أحوال مولده المبارك

 

في أحوال مولده الشريف

* الشيخ الطوسي في الأمالي, أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن الحسن بن شاذان قال: حدثني أحمد بن محمد بن أيوب قال: حدثنا عمر بن الحسن القاضي قال: حدثنا عبد الله بن محمد قال: حدثني أبو حبيبة قال: حدثني سفيان بن عيينة, عن الزهري, عن عائشة, قال محمد بن أحمد بن شاذان: وحدثني سهل بن أحمد قال: حدثنا أحمد ابن عمر الربيعي قال: حدثنا زكريا بن يحيى قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا شعبة, عن قتادة, عن أنس بن مالك, عن العباس بن عبد المطلب, قال ابن شاذان: وحدثني إبراهيم بن علي, باسناده عن أبي عبد الله جعفر بن محمد صلى الله عليه وآله, عن آبائه عليهم السلام, قال: كان العباس بن عبد المطلب ويزيد بن قعنب جالسين ما بين فريق بني هاشم إلى فريق عبد العزى بازاء بيت الله الحرام, إذ أتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أم أمير المؤمنين عليه السلام, وكانت حاملة بأمير المؤمنين عليه السلام لتسعة أشهر, وكان يوم التمام, قال: فوقفت بازاء البيت الحرام, وقد أخذها الطلق, فرمت بطرفها نحو السماء, وقالت: أي رب, إني مؤمنة بك, وبما جاء به من عندك الرسول, وبكل نبي من أنبيائك, وبكل كتاب أنزلته, وإني مصدقة بكلام جدي إبراهيم الخليل, وإنه بنى بيتك العتيق, فأسألك بحق هذا البيت ومن بناه, وبهذا المولود الذي في أحشائي الذي يكلمني ويؤنسني بحديثه, وأنا موقنة أنه إحدى آياتك ودلائلك لما يسرت علي ولادتي.

قال العباس بن عبد المطلب ويزيد بن قعنب لما تكلمت فاطمة بنت أسد ودعت بهذا الدعاء, رأينا البيت قد انفتح من ظهره, ودخلت فاطمة فيه, وغابت عن أبصارنا, ثم عادت الفتحة والتزقت بأذن الله تعالى, فرمنا أن نفتح الباب ليصل إليها بعض نسائنا, فلم ينفتح الباب, فعلمنا أن ذلك أمر من أمر الله تعالى, وبقيت فاطمة في البيت ثلاثة أيام, قال: وأهل مكة يتحدثون بذلك في أفواه السكك, وتتحدث المخدرات في خدورهن, قال: فلما كان بعد ثلاثة أيام انفتح البيت من الموضع الذي كانت دخلت فيه, فخرجت فاطمة وعلي عليه السلام على يديها, ثم قالت: معاشر الناس, إن الله عز وجل اختارني من خلقه, وفضلني على المختارات ممن مضى قبلي, وقد اختار الله آسية بنت مزاحم فإنها عبدت الله سراً في موضع لا يحب أن يعبد الله فيه إلا اضطراراً, ومريم بنت عمران حيث اختارها الله, ويسر عليها ولادة عيسى, فهزت الجذع اليابس من النخلة في فلاة من الارض حتى تساقط عليها رطباً جنياً, وإن الله تعالى اختارني وفضلني عليهما, وعلى كل من مضى قبلي من نساء العالمين, لأني ولدت في بيته العتيق, وبقيت فيه ثلاثة أيام آكل من ثمار الجنة وأوراقها, فلما أردت أن أخرج وولدي على يدي هتف بي هاتف وقال: يا فاطمة, سميه علياً, فأنا العلي الأعلى, وإني خلقته من قدرتي, وعز جلالي, وقسط عدلي, واشتققت اسمه من اسمي, وأدبته بأدبي, وفوضت إليه أمري, ووقفته على غامض علمي, وولد في بيتي, وهو أول من يؤذّن فوق بيتي, ويكسر الاصنام ويرميها على وجهها, ويعظمني ويمجدني ويهللني, وهو الإمام بعد حبيبي ونبيي وخيرتي من خلقي محمد رسولي, ووصيه, فطوبى لمن أحبه ونصره, والويل لمن عصاه[1] وخذله وجحد حقه, قال: فلما رآه أبو طالب سره وقال علي عليه السلام: السلام عليك يا أبه ورحمة الله وبركاته, قال: ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وآله, فلما دخل اهتز له أمير المؤمنين عليه السلام وضحك في وجهه, وقال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته, قال: ثم تنحنح بإذن الله تعالى, وقال: {بسم الله الرحمن الرحيم * قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون}[2] إلى آخر الآيات, فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: قد أفلحوا بك, وقرأ تمام الآيات إلى قوله: {أولئك هم الوارثون * الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون}[3] فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أنت والله أميرهم, تميرهم من علومك فيمتارون, وأنت والله دليلهم وبك يهتدون, ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله لفاطمة: اذهبي إلى عمه حمزة فبشريه به, فقالت: فإذا خرجت أنا, فمن يرويه؟ قال: أنا أرويه, فقالت فاطمة: أنت ترويه؟ قال: نعم, فوضع رسول الله صلى الله عليه وآله لسانه في فيه, فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً, قال: فسمي ذلك اليوم يوم التروية, فلما أن رجعت فاطمة بنت أسد رأت نوراً قد ارتفع من علي عليه السلام إلى عنان السماء! قال: ثم شدته وقمطته بقماط فبتر القماط, قال: فأخذت فاطمة قماطاً جيداً فشدته به فبتر القماط, ثم جعلته في قماطين فبترهما, فجعلته ثلاثة فبترها, فجعلته أربعة أقمطة من رق مصر لصلابته فبترها, فجعلته خمسة أقمطة ديباج لصلابته فبترها كلها, فجعلته ستة من ديباج وواحداً من الادم فتمطى فيها فقطعها كلها بإذن الله, ثم قال بعد ذلك: يا أمه لا تشدي يدي, فإني أحتاج إلى أن أبصبص لربي بإصبعي! قال: فقال أبو طالب عند ذلك: إنه سيكون له شأن ونبأ.

