلك فأرسل إليه و سأله أن لا ينحره ففعل و من ذلك أنه دعا على مضر فقال اللهم اشدد وطأتك على مضر و اجعلها عليهم كسني يوسف فأصابهم سنون فأتاه رجل فقال فو الله ما أتيتك حتى لا يخطر لنا فحل و لا يتردد منا رائح فقال رسول الله ص اللهم دعوتك فأجبتني و سألتك فأعطيتني اللهم فاسقنا غيثا مغيثا مريئا سريعا طبقا سجالا عاجلا غير رائث نافعا غير ضار فما قام حتى ملأ كل شي‏ء و دام عليهم جمعة فأتوه فقالوا يا رسول الله انقطعت سبلنا و أسواقنا فقال النبي ص حوالينا و لا علينا فانجابت السحابة عن المدينة و صار فيما حولها و أمطروا أشهرا و من ذلك أنه توجه إلى الشام قبل مبعثه مع نفر من قريش فلما كان بحيال بحير الراهب نزلوا بفناء ديره و كان عالما بالكتب و قد كان قرأ في التوراة مرور النبي صلى الله عليه و آله به و عرف أوان ذلك فأمر فدعي إلى طعامه فأقبل يطلب الصفة في القوم فلم يجدها فقال هل بقي في رحالكم أحد فقالوا غلام يتيم فقامبحير الراهب فأطلع فإذا هو برسول الله ص نائم و قد أظلته سحابة فقال للقوم ادعوا هذا اليتيم ففعلوا و بحير مشرف عليه و هو يسير و السحابة قد أظلته فأخبر القوم بشأنه و أنه سيبعث فيهم رسولا و ما يكون من حاله و أمره فكان القوم بعد ذلك يهابونه و يجلونه فلما قدموا أخبروا قريشا بذلك و كان معهم عبد خديجة بنت خويلد فرغبت في تزويجه و هي سيدة نساء قريش و قد خطبها كل صنديد و رئيس قد أبتهم فزوجته نفسها بالذي بلغها من خبر بحير و من ذلك أنه كان بمكة قبل الهجرة أيام ألبت عليه قومه و عشائره فأمر عليا أن يأمر خديجة أن تتخذ له طعاما ففعلت ثم أمره أن يدعو له أقرباءه من بني عبد المطلب فدعا أربعين رجلا فقال أحضر لهم طعاما يا علي فأتاه بثريدة و طعام يأكله الثلاثة و الأربعة فقدمه إليهم و قال كلوا و سموا فسمى و لم يسم القوم فأكلوا و صدروا شبعى فقال أبو جهل جاد ما سحركم محمد يطعم من طعام ثلاثة رجال أربعين رجلا هذا و الله السحر الذي لا بعده فقال علي ع ثم أمرني بعد أيام فاتخذت له مثله و دعوتهم بأعيانهم فطعموا و صدروا

 و من ذلك أن علي بن أبي طالب ع قال دخلت السوق فابتعت لحما بدرهم و ذرة بدرهم و أتيت فاطمة ع حتى إذا فرغت من الخبز و الطبخ قالت لو دعوت أبي فأتيته و هو مضطجع و هو يقول أعوذ بالله من الجوع ضجيعا فقلت له يا رسول الله إن عندنا طعاما فقام و اتكأ علي و مضينا نحو فاطمة ع فلما دخلنا قال هلم طعامك يا فاطمة فقدمت إليه البرمة و القرص فغطى القرص و قال اللهم بارك لنا في طعامنا ثم قال اغرفي لعائشة فغرفت ثم قال اغرفي لأم سلمة فما زالت تغرف حتى وجهت إلى نسائه التسع قرصة قرصة و مرقا ثم قال اغرفي لابنيك و بعلك ثم قال اغرفي و كلي و أهدي لجاراتك ففعلت و بقي عندهم أياما يأكلون و من ذلك أن امرأة عبد الله بن مسلم أتته بشاة مسمومة و مع النبي ص بشر بن البراء بن عازب فتناول النبي ص الذراع و تناول بشر الكراع فأما النبي ص فلاكها و لفظها و قال إنها لتخبرني أنها مسمومة و أما بشر فلاك المضغة و ابتلعها فمات فأرسل إليها فأقرت فقال ما حملك على ما فعلت قالت قتلت زوجي و أشراف قومي فقلت إن كان ملكا قتلته و إن كان نبيا فسيطلعه الله تبارك و تعالى على ذلك و من ذلك أن جابر بن عبد الله الأنصاري قال رأيت الناس يوم الخندق يحفرون و هم خماص و رأيت النبي ص يحفر و بطنه خميص فأتيت أهلي فأخبرتها فقالت ما عندنا إلا هذه الشاة و محرز من ذرة قال فاخبزي و ذبح الشاة و طبخوا شقها و شووا الباقي حتى إذا أدرك أتى النبي ص فقال يا رسول الله اتخذت طعاما فأتني أنت و من أحببت فشبك أصابعه في يده ثم نادى ألا إن جابرا يدعوكم إلى طعامه فأتى أهله مذعورا خجلا فقال لها هي الفضيحة قد جفل بها أجمعين فقالت أنت دعوتهم أم هو قال هو قالت فهو أعلم بهم فلما رآنا أمر بالأنطاع فبسطت على الشوارع و أمره أن يجمع التواري يعني قصاعا كانت من خشب و الجفان ثم قال ما عندكم من الطعام فأعلمته فقال غطوا السدانة و البرمة و التنور و اغرفوا و أخرجوا الخبز و اللحم و غطوا فما زالوا يغرفون و ينقلون و لا يرونه ينقص شيئا حتى شبع القوم و هم ثلاثة آلاف ثم أكل جابر و أهله و أهدوا و بقي عندهم أياما و من ذلك أن سعد بن عبادة الأنصاري أتاه عشية و هو صائم فدعاه إلى طعامه و دعا معه علي بن أبي طالب ع فلما أكلوا قال النبي ص نبي و وصي أيا سعد أكل طعامك الأبرار و أفطر عندك الصائمون و صلت عليكم الملائكة فحمله سعد على حمار قطوف و ألقى عليه قطيفة فرجع الحمار و إنه لهملاج ما يساير و من ذلك أنه أقبل من الحديبية و في الطريق ماء يخرج من وشل بقدر ما يروي الراكب و الراكبين فقال من سبقنا إلى الماء فلا يستقين منه فلما انتهى إليه دعا بقدح فتمضمض فيه ثم صبه في الماء ففاض الماء فشربوا و ملئوا أداواهم و مياضيهم و توضئوا فقال النبي ص لئن بقيتم و بقي منكم ليسقين بهذا الوادي يسقي ما بين يديه من كثرة مائه فوجدوا ذلك كما قال و من ذلك إخباره عن الغيوب و ما كان و ما يكون فوجدوا ذلك موافقا لما يقول و من ذلك أنه أخبر صبيحة الليلة التي أسري به بما رأى في سفره فأنكر ذلك بعض و صدقه بعض فأخبرهم بما رأى من المارة و الممتارة و هيئتهم و منازلهم و ما معهم من الأمتعة و أنه رأى عيرا أمامها بعير أورق و أنه يطلع يوم كذا من العقبة مع طلوع الشمس فعدوا يطلبون تكذيبه للوقت الذي وقته لهم فلما كانوا هناك طلعت الشمس فقال بعضهم كذب الساحر و بصر آخرون بالعير قد أقبلت يقدمها الأورق فقالوا صدق هذه نعم قد أقبلت

 و من ذلك أنه أقبل من تبوك فجهدوا عطشا و بادر الناس إليه يقولون الماء الماء يا رسول الله فقال لأبي هريرة هل معك من الماء شي‏ء قال كقدر قدح في ميضاتي قال هلم ميضاتك فصب ما فيه في قدح و دعا و أوعاه و قال ناد من أراد الماء فأقبلوا يقولون الماء يا رسول الله فما زال يسكب و أبو هريرة يسقي حتى روي القوم أجمعون و ملئوا ما معهم ثم قال لأبي هريرة اشرب فقال بل آخركم شربا فشرب رسول الله ص و شرب و من ذلك أن أخت عبد الله بن رواحة الأنصاري مرت به أيام حفرهم الخندق فقال لها أين تريدين قالت إلى عبد الله بهذه التمرات فقال هاتيهن فنثرت في كفه ثم دعا بالأنطاع و فرقها عليها و غطاها بالأزر و قام و صلى ففاض التمر على الأنطاع ثم نادى هلموا و كلوا فأكلوا و شبعوا و حملوا معهم و دفع ما بقي إليها و من ذلك أنه كان في سفر فأجهدوا جوعا فقال من كان معه زاد فليأتنا به فأتاه نفر منهم بمقدار صاع فدعا بالأزر و الأنطاع ثم صب التمر عليها و دعا ربه فأكثر الله ذلك التمر حتى كان أزوادهم إلى المدينة و من ذلك أنه أقبل من بعض أسفاره فأتاه قوم فقالوا يا رسول الله إن لنا بئرا إذا كان القيظ اجتمعنا عليها و إذا كان الشتاء تفرقنا على مياه حولنا و قد صار من حولنا عدوا لنا فادع الله في بئرنا فتفل ص في بئرهم ففاضت المياه المغيبة و كانوا لا يقدرون أن ينظروا إلى قعرها بعد من كثرة مائها فبلغ ذلك مسيلمة الكذاب فحاول مثله من قليب قليل ماؤه فتفل الأنكد في القليب فغار ماؤه و صار كالجبوب و من ذلك أن سراقة بن جعشم حين وجهه قريش في طلبه ناوله نبلا من كنانته و قال له ستمر برعاتي فإذا وصلت إليهم فهذا علامتي اطعم عندهم و اشرب فلما انتهى إليهم أتوه بعنز حائل فمسح ص ضرعها فصارت حاملا و درت حتى ملئوا الإناء و ارتووا و من ذلك أنه نزل بأم شريك فأتته بعكة فيها سمن يسير فأكل هو و أصحابه ثم دعا لها بالبركة فلم تزل العكة تصب سمنا أيام حياتها و من ذلك أن أم جميل امرأة أبي لهب أتته حين نزلت سورة تبت و مع النبي ص أبو بكر بن أبي قحافة فقال يا رسول الله هذه أم جميل محفظة أي مغضبة تريدك و معها حجر تريد أن ترميك به فقال إنها لا تراني فقالت لأبي بكر أين صاحبك قال حيث شاء الله قالت لقد جئته و لو أراه لرميته فإنه هجاني و اللات و العزى إني لشاعرة فقال أبو بكر يا رسول الله لم ترك قال لا ضرب الله بيني و بينها حجابا و من ذلك كتابه المهيمن الباهر لعقول الناظرين مع ما أعطي من الخلال التي إن ذكرناها لطالت فقالت اليهود و كيف لنا بأن نعلم أن هذا كما وصفت فقال لهم موسى ع و كيف لنا بأن نعلم أن ما تذكرون من آيات موسى صلى الله عليه على ما تصفون قالوا علمنا ذلك بنقل البررة الصادقين قال لهم فاعلموا صدق ما أتيناكم به بخبر طفل لقنه الله من غير تلقين و لا معرفة عن الناقلين فقالوا نشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله و أنكم الأئمة و القادة و الحجج من عند الله على خلقه فوثب أبو عبد الله ع فقبل بين عيني ثم قال أنت القائم من بعدي فلهذا قالت الواقفة إنه حي و إنه القائم ثم كساهم أبو عبد الله ع و وهب لهم و انصرفوا مسلمين

  توضيح قال الفيروزآبادي غلام خماسي طوله خمسة أشبار و قال رقبه انتظره و الشي‏ء حرسه. قوله ذمة نبيكم أي عهده أو حرمته و العنت محركة الفساد و الإثم و الهلاك و دخول المشقة على الإنسان. قوله ع فمنعت في أوان رسالته لعله محمول على المنع الشديد أو المراد بأوان الرسالة ما تقدمها أيضا إلى الولادة لئلا ينافي ما سبق من أن ظهور ذلك كان عند ولادته ص و أيفع الغلام أي ارتفع. و قوله ع و هذا بعد ما أخبره سيف بن ذي يزن خلاف ما هو المشهور من أن قصة الفيل كانت في سنة ولادته ص أو قبله كما مر و هذا أوثق لصحة الخبر و يمكن أن يتكلف بحمل هذا الخبر من سيف على خبر آخر غير ما سبق أو بحمل قوله بأن هذه الصفة في محمد على أن المراد الصفة من حيث الأب و الأم و الآثار بأن يكون قبل مولده و لا يخفى بعدهما و الذود من الإبل ما بين الثلاث إلى العشر. قوله أعدوني أي انصروني و لواه بحقه أي مطله. قوله فساخت أي دخلت و غابت. قوله و ما انثنى أي لم ينعطف و لم يرجع إلى النبي ص أو عن ذلك العهد. قوله حال كذا في أكثر النسخ بالحاء المهملة و لعله أمر من حالي يحالي يقال حاليته أي طايبته و في بعضها بالمعجمة و لعله بتشديد اللام من المخالة بمعنى المصادقة أي كن صديقي و خليلي. قوله لا يخبر شيئا كذا في أكثر النسخ بالخاء المعجمة و الباء الموحدة فيحتمل أن يكون بضم الباء أي لا يعلم شيئا و لا يبعد أن يكون في الأصل لا يحير بالحاء المهملة و الياء المثناة من قولهم طحنت فما أحارت شيئا أي ما ردت شيئا من الدقيق ذكره على سبيل المثل أو بالجيم و الزاء المعجمة أي ما يجيز القتل أو بالجيم و السين المهملة أي لا يجترئ عليه و هو أظهر و الفتك أن يأتي الرجل صاحبه و هو غار غافل حتى يشد عليه فيقتله. قوله ص فسح لي على المجهول أي وسع لي و رفعت الحجب عني. قوله فصار لها ميسما أي هذا الأخذ صار لها بمنزلة الميسم حيث أثر فيها. قوله ص الغيب لا يعلمه إلا الله أقول يحتمل وجوها. الأول أن عدم إخباري أولا إنما كان لعدم علمي به و لم يخبرني الله به و إنما أخبرني في هذا الوقت. الثاني أن يكون المراد بيان أن ما أخبره ص من قبل الله ليكون دليلا على نبوته. الثالث التبري عن أن ينسبوه إلى أنه يعلم الغيب بنفسه و الأوسط أظهر. و بصبص الكلب و تبصبص حرك ذنبه و التبصبص التملق و رغا البعير صاح و الخرخرة صوت النمر و صوت السنور استعير هنا لصوت البعير. قوله ص اللهم اشدد وطأتك قال الجزري الوطأة في الأصل الدوس بالقدم فسمي به الغزو و القتل لأن من يطأ الشي‏ء برجله فقد استقصى في إهلاكه و إهانته و منه الحديث اللهم اشدد وطأتك على مضر أي خذهم أخذا شديدا و قال السنة الجدب و قال في حديث الاستسقاء ما يخطر لنا جمل أي ما يحرك ذنبه هزالا لشدة القحط و الجدب يقال خطر البعير بذنبه يخطر إذا رفعه و حطه انتهى قوله رائح أي حيوان يأتينا عند الرواح بالبركة أو ماش من قولهم راح إذا مشى و ذهب قوله ص مغيثا من الإغاثة بمعنى الإعانة عند الاضطرار أو يأتي بعده بغيث آخر أو معشبا فإن الغيث يطلق على الكلاء ينبت بماء السماء و قال الجزري في حديث الاستسقاء اسقنا غيثا مريئا مريعا يقال مرئ الطعام و أمرأني إذا لم يثقل على المعدة و انحدر عنها طيبا و المريع المخصب الناجع و غيث طبق أي عام واسع و يقال سجلت الماء

  سجلا إذا صببته صبا متصلا و قال غير رائث أي غير بطي‏ء متأخر من راث إذا أبطأ و قال فيه اللهم حوالينا و لا علينا يقال رأيت الناس حوله و حواليه أي مطيفين به من جوانبه يريد اللهم أنزل الغيث في مواضع النبات لا مواضع الأبنية و فيه فانجاب السحاب عن المدينة أي انجمع و تقبض بعضه إلى بعض و انكشف عنها. انتهى. قوله ع فأمر أي بطعام و الصنديد بالكسر السيد الشجاع و يقال ألب على كذا إذا لم يفارقه أو هو من التأليب و هو التحريض و الإفساد قوله و صدروا أي رجعوا و البرمة بالضم قدر من حجارة و الكراع كغراب مستدق الساق قوله و هم خماص بالكسر أي جياع. قوله و محرز على بناء المفعول أي شي‏ء قليل أحرزته لعيالي و لعل فيه تصحيفا قوله جفل بهم أي أسرع و ذهب و يقال انجفل القوم أي انقلعوا فمضوا و في بعض النسخ بالحاء المهملة. قال الفيروزآبادي حفل الوادي بالسيل جاء بمل‏ء جنبيه و السماء اشتد مطرها و الدمع كثر و القوم اجتمعوا. قوله غطوا السدانة لم نعرف له معنى مناسبا و لعله كان في الأصل بالسدانة البرمة فصحف و السدان بالكسر الستر و يقال قطفت الدابة أي ضاق مشيها فهي قطوف و الهملاج بالكسر السريع السير الواسع الخطو قوله ما يساير أي لا تسير معه دابة و لا يسابق لسرعة سيره. قال الجزري في الحديث إن رجلا من الأنصار قال حملنا رسول الله ص على حمار لنا قطوف فنزل عنه فإذا هو فراغ لا يساير أي سريع المشي واسع الخطو انتهى و الوشل بالتحريك الماء القليل و وشل الماء وشلا أي قطر و الأداوي بفتح الواو جمع الأدوات و المياضي جمع الميضاة و هي المطهرة. قوله ص يسقي ما بين يديه أي يسقي الأراضي التي عنده للزرع و الامتيار جلب الميرة و العير بالسكر الإبل التي تحمل الميرة و الأورق من الإبل الذي في لونه بياض إلى سواد قوله إذا كان القيظ اجتمعنا عليها العادة تقتضي عكس ذلك فإن في القيظ تنقص المياه و في الشتاء تزيد و لعل المراد أن في الشتاء لنا مياه آخر فلا نحتاج إلى الاجتماع على هذا الماء و أما في الصيف فييبس تلك المياه فنجتمع عليها و هي لا تكفينا على حال أو المراد بالقيظ الربيع و في بعض النسخ بالضاد يقال بئر مقيضة أي كثير الماء و الظاهر أن النساخ بدلوا فجعلوا القيظ مكان الشتاء و بالعكس و الأنكد المشئوم و الجبوب الأرض أي غليظها أو وجهها أو التراب و العكة بالضم آنية السمن أصغر من القربة. و قال الجزري في حديث حنين أردت أن أحفظ الناس و أن يقاتلوا عن أهليهم و أموالهم أي أغضبهم من الحفيظة الغضب. قوله فلهذا أقول هذا كلام الراوي أو الحميري و المعنى أنه ع قال أنت القائم أي بأمر الإمامة بعدي فتمسكت به الواقفة لعنهم الله و حملوه على أنه القائم صاحب الغيبة و آخر الأئمة فأنكروا إمامة من بعده

 2-  م، ]تفسير الإمام عليه السلام[ بالإسناد إلى أبي محمد العسكري ع أنه قال قيل لأمير المؤمنين ع هل لمحمد ص آية مثل آية موسى ع في رفعه الجبل فوق رءوس الممتنعين عن قبول ما أمروا به فقال أمير المؤمنين ع إي و الذي بعثه بالحق نبيا ما من آية كانت لأحد من الأنبياء من لدن آدم ع إلى أن انتهى إلى محمد ص إلا و قد كان لمحمد ص مثلها أو أفضل منها و لقد كان لمحمد ص نظير هذه الآية إلى آيات أخر ظهرت له و ذلك أن رسول الله ص لما أظهر بمكة دعوته و أبان عن الله مراده رمته العرب عن قسي عداوتها بضروب إمكانهم و لقد قصدته يوما لأني كنت أول الناس إسلاما بعث يوم الإثنين و صليت معه يوم الثلاثاء و بقيت معه أصلي سبع سنين حتى دخل نفر في الإسلام و أيد الله تعالى دينه من بعد فجاءه قوم من المشركين فقالوا له يا محمد تزعم أنك رسول رب العالمين ثم أنك لا ترضى بذلك حتى تزعم أنك سيدهم و أفضلهم فإن كنت نبيا فأتنا بآية كما تذكره عن الأنبياء قبلك مثال نوح الذي جاء بالغرق و نجا في سفينته مع المؤمنين و إبراهيم الذي ذكرت أن النار جعلت عليه بردا و سلاما و موسى الذي زعمت أن الجبل رفع فوق رءوس أصحابه حتى انقادوا لما دعاهم إليه صاغرين داخرين و عيسى الذي كان ينبئهم بما يأكلون و ما يدخرون في بيوتهم و صار هؤلاء المشركون فرقا أربع هذه تقول أظهر لنا آية نوح و هذه تقول أظهر لنا آية موسى و هذه تقول أظهر لنا آية إبراهيم و هذه تقول أظهر لنا آية عيسى فقال رسول الله ص إِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ آتيتكم بآية مبينة هذا القرآن الذي تعجزون أنتم و الأمم و سائر العرب عن معارضته و هو بلغتكم فهو حجة الله و حجة نبيه عليكم و ما بعد ذلك فليس لي الاقتراح على ربي وَ ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ إلى المقرين بحجة صدقه و آية حقه و ليس عليه أن يقترح بعد قيام الحجة على ربه ما يقترحه عليه المقترحون الذين لا يعلمون هل الصلاح أو الفساد فيما يقترحون فجاء جبرئيل ع فقال يا محمد إن العلي الأعلى يقرأ عليك السلام و يقول إني سأظهر لهم هذه الآيات و إنهم يكفرون بها إلا من أعصمه منهم و لكني أريهم زيادة في الإعذار و الإيضاح لحججك فقل لهؤلاء المقترحين لآية نوح ع امضوا إلى جبل أبي قبيس فإذا بلغتم سفحه فسترون آية نوح ع فإذا غشيكم الهلاك فاعتصموا بهذا و بطفلين يكونان بين يديه و قل للفريق الثاني المقترحين لآية إبراهيم ع امضوا إلى حيث تريدون من ظاهر مكة فسترون آية إبراهيم ع في النار فإذا غشيكم البلاء فسترون في الهواء امرأة قد أرسلت طرف خمارها فتعلقوا به لتنجيكم من الهلكة و ترد عنكم النار و قل للفريق الثالث المقترحين لآية موسى ع امضوا إلى ظل الكعبة فأنتم سترون آية موسى ع و سينجيكم هناك عمي حمزة و قل للفريق الرابع و رئيسهم أبو جهل و أنت يا أبا جهل فاثبت عندي ليتصل بك أخبار هؤلاء الفرق الثلاثة فإن الآية التي اقترحتها أنت تكون بحضرتي فقال أبو جهل للفرق الثلاثة قوموا فتفرقوا ليتبين لكم باطل قول محمد فذهبت الفرقة الأولى إلى جبل أبي قبيس فلما صاروا إلى جانب الجبل نبع الماء من تحتهم و نزل من السماء الماء من فوقهم من غير غمامة و لا سحاب و كثر حتى بلغ أفواههم فألجمها و ألجأهم إلى صعود الجبل إذ لم يجدوا منجى سواه فجعلوا يصعدون الجبل و الماء يعلو من تحتهم إلى أن بلغوا ذروته و ارتفع الماء حتى ألجمهم و هم على قلة الجبل و أيقنوا بالغرق إذ لم يكن لهم مفر فرأوا عليا ع واقفا على متن الماء فوق قلة الجبل و عن يمينه طفل و عن يساره طفل فناداهم علي خذوا بيدي أنجيكم أو بيد من شئتم من هذين الطفلين فلم يجدوا بدا من ذلك فبعضهم أخذ بيد علي و بعضهم أخذ بيد أحد الطفلين وبعضهم أخذ بيد الطفل الآخر و جعلوا ينزلون بهم من الجبل و الماء ينزل و ينحط من بين أيديهم حتى أوصلوهم إلى القرار و الماء يدخل بعضه في الأرض و يرتفع بعضه إلى السماء حتى عادوا كهيئتهم إلى قرار الأرض فجاء علي ع بهم إلى رسول الله ص و هم يبكون و يقولون نشهد أنك سيد المرسلين و خير الخلق أجمعين رأينا مثل طوفان نوح ع

 و خلصنا هذا و طفلان كانا معه لسنا نراهما الآن فقال رسول الله ص أما إنهما سيكونان هما الحسن و الحسين سيولدان لأخي هذا هما سيدا شباب أهل الجنة و أبوهما خير منهما اعلموا أن الدنيا بحر عميق قد غرق فيها خلق كثير و أن سفينة نجاتها آل محمد علي هذا و ولداه اللذان رأيتموهما سيكونان و سائر أفاضل أهلي فمن ركب هذه السفينة نجا و من تخلف عنها غرق ثم قال رسول الله ص فكذلك الآخرة حميمها و نارها كالبحر و هؤلاء سفن أمتي يعبرون بمحبيهم و أوليائهم إلى الجنة ثم قال رسول الله ص أ ما سمعت هذا يا با جهل قال بلى حتى أنظر إلى الفرقة الثانية و الثالثة فجاءت الفرقة الثانية يبكون و يقولون نشهد أنك رسول رب العالمين و سيد الخلق أجمعين مضينا إلى صحراء ملساء و نحن نتذاكر بيننا قولك فنظرنا السماء قد تشققت بجمر النيران تتناثر عنها و رأينا الأرض قد تصدعت و لهب النيران يخرج منها فما زالت كذلك حتى طبقت الأرض و ملأتها و مسنا من شدة حرها حتى سمعنا لجلودنا نشيشا من شدة حرها و أيقنا بالاشتواء و الاحتراق بتلك النيران فبينما نحن كذلك إذ رفع لنا في الهواء شخص امرأة قد أرخت خمارها فتدلى طرفه إلينا بحيث تناله أيدينا و إذا مناد من السماء ينادينا إن أردتم النجاة فتمسكوا ببعض أهداب هذا الخمار فتعلق كل واحد منا بهدبة من أهداب ذلك الخمار فرفعنا في الهواء و نحن نشق جمر النيران و لهبها لا يمسنا شررها و لا يؤذينا حرها و لا نثقل على الهدبة التي تعلقنا بها و لا تنقطع الأهداب في أيدينا على دقتها فما زالت كذلك حتى جازت بنا تلك النيران ثم وضع كل واحد منا في صحن داره سالما معافا ثم خرجنا فالتقينا فجئناك عالمين بأنه لا محيص عن دينك و لا معدل عنك و أنت أفضل من لجئ إليه و اعتمد بعد الله إليه صادق في أقوالك حكيم في أفعالك فقال رسول الله ص لأبي جهل هذه الفرقة الثانية قد أراهم الله آية إبراهيم ع قال أبو جهل حتى أنظر الفرقة الثالثة و أسمع مقالتها قال رسول الله ص لهذه الفرقة الثانية لما آمنوا يا عباد الله إن الله أغاثكم بتلك المرأة أ تدرون من هي قالوا لا قال تلك تكون ابنتي فاطمة و هي سيدة النساء إن الله تعالى إذا بعث الخلائق من الأولين و الآخرين نادى منادي ربنا من تحت عرشه يا معشر الخلائق غضوا أبصاركم لتجوز فاطمة بنت محمد سيدة نساء العالمين على صراط فتغض الخلائق كلهم أبصارهم فتجوز فاطمة على الصراط لا يبقى أحد في القيامة إلا غض بصره عنها إلا محمد و علي و الحسن و الحسين و الطاهرون من أولادهم فإنهم محارمها فإذا دخلت الجنة بقي مرطها ممدودا على الصراط طرف منه بيدها و هي في الجنة و طرف في عرصات القيامة فينادي منادي ربنا يا أيها المحبون لفاطمة تعلقوا بأهداب مرط فاطمة سيدة نساء العالمين فلا يبقى محب لفاطمة إلا تعلق بهدبة من أهداب مرطها حتى يتعلق بها أكثر من ألف فئام و ألف فئام قالوا و كم فئام واحد يا رسول الله قال ألف ألف و ينجون بها من النار قال ثم جاءت الفرقة الثالثة باكين يقولون نشهد يا محمد أنك رسول رب العالمين و سيد الخلق أجمعين و أن عليا أفضل الوصيين و أن آلك أفضل آل النبيين و صحابتك خير صحابة المرسلين و أن أمتك خير الأمم أجمعين رأينا من آياتك ما لا محيص لنا عنها و من معجزاتك ما لا مذهب لنا سواها قال رسول الله ص و ما الذي رأيتم قالوا كنا قعودا في ظل الكعبة نتذاكر أمرك و نهزأ بخبرك و أنك ذكرت أن لك مثل

