معجزاته وكراماته

شُعاعٌ من نور شمس اليقين وتاج العارِفين

هادي الأنبياء والمرسلين حضرة الإمام الهمَّام عليّ بن محمّد عليه السَّلام

 

  

 

 

 

* ابن حمزة الطوسي في الثاقب في المناقب, حديث المخالي المشهور، وذلك أن الخليفة أمر العسكر وهم تسعون ألف فارس من الأتراك الساكنين بسر من رأى أن يملأ كل واحد منهم مخلاة فرسه من الطين الاحمر، ويجعلوا بعضه على بعض في وسط برية واسعة هناك، ففعلوا فلما صار مثل جبل عظيم صعد فوقه واستدعى أبا الحسن عليه السلام واستصعده وقال استحضرك للنظارة، وقد كان أمرهم أن يلبسوا التجافيف[1] ويحملوا الاسلحة، وقد عرضوا بأحسن زينة، وأتم عدة، وأعظم هيبة، وكان غرضه أن يكسر كل من يخرج عليه، وكان خوفه من أبي الحسن عليه السلام أن يأمر أحداً من أهل بيته أن يخرج على الخليفة, فقال له أبو الحسن عليه السلام: وهل أعرض عليك عسكري؟ فقال: نعم، فدعا الله سبحانه، فإذا بين السماء والارض من المشرق إلى المغرب ملائكة مدججون!! فغشي على المتوكل، فلما أفاق قال له أبو الحسن عليه السلام: نحن لا ننافسكم في الدنيا، نحن مشتغلون بأمر الآخرة، ولا عليك مما تظن.[2]

 

* الشيخ الكليني في الكافي, الحسين بن محمد, عن معلى بن محمد, عن أحمد بن محمد بن عبد الله, عن محمد بن يحيى, عن صالح بن سعيد قال: دخلت على أبي الحسن عليه السلام فقلت له: جعلت فداك في كل الأمور أرادوا إطفاء نورك والتقصير بك, حتى أنزلوك هذا الخان الأشنع, خان الصعاليك!

فقال: ههنا أنت يا ابن سعيد؟ ثم أومأ بيده وقال: أنظر, فنظرت, فإذا أنا بروضات آنقات وروضات باسرات, فيهن خيرات عطرات وولدان كأنهن اللؤلؤ المكنون وأطيار وظباء وأنهار تفور, فحار بصري وحسرت عيني!!

فقال: حيث كنا فهذا لنا عتيد, لسنا في خان الصعاليك.[3]

 

* محمد بن جرير الطبري في دلائل الإمامة,حدثنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا عمارة بن زيد, قال: قلت لأبي الحسن علي عليه السلام أتقدر أن تصعد إلى السماء حتى تأتي بشيء ليس في الارض لنعلم ذلك؟ فارتفع في الهواء وأنا أنظر إليه حتى غاب, ثم رجع ومعه طير من ذهب في أذنيه أشنقة[4] من ذهب, وفي منقاره درة, وهو يقول: لا إله إلا الله, محمد رسول الله, علي ولي الله, فقال: هذا طير من طيور الجنة، ثم سيبه فرجع.[5]

* السيد هاشم البحراني في مدينة المعاجز, السيد المرتضى في عيون المعجزات قال: حدثني أبو التحف المصري يرفع الحديث رجاله إلى محمد بن سنان الزاهري رفع الله درجته قال: كان أبو الحسن علي بن محمد عليه السلام حاجاً, ولما كان في إنصرافه إلى المدينة وجد رجلاً خراسانياً واقفاً على حمار له ميت يبكي ويقول: على ماذا أحمل رحلي؟! فاجتاز عليه السلام به فقيل له: هذا الرجل الخراساني ممن يتولاكم أهل البيت, فدنا عليه السلام من الحمار الميت فقال: لم تكن بقرة بني إسرائيل بأكرم على الله تعالى مني, وقد ضربوا ببعضها الميت فعاش, ثم وكزه برجله اليمنى وقال: قم بإذن الله, فتحرك الحمار ثم قام, فوضع الخراساني رحله عليه, وأتى به إلى المدينة, وكلما مر صلوات الله عليه أشاروا إليه باصبعهم وقالوا: هذا الذي أحيا حمار الخراساني.[6]

 

* قطب الدين الراوندي في الخرائج والجرائح, روى يحيى بن زكريا الخزاعي قال: حدثني أبو هاشم الجعفري قال: خرجت مع أبي الحسن عليه السلام إلى ظاهر سر من رأى نتلقى بعض القادمين, فأبطأوا, فطُرح لأبي الحسن عليه السلام غاشية السرج, فجلس عليها, ونزلت عن دابتي وجلست بين يديه, وهو يحدثني, فشكوت إليه قصور يدي وضيق حالي، فأهوى بيده إلى رمل فناولني منه أكفاً وقال: اتسع بها يا أبا هاشم, واكتم ما رأيت، فخبأته معي ورجعنا, فأبصرته, فإذا هو يتقد كالنيران ذهباً أحمر، فدعوت صائغاً إلى منزلي, وقلت له: اسبك لي هذا، فسبكه وقال: ما رأيت ذهباً أجود منه وهو كهيئة الرمل, فمن أين لك هذا؟ قلت: هذا شيء عندنا قديماً.[7]