قال: فلما كان من غد دخل رسول الله صلى الله عليه وآله على فاطمة, فلما بصر علي عليه السلام برسول الله صلى الله عليه وآله سلَّم عليه, وضحك في وجهه, وأشار إليه أن خذني إليك واسقني مما سقيتني بالأمس, قال: فأخذه رسول الله صلى الله عليه وآله, فقالت فاطمة: عرفه ورب الكعبة, قال: فلكلام فاطمة, سمي ذلك اليوم يوم عرفة يعني أن أمير المؤمنين عليه السلام عرف رسول الله صلى الله عليه وآله فلما كان اليوم الثالث, وكان العاشر من ذي الحجة, أذّن أبو طالب في الناس أذاناً جامعاً, وقال: هلموا إلى وليمة ابني علي, قال: ونحر ثلاث مائة من الإبل وألف رأس من البقر والغنم, واتخذ وليمة عظيمة, وقال: معاشر الناس, ألا من أراد من طعام علي ولدي فهلموا وطوفوا بالبيت سبعاً, وادخلوا وسلِّموا على ولدي علي فإن الله شرفه, ولفعل أبي طالب شرف يوم النحر.[4]

 

* قطب الدين الراوندي في الخرائج والجرائح, روي أن أبا طالب قال لفاطمة بنت أسد وكان علي صبياً: رأيته يكسر الاصنام فخفت أن تعلم كفار قريش ذلك, فقالت: يا عجباً أخبرك بأعجب من هذا وهو أني اجتزت بموضع كانت أصنامهم فيه منصوبة, وعلي في بطني, فوضع رجليه في جوفي شديداً لا يتركني أقرب منها, وأن أمر في غير ذلك الموضع وإن كنت لم أعبدها قط, وإنما كنت أطوف بالبيت لعبادة الله, لا الأصنام.[5]

 