 آية موسى ع فبينا نحن كذلك إذا ارتفعت الكعبة عن موضعها و صارت فوق رءوسنا فركزنا في مواضعنا و لم نقدر أن نريمها فجاء عمك حمزة و قال بزج رمحه هكذا تحتها فتناولها و احتبسها على عظمها فوقنا في الهواء ثم قال لنا اخرجوا فخرجنا من تحتها فقال ابعدوا فبعدنا عنها ثم أخرج سنان الرمح من تحتها فنزلت إلى موضعها و استقرت فجئناك بذلك مسلمين فقال رسول الله ص لأبي جهل هذه الفرقة الثالثة قد جاءتك و أخبرتك بما شاهدت فقال أبو جهل لا أدري أ صدق هؤلاء أم كذبوا أم حقق لهم أم خيل إليهم فإن رأيت ما أنا أقترحه عليك من نحو آيات عيسى ابن مريم ع فقد لزمني الإيمان بك و إلا فليس يلزمني تصديق هؤلاء فقال رسول الله ص يا أبا جهل فإن كان لا يلزمك تصديق هؤلاء على كثرتهم و شدة تحصيلهم فكيف تصدق بمآثر آبائك و أجدادك و مساوي أسلاف أعدائك و كيف تصدق عن الصين و العراق و الشام إذا حدثت عنها هل المخبرون عن ذلك إلا دون هؤلاء المخبرين لك عن هذه الآيات مع سائر من شاهدها منهم من الجمع الكثيف الذين لا يجتمعون على باطل يتخرصونه إلا كان بإزائهم من يكذبهم و يخبر بضد أخبارهم ألا و كل فرقة من هؤلاء محجوجون بما شاهدوا و أنت يا أبا جهل محجوج بما سمعت ممن شاهد ثم أقبل رسول الله ص على الفرقة الثالثة فقال لهم هذا حمزة عم رسول الله ص بلغه الله تعالى المنازل الرفيعة و الدرجات العالية و أكرمه بالفضائل لشدة حبه لمحمد و لعلي بن أبي طالب أما إن حمزة عم محمد لينحي جهنم يوم القيامة عن محبيه كما نحى عنكم اليوم الكعبة أن تقع عليكم قيل و كيف ذلك يا رسول الله قال رسول الله ص إنه ليرى يوم القيامة إلى جانب الصراط عالم كثير من الناس لا يعرف عددهم إلا الله تعالى هم كانوا محبي حمزة و كثير منهم أصحاب الذنوب و الآثام فتحول حيطان بينهم وبين سلوك الصراط و العبور إلى الجنة فيقولون يا حمزة قد ترى ما نحن فيه فيقول حمزة لرسول الله و لعلي بن أبي طالب صلوات الله عليهما قد تريان أوليائي كيف يستغيثون بي فيقول محمد رسول الله ص لعلي ولي الله يا علي أعن عمك على إغاثة أوليائه و استنقاذهم من النار فيأتي علي بن أبي طالب عليه السلام بالرمح الذي كان يقاتل به حمزة أعداء الله تعالى في الدنيا فيناوله إياه و يقول يا عم رسول الله ص و عم أخي رسول الله ذد الجحيم عن أوليائك برمحك هذا كما كنت تذود به عن أولياء الله في الدنيا أعداء الله فيتناول حمزة الرمح بيده فيضع زجه في حيطان النار الحائلة بين أوليائه و بين العبور إلى الجنة على الصراط و يدفعها دفعة فينحيها مسيرة خمسمائة عام ثم يقول لأوليائه و المحبين الذين كانوا له في الدنيا اعبروا فيعبرون على الصراط آمنين سالمين قد انزاحت عنهم النيران و بعدت عنهم الأهوال و يردون الجنة غانمين ظافرين ثم قال رسول الله ص لأبي جهل يا أبا جهل هذه الفرقة الثالثة قد شاهدت آيات الله و معجزات رسول الله و بقي الذي لك فأي آية تريد قال أبو جهل آية

 عيسى ابن مريم ع كما زعمت أنه كان يخبرهم بما يأكلون و ما يدخرون في بيوتهم فأخبرني بما أكلت اليوم و ما ادخرته في بيتي و زدني على ذلك أن تحدثني بما صنعته بعد أكلي لما أكلت كما زعمت أن الله زادك في المرتبة فوق عيسى ع فقال رسول الله ص أما ما أكلت و ما ادخرت فأخبرك به و أخبرك بما فعلته في خلال أكلك و ما فعلته بعد أكلك و هذا يوم يفضحك الله فيه لاقتراحك فإن آمنت بالله لم تضرك هذه الفضيحة و إن أصررت على كفرك أضيف لك إلى فضيحة الدنيا و خزيها خزي الآخرة الذي لا يبيد و لا ينفد و لا يتناهى قال و ما هو قال رسول الله ص قعدت يا أبا جهل تتناول من دجاجة مسمنة استطبتها فلما وضعت يدك عليها استأذن عليك أخوك أبو البختري ابن هشام فأشفقت عليه أن يأكل منها و بخلت فوضعتها تحت ذيلك و أرخيت عليها ذيلك حتى انصرف عنك فقال أبو جهل كذبت يا محمد ما من هذا قليل و لا كثير و لا أكلت من دجاجة و لا ادخرت منها شيئا فما الذي فعلته بعد أكلي الذي زعمت قال رسول الله ص كان عندك ثلاثمائة دينار لك و عشرة آلاف دينار ودائع الناس عندك المائة و المائتان و الخمسمائة و السبعمائة و الألف و نحو ذلك إلى تمام عشرة آلاف مال كل واحد في صرة و كنت قد عزمت على أن تختانهم و قد كنت جحدتهم و منعتهم و اليوم لما أكلت من هذه الدجاجة أكلت زورها و ادخرت الباقي و دفنت هذا المال أجمع مسرورا فرحا باختيانك عباد الله و واثقا بأنه قد حصل لك و تدبير الله في ذلك خلاف تدبيرك فقال أبو جهل و هذا أيضا يا محمد فما أصبت منه قليلا و لا كثيرا و ما دفنت شيئا و قد سرقت تلك العشرة آلاف الودائع التي كانت عندي فقال رسول الله ص يا أبا جهل ما هذا من تلقائي فتكذبني و إنما هذا جبرئيل الروح الأمين يخبرني به عن رب العالمين و عليه تصحيح شهادته و تحقيق مقالته ثم قال رسول الله ص هلم يا جبرئيل بالدجاجة التي أكل منها فإذا الدجاجة بين يدي رسول الله ص فقال رسول الله ص أ تعرفها يا أبا جهل فقال أبو جهل ما أعرفها و ما أخبرت عن شي‏ء و مثل هذه الدجاجة المأكول بعضها في الدنيا كثير فقال رسول الله ص يا أيتها الدجاجة إن أبا جهل قد كذب محمدا على جبرئيل و كذب جبرئيل على رب العالمين فاشهدي لمحمد بالتصديق و على أبي جهل بالتكذيب فنطقت و قالت أشهد يا محمد أنك رسول الله و سيد الخلق أجمعين و أن أبا جهل هذا عدو الله المعاند الجاحد للحق الذي يعلمه أكل مني هذا الجانب و ادخر الباقي و قد أخبرته بذلك و أحضرتنيه فكذب به فعليه لعنة الله و لعنة اللاعنين فإنه مع كفره بخيل استأذن عليه أخوه فوضعني تحت ذيله إشفاقا من أن يصيب مني أخوه فأنت يا رسول الله أصدق الصادقين من الخلق أجمعين و أبو جهل الكاذب المفتري اللعين فقال رسول الله ص أ ما كفاك ما شاهدت آمن لتكون آمنا من عذاب الله عز و جل قال أبو جهل إني لأظن أن هذا تخييل و إيهام فقال رسول الله ص فهل تفرق بين مشاهدتك لهذا و سماعك لكلامها و بين مشاهدتك لنفسك و لسائر قريش و العرب و سماعك لكلامهم قال أبو جهل لا قال رسول الله ص فما يدريك أن جميع ما تشاهد و تحس بحواسك تخييل قال أبو جهل ما هو بتخييل قال رسول الله ص و لا هذا بتخييل و إلا كيف تصحح أنك ترى في العالم شيئا أوثق منه قال ثم وضع رسول الله ص يده على الموضع المأكول من الدجاجة فمسح يده عليها فعاد اللحم عليه أوفر ما كان ثم قال رسول الله ص يا با جهل أ رأيت هذه الآية قال يا محمد توهمت شيئا و لا أوقنه قال رسول الله

 ص يا جبرئيل فأتنا بالأموال التي دفنها هذا المعاند للحق لعله يؤمن فإذا هو بالصرر بين يديه كلها ما كان رسول الله ص قاله إلى تمام عشرة آلاف و ثلاثمائة دينار فأخذ رسول الله ص و أبو جهل ينظر إليه صرة منها فقال ائتوني بفلان بن فلان فأتي به و هو صاحبها فقال هاكها يا فلان ما قد اختانك فيه أبو جهل فرد عليه ماله و دعا بآخر ثم بآخر حتى رد العشرة آلاف كلها على أربابها و فضح عندهم أبو جهل و بقيت الثلاثمائة الدينار بين يدي رسول الله ص فقال الآن آمن لتأخذ الثلاثمائة دينار و يبارك الله لك فيها حتى تصير أيسر قريش قال لا آمن و لكن آخذها فهي مالي فلما ذهب يأخذها صاح رسول الله ص بالدجاجة دونك أبا جهل و كفيه عن الدنانير و خذيه فوثبت الدجاجة على أبي جهل فتناولته بمخالبها و رفعته في الهواء و طارت به إلى سطح بيته فوضعته عليه و دفع رسول الله ص تلك الدنانير إلى بعض فقراء المؤمنين ثم نظر رسول الله ص إلى أصحابه فقال لهم معاشر أصحاب محمد هذه آية أظهرها ربنا عز و جل لأبي جهل فعاند و هذا الطير الذي حيي يصير من طيور الجنة الطيارة عليكم فيها فإن فيها طيورا كالبخاتي عليها من جميع أنواع المواشي تطير بين سماء الجنة و أرضها فإذا تمنى مؤمن محب للنبي و آله الأكل من شي‏ء منها وقع ذلك بعينه بين يديه فتناثر ريشه و انسمط و انشوى و انطبخ فأكل من جانب منه قديدا و من جانب منه مشويا بلا نار فإذا قضى شهوته و نهمته و قال الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ عادت كما كانت فطارت في الهواء و فخرت على سائر طيور الجنة تقول من مثلي و قد أكل مني ولي الله عن أمر الله

  ج، ]الإحتجاج[ مثله مع اختصار في وسطه و في آخره بيان قال الجزري فيه يبلغ العرق منهم ما يلجمهم أي يصل إلى أفواههم فيصير لهم بمنزلة اللجام يمنعهم عن الكلام انتهى. و النشيش الغليان و هدبة الثوب بالضم طرفه مما يلي طرته و المراد هنا الخيوط المتدلية من طرفه و المرط بالكسر كساء من صوف أو خز و الفئام بالهمز و قد تقلب ياء الجماعة من الناس و المراد هنا هذا العدد كما فسر أمير المؤمنين ع في خبر الغدير بمائة ألف. قوله فركزنا يقال ركزت الرمح أي غرزته في الأرض و في بعض النسخ بالدال المهملة من الركود بمعنى السكون و الهدوء و يقال لا يريم من المكان أي لا يبرح و لا يزول و الزج بالضم الحديدة التي في أسفل الرمح و يقال تخرص أي كذب و الذود الطرد و الدفع و الزور أعلى الصدر و البخاتي جمع البختي و هو الإبل الخراساني و الشية كل لون يخالف معظم لون الفرس و غيره و الهاء عوض من الواو و يقال وشيت الثوب آشيه وشيا و وشية و وشيته توشية شدد للكثرة فهو موشي و موشى و الوشي من اللون معروف ذكره الجوهري و قال سمطت الجدي أسمطه و أسمطه سمطا إذا نظفته من الشعر بالماء الحار لتشويه

 3-  ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ الصدوق عن الحسن بن حمزة العلوي عن محمد بن داود عن عبد الله بن أحمد الكوفي عن سهل بن صالح عن إبراهيم بن عبد الرحمن عن موسى بن جعفر عن آبائه صلوات الله عليهم قال إن أصحاب رسول الله ص كانوا جلوسا يتذاكرون و فيهم أمير المؤمنين صلوات الله عليه إذ أتاهم يهودي فقال يا أمة محمد ما تركتم للأنبياء درجة إلا نحلتموها لنبيكم فقال أمير المؤمنين ع إن كنتم تزعمون أن موسى ع كلمه ربه على طور سيناء فإن الله كلم محمدا في السماء السابعة و إن زعمت النصارى أن عيسى أبرأ الأكمه و أحيا الموتى فإن محمدا ص سألته قريش أن يحيي ميتا فدعاني و بعثني معهم إلى المقابر فدعوت الله تعالى عز و جل فقاموا من قبورهم ينفضون التراب عن رءوسهم بإذن الله عز و جل و إن أبا قتادة بن ربعي الأنصاري شهد وقعة أحد فأصابته طعنة في عينه فبدت حدقته فأخذها بيده ثم أتى بها رسول الله ص فقال امرأتي الآن تبغضني فأخذها رسول الله ص من يده ثم وضعها مكانها فلم يك يعرف إلا بفضل حسنها و ضوئها على العين الأخرى و لقد بارز عبد الله بن عتيك فأبين يده فجاء إلى رسول الله ص ليلا و معه اليد المقطوعة فمسح عليها فاستوت يده

 4-  يج، ]الخرائج و الجرائح[ اعلم أن الله تعالى كما أمر آدم ع أن يخرج من الجنة إلى الأرض و أن يهاجر إليها أمر محمدا ص أن يخرج من مكة إلى المدينة و كما ابتلى آدم ع بقتل ابنه هابيل ابتلى محمدا ص بقتل ابنيه الحسن و الحسين ع و كان يعلمه لإعلام الله إياه ذلك و كما أمر الله آدم ع لما أمره بوضع النوى في الأرض فصار في الحال نخلا باسقة عليها الرطب أكرم محمدا بمثله عند إسلام سلمان و كما قال في وصف إدريس ع وَ رَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا قال في وصف محمد وَ رَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ يذكر مع ذكر الله في الأذان و الصلاة و قد رفع إلى سدرة المنتهى فشاهد ما لم يشاهده بشر و إن أطعم إدريس ع بعد وفاته من الجنة فقد أطعم محمدا و آله مرارا كثيرة في الدنيا و قيل لمحمد ص إنك تواصل قال إني لست كأحدكم إني يطعمني ربي و يسقيني و إن أوتي نوح ع إجابة الدعوة بما قال لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً فلم يبق منهم باقية إلا المؤمنين فقد أوتي محمد ص مثله حين أنزل الله ملك الجبال و أمر بطاعته فيما يأمره به من إهلاك قومه فاختار الصبر على أذاهم و الابتهال في الدعاء لهم بالهداية ثم رق نوح ع على ولده فقال رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي رقة القرابة فالمصطفى لما أمره الله بالقتال شهر على قرابته سيف النقمة و لم تحركه شفقة القرابة و أخذ بالفضل معهم لما شكوا احتباس المطر فدعا فمطروا من الجمعة إلى الجمعة حتى سألوه أن يقل و إن قال في نوح ع إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً فقد قال في محمد بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ و إن خص إبراهيم ع بالخلة ففضل بها فقال وَ اتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا فقد جمع الله الخلة و المحبة لمحمد ص حتى قال ص و لكن صاحبكم خليل الله و حبيب الله و في القرآن فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ

 و عن عبد الله بن أبي الحمساء قال كان بيني و بين محمد بيع قبل أن يبعث فبقيت لي بقية فوعدته أن آتيه في مكانه فنسيت يومي و الغد فأتيته في اليوم الثالث و كان محمد في مكانه ينتظرني فقلت له في ذلك فقال أنا هاهنا مذ وعدتك أنتظرك ضاهى جده إسماعيل بن إبراهيم ع فإنه وعد رجلا فبقي في مكانه سنة فشكر الله له ذلك فقال وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ و كان محمد في صباه يخرج بغنم لهم إلى الصحراء فقال له بعض الرعاة يا محمد إني وجدت في موضع كذا مرعى خصيبا فقال نخرج غدا إليه فبكر من بيته إلى ذلك الموضع و أبطأ الرجل في الوصول فرأى رسول الله ص و قد منع غنمه أن ترعى في ذلك الموضع حتى يصل ذلك الرجل فرعيا و لا شك أن الأنبياء كلهم و أممهم تحت راية نبينا و إن كلم الله موسى ع على طور سيناء فقد كلم محمدا فوق سبع سماوات و جعل الله الإمامة بعد محمد ص في قومه عند انقطاع النبوة حتى يأتي أمر الله و ينزل عيسى ع فيصلي خلف رجل منهم يقال له المهدي يملأ الأرض عدلا و يمحو كل جور كما وصف رسول الله ص و إن النبي لما وصف عليا ع و شبهه بعيسى ع قال تعالى وَ لَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ و إن أخرج الله لصالح ع ناقة من الجبل لها شرب و لقومه شرب فقد أخرج تعالى لوصي محمد خمسين ناقة أو أربعين مرة و مائة ناقة مرة من الجبل قضى بها دين محمد ص و وعده و قال تعالى وَ إِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَ جِبْرِيلُ وَ صالِحُ الْمُؤْمِنِينَ و هو علي بن أبي طالب على ما روى الرواة في تفسيرهم و أنطق الله لمحمد البعير و إن بئر زمزم في صدر الإسلام بمكة كان للمسلمين يوما و للكافرين يوما فكان يستقى للمسلمين منه ما يكون ليومين في يوم و للمشركين على ما كان عليه يوما فيوما و إن أعطى الله يعقوب ع الأسباط من سلالة صلبه و مريم بنت عمران من بناته فقال وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ وَ جَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَ الْكِتابَ فقد أعطى محمدا ص فاطمة ع من صلبه و هي سيدة نساء العالمين و جعل الوصية و الإمامة في أخيه و ابن عمه علي بن أبي طالب ع ثم في الحسن و الحسين و في أولاد الحسين ع إلى أن تقوم الساعة كلهم ولد رسول الله ص من فاطمة ع

 كما كان عيسى ع من ولد الأنبياء قال الله وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ وَ أَيُّوبَ وَ يُوسُفَ وَ مُوسى وَ هارُونَ وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَ زَكَرِيَّا وَ يَحْيى وَ عِيسى و أعطى محمدا الكتاب المجيد و القرآن العظيم و فتح عليه و على أهل بيته باب الحكمة و أوجب الطاعة لهم على الإطلاق بقوله أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ و إن صبر يعقوب ع على فراق ولده حتى كاد أن يكون حرضا من الحزن فقد فجع محمد ص بابن كان له وحده فصبر و وجد يعقوب ع وجد فراق و حزن محمد ص على قرة عينه كان بوفاته و كان يعقوب ع فقد ابنا واحدا من بنيه و لم يتيقن وفاته و إن أوتي يوسف شطر الحسن فقد وصف جمال رسولنا فقيل إذا رأيته رأيته كالشمس الطالعة و إن ابتلي يوسف بالغربة و امتحن بالفرقة فمحمد فارق وطنه من أذى المشركين و وقف على الثنية و حول وجهه إلى مكة فقال إني لأعلم أنك أحب البقاع إلى الله و لو لا أهلك أخرجوني ما خرجت فلما بلغ الجحفة أنزل الله عليه إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ ثم آل محمد ص شردوا في الآفاق و امتحنوا بما لم يمتحن به أحد غيرهم و قد أعلم محمد ص جميع ذلك و كان يخبر به و إن بشر الله يوسف برؤيا رآها فقد بشر محمدا برؤيا في قوله لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ و إن اختار يوسف ع الحبس توقيا من المعصية فقد حبس رسول الله ص في الشعب ثلاث سنين و نيفا حتى ألجأه أقاربه إلى أضيق الضيق حتى كادهم الله ببعثه أضعف خلقه في أكل عهدهم الذي كتبوه في قطيعة رحمه و لئن غاب يوسف ع فقد غاب مهدي آل محمد و سيظهر أمره كما ظهر أمره و أكثر ما ذكرناه يجري مجرى المعجزات و فيها ما هو معجزة و إن قلب الله لموسى ع العصا حية فمحمد ص دفع إلى عكاشة بن محصن يوم بدر لما انقطع سيفه قطعة حطب فتحول سيفا في يده و دعا الشجرة فأقبلت نحوه تخد الأرض و إن كان موسى ع ضرب الأرض بعصاه فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً فمحمد ص كان ينفجر الماء من بين أصابعه و انفجار الماء من اللحم و الدم أعجب من خروجه من الحجر لأن ذلك معتاد و قد أخرج أوصياؤه من الجب الذي لا ماء فيه الماء إلى رأسه حتى شرب الناس منه و قال إن المهدي من ولده يفعل مثل ذلك عند خروجه من مكة إلى الكوفة و إن ضرب موسى بعصاه الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فكان آية محمد ص لما خرج إلى خيبر إذا هو بواد يشخب فقدروه أربع عشرة قامة و العدو من ورائهم قال الناس إنا لمدركون قال كلا فدعا فعبرت الإبل و الخيل على الماء لا تندى حوافرها و أخفافها و لما عبر عمرو بن معديكرب بعسكر الإسلام في البحر بالمدائن كان كذلك و إن موسى ع قد أتى فرعون بألوان العذاب من الجراد و القمل و الضفادع و الدم فرسولنا قد أتى بالدخان على المشركين و هو ما ذكره الله في قوله يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ و ما أنزل الله على الفراعنة يوم بدر و ما أنزل على المستهزءين بعقوبات تستأصل في يوم أحد فأما تكليم الله لموسى ع فإنه كان على الطور و رسولنا دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى و قد كلمه الله هناك و أما المن و السلوى و الغمام و استضاءة الناس بنور سطع من يده فقد أوتي رسولنا ما هو أفضل منه أحلت له الغنائم و لم تحل لأحد قبله و أصاب أصحابه مجاعة في سرية بناحية البحر فقذف البحر لهم حوتا فأكلوا منه نصف شهر و قدموا بودكه و كان الجيش خلقا كثيرا و كان يطعم الأنفس الكثيرة من طعام قليل و يسقي الجماعة الجمة من شربة من لبن حتى يرتووا

 و روى حمزة بن عمر الأسلمي قال نفرنا مع رسول الله ص في ليلة ظلماء فأضاءت أصابعه لنا فانكشفت الظلمة و هذا أعجب مما كان لموسى ع و أما اليد البيضاء لموسى ع فقد أعطى محمدا أفضل من ذلك و هو أن نورا كان يضي‏ء له أبدا عن يمينه و عن يساره حيثما جلس و قام يراه الناس و قد بقي ذلك النور إلى قيام الساعة يسطع من قبره و كذا كان مع وصيه و أولاده المعصومين في حياتهم و الآن يكون يسطع من قبورهم و في كل بقعة مر بها المهدي يرى نور ساطع و إن موسى ع أرسل إلى فرعون فأراه الآية الكبرى و نبينا أرسل إلى فراعنة شتى كأبي لهب و أبي جهل و شيبة و عتبة ابني أبي ربيعة و أبي بن خلف و الوليد بن المغيرة و العاص بن وائل السهمي و النضر بن الحارث و غيرهم فأراهم الآيات فِي الْآفاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ و لم يؤمنوا و إن كان الله انتقم لموسى ع من فرعون فقد انتقم لمحمد ص يوم بدر فقتلوا بأجمعهم و ألقوا في القليب و انتقم له من المستهزءين فأخذهم بأنواع البلاء و إن كان موسى ع صار عصاه ثعبانا فاستغاث فرعون منه رهبة فقد أعطى محمدا مثله لما جاء إلى أبي جهل شفيعا لصاحب الدين فخاف أبو جهل و قضى دين الغريب ثم إنه عتب عليه فقال رأيت عن يمين محمد و يساره ثعبانين تصطك أسنانهما و تلمع النيران من أبصارهما لو امتنعت لم آمن أن يبتلعني الثعبان و قال تعالى لموسى ع وَ أَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي و قال في وصيه و أولاده سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا و إن كان داود ع سخر له الجبال و الطير يسبحن له و سارت بأمره فالجبل نطق لمحمد ص إذ جادله اليهود و شهد له بالنبوة ثم سألوه أن يسير الجبل فدعا فسار الجبل إلى فضاء كما تقدم و سبح الحصى في يد رسول الله ص و سخرت له الحيوانات كما ذكرنا و إن لان الحديد لداود ع فقد لين لرسولنا الحجارة التي لا تلين بالنار و الحديد تلين بالنار و قد لين الله العمود الذي جعله وصيه علي بن أبي طالب عليه السلام في عنق خالد بن وليد فلما استشفع إليه أخذه من عنقه و إن محمدا لما استتر من المشركين يوم أحد مال برأسه نحو الجبل حتى خرقه بمقدار رأسه و هو موضع معروف مقصود في شعب و أثر ساعدا محمد ص في جبل أصم من جبال مكة لما استروح في صلاته فلان له الحجر حتى ظهر أثر ذراعيه فيه كما أثر قدما إبراهيم ع في المقام و لانت الصخرة تحت يد محمد ص ببيت المقدس حتى صار كالعجين و رئي ذلك من مقام دابته و الناس يلمسونه بأيديهم إلى يومنا هذا و إن الرضا ع من ولده دعا في خراسان فلين الله له جبلا يؤخذ منه القدور و غيرها و احتاج الرضا ع هناك إلى الطهور فمس بيده الأرض فنبع له عين و كلاهما معروف و آثار وصي محمد ص في الأرض أكثر من أن تحصى منها بئر عبادان فإن

 المخالف و المؤالف يروي أن من قال عندها بحق علي يفور الماء من قعرها إلى رأسها و لا يفور بذكر غيره و بحق غيره و إن سور حلب من أصلب الحجارة فضربه علي بن أبي طالب بسيفه فأثره من فوقه إلى الأرض ظاهر و إنه ص لما خرج إلى صفين فكان بينه و بين دمشق مائة فرسخ و أكثر و قد نزل ببرية فكان يصلي فيها فلما فرغ و رفع رأسه من سجدة الشكر قال أسمع صوت بوق التبريز لمعاوية من دمشق فكتبوا التاريخ فكان كما قال و قد بني هناك مشهد يقال له مشهد البوق و بكى داود ع على خطيئته حتى سارت الجبال معه و محمد ص قام إلى الصلاة فسمع لجوفه أزيز كأزيز المرجل على الأثافي من شدة البكاء و قد آمنه الله من عقابه فأراد أن يتخشع و قام على أطراف أصابع رجليه عشر سنين حتى تورمت قدماه و اصفر وجهه من قيام الليل فأنزل الله طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى و كان يبكي حتى يغشى عليه فقيل له أ ليس قد غفر الله لك ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ فقال أ فلا أكون عبدا شكورا و كذلك كانت غشيات علي بن أبي طالب وصيه في مقاماته و إن سليمان ع سأل الله فأعطي ملكا لا ينبغي لأحد من بعده و محمد ص عرضت عليه مفاتيح خزائن كنوز الأرض فأبى استحقارا لها فاختار التقلل و القربى فآتاه الله الشفاعة و الكوثر و هي أعظم من ملك الدنيا من أولها إلى آخرها سبعين مرة فوعد الله له المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون و الآخرون و سار في ليلة إلى بيت المقدس و منه إلى سدرة المنتهى و سخر له الريح حتى حملت بساطه بأصحابه إلى غار أصحاب الكهف و إن كان لسليمان ع غُدُوُّها شَهْرٌ وَ رَواحُها شَهْرٌ فكذلك كانت لأوصياء محمد و سخرت له الجن و آمنت به منقادة طائعة في قوله وَ إِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ و قبض ص على حلق جني فخنقه و محاربة وصيه من الجن و قتله إياهم معروفة و كذلك إتيانهم إليه و إلى أولاده المعصومين ع لأخذ العلم منهم مشهور و إن سليمان ع سخرهم للأبنية و الصنائع و استنباط القنى ما عجز عنه جميع الناس و محمد لم يحتج إلى هذه الأشياء فلو أراد منهم ذلك لفعلوا على أن مؤمني الجن يخدمون الأئمة ع و أنهم ع كانوا يبعثونهم في أمر يريدونه على العجلة و إن الله سخر الملائكة المقربين لمحمد ص و أهل بيته و ذريته الطاهرين ع فقد كانوا ينصرون محمدا و يقاتلون بين يديه كفاحا و يمنعون منه و يدفعون و كذلك كانوا مع علي بن أبي طالب و يكونون مع بقية آل محمد ع على ما روي و إن سليمان ع كان يفهم كلام الطير و منطقها فكذلك نبينا كان يفهم منطق الطير فقد كان في برية و رأى طيرا أعمى على شجرة فقال للناس إنه قال يا ربي إنني جائع لا يمكنني أن أطلب الرزق فوقع جرادة على منقاره فأكلها و كذا فهم منطقها أهل بيته و إن عيسى ع مر بكربلاء فرأى ظباء فدعاها فقال هاهنا لا ماء و لا مرعى فلم مقامكن فيها قالت يا روح الله إن الله ألهمنا أن هذه البقعة حرم الحسين ع فأوينا إليها فدعا الله عيسى ع أن يبقى أثر يعلم به آل محمد أن عيسى كان مساعدا لهم في مصيبتهم فلما مر علي بن أبي طالب ع بها جعل يقول هاهنا مناخ ركابهم و هاهنا مهراق دمائهم فسأله ابن عباس عنه فأخبره بقتل الحسين ع فيها و أن عيسى ع كان هاهنا و دعا و من قصته كيت و كيت فاطلب بعرات تلك الظباء فإنها باقية فوجدوا كثيرا من البعر قد صار مثل الزعفران و إن الظباء نطقت مع محمد ص و عترته في مواضع شتى

