معجزاته و كراماته

شُعاعٌ من نور الدُّرِّ الفاخر والعَلَم الظاهر

حضرة الإمام محمَّد بن عليّ الباقر عليه السَّلام

 

 

* الشيخ الصدوق في التوحيد, قال الباقر عليه السلام: لو وجدت لعلمي الذي آتاني الله عز وجل حملة لنشرت التوحيد والاسلام والايمان والدين والشرائع من الصمد, وكيف لي بذلك ولم يجد جدي أمير المؤمنين عليه السلام حملة لعلمه حتى كان يتنفس الصعداء ويقول على المنبر: سلوني قبل أن تفقدوني فإن بين الجوانح مني علماً جماً, هاه! هاه! ألا لا أجد من يحمله, ألا وإني عليكم من الله الحجة البالغة فلا {تتولوا قوماً غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور}[1].[2]

 

* قطب الدين الراوندي في الخرائج والجرائح,روي عن الحلبي، عن الصادق عليه السلام قال: دخل ناس على أبي عليه السلام فقالوا: ما حد الامام؟ قال: حده عظيم، إذا دخلتم عليه فوقروه وعظموه، وآمنوا بما جاء به من شيء وعليه أن يهديكم، وفيه خصلة إذا دخلتم عليه لم يقدر أحد أن يملأ عينه منه إجلالاً وهيبة، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله كذلك كان، وكذلك يكون الامام، قال: فيَعرِف شيعته؟ قال: نعم ساعة يراهم, قالوا: فنحن لك شيعة؟ قال: نعم، كلكم، قالوا: أخبرنا بعلامة ذلك, قال: أخبركم بأسمائكم وأسماء آبائكم وقبائلكم, قالوا: أخبرنا, فأخبرهم، قالوا: صدقت، قال: وأخبركم عما أردتم أن تسألوا عنه, هي قوله تعالى: {كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء}[3] قالوا: صدقت، قال: نحن الشجرة التي قال الله تعالى: {أصلها ثابت وفرعها في السماء} نحن نعطي شيعتنا ما نشاء من علمنا، ثم قال: يقنعكم؟ قالوا: ما دون هذا مقنع.[4]

 

* الشيخ المفيد في الإختصاص, حدثني علي بن إبراهيم الجعفري قال: حدثنا الحسين بن أحمد بن مسلمة اللؤلؤي، عن محمد بن المثنى، عن أبيه، عن عثمان بن يزيد، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر عليه السلام قال: دخلت عليه فشكوت إليه الحاجة، فقال: يا جابر ما عندنا درهم، قال: فلم ألبث أن دخل عليه الكميت فقال له: جُعلت فداك أرأيت أن تأذن لي في أن أنشدك قصيدة؟ فقال: أنشد، فأنشده قصيدة، فقال: يا غلام أخرج من ذلك البيت بدرة فادفعها إلى الكميت، فقال له: جُعلت فداك أرأيت أن تأذن لي أن أنشدك أخرى؟ فقال: أنشد، فأنشده أخرى، فقال: يا غلام أخرج من ذلك البيت بدرة فادفعها إلى الكميت، فأخرج الغلام بدرة فدفعها إليه، فقال: جُعلت فداك أرأيت أن تأذن لي أن أنشدك ثالثة؟ فقال له: أنشد، فأنشده، فقال: يا غلام أخرج من ذلك البيت بدرة فادفعها إلى الكميت، فقال له الكميت: والله ما امتدحتكم لغرض دنيا أطلبه منكم وما أردت بذلك إلا صلة رسول الله صلى الله عليه وآله وما أوجبه الله لكم علي من الحق، قال: فدعا له أبو جعفر عليه السلام، ثم قال: يا غلام ردها مكانها، قال جابر: فوجدت في نفسي وقلت: قال لي ليس عندي درهم وأمر للكميت بثلاثين ألف درهم؟! فقال: يا جابر قم فادخل ذلك البيت، قال فقمت ودخلت البيت فلم أجد فيه شيئاً فخرجت إليه، فقال لي: يا جابر ما سترنا عنكم أكثر مما أظهرنا لكم، ثم أخذ بيدي فأدخلني البيت فضرب برجله فإذا شبيه بعنق البعير قد خرج من ذهب، فقال: يا جابر انظر إلى هذا ولا تخبر به أحداً إلا ممن تثق به من إخوانك، إن الله قد أقدرنا على ما نريد فلو شئنا أن نسوق الأرض بأزمتها لسقناها.[5]