* العلامة المجلسي في البحار, روي عن مجاهد, عن أبي عمرو, وأبي سعيد الخدري قالا: كنا جلوساً عند رسول الله صلى الله عليه وآله إذ دخل سلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري والمقداد بن الاسود وعمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان وأبو الهيثم بن التيهان وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وأبو الطفيل عامر بن واثلة فجثوا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله والحزن ظاهر في وجوههم فقالوا: فديناك بالآباء والامهات يا رسول الله! إنا نسمع من قوم في أخيك وابن عمك ما يحزننا، وإنا نستأذنك في الرد عليهم، فقال صلى الله عليه وآله: وما عساهم يقولون في أخي وابن عمي علي بن أبي طالب؟ فقالوا: يقولون: أي فضل لعلي في سبقه إلى الاسلام وإنما أدركه الإسلام طفلاً؟ ونحو هذا القول، فقال صلى الله عليه وآله: فهذا يحزنكم؟ قالوا: إي والله! فقال: بالله أسألكم هل علمتم من الكتب السالفة أن إبراهيم هرب به أبوه من الملك الطاغي فوضعت به أمه بين أثلال[6] بشاطئ نهر يتدفق يقال له حزران، من غروب الشمس إلى إقبال الليل، فلما وضعته واستقر على وجه الارض قام من تحتها يمسح وجهه ورأسه ويكثر من شهادة أن لا إله إلا الله، ثم أخذ ثوباً واتشح به وأمه تراه، فذعرت منه ذعراً شديداً! ثم هرول بين يديها ماداً عينيه إلى السماء فكان منه ما قال الله عز وجل: {وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السموات والارض وليكون من الموقنين * فلما جن عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربي}[7] إلى قوله: {إني برئ مما تشركون}[8] وعلمتم أن موسى بن عمران كان فرعون في طلبه يبقر بطون النساء الحوامل ويذبح الاطفال ليقتل موسى، فلما ولدته أمه أمرها أن تأخذه من تحتها وتقذفه في التابوت وتلقي التابوت في اليم، فقالت وهي ذعرة من كلامه: يا بني إني أخاف عليك الغرق! فقال: لا تحزني إن الله يردني إليك، فبقيت حيرانة حتى كلمها موسى وقال لها: يا أم اقذفيني في التابوت وألقي التابوت في اليم، فقال ففعلت ما أُمرت به، فبقي في اليم إلى أن قذفه في الساحل، ورده إلى أمه برمته[9]، لا يطعم طعاماً ولا يشرب شراباً، معصوماً، وروي أن المدة كانت سبعين يوماً، وروي سبعة أشهر، وقال الله عز وجل في حال طفوليته: {ولتصنع على عيني إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن}[10] الآية, وهذا عيسى بن مريم قال الله عز وجل فيه: {فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سرياً}[11] إلى قوله: {إنسيا}[12] فكلم أمه وقت مولده وقال حين أشارت إليه فقالوا كيف نكلم من كان في المهد صبياً: {إني عبد الله آتاني الكتاب}[13] إلى آخر الآية فتكلم عليه السلام في وقت ولادته، وأعطي الكتاب والنبوة، وأوصي بالصلاة والزكاة في ثلاثة أيام من مولده، وكلمهم في اليوم الثاني من مولده, وقد علمتم جميعاً أن الله عز وجل خلقني وعلياً من نور واحد، إنا كنا في صلب آدم نسبح الله عز وجل، ثم نقلنا إلى أصلاب الرجال وأرحام النساء، يُسمع تسبيحنا في الظهور والبطون في كل عهد وعصر إلى عبد المطلب، وإن نورنا كان يظهر في وجوه آبائنا وأمهاتنا حتى تبين أسماؤنا مخطوطة بالنور على جباههم، ثم افترق نورنا فصار نصفه في عبد الله ونصفه في أبي طالب عمي، فكان يُسمع تسبيحنا من ظهورهما، وكان أبي وعمي إذا جلسا في ملأ من قريش تلألأ نور في وجوههما من دونهم حتى أن الهوام والسباع يسلمان عليهما لأجل نورهما، إلى أن خرجنا من أصلاب أبوينا وبطون أمهاتنا ولقد هبط حبيبي جبرئيل في وقت ولادة علي عليه السلام فقال: يا حبيب الله، العلي الاعلى يقرء عليك السلام ويهنئك بولادة أخيك علي ويقول: هذا أوان ظهور نبوتك، وإعلان وحيك وكشف رسالتك، إذ أيدتك بأخيك ووزيرك وصنوك وخليفتك، ومن شددت به أزرك، وأعلنت[14] به ذكرك، فقم إليه واستقبله بيدك اليمنى فإنه من أصحاب اليمين، وشيعته الغر المحجلون، فقمت مبادراً فوجدت فاطمة بنت أسد أم علي وقد جاء لها المخاض، وهي بين النساء, والقوابل حولها، فقال حبيبي جبرئيل: يا محمد نسجف بينها وبينك سجفاً، فإذا وضعت بعلي تتلقاه, ففعلت ما أُمرت به، ثم قال لي: امدد يدك يا محمد، فمددت يدي اليمنى نحو أمه فإذا أنا بعلي على يدي، واضعاً يده اليمنى في أذنه اليمنى، وهو يؤذن ويقيم بالحنيفية، ويشهد بوحدانية الله عز وجل وبرسالاتي[15]، ثم انثنى إلي وقال: السلام عليك يا رسول الله، ثم قال لي: يا رسول الله أقرأ؟ قلت: إقرأ، فوالذي نفس محمد بيده لقد ابتدأ بالصحف التي أنزلها الله عز وجل على آدم فقام بها ابنه شيث، فتلاها من أول حرف فيها إلى آخر حرف فيها، حتى لو حضر شيث لأقر له أنه أحفظ له منه! ثم تلا صحف نوح ثم صحف إبراهيم، ثم قرأ توراة موسى حتى لو حضر موسى لأقر له بأنه أحفظ لها منه! ثم قرأ زبور داود حتى لو حضر داود لأقر بأنه أحفظ لها منه! ثم قرأ إنجيل عيسى حتى لو حضر عيسى لأقر بأنه أحفظ لها منه! ثم قرأ القرآن الذي أنزل الله علَيّ من أوله إلى آخره فوجدته يحفظ كحفظي له الساعة من غير أن أسمع منه آية! ثم خاطبني وخاطبته بما يخاطب الانبياء الاوصياء، ثم عاد إلى حال طفوليته، وهكذا أحد عشر إماماً من نسله فلم تحزنون! وماذا عليكم من قول أهل الشك والشرك بالله! هل تعلمون أني أفضل النبيين؟ وأن وصيي أفضل الوصيين؟ وأن أبي آدم لما رأى اسمي واسم علي وابنتي فاطمة والحسن والحسين وأسماء أولادهم مكتوبة على ساق العرش بالنور قال: إلهي وسيدي هل خلقت خلقاً هو أكرم عليك مني؟ فقال: يا آدم لولا هذه الاسماء لما خلقت سماء مبنية، ولا أرضاً مدحية، ولا ملكاً مقرباً، ولا نبياً مرسلاً، ولا خلقتك يا آدم، فلما عصى آدم ربه وسأله بحقنا أن يتقبل توبته ويغفر خطيئته فأجابه، وكنا الكلمات تلقاها آدم من ربه عز وجل فتاب عليه وغفر له فقال له: يا آدم أبشر فإن هذه الاسماء من ذريتك وولدك, فحمد آدم ربه عز وجل وافتخر على الملائكة بنا، وإن هذا من فضلنا وفضل الله علينا فقام سلمان ومن معه وهم يقولون: نحن الفائزون! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أنتم الفائزون ولكم خُلقت الجنة، ولإعدائنا وأعدائكم خلقت النار.[16]