 و إن يحيى بن زكريا أوتي الحكم صبيا و كان يبكي من غير ذنب و يواصل الصوم و لم يتزوج و إنما اختار نبينا التزوج لأنه كان قدوة في فعله و قوله و النكاح مما أمر الله به آدم ع للتناسل و كان لسليمان ع من النساء و الجواري ما لا يحصى و قال النبي ص تناكحوا تكثروا فإني أباهي بكم الأمم و قال مباضعتك أهلك صدقة فقيل يا رسول الله نأتي شهوتنا و نفرح أ فنؤجر فقال أ رأيت لو جعلتها في باطل أ فكنت تأثم قال نعم قال أ فتحاسبون بالشر و لا تحاسبون بالخير و قد علم الله أن يكون له ذرية طيبة باقية إلى يوم القيامة و قد وصف الله عيسى ع بما لم يصف به أحدا من أنبيائه فقال وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ وَ يُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَ كَهْلًا وَ مِنَ الصَّالِحِينَ و رسولنا و أهل بيته و عترته وسيلة آدم ع و دعوة إبراهيم ع و بشرى عيسى ع و إن قدر عيسى ع من الطين كهيئة الطير فيجعلها الله طيرا فإن الله أحيا الموتى لمحمد ص و عترته ع و إن كان يبرئ الأكمه و الأبرص بإذن الله فكذا كان منهم ع و الآن ربما يدخل العميان و من به برص مشاهدهم فيهب الله لهم نور أعينهم و يذهب البرص عنهم ببركة تربتهم و هذا معروف ما بين خراسان إلى بغداد إلى الكوفة إلى الحجاز

 إيضاح الشخب السيلان و الودك بالتحريك دسم اللحم و بوق التبريز أي البوق الذي ينفخ فيه لخروج العسكر إلى الغزو و الأزيز صوت غليان القدر و المرجل بالكسر القدر من النحاس و يقال كافحوهم إذا استقبلوهم في الحرب بوجوههم ليس دونها ترس و لا غيره و يقال فلان يكافح الأمور إذا باشرها بنفسه

 5-  م، ]تفسير الإمام عليه السلام[ قال الإمام ع ما أظهر الله عز و جل لنبي تقدم آية إلا و قد جعل لمحمد ص و علي ع مثلها و أعظم منها قيل يا ابن رسول الله فأي شي‏ء جعل لمحمد و علي ما يعدل آيات عيسى إحياء الموتى و إبراء الأكمه و الأبرص و الإنباء بما يأكلون و ما يدخرون قال إن رسول الله ص كان يمشي بمكة و أخوه علي ع يمشي معه و عمه أبو لهب خلفه يرمي عقبه بالأحجار و قد أدماه ينادي معاشر قريش هذا ساحر كذاب فاقذفوه و اهجروه و اجتنبوه و حرش عليه أوباش قريش فتبعوهما يرمونهما بالأحجار فما منها حجر أصابه إلا أصاب عليا ع فقال بعضهم يا علي أ لست المتعصب لمحمد و المقاتل عنه و الشجاع لا نظير لك مع حداثة سنك و أنك لم تشاهد الحروب ما بالك لا تنصر محمدا و لا تدفع عنه فناداهم علي ع معاشر أوباش قريش لا أطيع محمدا بمعصيتي له لو أمرني لرأيتم العجب و ما زالوا يتبعونه حتى خرج من مكة فأقبلت الأحجار على حالها تتدحرج فقالوا الآن تشدخ هذه الأحجار محمدا و عليا و نتخلص منهما و تنحت قريش عنه خوفا على أنفسهم من تلك الأحجار فرأوا تلك الأحجار قد أقبلت على محمد و علي كل حجر منها ينادي السلام عليك يا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف السلام عليك يا علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف السلام عليك يا رسول رب العالمين و خير الخلق أجمعين السلام عليك يا سيد الوصيين و يا خليفة رسول رب العالمين و سمعها جماعات قريش فوجموا فقال عشرة من مردتهم و عتاتهم ما هذه الأحجار تكلمهما و لكنهم رجال في حفرة بحضرة الأحجار قد خبأهم محمد تحت الأرض فهي تكلمهما لتغرنا و تخدعنا فأقبلت عند ذلك أحجار عشرة من تلك الصخور و تحلقت و ارتفعت فوق العشرة المتكلمين بهذا الكلام فما زالت تقع بهاماتهم و ترتفع و ترضضها حتى ما بقي من العشرة أحد إلا سال دماغه و دماؤه من منخريه و قد تخلخل رأسه و هامته و يافوخه فجاء أهلوهم و عشائرهم يبكون و يضجون يقولون أشد من مصابنا بهؤلاء تبجح محمد و تبذخه بأنهم قتلوا بهذه الأحجار آية له و دلالة و معجزة فأنطق الله عز و جل جنائزهم صدق محمد و ما كذب و كذبتم و ما صدقتم و اضطربت الجنائز و رمت من عليها و سقطوا الأرض و نادت ما كنا لننقاد ليحمل علينا أعداء الله إلى عذاب الله فقال أبو جهل لعنه الله إنما سحر محمد هذه الجنائز كما سحر تلك الأحجار و الجلاميد و الصخور حتى وجد منها من النطق ما وجد فإن كانت قتل هذه الأحجار هؤلاء لمحمد آية له و تصديقا لقوله و تبيينا لأمره فقولوا له يسأل من خلقهم أن يحييهم فقال رسول الله ص يا أبا الحسن قد سمعت اقتراح الجاهلين و هؤلاء عشرة قتلى كم جرحت بهذه الأحجار التي رمانا بها القوم يا علي قال علي ع جرحت أربع جراحات و قال رسول الله ص جرحت أنا ست جراحات فليسأل كل واحد منا ربه أن يحيي من العشرة بقدر جراحاته فدعا رسول الله ص لستة منهم فنشروا و دعا علي ع لأربعة منهم فنشروا ثم نادى المحيون معاشر المسلمين إن لمحمد و علي شأنا عظيما في الممالك التي كنا فيها لقد رأينا لمحمد ص مثالا على سرير عند البيت المعمور و عند العرش و لعلي ع مثالا عند البيت المعمور و عند الكرسي و أملاك السماوات و الحجب و أملاك العرش يحفون بهما و يعظمونهما و يصلون عليهما و يصدرون عن أوامرهما و يقسمون على الله عز و جل لحوائجهم إذا سألوه بهما فآمن منهم سبعة نفر و غلب الشقاء على الآخرين و أما تأييد الله عز و جل لعيسى ع بروح القدس فإن جبرئيل هو الذي لما حضر رسول الله ص و هو قد اشتمل بعباءته القطوانية على نفسه و على علي و فاطمة

 و الحسن و الحسين ع و قال اللهم هؤلاء أهلي أنا حرب لمن حاربهم و سلم لمن سالمهم محب لمن أحبهم و مبغض لمن أبغضهم فكن لمن حاربهم حربا و لمن سالمهم سلما و لمن أحبهم محبا و لمن أبغضهم مبغضا فقال الله عز و جل لقد أجبتك إلى ذلك يا محمد فرفعت أم سلمة جانب العباء لتدخل فجذبه رسول الله ص و قال لست هناك و إن كنت في خير و إلى خير و جاء جبرئيل ع مدثرا و قال يا رسول الله اجعلني منكم قال أنت منا قال فأرفع العباء و أدخل معكم قال بلى فدخل في العباء ثم خرج و صعد إلى السماء إلى الملكوت الأعلى و قد تضاعف حسنه و بهاؤه و قالت الملائكة قد رجعت بجمال خلاف ما ذهبت به من عندنا قال فكيف لا أكون كذلك و قد شرفت بأن جعلت من آل محمد و أهل بيته قالت الأملاك في ملكوت السماوات و الحجب و الكرسي و العرش حق لك هذا الشرف أن تكون كما قلت و كان علي ع معه جبرئيل عن يمينه في الحروب و ميكائيل عن يساره و إسرافيل خلفه و ملك الموت أمامه و أما إبراء الأكمه و الأبرص و الإنباء بما يأكلون و ما يدخرون في بيوتهم فإن رسول الله ص لما كان بمكة قالوا يا محمد ربنا هبل الذي يشفي مرضانا و ينقذ هلكانا و يعالج جرحانا قال ص كذبتم ما يفعل هبل من ذلك شيئا بل الله تعالى يفعل بكم ما يشاء من ذلك قال ع فكبر هذا على مردتهم فقالوا له يا محمد ما أخوفنا عليك من هبل أن يضر بك باللقوة و الفالج و الجذام و العمى و ضروب العاهات لدعائك إلى خلافه قال ص لا يقدر على شي‏ء مما ذكرتموه إلا الله عز و جل قالوا يا محمد فإن كان لك رب تعبده و لا رب سواه فاسأله أن يضر بنا بهذه الآفات التي ذكرناها لك حتى نسأل نحن هبل أن يبرئنا منها لتعلم أن هبل هو شريك ربك الذي إليه تومئ و تشير فجاء جبرئيل ع فقال ادع أنت على بعضهم و ليدع علي على بعض فدعا رسول الله ص على عشرين منهم و دعا علي على عشرة فلم يريموا مواضعهم حتى برصوا و جذموا و فلجوا و لقوا و عموا و انفصلت عنهم الأيدي و الأرجل و لم يبق في شي‏ء من أبدانهم عضو صحيح إلا ألسنتهم و آذانهم فلما أصابهم ذلك صير بهم إلى هبل و دعوه ليشفيهم و قالوا دعا على هؤلاء محمد و علي ففعل بهم ما ترى فاشفهم فناداهم هبل يا أعداء الله و أي قدرة لي على شي‏ء من الأشياء و الذي بعثه إلى الخلق أجمعين و جعله أفضل النبيين و المرسلين لو دعا علي لتهافتت أعضائي و تفاصلت أجزائي و احتملتني الرياح تذروني حتى لا يرى لشي‏ء مني عين و لا أثر يفعل الله ذلك بي حتى يكون أكبر جزء مني دون عشر عشير خردلة فلما سمعوا ذلك من هبل ضجوا إلى رسول الله ص فقالوا انقطع الرجاء عمن سواك فأغثنا و ادع الله لأصحابنا فإنهم لا يعودون إلى أذاك فقال رسول الله ص شفاؤهم يأتيهم من حيث أتاهم داؤهم عشرون علي و عشرة على علي فجاءوا بعشرين أقاموهم بين يديه و بعشرة أقاموهم بين يدي علي ع فقال رسول الله ص للعشرين غضوا أعينكم و قولوا اللهم بجاه من بجاهه ابتليتنا فعافنا بمحمد و علي و الطيبين من آلهما و كذلك قال علي ع للعشرة الذين بين يديه فقالوها فقاموا كأنما نشطوا من عقال ما بأحد منهم نكبة

 و هو أصح مما كان قبل أن أصيب بما أصيب فآمن الثلاثون و بعض أهليهم و غلب الشقاء على أكثر الباقين و أما الإنباء بما يأكلون و ما يدخرون في بيوتهم فإن رسول الله ص لما برءوا قال لهم آمنوا فقالوا آمنا فقال أ لا أزيدكم بصيرة قالوا بلى قال أخبركم بما تغدى به هؤلاء و تداووا تغدى فلان بكذا و تداوى فلان بكذا و بقي عنده كذا حتى ذكرهم أجمعين ثم قال يا ملائكة ربي أحضروني بقايا غدائهم و دوائهم على أطباقهم و سفرهم فأحضرت الملائكة ذلك و أنزلت من السماء بقايا طعام أولئك و دوائهم فقالوا هذه البقايا من المأكول كذا و المداوي به كذا ثم قال يا أيها الطعام أخبرنا كم أكل منك فقال الطعام أكل مني كذا و ترك مني كذا و هو ما ترون و قال بعض ذلك الطعام أكل صاحبي هذا مني كذا و بقي مني كذا و جاء به الخادم فأكل مني كذا و أنا الباقي فقال رسول الله ص فمن أنا قال الطعام و الدواء أنت رسول الله فقال فمن هذا يشير إلى علي ع فقال الطعام و الدواء هذا أخوك سيد الأولين و الآخرين و وزيرك أفضل الوزراء و خليفتك سيد الخلفاء

 بيان التحريش الإغراء بين القوم و الأوباش من الناس الأخلاط و وجم أي أمسك و سكت و اليافوخ ملتقى عظم مقدم الرأس و مؤخره و التبجح بتقديم الجيم على الحاء إظهار الفرح و التبذخ التكبر و العلو و الجلاميد جمع الجلمود بالضم و هو الصخر و يقال فلج على بناء المجهول أي أصابه الفالج فهو مفلوج و كذا لقي على المجهول أصابه اللقوة

  -6  م، ]تفسير الإمام عليه السلام[ قال أبو يعقوب قلت للإمام ع هل كان لرسول الله ص و لأمير المؤمنين ع آيات تضاهي آيات موسى ع فقال ع علي نفس رسول الله ص و آيات رسول الله آيات علي ع و آيات علي آيات رسول الله ص و ما آية أعطاها الله موسى ع و لا غيره من الأنبياء إلا و قد أعطى الله محمدا مثلها أو أعظم منها أما العصا التي كانت لموسى ع فانقلبت ثعبانا فتلقفت ما ألقته السحرة من عصيهم و حبالهم فلقد كان لمحمد ص أفضل منها و هو أن قوما من اليهود أتوا محمدا ص فسألوه و جادلوه فما أتوه بشي‏ء إلا أتاهم في جوابه بما بهرهم فقالوا له يا محمد إن كنت نبيا فأتنا بمثل عصا موسى فقال رسول الله ص إن الذي أتيتكم به أفضل من عصا موسى ع لأنه باق بعدي إلى يوم القيامة متعرض لجميع الأعداء المخالفين لا يقدر أحد على معارضة سورة منه و إن عصا موسى زالت و لم تبق بعده فتمتحن كما يبقى القرآن فيمتحن ثم إني سآتيكم بما هو أعظم من عصا موسى و أعجب فقالوا فأتنا فقال إن موسى ع كانت عصاه بيده يلقيها و كانت القبط يقول كافرهم هذا يحتال في العصا بحيلة و إن الله سوف يقلب خشبا لمحمد ثعابين بحيث لا يمسها يد محمد و لا يحضرها إذا رجعتم إلى بيوتكم و اجتمعتم الليلة في مجمعكم في ذلك البيت قلب الله جذوع سقوفكم كلها أفاعي و هي أكثر من مائة جذع فتتصدع مرارات أربعة منكم فيموتون و يغشى على الباقين منكم إلى غداة غد فيأتيكم يهود فتخبرونهم بما رأيتم فلا يصدقونكم فتعود بين أيديهم و يملأ أعينهم ثعابين كما كانت في بارحتكم فيموت منهم جماعة و تخبل جماعة و يغشى على أكثرهم قال فو الذي بعثه بالحق نبيا لقد ضحك القوم كلهم بين يدي رسول الله ص لا يحتشمونه و لا يهابونه و يقول بعضهم لبعض انظروا ما ادعى و كيف عدا طوره فقال رسول الله ص إن كنتم الآن تضحكون فسوف تبكون و تتحيرون إذا شاهدتم ما عنه تخبرون ألا فمن هاله ذلك منكم و خشي على نفسه أن يموت أو يخبل فليقل اللهم بجاه محمد الذي اصطفيته و علي الذي ارتضيته و أوليائهما الذين من سلم لهم أمرهم اجتبيته لما قويتني على ما أرى و إن كان من يموت هناك ممن يحبه و يريد حياته فليدع له بهذا الدعاء ينشره الله تعالى و يقويه قال ع فانصرفوا و اجتمعوا في ذلك الموضع و جعلوا يهزءون بمحمد ص و قوله إن تلك الجذوع تنقلب أفاعي فسمعوا حركة من السقف فإذا بتلك الجذوع انقلبت أفاعي و قد لوت رءوسها عن الحائط و قصدت نحوهم تلتقمهم فلما وصلت إليهم كفت عنهم و عدلت إلى ما في الدار من حباب و جرار و كيزان و صلايات و كراسي و خشب و سلاليم و أبواب فالتقمتها و أكلتها فأصابهم ما قال رسول الله ع أنه يصيبهم فمات منهم أربعة و خبل جماعة و جماعة خافوا على أنفسهم فدعوا بما قال رسول الله ص فقويت قلوبهم و كانت الأربعة أتى بعضهم فدعا لهم بهذا الدعاء فنشروا فلما رأوا ذلك قالوا إن هذا الدعاء مجاب به و إن محمدا صادق و إن كان يثقل علينا تصديقه أ فلا ندعو به لتلين للإيمان به و التصديق له و الطاعة لأوامره و زواجره قلوبنا فدعوا بذلك الدعاء فحبب الله

 تعالى إليهم الإيمان و طيبه في قلوبهم و كره إليهم الكفر فآمنوا بالله و رسوله فلما أصبحوا من غد جاءت اليهود و قد عادت الجذوع ثعابين كما كانت فشاهدوها و تحيروا و مات منهم جماعة و غلب الشقاء على الآخرين و قال و أما اليد فلقد كان لمحمد ص مثلها و أفضل منها و أكثر منها ألف مرة كان ص يحب أن يأتيه الحسن و الحسين ع و كانا يكونان عند أهلهما أو مواليهما أو دايتهما و كان يكون في ظلمة الليل فيناديهما رسول الله ص يا با محمد يا با عبد الله هلما إلي فيقبلان نحوه من ذلك البعد قد بلغهما صوته فيقول رسول الله ص بسبابته هكذا يخرجها من الباب فتضي‏ء لهما أحسن من ضوء القمر و الشمس فيأتيان فتعود الإصبع كما كانت فإذا قضى وطره من لقائهما و حديثهما قال ارجعا إلى موضعكما فقال بعد بسبابته هكذا فأضاءت أحسن من ضياء القمر و الشمس قد أحاط بهما إلى أن يرجعا إلى موضعهما ثم تعود إصبعه ص كما كانت من لونها في سائر الأوقات و أما الطوفان الذي أرسله الله تعالى على القبط فقد أرسل الله مثله على قوم مشركين آية لمحمد ص فقال إن رجلا من أصحاب رسول الله ص يقال له ثابت بن الأفلح قتل رجلا من المشركين في بعض المغازي فنذرت امرأة ذلك المشرك المقتول لتشربن في قحف رأس ذلك القاتل الخمر فلما وقع بالمسلمين يوم أحد ما وقع قتل ثابت هذا على ربوة من الأرض فانصرف المشركون و اشتغل رسول الله ص و أصحابه بدفن أصحابه فجاءت المرأة إلى أبي سفيان تسأله أن يبعث رجلا مع عبد لها إلى مكان ذلك المقتول ليجتز رأسه فيؤتى به لتفي بنذرها فتشرب في قحفه خمرا و قد كانت البشارة أتتها بقتله أتاها بها عبد لها فأعتقته و أعطته جارية لها ثم سألت أبا سفيان فبعث إلى ذلك المقتول مائتين من أصحاب الجلد في جوف الليل ليجتزوا رأسه فيأتوها به فذهبوا فجاءت ريح فدحرجت الرجل إلى حدور فتبعوه ليقطعوا رأسه فجاء من المطر وابل عظيم فغرق المائتين و لم يوقف لذلك المقتول و لا لواحد من المائتين على عين و لا أثر و منع الله الكافرة مما أرادت فهذا أعظم من الطوفان آية له ص و أما الجراد المرسل على بني إسرائيل فقد فعل الله أعظم و أعجب منه بأعداء محمد ص فإنه أرسل عليهم جرادا أكلهم و لم يأكل جراد موسى ع رجال القبط و لكنه أكل زروعهم و ذلك أن رسول الله ص كان في بعض أسفاره إلى الشام و قد تبعه مائتان من يهودها في خروجه عنها و إقباله نحو مكة يريدون قتله مخافة أن يزيل الله دولة اليهود على يده فراموا قتله و كان في القافلة فلم يجسروا عليه و كان رسول الله ص إذا أراد حاجة أبعد و استتر بأشجار تكنفه أو برية بعيدة فخرج ذات يوم لحاجته فأبعد و تبعوه و أحاطوا به و سلوا سيوفهم عليه فأثار الله جل و علا من تحت رجل محمد من ذلك الرمل جرادا فاحتوشتهم و جعلت تأكلهم فاشتغلوا بأنفسهم عنه فلما فرغ رسول الله ص من حاجته و هم يأكلهم الجراد و رجع إلى أهل القافلة فقالوا له ما بال الجماعة خرجوا خلفك لم يرجع منهم أحد فقال رسول الله ص جاءوا يقتلونني فسلط الله عليهم الجراد فجاءوا و نظروا إليهم فبعضهم قد مات و بعضهم قد كاد يموت و الجراد يأكلهم فما زالوا ينظرون إليهم حتى أتى الجراد على أعيانهم فلم تبق منهم شيئا و أما القمل فأظهر الله قدرته على أعداء محمد ص بالقمل و قصة ذلك أن رسول الله

 ص لما ظهر بالمدينة أمره و علا بها شأنه حدث يوما أصحابه عن امتحان الله عز و جل للأنبياء و عن صبرهم على الأذى في طاعة الله فقال في حديثه إن بين الركن و المقام قبور سبعين نبيا ما ماتوا إلا بضر الجوع و القمل فسمع بذلك بعض المنافقين من اليهود و بعض مردة قريش فتؤامروا بينهم ليلحقن محمدا بهم فيقتلوه بسيوفهم حتى لا يكذب فتؤامروا بينهم و هم مائتان على الإحاطة به يوما يجدونه من المدينة خارجا فخرج رسول الله ص يوما خاليا فتبعه القوم و نظر أحدهم إلى ثياب نفسه و فيها قمل ثم جعل بدنه و ظهره يحكه من القمل فأنف من أصحابه و استحيا فانسل عنهم و أبصر آخر ذلك من نفسه و فيها قمل مثل ذلك فانسل فما زال كذلك حتى وجد ذلك كل واحد من نفسه فرجعوا ثم زاد ذلك عليهم حتى استولى عليهم القمل و انطبقت حلوقهم فلم يدخل فيها طعام و لا شراب فماتوا كلهم في شهرين منهم من مات في خمسة أيام و منهم من مات في عشرة أيام و أقل و أكثر فلم يزد على شهرين حتى ماتوا بأجمعهم بذلك القمل و الجوع و العطش فهذا القمل الذي أرسله الله تعالى على أعداء محمد ص آية له و أما الضفادع فقد أرسل الله مثلها على أعداء محمد ص حين قصدوا قتله فأهلكهم بالجرذ و ذلك أن مائتين بعضهم كفار العرب و بعضهم يهود و بعضهم أخلاط من الناس اجتمعوا بمكة في أيام الموسم و هموا فيما بينهم لنقتلن محمدا فخرجوا نحو المدينة فبلغوا بعض تلك المنازل و إذا هناك ماء في بركة أطيب من مائهم الذي كان معهم فصبوا ما كان معهم منه و ملئوا رواياهم و مزاودهم من ذلك الماء و ارتحلوا فبلغوا أرضا ذات جرذ كثير فحطوا رواحلهم عندها فسلطت على مزاودهم و رواياهم و سطائحهم الجرذ و خرقتها و نقبتها و سال مياهها في تلك الحرة فلم يشعروا إلا و قد عطشوا و لا ماء معهم فرجعوا القهقرى إلى تلك البركة التي كانوا تزودوا منها تلك المياه و إذا الجرذ قد سبقهم إليها فنقبت أفواهها و سالت في الحرة مياهها فوقفوا آيسين من الماء و تماوتوا و لم يفلت منهم أحد إلا واحد كان لا يزال يكتب على لسانه محمدا و على بطنه محمدا و يقول يا رب محمد و آل محمد قد تبت من أذى محمد ففرج عني بجاه محمد و آل محمد فسلم و كف عنه العطش فوردت عليه قافلة فسقوه و حملوه و أمتعة القوم و جمالهم و كانت أصبر على العطش من رجالها فآمن برسول الله ص و جعل رسول الله ص تلك الجمال و الأموال له قال و أما الدم فإن رسول الله ص احتجم مرة فدفع الدم الخارج منه إلى أبي سعيد الخدري و قال له غيبه فذهب فشربه فقال له ص ما صنعت به قال شربته يا رسول الله قال أ و لم أقل لك غيبه فقال غيبته في وعاء حريز فقال رسول الله ص إياك و أن تعود لمثل هذا ثم اعلم أن الله قد حرم على النار لحمك و دمك لما اختلط بدمي و لحمي فجعل أربعون من المنافقين يهزءون برسول الله ص و يقولون زعم أنه قد أعتق

 الخدري من النار لاختلاط دمه بدمه و ما هو إلا كذاب مفتر و أما نحن فنستقذر دمه فقال رسول الله ص أما إن الله يعذبهم بالدم و يميتهم به و إن كان لم يمت القبط فلم يلبثوا إلا يسيرا حتى لحقهم الرعاف الدائم و سيلان الدماء من أضراسهم فكان طعامهم و شرابهم يختلط بالدم فيأكلونه فبقوا كذلك أربعين صباحا معذبين ثم هلكوا و أما السنين و نقص من الثمرات فإن رسول الله ص دعا على مضر فقال اللهم اشدد وطأتك على مضر و اجعلها عليهم سنين كسني يوسف فابتلاهم الله بالقحط و الجوع فكان الطعام يجلب إليهم من كل ناحية فإذا اشتروه و قبضوه لم يصلوا به إلى بيوتهم حتى يسوس و ينتن و يفسد فتذهب أموالهم و لا يحصل لهم في الطعام نفع حتى أضر بهم الأزم و الجوع الشديد العظيم حتى أكلوا الكلاب الميتة و أحرقوا عظام الموتى فأكلوها و حتى نبشوا عن قبور الموتى فأكلوهم و حتى ربما أكلت المرأة طفلها إلى أن مشى جماعة من رؤساء قريش إلى رسول الله ص فقالوا يا محمد هبك عاديت الرجال فما بال النساء و الصبيان و البهائم فقال رسول الله ص أنتم بهذا معاقبون و أطفالكم و حيواناتكم بهذا غير معاقبة بل هي معوضة لجميع المنافع حيث يشاء ربنا في الدنيا و الآخرة فسوف يعوضها الله تعالى عما أصابها ثم عفا عن مضر و قال اللهم افرج عنهم فعاد إليهم الخصب و الدعة و الرفاهية فذلك قوله عز و جل فيهم يعدد عليهم نعمه فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَ آمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ قال الإمام ع و أما الطمس لأموال قوم فرعون فقد كان مثله آية لمحمد ص و علي ع و ذلك أن شيخا كبيرا جاء بابنه إلى رسول الله ص و الشيخ يبكي و يقول يا رسول الله ابني هذا غذوته صغيرا و منته طفلا عزيزا و أعنته بمالي كثيرا حتى اشتد أزره و قوي ظهره و كثر ماله و فنيت قوتي و ذهب مالي عليه و صرت من الضعف إلى ما ترى فلا يواسيني بالقوت الممسك لرمقي فقال رسول الله ص للشاب ما ذا تقول قال يا رسول الله لا فضل معي عن قوتي و قوت عيالي فقال رسول الله ص للوالد ما تقول فقال يا رسول الله إن له أنابير حنطة و شعير و تمر و زبيب و بدر الدراهم و الدنانير و هو غني فقال رسول الله ص للابن ما تقول قال الابن يا رسول الله ما لي شي‏ء مما قال قال رسول الله ص اتق الله يا فتى و أحسن إلى والدك المحسن إليك يحسن الله إليك قال لا شي‏ء لي قال رسول الله ص فنحن نعطيه عنك في هذا الشهر فأعطه أنت فيما بعده و قال لأسامة أعط الشيخ مائة درهم نفقة لشهره لنفسه و عياله ففعل فلما كان رأس الشهر جاء الشيخ و الغلام و قال الغلام لا شي‏ء لي فقال رسول الله ص لك مال كثير و لكنك اليوم تمسي و أنت فقير وقير أفقر من أبيك هذا لا شي‏ء لك فانصرف الشاب فإذا جيران أنابيره قد اجتمعوا عليه يقولون حول هذه الأنابير عنا فجاء إلى أنابير و إذا الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب قد نتن جميعه و فسد و هلك و أخذوه بتحويل ذلك عن جوارهم فاكترى أجراء بأموال كثيرة فحولوه و أخرجوه بعيدا عن المدينة ثم ذهب يخرج إليهم الكرى من أكياسه التي فيها دراهمه و دنانيره فإذا هي قد طمست و مسخت حجارة و أخذه الحمالون بالأجرة فباع ما كان له من كسوة و فرش و دار و أعطاهم في الكراء و خرج من ذلك كله صفرا ثم بقي فقيرا وقيرا لا يهتدي إلى قوت يومه فسقم لذلك جسده و ضني فقال رسول الله ص يا أيها العاقون للآباء و الأمهات اعتبروا و اعلموا أنه كما طمس في الدنيا على أمواله فكذلك جعل بدل ما كان أعد له في الجنة من الدرجات معدا له في النار من الدركات ثم قال رسول الله ص إن الله ذم اليهود بعبادة العجل من دون الله بعد رويتهم لتلك الآيات فإياكم و أن تضاهوهم في ذلك قالوا و كيف نضاهيهم يا رسول الله قال بأن تطيعوا مخلوقا في معصية الله و تتوكلوا عليه من دون الله تكونوا قد ضاهيتموهم

