مناقشة سائر التوثيقات العامة

المقدمة الرابعة

* الوقوف على مناشئ سائر التوثيقات العامة.

* عدم حجية هذه التوثيقات.

* نفي دلالة نصوصها على التوثيق. 

 

 مناقشة سائر التوثيقات العامة إن ما قيل بثبوته في التوثيقات العامة أو الحسن موارد:

١- أصحاب الصادق في رجال الشيخ: قيل إن جميع من ذكره الشيخ في رجاله من أصحاب الصادق عليه السلام ثقات. واستدلوا على ذلك بما ذكره الشيخ المفيد  في أحوال الصادق عليه السلام، قال: (إن أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الرواة عنه عليه السلام من الثقات على اختلافهم في الآراء والمقالات فكانوا أربعة آلاف). وقال ابن شهرآشوب: (نقل عن الصادق عليه السلام من العلوم ما لم ينقل عن أحد. وقد جمع أصحاب الحديث أسماء الرواة من الثقات على اختلافهم في الآراء والمقالات، وكانوا أربعة آلاف رجل). وقال: (إن ابن عقدة مصنف كتاب الرجال لأبي عبد الله عددهم فيه..) . وقد ذكر الشيخ في أول رجاله بأنه يذكر فيه جميع من ذكره ابن عقدة. وممن مال إلى هذا القول الشيخ الحر - قدس سره -، قال في أمل الآمل في ترجمة خليد بن أوفى أبي الربيع الشامي: (ولو قيل بتوثيقه وتوثيق جميع أصحاب الصادق عليه السلام إلا من ثبت ضعفه لم يكن بعيدا، لان المفيد في  الارشاد، وابن شهرآشوب في معالم العلماء  والطبرسي في إعلام الورى قد وثقوا أربعة آلاف من أصحاب الصادق عليه السلام، والموجود منهم في كتب الرجال والحديث لا يبلغون ثلاثة آلاف.

وذكر العلامة وغيره أن ابن عقدة جمع الأربعة آلاف المذكورين في كتب الرجال..). أقول: الأصل في ذلك هو الشيخ المفيد - قدس سره - وتبعه على ذلك ابن شهرآشوب وغيره. وأما ابن عقدة فهو وإن نسب إليه أنه عدد أصحاب الصادق عليه السلام أربعة آلاف، وذكر لكل واحد منهم حديثا إلا أنه لم ينسب إليه توثيقهم.

وتوهم المحدث النوري أن التوثيق إنما هو من ابن عقدة، ولكنه باطل جزما. وكيف كان فهذه الدعوى غير قابلة للتصديق، فإنه إن أريد بذلك أن أصحاب الصادق عليه السلام كانوا أربعة آلاف كلهم كانوا ثقات: فهي تشبه دعوى أن كل من صحب النبي صلى الله عليه وآله عادل، مع أنه ينافيها تضعيف الشيخ جماعة، منهم إبراهيم بن أبي حبة، والحارث بن عمر البصري، وعبد الرحمن بن الهلقام، وعمرو بن جميع، وجماعة أخرى غيرهم. وقد عد الشيخ أبا جعفر الدوانيقي من أصحاب الصادق عليه السلام، أفهل يحكم بوثاقته بذلك؟ وكيف تصح هذه الدعوى مع أنه لا ريب في أن الجماعة المؤلفة من شتى الطبقات على اختلافهم في الآراء والاعتقادات يستحيل عادة أن يكون جميعهم ثقات. وإن أريد بالدعوى المتقدمة أن أصحاب الصادق كانوا كثيرين، إلا أن الثقات منهم أربعة آلاف، فهي في نفسها قابلة للتصديق، إلا أنها مخالفة للواقع، فإن أحمد بن نوح زاد على ما جمعه ابن عقدة ممن روى عن الصادق عليه السلام على ما ذكره النجاشي، والزيادة كثيرة على ما ذكره الشيخ في ترجمة أحمد بن نوح، والشيخ مع حرصه على جميع الأصحاب حتى من لم يذكره ابن عقدة على ما صرح به في أول رجاله. ولأجل ذلك ذكر موسى بن جعفر عليه السلام والمنصور الدوانيقي في أصحاب الصادق عليه السلام، ومع ذلك فلم يبلغ عدد ما ذكره الشيخ أربعة آلاف. فإن المذكورين في رجاله لا يزيدون على ثلاثة آلاف إلا بقليل، على أنه لو سلمت هذه الدعوى لم يترتب عليها أثر أصلا، فلنفرض أن أصحاب الصادق عليه السلام كانوا ثمانية آلاف، والثقات منهم أربعة آلاف، لكن ليس لنا طريق إلى معرفة الثقات منهم، ولا شئ يدلنا على أن جميع من ذكره الشيخ من قسم الثقات، بل الدليل قائم على عدمه كما عرفت.

 

٢ - سند أصحاب الاجماع: ومما قيل بثبوته في التوثيقات العامة أو الحسن هو وقوع شخص في سند رواية رواها أحد أصحاب الاجماع، وهم ثمانية عشر رجلا على ما يأتي، فذهب جماعة إلى الحكم بصحة كل حديث رواه أحد هؤلاء إذا صح السند إليه، حتى إذا كانت روايته عمن هو معروف بالفسق والوضع، فضلا عما إذا كانت روايته عن مجهول أو مهمل، أو كانت الرواية مرسلة، وقد اختار هذا القول صريحا صاحب الوسائل في أوائل الفائدة السابعة من خاتمة كتابه. أقول: الأصل في دعوى الاجماع هذه هو الكشي في رجاله، فقد قال في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام:

      ١ - (أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأولين من أصحاب أبي جعفر، وأصحاب أبي عبد الله عليهما السلام وانقادوا لهم بالفقه، فقالوا أفقه الأولين ستة: زرارة، ومعروف بن خربوذ، وبريد، وأبو بصير الأسدي، والفضيل بن يسار، ومحمد بن مسلم الطائفي. قالوا: وأفقه الستة، زرارة. وقال بعضهم: مكان أبي   بصير الأسدي أبو بصير المرادي، وهو ليث بن البختري) . وقال في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبد الله عليه السلام:

