الأصول الرجالية

 المقدمة السادسة

* استعراض الأصول الرجالية المعتمدة.

* التشكيك في نسبة الرجال إلى الغضائري.

* الحكم عليه بالوضع والاختلاق. 

 

الأصول الرجالية وهذه الأصول خمسة:

 

١ - رجال البرقي: المعبر عنه في فهرست الشيخ بطبقات الرجال. وقد اعتنى العلامة بهذا الكتاب في الخلاصة، وذكر في إجازته الكبيرة وغيرها طريقه إلى فهرست الشيخ، وإلى ما اشتمل عليه الفهرست من الكتب.

 

٢ - رجال الكشي: فقد ذكرنا أنه لم يصل إلى العلامة ومن تأخر عنه فيما نعلم، وقد وصل إليهم وإلينا اختيار الكشي، وهو الذي اختاره الشيخ من أصل الكشي.

 

٣ - رجال الشيخ.

 

٤ - فهرست الشيخ.

 

 ٥ - رجال النجاشي.

 

وهذه الكتب - عدا رجال البرقي - من الكتب المعروفة التي تناولتها الأيدي طبقة بعد طبقة، ولا يحتاج ثبوتها إلى شئ، ومع ذلك فقد ذكرها العلامة في إجازته الكبيرة، وذكر طريقه إليها. وأما الكتاب المنسوب إلى ابن الغضائري فهو لم يثبت، ولم يتعرض له العلامة في إجازاته، وذكر طرقه إلى الكتب، بل إن وجود هذا الكتاب في زمان النجاشي والشيخ أيضا مشكوك فيه، فإن النجاشي لم يتعرض له، مع أنه - قدس سره - بصدد بيان الكتب التي صنفها الامامية، حتى إنه يذكر ما لم يره من الكتب، وإنما سمعه من غيره أو رآه في كتابه، فكيف لا يذكر كتاب شيخه الحسين بن   عبيد الله أو ابنه أحمد وقد تعرض - قدس سره - لترجمة الحسين بن عبيد الله وذكر كتبه، ولم يذكر فيها كتاب الرجال، كما أنه حكى عن أحمد بن الحسين في عدة موارد، ولم يذكر أن له كتاب الرجال. نعم إن الشيخ تعرض في مقدمة فهرسته أن أحمد بن الحسين كان له كتابان، ذكر في أحدهما المصنفات وفي الآخر الأصول، ومدحهما غير أنه ذكر عن بعضهم أن بعض ورثته أتلفهما ولم ينسخهما أحد. والمتحصل من ذلك: أن الكتاب المنسوب إلى ابن الغضائري لم يثبت بل جزم بعضهم بأنه موضوع، وضعه بعض المخالفين ونسبه إلى ابن الغضائري. ومما يؤكد عدم صحة نسبة هذا الكتاب إلى ابن الغضائري: أن النجاشي ذكر في ترجمة الخيبري عن ابن الغضائري أنه ضعيف في مذهبه ولكن في الكتاب المنسوب إليه أنه ضعيف الحديث غالي المذهب، فلو صح هذا الكتاب لذكر النجاشي ما هو الموجود أيضا، بل إن الاختلاف في النقل عن هذا الكتاب، كما في ترجمة صالح بن عقبة بن قيس وغيرها يؤيد عدم ثبوته، بل توجد في عدة موارد ترجمة شخص في نسخة ولا توجد في نسخة أخرى، إلى غير ذلك من المؤيدات.

والعمدة: هو قصور المقتضي، وعدم ثبوت هذا الكتاب في نفسه، وإن كان يظهر من العلامة في الخلاصة أنه يعتمد على هذا الكتاب ويرتضيه. وقد تقدم عن الشهيد الثاني، والآغا حسين الخونساري ذكر هذا الكتاب في إجازتيهما، ونسبته إلى الحسين بن عبيد الله الغضائري، لكنك قد عرفت أن هذا خلاف الواقع، فراجع. ثم إن النجاشي: قد التزم - في أول كتابه - أن يذكر فيه أرباب الكتب من أصحابنا رضوان الله تعالى عليهم، فكل من ترجمه في كتابه يحكم عليه بأنه إمامي، إلا أن يصرح بخلافه، فإنه وإن ذكر جملة من غير أصحابنا أيضا، وترجمهم استطرادا، إلا أنه صرح بانحرافهم وانتحالهم المذاهب الفاسدة. وأما الشيخ فلم يلتزم بذلك في فهرسته، بل تصدى لذكر من له كتاب من المصنفين وأرباب الأصول، وإن كان اعتقاده مخالفا للحق ومنتحلا لمذهب فاسد، فذكره أحدا في كتابه - مع عدم التعرض لمذهبه - لا يكشف عن كونه إماميا بالمعنى الأخص.