 توضيح خبل كفرح جن و لوى برأسه أمال و الصلاية مدق الطيب و القحف بالكسر العظم فوق الدماغ و الجلد بالتحريك القوة و الشدة و احتوش القوم الصيد أنفره بعضهم على بعض و على فلان جعلوه وسطهم و السطيحة المزادة. قوله ع يسوس أي يقع فيه السوس و هو دود يقع في الطعام و قال الجوهري الأزمة الشدة و القحط يقال أصابتهم سنة أزمتهم أزما أي استأصلتهم و أزم علينا الدهر يأزم أزما أي اشتد و قل خيره و قال مانه يمونه مونا احتمل مونته و قام بكفايته و قال فقير وقير إتباع له و يقال معناه أنه قد أوقره الدين أي أثقله و ضني بالكسر مرض و في النهاية المضاهاة المشابهة و قد تهمز و قرئ بهما

 7-  ج، ]الإحتجاج[ روي عن موسى بن جعفر ع عن أبيه عن آبائه عن الحسين بن علي ع أن يهوديا من يهود الشام و أحبارهم كان قد قرأ التوراة و الإنجيل و الزبور و صحف الأنبياء ع و عرف دلائلهم جاء إلى مجلس فيه أصحاب رسول الله ص و فيهم علي بن أبي طالب ع و ابن عباس و أبو معبد الجهني فقال يا أمة محمد ما تركتم لنبي درجة و لا لمرسل فضيلة إلا نحلتموها نبيكم فهل تجيبوني عما أسألكم عنه فكاع القوم عنه فقال علي بن أبي طالب ع نعم ما أعطى الله عز و جل نبيا درجة و لا مرسلا فضيلة إلا و قد جمعها لمحمد ص و زاد محمدا ص على الأنبياء أضعافا مضاعفة قال له اليهودي فهل أنت مجيبي قال له نعم سأذكر لك اليوم من فضائل رسول الله ص ما يقر الله به أعين المؤمنين و يكون فيه إزالة لشك الشاكين في فضائله إنه ص كان إذا ذكر لنفسه فضيلة قال و لا فخر و أنا أذكر لك فضائله غير مزر بالأنبياء و لا متنقص لهم و لكن شكرا لله عز و جل على ما أعطى محمدا ص مثل ما أعطاهم و ما زاده الله و ما فضله عليهم قال له اليهودي إني أسألك فأعد له جوابا قال له علي ع هات قال له اليهودي هذا آدم ع أسجد الله له ملائكته فهل فعل بمحمد شيئا من هذا فقال له علي ع لقد كان ذلك و لئن أسجد الله لآدم ملائكته فإن سجودهم لم يكن سجود طاعة أنهم عبدوا آدم من دون الله عز و جل و لكن اعترافا لآدم بالفضيلة و رحمة من الله له و محمد ص أعطي أفضل من هذا إن الله عز و جل صلى عليه في جبروته و الملائكة بأجمعها و تعبد المؤمنين بالصلاة عليه فهذه زيادة له يا يهودي قال له اليهودي فإن آدم ع تاب الله عليه من بعد خطيئته قال له علي ع لقد كان كذلك و محمد ص نزل فيه ما هو أكبر من هذا من غير ذنب أتى قال الله عز و جل لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ إن محمدا غير مواف القيامة بوزر و لا مطلوب فيها بذنب قال له اليهودي فإن هذا إدريس ع رفعه الله عز و جل مكانا عليا و أطعمه من تحف الجنة بعد وفاته قال له علي ع لقد كان كذلك و محمد ص أعطي ما هو أفضل من هذا إن الله جل ثناؤه قال فيه وَ رَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ فكفى بهذا من الله رفعة و لئن أطعم إدريس من تحف الجنة بعد وفاته فإن محمدا ص أطعم في الدنيا في حياته بينما يتضور جوعا فأتاه جبرئيل ع بجام من الجنة فيه تحفة فهلل الجام و هللت التحفة في يده و سبحا و كبرا و حمدا فناولها أهل بيته ففعل الجام مثل ذلك فهم أن يناولها بعض أصحابه فتناولها جبرئيل ع فقال له كلها فإنها تحفة من الجنة أتحفك الله بها و إنها لا تصلح إلا لنبي أو وصي نبي فأكل ص و أكلنا معه و إني لأجد حلاوتها ساعتي هذه قال له اليهودي فهذا نوح ع صبر في ذات الله عز و جل و أعذر قومه إذ كذب قال له علي ع لقد كان كذلك و محمد ص صبر في ذات الله و أعذر قومه إذ كذب و شرد و حصب بالحصى و علاه أبو لهب بسلا شاة فأوحى الله تبارك و تعالى إلى جابيل ملك الجبال أن شق الجبال و انته إلى أمر محمد ص فأتاه فقال له إني قد أمرت لك بالطاعة فإن أمرت أطبقت عليهم الجبال فأهلكتهم بها قال ص

 إنما بعثت رحمة رب اهد أمتي فإنهم لا يعلمون ويحك يا يهودي إن نوحا لما شاهد غرق قومه رق عليهم رقة القرابة و أظهر عليهم شفقة فقال رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي فقال الله تبارك اسمه إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ أراد جل ذكره أن يسليه بذلك و محمد ص لما علنت من قومه المعاندة شهر عليهم سيف النقمة و لم تدركه فيهم رقة القرابة و لم ينظر إليهم بعين مقت قال له اليهودي فإن نوحا دعا ربه فهطلت له السماء بماء منهمر قال له ع لقد كان كذلك و كانت دعوته دعوة غضب و محمد ص هطلت له السماء بماء منهمر رحمة إنه ص لما هاجر إلى المدينة أتاه أهلها في يوم جمعة فقالوا له يا رسول الله احتبس القطر و اصفر العود و تهافت الورق فرفع يده المباركة حتى رئي بياض إبطيه و ما ترى في السماء سحابة فما برح حتى سقاهم الله حتى أن الشاب المعجب بشبابه لتهمه نفسه في الرجوع إلى منزله فما يقدر من شدة السيل فدام أسبوعا فأتوه في الجمعة الثانية فقالوا يا رسول الله لقد تهدمت الجدر و احتبس الركب و السفر فضحك ص و قال هذه سرعة ملالة ابن آدم ثم قال اللهم حوالينا و لا علينا اللهم في أصول الشيح و مراتع البقع فرئي حوالي المدينة المطر يقطر قطرا و ما يقع في المدينة قطرة لكرامته على الله عز و جل قال له اليهودي فإن هذا هود قد انتصر الله من أعدائه بالريح فهل فعل بمحمد ص شيئا من هذا قال له علي ع لقد كان كذلك و محمد ص أعطي ما هو أفضل من هذا إن الله عز و جل ذكره انتصر له من أعدائه بالريح يوم الخندق إذ أرسل عليهم ريحا تذرو الحصى و جنودا لم يروها فزاد الله تبارك و تعالى محمدا ص على هود بثمانية آلاف ملك و فضله على هود بأن ريح عاد ريح سخط و ريح محمد ص ريح رحمة قال الله تبارك و تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها قال له اليهودي فإن هذا صالحا أخرج الله له ناقة جعلها لقومه عبرة قال علي ع لقد كان كذلك و محمد ص أعطي ما هو أفضل من ذلك إن ناقة صالح لم تكلم صالحا و لم تناطقه و لم تشهد له بالنبوة و محمد ص بينما نحن معه في بعض غزواته إذا هو ببعير قد دنا ثم رغا فأنطقه الله عز و جل فقال يا رسول الله إن فلانا استعملني حتى كبرت و يريد نحري فأنا أستعيذ بك منه فأرسل رسول الله ص إلى صاحبه فاستوهبه منه فوهبه له و خلاه و لقد كنا معه فإذا نحن بأعرابي معه ناقة له يسوقها و قد استسلم للقطع لما زور عليه من الشهود فنطقت له الناقة فقالت يا رسول الله إن فلانا مني بري‏ء و إن الشهود يشهدون عليه بالزور و إن سارقي فلان اليهودي قال له اليهودي فإن هذا إبراهيم قد تيقظ بالاعتبار على معرفة الله تعالى و أحاطت دلالته بعلم الإيمان به قال له ع لقد كان كذلك و أعطي محمد ص أفضل من ذلك قد تيقظ بالاعتبار على معرفة الله تعالى و أحاطت دلالته بعلم الإيمان به و تيقظ إبراهيم ع و هو ابن خمس عشرة سنة و محمد ص كان ابن سبع سنين قدم تجار من النصارى فنزلوا

 بتجارتهم بين الصفا و المروة فنظر إليه بعضهم فعرفه بصفته و نعته و خبر مبعثه و آياته ص فقالوا له يا غلام ما اسمك قال محمد قالوا ما اسم أبيك قال عبدا الله قالوا ما اسم هذه و أشاروا بأيديهم إلى الأرض قال الأرض قالوا فما اسم هذه و أشاروا بأيديهم إلى السماء قال السماء قالوا فمن ربهما قال الله ثم انتهرهم و قال أ تشككونني في الله عز و جل ويحك يا يهودي لقد تيقظ بالاعتبار على معرفة الله عز و جل مع كفر قومه إذ هو بينهم يستقسمون بالأزلام و يعبدون الأوثان و هو يقول لا إله إلا الله قال اليهودي فإن إبراهيم ع حجب عن نمرود بحجب ثلاثة فقال علي ع لقد كان كذلك و محمد ص حجب عمن أراد قتله بحجب خمسة فثلاثة بثلاثة و اثنان فضل قال الله عز و جل و هو يصف أمر محمد ص فقال وَ جَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا فهذا الحجاب الأول وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فهذا الحجاب الثاني فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ فهذا الحجاب الثالث ثم قال وَ إِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً فهذا الحجاب الرابع ثم قال فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ فهذه حجب خمسة قال اليهودي فإن إبراهيم ع قد بهت الذي كفر ببرهان نبوته قال له علي ع لقد كان كذلك و محمد ص أتاه مكذب بالبعث بعد الموت و هو أبي بن خلف الجمحي معه عظم نخر ففركه ثم قال يا محمد مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ فأنطق الله محمدا بمحكم آياته و بهته ببرهان نبوته فقال يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ فانصرف مبهوتا قال له اليهودي فإن هذا إبراهيم جذ أصنام قومه غضبا لله عز و جل قال له علي ع لقد كان كذلك و محمد ص قد نكس عن الكعبة ثلاثمائة و ستين صنما و نفاها من جزيرة العرب و أذل من عبدها بالسيف قال له اليهودي فإن إبراهيم قد أضجع ولده و تله للجبين فقال له علي ع لقد كان كذلك و لقد أعطي إبراهيم بعد الإضجاع الفداء و محمد ص أصيب بأفجع منه فجيعة إنه وقف ص على عمه حمزة أسد الله و أسد رسوله و ناصر دينه و قد فرق بين روحه و جسده فلم يبين عليه حرقة و لم يفض عليه عبرة و لم ينظر إلى موضعه من قلبه و قلوب أهل بيته ليرضي الله عز و جل بصبره و يستسلم لأمره في جميع الفعال و قال ص لو لا أن تحزن صفية لتركته حتى يحشر من بطون السباع و حواصل الطير و لو لا أن يكون سنة بعدي لفعلت ذلك قال له اليهودي فإن إبراهيم ع قد أسلمه قومه إلى الحريق فصبر فجعل الله عز و جل النار عليه بردا و سلاما فهل فعل بمحمد شيئا من ذلك قال له ع لقد كان كذلك و محمد ص لما نزل بخيبر سمته الخيبرية فصير الله السم في جوفه بردا و سلاما إلى منتهى أجله فالسم يحرق إذا استقر في الجوف كما أن النار تحرق فهذا من قدرته لا تنكره قال له اليهودي فإن هذا يعقوب ع أعظم في الخير نصيبه إذ جعل الأسباط من سلالة صلبه و مريم ابنة عمران من بناته قال له علي ع لقد كان كذلك و محمد ص أعظم في الخير نصيبا منه إذ جعل فاطمة سيدة نساء العالمين من بناته و الحسن و الحسين من حفدته قال له اليهودي فإن يعقوب قد صبر على فراق ولده حتى كاد يحرض من الحزن

 قال له علي ع لقد كان كذلك و كان حزن يعقوب ع حزنا بعده تلاق و محمد ص قبض ولده إبراهيم قرة عينه في حياة منه و خصه بالاختبار ليعظم له الادخار فقال ص تحزن النفس و يجزع القلب و إنا عليك يا إبراهيم لمحزونون و لا نقول ما يسخط الرب في كل ذلك يؤثر الرضا عن الله عز ذكره و الاستسلام له في جميع الفعال فقال له اليهودي فإن هذا يوسف قاسى مرارة الفرقة و حبس في السجن توقيا للمعصية فألقي في الجب وحيدا قال له علي ع لقد كان كذلك و محمد ص قاسى مرارة الغربة و فارق الأهل و الأولاد و المال مهاجرا من حرم الله تعالى و أمنه فلما رأى الله عز و جل كأبته و استشعاره الحزن أراه تبارك و تعالى اسمه رؤيا توازي رؤيا يوسف ع في تأويلها و أبان للعالمين صدق تحقيقها فقال لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ و لئن كان يوسف ع حبس في السجن فلقد حبس رسول الله ص نفسه في الشعب ثلاث سنين و قطع منه أقاربه و ذوو الرحم و ألجئوه إلى أضيق المضيق فلقد كادهم الله عز ذكره له كيدا مستبينا إذ بعث أضعف خلقه فأكل عهدهم الذي كتبوه بينهم في قطيعة رحمه و لئن كان يوسف ع ألقي في الجب فلقد حبس محمد ص نفسه مخافة عدوه في الغار حتى قال لصاحبه لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا و مدحه الله بذلك في كتابه فقال له اليهودي فهذا موسى بن عمران ع آتاه الله التوراة التي فيها حكمه قال له ع لقد كان كذلك و محمد ص أعطي ما هو أفضل منه أعطي محمد ص سورة البقرة و المائدة بالإنجيل و طواسين و طه و نصف المفصل و الحواميم بالتوراة و أعطي نصف المفصل و التسابيح بالزبور و أعطي سورة بني إسرائيل و براءة بصحف إبراهيم ع و صحف موسى ع و زاد الله عز ذكره محمدا ص السبع الطوال و فاتحة الكتاب و هي السبع المثاني و القرآن العظيم و أعطي الكتاب و الحكمة قال له اليهودي فإن موسى ع ناجاه الله عز و جل على طور سيناء قال له علي ع لقد كان كذلك و لقد أوحى الله عز و جل إلى محمد ص عند سدرة المنتهى فمقامه في السماء محمود و عند منتهى العرش مذكور قال له اليهودي فلقد ألقى الله على موسى ع محبة منه قال له علي ع لقد كان كذلك و لقد أعطى الله محمدا ص ما هو أفضل منه لقد ألقى الله عز و جل عليه محبة منه فمن هذا الذي يشركه في هذا الاسم إذ تم من الله عز و جل به الشهادة فلا تتم الشهادة إلا أن يقال أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدا رسول الله ينادى به على المنابر فلا يرفع صوت بذكر الله عز و جل إلا رفع بذكر محمد ص معه قال له اليهودي فلقد أوحى الله إلى أم موسى لفضل منزلة موسى ع عند الله عز و جل قال له علي ع لقد كان كذلك و لقد لطف الله جل ثناؤه لأم محمد ص بأن أوصل إليها اسمه حتى قالت أشهد و العالمون أن محمدا رسول الله منتظر

 و شهد الملائكة على الأنبياء أنهم أثبتوه في الأسفار و بلطف من الله عز و جل ساقه إليها و وصل إليها اسمه لفضل منزلته عنده حتى رأت في المنام أنه قيل لها إن ما في بطنك سيد فإذا ولدته فسميه محمدا فاشتق الله له اسما من أسمائه فالله محمود و هذا محمد قال له اليهودي فإن هذا موسى بن عمران ع قد أرسله الله إلى فرعون و أراه الآية الكبرى قال له علي ع لقد كان كذلك و محمد أرسله إلى فراعنة شتى مثل أبي جهل ابن هشام و عتبة بن ربيعة و شيبة و أبي البختري و النضر بن الحارث و أبي بن خلف و منبه و نبيه ابني الحجاج و إلى الخمسة المستهزءين الوليد بن المغيرة المخزومي و العاص بن وائل السهمي و الأسود بن عبد يغوث الزهري و الأسود بن المطلب و الحارث بن الطلاطلة فأراهم الآيات فِي الْآفاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ حتى تبين لهم أنه الحق قال له اليهودي لقد انتقم الله لموسى ع من فرعون قال له علي ع لقد كان كذلك و لقد انتقم الله جل اسمه لمحمد ص من الفراعنة فأما المستهزءون فقد قال الله عز و جل إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ فقتل الله خمستهم كل واحد منهم بغير قتلة صاحبه في يوم واحد فأما الوليد بن المغيرة فمر بنبل لرجل من خزاعة قد راشه و وضعه في الطريق فأصابه شظية منه فانقطع أكحله حتى أدماه فمات و هو يقول قتلني رب محمد و أما العاص بن وائل فإنه خرج في حاجة له إلى موضع فتدهده تحته حجر فسقط فتقطع قطعة قطعة فمات و هو يقول قتلني رب محمد و أما الأسود بن عبد يغوث فإنه خرج يستقبل ابنه زمعة فاستظل بشجرة فأتاه جبرئيل ع فأخذ رأسه فنطح به الشجرة فقال لغلامه امنع عني هذا فقال ما أرى أحدا يصنع بك شيئا إلا نفسك فقتله و هو يقول قتلني رب محمد و أما الأسود بن المطلب فإن النبي ص دعا عليه أن يعمي الله بصره و أن يثكله ولده فلما كان في ذلك اليوم خرج حتى صار إلى موضع فأتاه جبرئيل ع بورقة خضراء فضرب بها وجهه فعمي و بقي حتى أثكله الله ولده و أما الحارث بن الطلاطلة فإنه خرج من بيته في السموم فتحول حبشيا فرجع إلى أهله فقال أنا الحارث فغضبوا عليه فقتلوه و هو يقول قتلني رب محمد

 و روي أن الأسود بن الحارث أكل حوتا مالحا فأصابه العطش فلم يزل يشرب الماء حتى انشق بطنه فمات و هو يقول قتلني رب محمد كل ذلك في ساعة واحدة و ذلك أنهم كانوا بين يدي رسول الله ص فقالوا له يا محمد ننتظر بك إلى الظهر فإن رجعت عن قولك و إلا قتلناك فدخل النبي ص منزله فأغلق عليه بابه مغتما لقولهم فأتاه جبرئيل عليه عن الله ساعته فقال له يا محمد السلام يقرأ عليك السلام و هو يقول فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ يعني أظهر أمرك لأهل مكة و ادعهم إلى الإيمان قال يا جبرئيل كيف أصنع بالمستهزءين و ما أوعدوني قال له إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ قال يا جبرئيل كانوا الساعة بين يدي قال قد كفيتهم فأظهر أمره عند ذلك و أما بقيتهم من الفراعنة فقتلوا يوم بدر بالسيف و هزم الله الجمع و ولوا الدبر قال له اليهودي فإن هذا موسى بن عمران ع قد أعطي العصا فكانت تتحول ثعبانا قال له ع لقد كان كذلك و محمد ص أعطي ما هو أفضل من هذا إن رجلا كان يطالب أبا جهل بن هشام بدين ثمن جزور قد اشتراه فاشتغل عنه و جلس يشرب فطلبه الرجل فلم يقدر عليه فقال له بعض المستهزءين من تطلب قال عمرو بن هشام يعني أبا جهل لي عليه دين قال فأدلك على من يستخرج الحقوق قال نعم فدله على النبي ص و كان أبو جهل يقول ليت لمحمد إلي حاجة فأسخر به و أرده فأتى الرجل النبي ص فقال له يا محمد بلغني أن بينك و بين عمرو بن هشام حسن و أنا أستشفع بك إليه فقام معه رسول الله ص فأتى بابه فقال له قم يا أبا جهل فأد إلى الرجل حقه و إنما كناه أبا جهل ذلك اليوم فقام مسرعا حتى أدى إليه حقه فلما رجع إلى مجلسه قال له بعض أصحابه فعلت ذلك فرقا من محمد قال ويحكم أعذروني إنه لما أقبل رأيت عن يمينه رجالا بأيديهم حراب تتلألأ و عن يساره ثعبانان تصطك أسنانهما و تلمع النيران من أبصارهما لو امتنعت لم آمن أن يبعجوا بالحراب بطني و يقضمني الثعبانان هذا أكبر مما أعطي موسى ع ثعبان بثعبان موسى ع و زاد الله محمدا ص ثعبانا و ثمانية أملاك معهم الحراب و لقد كان النبي ص يؤذي قريشا بالدعاء فقام يوما فسفه أحلامهم و عاب دينهم و شتم أصنامهم و ضلل آباءهم فاغتموا من ذلك غما شديدا فقال أبو جهل و الله للموت خير لنا من الحياة فليس فيكم معاشر قريش أحد يقتل محمدا ص فيقتل به فقالوا له لا قال فأنا أقتله فإن شاءت بنو عبد المطلب قتلوني به و إلا تركوني قالوا إنك إن فعلت ذلك اصطنعت إلى أهل الوادي معروفا لا تزال تذكر به قال إنه كثير السجود حول الكعبة فإذا جاء و سجد أخذت حجرا فشدخته به فجاء رسول الله ص فطاف بالبيت أسبوعا ثم صلى و أطال السجود فأخذ أبو جهل حجرا فأتاه من قبل رأسه فلما أن قرب منه أقبل فحل من قبل رسول الله ص فاغرا فاه نحوه فلما أن رآه أبو جهل فزع منه و ارتعدت يده و طرح الحجر فشدخ رجله فرجع مدمى متغير اللون يفيض عرقا فقال له أصحابه ما رأينا كاليوم قال ويحكم أعذروني فإنه أقبل من عنده فحل فاغرا فاه فكاد يبلعني فرميت بالحجر فشدخت رجلي قال له اليهودي فإن موسى ع قد أعطي اليد البيضاء فهل فعل بمحمد شي‏ء من هذا قال له علي ع لقد كان كذلك و محمد ص أعطي ما هو أفضل من هذا إن نورا كان يضي‏ء عن يمينه حيثما جلس و عن يساره أينما جلس و كان يراه الناس كلهم قال له اليهودي فإن موسى ع قد ضرب له في البحر طريق فهل فعل بمحمد شي‏ء من هذا فقال له علي ع لقد كان كذلك و محمد ص أعطي ما هو أفضل من هذا خرجنا معه إلى حنين فإذا نحن بواد يشخب فقدرناه فإذا هو أربع عشرة قامة فقالوا يا رسول الله العدو من ورائنا و الوادي أمامنا كما قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ فنزل رسول الله ص ثم قال اللهم إنك جعلت لكل مرسل دلالة فأرني قدرتك و ركب صلوات الله عليه و آله فعبرت الخيل لا تندى حوافرها و الإبل لا تندى أخفافها

 فرجعنا فكان فتحنا قال له اليهودي فإن موسى ع قد أعطي الحجر فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قال له علي ع لقد كان كذلك و محمد ص لما نزل الحديبية و حاصره أهل مكة قد أعطي أفضل من ذلك و ذلك أن أصحابه شكوا إليه الظماء و أصابهم ذلك حتى التقت خواصر الخيل فذكروا له ذلك فدعا بركوة يمانية ثم نصب يده المباركة فيها فتفرجت من بين أصابعه عيون الماء فصدرنا و صدرت الخيل رواء و ملأنا كل مزادة و سقاء و لقد كنا معه بالحديبية و إذا ثم قليب جافة فأخرج ص سهما من كنانته فناوله البراء بن عازب فقال له اذهب بهذا السهم إلى تلك القليب الجافة فاغرسه فيها ففعل ذلك فتفجرت منه اثنتا عشرة عينا من تحت السهم و لقد كان يوم الميضاة عبرة و علامة للمنكرين لنبوته كحجر موسى ع حيث دعا بالميضاة فنصب يده فيها ففاضت بالماء و ارتفع حتى توضأ منه ثمانية آلاف رجل و شربوا حاجتهم و سقوا دوابهم و حملوا ما أرادوا قال له اليهودي فإن موسى ع قد أعطي المن و السلوى فهل فعل بمحمد نظير هذا قال له علي ع لقد كان كذلك و محمد ص أعطي ما هو أفضل من هذا إن الله عز و جل أحل له الغنائم و لأمته و لم تحل لأحد قبله فهذا أفضل من المن و السلوى ثم زاده أن جعل النية له و لأمته عملا صالحا و لم يجعل لأحد من الأمم ذلك قبله فإذا هم أحدهم بحسنة و لم يعملها كتبت له حسنة و إن عملها كتبت له عشر قال له اليهودي فإن موسى ع قد ظلل عليه الغمام قال له ع لقد كان كذلك و قد فعل ذلك لموسى ع في التيه و أعطي محمد ص أفضل من هذا إن الغمامة كانت تظلله من يوم ولد إلى يوم قبض في حضره و أسفاره فهذا أفضل مما أعطي موسى ع قال له اليهودي فهذا داود ع قد ألان الله عز و جل له الحديد فعمل منه الدروع قال له علي ع لقد كان كذلك و محمد أعطي ما هو أفضل منه إنه لين الله عز و جل له الصم الصخور الصلاب و جعلها غارا و لقد غارت الصخرة تحت يده ببيت المقدس لينة حتى صارت كهيئة العجين قد رأينا ذلك و التمسناه تحت رايته قال له اليهودي فإن هذا داود ع بكى على خطيئته حتى سارت الجبال معه لخوفه قال له علي ع لقد كان كذلك و محمد أعطي ما هو أفضل من هذا إنه كان إذا قام إلى الصلاة سمع لصدره و جوفه أزيز كأزيز المرجل على الأثافي من شدة البكاء و قد آمنه الله عز و جل من عقابه فأراد أن يتخشع لربه ببكائه و يكون إماما لمن اقتدى به و لقد قام ص عشر سنين على أطراف أصابعه حتى تورمت قدماه و اصفر وجهه يقوم الليل أجمع حتى عوتب في ذلك فقال الله عز و جل طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى بل لتسعد به و لقد كان يبكي حتى يغشى عليه فقيل له يا رسول الله أ ليس الله عز و جل قد غفر لك ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ قال بلى أ فلا أكون عبدا شكورا و لئن سارت الجبال و سبحت معه لقد عمل محمد ص ما هو أفضل من هذا إذ كنا معه على جبل