      ٢ - (أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم لما يقولون، وأقروا لهم بالفقه من دون أولئك الستة الذين عددناهم وسميناهم  ستة نفر: جميل بن دراج، وعبد الله بن مسكان، وعبد الله بن بكير، وحماد بن عثمان، وحماد بن عيسى، وأبان بن عثمان قالوا: وزعم أبو إسحاق الفقيه - وهو ثعلبة ابن ميمون - إن أفقه هؤلاء جميل بن دراج، وهم أحداث أصحاب أبي عبد الله عليه السلام)  وقال في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم، وأبي الحسن الرضا عليهم السلام:

     ٣ - (أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم وأقروا لهم بالفقه والعلم، وهم ستة نفر آخر، دون الستة نفر الذين ذكرناهم في أصحاب أبي عبد الله عليه السلام، منهم: يونس بن عبد الرحمان، وصفوان بن يحيى بياع السابري، ومحمد بن أبي عمير، وعبد الله بن المغيرة، والحسن بن محبوب، وأحمد ابن محمد بن أبي نصر، وقال بعضهم: مكان الحسن بن محبوب، الحسن بن علي ابن فضال، وفضالة بن أيوب. وقال بعضهم: مكان فضالة بن أيوب، عثمان بن عيسى، وأفقه هؤلاء يونس بن عبد الرحمان، وصفوان بن يحيى) . وأما من تأخر عن الكشي، فقد نقل عنه الاجماع، أو أنه ادعى الاجماع تبعا له، فقد ذكر السيد بحر العلوم - قدس سره - في منظومته الاجماع على تصحيح ما يصح عن المذكورين. ولكنه في فوائده في ترجمة ابن أبي عمير: حكى   دعوى الاجماع عن الكشي، واعتمد على حكايته، فحكم بصحة أصل زيد النرسي، لان راويه ابن أبي عمير. وكيف كان فمن الظاهر أن كلام الكشي لا ينظر إلى الحكم بصحة ما رواه أحد المذكورين عن المعصومين عليهم السلام، حتى إذا كانت الرواية مرسلة أو مروية عن ضعيف أو مجهول الحال، وإنما ينظر إلى بيان جلالة هؤلاء، وأن الاجماع قد انعقد على وثاقتهم وفقههم وتصديقهم في ما يروونه. ومعنى ذلك أنهم لا يهتمون بالكذب في أخبارهم وروايتهم، وأين هذا من دعوى الاجماع على الحكم بصحة جميع ما رووه عن المعصومين عليهم السلام، وإن كانت الواسطة مجهولا أو ضعيفا؟!. قال أبو علي في المقدمة الخامسة من رجاله عند تعرضه للاجماع المدعى على تصحيح ما يصح عن جماعة: (وادعى السيد الأستاذ دام ظله - السيد علي صاحب الرياض - أنه لم يعثر في الكتب الفقهية - من أول كتاب الطهارة إلى آخر كتاب الديات - على عمل فقيه من فقهائنا بخبر ضعيف محتجا بأن في سنده أحد الجماعة وهو إليه صحيح).

 

أقول: لابد أن السيد صاحب الرياض أراد بذلك أنه لم يعثر على ذلك في كلمات من تقدم على العلامة - قدس سره -، وإلا فهو موجود في كلمات جملة من المتأخرين كالشهيد الثاني والعلامة المجلسي والشيخ البهائي. ويبعد أن يخفى ذلك عليه. ثم إن التصحيح المنسوب إلى الأصحاب في كلمات جماعة، منهم: صاحب الوسائل - على ما عرفت - نسبه المحقق الكاشاني في أوائل كتابه الوافي إلى المتأخرين، وهو ظاهر في أنه أيضا لم يعثر على ذلك في كلمات المتقدمين. قال في المقدمة الثانية من كتابه بعد ما حكى الاجماع على التصحيح من الكشي: (وقد فهم جماعة من المتأخرين من قوله أجمعت العصابة أو الأصحاب على تصحيح ما يصح عن هؤلاء الحكم بصحة الحديث المنقول عنهم ونسبته إلى أهل البيت عليهم السلام بمجرد صحته عنهم، من دور إعتبار العدالة في من يروون عنه، حتى لو رووا عن معروف بالفسق، أو بالوضع فضلا عما لو أرسلوا الحديث كان ما نقوله صحيحا محكوما على نسبته إلى أهل بيت العصمة صلوات الله عليهم.

وأنت خبير بأن هذه العبارة ليست صريحة في ذلك ولا ظاهرة فيه، فإن ما يصح عنهم إنما هو الرواية لا المروي. بل كما يحتمل ذلك يحتمل كونها كناية عن الاجماع على عدالتهم وصدقهم، بخلاف غيرهم ممن لم بنقل الاجماع على عدالته). أقول: ما ذكره متين لا غبار عليه. ثم إنا لو تنزلنا عن ذلك وفرضنا أن عبارة الكشي صريحة في ما نسب إلى جماعة واختاره صاحب الوسائل، فغاية ذلك دعوى الاجماع على حجية رواية هؤلاء عن المعصومين عليهم السلام تعبدا، وإن كانت الواسطة بينهم وبين المعصوم ضعيفا أو مجهول الحال، فترجع هذه الدعوى إلى دعوى الاجماع على حكم شرعي. وقد بينا في المباحث الأصولية: أن الاجماع المنقول بخبر الواحد ليس بحجة، وأدلة حجية خبر الواحد لا تشمل الاخبار الحدسية. بقي هنا شئ: وهو أنه قد يقال: إن دعوى الاجماع على تصحيح ما يصح عن الجماعة المذكورين لا ترجع إلى دعوى حجية روايتهم تعبدا كما ذهب إليه صاحب الوسائل، وإنما ترجع إلى دعوى أن هؤلاء لا يروون إلا عن ثقة. وعليه فيعتمد على مراسيلهم وعلى مسانيدهم، وإن كانت الوسائط مجهولة أو مهملة. ولكن هذا القول فاسد جزما، فإنه لا يحتمل إرادة ذلك من كلام الكشي. ولو سلم أنه أراد ذلك فهذه الدعوى فاسدة بلا شبهة، فإن أصحاب الاجماع قد رووا عن الضعفاء في عدة موارد تقف عليها في تراجمهم في كتابنا هذا إن شاء الله تعالى، ونذكر جملة منها قريبا.