 

* محمد بن جرير الطبري في دلائل الامامة, حدثنا أحمد بن منصور الرمادي قال: حدثنا شاذان بن عمر قال: حدثنا مرة بن قبيصة بن عبد الحميد قال: قال لي: جابر بن يزيد الجعفي: رأيت مولاي الباقر عليه السلام وقد صنع فيلاً من طين فركبه وطار في الهواء حتى ذهب إلى مكة عليه ورجع، فلم أصدق ذلك منه, حتى رأيت الباقر عليه السلام فقلت له: أخبرني جابر عنك بكذا وكذا، فصنع مثله وركب وحملني معه إلى مكة وردني.[6]

 

* قطب الدين الراوندي في الخرائج والجرائح, روي عن أبي بصير قال: دخلت المسجد مع أبي جعفر عليه السلام والناس يدخلون ويخرجون, فقال لي: سل الناس هل يرونني؟ فكل من لقيته قلت له: أرأيت أبا جعفر؟ فيقول: لا, وهو واقف حتى دخل أبو هارون المكفوف, فقال: سل هذا، فقلت: هل رأيت أبا جعفر؟ فقال: أليس هو واقفاً؟ قلت: وما علمك؟! قال: وكيف لا أعلم وهو نور ساطع!

قال[7]: وسمعته يقول لرجل من أهل إفريقيا: ما حال راشد؟ قال: خلفته حياً صالحاً يقرؤك السلام، قال عليه السلام: رحمه الله، قال: مات؟! قال: نعم، قال: ومتى؟ قال: بعد خروجك بيومين، قال: والله ما مرض, ولا كان به علّة! قال: وإنما يموت من يموت من مرض أو علة، قلت: من الرجل؟ قال: رجل كان لنا موالياً ولنا محباً، ثم قال: لئن ترون أنه ليس لنا معكم أعين ناظرة أو أسماع سامعة, لبئس ما رأيتم والله لا يخفى علينا شيء من أعمالكم, فاحضرونا جميلاً وعوّدوا أنفسكم الخير, وكونوا من أهله تُعرفون به, فإني بهذا آمر ولدي وشيعتي.[8]

* الشيخ الكليني في الكافي, حمد بن يحيى, عن أحمد بن محمد بن عيسى, عن محمد بن سنان, عن إسحاق بن عمار قال: حدثني رجل من أصحابنا, عن الحكم بن عتيبة قال: بينما أنا مع أبي جعفر عليه السلام والبيت غاص بأهله إذ أقبل شيخ يتوكأ على عنزة[9] له حتى وقف على باب البيت فقال: السلام عليك با ابن رسول الله ورحمة الله وبركاته, ثم سكت, فقال أبو جعفر عليه السلام: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ثم أقبل الشيخ بوجهه على أهل البيت وقال: السلام عليكم, ثم سكت حتى أجابه القوم جميعاً وردوا عليه السلام, ثم أقبل بوجهه على أبي جعفر عليه السلام ثم قال: يا ابن رسول الله أدنني منك جعلني الله فداك فوالله إني لأحبكم وأحب من يحبكم, ووالله ما أحبكم وأحب من يحبكم لطمع في دنيا, والله إني لأبغض عدوكم وأبرأ منه, ووالله ما أبغضه وأبرأ منه لوتر[10] كان بيني وبينه والله إني لأحل حلالكم وأحرم حرامكم وأنتظر أمركم فهل ترجو لي جعلني الله فداك؟ فقال أبو جعفر عليه السلام: إليَّ إليَّ ! حتى أقعده إلى جنبه ثم قال: أيها الشيخ إن أبي علي بن الحسين عليه السلام أتاه رجل فسأله عن مثل الذي سألتني عنه فقال له أبي عليه السلام: إن تمت ترد على رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ويثلج قلبك ويبرد فؤادك وتقر عينك وتستقبل بالروح والريحان مع الكرام الكاتبين ولو قد بلغت نفسك ههنا, وأهوى بيده إلى حلقه, وإن تعش ترى ما يقر الله به عينك وتكون معنا في السنام الاعلى.