 حراء إذ تحرك الجبل فقال له قر فليس عليك إلا نبي و صديق شهيد فقر الجبل مجيبا لأمره و منتهيا إلى طاعته و لقد مررنا معه بجبل و إذا الدموع تخرج من بعضه فقال له ما يبكيك يا جبل فقال يا رسول الله كان المسيح مر بي و هو يخوف الناس بنار وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ فأنا أخاف أن أكون من تلك الحجارة قال له لا تخف تلك حجارة الكبريت فقر الجبل و سكن و هدأ و أجاب لقوله قال له اليهودي فإن هذا سليمان ع أعطي ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فقال له علي ع لقد كان كذلك و محمد ص أعطي ما هو أفضل من هذا إنه هبط إليه ملك لم يهبط إلى الأرض قبله و هو ميكائيل فقال له يا محمد عش ملكا منعما و هذه مفاتيح خزائن الأرض معك و تسير معك جبالها ذهبا و فضة و لا ينقص لك فيما ادخر لك في الآخرة شي‏ء فأومأ إلى جبرئيل ع و كان خليله من الملائكة فأشار إليه أن تواضع فقال بل أعيش نبيا عبدا آكل يوما و لا آكل يومين و ألحق بإخواني من الأنبياء من قبلي فزاده الله تعالى الكوثر و أعطاه الشفاعة و ذلك أعظم من ملك الدنيا من أولها إلى آخرها سبعين مرة و وعده المقام المحمود فإذا كان يوم القيامة أقعده الله تعالى على العرش فهذا أفضل مما أعطي سليمان بن داود ع قال له اليهودي فإن هذا سليمان ع قد سخرت له الرياح فسارت به في بلاده غُدُوُّها شَهْرٌ وَ رَواحُها شَهْرٌ فقال له علي ع لقد كان كذلك و محمد ص أعطي ما هو أفضل من هذا إنه أسري به مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى مسيرة شهر و عرج به في ملكوت السماوات مسيرة خمسين ألف عام في أقل من ثلث ليلة حتى انتهى إلى ساق العرش ف دَنا بالعلم فَتَدَلَّى فدلي له من الجنة رفرف أخضر و غشى النور بصره فرأى عظمة ربه عز و جل بفؤاده و لم يرها بعينه فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ بينها و بينه أَوْ أَدْنى فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى فكان فيما أوحى إليه الآية التي في سورة البقرة قوله لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ و كانت الآية قد عرضت على الأنبياء من لدن آدم ع إلى أن بعث الله تبارك اسمه محمدا و عرضت على الأمم فأبوا أن يقبلوها من ثقلها و قبلها رسول الله ص و عرضها على أمته فقبلوها فلما رأى الله تبارك و تعالى منهم القبول علم أنهم لا يطيقونها فلما أن صار إلى ساق العرش كرر عليه الكلام ليفهمه فقال آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ فأجاب ص مجيبا عنه و عن أمته فقال وَ الْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ فقال جل ذكره لهم الجنة و المغفرة على أن فعلوا ذلك فقال النبي ص أما إذ فعلت بنا ذلك ف غُفْرانَكَ رَبَّنا وَ إِلَيْكَ الْمَصِيرُ يعني المرجع في الآخرة قال فأجابه الله جل ثناؤه و قد فعلت ذلك بك و بأمتك ثم قال عز و جل أما إذ قبلت الآية بتشديدها و عظم ما فيها و قد عرضتها على الأمم فأبوا أن يقبلوها و قبلتها أمتك فحق علي أن أرفعها عن أمتك فقال لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ من خير وَ عَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ من شر فقال النبي ص لما سمع ذلك أما إذ فعلت ذلك بي و بأمتي فزدني قال سل قال رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا قال الله عز و جل لست أؤاخذ أمتك بالنسيان و الخطإ لكرامتك علي و كانت الأمم السالفة إذا نسوا ما ذكروا به فتحت عليهم أبواب العذاب و قد رفعت ذلك عن أمتك و كانت الأمم السالفة إذا أخطئوا أخذوا بالخطإ و عوقبوا عليه و قد رفعت ذلك عن أمتك لكرامتك علي

 فقال النبي ص اللهم إذ أعطيتني ذلك فزدني فقال الله تعالى له سل قال رَبَّنا وَ لا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا يعني بالإصر الشدائد التي كانت على من كان قبلنا فأجابه الله إلى ذلك فقال تبارك اسمه قد رفعت عن أمتك الآصار التي كانت على الأمم السالفة كنت لا أقبل صلاتهم إلا في بقاع من الأرض معلومة اخترتها لهم و إن بعدت و قد جعلت الأرض كلها لأمتك مسجدا و طهورا فهذه من الآصار التي كانت على الأمم قبلك فرفعتها عن أمتك و كانت الأمم السالفة إذا أصابهم أذى من نجاسة قرضوها من أجسادهم و قد جعلت الماء لأمتك طهورا فهذه من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أمتك و كانت الأمم السالفة تحمل قرابينها على أعناقها إلى بيت المقدس فمن قبلت ذلك منه أرسلت عليه نارا فأكلته فرجع مسرورا و من لم أقبل ذلك منه رجع مثبورا و قد جعلت قربان أمتك في بطون فقرائها و مساكينها فمن قبلت ذلك منه أضعفت ذلك له أضعافا مضاعفة و من لم أقبل ذلك منه رفعت عنه عقوبات الدنيا و قد رفعت ذلك عن أمتك و هي من الآصار التي كانت على من كان قبلك و كانت الأمم السالفة صلواتها مفروضة عليها في ظلم الليل و أنصاف النهار و هي من الشدائد التي كانت عليهم فرفعتها عن أمتك و فرضت عليهم صلاتهم في أطراف الليل و النهار في أوقات نشاطهم و كانت الأمم السالفة قد فرضت عليهم خمسين صلاة في خمسين وقتا و هي من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أمتك و جعلتها خمسا في خمسة أوقات و هي إحدى و خمسون ركعة و جعلت لهم أجر خمسين صلاة و كانت الأمم السالفة حسنتهم بحسنة و سيئتهم بسيئة و هي من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أمتك و جعلت الحسنة بعشرة و السيئة بواحدة و كانت الأمم السالفة إذا نوى أحدهم حسنة ثم لم يعملها لم تكتب له و إن عملها كتبت له حسنة و إن أمتك إذا هم أحدهم بحسنة ثم لم يعملها كتبت له حسنة و إن عملها كتبت له عشرا و هي من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أمتك و كانت الأمم السالفة إذا هم أحدهم بسيئة ثم لم يعملها لم تكتب عليه و إن عملها كتبت عليه سيئة و إن أمتك إذا هم أحدهم بسيئة ثم لم يعملها كتبت له حسنة و هذه من الآصار التي كانت عليهم فرفعت ذلك عن أمتك و كانت الأمم السالفة إذا أذنبوا كتبت ذنوبهم على أبوابهم و جعلت توبتهم من الذنوب أن حرمت عليهم بعد التوبة أحب الطعام إليهم و قد رفعت ذلك عن أمتك و جعلت ذنوبهم فيما بيني و بينهم و جعلت عليهم ستورا كثيفة و قبلت توبتهم بلا عقوبة و لا أعاقبهم بأن أحرم عليهم أحب الطعام إليهم و كانت الأمم السالفة يتوب أحدهم من الذنب الواحد مائة سنة أو ثمانين سنة أو خمسين سنة ثم لا أقبل توبته دون أن أعاقبه في الدنيا بعقوبة و هي من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أمتك و إن الرجل من أمتك ليذنب عشرين سنة أو ثلاثين سنة أو أربعين سنة أو مائة سنة ثم يتوب و يندم طرفة عين فأغفر له ذلك كله فقال النبي ص اللهم إذ أعطيتني ذلك كله فزدني قال سل قال رَبَّنا وَ لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ قال تبارك اسمه قد فعلت ذلك بأمتك و قد رفعت عنهم عظم بلايا الأمم و ذلك حكمي في جميع الأمم أن لا أكلف خلقا فوق طاقتهم فقال النبي ص وَ اعْفُ عَنَّا وَ اغْفِرْ لَنا وَ ارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا قال الله عز و جل قد فعلت ذلك بتائبي أمتك ثم قال ص فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ قال الله عز اسمه إن أمتك في الأرض كالشامة البيضاء في الثور الأسود هم القادرون و هم القاهرون يستخدمون و لا يستخدمون لكرامتك علي و حق علي أن أظهر دينك على الأديان حتى لا يبقى في شرق الأرض و غربها دين إلا دينك أو يؤدون إلى أهل دينك الجزية قال له اليهودي فإن هذا سليمان ع سخرت له الشياطين يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَ تَماثِيلَ

 قال له علي ع لقد كان كذلك و لقد أعطي محمد ص أفضل من هذا إن الشياطين سخرت لسليمان ع و هي مقيمة على كفرها و قد سخرت لنبوة محمد ص الشياطين بالإيمان فأقبل إليه الجن التسعة من أشرافهم من جن نصيبين و اليمن من بني عمرو بن عامر من الأحجة منهم شضاه و مضاه و الهملكان و المرزبان و المازمان و نضاه و هاصب و هاضب و عمرو و هم الذين يقول الله تبارك اسمه فيهم وَ إِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ و هم التسعة يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فأقبل إليه الجن و النبي ص ببطن النخل فاعتذروا ب أَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً و لقد أقبل إليه أحد و سبعون ألفا منهم فبايعوه على الصوم و الصلاة و الزكاة و الحج و الجهاد و نصح المسلمين فاعتذروا بأنهم قالوا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً و هذا أفضل مما أعطي سليمان ع سبحان من سخرها لنبوة محمد ص بعد أن كانت تتمرد و تزعم أن لله ولدا فلقد شمل مبعثه من الجن و الإنس ما لا يحصى قال له اليهودي فهذا يحيى بن زكريا ع يقال إنه أوتي الحكم صبيا و الحلم و الفهم و إنه كان يبكي من غير ذنب و كان يواصل الصوم قال له علي ع لقد كان كذلك و محمد ص أعطي ما هو أفضل من هذا إن يحيى بن زكريا كان في عصر لا أوثان فيه و لا جاهلية و محمد ص أوتي الحكم و الفهم صبيا بين عبدة الأوثان و حزب الشيطان و لم يرغب لهم في صنم قط و لم ينشط لأعيادهم و لم ير منه كذب قط ص و كان أمينا صدوقا حليما و كان يواصل صوم الأسبوع و الأقل و الأكثر فيقال له في ذلك فيقول إني لست كأحدكم إني أظل عند ربي فيطعمني و يسقيني و كان يبكي ص حتى يبتل مصلاه خشية من الله عز و جل من غير جرم قال له اليهودي فإن هذا عيسى ابن مريم ع يزعمون أنه تكلم فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا قال له علي ع لقد كان كذلك و محمد ص سقط من بطن أمه واضعا يده اليسرى على الأرض و رافعا يده اليمنى إلى السماء يحرك شفتيه بالتوحيد و بدا من فيه نور رأى أهل مكة منه قصور بصرى من الشام و ما يليها و القصور الحمر من أرض اليمن و ما يليها و القصور البيض من إصطخر و ما يليها و لقد أضاءت الدنيا ليلة ولد النبي ص حتى فزعت الجن و الإنس و الشياطين و قالوا حدث في الأرض حدث و لقد رأيت الملائكة ليلة ولد تصعد و تنزل و تسبح و تقدس و تضطرب النجوم و تتساقط علامة لميلاده و لقد هم إبليس بالظعن في السماء لما رأى من الأعاجيب في تلك الليلة و كان له مقعد في السماء الثالثة و الشياطين يسترقون السمع فلما رأوا الأعاجيب أرادوا أن يسترقوا السمع فإذا هم قد حجبوا من السماوات كلها و رموا بالشهب دلالة لنبوته ص قال له اليهودي فإن عيسى يزعمون أنه قد أبرأ الأكمه و الأبرص بإذن الله عز و جل فقال له علي ع لقد كان كذلك و محمد أبرأ ذا العاهة من عاهته فبينما هو جالس ص إذ سأل عن رجل من أصحابه فقالوا يا رسول الله إنه قد صار من البلاء كهيئة الفرخ لا ريش عليه فأتاه ص فإذا هو كهيئة الفرخ من شدة البلاء فقال قد كنت تدعو في صحتك دعاء قال نعم كنت أقول يا رب أيما عقوبة أنت معاقبي

 بها في الآخرة فعجلها لي في الدنيا فقال له النبي ص ألا قلت اللهم آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النَّارِ فقالها فكأنما نشط من عقال و قام صحيحا و خرج معنا و لقد أتاه رجل من جهينة أجذم يتقطع من الجذام فشكا إليه ص فأخذ قدحا من ماء فتفل فيه ثم قال امسح به جسدك ففعل فبرأ حتى لم يوجد فيه شي‏ء و لقد أتى العربي أبرص فتفل من فيه عليه فما قام من عنده إلا صحيحا و لئن زعمت أن عيسى ع أبرأ ذوي العاهات من عاهاتهم فإن محمدا ص بينما هو في بعض أصحابه إذا هو بامرأة فقالت يا رسول الله إن ابني قد أشرف على حياض الموت كلما أتيته بطعام وقع عليه التثاؤب فقام النبي ص و قمنا معه فلما أتيناه قال له جانب يا عدو الله ولي الله فأنا رسول الله فجانبه الشيطان فقام صحيحا و هو معنا في عسكرنا و لئن زعمت أن عيسى ع أبرأ العميان فإن محمدا ص قد فعل ما هو أكثر من ذلك إن قتادة بن ربعي كان رجلا صبيحا فلما أن كان يوم أحد أصابته طعنة في عينه فبدرت حدقته فأخذها بيده ثم أتى بها النبي ص فقال يا رسول الله إن امرأتي الآن تبغضني فأخذها رسول الله ص من يده ثم وضعها مكانها فلم تكن تعرف إلا بفضل حسنها و فضل ضوئها على العين الأخرى و لقد جرح عبد الله بن عتيك و بانت يده يوم ابن أبي الحقيق فجاء إلى النبي ص ليلا فمسح عليه يده فلم تكن تعرف من اليد الأخرى و لقد أصاب محمد بن مسلمة يوم كعب بن الأشرف مثل ذلك في عينه و يده فمسحه رسول الله ص فلم تستبينا و لقد أصاب عبد الله بن أنيس مثل ذلك في عينه فمسحها فما عرفت من الأخرى فهذه كلها دلالة لنبوته ص قال له اليهودي فإن عيسى يزعمون أنه قد أحيا الموتى بإذن الله قال له علي ع لقد كان ذلك و محمد ص سبحت في يده تسع حصيات تسمع نغماتها في جمودها و لا روح فيها لتمام حجة نبوته و لقد كلمته الموتى من بعد موتهم و استغاثوه مما خافوا من تبعته و لقد صلى بأصحابه ذات يوم فقال ما هاهنا من بني النجار أحد و صاحبهم محتبس على باب الجنة بثلاثة دراهم لفلان اليهودي و كان شهيدا و لئن زعمت أن عيسى ع كلم الموتى فلقد كان لمحمد ص ما هو أعجب من هذا إن النبي ص لما نزل بالطائف و حاصر أهلها بعثوا إليه بشاة مسلوخة مطلية بسم فنطق الذراع منها فقالت يا رسول الله لا تأكلني فإني مسمومة فلو كلمته البهيمة و هي حية لكانت من أعظم حجج الله عز ذكره على المنكرين لنبوته فكيف و قد كلمته من بعد ذبح و سلخ و شي و لقد كان ص يدعو بالشجرة فتجيبه و تكلمه البهيمة و تكلمه السباع و تشهد له بالنبوة و تحذرهم عصيانه فهذا أكثر مما أعطي عيسى ع قال له اليهودي إن عيسى يزعمون أنه أنبأ قومه بما يأكلون و ما يدخرون في بيوتهم قال له علي ع لقد كان كذلك و محمد ص فعل ما هو أكثر من هذا إن

 عيسى ع أنبأ قومه بما كان من وراء حائط و محمد أنبأ عن مؤتة و هو عنها غائب و وصف حربهم و من استشهد منهم و بينه و بينهم مسيرة شهر و كان يأتيه الرجل يريد أن يسأله عن شي‏ء فيقول ص تقول أو أقول فيقول بل قل يا رسول الله فيقول جئتني في كذا و كذا حتى يفرغ من حاجته و لقد كان ص يخبر أهل مكة بأسرارهم بمكة حتى لا يترك من أسرارهم شيئا منها ما كان بين صفوان بن أمية و بين عمير بن وهب إذ أتاه عمير فقال جئت في فكاك ابني فقال له كذبت بل قلت لصفوان و قد اجتمعتم في الحطيم و ذكرتم قتلى بدر و الله للموت خير لنا من البقاء مع ما صنع محمد بنا و هل حياة بعد أهل القليب فقلت أنت لو لا عيالي و دين علي لأرحتك من محمد فقال صفوان علي أن أقضي دينك و أن أجعل بناتك مع بناتي يصيبهن ما يصيبهن من خير أو شر فقلت أنت فاكتمها علي و جهزني حتى أذهب فأقتله فجئت لتقتلني فقال صدقت يا رسول الله فأنا أشهد أن لا إله إلا الله و أنك رسول الله و أشباه هذا مما لا يحصى قال له اليهودي فإن عيسى يزعمون أنه خلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ عز و جل فقال له علي ع لقد كان كذلك و محمد ص قد فعل ما هو شبيه بهذا إذ أخذ يوم حنين حجرا فسمعنا للحجر تسبيحا و تقديسا ثم قال للحجر انفلق فانفلق ثلاث فلق نسمع لكل فلقة منها تسبيحا لا يسمع للأخرى و لقد بعث إلى شجرة يوم البطحاء فأجابته و لكل غصن منها تسبيح و تهليل و تقديس ثم قال لها انشقي فانشقت نصفين ثم قال لها التزقي فالتزقت ثم قال لها اشهدي لي بالنبوة فشهدت ثم قال لها ارجعي إلى مكانك بالتسبيح و التهليل و التقديس ففعلت و كان موضعها بجنب الجزارين بمكة قال له اليهودي فإن عيسى ع يزعمون أنه كان سياحا قال له علي ع لقد كان كذلك و محمد ص كانت سياحته في الجهاد و استنفر في عشر سنين ما لا يحصى من حاضر و باد و أفنى فئاما من العرب من منعوت بالسيف لا يداري بالكلام و لا ينام إلا عن دم و لا يسافر إلا و هو متجهز لقتال عدوه و قال له اليهودي فإن عيسى ع يزعمون أنه كان زاهدا قال له علي ع لقد كان كذلك و محمد ص أزهد الأنبياء ع كان له ثلاث عشرة زوجة سوى من يطيف به من الإماء ما رفعت له مائدة قط و عليها طعام و ما أكل خبز بر قط و لا شبع من خبز شعير ثلاث ليال متواليات قط توفي ص و درعه مرهونة عند يهودي بأربعة دراهم ما ترك صفراء و لا بيضاء مع ما وطئ له من البلاد و مكن له من غنائم العباد و لقد كان يقسم في اليوم الواحد ثلاث مائة ألف و أربعمائة ألف و يأتيه السائل بالعشي فيقول و الذي بعث محمدا بالحق ما أمسى في آل محمد صاع من شعير و لا صاع من بر و لا درهم و لا دينار و قال له اليهودي فإني أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدا رسول الله ص و أشهد أنه ما أعطى نبيا درجة و لا مرسلا فضيلة إلا و قد جمعها لمحمد رسول الله ص و زاد محمدا ص على الأنبياء صلوات الله عليهم أضعاف درجات فقال ابن عباس لعلي بن أبي طالب ع أشهد يا أبا الحسن أنك من الراسخين في العلم فقال ويحك و ما لي لا أقول ما قلت في نفس من استعظمه الله عز و جل في عظمته جلت فقال وَ إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ

  بيان أقول قد مضى الخبر بشرحه في المجلد الرابع و إنما أعدناه لكونه أنسب بهذا المجلد و الله المؤيد

 8-  يج، ]الخرائج و الجرائح[ روي أن جارية يقال لها زائدة كانت تأتي رسول الله ص كثيرا فأتته ليلة و قالت عجنت عجينا لأهلي فخرجت أحتطب فرأيت فارسا لم أر أحسن منه فقال لي كيف محمد قلت بخير ينذر الناس بأيام الله فقال إذا أتيت محمدا فأقرئيه السلام و قولي له رضوان خازن الجنة يقول إن الله قسم الجنة لأمتك أثلاثا فثلث يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ... بِغَيْرِ حِسابٍ و ثلث يحاسبون حِساباً يَسِيراً و ثلث تشفع لهم فتشفع فيهم قالت فمضى فأخذت الحطب أحمله فثقل علي فالتفت و نظر إلي و قال ثقل عليك حطبك فقلت نعم فأخذ قضيبا أحمر كان في يده فغمز الحطب ثم نظر فإذا هو بصخرة ثابتة فقال أيتها الصخرة احمل الحطب معها فقالت يا رسول الله خف عني و قري فإني رأيتها تذكرك حتى رجعت فألقت الحطب و انصرفت

 9-  يج، ]الخرائج و الجرائح[ روي أن رسول الله ص انتهى إلى رجل قد فوق سهما ليرمي بعض المشركين فوضع ص يده فوق السهم و قال ارمه فرمى ذلك المشرك به فهرب المشرك من السهم و جعل يروغ من السهم يمنة و يسرة و السهم يتبعه حيثما راغ حتى سقط السهم في رأسه فسقط المشرك ميتا فأنزل الله فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَ لكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ رَمى

 بيان يروغ أي يميل و يحيد

 10-  يج، ]الخرائج و الجرائح[ كان لكل عضو من أعضاء النبي ص معجزة فمعجزة رأسه أن الغمامة ظلت على رأسه و معجزة عينيه أنه كان يرى من خلفه كما يرى من أمامه و معجزة أذنيه هي أنه كان يسمع الأصوات في النوم كما يسمع في اليقظة و معجزة لسانه أنه قال للظبي من أنا قال أنت رسول الله و معجزة يده أنه أخرج من بين أصابعه الماء و معجزة رجليه أنه كان لجابر بئر ماؤها زعاق فشكا إلى النبي ص فغسل رجليه في طشت و أمر بإهراق ذلك الماء فيها فصار ماؤها عذبا و معجزة عورته أنه ولد مختونا و معجزة بدنه أنه لم يقع ظله على الأرض لأنه كان نورا و لا يكون من النور الظل كالسراج و معجزة ظهره ختم النبوة كان على كتفه مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله

 11-  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ من أوضح الدلالات على نبوته ص استيقان كافتهم بحدوده و تمكن موجباتها في غوامض صدورهم حتى أنهم يشتمون بالفسوق من خرج عن حد من حدوده و بالجهل من لم يعرفه و بالكفر من أعرض عنه و يقيمون الحدود و يحكمون بالقتل و الضرب و الأسر لمن خرج عن شريعته و يتبرأ الأقارب بعضهم من بعض في محبته و أنه ص بقي في نبوته نيفا و عشرين سنة بين ظهراني قوم ما يملك من الأرض إلا جزيرة العرب فاتسقت دعوته برا و بحرا منذ خمسمائة و سبعين سنة مقرونا باسم ربه ينادي بأقصى الصين و الهند و الترك و الخزر و الصقالبة و الشرق و الغرب و الجنوب و الشمال في كل يوم خمس مرات بالشهادتين بأعلى صوت بلا أجرة و خضعت الجبابرة لها و لا تبقى لملك نوبته بعد موته و على ذلك فسر الحسن و مجاهد قوله تعالى وَ رَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ ما يقول المؤذنون على المنائر و الخطباء على المنابر قال الشاعر

و ضم الإله اسم النبي إلى اسمه إذا قال في الخمس المؤذن أشهد

و من تمام قوته أنها تجذب العالم من أدنى الأرض و أقصى أطرافها في كل عام إلى الحج حتى تخرج العذراء من خدرها و العجوز في ضعفها و من حضرته وفاته يوصي بأدائها و قد نرى الصائم في شهر رمضان يتلهب عطشا حتى يخوض الماء إلى حلقه و لا يستطيع أن يجرع منه جرعة و كل يوم خمس مرات يسجدون خوفا و تضرعا و كذلك أكثر الشرائع و قد تحزب الناس في محبته حتى يقول كل واحد أنا على الحق و أنت لست على دينه

 12-  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ صيد سمكة فوجد على إحدى أذنيها لا إله إلا الله و على الأخرى محمد رسول الله كتاب شرف المصطفى أنه أتي بسخلة منقشة فنظرت إلى بياض شحمة أذنيها فإذا في إحداهما لا إله إلا الله محمد رسول الله و قال أعرابي للنبي ص يا محمد إنني كنت و أخ لي خلف هذا الجبل نحتطب حطبا فرأينا الجموع قد زحف بعضها إلى بعض فقلت لأخي اقعد حتى ننظر لمن تكون الغلبة و على من تدور الدائرة فإذا قد كشف الله عن أبصارنا فرأينا خيولا قد نزلت من السماء إلى الأرض أرجلها في الأرض و أعناقها في السماء و عليها قوم جبارون و معهم ألوية قد سدت ما بين الخافقين فأما أخي فإنه انشقت مرارته فمات من وقته و ساعته و أما أنا فقد جئتك ثم أسلم و مثل الملائكة الذين ظهروا على الخيل البلق بالثياب البيض يوم بدر تقدمهم جبرئيل على فرس يقال لها حيزوم

 أنس إن النبي ص سمع صوتا من قلة جبل اللهم اجعلني من الأمة المرحومة المغفورة فأتى رسول الله ص فإذا بشيخ أشيب قامته ثلاثمائة ذراع فلما رأى رسول الله ص عانقه ثم قال إنني آكل في كل سنة مرة واحدة و هذا أوانه فإذا هو بمائدة أنزل من السماء فأكلا و كان إلياس ع

 بيان الأشيب المبيض الرأس

 13-  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ كان للنبي ص من المعجزات ما لم يكن لغيره من الأنبياء و ذكر أن له أربعة آلاف و أربعمائة و أربعون معجزة ذكرت منها ثلاثة آلاف تتنوع أربعة أنواع ما كان قبله و بعد ميلاده و بعد بعثه و بعد وفاته و أقواها و أبقاها القرآن لوجوه أحدها أن معجزة كل رسول موافق للأغلب من أحوال عصره كما بعث الله موسى ع في عصر السحرة بالعصا فإذا هي تلقف و فلق البحر يبسا و قلب العصا حية فأبهر كل ساحر و أذل كل كافر و قوم عيسى ع أطباء فبعثه الله بإبراء الزمنى و إحياء الموتى بما دهش كل طبيب و أذهل كل لبيت و قوم محمد ص فصحاء فبعثه الله بالقرآن في إيجازه و إعجازه بما عجز عنه الفصحاء و أذعن له البلغاء و تبلد فيه الشعراء ليكون العجز عنه أقهر و التقصير فيه أظهر و الثاني أن المعجز في كل قوم بحسب أفهامهم على قدر عقولهم و أذهانهم و كان في بني إسرائيل من قوم موسى ع و عيسى ع بلادة و غباوة لأنه لم ينقل عنهم من كلام جزل أو معنى بكر و قالوا لنبيهم حين مروا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ... اجْعَلْ لَنا إِلهاً و العرب أصح الناس أفهاما و أحدهم أذهانا فخصوا بالقرآن بما يدركونه بالفطنة دون البديهة لتخص كل أمة بما يشاكل طبعها و الثالث أن معجز القرآن أبقى على الأعصار و أنشر في الأقطار و ما دام إعجازه فهو أحج و بالاختصاص أحق فانتشر ذلك بعده في أقطار العالم شرقا و غربا قرنا بعد قرن و عصرا بعد عصر و قد انقرض القوم و هذه سنة سبعين و خمسمائة من مبعثه فلم يقدر أحد على معارضته