 

٣ - رواية صفوان وأضرابه: ومما قيل أيضا بثبوته في التوثيقات العامة أو الحسن: هو رواية صفوان، أو ابن أبي عمير، أو أحمد بن محمد بن أبي نصر وأضرابهم عن شخص، فقد قيل إنهم لا يروون إلا عن ثقة، وعليه فيؤخذ بمراسيلهم ومسانيدهم، وإن كانت الواسطة مجهولا أو مهملا. أقول: الأصل في هذه الدعوى هو الشيخ - قدس سره -، فقد قال في أواخر بحثه عن خبر الواحد في كتاب العدة: (وإذا كان أحد الراويين مسندا والآخر مرسلا، نظر في حال المرسل. فإن كان ممن يعلم أنه لا يرسل إلا عن ثقة موثوق به، فلا ترجيح لخبر غيره على خبره، ولأجل ذلك سوت الطائفة بين ما يرويه محمد بن أبي عمير، وصفوان بن يحيى، وأحمد بن محمد بن أبي نصر، وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عمن يوثق به، وبين ما أسنده غيرهم..). ولكن هذه الدعوى باطلة، فإنها اجتهاد من الشيخ قد استنبطه من اعتقاده تسوية الأصحاب بين مراسيل هؤلاء ومسانيد غيرهم. وهذا لا يتم.

 

أولا: بأن التسوية المزبورة لم تثبت، وإن ذكرها النجاشي أيضا في ترجمة محمد بن أبي عمير، وذكر أن سببها ضياع كتبه وهلاكها، إذ لو كانت هذه التسوية صحيحة، وأمرا معروفا متسالما عليه بين الأصحاب، لذكرت في كلام أحد من القدماء لا محالة، وليس منها في كلماتهم عين ولا أثر. فمن المطمأن به أن منشأ هذا الدعوى هو دعوى الكشي الاجماع على تصحيح ما يصح عن هؤلاء. وقد زعم الشيخ أن منشأ الاجماع هو أن هؤلاء لا يروون إلا عن ثقة، وقد مر قريبا بطلان ذلك. ويؤكد ما ذكرناه أن الشيخ لم يحص ما ذكره بالثلاثة المذكورين بل عممه لغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون إلا عمن يوثق به. ومن الظاهر أنه لم يعرف أحد بذلك من غير جهة دعوى الكشي الاجماع على التصحيح، والشيخ بنفسه أيضا لم يدع ذلك في حق أحد غير الثلاثة المذكورين في كلامه. ومما يكشف عما ذكرناه - من أن نسبة الشيخ التسوية المذكورة إلى الأصحاب مبتنية على اجتهاده، وهي غير ثابتة في نفسها - إن الشيخ بنفسه ذكر رواية محمد بن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام . ثم قال في كلا الكتابين: (فأول ما فيه أنه مرسل، وما هذا سبيله لا يعارض به الاخبار المسندة). وأيضا ذكر رواية محمد بن علي بن محبوب، عن العباس عن عبد الله بن المغيرة عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام . وقال في التهذيب: (وهذا خبر مرسل)، وقال في الاستبصار: (فأول ما في هذا الخبر أنه مرسل) وغير ذلك من الموارد التي ناقش الشيخ فيها بالارسال، وإن كان المرسل ابن أبي عمير أو غيره من أصحاب الاجماع. وتقدم عند البحث عن قطعية روايات الكتب الأربعة مناقشته في رواية ابن بكير وابن فضال، وأنهما مرسلان لا يعارض بهما الاخبار المسندة.

 

وثانيا: فرضنا أن التسوية المزبورة ثابتة، وأن الأصحاب عملوا بمراسيل ابن أبي عمير، وصفوان، والبزنطي وأضرابهم. ولكنها لا تكشف عن أن منشأها هو أن هؤلاء لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة، بل من المظنون قويا أن منشأ ذلك هو بناء العامل على حجية خبر كل إمامي لم يظهر منه فسق، وعدم اعتبار الوثاقة فيه، كما نسب هذا إلى القدماء، واختاره جمع من المتأخرين: منهم العلامة - قدس سره - على ما سيجئ في ترجمة أحمد بن إسماعيل بن عبد الله. وعليه فلا أثر لهذه التسوية بالنسبة إلى من يعتبر وثاقة الراوي في حجية خبره.

 

ثالثا: أن هذه الدعوى، وأن هؤلاء الثلاثة وأضرابهم من الثقات لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة: دعوى دون إثباتها خرط القتاد. فان معرفة ذلك في غير ما إذا صرح الراوي بنفسه أنه لا يروي ولا يرسل إلا عن ثقة، أمر غير ميسور. ومن الظاهر أنه لم ينسب إلى أحد هؤلاء إخباره وتصريحه بذلك، وليس لنا طريق آخر لكشفه. غاية الامر عدم العثور برواية هؤلاء عن ضعيف، لكنه لا يكشف عن عدم الوجود، على أنه لو تمت هذه الدعوى فإنما تتم في المسانيد دون المراسيل، فإن ابن أبي عمير بنفسه قد غاب عنه أسماء من روى عنهم بعد ضياع كتبه، فاضطر إلى أن يروي مرسلا على ما يأتي في ترجمته، فكيف يمكن لغيره أن يطلع عليهم ويعرف وثاقتهم، فهذه الدعوى ساقطة جزما!.