ف‍قال الشيخ: كيف قلت: يا أبا جعفر؟ فأعاد عليه الكلام, فقال الشيخ: الله أكبر يا أبا جعفر إن أنا مت أرد على رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين عليهم السلام وتقر عيني ويثلج قلبي ويبرد فؤادي وأستقبل بالروح والريحان مع الكرام الكاتبين لو قد بلغت نفسي إلى ههنا وإن أعش أرى ما يقر الله به عيني فأكون معكم في السنام الاعلى!! ثم أقبل الشيخ ينتحب ينشج[11] ها! ها! ها! حتى لصق بالأرض وأقبل أهل البيت ينتحبون وينشجون لما يرون من حال الشيخ وأقبل أبو جعفر عليه السلام يمسح بإصبعه الدموع من حماليق عينيه وينفضها، ثم رفع الشيخ رأسه فقال لأبي جعفر عليه السلام: يا ابن رسول الله ناولني يدك جعلني الله فداك فناوله يده فقبلها ووضعها على عينيه وخده, ثم حسر[12] عن بطنه وصدره فوضع يده على بطنه وصدره, ثم قام فقال: السلام عليكم وأقبل أبو جعفر عليه السلام ينظر في قفاه وهو مدبر ثم أقبل بوجهه على القوم فقال: من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا، فقال: الحكم بن عتيبة لم أر مأتماً قط يشبه ذلك المجلس.[13]

* الشيخ الكليني في الكافي, محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن علي، عن عاصم بن حميد، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كنت عنده يوماً إذ وقع زوج ورشان على الحائط وهدلا هديلهما فرد أبو جعفر عليه السلام عليهما كلامهما ساعة، ثم نهضا، فلما طارا على الحائط هدل الذكر على الأنثى ساعة، ثم نهضا فقلت: جعلت فداك ما هذا الطير؟! قال: يا ابن مسلم كل شيء خلقه الله من طير أو بهيمة أو شيء فيه روح فهو أسمع لنا وأطوع من ابن آدم, إن هذا الورشان ظنَّ بامرأته فحلَفَتْ له ما فعَلَتْ فقالت: ترضى بمحمد بن علي؟ فرضيا بي فأخبرته أنه لها ظالم فصدقها.[14]

 

* محمد بن جرير الطبري في دلائل الامامة,حدثنا أبو محمد سفيان، عن أبيه، عن الاعمش، قال: قال قيس بن الربيع: كنت ضيفاً لمحمد بن علي عليه السلام وليس في منزله غير لبنة[15]، فلما حضر العشاء قام فصلى وصليت معه، ثم ضرب بيده إلى اللبنة فأخرج منها قنديلاً مشعلاً ومائدة مستو عليها كل حار وبارد، فقال لي: كل، فهذا ما أعده الله لاوليائه, فأكل وأكلت، ثم رُفعت المائدة في اللبنة، فخالطني الشك، حتى إذا خرج لحاجته قلبت اللبنة فإذا هي لبنة صغيرة، فدخل, وعَلِم ما في قلبي، فأخرج من اللبنة أقداحاً وكيزاناً[16] وجرة فيها ماء، فشرب وسقاني، ثم أعاد ذلك إلى موضعه، وقال: مَثَلك معي مثل اليهود مع المسيح عليه السلام حين لم يثقوا به, ثم أمر اللبنة أن تنطق فتكلمت.[17]

 