 14-  م، ]تفسير الإمام عليه السلام[ قال محمد بن علي الباقر ع إن رسول الله ص لما قدم المدينة و ظهرت آثار صدقه و آيات حقه و بينات نبوته كادته اليهود أشد كيد و قصدوه أقبح قصد يقصدون أنواره ليطمسوها و حججه ليبطلوها و كان ممن قصده للرد عليه و تكذيبه مالك بن الصيف و كعب بن الأشرف و حي بن أخطب و جدي بن أخطب و أبو ياسر بن أخطب و أبو لبابة بن عبد المنذر و شعبة فقال مالك لرسول الله ص يا محمد تزعم أنك رسول الله قال رسول الله ص كذلك قال الله خالق الخلق أجمعين قال يا محمد لن نؤمن أنك رسول الله حتى يؤمن لك هذا البساط الذي تحتنا و لن نشهد أنك عن الله جئتنا حتى يشهد لك هذا البساط و قال أبو لبابة بن عبد المنذر لن نؤمن لك يا محمد أنك رسوله و لا نشهد لك به حتى يؤمن و يشهد لك هذا السوط الذي في يدي و قال كعب بن الأشرف لن نؤمن لك أنك رسول الله و لن نصدقك حتى يؤمن لك هذا الحمار و أشار لحماره الذي كان راكبه فقال رسول الله ص إنه ليس للعباد الاقتراح على الله بل عليهم التسليم لله و الانقياد لأمره و الاكتفاء بما جعله كافيا أ ما كفاكم أن أنطق التوراة و الإنجيل و الزبور و صحف إبراهيم بنبوتي و دل على صدقي و تبين لكم فيها ذكر أخي و وصيي و خليفتي في أمتي و خير من أتركه على الخلائق بعدي علي بن أبي طالب فأنزل على هذا القرآن الباهر للخلق أجمعين المعجز لهم عن أن يأتوا بمثله و أن يتكلفوا شبهه فأما هذا الذي اقترحتموه فلست أقترحه على ربي عز و جل بل أقول إن ما أعطانيه ربي من دلالة هو حسبي و حسبكم فإن فعل عز و جل ما اقترحتموه فذاك زائد في تطوله علينا و عليكم و إن منعنا ذلك فلعلمه بأن الذي فعله كاف فيما أراده منا فلما فرغ رسول الله ص من كلامه هذا أنطق الله البساط فقال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا أحدا صمدا قيوما أبدا لم يتخذ صاحبة و لا ولدا و لم يشرك في حكمه أحدا و أشهد أنك يا محمد عبده و رسوله أرسلك بالهدى و دين الحق ليظهرك على الدين كله وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ و أشهد أن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف أخوك و وصيك و خليفتك في أمتك و خير من تتركه على الخلائق بعدك و أن من والاه فقد والاك و من عاداه فقد عاداك و من أطاعه فقد أطاعك و من عصاه فقد عصاك و أن من أطاعك فقد أطاع الله و استحق السعادة برضوانه و أن من عصاك فقد عصى الله و استحق أليم العذاب بنيرانه قال فعجب القوم فقال بعضهم لبعض ما هذا إلا سحر مبين فاضطرب البساط و ارتفع و نكس مالك بن الصيف و أصحابه حتى وقعوا على رءوسهم و وجوههم ثم أنطق الله تعالى

 البساط ثانيا فقال أنا بساط أنطقني الله و أكرمني بالنطق بتوحيده و تمجيده و الشهادة لمحمد نبيه و أنه سيد الأنبياء و رسوله إلى خلقه و القائم بين عباد الله بحقه و إمامة أخيه و وصيه و وزيره و شقيقة و خليله و قاضي ديونه و منجز عداته و ناصر أوليائه و قامع أعدائه و الانقياد لمن نصبه إماما و وليا و البراءة ممن اتخذه منابذا و عدوا فما ينبغي لكافر أن يطأني و لا يجلس علي إنما يجلس علي المؤمنون فقال رسول الله ص لسلمان و المقداد و أبي ذر و عمار قوموا فاجلسوا عليه فإنكم بجميع ما شهد به هذا البساط لمؤمنون فجلسوا ثم أنطق الله سوط أبي لبابة بن عبد المنذر فقال أشهد أن لا إله إلا الله خالق الخلق و باسط الرزق و مدبر الأمور و القادر على كل شي‏ء و أشهد أنك يا محمد عبده و رسوله و صفيه و خليله و حبيبه و وليه و نجيه جعلك السفير بينه و بين عباده لينجي بك السعداء و يهلك بك الأشقياء و أشهد أن علي بن أبي طالب المذكور في الملإ الأعلى بأنه سيد الخلق بعدك و أنه المقاتل على تنزيل كتابك ليسوق مخالفيه إلى قبوله طائعين و كارهين ثم المقاتل بعده على تأويله المنحرفين الذين غلبت أهواؤهم عقولهم فحرفوا تأويل كتاب الله و غيروه و السابق إلى رضوان الله أولياء الله بفضل عطيته و القاذف في نيران الله أعداء الله بسيف نقمته و المؤثرين لمعصيته و مخالفته قال ثم انجذب السوط من يد أبي لبابة و جذب أبا لبابة فخر لوجهه ثم قام بعد فجذبه السوط فخر لوجهه ثم لم يزل كذلك مرارا حتى قال أبو لبابة ويلي ما لي فأنطق الله عز و جل السوط فقال يا با لبابة إني سوط قد أنطقني الله بتوحيده و أكرمني بتحميده و شرفني بتصديق نبوة محمد سيد عبيده و جعلني ممن يوالي خير الله بعده و أفضل أولياء الله من الخلق حاشاه و المخصوص بابنته سيدة النسوان المشرف ببيتوتته على فراشه أفضل الجهاد و المذل لأعدائه بسيف الانتقام و البائن في أمته بعلوم الحلال و الحرام و الشرائع و الأحكام لا ينبغي لكافر مجاهر بالخلاف على محمد أن يبتذلني و يستعملني لا أزال أجذبك حتى أثخنك ثم أقتلك و أزول عن يدك أو تظهر الإيمان بمحمد ص فقال أبو لبابة فأشهد بجميع ما شهدت به أيها السوط و أعتقده و أؤمن به فنطق السوط ها لذا قد تقررت في يدك لإظهارك الإيمان و الله أعلم بسريرتك و هو الحاكم لك أو عليك في يوم الوقت المعلوم قال ع و لم يحسن إسلامه و كانت منه هنات و هنات فقام القوم من عند رسول الله ص فجعلت اليهود يسر بعضها إلى بعض بأن محمدا لمؤتى له و مبخوت في أمره و ليس بنبي صادق و جاء كعب بن الأشرف يركب حماره فشب به الحمار و صرعه على رأسه فأوجعه ثم عاد ليركبه فعاد إليه الحمار بمثل صنيعه ثم عاد ليركبه فعاد عليه الحمار بمثل صنيعه فلما كان في السابعة أو الثامنة أنطق الله تعالى الحمار فقال يا عبد الله بئس العبد أنت شاهدت آيات الله و كفرت بها أنا حمار قد أكرمني الله بتوحيده فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خالق الأنام ذُو الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ و أشهد أن محمدا عبده و رسوله سيد أهل دار السلام مبعوث لإسعاد من سبق علم الله له بالسعادة و إشقاء من سبق الكتاب عليه بالشقاوة و أشهد أن بعلي بن أبي طالب وليه و وصي رسوله يسعد الله من يسعد إذا وفقه لقبول موعظته و التأدب بأدبه و الايتمار بأوامره و الانزجار بزواجره و أن الله تعالى بسيوف سطوته و صولات نقمته يكبت و يخزي أعداء محمد حتى يسوقهم بسيفه الباتر و دليله الواضح الباهر إلى الإيمان به أو يقذفه في الهاوية إذا أبى إلا تماديا في غيه و امتدادا في طغيانه و عمهه ما ينبغي لكافر أن يركبني بل لا يركبني إلا مؤمن بالله مصدق بمحمد رسول الله في أقواله متصوب له في جميع أفعاله و في فعل أشرف الطاعات في نصبه أخاه عليا وصيا و وليا و لعلمه وارثا و بدينه قيما و على أمته مهيمنا و لديونه قاضيا و لعداته منجزا و لأوليائه مواليا و لأعدائه معاديا فقال رسول الله ص يا

 كعب بن أشرف حمارك أعقل منك قد أبى أن تركبه فلن تركبه أبدا فبعه من بعض إخواننا المؤمنين فقال كعب فلا حاجة لي فيه بعد أن ضرب بسحرك فناداه حماره يا عدو الله كف عن تجهم محمد رسول الله و الله لو لا كراهية مخالفته لقتلتك و وطيتك بحوافري و لقطعت رأسك بأسناني فخزي و سكت و اشتد جزعه مما سمع من الحمار و مع ذلك غلب عليه الشقاء و اشترى الحمار منه ثابت بن قيس بمائة درهم و كان يركبه و يجي‏ء إلى رسول الله ص و هو تحته هين لين ذليل كريم يقيه المتالف و يرفق به في المسالك فكان رسول الله ص يقول له يا ثابت هذا لك و أنت مؤمن مرتفق بمرتفقين فلما انصرف القوم من عند رسول الله ص و لم يؤمنوا أنزل الله يا محمد إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ في العظمة أَ أَنْذَرْتَهُمْ فوعظتهم و خوفتهم أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ لا يصدقون بنبوتك و هم قد شاهدوا هذه الآيات و كفروا فكيف يؤمنون بك عند قولك و دعائك

 بيان يقال أثخنته الجراحة أي أوهنته قاله الجوهري و قال في فلان هنات أي خصال شر و قال الشباب نشاط الفرس و رفع يديه جميعا تقول شب الفرس يشب و يشب شبابا و شبيبا إذا قمص و لعب انتهى و تجهمه استقبله بوجه كريه

 15-  م، ]تفسير الإمام عليه السلام[ قال الإمام الحسن ع قلت لأبي علي بن محمد ع كيف كانت الأخبار في هذه الآيات التي ظهرت على رسول الله ص بمكة و المدينة فقال يا بني استأنف لها النهار فلما كان من غد قال يا بني أما الغمامة فإن رسول الله ص كان يسافر إلى الشام مضاربا لخديجة بنت خويلد و كان من مكة إلى بيت المقدس مسيرة شهر فكانوا في حمارة القيظ يصيبهم حر تلك البوادي و ربما عصفت عليهم فيها الرياح و سفت عليهم الرمال و التراب و كان الله تعالى في تلك الأحوال يبعث لرسول الله ص غمامة تظله فوق رأسه تقف بوقوفه و تزول بزواله إن تقدم تقدمت و إن تأخر تأخرت و إن تيامن تيامنت و إن تياسر تياسرت فكانت تكف عنه حر الشمس من فوقه و كانت تلك الرياح المثيرة لتلك الرمال و التراب تسفيها في وجوه قريش و رواحلها حتى إذا دنت من محمد ص هدأت و سكنت و لم تحمل شيئا من رمل و لا تراب و هبت عليه ريح باردة لينة حتى كانت قوافل قريش يقول قائلها جوار محمد أفضل من خيمة فكانوا يلوذون به و يتقربون إليه فكان الروح يصيبهم بقربه و إن كانت الغمامة مقصورة عليه و كان إذا اختلط بتلك القوافل غرباء فإذا الغمامة تسير بعيدا منهم قالوا إلى من قرنت هذه الغمامة فقد شرف و كرم فتخاطبهم أهل القافلة انظروا إلى الغمامة تجدوا عليها اسم صاحبها و اسم صاحبه و صفيه و شقيقه فينظرون فيجدون مكتوبا عليها لا إله إلا الله محمد رسول الله أيدته بعلي سيد الوصيين و شرفته بآله الموالين له و لعلي و أوليائهما و المعادين لأعدائهما فيقرأ ذلك و يفهمه من يحسن أن يكتب و يقرأ من لا يحسن ذلك قال علي بن محمد ع و أما تسليم الجبال و الصخور و الأحجار عليه فإن رسول الله ص لما ترك التجارة إلى الشام و تصدق بكل ما رزقه الله تعالى من تلك التجارات كان يغدو كل يوم إلى حرا يصعده و ينظر من قلله إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ و أنواع عجائب رحمته و بدائع حكمته و ينظر إلى أكناف السماء و أقطار الأرض و البحار و المفاوز و الفيافي فيعتبر بتلك الآثار و يتذكر بتلك الآيات و يعبد الله حق عبادته فلما استكمل أربعين سنة و نظر الله عز و جل إلى قلبه فوجده أفضل القلوب و أجلها و أطوعها و أخشعها و أخضعها أذن لأبواب السماء ففتحت و محمد ينظر إليها و أذن للملائكة فنزلوا و محمد ينظر إليهم و أمر بالرحمة فأنزلت عليه من لدن ساق العرش إلى رأس محمد و غمرته و نظر إلى جبرئيل الروح الأمين المطوق بالنور طاوس الملائكة هبط إليه و أخذ بضبعه و هزه و قال يا محمد اقرأ قال و ما أقرأ قال يا محمد اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَ رَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ ثم أوحى إليه ما أوحى إليه ربه عز و جل ثم صعد إلى علو و نزل محمد ص من الجبل و قد غشيه من تعظيم جلال الله و ورد عليه من كبير شأنه ما ركبه الحمى و النافض و قد اشتد عليه ما يخافه من تكذيب قريش في خبره و نسبهم إياه إلى الجنون و أنه يعتريه شياطين و كان من أول أمره أعقل خلق الله و أكرم براياه و أبغض الأشياء إليه الشيطان و أفعال المجانين و أقوالهم فأراد الله عز و جل أن يشرح

 صدره و يشجع قلبه فأنطق الجبال و الصخور و المدر و كلما وصل إلى شي‏ء منها ناداه السلام عليك يا محمد السلام عليك يا ولي الله السلام عليك يا رسول الله أبشر فإن الله عز و جل قد فضلك و جملك و زينك و أكرمك فوق الخلائق أجمعين من الأولين و الآخرين لا يحزنك أن تقول قريش إنك مجنون و عن الدين مفتون فإن الفاضل من فضله رب العالمين و الكريم من كرمه خالق الخلق أجمعين فلا يضيقن صدرك من تكذيب قريش و عتاة العرب لك فسوف يبلغك ربك أقصى منتهى الكرامات و يرفعك إلى أرفع الدرجات و سوف ينعم و يفرح أولياءك بوصيك علي بن أبي طالب و سوف يبث علومك في العباد و البلاد بمفتاحك و باب مدينة حكمتك علي بن أبي طالب و سوف يقر عينك ببنتك فاطمة و سوف يخرج منها و من علي الحسن و الحسين سيدي شباب أهل الجنة و سوف ينشر في البلاد دينك و سوف يعظم أجود المحبين لك و لأخيك و سوف يضع في يدك لواء الحمد فتضعه في يد أخيك علي فيكون تحته كل نبي و صديق و شهيد يكون قائدهم أجمعين إلى جنات النعيم فقلت في سري يا رب من علي بن أبي طالب الذي وعدتني به و ذلك بعد ما ولد علي و هو طفل أ و هو ولد عمي و قال بعد ذلك لما تحرك علي قليلا و هو معه أ هو هذا ففي كل مرة من ذلك أنزل عليه ميزان الجلال فجعل محمد في كفة منه و مثل له علي ع و سائر الخلق من أمته إلى يوم القيامة في كفة فوزن بهم فرجح ثم أخرج محمد من الكفة و ترك علي في كفة محمد التي كان فيها فوزن بسائر أمته فرجح بهم فعرفه رسول الله بعينه و صفته و نودي في سره يا محمد هذا علي بن أبي طالب صفيي الذي أؤيد به هذا الدين يرجح على جميع أمتك بعدك فذلك حين شرح الله صدري بأداء الرسالة و خفف عني مكافحة الأمة و سهل علي مبارزة العتاة و الجبابرة من قريش قال علي بن محمد ع و أما دفاع الله القاصدين لمحمد ص إلى قتله و إهلاكه إياهم كرامة لنبيه و تصديقه إياه فيه فإن رسول الله ص كان و هو ابن سبع سنين بمكة قد نشأ في الخير نشوا لا نظير له في سائر صبيان قريش حتى ورد مكة قوم من يهود الشام فنظروا إلى محمد ص و شاهدوا نعته و صفته فأسر بعضهم إلى بعض هذا و الله محمد الخارج في آخر الزمان المدال على اليهود و سائر أهل أهل الأديان يزيل الله تعالى به دولة اليهود و يذلهم و يقمعهم و قد كانوا وجدوه في كتبهم النبي الأمي الفاضل الصادق فحملهم الحسد على أن كتموا ذلك و تفاوضوا في أنه ملك يزال ثم قال بعضهم لبعض تعالوا نحتال عليه فنقتله فإن الله يمحو ما يشاء و يثبت لعلنا نصادفه ممن يمحو فهموا بذلك ثم قال بعضهم لبعض لا تعجلوا حتى نمتحنه و نجربه بأفعاله فإن الحلية قد توافق الحلية و الصورة قد تشاكل الصورة إن ما وجدناه في كتبنا أن محمدا يجنبه ربه من الحرام و الشبهات فصادفوه و القوه و ادعوه إلى دعوة و قدموا إليه الحرام و الشبهة فإن انبسط فيهما أو في أحدهما فأكله فاعلموا أنه غير من تظنون و إنما الحلية وافقت الحلية و الصورة ساوت الصورة و إن لم يكن الأمر كذلك و لم يأكل منهما فاعلموا أنه هو فاحتالوا له في تطهير الأرض منه لتسلم لليهود دولتهم

 قال فجاءوا إلى أبي طالب فصادفوه و دعوه إلى دعوة لهم فلما حضر رسول الله ص قدموا إليه و إلى أبي طالب و الملإ من قريش دجاجة مسمنة كانوا قد وقذوها و شووها فجعل أبو طالب و سائر قريش يأكلون منها و رسول الله ص يمد يده نحوها فيعدل بها يمنة ثم يسرة ثم أماما ثم خلفا ثم فوقا ثم تحتا لا تصيبها يده فقالوا ما لك يا محمد لا تأكل منها فقال يا معشر اليهود قد جهدت أن أتناول منها و هذه يدي يعدل بها عنها و ما أراها إلا حراما يصونني ربي عز و جل عنها فقالوا ما هي إلا حلال فدعنا نلقمك فقال رسول الله ص فافعلوا إن قدرتم فذهبوا ليأخذوا منها و يطعموه فكانت أيديهم يعدل بها إلى الجهات كما كانت يد رسول الله ص تعدل عنها فقال رسول الله ص فهذه قد منعت منها فأتوني بغيرها إن كانت لكم فجاءوه بدجاجة أخرى مسمنة مشوية قد أخذوها لجار لهم غائب لم يكونوا اشتروها و عملوها على أن يردوا عليه ثمنها إذا حضر فتناول رسول الله ص لقمة فلما ذهب يرفعها ثقلت عليه و نصلت حتى سقطت من يده و كلما ذهب يرفع ما قد تناوله بعدها ثقلت و سقطت فقالوا يا محمد فما بال هذه لا تأكل منها قال رسول الله ص و هذه أيضا قد منعت منها و ما أراها إلا من شبهة يصونني ربي عز و جل عنها قالوا ما هي شبهة فدعنا نلقمك منها فقال افعلوا إن قدرتم عليه فكلما تناولوا لقمة ليلقموه ثقلت كذلك في أيديهم ثم سقطت و لم يقدروا أن يلقموها فقال رسول الله ص هو ما قلت لكم شبهة يصونني ربي عز و جل عنها فتعجبت قريش من ذلك و كان ذلك مما يقيمهم على اعتقاد عداوته إلى أن أظهروها لما أن أظهره الله عز و جل بالنبوة و أغرتهم اليهود أيضا فقالت لهم اليهود أي شي‏ء يرد عليكم من هذا الطفل ما نراه إلا يسالبكم نعمكم و أرواحكم سوف يكون لهذا شأن عظيم و قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع فتواطأت اليهود على قتله في طريقه على جبل حرا و هم سبعون فعمدوا إلى سيوفهم فسموها ثم قعدوا له ذات غلس في طريقه على جبل حرا فلما صعده صعدوا إليه و سلوا سيوفهم و هم سبعون رجلا من أشد اليهود و أجلدهم و ذوي النجدة منهم فلما أهووا بها إليه ليضربوه بها التقى طرفا الجبل بينهم و بينه فانضما و صار ذلك حائلا بينهم و بين محمد ص و انقطع طمعهم عن الوصول إليه بسيوفهم فغمدوها فانفرج الطرفان بعد ما كانا انضما فسلوا بعد سيوفهم و قصدوه فلما هموا بإرسالها عليه انضم طرفا الجبل و حيل بينهم و بينه فيغمدونها ثم ينفرجان فيسلونها إلى أن بلغ ذروة الجبل فكان ذلك سبعا و أربعين مرة فصعدوا الجبل و داروا خلفه ليقصدوه بالقتل فطال عليهم الطريق و مد الله عز و جل

 الجبل فأبطئوا عنه حتى فرغ رسول الله ص من ذكره و ثنائه على ربه و اعتباره بعبره ثم انحدر عن الجبل فانحدروا خلفه و لحقوه و سلوا سيوفهم عليه ليضربوه بها فانضم طرفا الجبل و حال بينهم و بينه فغمدوها ثم انفرج فسلوها ثم انضم فغمدوها و كان ذلك سبعا و أربعين مرة كلما انفرج سلوها فإذا انضم غمدوها فلما كان في آخر مرة و قد قارب رسول الله ص القرار سلوا سيوفهم عليه فانضم طرفا الجبل و ضغطهم الجبل و رضضهم و ما زال يضغطهم حتى ماتوا أجمعين ثم نودي يا محمد انظر خلفك إلى بغاتك السوء ما ذا صنع بهم ربهم فنظر فإذا طرفا الجبل مما يليه منضمان فلما نظر انفرج الطرفان و سقط أولئك القوم و سيوفهم بأيديهم و قد هشمت وجوههم و ظهورهم و جنوبهم و أفخاذهم و سوقهم و أرجلهم و خروا موتى تشخب أوداجهم دما و خرج رسول الله ص من ذلك الموضع سالما مكفيا مصونا محفوظا تناديه الجبال و ما عليها من الأحجار هنيئا لك يا محمد نصرة الله عز و جل لك على أعدائك بنا و سينصرك إذا ظهر أمرك على جبابرة أمتك و عتاتهم بعلي بن أبي طالب و يشد يده لإظهار دينك و إعزازه و إكرام أوليائك و قمع أعدائك و سيجعله تاليك و ثانيك و نفسك التي بين جنبيك و سمعك الذي به تسمع و بصرك الذي به تبصر و يدك التي بها تبطش و رجلك التي عليها تعتمد و سيقضي عنك ديونك و يفي عنك بعداتك و سيكون جمال أمتك و زين أهل ملتك و سيسعد ربك عز و جل به محبيه و يهلك به شانئيه قال علي بن محمد ع و أما الشجرتان اللتان تلاصقتا فإن رسول الله ص كان ذات يوم في طريق له بين مكة و المدينة و في عسكره منافقون من المدينة و كافرون من مكة و منافقون لها و كانوا يتحدثون فيما بينهم بمحمد ص و آله الطيبين و أصحابه الخيرين فقال بعضهم لبعض يأكل كما نأكل و ينفض كرشه من الغائط و البول كما ننفض و يدعي أنه رسول الله فقال بعض مردة المنافقين هذه صحراء ملساء لأتعمدن النظر إلى استه إذا قعد لحاجته حتى أنظر هل الذي يخرج منه كما يخرج منا أم لا فقال آخر لكنك إن ذهبت تنظر معه منعه من أن يقعد لأنه أشد حياء من الجارية العذراء المحرمة قال فعرف الله عز و جل ذلك نبيه ص فقال لزيد بن ثابت اذهب إلى تينك الشجرتين المتباعدتين يومئ إلى شجرتين بعيدتين قد أوغلتا في المفازة و بعدتا عن الطريق قدر ميل فقف بينهما و ناد أن رسول الله ص يأمركما أن تلتصقا و تنضما ليقضي رسول الله ص خلفكما حاجته ففعل ذلك زيد و قاله فو الذي بعث محمدا بالحق نبيا إن الشجرتين انقلعتا بأصولهما من مواضعهما و سعت كل واحدة منهما إلى الأخرى سعي المتحابين كل واحد منهما إلى الآخر التقيا بعد طول غيبة و شدة اشتياق ثم تلاصقتا و انضمتا انضمام متحابين في فراش في صميم الشتاء و قعد رسول الله ص خلفهما فقال أولئك المنافقون قد استتر عنا فقال بعضهم لبعض فدوروا خلفه لتنظروا إليه فذهبوا يدورون خلفه فدارت الشجرتان كلما داروا و منعتاهم من النظر إلى عورته فقالوا تعالوا نتحلق حوله لتراه طائفة منا فلما ذهبوا

 يتحلقون تحلقت الشجرتان فأحاطتا به كالأنبوبة حتى فرغ و توضأ و خرج من هناك و عاد إلى العسكر و قال لزيد بن ثابت عد إلى الشجرتين و قل لهما إن رسول الله ص يأمركما أن تعودا إلى أماكنكما فقال لهما و سعت كل واحدة منهما إلى موضعهما و الذي بعثه بالحق نبيا سعى الهارب الناجي بنفسه من راكض شاهر سيفه خلفه حتى عادت كل شجرة إلى موضعها فقال المنافقون قد امتنع محمد من أن يبدي لنا عورته و أن ننظر إلى استه فتعالوا ننظر إلى ما خرج منه لنعلم أنه و نحن سيان فجاءوا إلى الموضع فلم يروا شيئا البتة لا عينا و لا أثرا قال و عجب أصحاب رسول الله ص من ذلك فنودوا من السماء أ و عجبتم لسعي الشجرتين إحداهما إلى الأخرى إن سعي الملائكة بكرامات الله عز و جل إلى محبي محمد و محبي علي أشد من سعي هاتين الشجرتين إحداهما إلى الأخرى و إن تنكب نفحات النار يوم القيامة عن محبي علي و المتبرءين من أعدائه أشد من تنكب هاتين الشجرتين إحداهما عن الأخرى قال علي بن محمد صلوات الله عليهما و أما دعاؤه ص الشجرة فإن رجلا من ثقيف كان أطب الناس يقال له الحارث بن كلدة الثقفي جاء إلى رسول الله ص فقال يا محمد جئت أداويك من جنونك فقد داويت مجانين كثيرة فشفوا على يدي فقال رسول الله ص أنت تفعل أفعال المجانين و تنسبني إلى الجنون قال الحارث و ما ذا فعلته من أفعال المجانين قال نسبتك إياي إلى الجنون من غير محنة منك و لا تجربة و لا نظر في صدقي أو كذبي فقال الحارث أ و ليس قد عرفت كذبك و جنونك بدعواك النبوة التي لا تقدر لها فقال رسول الله ص و قولك لا تقدر لها فعل المجانين لأنك لم تقل لم قلت كذا و لا طالبتني بحجة فعجزت عنها فقال الحارث صدقت أنا أمتحن أمرك بآية أطالبك بها إن كنت نبيا فادع تلك الشجرة يشير بشجرة عظيمة بعيد عمقها فإن أتتك علمت أنك رسول الله ص و شهدت لك بذلك و إلا فأنت ذلك المجنون الذي قيل لي فرفع رسول الله يده إلى تلك الشجرة و أشار إليها أن تعالي فانقلعت تلك الشجرة بأصولها و عروقها و جعلت تخد في الأرض أخدودا عظيما كالنهر حتى دنت من رسول الله ص فوقفت بين يديه و نادت بصوت فصيح ها أنا ذا يا رسول الله ما تأمرني فقال لها رسول الله ص دعوتك لتشهد لي بالنبوة بعد شهادتك لله بالتوحيد ثم تشهدي بعد شهادتك لي لعلي هذا بالإمامة و أنه سندي و ظهري و عضدي و فخري و عزي و لولاه ما خلق الله عز و جل شيئا مما خلق فنادت أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أنك يا محمد عبده و رسوله أرسلك بِالْحَقِّ بَشِيراً وَ نَذِيراً وَ داعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَ سِراجاً مُنِيراً و أشهد أن عليا ابن عمك هو أخوك في دينك أوفر خلق الله من الدين حظا و أجزلهم من الإسلام نصيبا و أنه سندك و ظهرك قامع أعدائك ناصر أوليائك باب علومك في أمتك و أشهد أن أولياءك الذين يوالونه و يعادون أعداءه حشو الجنة و أن أعداءه الذين يوالون أعداءه و يعادون أولياءه حشو النار فنظر رسول الله ص إلى الحارث بن كلدة فقال يا حارث أ و مجنونا يعد من هذه آياته فقال الحارث بن كلدة لا و الله يا رسول الله و لكني أشهد أنك رسول رب العالمين و سيد الخلق أجمعين و حسن إسلامه و أما كلام الذراع المسمومة فإن رسول الله ص لما رجع من خيبر إلى المدينة