 

رابعا: قد ثبت رواية هؤلاء عن الضعفاء في موارد ذكر جملة منها الشيخ بنفسه. ولا أدري أنه مع ذلك كيف يدعي أن هؤلاء لا يروون عن الضعفاء؟ فهذا صفوان روى عن علي بن أبي حمزة البطائني كتابه، ذكره الشيخ. وهو الذي قال فيه علي بن الحسن بن فضال: (كذاب ملعون). وروى محمد بن يعقوب بسند صحيح عن صفوان بن يحيى عن علي بن أبي حمزة . وروى الشيخ بسند صحيح عن صفوان، وابن أبي عمير عن يونس بن ظبيان ، ويونس بن ظبيان ضعفه النجاشي والشيخ. روى بسند صحيح عن صفوان بن يحيى عن أبي جميلة ، وأبو جميلة هو المفضل بن صالح ضعفه النجاشي. وروى أيضا بسند صحيح عن صفوان، عن عبد الله بن خداش  وعبد الله بن خداش ضعفه النجاشي. وهذا ابن أبي عمير، روى عن علي بن أبي حمزة البطائني كتابه، ذكره النجاشي والشيخ، وروى محمد بن يعقوب بسند صحيح عن ابن أبي عمير عن علي بن أبي حمزة . وروى بسند صحيح عن ابن أبي عمير عن الحسين بن أحمد المنقري ، والحسين بن أحمد المنقري، ضعفه النجاشي والشيخ. وروى الشيخ بسند صحيح عن ابن أبي عمير، عن علي بن حديد  وعلي ابن حديد ضعفه الشيخ في موارد من كتابيه وبالغ في تضعيفه. وتقدمت روايته عن يونس بن ظبيان آنفا. وأما روايته عن المجاهيل غير المذكورين في الرجال فكثيرة تقف عليها في محله إن شاء الله تعالى.

وهذا أحمد بن محمد بن أبي نصر، روى عن المفضل بن صالح في موارد كثيرة. وروى عنه أيضا في موارد كثيرة بعنوان أبي جميلة. روى محمد بن يعقوب بسند صحيح، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن المفضل بن صالح . وروى بسنده الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن عبد الله بن محمد الشامي  وعبد الله بن محمد الشامي ضعيف. وروى الشيخ بسند صحيح، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن الحسن  ابن علي بن أبي حمزة  والحسن بن علي بن أبي حمزة ضعيف.

ثم إنا قد ذكرنا جملة من الموارد التي ورد فيها رواية هؤلاء الثلاثة من الضعفاء، وهي غير منحصرة فيما ذكرناه ستقف على بقيتها عند تعرضنا لجميع من روى هؤلاء عنهم. إن قلت: إن رواية هؤلاء الضعفاء - كما ذكرت - لا تنافي دعوى الشيخ أنهم لا يروون إلا عن ثقة، فإن الظاهر أن الشيخ يريد بذلك أنهم لا يروون إلا عن ثقة عندهم، فرواية أحدهم عن شخص شهادة منه على وثاقته. وهذه الشهادة يؤخذ بها ما لم يثبت خلافها، وقد ثبت خلافها كالموارد المتقدمة. قلت: لا يصح ذلك، بل الشيخ أراد بما ذكر: أنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة في الواقع ونفس الامر، لا من يكون ثقة باعتقادهم إذ لو أراد ذلك لم يمكن الحكم بالتسوية بين مراسليهم ومسانيد غيرهم، فإنه إذا ثبت في موارد روايتهم من الضعفاء - وإن كانوا ثقات عندهم - لم يمكن الحكم بصحة مراسليه، إذ من المحتمل أن الواسطة هو من ثبت ضعفه عنه، فكيف يمكن الاخذ بها؟.

ولذلك قال المحقق في المعتبر في آداب الوضوء: (ولو احتج بما رواه ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا.. كان الجواب الطعن في السند لمكان الارسال، ولو قال مراسيل ابن أبي عمير يعمل بها الأصحاب، منعنا ذلك، لان في رجاله من طعن الأصحاب فيه، وإذا أرسل أحتمل أن يكون الراوي أحدهم). والمتحصل مما ذكرناه: أن ما ذكره الشيخ من أن هؤلاء الثلاثة: صفوان، وابن أبي عمير، وأحمد بن محمد بن أبي نصر. لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة غير قابل للتصديق. وهو أعلم بما قال. وأما بقية أصحاب الاجماع، فرواية جملة منهم عن غير المعصوم قليلة جدا،  وروى جماعة منهم عن الضعفاء. وستقف على مواردها في ما يأتي ونذكر - هنا - بعضها:

 

١ - هذا سالم بن أبي حفصة قد تضافرت الروايات في ذمة وضلاله وإضلاله، روى محمد بن يعقوب بسند صحيح عن زرارة عنه .

 

٢ - وهذا عمرو بن شمر، بالغ النجاشي في تضعيفه، وروى عنه جماعة من أصحاب الاجماع، روى محمد بن يعقوب بسند صحيح عن حماد بن عيسى عنه . وروى بسند صحيح أيضا عن يونس بن عبد الرحمن عنه . وروى بسند صحيح أيضا عن ابن محبوب عنه . وروى بسند صحيح أيضا عن عبد الله بن المغيرة عنه . بقي الكلام في جماعة أخرى قيل إنهم لا يروون إلا عن ثقة، فكل من رووا عنه فهو ثقة:

 

١ - منهم: أحمد بن محمد بن عيسى: واستدلوا على أنه لا يروي إلا عن ثقة، بأنه أخرج أحمد بن محمد بن خالد من قم لروايته عن الضعاف، فيظهر من ذلك التزامه بعدم الرواية عن الضعيف. ويرده: أن الرواية عن الضعاف كثيرا كان يعد قدحا في الراوي، فيقولون أن فلانا يروي عن الضعفاء، ويعتمد المراسيل. ومعنى ذلك: أنه لم يكن متثبتا في أمر الرواية، فيروي كل ما سمعه عن أي شخص كان. وأما الرواية عن ضعيف أو   ضعيفين أو أكثر في موارد خاصة فهذا لا يكون قدحا. ولا يوجد في الرواة من لم يرو عن ضعيف أو مجهول أو مهمل، إلا نادرا. ويدل على ما ذكرناه: أن أحمد بن محمد بن عيسى بنفسه روى عن عدة من الضعفاء، نذكر جملة منهم: فقد روى محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عنه، عن محمد بن سنان . وروى أيضا عن محمد بن يحيى عنه، عن علي بن حديد . وروى أيضا عن محمد بن يحيى عنه، عن إسماعيل بن سهل . وروى أيضا عن محمد بن يحيى عنه، عن بكر بن صالح .