* محمد بن جرير الطبري في دلائل الامامة,حدثنا سفيان، عن وكيع، عن الاعمش قال: حدثنا منصور قال: كنت أريد أن أركب البحر فسألت الباقر عليه السلام، فأعطاني خاتماً، فكنت أطرحه في الزورق إذا شئت فيقف، وإذا شئت أطلقه، وإني جئت الدور[18]، فسقط لاخ لي كيس في دجلة، فألقيت ذلك الخاتم فخرج وأخرج الكيس باذن الله تعالى.[19]

 

* قطب الدين الراوندي في الخرائج والجرائح,روى جابر الجعفي قال: خرجت مع أبي جعفر عليه السلام إلى الحج وأنا زميله، إذا أقبل ورشان[20] فوقع على عضادتي محمله فترنم[21]، فذهبت لآخذه فصاح بي: مه يا جابر! فإنه استجار بنا أهل البيت, قلت: وما الذي شكا إليك؟ فقال: شكا إلي أنه يفرخ في هذا الجبل منذ ثلاث سنين، وأن حية تأتيه فتأكل فراخه، فسألني أن أدعو الله عليها ليقتلها ففعلت، وقد قتلها الله، ثم سرنا حتى إذا كان وقت السحر قال لي: إنزل يا جابر, فنزلت فأخذت بخطام الجمل، ونزل فتنحى يمنة عن الطريق، ثم عمد إلى روضة[22] من الارض ذات رمل فأقبل فكشف الرمل يمنة ويسرة وهو يقول: اللهم اسقنا وطهرنا, إذا بدا حجر مرتفع أبيض بين الرمل فاقتلعه، فنبع له عين ماء أبيض صاف، فتوضأ وشربنا منه, ثم ارتحلنا فأصبحنا دون قرية ونخل، فعمد أبو جعفر إلى نخلة يابسة فيها، فدنا منها وقال: أيتها النخلة أطعمينا مما خلق الله فيك, فلقد رأيت النخلة تنحني حتى جعلنا نتناول من ثمرها ونأكل، وإذا أعرابي يقول: ما رأيت ساحراً كاليوم، فقال أبو جعفر: يا أعرابي لا تكذبن علينا أهل البيت، فإنه ليس منا ساحر ولا كاهن، ولكنا علمنا أسماء من أسماء الله تعالى نسأل بها فنعطي، وندعو فنجاب.[23]

 

* الشيخ الكليني في الكافي, محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن سدير الصيرفي قال: أوصاني أبو جعفر عليه السلام بحوائج له بالمدينة فخرجت، فبينا أنا بين فج الروحاء[24] على راحلتي إذا إنسان يلوي ثوبه[25] قال: فملت إليه وظننت أنه عطشان فناولته الاداوة[26] فقال لي: لا حاجة لي بها وناولني كتاب طينه رطب، قال: فلما نظرت إلى الخاتم إذا خاتم أبي جعفر عليه السلام! فقلت: متى عهدك بصاحب الكتاب قال: الساعة وإذا في الكتاب أشياء يأمرني بها، ثم التفت فإذا ليس عندي أحد، قال: ثم قدم أبو جعفر عليه السلام فلقيته، فقلت: جُعلت فداك رجل أتاني بكتابك وطينه رطب فقال: يا سدير إن لنا خدماً من الجن فإذا أردنا السرعة بعثناهم[27].[28]

* العلامة المجلسي في البحار, محمد بن الحسين، عن موسى بن سعدان، عن عبد الله ابن القاسم، عن هشام الجواليقي، عن محمد بن مسلم قال: كنت مع أبي جعفر عليه السلام بين مكة والمدينة وأنا أسير على حمار لي وهو على بغلته إذ أقبل ذئب من رأس الجبل حتى انتهى إلى أبي جعفر، فحبس عليه السلام البغلة ودنا الذئب حتى وضع يده على قربوس السرج ومد عنقه إلى أذنه، وأدنى أبو جعفر أذنه منه ساعة، ثم قال: امض، فقد فعلت، فرجع مهرولاً، قال: قلت: جعلت فداك لقد رأيت عجباً!! قال: وتدري ما قلت؟ قال قلت: الله ورسوله وابن رسوله أعلم قال: انه قال لي: يا ابن رسول الله إن زوجتي في ذاك الجبل وقد تعسر عليها ولادتها فادع الله أن يخلصها ولا يسلط أحداً من نسلي على أحد من شيعتكم، قلت: فقد فعلت.[29]