نعم يستكشف منه أنه غير عامي فإنه بصدد ذكر كتب الامامية بالمعنى الأعم. وقد تصدى الشيخ في رجاله لذكر مطلق الرواة ومن كانت لهم رواية عن المعصوم مع الواسطة أو بدونها، سواء كان من الامامية أم لم يكن، فليس ذكره أحدا في رجاله كاشفا عن إماميته، فضلا عن إيمانه. ثم إن الشيخ قال في أول رجاله: (أما بعد فإني قد أجبت إلى ما تكرم به الشيخ الفاضل فيه من جمع كتاب يشتمل على أسماء الرجال الذين رووا عن النبي صلى الله عليه وآله، وعن الأئمة عليهم السلام من بعده، إلى زمن القائم عجل الله فرجه الشريف، ثم أذكر بعد ذلك من تأخر زمانه عن الأئمة عليهم السلام من رواة الحديث، أو من عاصرهم ولم يرو عنهم). هذا، وقد اتفق في غير مورد أن الشيخ ذكر اسما في أصحاب المعصومين عليهم السلام، وذكره في من لم يرو عنهم أيضا.

وفي هذا جمع بين المتناقضين، إذ كيف يمكن أن يكون شخص واحد أدرك أحد المعصومين عليهم السلام وروى عنه، ومع ذلك يدرج في من لم يرو عنهم عليهم السلام. وقد ذكر في توجيه ذلك وجوه لا يرجع شئ منها إلى محصل: الأول: أو يراد بذكره في أصحاب أحد المعصومين عليهم السلام مجرد المعاصرة وإن لم يره ولم يرو عنه، فيصح حينئذ ذكره في من لم يرو عنهم عليهم السلام أيضا. ويرده:

١ - أنه خلاف صريح عبارته من أنه يذكر أولا من روى عن النبي أو أحد المعصومين عليهم السلام، ثم يذكر من تأخر عنهم أو عاصرهم ولم يرهم.

٢ - أنه لا يتم في كثير من الموارد، فإن من ذكره في من لم يرو عنهم عليهم   السلام أيضا قد روى عنهم عليهم السلام، كما ستقف عليها في تضاعيف الكتاب إن شاء الله تعالى. الثاني: أن شخصا واحدا إذا كانت له رواية عن أحد المعصومين عليهم السلام بلا واسطة، صح ذكره في أصحابه عليهم السلام، وإذا كانت له رواية عن المعصوم مع الواسطة صح ذكره في من لم يرو عنهم عليهم السلام، فلا تنافي بين الامرين. ويرده: أن وجود رواية شخص عن المعصوم عليه السلام مع الواسطة لا يصحح ذكره في من لم يرو عنهم عليهم السلام، بعد ما كانت له رواية عنهم عليهم السلام، فإن المصحح لذكر أحد في من لم يرو عنهم عليهم السلام هو عدم روايته عنهم بلا واسطة، مع كونه من رواة الحديث، لا روايته عن المعصوم عليه السلام مع الواسطة، ولو كان راويا عنه بلا واسطة أيضا، كيف؟

ولو صح ذلك لزم ذكر جميع أصحاب الأئمة في من لم يرو عنهم عليهم السلام إلا من شذ وندر منهم، فإنه قل في أصحابهم عليهم السلام من لم يرو عن غير المعصوم، على ما ستقف عليه إن شاء الله تعالى. الثالث: أن يتحفظ في كل من الموردين على ظاهر الكلام، فيلتزم بالتعدد، وأن من ذكر في أصحاب أحد المعصومين عليهم السلام مغاير لمن ذكره في من لم يرو عنهم عليهم السلام. ويرده: أن هذا وإن أمكن الالتزام به في الجملة، إلا أنه لا يمكن الالتزام به في جملة منها، فإنه لاشك في عدم تعدد بعض المذكورين في كلا الموردين، كفضالة بن أيوب، فقد ذكره الشيخ في أصحاب الكاظم والرضا عليهما السلام، ومع ذلك فقد ذكره في من لم يرو عنهم عليهم السلام أيضا وكمحمد بن عيسى العبيدي، فقد ذكره في أصحاب الرضا والهادي والعسكري عليهم السلام، ومع ذلك فقد ذكره   في من لم يرو عنهم عليهم السلام أيضا، وكقاسم بن محمد الجوهري، فقد ذكره في أصحاب الصادق عليه السلام تارة، وفي من لم يرو عنهم عليهم السلام أخرى. وغير ذلك مما تقف عليه في تضاعيف الكتاب إن شاء الله تعالى.

والتوجيه الصحيح: أن ذلك قد صدر من الشيخ لأجل الغفلة والنسيان، فعندما ذكر شخصا في من لم يرو عنهم عليهم السلام غفل عن ذكره في أصحاب المعصومين عليهم السلام، وإنه روى عنهم بلا واسطة، فإن الشيخ لكثرة اشتغاله بالتأليف والتدريس كان يكثر عليه الخطأ، فقد يذكر شخصا واحدا في باب واحد مرتين، أو يترجم شخصا واحدا في فهرسته مرتين. وأما خطأه في كتابيه التهذيب والاستبصار فكثير، وستقف على ذلك في ما يأتي إن شاء الله تعالى.