 

٢ - ومنهم: بنو فضال: أستدل على وثاقة من رووا عنهم بما روي عن الإمام العسكري عليه السلام أنه قال: (خذوا ما رووا، وذروا ما رأوا) وأرسل شيخنا الأنصاري هذا إرسال المسلمات، فذكر في أول صلاته حينما تعرض لرواية داود بن فرقد عن بعض أصحابنا، قال: (وهذه الرواية وإن كانت مرسلة، إلا أن سندها إلى الحسن ابن فضال صحيح، وبنو فضال ممن أمرنا بالأخذ بكتبهم ورواياتهم). أقول: الأصل في ذلك ما رواه الشيخ عن أبي محمد المحمدي، قال: (وقال أبو الحسن بن تمام: حدثني عبد الله الكوفي خادم الشيخ الحسين بن روح رضي الله عنه، قال: سئل الشيخ - يعني أبا القاسم رضي الله عنه. عن كتب ابن أبي العزاقر بعدما ذم وخرجت فيه اللعنة، فقيل له: فكيف نعمل بكتبه وبيوتنا منه ملاء؟ فقال: أقول فيها ما قاله أبو محمد الحسن بن علي صلوات الله عليهما،  وقد سئل عن كتب بني فضال، فقالوا: كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا منه ملاء؟ فقال صلوات الله عليه: خذوا ما رووا، وذروا ما رأوا) . لكن هذه الرواية ضعيفة لا يمكن الاعتماد عليها، فإن عبد الله الكوفي مجهول، مضافا إلى أن الرواية قاصرة الدلالة على ما ذكروه، فإن الرواية في مقام بيان أن فساد العقيدة بعد الاستقامة لا يضر بحجية الرواية المتقدمة على الفساد، وليست في مقام بيان أنه يؤخذ بروايته حتى فيما إذا روى عن ضعيف أو مجهول، فكما أنه قبل ضلاله لم يكن يؤخذ بروايته فيما إذا روى عن ضعيف أو مجهول، كذلك لا يؤخذ بتلك الرواية بعد ضلاله. وكيف كان فما ذكره الشيخ الأنصاري وغيره من حجية كل رواية كانت صحيحة إلى بني فضال كلام لا أساس له.

 

٣ - ومنهم: جعفر بن بشير. واستدلوا على وثاقة من روى عنهم بقول النجاشي في ترجمته روى عن الثقات ورووا عنه، فكل من روى عنه جعفر بن بشير يحكم بوثاقته. والجواب عن ذلك: أنه لا دلالة في الكلام على الحصر، وأن جعفر بن بشير لم يرو عن غير الثقات، ويؤكد ذلك قوله: (ورووا عنه) أفهل يحتمل أن جعفر ابن بشير لم يرو عنه غير الثقات، والضعفاء يروون عن كل أحد، ولا سيما عن الأكابر بل المعصومين أيضا. وغاية ما هناك أن تكون رواية جعفر بن بشير عن الثقات، وروايتهم عنه كثيرة. فقد روى الشيخ بإسناده الصحيح، عن محمد بن علي بن محبوب، عن محمد بن الحسين، عن جعفر بن بشير، عن صالح بن الحكم  وصالح بن الحكم ضعفه النجاشي. وروى الصدوق بسنده الصحيح عنه، عن عبد الله بن محمد الجعفي ذكره في المشيخة في طريقه إلى عبد الله بن محمد الجعفي، وعبد الله بن محمد الجعفي  ضعفه النجاشي. وستقف على سائر رواياته عن الضعفاء فيما يأتي إن شاء الله.

 

٤ - ومنهم: محمد بن إسماعيل بن ميمون الزعفراني: وأستدل على وثاقته من روى عنهم بقول النجاشي في ترجمته: (روى عن الثقات ورووا عنه). ويظهر الجواب عنه بما ذكرناه آنفا.

 

٥ - ومنهم: علي بن الحسن الطاطري: وأستدل على وثاقة من روى عنهم بقول الشيخ في ترجمته: (وله كتب في الفقه رواها عن الرجال الموثوق بهم وبرواياتهم..). والجواب عن ذلك: أنه لا دلالة في هذا الكلام على أن كل من يروي عنه علي بن الحسن الطاطري ثقة، غاية ما هناك أن رواياته في كتبه الفقهية مروية عن الثقات، فكل ما نقله الشيخ عن كتبه بأن كان علي بن الحسن قد بدأ به السند يحكم فيه بوثاقة من روى عنه، ما لم يعارض بتضعيف شخص آخر. وأما من روى عنه علي بن الحسن في أثناء السند فلا يحكم بوثاقته، لعدم إحراز روايته عنه في كتابه. والمتحصل مما ذكرناه: إنه لم يثبت دلالة رواية المذكور أسماؤهم عن شخص على وثاقة المروي عنه. هذا، وقد أفرط المحدث النوري في المقام، فجعل رواية مطلق الثقة عن أحد كاشفا عن وثاقته واعتباره، ومن هنا استدرك على صاحب الوسائل جماعة كثيرة لرواية الثقات، كالحسين بن سعيد، ومحمد بن أبي الصهبان، والتلعكبري، والشيخ المفيد، والحسين بن عبد الله الغضائري، وأمثالهم عنهم. وهذا غريب جدا، فان غاية ما يمكن أن يتوهم أن تكون رواية ثقة عن رجل دليلا على اعتماده عليه، وأين هذا من التوثيق أو الشهادة على حسنه ومدحه. ولعل الراوي كان يعتمد على رواية كل إمامي لم يظهر منه فسق، ولو صحت هذه الدعوى لم تبق رواية ضعيفة في كتب الثقات من المحدثين، سواء في ذلك الكتب الأربعة وغيرها، فإن صاحب الكتاب المفروض وثاقته إذا روى عن   شيخه يحكم بوثاقة شيخه، وهو يروي عن شخص آخر فيحكم بوثاقته أيضا. وهكذا إلى أن ينتهي إلى المعصومين عليهم السلام. وكيف تصح هذه الدعوى؟ وقد عرفت أن صفوان، وابن أبي عمير والبزنطي وأضرابهم قد رووا عن الضعفاء، فما ظنك بغيرهم؟.