 

* الشيخ الكليني في الكافي, محمد بن يحيى, عن محمد بن أحمد, عن عبد الله بن أحمد, عن صالح بن مزيد, عن عبد الله بن المغيرة, عن أبي الصباح, عن أبي جعفر عليه السلام قال: كانت أمي قاعدة عند جدار فتصدع الجدار وسمعنا هدة شديدة, فقالت بيدها: لا وحق المصطفى ما أذن الله لك في السقوط, فبقي معلقاً في الجو حتى جازته فتصدق أبي عنها بمائة دينار, قال أبو الصباح: وذكر أبو عبد الله عليه السلام جدته أم أبيه يوماً فقال: كانت صديقة, لم تُدرك في آل الحسن امرأة مثلها.[30]

 

* قطب الدين الراوندي في الخرائج والجرائح, عن عباد بن كثير البصري قال: قلت للباقر عليه السلام: ما حق المؤمن على الله؟ فصرف وجهه، فسألته عنه ثلاثاً فقال: من حق المؤمن على الله أن لو قال لتلك النخلة: أقبلي لأقبلت، قال عباد: فنظرت والله إلى النخلة التي كانت هناك قد تحركت مقبلة!! فأشار إليها: قري فلم أعنك.[31]

 

* محمد بن جرير الطبري في دلائل الإمامة, روى الحسن بن معاذ الرضوي قال: حدثنا لوط بن يحيى الازدي، عن عمارة بن زيد الواقدي، قال: حج هشام بن عبد الملك بن مروان سنة من السنين، وكان قد حج في تلك السنة محمد بن علي الباقر وابنه جعفر عليهم السلام، فقال جعفر في بعض كلامه: الحمد لله الذي بعث محمداً بالحق نبياً، وأكرمنا به، فنحن صفوة الله على خلقه، وخيرته من عباده، فالسعيد من اتبعنا، والشقي من عادانا وخالفنا، ومن الناس من يقول إنه يتولانا وهو يوالي أعداءنا ومن يليهم من جلسائهم وأصحابهم، فهو لم يسمع كلام ربنا ولم يعمل به.

قال أبو عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام فأخبر مسيلمة أخاه بما سمع، فلم يعرض لنا حتى انصرف إلى دمشق، وانصرفنا إلى المدينة، فأنفذ بريداً إلى عامل المدينة بإشخاص أبي وإشخاصي معه، فأشخصنا، فلما وردنا دمشق حجبنا ثلاثة أيام، ثم أذن لنا في اليوم الرابع، فدخلنا وإذا هو قد قعد على سرير الملك، وجنده وخاصته وقوف على أرجلهم سماطين[32] متسلحين، وقد نصب البُرجاس[33] حذاءَه، وأشياخ قومه يرمون، فلما دخل أبي وأنا خلفه ما زال يستدنينا منه حتى حاذيناه وجلسنا قليلاً، فقال لأبي: يا أبا جعفر، لو رميت مع أشياخ قومك الغرض، وإنما أراد أن يهتك بأبي ظناً منه أنه يقصر ويخطئ ولا يصيب إذا رمى، فيشتفي منه بذلك، فقال له: إني قد كبرت عن الرمي، فإن رأيت أن تعفيني, فقال: وحق من أعزنا بدينه ونبيه محمد صلى الله عليه وآله لا أعفيك, ثم أومأ إلى شيخ من بني أمية أن أعطه قوسك, فتناول أبي عند ذلك قوس الشيخ، ثم تناول منه سهماً فوضعه في كبد القوس ثم انتزع ورمى وسط الغرض فنصبه فيه، ثم رمى فيه الثانية فشق فوق سهمه إلى نصله، ثم تابع الرمي حتى شق تسعة أسهم بعضها في جوف بعض، وهشام يضطرب في مجلسه!! فلم يتمالك أن قال: أجدت يا أبا جعفر، وأنت أرمى العرب والعجم, [...] الخبر.[34]