 و قد فتح الله له جاءته امرأة من اليهود قد أظهرت الإيمان و معها ذراع مسمومة مشوية وضعتها بين يديه فقال رسول الله ص ما هذه قالت له بأبي أنت و أمي يا رسول الله همني أمرك في خروجك إلى خيبر فإني علمتهم رجالا جلدا و هذا حمل كان لي ربيبة أعده كالولد لي و علمت أن أحب الطعام إليك الشواء و أحب الشواء إليك الذراع و نذرت لله لئن سلمك الله منهم لأذبحنه و لأطعمنك من شوائة ذراعيه و الآن فقد سلمك الله منهم و أظفرك عليهم و قد جئتك بنذري و كان مع رسول الله ص البراء بن معرور و علي بن أبي طالب ع فقال رسول الله ص ايتوني بالخبز فأتي به فمد البراء بن المعرور يده و أخذ منه لقمة فوضعها في فيه فقال علي بن أبي طالب ع يا براء لا تتقدم رسول الله ص فقال البراء و كان أعرابيا يا علي كأنك تبخل رسول الله ص فقال علي ع ما أبخل رسول الله ص و لكني أبجله و أوقره ليس لي و لا لك و لا لأحد من خلق الله أن يتقدم رسول الله ص بقول و لا فعل و لا أكل و لا شرب فقال البراء ما أبخل رسول الله ص قال علي ع ما لذلك قلت و لكن هذا جاءت به هذه و كانت يهودية و لسنا نعرف حالها فإذا أكلته بأمر رسول الله ص فهو الضامن لسلامتك منه و إذا أكلته بغير إذنه وكلت إلى نفسك يقول علي هذا و البراء يلوك اللقمة إذ أنطق الله الذراع فقالت يا رسول الله لا تأكلني فإني مسمومة و سقط البراء في سكرات الموت و لم يرفع إلا ميتا فقال رسول الله ص ايتوني بالمرأة فأتي بها فقال ما حملك على ما صنعت فقالت وترتني وترا عظيما قتلت أبي و عمي و زوجي و أخي و ابني ففعلت هذا و قلت إن كان ملكا فسأنتقم منه و إن كان نبيا كما يقول و قد وعد فتح مكة و النصر و الظفر فيمنعه الله منه و يحفظه و لن يضره فقال رسول الله ص أيتها المرأة لقد صدقت ثم قال لها رسول الله ص لا يغرك موت البراء فإنما امتحنه الله لتقدمه بين يدي رسول الله ص و لو كان بأمر رسول الله أكل منه لكفي شره و سمه ثم قال رسول الله ص ادع لي فلانا و فلانا و ذكر قوما من خيار أصحابه فيهم سلمان و المقداد و أبو ذر و عمار و صهيب و بلال و قوم من سائر الصحابة تمام عشرة و علي ع حاضر معهم فقال اقعدوا و تحلقوا عليه و وضع رسول الله ص يده على الذراع المسمومة و نفث عليه و قال بسم الله الشافي بسم الله الكافي بسم الله المعافي بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شي‏ء و لا داء في الأرض و لا في السماء وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثم قال كلوا على اسم الله فأكل رسول الله ص و أكلوا حتى شبعوا ثم شربوا عليه الماء ثم أمر بها فحبست فلما كان اليوم الثاني جاء بها فقال أ ليس هؤلاء أكلوا ذلك السم بحضرتك فكيف رأيت دفع الله عن نبيه و صحابته فقالت يا رسول الله كنت إلى الآن في نبوتك شاكة و الآن قد أيقنت أنك رسول الله حقا فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أنك عبده و رسوله و حسن إسلامها

 فقال علي بن الحسين ع و لقد حدثني أبي عن جدي أن رسول الله ص لما حملت إليه جنازة البراء بن معرور ليصلي عليه قال أين علي بن أبي طالب قالوا يا رسول الله إنه ذهب في حاجة رجل من المسلمين إلى قباء فجلس رسول الله ص و لم يصل عليه قالوا يا رسول الله ما لك لا تصلي عليه فقال رسول الله ص إن الله عز و جل أمرني أن أؤخر الصلاة عليه إلى أن يحضره علي فيجعله في حل مما كلمه به بحضرة رسول الله ص ليجعل الله موته بهذا السم كفارة له فقال بعض من حضر رسول الله ص و شاهد الكلام الذي تكلم به البراء يا رسول الله إنما كان مزحا مازح به عليا لم يكن منه جدا فيؤاخذه الله عز و جل بذلك قال رسول الله ص لو كان ذلك منه جدا لأحبط الله تعالى أعماله كلها و لو كان تصدق بمثل ما بين الثرى إلى العرش ذهبا و فضة و لكنه كان مزحا و هو في حل من ذلك إلا أن رسول الله ص يريد أن لا يعتقد أحد منكم أن عليا ع واجد عليه فيجدد بحضرتكم إحلالا و يستغفر له ليزيده الله عز و جل بذلك قربة و رفعة في جنانه فلم يلبث أن حضر علي بن أبي طالب ع فوقف قبالة الجنازة و قال رحمك الله يا براء فلقد كنت صواما قواما و لقد مت في سبيل الله و قال رسول الله ص و لو كان أحد من الموتى يستغني عن صلاة رسول الله لاستغنى صاحبكم هذا بدعاء علي ع له ثم قام فصلى عليه و دفن فلما انصرف و قعد في العزاء قال أنتم يا أولياء البراء بالتهنية أولى منكم بالتعزية لأن صاحبكم عقد له في الحجب قباب من السماء الدنيا إلى السماء السابعة و بالحجب كلها إلى الكرسي إلى ساق العرش لروحه التي عرج بها فيها ثم ذهب بها إلى ربض الجنان و تلقاها كل من كان فيها من خزانها و اطلع إليه كل من كان فيها من حور حسانها فقالوا بأجمعهم له طوباك طوباك يا روح البراء انتظر عليك رسول الله عليا صلوات الله و سلامه عليهما و آلهما الكرام حتى ترحم عليك علي و استغفر لك أما إن حملة عرش ربنا حدثونا عن ربنا أنه قال يا عبدي الميت في سبيلي لو كان عليك من الذنوب بعدد الحصى و الثرى و قطر المطر و ورق الشجر و عدد شعور الحيوانات و لحظاتهم و أنفاسهم و حركاتهم و سكناتهم لكانت مغفورة بدعاء علي ع لك قال رسول الله ص فتعرضوا عباد الله لدعاء علي لكم و لا تتعرضوا لدعاء علي عليكم فإن من دعا عليه أهلكه الله و لو كانت حسناته عدد ما خلق الله كما أن من دعا له أسعده الله و لو كانت سيئاته بعدد ما خلق الله و أما كلام الذئب له فإن رسول الله ص كان جالسا ذات يوم إذ جاءه راع ترتعد فرائصه قد استفزعه العجب فلما رآه من بعيد قال لأصحابه إن لصاحبكم هذا شأنا عجيبا فلما وقف قال له رسول الله ص حدثنا بما أزعجك قال الراعي يا رسول الله أمر عجيب كنت في غنمي إذ جاء ذئب فحمل حملا فرميته بمقلاعتي فانتزعته منه ثم جاء إلى الجانب الأيمن فتناول حملا فرميته بمقلاعتي فانتزعته

 منه ثم جاء إلى الجانب الأيسر فتناول حملا فرميته بمقلاعتي فانتزعته ثم جاء إلى الجانب الآخر فتناول حملا فرميته بمقلاعتي فانتزعته منه ثم جاء الخامسة هو و أنثاه يريد أن يتناول حملا فأردت أن أرميه فأقعى على ذنبه و قال أ ما تستحيي تحول بيني و بين رزق قد قسمه الله لي أ فما أحتاج أنا إلى غداء أتغدى به فقلت ما أعجب هذا ذئب أعجم يكلمني كلام الآدميين فقال لي الذئب أ لا أنبئك بما هو أعجب من كلامي لك محمد رسول رب العالمين بين الحرتين يحدث الناس بأنباء ما قد سبق من الأولين و ما لم يأت من الآخرين ثم اليهود مع علمهم بصدقه و وجودهم له في كتب رب العالمين بأنه أصدق الصادقين و أفضل الفاضلين يكذبونه و يجحدونه و هو بين الحرتين و هو الشفاء النافع ويحك يا راعي آمن به تأمن من عذاب الله و أسلم له تسلم من سوء العذاب الأليم فقلت له و الله لقد عجبت من كلامك و استحييت من منعي لك ما تعاطيت أكله فدونك غنمي فكل منها ما شئت لا أدافعك و لا أمانعك فقال فقال لي الذئب يا عبد الله احمد الله إذ كنت ممن يعتبر بآيات الله و ينقاد لأمره لكن الشقي كل الشقي من يشاهد آيات محمد في أخيه علي بن أبي طالب ع و ما يؤديه عن الله عز و جل من فضائله و ما يراه من وفور حظه من العلم الذي لا نظير له فيه و الزهد الذي لا يحاذيه أحد فيه و الشجاعة التي لا عدل له فيها و نصرته للإسلام التي لا حظ لأحد فيها مثل حظه ثم يرى مع ذلك كله رسول الله يأمر بموالاته و موالاة أوليائه و التبري من أعدائه و يخبر أن الله تعالى لا يقبل من أحد عملا و إن جل و عظم ممن يخالفه ثم هو مع ذلك يخالفه و يدفعه عن حقه و يظلمه و يوالي أعداءه و يعادي أولياءه إن هذا لأعجب من منعك إياي قال الراعي فقلت أيها الذئب أ و كائن هذا قال بلى و ما هو أعظم منه سوف يقتلونه باطلا و يقتلون ولده و يسبون حريمهم و هم مع ذلك يزعمون أنهم مسلمون فدعواهم أنهم على دين الإسلام مع صنيعهم هذا بسادة أهل الإسلام أعجب من منعك لي لا جرم أن الله قد جعلنا معاشر الذئاب أنا و نظرائي من المؤمنين نمزقهم في النيران يوم فصل القضاء و جعل في تعذيبهم شهواتنا و في شدائد آلامهم لذاتنا قال الراعي فقلت و الله لو لا هذه الغنم بعضها لي و بعضها أمانة في رقبتي لقصدت محمدا حتى أراه فقال لي الذئب يا عبد الله فامض إلى محمد و اترك علي غنمك لأرعاها لك فقلت كيف أثق بأمانتك فقال لي يا عبد الله إن الذي أنطقني بما سمعت هو الذي يجعلني قويا أمينا عليها أ و لست مؤمنا بمحمد مسلما له ما أخبر به عن الله تعالى في أخيه علي ع فامض لشأنك فإني راعيك و الله عز و جل ثم ملائكته المقربون رعاة لي إذ كنت خادما لولي علي فتركت غنمي على الذئب و الذئبة و جئتك يا رسول الله فنظر رسول الله ص في وجوه القوم و فيها ما يتهلل سرورا به و تصديقا و فيها من يعبس شكا فيه و تكذيبا و يسر منافقون إلى أمثالهم هذا قد واطأه محمد على هذا الحديث ليختدع به الضعفاء الجهال فتبسم رسول الله ص و قال لئن شككتم أنتم فيه فقد تيقنته أنا و صاحبي الكائن معي في أشرف المحال من عرش الملك الجبار و المطوف به معي في أنهار الحيوان من دار القرار و الذي هو تلوي في قيادة الأخيار و المتردد معي في الأصلاب الزاكيات المتقلب معي في الأرحام الطاهرات الراكض معي في مسالك الفضل و الذي كسي ما كسيته من العلم و الحلم و العقل و شقيقي الذي انفصل مني عند الخروج إلى صلب عبد الله

 و صلب أبي طالب و عديلي في اقتناء المحامد و المناقب علي بن أبي طالب آمنت به أنا و الصديق الأكبر و ساقي أوليائي من نهر الكوثر آمنت به أنا و الفاروق الأعظم و ناصر أوليائي السيد الأكرم آمنت به أنا و من جعله الله محنة لأولاد الغي و الرشدة و جعله للموالين له أفضل العدة آمنت به أنا و من جعله الله لديني قواما و لعلومي علاما و في الحروب مقداما و على أعدائي ضرغاما أسدا قمقاما آمنت به أنا و من سبق الناس إلى الإيمان فتقدمهم إلى رضا الرحمن و تفرد دونهم بقمع أهل الطغيان و قطع بحججه و واضح بيانه معاذير أهل البهتان آمنت به أنا و علي بن أبي طالب الذي جعله الله لي سمعا و بصرا و يدا و مؤيدا و سندا و عضدا لا أبالي من خالفني إذا وافقني و لا أحفل بمن خذلني إذا وازرني و لا أكترث بمن أزور عني إذا ساعدني آمنت به أنا و من زين الله به الجنان و بمحبيه و ملأ طبقات النيران بشانئيه و لم يجعل أحدا من أمتي يكافيه و لا يدانيه لم يضرني عبوس المعبس منكم إذا تهلل وجهه و لا إعراض المعرض منكم إذا خلص لي وده ذاك علي بن أبي طالب الذي لو كفر الخلق كلهم من أهل السماوات و الأرضين لنصر الله عز و جل به وحده هذا الدين و الذي لو عاداه الخلق كلهم لبرز إليهم أجمعين باذلا روحه في نصرة كلمة الله رب العالمين و تسفيل كلمات إبليس اللعين قال ص هذا الراعي لم يبعد شاهده فهلموا بنا إلى قطيعه ننظر إلى الذئبين فإن كلمانا و وجدناهما يرعيان غنمه و إلا كنا على رأس أمرنا فقام رسول الله ص و معه جماعة كثيرة من المهاجرين و الأنصار فلما رأوا القطيع من بعيد قال الراعي ذاك قطيعي فقال المنافقون فأين الذئبان فلما قربوا رأوا الذئبين يطوفان حول الغنم يردان عنها كل شي‏ء يفسدها فقال لهم رسول الله ص أ تحبون أن تعلموا أن الذئب ما عنى غيري بكلامه قالوا بلى يا رسول الله قال أحيطوا بي حتى لا يراني الذئبان فأحاطوا به فقال للراعي يا راعي قل للذئب من محمد الذي ذكرته من بين هؤلاء قال فجاء الذئب إلى واحد منهم و تنحى عنه ثم جاء إلى آخر و تنحى عنه فما زال حتى دخل وسطهم فوصل إلى رسول الله ص هو و أنثاه و قالا السلام عليك يا رسول الله رب العالمين و سيد الخلق أجمعين و وضعا خدودهما على التراب و مرغاها بين يديه و قالا نحن كنا دعاة إليك بعثنا إليك هذا الراعي و أخبرناه بخبرك فنظر رسول الله ص إلى المنافقين معه فقال ما للكافرين عن هذا محيص و لا للمنافقين عن هذا موئل و لا معدل ثم قال رسول الله ص هذه واحدة قد علمتم صدق الراعي فيها أ فتحبون أن تعلموا صدقه في الثانية قالوا بلى يا رسول الله قال أحيطوا بعلي بن أبي طالب ففعلوا ثم نادى رسول الله أيها الذئبان إن هذا محمد قد أشرتما للقوم إليه و عينتما عليه فأشيرا و عينا علي بن أبي طالب الذي ذكرتماه بما ذكرتماه قال فجاء الذئبان و تخللا القوم و جعلا يتأملان الوجوه و الأقدام و كل من تأملاه أعرضا عنه حتى بلغا عليا فلما تأملاه مرغا في

 التراب أبدانهما و وضعا على الأرض بين يديه خدودهما و قالا السلام عليك يا حليف الندى و معدن النهى و محل الحجى و عالما بما في الصحف الأولى و وصي المصطفى السلام عليك يا من أسعد الله به محبيه و أشقى بعداوته شانئيه و جعله سيد آل محمد و ذويه السلام عليك يا من لو أحبه أهل الأرض كما يحبه أهل السماء لصاروا خيار الأصفياء و يا من لو أحس بأقل قليل من بغضه من أنفق في سبيل الله ما بين العرش إلى الثرى لانقلب بأعظم الخزي و المقت من العلي الأعلى قال فعجب أصحاب رسول الله الذين كانوا معه و قالوا يا رسول الله ما ظننا أن لعلي هذا المحل من السباع مع محله منك قال رسول الله ص فكيف لو رأيتم محله من سائر الحيوانات المبثوثات في البر و البحر و في السماوات و الأرض و الحجب و العرش و الكرسي و الله لقد رأيت من تواضع أملاك سدرة المنتهى لمثال علي المنصوب بحضرتهم ليشبعوا بالنظر إليه بدلا من النظر إلى علي كلما اشتاقوا إليه ما يصغر في جنبه تواضع هذين الذئبين و كيف لا يتواضع الأملاك و غيرهم من العقلاء لعلي و هذا رب العزة قد آلى على نفسه قسما لا يتواضع أحد لعلي قيس شعرة إلا رفعه الله في علو الجنان مسيرة مائة ألف سنة و إن التواضع الذي تشاهدونه يسير قليل في جنب هذه الجلالة و الرفعة اللتين عنهما تخبرون و أما حنين العود إلى رسول الله ص فإن رسول الله ص كان يخطب بالمدينة إلى جذع نخلة في صحن مسجدها فقال له بعض أصحابه يا رسول الله إن الناس قد كثروا و إنهم يحبون النظر إليك إذا خطبت فلو أذنت أن نعمل لك منبرا له مراقي ترقاها فيراك الناس إذا خطبت فأذن في ذلك فلما كان يوم الجمعة مر بالجذع فتجاوزه إلى المنبر فصعده فلما استوى عليه حن ذلك الجذع حنين الثكلى و أن أنين الحبلى فارتفع بكاء الناس و حنينهم و أنينهم و ارتفع حنين الجذع و أنينه في حنين الناس و أنينهم ارتفاعا بينا فلما رأى رسول الله ص ذلك نزل عن المنبر و أتى الجذع فاحتضنه و مسح عليه يده و قال اسكن فما تجاوزك رسول الله تهاونا بك و لا استخفافا بحرمتك و لكن ليتم لعباد الله مصلحتهم و لك جلالك و فضلك إذ كنت مستند محمد رسول الله فهدأ حنينه و أنينه و عاد رسول الله ص إلى منبره ثم قال معاشر المسلمين هذا الجذع يحن إلى رسول رب العالمين و يحزن لبعده عنه ففي عباد الله الظالمين أنفسهم من لا يبالي قرب من رسول الله أم بعد و لو لا أني احتضنت هذا الجذع و مسحت يدي عليه ما هدأ حنينه إلى يوم القيامة و إن من عباد الله و إمائه لمن يحن إلى محمد رسول الله و إلى علي ولي الله كحنين هذا الجذع و حسب المؤمن أن يكون قلبه على موالاة محمد و علي و آلهما الطيبين منطويا أ رأيتم شدة حنين هذا الجذع إلى محمد رسول الله و كيف هدأ لما احتضنه محمد رسول الله و مسح يده عليه قالوا بلى يا رسول الله قال رسول الله ص و الذي بعثني بالحق نبيا إن حنين خزان جنان و حور عينها و سائر قصورها و منازلها إلى من يوالي محمدا و عليا و آلهما الطيبين و يبرأ من أعدائهما لأشد من حنين هذا الجذع الذي رأيتموه إلى رسول الله ص و إن الذي يسكن حنينهم و أنينهم ما يرد عليهم من صلاة أحدكم معاشر شيعتنا على محمد و آله الطيبين أو صلاة نافلة أو صوم أو صدقة و إن من عظيم ما يسكن حنينهم إلى شيعة محمد و على ما يتصل بهم من إحسانهم إلى إخوانهم المؤمنين و معونتهم لهم على دهرهم يقول أهل الجنان بعضهم لبعض لا تستعجلوا

 صاحبكم فما يبطئ عنكم إلا للزيادة في الدرجات العاليات في هذه الجنان بإسداء المعروف إلى إخوانه المؤمنين و أعظم من ذلك مما يسكن حنين سكان الجنان و حورها إلى شيعتنا ما يعرفهم الله من صبر شيعتنا على التقية و استعمالهم التورية ليسلموا من كفرة عباد الله و فسقتهم فحينئذ تقول خزان الجنان و حورها لنصبرن على شوقنا إليهم كما يصبرون على سماع المكروه في ساداتهم و أئمتهم و كما يتجرعون الغيظ و يسكتون عن إظهار الحق لما يشاهدون من ظلم من لا يقدرون على دفع مضرته فعند ذلك يناديهم ربنا عز و جل يا سكان جناتي و يا خزان رحمتي ما لبخل أخرت عنكم أزواجكم و ساداتكم و لكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي بمواساتهم إخوانهم المؤمنين و الأخذ بأيدي الملهوفين و التنفيس عن المكروبين و بالصبر على التقية من الفاسقين الكافرين حتى إذا استكملوا أجزل كراماتي نقلتهم إليكم على أسر الأحوال و أغيظها فأبشروا فعند ذلك يسكن حنينهم و أنينهم و أما قلب الله السم على اليهود الذين قصدوه به و أهلكهم به فإن رسول الله ص لما ظهر بالمدينة اشتد حسد ابن أبي له فدبر عليه أن يحفر له حفيرة في مجلس من مجالس داره و يبسط فوقها بساطا و ينصب في أسفل الحفيرة أسنة رماح و نصب سكاكين مسمومة و شد أحد جوانب البساط و الفراش إلى الحائط ليدخل رسول الله ص و خواصه مع علي ع فإذا وضع رسول الله ص رجله على البساط وقع في الحفيرة و كان قد نصب في داره و خبا رجالا بسيوف مشهورة يخرجون على علي ع و من معه عند وقوع محمد في الحفيرة فيقتلونهم بها و دبر أنه إن لم ينشط للقعود على ذلك البساط أن يطعموه من طعامهم المسموم ليموت هو و أصحابه معه جميعا فجاءه جبرئيل ع و أخبره بذلك و قال له إن الله يأمرك أن تقعد حيث يقعدك و تأكل مما يطعمك فإنه مظهر عليك آياته و مهلك أكثر من تواطأ على ذلك فيك فدخل رسول الله ص و قعد على البساط و قعدوا عن يمينه و شماله و حواليه و لم يقع في الحفيرة فتعجب ابن أبي و نظر و إذا قد صار ما تحت البساط أرضا ملتئمة فأتى رسول الله ص و عليا ع و صحبهما بالطعام المسموم فلما أراد رسول الله ص وضع يده في الطعام قال يا علي ارق هذا الطعام بالرقية النافعة فقال علي ع بسم الله الشافي بسم الله الكافي بسم الله المعافي بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شي‏ء في الأرض و لا في السماء وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثم أكل رسول الله ص و علي ع و من معهما حتى شبعوا ثم جاء أصحاب عبد الله بن أبي و خواصه فأكلوا فضلات رسول الله ص و صحبه ظنوا أنه قد غلط و لم يجعل فيه سموما لما رأوا محمدا و صحبه لم يصبهم مكروه و جاءت بنت عبد الله بن أبي إلى ذلك المجلس المحفور تحته المنصوب فيه ما نصب و هي كانت دبرت ذلك و نظرت فإذا ما تحت البساط أرض ملتئمة فجلست على البساط واثقة فأعاد الله الحفيرة بما فيها فسقطت فيها و هلكت فوقعت الصيحة فقال عبد الله بن أبي إياكم و أن تقولوا إنها سقطت في الحفيرة فيعلم محمد ما كنا قد دبرنا عليه فبكوا و قالوا ماتت العروس و بعلة عرسها كانوا دعوا رسول الله ص و مات القوم الذين أكلوا فضلة رسول الله ص فسأل رسول الله عن سبب موت الابنة و القوم فقال ابن أبي سقطت من السطح و لحق القوم

 تخمة فقال رسول الله ص الله أعلم بما ذا ماتوا و تغافل عنهم و أما تكثير الله القليل من الطعام لمحمد ص فإن رسول الله ص كان ذات يوم جالسا هو و أصحابه بحضرة جمع من خيار المهاجرين و الأنصار إذ قال رسول الله ص إن شدقي يتحلب و أجدني أشتهي حريرة مدوسة ملبقة بسمن و عسل فقال علي ع و أنا أشتهي ما يشتهيه رسول الله ص قال رسول الله ص لأبي الفصيل ما تشتهي أنت فقال خاصرة حمل مشوي و قال لأبي الشرور و أبي الدواهي ما تشتهيان أنتما قالا صدر حمل مشوي قال رسول الله ص أي عبد مؤمن يضيف اليوم رسول الله ص و صحبه و يطعمهم شهواتهم فقال عبد الله بن أبي هذا و الله اليوم الذي نكيد فيه محمدا و صحبه و نقتله و نخلص العباد منه و قال يا رسول الله أنا أضيفكم عندي شي‏ء من بر و سمن و عسل و عندي حمل أشويه لكم قال رسول الله ص فافعل فذهب عبد الله بن أبي و أكثر السم في ذلك البر الملبق بالسمن و العسل و في ذلك الحمل المشوي ثم عاد إلى رسول الله ص و قال هلموا إلى ما اشتهيتم قال رسول الله ص مع هؤلاء قال ابن أبي أنت و علي و سلمان و المقداد و أبو ذر و عمار فأشار رسول الله ص إلى أبي الشرور و أبي الدواهي و أبي الملاهي و أبي النكث و قال يا ابن أبي دون هؤلاء فقال ابن أبي نعم دون هؤلاء و كره أن يكونوا معه لأنهم كانوا مواطئين لابن أبي على النفاق فقال رسول الله ص لا حاجة لي في شي‏ء أستبد به دون هؤلاء المهاجرين و الأنصار الحاضرين لي فقال عبد الله يا رسول الله إن الشي‏ء قليل لا يشبع أكثر من عشرة إلى خمسة فقال رسول الله ص إن الله أنزل مائدة على عيسى ع و بارك له في أرغفة و سميكات حتى أكل و شبع منها أربعة آلاف و سبعمائة فقال شأنك ثم نادى رسول الله ص يا معاشر المهاجرين و الأنصار هلموا إلى مائدة عبد الله بن أبي فجاءوا مع رسول الله و هم سبعة آلاف و ثمانمائة فقال عبد الله لأصحاب له كيف نصنع هذا محمد و صحبه و إنما نريد أن نقتل محمدا و نفرا من أصحابه و لكن إذا مات محمد وقع بأس هؤلاء بينهم فلا يلتقي اثنان منهم في طريق و بعث ابن أبي إلى أصحابه و المتعصبين له ليتسلحوا و يتجمعوا قال و ما هو إلا أن يموت محمد حتى يلقانا أصحابه و يتهالكوا فلما دخل رسول الله ص داره أومأ عبد الله إلى بيت له صغير فقال يا رسول الله أنت و هؤلاء الأربعة يعني عليا و سلمان و المقداد و عمارا في هذا البيت و الباقون في الدار و الحجرة و البستان و يقف منهم قوم على الباب حتى يفرغ أقوام و يخرجون ثم يدخل بعدهم أقوام فقال رسول الله ص إن الذي يبارك في هذا الطعام القليل ليبارك في هذا البيت الصغير الضيق ادخل يا علي و يا سلمان و يا مقداد و يا عمار ادخلوا معاشر المهاجرين و الأنصار فدخلوا أجمعين و قعدوا حلقة واحدة كما يستديرون حول ترابيع الكعبة و إذا البيت قد وسعهم أجمعين حتى أن بين كل رجلين منهم موضع رجل فدخل عبد الله بن أبي فرأى عجبا عجيبا