هذا، مع أن الرواية عن أحد لا تدل على اعتماد الراوي على المروي عنه، فهذا أحمد بن الحسين بن أحمد بن عبيد الضبي أبو نصر روى عنه الشيخ الصدوق في كتاب العلل، والمعاني، والعيون، وقال فيه: (ما لقيت أنصب منه، وبلغ من نصبه أنه كان يقول: (اللهم صل على محمد فردا، ويمتنع من الصلاة على آله).

 

 ٤ - الوقوع في سند محكوم بالصحة: ومن جملة ذلك: وقوع شخص في سند رواية قد حكم أحد الاعلام من المتقدمين أو المتأخرين بصحتها، ومن هنا يحكم باعتبار كل من روى عنه محمد ابن أحمد بن يحيى، ولم يستثن من رواياته. بيان ذلك: ان النجاشي والشيخ قد ذكرا في ترجمة محمد بن أحمد بن يحيى أن محمد بن الحسن بن الوليد استثنى من رواياته ما رواه عن جماعة - والجماعة قد ذكرت أسماؤهم في ترجمته - وتبعه على ذلك أبو جعفر بن بابويه، وكذلك أبو العباس بن نوح، إلا في محمد بن عيسى بن عبيد، فإنه لم يستثنه، إذن فكل من روى عنه محمد بن أحمد بن يحيى ولم يكن ممن استثناهم ابن الوليد فهو معتمد عليه، ومحكوم عليه بصحة الحديث. أقول: إن اعتماد ابن الوليد أو غيره من الاعلام المتقدمين فضلا عن المتأخرين على رواية شخص والحكم بصحتها لا يكشف عن وثاقة الراوي أو حسنه، وذلك لاحتمال أن الحاكم بالصحة يعتمد على أصالة العدالة، ويرى حجية كل رواية يرويها مؤمن لم يظهر منه فسق، وهذا لا يفيد من يعتبر وثاقة الراوي أو   حسنه في حجية خبره.

هذا بالإضافة إلى تصحيح ابن الوليد وأضرابه من القدماء، الذين قد يصرحون بصحة رواية ما، أو يعتمدون عليها من دون تعرض لوثاقة رواتها. وأما الصدوق فهو يتبع شيخه في التصحيح وعدمه، كما صرح هو نفسه بذلك، قال - قدس سره -: (وأما خبر صلاة يوم غدير خم والثواب المذكور فيه لمن صامه، فإن شيخنا محمد بن الحسن كان لا يصححه ويقول: إنه من طريق محمد بن موسى الهمداني. وكان غير ثقة. وكل ما لم يصححه ذلك الشيخ - قدس الله روحه - ولم يحكم بصحته من الاخبار فهو عندنا متروك غير صحيح) . وقال أيضا: (كان شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه سيئ الرأي في محمد بن عبد الله المسمعي راوي هذا الحديث، وإني أخرجت هذا الخبر في هذا الكتاب، لأنه كان في كتاب الرحمة، وقد قرأته عليه فلم ينكره، ورواه لي) .

 

 ٥ - وكالة الامام: ومن ذلك أيضا: الوكالة من الإمام عليه السلام، فقيل أنه ملازمة للعدالة التي هي فوق الوثاقة. أقول: الوكالة لا تستلزم العدالة، ويجوز توكيل الفاسق إجماعا وبلا إشكال. غاية الامر أن العقلاء لا يوكلون في الأمور المالية خارجا من لا يوثق بأمانته، وأين هذا من اعتبار العدالة في الوكيل؟ وأما النهي عن الركون إلى الظالم فهو أجنبي عن التوكيل فيما يرجع إلى أمور الموكل نفسه. هذا وقد ذكر الشيخ في كتابه الغيبة عدة من المذمومين من  وكلاء الأئمة عليهم السلام، فإذا كانت الوكالة تلزمها العدالة، فكيف يمكن انفكاكها عنها في مورد؟ وبعبارة أخرى: إذا ثبت في مورد أن وكيل الإمام عليه السلام لم يكن عادلا كشف ذلك عن عدم الملازمة، وإلا فكيف يمكن تخلف اللازم عن الملزوم. وبهذا يظهر بطلان ما قيل: من أنه إذا ثبتت الوكالة في مورد أخذ بلازمها وهو العدالة حتى يثبت خلافه. ثم إنه قد يستدل على وثاقة كل من كان وكيلا من قبل المعصومين عليهم السلام في أمورهم بما رواه محمد بن يعقوب، عن علي بن محمد، عن الحسن بن عبد الحميد، قال: (شككت في أمر حاجز فجمعت شيئا ثم صرت إلى العسكر فخرج إلي: ليس فينا شك ولا في من يقوم مقامنا بأمرنا، رد ما معك إلى حاجز ابن يزيد) . ورواه الشيخ المفيد أيضا .

والجواب عن ذلك: أن الرواية ضعيفة السند ولا أقل من أن الحسن بن عبد الحميد مجهول، مضافا إلى أن الرواية لا تدل على اعتبار كل من كان وكيلا من قبلهم سلام الله عليهم في أمر من الأمور، وإنما تدل على جلالة من قام مقامهم بأمرهم، فيختص ذلك بالنواب والسفراء من قبلهم سلام الله عليهم. هذا، وقد أفرط بعضهم فجعل كون الرجل بوابا للمعصوم عليه السلام دليلا على اعتباره، مع أنه لا دلالة فيه على الاعتبار بوجه من الوجوه.