 

* الشيخ الطوسي في الأمالي, إبراهيم الاحمري قال: حدثني محمد بن سليمان، عن أبيه قال: كان رجل من أهل الشام يختلف إلى أبي جعفر عليه السلام, وكان مركزه بالمدينة يختلف إلى مجلس أبي جعفر عليه السلام يقول له: يا محمد، ألا ترى أني إنما أغشى مجلسك حياء مني لك، ولا أقول إن في الارض أحداً أبغض إلي منكم أهل البيت، واعلم أن طاعة الله وطاعة رسوله وطاعة أمير المؤمنين في بغضكم، ولكن أراك رجلاً فصيحاً لك أدب وحسن لفظ وإنما الاختلاف إليك لحسن أدبك، وكان أبو جعفر عليه السلام يقول له خيراً, ويقول: لن تخفى على الله خافية، فلم يلبث الشامي إلا قليلاً حتى مرض واشتد وجعه، فلما ثقل دعا وليه وقال له: إذا أنت مددت علي الثوب في النعش، فأت محمد بن علي وأعلمه أني أنا الذي أمرتك بذلك، قال: فلما أن كان في نصف الليل ظنوا أنه قد برد وسجوه، فلما أن أصبح الناس خرج وليه إلى المسجد، فلما أن صلى محمد بن علي عليه السلام وتورك وكان إذا صلى عقب في مجلسه قال له: يا أبا جعفر، إن فلاناً الشامي قد هلك، وهو يسألك أن تصلي عليه, فقال أبو جعفر: كلا، إن بلاد الشام بلاد صر[35] وبلاد الحجاز بلاد حر ولحمها شديد، فانطلق فلا تعجلن على صاحبك حتى آتيكم، ثم قام من مجلسه، فأخذ وضوءاً، ثم عاد فصلى ركعتين، ثم مد يده تلقاء وجهه ما شاء الله ثم خر ساجداً حتى طلعت الشمس ثم نهض فانتهى إلى منزل الشامي، فدخل عليه، فدعاه فأجابه، ثم أجلسه فسنده، ودعا له بسويق فسقاه، فقال لأهله: املأوا جوفه، وبردوا صدره بالطعام البارد, ثم انصرف، فلم يلبث إلا قليلاً حتى عوفي الشامي، فأتى أبا جعفر عليه السلام فقال: أخلني، فأخلاه، فقال: أشهد أنك حجة الله على خلقه، وبابه الذي يؤتى منه، فمن أتى من غيرك خاب وخسر وضل ضلالاً بعيداً، قال له أبو جعفر عليه السلام: وما بدا لك؟ قال: أشهد أني عهدت بروحي وعاينت بعيني، فلم يتفاجأني إلا ومناد ينادي، أسمعه بأذني ينادي وما أنا بالنائم: ردوا عليه روحه، فقد سألنا ذلك محمد بن علي عليه السلام, فقال له أبو جعفر عليه السلام: أما علمت أن الله يحب العبد ويبغض عمله ويبغض العبد ويحب عمله؟ قال: فصار بعد ذلك من أصحاب أبي جعفر عليه السلام.[36]

 

* ابن شعبة الحراني في تحف العقول, حضر أبو جعفر عليه السلام ذات يوم جماعة من الشيعة فوعظهم وحذرهم وهم ساهون لاهون, فأغاظه ذلك, فأطرق ملياً, ثم رفع رأسه إليهم فقال: إن كلامي لو وقع طرف منه في قلب أحدكم لصار ميتاً، ألا يا أشباحاً بلا أرواح, وذباباً بلا مصباح, كأنكم خشب مسندة وأصنام مريدة، ألا تأخذون الذهب من الحجر, ألا تقتبسون الضياء من النور الأزهر, ألا تأخذون اللؤلؤ من البحر، خذوا الكلمة الطيبة ممن قالها وإن لم يعمل بها, فإن الله يقول: {الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله} ويحك يا مغرور ألا تحمد من تعطيه فانياً ويعطيك باقياً, درهم يفنى بعشرة تبقى إلى سبعمائة ضعف مضاعفة من جواد كريم, آتاك الله عند مكافأة هو مطعمك وساقيك وكاسيك ومعافيك وكافيك وساترك ممن يراعيك.