 من سعة البيت الذي كان ضيقا فقال رسول الله ص ايتنا بما عملته فجاءه بالحريرة الملبقة بالسمن و العسل و بالحمل المشوي فقال ابن أبي يا رسول الله ص كل أنت أولا قبلهم ثم ليأكل صحبك هؤلاء علي و من معه ثم يطعم هؤلاء فقال رسول الله ص كذلك أفعل فوضع رسول الله ص يده على الطعام و وضع علي ع يده معه فقال ابن أبي أ لم يكن الأمر على أن يأكل علي مع أصحابك فقال رسول الله ص يا عبد الله إن عليا أعلم بالله و برسوله منك إن الله ما فرق فيما مضى بين محمد و بين علي و لا يفرق فيما يأتي أيضا بينهما إن عليا كان و أنا معه نورا واحدا عرضنا الله عز و جل على أهل سماواته و أرضيه و سائر حجبه و جنانه و هوائه و أخذ لنا عليهم العهود و المواثيق ليكونن لنا و لأوليائنا موالين و لأعدائنا معاندين و لمن نحبه محبين و لمن نبغضه مبغضين ما زالت إرادتنا واحدة و لا تزال لا أريد إلا ما يريد و لا يريد إلا ما أريد يسرني ما يسره و يؤلمني ما يؤلمه فدع يا ابن أبي عليا فإنه أعلم بنفسه و بي منك قال ابن أبي نعم يا رسول الله و أفضى إلى جد و معتب فقال أردنا واحدا فصارا اثنين الآن يموتان جميعا و نكفاهما جميعا و هذا لحينهما و سعادتنا فلو بقي علي بعده لعله كان يجالد أصحابنا هؤلاء و عبد الله بن أبي قد جمع أصحابه و متعصبيه حول داره ليضعوا السيف على أصحاب رسول الله ص إذا مات بالسم ثم وضع رسول الله ص و علي ع يدهما في الحريرة الملبقة بالسمن و العسل فأكلا حتى شبعا ثم وضع من اشتهى خاصرة الحمل و من اشتهى صدره منهم فأكلا حتى شبعا و عبد الله ينظر و يظن أن لا يلبثهم السم فإذا هم لا يزدادون إلا نشاطا ثم قال رسول الله ص هات الحمل فلما أتى به قال رسول الله ص يا أبا الحسن ضع الحمل في وسط البيت فوضعه فقال عبد الله يا رسول الله كيف تناله أيديهم فقال رسول الله إن الذي وسع هذا البيت و عظمه حتى وسع جماعتهم و فضل عنهم هو الذي يطيل أيديهم حتى تنال هذا الحمل قال فأطال الله تعالى أيديهم حتى نالت ذلك فتناولوا منه و بارك في ذلك الحمل حتى وسعهم و أشبعهم و كفاهم فإذا هو بعد أكلهم لم يبق منه إلا عظامه فلما فرغوا منه طرح عليه رسول الله ص منديلا له ثم قال يا علي اطرح عليه الحريرة الملبقة بالسمن و العسل ففعل فأكلوا منه حتى شبعوا كلهم و أنفدوه ثم قالوا يا رسول الله نحتاج إلى لبن أو شراب نشربه عليه فقال رسول الله ص إن صاحبكم أكرم على الله من عيسى ع أحيا الله تعالى له الموتى و سيفعل ذلك لمحمد ثم بسط منديله و مسح يده عليه و قال اللهم كما باركت فيها فأطعمتنا من لحمها فبارك فيها و اسقنا من لبنها قال فتحركت و بركت و قامت و امتلأ ضرعها فقال رسول الله ص ايتوني بأزقاق و ظروف و أوعية و مزادات فجاءوا بها فملأها فسقاهم حتى شربوا و رووا ثم قال رسول الله ص لو لا أني أخاف أن يفتتن بها أمتي كما افتتن بنو إسرائيل بالعجل فاتخذوه ربا من دون الله لتركتها تسعى في أرض الله و تأكل من حشائشها و لكن اللهم أعدها عظاما كما أنشأتها فعادت عظاما مأكولا ما عليها من اللحم شي‏ء و هم ينظرون قال فجعل أصحاب رسول الله ص يتذاكرون بعد ذلك توسعة الله البيت و تكثيره الطعام و دفعه غائلة السم فقال رسول الله ص إني إذا تذكرت ذلك البيت كيف وسعه الله بعد ضيقه و في تكثير ذلك الطعام بعد قلته و في ذلك السم كيف أزل الله تعالى غائلته عن

 محمد و عن ذويه و كيف وسعه و كثره أذكر ما يزيده الله تعالى في منازل شيعتنا و خيراتهم في جنات عدن و في الفردوس إن في شيعتنا لمن يهب الله تعالى له في الجنان من الدرجات و المنازل و الخيرات ما لا يكون الدنيا و خيراتها في جنبها إلا كالرملة في البادية الفضفاضة فما هو إلا أن يرى أخا له مؤمنا فقيرا فيتواضع له و يكرمه و يعينه و يمونه و يصونه عن بذل وجهه له حتى يرى الملائكة الموكلين بتلك المنازل و القصور و قد تضاعفت حتى صارت في الزيادة كما كان هذا الزائد في هذا البيت الصغير الذي رأيتموه فيما صار إليه من كبره و عظمه و سعته فيقول الملائكة يا ربنا لا طاقة لنا بالخدمة في هذه المنازل فامددنا بملائكة يعاونوننا فيقول الله ما كنت لأحملكم ما لا تطيقون فكم تريدون مددا فيقولون ألف ضعفنا و فيهم من المؤمنين من يقول الملائكة نستزيد مددا ألف ألف ضعفنا و أكثر من ذلك على قدر قوة إيمان صاحبهم و زيادة إحسانه إلى أخيه المؤمن فيمدهم الله تعالى بتلك الأملاك و كلما لقي هذا المؤمن أخا فبره زاد الله في ممالكه و في خدمه في الجنة كذلك ثم قال رسول الله ص و إذا تفكرت في الطعام السموم الذي صبرنا عليه كيف أزال الله عنا غائلته و كثره و وسعه ذكرت صبر شيعتنا على التقية و عند ذلك يؤديهم الله بذلك الصبر إلى أشرف العاقبة و أكمل السعادة طال ما يغتبطون في تلك الجنان بتلك الطيبات فيقال لهم كلوا هنيئا بتقيتكم لأعدائكم و صبركم على أذاهم

  توضيح قال الجوهري حمارة القيظ بتشديد الراء شدة حره و قال الضبع العضد. قوله و نصلت أي خرجت. قوله أي شي‏ء يرد عليكم على بناء المجهول أي لا يرد عليكم شيئا ذهب عنكم أو على بناء المعلوم أي لا ينفعكم يقال هذا أرد أي أنفع و لا رادة فيه أي لا فائدة فيه و الكرش للحيوان بمنزلة المعدة للإنسان و نفضه كناية عن استخراج ما فيه من البول و الغائط و الإيغال الإمعان في السير و ربض الدار بالتحريك ما حولها و القمقام السيد و يقال لا يحفل بكذا بالكسر أي لا يبالي و الازورار العدول و الانحراف. قوله ص و إلا كنا على رأس أمرنا إن لم نشاهد ذلك لا يبطل أمرنا بل نكون على ما كنا عليه من الدلائل و المعجزات و الموئل الملجأ قوله حليف الندى أي ملازم الجود لا يفارقه كما لا يفارق الحليف صاحبه و قيس كذا بالكسر قدره قال الفيروزآبادي تحلب عينه و فوه سالا قوله مدوسة الدوس الوطء بالرجل و إخراج الحب من السنبل و لعل المراد هنا المبالغة في التقية أو الدق أو الخلط و يقال لبقها أي خلطها خلطا شديدا ذكره الجزري. و قال الجوهري الثريد الملبق الشديد التثريد الملين بالدسم. و أبو الفصيل أبو بكر و كان يكنى به لموافقة البكر و الفصيل في المعنى و أبو الشرور عمر و أبو الدواهي عثمان و في الأخير يحتمل أن يكون المراد بأبي الشرور أبا بكر على الترتيب إلى معاوية أو عمر على الترتيب إلى معاوية ثم على هذا أبو النكث إما أبو بكر أو طلحة بترك ذكر أبي بكر و الحين بالفتح الهلاك

 16-  م، ]تفسير الإمام عليه السلام[ لما نزلت هذه الآية ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً في حق اليهود و النواصب قالوا له يا محمد زعمت أنه ما في قلوبنا شي‏ء من مواساة الفقراء و معاونة الضعفاء و النفقة في إبطال الباطل و إحقاق الحق و أن الأحجار ألين من قلوبنا و أطوع لله منا و هذه الجبال بحضرتنا فهلم بنا إلى بعضها فاستشهده على تصديقك و تكذيبنا فإن نطق بتصديقك فأنت المحق يلزمنا اتباعك و إن نطق بتكذيبك أو صمت فلم يرد جوابك فاعلم أنك المبطل في دعواك المعاند لهواك فقال رسول الله ص نعم هلموا بنا إلى أيها شئتم فاستشهده ليشهد لي عليكم فخرجوا إلى أوعر جبل رأوه فقالوا يا محمد هذا الجبل فاستشهده فقال رسول الله ص للجبل إني أسألك بجاه محمد و آله الطيبين الذين بذكر أسمائهم خفف الله العرش على كواهل ثمانية من الملائكة بعد أن لم يقدروا على تحريكه و هم خلق كثير لا يعرف عددهم إلا الله عز و جل و بحق محمد و آله الطيبين الذين بذكر أسمائهم تاب الله على آدم ع و غفر خطيئته و أعاده إلى مرتبته و بحق محمد و آله الطيبين الذين بذكر أسمائهم و سؤال الله بهم رفع إدريس ع في الجنة مكانا عليا لما شهدت لمحمد بما أودعك الله بتصديقه على هؤلاء اليهود في ذكر قساوة قلوبهم و تكذيبهم في جحدهم لقول محمد رسول الله فتحرك الجبل و تزلزل و فاض عنه الماء و نادى يا محمد أشهد أنك رسول رب العالمين و سيد الخلائق أجمعين و أشهد أن قلوب هؤلاء اليهود كما وصفت أقسى من الحجارة لا يخرج منها خير كما قد يخرج من الحجارة الماء سيلا أو تفجرا و أشهد أن هؤلاء كاذبون عليك فيما به يقذفونك من الفرية على رب العالمين ثم قال رسول الله ص و أسألك أيها الجبل أ أمرك الله تعالى بطاعتي فيما ألتمسه منك بجاه محمد و آله الطيبين الذين بهم نجى الله تعالى نوحا ع مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ و برد الله النار على إبراهيم ع و جعلها عليه سلاما و مكنه في جوف النار على سرير و فراش وثير لم ير ذلك الطاغية مثله لأحد من ملوك الأرض أجمعين فأنبتت حواليه من الأشجار الخضرة النضرة النزهة و غمر ما حوله من أنواع النور بما لا يوجد إلا في فصول أربعة من السنة قال الجبل بلى أشهد لك يا محمد بذلك و أشهد أنك لو اقترحت على ربك أن يجعل رجال الدنيا قردا و خنازير لفعل أو يجعلهم ملائكة لفعل و أن يقلب النيران جليدا و الجليد نيرانا لفعل أو يهبط السماء إلى الأرض أو يرفع الأرض إلى السماء لفعل أو يصير أطراف المشارق و المغارب و الوهاد كلها صرة كصرة الكيس لفعل و أنه قد جعل الأرض و السماء طوعك و الجبال و البحار تنصرف بأمرك و سائر ما خلق الله من الرياح و الصواعق و جوارح الإنسان و أعضاء الحيوان لك مطيعة و ما أمرتها به من شي‏ء ائتمرت فقالت اليهود يا محمد أ علينا تشبه و تلبس قد أجلست مردة من أصحابك خلف صخور هذا الجبل فهم ينطقون بهذا الكلام و نحن لا ندري أ نسمع من الرجال أم من الجبال لا يغتر بمثل هذا إلا ضعفاؤك الذين تبحبح في عقولهم فإن كنت صادقا فتنح من موضعك هذا إلى ذلك القرار و أمر هذا الجبل أن ينقلع من أصله فيسير إليك إلى هناك فإذا حضرك و نحن نشاهده فأمره أن ينقطع نصفين من ارتفاع سمكه ثم ترتفع السفلى من قطعته فوق العليا و تنخفض العليا تحت السفلى فإذا أصل الجبل قلته و قلته أصله لنعلم أنه من الله لا يتفق بمواطأة و لا بمعاونة مموهين متمردين

 فقال رسول الله ص و أشار إلى حجر فيه قدر خمسة أرطال يا أيها الحجر تدحرج فتدحرج فقال لمخاطبه خذه و قربه من أذنك فسيعيد عليك ما سمعت فإن هذا جزء من ذلك الجبل فأخذه الرجل فأدناه إلى أذنه فنطق الحجر بمثل ما نطق به الجبل أولا من تصديق رسول الله ص و فيما ذكره عن قلوب اليهود فيما أخبر به من أن نفقاتهم في دفع أمر محمد باطل و وبال عليهم فقال له رسول الله ص أ سمعت هذا أ خلف هذا الحجر أحد يكلمك يوهمك أنه الحجر يكلمك قال لا فأتني بما اقترحت في الجبل فتباعد رسول الله إلى فضاء واسع ثم نادى الجبل يا أيها الجبل بحق محمد و آله الطيبين الذين بجاههم و مسألة عباد الله بهم أرسل الله على قوم عاد رِيحاً صَرْصَراً عاتية تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ و أمر جبرئيل أن يصيح صيحة في قوم صالح ع حتى صاروا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ لما انقلعت من مكانك بإذن الله و جئت إلى حضرتي هذه و وضع يده على الأرض بين يديه فتزلزل الجبل و سار كالقارح الهملاج حتى دنا من إصبعه أصله فلزق بها و وقف و نادى ها أنا ذا سامع لك مطيع يا رسول رب العالمين و إن رغمت أنوف هؤلاء المعاندين فأمرني آتمر بأمرك فقال رسول الله ص إن هؤلاء اقترحوا علي أن آمرك أن تنقلع من أصلك فتصير نصفين ثم ينحط أعلاك و يرتفع أسفلك فتصير ذروتك أصلك و أصلك ذروتك فقال الجبل أ فتأمرني بذلك يا رسول رب العالمين قال بلى فانقطع نصفين و انحط أعلاه إلى الأرض و ارتفع أسفله فوق أعلاه فصار فرعه أصله و أصله فرعه ثم نادى الجبل معاشر اليهود هذا الذي ترون دون معجزات موسى الذي تزعمون أنكم به تؤمنون فنظر اليهود بعضهم إلى بعض فقال بعض ما عن هذا محيص و قال آخرون منهم هذا رجل مبخوت مؤتى له و المبخوت تؤتى له العجائب و لا يغرنكم ما تشاهدون فناداهم الجبل يا أعداء الله قد أبطلتم بما تقولون نبوة موسى ع هلا قلتم لموسى إن قلب العصا ثعبانا و انفلاق البحر طرقا و وقوف الجبل كالظلمة فوقكم إنما تأتى لك لأنك مؤاتى لك يأتيك جدك بالعجائب فلا يغرنا ما نشاهده فألقمتهم الجبال بمقالتها الصخور و لزمتهم حجة رب العالمين قوله عز و جل أَ فَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَ قَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ وَ إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَ إِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَ تُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَ فَلا تَعْقِلُونَ أَ وَ لا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَ ما يُعْلِنُونَ قال الإمام ع فلما بهر رسول الله ص هؤلاء اليهود بمعجزته و قطع معاذيرهم بواضح دلالته لم يمكنهم مراجعتهم في حجته و لا إدخال التلبيس عليه من معجزته قالوا يا محمد قد آمنا بأنك الرسول الهادي المهدي و أن عليا أخوك هو الولي و الوصي و كانوا إذا خلوا باليهود الآخرين يقولون لهم إن إظهارنا له الإيمان به أمكن لنا من مكروهه و أعون لنا على اصطلامه و اصطلام أصحابه لأنهم عند اعتقادهم أننا منهم يقفوننا على أسرارهم و لا يكتموننا شيئا فنطلع عليهم أعداءهم فيقصدون أذاهم بمعاونتنا و مظاهرتنا في أوقات اشتغالهم و اضطرابهم و في أحوال تعذر المدافعة و الامتناع من الأعداء

 عليهم و كانوا مع ذلك ينكرون على سائر اليهود الإخبار للناس عما كانوا يشاهدونه من آياته و يعاينونه من معجزاته فأظهر الله تعالى محمدا رسوله على سوء اعتقاداتهم و قبح دخيلاتهم و على إنكارهم على من اعترف بما شاهده من آيات محمد و واضحات بيناته و باهرات معجزاته فقال يا محمد أَ فَتَطْمَعُونَ أنت و أصحابك من علي و آله الطيبين أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ هؤلاء اليهود الذين هم بحجج الله قد بهرتموهم و بآيات الله و دلائله الواضحة قد قهرتموهم أن يؤمنوا لكم يصدقوكم بقلوبهم و يبدوا في الخلوات لشياطينهم شرائف أحوالكم وَ قَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يعني من هؤلاء اليهود من بني إسرائيل يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ في أصل جبل طور سيناء و أوامره و نواهيه ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ عما سمعوه إذا أدوه إلى من وراءهم من سائر بني إسرائيل مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ و علموا أنهم فيما يقولونه كاذبون وَ هُمْ يَعْلَمُونَ أنهم في قلبهم كاذبون و ذلك أنهم لما ساروا مع موسى ع إلى الجبل فسمعوا كلام الله و وقفوا على أوامره و نواهيه رجعوا فأدوه إلى من بعدهم فشق عليهم فأما المؤمنون منهم فثبتوا على إيمانهم و صدقوا في نياتهم و أما أسلاف هؤلاء اليهود الذين نافقوا رسول الله ص في هذه القصة فإنهم قالوا لبني إسرائيل إن الله تعالى قال لنا هذا و أمرنا بما ذكرناه لكم و نهانا و أتبع ذلك بأنكم إن صعب عليكم ما أمرتكم به فلا عليكم أن لا تفعلوه و إن صعب ما عنه نهيتكم فلا عليكم أن ترتكبوه و تواقعوه هذا و هم يعلمون أنهم بقولهم هذا كاذبون ثم أظهر الله نفاقهم على الآخرين مع جهلهم فقال عز و جل وَ إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا كانوا إذا لقوا سلمان و المقداد و أبا ذر و عمارا قالوا آمنا كإيمانكم إيمانا بنبوة محمد مقرونا بالإيمان بإمامة أخيه علي بن أبي طالب و بأنه أخوه الهادي و وزيره الموافي و خليفته على أمته و منجز عدته و الوافي بذمته و الناهض بأعباء سياسته و قيم الخلق الذائد لهم عن سخط الرحمن الموجب لهم إن أطاعوه رضي الرحمن و أن خلفاءه من بعده هم النجوم الزاهرة و الأقمار المنيرة و الشموس المضيئة الباهرة و أن أوليائهم أولياء الله و أن أعداءهم أعداء الله و يقول بعضهم نشهد أن محمدا صاحب المعجزات و مقيم الدلالات الواضحات هو الذي لما تواطأت قريش على قتله و طلبوه فقدا لروحه أيبس الله أيديهم فلم تعمل و أرجلهم فلم تنهض حتى رجعوا عنه خائبين مغلوبين لو شاء محمد وحده قتلهم أجمعين و هو الذي لما جاءته قريش و أشخصته إلى هبل ليحكم عليه بصدقهم و كذبه خر هبل لوجهه و شهد له بنبوته و لعلي أخيه بإمامته و لأوليائه من بعده بوراثته و القيام بسياسته و إمامته و هو الذي لما ألجأته قريش إلى الشعب و وكلوا ببابه من يمنع من إيصال قوت و من خروج أحد عنه خوفا أن يطلب لهم قوتا غذى هناك كافرهم و مؤمنهم أفضل من المن و السلوى كلما اشتهى كل واحد منهم من أنواع الأطعمة الطيبات و من أصناف الحلاوات و كساهم أحسن الكسوات و كان رسول الله ص بين أظهرهم إذا رآهم و قد ضاق لضيق فجهم صدورهم قال بيده هكذا بيمناه إلى الجبال و هكذا بيسراه إلى الجبال و قال لها اندفعي فتندفع و تتأخر حتى يصيروا بذلك

 في صحراء لا يرى طرفاها ثم يقول بيده هكذا و يقول اطلعي يا أيتها المودعات لمحمد و أنصاره ما أودعكها الله من الأشجار و الأثمار و أنواع الزهر و النبات فتطلع من الأشجار الباسقة و الرياحين المونقة و الخضرات النزهة ما يتمتع به القلوب و الأبصار و يتجلى به الهموم و الأفكار و يعلمون أنه ليس لأحد من ملوك الأرض مثل صحرائهم على ما تشتمل عليه من عجائب أشجارها و تهدل أثمارها و اطراد أنهارها و غضارة رياحينها و حسن نباتها و محمد هو الذي لما جاءه رسول أبي جهل يتهدده و يقول يا محمد إن الخيوط التي في رأسك هي التي ضيقت عليك مكة و رمت بك إلى يثرب و إنها لا تزال بك حتى تنفرك و تحثك على ما يفسدك و يتلفك إلى أن تفسدها على أهلها و تصليهم حر نار تعديك طورك و ما أرى ذلك إلا و سيئول إلى أن تثور عليك قريش ثورة رجل واحد لقصد آثارك و دفع ضررك و بلائك فتلقاهم بسفهائك المغترين بك و يساعد على ذلك من هو كافر بك مبغض لك فيلجئه إلى مساعدتك و مظاهرتك خوفه لأن يهلك بهلاكك و يعطب عياله بعطبك و يفتقر هو و من يليه بفقرك و بفقر متبعيك إذ يعتقدون أن أعداءك إذا قهروك و دخلوا ديارهم عنوة لم يفرقوا بين من والاك و عاداك و اصطلموهم باصطلامهم لك و أتوا على عيالهم و أموالهم بالسبي و النهب كما يأتون على عيالك و أموالك و قد أعذر من أنذر و بالغ من أوضح أديت هذه الرسالة إلى محمد و هو بظاهر المدينة بحضرة كافة أصحابه و عامة الكفار به من يهود بني إسرائيل و هكذا أمر الرسول ليجبن المؤمنين و يغري بالوثوب عليه سائر من هناك من الكافرين فقال رسول الله ص للرسول قد أطريت مقالتك و استكملت رسالتك قال بلى قال فاسمع الجواب إن أبا جهل بالمكاره و العطب يتهددني و رب العالمين بالنصر و الظفر يعدني و خبر الله أصدق و القبول من الله أحق لن يضر محمدا من يخذله أو يغضب عليه بعد أن ينصره الله و يتفضل بجوده و كرمه عليه قل له يا أبا جهل إنك راسلتني بما ألقاه في خلدك الشيطان و أنا أجيبك بما ألقاه في خاطري الرحمن إن الحرب بيننا و بينك كائنة إلى تسعة و عشرين يوما و إن الله سيقتلك فيها بأضعف أصحابي و ستلقى أنت و عتبة و شيبة و الوليد و فلان و فلان و ذكر عددا من قريش في قليب بدر مقتلين أقتل منكم سبعين و آسر منكم سبعين أحملهم على الفداء العظيم الثقيل ثم نادى جماعة من بحضرته من المؤمنين و اليهود و سائر الأخلاط أ لا تحبون أن أريكم مصرع كل من هؤلاء هلموا إلى بدر فإن هناك الملتقى و المحشر و هناك البلاء الأكبر لأضع قدمي على مواضع مصارعهم ثم ستجدونها لا تزيد و لا تنقص و لا تتغير و لا تتقدم و لا تتأخر لحظة و لا قليلا و لا كثيرا فلم يخف ذلك على أحد منهم و لم يجبه إلا علي بن أبي طالب وحده و قال نعم بسم الله و قال الباقون نحن نحتاج إلى مركوب و آلات و نفقات فلا يمكننا الخروج إلى هناك و هو مسيرة أيام فقال رسول الله ص لسائر

 اليهود فأنتم ما ذا تقولون قالوا نحن نريد أن نستقر في بيوتنا و لا حاجة لنا في مشاهدة ما أنت في ادعائه محيل فقال رسول الله ص لا نصب عليكم في المسير إلى هناك اخطوا خطوة واحدة فإن الله يطوي الأرض لكم و يوصلكم في الخطوة الثانية إلى هناك فقال المؤمنون صدق رسول الله ص فلنتشرف بهذه الآية و قال الكافرون و المنافقون سوف نمتحن هذا الكذب ليقطع عذر محمد و يصير دعواه حجة عليه و فاضحة له في كذبه قال فخطا القوم خطوة ثم الثانية فإذا هم عند بئر بدر فعجبوا فجاء رسول الله ص فقال اجعلوا البئر العلامة و اذرعوا من عندها كذا ذراعا فذرعوا فلما انتهوا إلى آخرها قال هذا مصرع أبي جهل يجرحه فلان الأنصاري و يجهز عليه عبد الله بن مسعود أضعف أصحابي ثم قال اذرعوا من البئر من جانب آخر ثم من جانب آخر كذا و كذا ذراعا و ذراعا و ذكر أعداد الأذرع مختلفة فلما انتهى كل عدد إلى آخره قال محمد ص هذا مصرع عتبة و ذلك مصرع شيبة و ذلك مصرع الوليد و سيقتل فلان و فلان إلى أن سمى تمام سبعين منهم بأسمائهم و سيؤسر فلان و فلان إلى أن ذكر سبعين بأسمائهم و أسماء آبائهم و صفاتهم و نسب المنسوبين إلى الآباء منهم و نسب الموالي منهم إلى مواليهم ثم قال رسول الله ص أ وقفتم على ما أخبرتكم به قالوا بلى قال إن ذلك لحق كائن إلى ثمانية و عشرين يوما من اليوم في اليوم التاسع و العشرين وعدا من الله مفعولا و قضاء حتما لازما ثم قال رسول الله ص يا معشر المسلمين و اليهود اكتبوا بما سمعتم فقالوا يا رسول الله قد سمعنا و وعينا و لا ننسى فقال رسول الله ص الكتابة أذكر لكم فقالوا يا رسول الله و أين الدواة و الكتف فقال رسول الله ص ذلك للملائكة ثم قال يا ملائكة ربي اكتبوا ما سمعتم من هذه القصة في أكتاف و اجعلوا في كم كل واحد منهم كتفا من ذلك ثم قال معاشر المسلمين تأملوا أكمامكم و ما فيها و أخرجوه و اقرءوه فتأملوها فإذا في كم كل واحد منهم صحيفة قرأها و إذا فيها ذكر ما قال رسول الله ص في ذلك سواء لا يزيد و لا ينقص و لا يتقدم و لا يتأخر فقال أعيدوها في أكمامكم تكن حجة عليكم و شرفا للمؤمنين منكم و حجة على أعدائكم فكانت معهم فلما كان يوم بدر جرت الأمور كلها ببدر و وجدوها كما قال ص لا يزيد و لا ينقص قابلوا بها ما في كتبهم فوجدوها كما كتبته الملائكة فيها لا يزيد و لا ينقص و لا يتقدم و لا يتأخر فقبل المسلمون ظاهرهم و وكلوا باطنهم إلى خالقهم فلما أفضى بعض هؤلاء اليهود إلى بعض قالوا أي شي‏ء صنعتم أخبرتموهم بما فتح الله عليكم من الدلالات على صدق نبوة محمد و إمامة أخيه علي ليحاجوكم به عند ربكم بأنكم كنتم قد علمتم هذا و شاهدتموه فلم تؤمنوا به و لم تطيعوه و قدروا بجهلهم أنهم إن لم يخبروهم بتلك الآيات لم يكن لهم عليهم حجة في غيرها ثم قال عز و جل أَ فَلا تَعْقِلُونَ أن هذا الذي تخبرونهم به بما فتح الله عليكم من دلائل نبوة محمد حجة عليكم عند ربكم قال الله عز و جل أَ وَ لا يَعْلَمُونَ يعني أ و لا يعلم هؤلاء القائلون لإخوانهم أَ تُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ من عداوة محمد و يضمرونه من أن إظهارهم الإيمان به أمكن لهم من اصطلامه و إبارة أصحابه وَ ما يُعْلِنُونَ من الإيمان ظاهرا ليؤنسوهم و يقفوا به على أسرارهم فيذيعونها بحضرة من يضرهم و أن الله لما علم ذلك دبر لمحمد تمام أمره و بلوغ غاية ما أراد الله ببعثه و أنه يتم أمره و أن نفاقهم و كيادهم لا يضره

 بيان الوثير اللين الموافق قوله تبحبح في عقولهم في بعض النسخ بالباء الموحدة التحتانية في الموضعين و الحاءين المهملتين أي تتمكن و تستقر في عقولهم من قولهم بحبح في المكان أي تمكن فيه و في بعضها بالنونين و الجيمين من قولهم تنجنج إذا تحرك و تجبر و القارح من الخيل هو الذي دخل في السنة الخامسة و المؤاتى بالهمز و قد يقلب واوا من المؤاتاة و هي حسن المطاوعة و الموافقة و الفج الطريق الواسع بين الجبلين

 17-  كا، ]الكافي[ علي بن محمد و غيره عن سهل بن زياد عن محمد بن الوليد شباب الصيرفي عن مالك بن إسماعيل النهدي عن عبد السلام بن حارث عن سالم بن أبي حفصة العجلي عن أبي جعفر ع قال كان في رسول الله ص ثلاثة لم تكن في أحد غيره لم يكن له في‏ء و كان لا يمر في طريق فيمر فيه بعد يومين أو ثلاثة إلا عرف أنه قد مر فيه لطيب عرفه و كان لا يمر بحجر و لا شجر إلا سجد له

 18-  كا، ]الكافي[ علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبي المغراء عن عمار السجستاني عن أبي عبد الله ع عن أبيه ع أن رسول الله ص وضع حجرا على الطريق يرد الماء عن أرضه فو الله ما نكب بعيرا و لا إنسانا حتى الساعة