 

٦ - شيخوخة الإجازة: فقد اشتهر أن مشايخ الإجازة مستغنون عن التوثيق. والجواب عن ذلك: أن مشايخ الإجازة على تقدير تسليم وثاقتهم لا يزيدون في الجلالة وعظمة الرتبة عن أصحاب الاجماع وأمثالهم، ممن عرفوا بصدق  الحديث والوثاقة، فكيف يتعرض في كتب الرجال والفقه لوثاقتهم ولا يتعرض لوثاقة مشايخ الإجازة لوضوحها وعدم الحاجة إلى التعرض لها. والصحيح: أن شيخوخة الإجازة لا تكشف عن وثاقة الشيخ كما لا تكشف عن حسنه. بيان ذلك: أن الراوي قد يروي رواية عن أحد بسماعه الرواية منه، وقد يرويها عنه بقراءتها عليه، وقد يرويها عنه لوجودها في كتاب قد أجازه شيخه أن يروي ذلك الكتاب عنه من دون سماع ولا قراءة، فالراوي يروي تلك الرواية عن شيخه، فيقول: حدثني فلان، فيذكر الرواية. ففائدة الإجازة هي صحة الحكاية عن الشيخ وصدقها، فلو قلنا: بأن رواية الثقة عن شخص كاشفة عن وثاقته أو حسنه فهو، وإلا فلا تثبت وثاقة الشيخ بمجرد الاستجازة والإجازة. وقد عرفت - آنفا - أن رواية ثقة عن شخص لا تدل لا على وثاقته ولا على حسنه. ويؤيد ما ذكرناه أن الحسن بن محمد بن يحيى والحسين بن حمدان الحضيني من مشايخ الإجازة على ما يأتي في ترجمتها، قد ضعفهما النجاشي.

 

٧ - مصاحبة المعصوم: وقد جعل بعضهم: أن توصيف أحد بمصاحبته لاحد المعصومين عليهم السلام من إمارات الوثاقة. وأنت خبير بأن المصاحبة لا تدل بوجه لا على الوثاقة، ولا على الحسن، كيف وقد صاحب النبي صلى الله عليه وآله وسائر المعصومين عليهم السلام من لا حاجة إلى بيان حالهم وفساد سيرتهم، وسوء أفعالهم؟!.

 

٨ - تأليف كتاب أو أصل: فقد قيل إن كون شخص ذا كتاب أو أصل إمارة على حسنه ومن أسباب مدحه.   والجواب عنه ظاهر: إذ رب مؤلف كذاب وضاع. وقد ذكر النجاشي والشيخ جماعة منهم، وستقف على ذلك إن شاء الله تعالى.

 

٩ - ترحم أحد الاعلام: واستدل على حسن من ترحم عليه أحد الاعلام - كالشيخ الصدوق ومحمد ابن يعقوب وأضرابهما - بأن في الترحم عناية خاصة بالمترحم عليه، فيكشف ذلك عن حسنه لا محالة. والجواب عنه: أن الترحم هو طلب الرحمة من الله تعالى، فهو دعاء مطلوب ومستحب في حق كل مؤمن، وقد أمرنا بطلب المغفرة لجميع المؤمنين وللوالدين بخصوصهما. وقد ترحم الصادق عليه السلام لكل من زار الحسين عليه السلام، بل إنه سلام الله عليه، قد ترحم لأشخاص خاصة معروفين بالفسق لما فيهم ما يقتضي ذلك، كالسيد إسماعيل الحميري وغيره، فكيف يكون ترحم الشيخ الصدوق أو محمد بن يعقوب وأمثالهما كاشفا عن حسن المترحم عليه؟ وهذا النجاشي قد ترحم على محمد بن عبد الله بن محمد بن عبيد الله بن البهلول، بعد ما ذكر أنه رأى شيوخه يضعفونه وأنه لأجل ذلك لم يرو عنه شيئا وتجنبه.

 

١٠ - كثرة الرواية عن المعصوم: استدل على اعتبار الشخص بكثرة روايته عن المعصوم عليه السلام - بواسطة أو بلا واسطة - بثلاث روايات:

    ١ - حمدويه بن نصير الكشي، قال حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمد بن سنان، عن حذيفة بن منصور، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (إعرفوا منازل الرجال منا على قدر رواياتهم عنا) .

    ٢ - محمد بن سعيد الكشي بن يزيد، وأبو جعفر محمد بن أبي عوف البخاري، قالا: حدثنا أبو علي محمد بن أحمد بن حماد المروزي المحمودي رفعه، قال: قال الصادق عليه السلام: (إعرفوا منازل شيعتنا بقدر ما يحسنون من رواياتهم عنا، فإنا لا نعد الفقيه منهم فقيها حتى يكون محدثا، فقيل له: أو يكون المؤمن محدثا؟ قال: يكون مفهما. والمفهم المحدث) .

    ٣ - إبراهيم بن محمد بن عباس الختلي، قال: حدثنا أحمد بن إدريس القمي المعلم، قال: حدثني أحمد بن محمد بن يحيى بن عمران، قال: حدثني سليمان الخطابي، قال: حدثني محمد بن محمد، عن بعض رجاله عن محمد بن حمران العجلي، عن علي بن حنظلة، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (إعرفوا منازل الناس منا على قدر رواياتهم عنا) . والجواب عنها: أن هذه الروايات - بأجمعها - ضعيفة: أما الأخيرتان فوجه الضعف فيهما ظاهر. وأما الأولى فلان محمد بن سنان ضعيف على الأظهر. على أنه لو أغمضنا عن ضعف السند فالدلالة فيها أيضا قاصرة، وذلك فإن المراد بجملة: (قدر رواياتهم عنا) ليس هو قدر ما يخبر الراوي عنهم عليهم السلام، وإن كان لا يعرف صدقه وكذبه، فإن ذلك لا يكون مدحا في الراوي، فربما تكون روايات الكاذب أكثر من روايات الصادق، بل المراد بها هو قدر ما تحمله الشخص من رواياتهم عليهم السلام، وهذا لا يمكن إحرازه الا بعد ثبوت حجية قول الراوي، وأن ما يرويه قد صدر عن المعصوم عليه السلام.