من حفظك في ليلك ونهارك وأجابك عند اضطرارك وعزم لك على الرشد في اختبارك، كأنك قد نسيت ليالي أوجاعك وخوفك دعوته فاستجاب لك, فاستوجب بجميل صنيعه الشكر, فنسيته فيمن ذكر, وخالفته فيما أمر, ويلك إنما أنت لص من لصوص الذنوب, كلما عرضت لك شهوة أو ارتكاب ذنب سارعت إليه وأقدمت بجهلك عليه, فارتكبته كأنك لست بعين الله, أو كأن الله ليس لك بالمرصاد.

يا طالب الجنة ما أطول نومك وأكل مطيتك وأوهى همتك فلله أنت من طالب ومطلوب, ويا هارباً من النار ما أحث مطيتك إليها وما أكسبك لما يوقعك فيها، انظروا إلى هذه القبور سطوراً بأفناء الدور, تدانوا في خططهم[37] وقربوا في مزارهم وبعدوا في لقائهم، عمروا فخربوا, وآنسوا فأوحشوا، وسكنوا فأزعجوا، وقطنوا فرحلوا، فمن سمع بدان بعيد, وشاحط[38] قريب, وعامر مخروب, وآنس موحش, وساكن مزعج, وقاطن مرحل, غير أهل القبور؟، يا ابن الايام الثلاث: يومك الذي ولدت فيه, ويومك الذي تنزل فيه قبرك, ويومك الذي تخرج فيه إلى ربك, فياله من يوم عظيم يا ذوي الهيئة المعجبة والهيم[39] المعطنة[40], مالي أرى أجسامكم عامرة وقلوبكم دامرة أما والله لو عاينتم ما أنتم ملاقوه وما أنتم إليه صائرون لقلتم: {يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين}[41] قال جل من قائل: {بل بدا لهم ما كانوا يخفون ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون}[42].[43]

 


المصادر تحقيق مركز سيد الشهداء عليه السلام للبحوث الاسلامية

[1] سورة الممتحنة, الآية 13.

[2] التوحيد ص92، بحار الأنوار ج3 ص225، نور البراهين ج1 ص239، تفسير مجمع البيان ج10 ص489، التفسير الصافي ج5 ص393، الأنوار البهية ص134، تفسير نور الثقلين ج5 ص713. 

[3] سورة ابراهيم, الآية 24.

[4] الخرائج والجرائح ج2 ص596, عنه البحار ج46 ص244, مدينة المعاجز ج5 ص171, مناقب آشوب ج3 ص325 مختصراً, الصراط المستقيم ج2 ص184 مختصراً, تفسير الثقلين ج2 ص535 مختصراً.

[5] الإختصاص ص271, بصائر الدرجات ص395, عنهما البحار ج46 ص239, دلائل الإمامة ص224, مدينة المعاجز ج5 ص30, مستدرك الوسائل ج10 ص397.

[6] دلائل الإمامة ص120, نوادر المعجزات ص135, مدينة المعاجز ج5 ص10.

[7] من هنا رووه في دلائل الإمامة والثاقب في المناقب ومناقب آشوب. 

[8] الخرائج والجرائح ج2 ص595، عنه البحار ج46 ص243، مدينة المعاجز ج5 ص173، دلائل الإمامة ص227، الثاقب في المناقب ص383، مناقب آشوب ج3 ص320 باختصار, الصراط المستقيم ج2 ص183 باختصار شديد. 

[9] عنزة: عصا في رأسها حديد.

[10] الوتر: أي حقد وعداوة أو جناية.

[11] ينشج: أي ينتحب بصوت معه توجع وبكاء.

[12] حسر: أي كشف.