وقد تقدم عن الحدائق قوله: (قل ما يخلو حديث في التهذيب من ذلك (التحريف، والتصحيف، والزيادة، والنقصان) في متنه أو سنده). ثم إن الشيخ في عدة موارد - بعد ذكر شخص في أصحاب الصادق عليه السلام - وصفه بجملة: (أسند عنه. وقد اختلف في معنى هذه الجملة وفي هيئتها، فقرئت - تارة - بصيغة المعلوم، وأخرى بصيغة المجهول. ولا يكاد يظهر لها معنى محصل خال من الاشكال). وذكروا في معنى هذه الجملة وجوها:

 

١ - قيل إنها بصيغة المعلوم ومعناها: أنه روى عن الصادق عليه السلام مع واسطة وهذا المعنى هو الظاهر في نفسه، وهو الذي تعارف استعماله فيه، فيقال: روى الشيخ الصدوق باسناده عن حريز مثلا، ويراد به أنه روى عنه مع واسطة. وقد يؤيد ذلك بقول الشيخ في غياث بن إبراهيم أسند عنه، وروى عن أبي الحسن عليه السلام، فان ظاهر هذا الكلام أنه لم يرو عن أبي عبد الله عليه السلام، وإنما أسند عنه، أي روي عنه مع الواسطة. إلا أن هذا المعنى لا يتم من وجوه:

الأول: أنه لو صح ذلك، لم يكن وجه - حينئذ - لذكر الرجل في أصحاب الصادق عليه السلام، فإن المفروض أنه لم يرو عنه إلا مع الواسطة، بل لا بد من ذكره في من لم يرو عنهم عليهم السلام، أو في أصحاب من روى عنه بلا واسطة.

الثاني: أن كثيرا ممن ذكره الشيخ في أصحاب الصادق عليه السلام وقال أسند عنه، قد ذكرهم النجاشي والشيخ نفسه في الفهرست، وقال أنه روى عن أبي عبد الله عليه السلام. وستقف على ذلك في موارده إن شاء الله تعالى. الثالث: أن هذا ينافي ما ذكره الشيخ في ترجمة جابر بن يزيد الجعفي، ومحمد ابن إسحاق بن يسار، ومحمد بن مسلم بن رباح، حيث قال: أسند عنه، وروى عنهما، فان الاسناد عنه إذا كان معناه أن روايته عن الصادق عليه السلام مع واسطة، فكيف يجتمع هذا مع روايته عنه عليه السلام بلا واسطة.

 

٢ - وقيل إنها بصيغة المجهول: ومعناها أن الاجلاء رووا عنه على وجه الاعتماد، فهذا يكون مدحا في حق من وصف بذلك. ويرده: - مضافا إلى أن هذا خلاف ظاهر اللفظ في نفسه - أن أكثر من وصفهم الشيخ بهذا الوصف مجاهيل وغير معروفين، بل لم يوجد لبعضهم ولا رواية واحدة. على ما تقف على ذلك في موارده إن شاء الله تعالى. ولو كان المراد من التوصيف ما ذكر لم يختص ذلك بجمع من أصحاب الصادق وبعدد قليل من أصحاب الباقر والكاظم عليهم السلام، بل كان على الشيخ أن يذكره في أصحاب جميع المعصومين ممن عرفوا بالصدق والصلاح مثل أصحاب الاجماع ومن يقاربهم في العظمة والجلال.

 

 ٣ - وقيل إن معناها: أن رواياته مختصة بما رواه عن الصادق عليه السلام، ولم يرو عن غيره. ويرده: - مضافا إلى أنه خلاف ظاهر اللفظ، إذ لا دلالة فيه على الحصر - إنه ينافيه   تصريح الشيخ نفسه بروايته عن غير الصادق أيضا، كما تقدم ذلك آنفا في غياث ابن إبراهيم، وجابر بن يزيد، ومحمد بن إسحاق، ومحمد بن مسلم.

 

٤ - وقيل معناها: أن ابن عقدة أسند عنه، أي أن ابن عقدة حينما ذكر الموصوف بهذا الوصف روى عنه رواية. ويرده:

أولا: أن من وصفهم الشيخ بذلك قليلون يبلغ عددهم مئة ونيفا وستين موردا، ومن ذكره ابن عقدة في رجال أصحاب الصادق عليه السلام كثيرون، على ما ذكره الشيخ في ديباجة رجاله. وقد ذكر العلامة أنهم أربعة آلاف رجل، وأن ابن عقدة قد أخرج لكل واحد منهم رواية، فكيف يمكن أن يقال إن من وصفهم الشيخ بهذا الوصف هم الذين أخرج لهم ابن عقدة حديثا.

ثانيا: أن الشيخ صرح في ديباجة كتابه: أن ابن عقدة لم يذكر غير أصحاب الصادق عليه السلام، والشيخ قد ذكر هذه الجملة في جمع من أصحاب الباقر والكاظم والرضا عليهم السلام أيضا. كحماد بن راشد الأزدي، ويزيد بن الحسن، وأحمد بن عامر بن سليمان، وداود بن سليمان بن يوسف، وعبد الله بن علي، ومحمد بن أسلم الطوسي. فتلخص: أنه لا يكاد يظهر معنى صحيح لهذه الجملة في كلام الشيخ - قدس سره - في هذه الموارد، وهو أعلم بمراده.