 

 



 

[2] سورة المؤمنون, الآية 1, 2.

[3] سورة المؤمنون, الآية 10, 11.

[4] أمالي الطوسي ص706، عنه البحار ج35 ص36، مناقب ابن شهر آشوب ج2 ص120، غاية المرام ج1 ص52 عن الأمالي، حلية الأبرار ج2 ص20، مدينة المعاجز ج1 ص46. 

[5] الخرائج والجرائح ج2 ص741، عنه البحار ج42 ص18, مدينة المعاجز ج3 ص147.

[6] وفي نسخة: تلال.

[7] سورة الأنعام, الآية 75, 76.

[8] سورة الأنعام, الآية 78.

[9] يُقال أعطاه الشيء برمته: أي بجملته.

[10] سورة طه, الآية 40.

[11] سورة مريم, الآية 24.

[12] سورة مريم, الآية 26.

[13] سورة مريم, الآية 30.

[14] وفي روضة الواعظين: أعليت.

[15] وفي روضة الواعظين: رسالتي.

[16] البحار ج35, ص19, عن روضة الواعظين ص82 وكتاب الروضة ص134, حلية الأبرار ج2 ص55, الفضائل لإبن شاذان ص126, مدينة المعاجز ج1 ص51, الهداية الكبرى ص98,