[13] الكافي ج8 ص76، عنه البحار ج46 ص361، الحدائق الناضرة ج9 ص66.

[14] الكافي ج1 ص470، بصائر الدرجات ص362، عنه البحار ج46 ص238، مناقب آشوب ج3 ص324، الهداية الكبرى ص 241, عنه مدينة المعاجز ج5 ص17/ ج5 ص198، التفسير الصافي ج4 ص61، تفسير نور الثقلين ج4 ص76.

[15] اللبنة: التي يبنى بها, المضروب من الطين مربعاً.

[16] الكيزان: جمع كوز, إناء يحفظ فيه الماء.

[17] دلائل الإمامة ص218, نوادر المعجزات ص133, مدينة المعاجز ج5 ص7.

[18] الدور: إسم أرض بالعراق.

[19] دلائل الإمامة ص221, مدينة المعاجز ج5 ص11.

[20] الورشان: نوع من الحمام البري.

[21] يقال ترنم الحمام: إذا طرب بصوته وتغنى.

[22] الروضة: الأرض ذات الخضرة.

[23] الخرائج والجرائح ج2 ص604, عنه البحار ج46 ص248, الثاقب في المناقب ص390, مدينة المعاجز ج5 ص169.

[24] فج الروحاء: موضع بالحرمين على ثلاثين ميل من المدينة.

[25] يلوي ثوبه: أي يشير به.

[26] الادواة: الإناء الذي يُسقى منه.

[27] وفي رواية أخرى قال: إن لنا أتباعاً من الجن، كما أن لنا أتباعاً من الانس فإذا أردنا أمراً بعثناهم.

[28] الكافي ج1 ص395, بصائر الدرجات ص115, عنه البحار ج27 ص17/ ج46 ص283/ ج60 ص102, عيون المعجزات ص74, الخرائج والجرائح ج2 ص853, دلائل الإمامة ص226, مناقب آشوب ج3 ص323, الثاقب في المناقب ص180, مدينة المعاجز ج5 ص34, خاتمة المستدرك ج4 ص318, تفسير الثقلين ج5 ص432.

[29] البحار ج46 ص239, عن الإختصاص ص300, وأيضاً عن بصائر الدرجات ص371, عنهما دلائل الإمامة ص223, عنه البحار ج62 ص71, مناقب آشوب ج3 ص322, كشف الغمة ج2 ص71, مدينة المعاجز ج5 ص15.

[30] الكافي ج1 ص469، عنه البحار ج46 ص366، مناقب آشوب ج3 ص323، الهداية الكبرى ص241، دلائل الإمامة ص218، الأنوار البهية ص133، الدعوات ص68، عنه البحار ج46 ص215، عيون المعجزات ص66.

[31] الخرائج والجرائح ج1 ص272, عنه البحار ج46 ص248, كشف الغمة ج2 ص354, مدينة المعاجز ج5 ص179.

[32] سماطين: أي جماعة من الناس على جانبيه.

[33] البرجاس بالضم: غرض في الهواء يوضع على رأس الرمح.

[34] دلائل الإمامة ص233, عنه البحار ج69 ص181, نوادر المعجزات ص127, الأمان من الأسفار ص66, عنه البحار ج46 ص306, مدينة المعاجز ج5 ص66, مستدرك الوسائل ج14 ص78.

[35] وفي البحار: بلاد صرد, والمعنى أنها شديدة البرودة.

[36] الأمالي للطوسي ص410, عنه البحار ج46 ص233, مناقب آشوب ج3 ص320, مدينة المعاجز ج5 ص105, الثاقب في المناقب ص369 باختلاف.

[37] الخطط: ما يخيطه الإنسان من الأرض ليعلم أنه قد أحتازها ليبنيها داراً.

[38] الشاحط: البعيد.

[39] الهيم: الأبل العطاش.

[40] أعطنت الإيل: حبسها عند الماء فبركت بعد الورود.

[41] سورة الأنعام, الآية 27.

[42] سورة الأنعام, الآية 28.

[43] تحف العقول ص291، عنه البحار ج75 ص170.