 

 ١١ - ذكر الطريق إلى الشخص في المشيخة: وقد جعل المجلسي - قدس سره - ذكر الصدوق شخصا في من له إليه   طريق موجبا للمدح، وعده في: وجيزته من الممدوحين. والجواب: أنه لا يعرف لذلك وجه إلا ما يتخيل من أن من ذكر إليه طريق في المشيخة لابد وأن يكون له كتاب معتمد عليه، فان الصدوق قد التزم في أول كتابه أن يروي فيه عن الكتب المعتبرة المعتمد عليها. وعليه فيكون صاحب الكتاب ممدوحا لا محالة. ولكن هذا تخيل صرف نشأ من قول الصدوق في أول كتابه: (وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعول، وإليها المرجع، مثل كتاب حريز بن عبد الله السجستاني، وكتاب عبيد الله بن علي الحلبي، وكتب علي بن مهزيار الأهوازي، وكتب الحسين بن سعيد، ونوادر أحمد بن محمد ابن عيسى، وكتاب نوادر الحكمة تصنيف محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري، وكتاب الرحمة لسعد بن عبد الله، وجامع شيخنا محمد بن الحسن بن الوليد رضي الله عنه، ونوادر محمد بن أبي عمير، وكتب المحاسن لأحمد بن أبي عبد الله البرقي، ورسالة أبي رضي الله عنه إلي، وغيرها من الأصول والمصنفات التي طرقي إليها معروفة في فهرس الكتب التي رويتها عن مشايخي وأسلافي رضي الله عنهم).

ولكن من الظاهر أنه يريد بذلك أن الروايات المستخرجة في الفقيه مستخرجة من الكتب المعتبرة ولا يريد أنه استخرجها من كتب من ذكرهم في المشيخة، وذكر طريقه إليهم. كيف؟! وقد ذكر في المشيخة عدة أشخاص وذكر طريقه إليهم: مثل إبراهيم بن سفيان، وإسماعيل بن عيسى، وأنس بن محمد، وجعفر بن القاسم، والحسن بن قارن، وغيرهم. مع أن النجاشي والشيخ لم يذكراهم في كتابيهما الموضوعين لذكر أرباب الكتب والأصول، بل ولم يذكرهم الشيخ في رجاله، مع أن موضوعه أعم، فكيف يمكن أن يدعى أن هؤلاء أرباب كتب، وأن كتبهم من الكتب المشهورة؟! بل إن الصدوق ذكر طريقه إلى أسماء ابنت عميس، أفهل يحتمل أنه كان لها كتاب معروف؟ بل إنه قد يذكر في المشيخة   طريقه إلى نفس الرواية، مثل ذكره طريقه إلى ما جاء نفر من اليهود.

وعلى الجملة فلا شك في أن الصدوق لم يرد بالعبارة المزبورة: أنه استخرج في كتابه الروايات الموجودة في الكتب المعتبرة المعروفة لمن ذكرهم في المشيخة. ومما يؤكد ذلك: أن الصدوق لم يرو عن بعض من ذكر طريقه إليه في المشيخة إلا رواية واحدة في كتابه: مثل المذكورين، وأيوب بن نوح، وبحر السقا، وبزيع المؤذن، وبكار بن كردم وغيرهم. ومن البعيد جدا أن يكون لهم كتاب معروف ولم يرو الصدوق عنه إلا رواية واحدة! وعليه فلا يمكن الحكم بحسن رجل بمجرد أن للصدوق إليه طريقا.

وبما ذكرناه يظهر بطلان أمر آخر قد توهمه غير واحد ممن لم يتأملوا في عبارة الصدوق. بيان ذلك: أن جملة من طرق الصدوق ضعيفة على ما تقف عليها وعلى جهة ضعفها في ما يأتي إن شاء الله تعالى، ولكنه مع ذلك توهم بعضهم أن ضعف الطريق لا يضر بصحة الحديث، بعد ما أخبر الصدوق بأن روايات كتابه مستخرجة من كتب معتبرة معروفة معول عليها، فالكتاب إذا كان معروفا ومعولا عليه لم يضره ضعف الطريق الذي ذكره الصدوق في المشيخة تبركا، أو لأمر آخر.

وقد ظهر بطلان هذا التوهم، وإن الكتب المعروفة المعتبرة التي أخرج الصدوق روايات كتابه منها ليست هي كتب من بدأ بهم السند في الفقيه وقد ذكر جملة منهم في المشيخة، وإنما هي كتب غيرهم من الاعلام المشهورين التي منها رسالة والده إليه - طاب ثراهما -، وكتاب شيخه محمد بن الحسن بن الوليد - قدس سره -، فالروايات الموجودة في الفقيه مستخرجة من هذه الكتب. وأما أنها صحيحة أو غير صحيحة فهو أمر آخر أجنبي عن ذلك. نعم من بدئ به السند في كتابي التهذيب والاستبصار هو صاحب كتاب يروي الشيخ ما رواه فيهما عن كتابه، على ما صرح به في آخر كتابيه إلا أن الشيخ لم يذكر أن الكتب التي استخرج روايات كتابيه منها هي كتب معتبرة معروفة.   وحاصل ما ذكرناه أن طريق الصدوق أو الشيخ إلى شخص إذا كان ضعيفا حكم بضعف الرواية المروية عن ذلك الطريق لا محالة. نعم إذا كان طريق الشيخ إلى أحد ضعيفا فيما يذكره في آخر كتابه ولكن كان له إليه طريق آخر في الفهرست وكان صحيحا: يحكم بصحة الرواية المروية عن ذلك الطريق.

والوجه في ذلك أن الشيخ ذكر أن ما ذكره من الطريق في آخر كتابه إنما هو بعض طرقه، وأحال الباقي على كتابه الفهرست، فإذا كان طريقه إلى الكتاب الذي روى عنه في كتابيه صحيحا في الفهرست حكم بصحة تلك الرواية. بل لو فرضنا أن طريق الشيخ إلى كتاب ضعيف في المشيخة والفهرست ولكن طريق النجاشي إلى ذلك الكتاب صحيح، وشيخهما واحد حكم بصحة رواية الشيخ عن ذلك الكتاب أيضا، إذ لا يحتمل أن يكون ما أخبره شخص واحد كالحسين بن عبيد الله بن الغضائري مثلا للنجاشي مغايرا لما أخبر به الشيخ، فإذا كان ما أخبرهما به واحدا وكان طريق النجاشي إليه صحيحا: حكم بصحة ما رواه الشيخ عن ذلك الكتاب لا محالة، ويستكشف من تغاير الطريق أن الكتاب الواحد روي بطريقين، قد ذكر الشيخ أحدهما، وذكر النجاشي الآخر.