 

* الحسين بن حمدان الخصيبي في الهداية الكبرى, عن أبي الجواري, عن عبد الله بن محمد قال: حدثني محمد بن أحمد الخصيبي وهو غير أحمد بن الخصيب قال ورد على المتوكل رجل من الهند شعبذي يلعب الخفة فلعب بين يدي المتوكل بأشياء ظريفة فكثر تعجبه منها فقال للهندي يحضر عندنا الساعة رجل والعب بين يديه فكلما تُحسن اقصده وخجِّله, فحضر سيدنا أبو الحسن عليه السلام فلعب الهندي وهو ينظر إليه والمتوكل يعجب من لعبه حتى تعرض الهندي لسيدنا وقال مالك أيها الشريف لا تهش للعبي أظنك جائعاً؟! وصاح وضرب على صدره بالسبابة وقال ارتفع! وأراهم أنه رغيف خبز وقال: امض الى هذا الجائع يأكلك ويشبع ويفرح بلعبي.

فوضع سيدنا أبو الحسن اصبعه على صورة سبع في البساط وقال: خذه! فوثب من الصورة سبع عظيم وابتلع الهندي ورجع إلى صورته في البساط فسقط المتوكل لوجهه وهرب كل من كان قائماً وقد أثاب[8] عقله وقال: يا أبا الحسن رد الرجل! فقال له أبو الحسن عليه السلام إن رُدت عصا موسى أرده, ونهض.[9]

 

* قطب الدين الراوندي في الخرائج والجرائح, روى جعفر بن محمد بن مالك الفزاري, عن أبي هاشم قال: دخلت على أبي الحسن عليه السلام فكلمني بالهندية, فلم أُحسن أن أرد عليه, وكان بين يديه ركوة ملئ حصى, فتناول حصاة واحدة, ووضعها في فيه ومصها ملياً, ثم رمى بها إليَّ فوضعتها في فمي فوالله ما برحت مكاني حتى تكلمت بثلاث وسبعين لساناً, أولها الهندية.[10]

 

* ابن حمزة الطوسي في الثاقب في المناقب, عن محمد بن حمدان، عن إبراهيم بن بلطون، عن أبيه قال: كنت أحجب المتوكل، فأهدي له خمسون غلاماً من الخزر فأمرني أن أتسلمهم وأحسن إليهم، فلما تمت سنة كاملة كنت واقفاً بين يديه إذ دخل عليه أبو الحسن علي بن محمد النقي عليه السلام فلما أخذ مجلسه أمرني أن أخرج الغلمان من بيوتهم، فأخرجتهم، فلما بصروا بأبي الحسن عليه السلام سجدوا له بأجمعهم! فلم يتمالك المتوكل أن قام يجر رجليه حتى توارى خلف الستر، ثم نهض أبو الحسن عليه السلام, فلما علم المتوكل بذلك خرج إلي وقال: ويلك يا بلطون! ما هذا الذي فعل هؤلاء الغلمان؟! فقلت: لا والله، ما أدري! قال: سلهم, فسألتهم عما فعلوا؟ فقالوا: هذا رجل يأتينا كل سنة فيعرض علينا الدين، ويقيم عندنا عشرة أيام، وهو وصي نبي المسلمين, فأمرني بذبحهم، فذبحتهم عن آخرهم, فلما كان وقت العتمة صرت إلى أبي الحسن عليه السلام، فإذا خادم على الباب فنظر إلي فلما بصر بي قال: ادخل, فدخلت، فإذا هو عليه السلام جالس فقال: يا بلطون ما صنع القوم؟ فقلت: يا ابن رسول الله ذُبحوا والله عن آخرهم، فقال لي: كلهم؟ فقلت: إي والله! فقال عليه السلام: أتحب أن تراهم؟ قلت: نعم يا ابن رسول الله, فأومأ بيده أن ادخل الستر، فدخلت فإذا أنا بالقوم قعود وبين أيديهم فاكهة يأكلون.[11]

 

* قطب الدين الراوندي في الخرائج والجرائح,حدث جماعة من أهل إصفهان, منهم أبو العباس أحمد بن النصر وأبو جعفر محمد بن علوية قالوا: كان بأصفهان رجل يقال له: عبد الرحمان وكان شيعياً قيل له: ما السبب الذي أوجب عليك به القول بإمامة علي النقي دون غيره من أهل الزمان؟ قال: شاهدت ما أوجب ذلك عليَّ وذلك أني كنت رجلاً فقيراً وكان لي لسان وجرأة, فأخرجني أهل إصفهان سنة من السنين مع قوم آخرين إلى باب المتوكل متظلمين, فكنا بباب المتوكل يوماً إذ خرج الأمر بإحضار علي بن محمد بن الرضا عليهم السلام فقلت لبعض من حضر: من هذا الرجل الذي قد أمر بأحضاره؟ فقيل: هذا رجل علوي تقول الرافضة بإمامته, ثم قيل: ويقدر أن المتوكل يحضره للقتل، فقلت: لا أبرح من ههنا حتى أنظر إلى هذا الرجل أي رجل هو؟

قال: فأقبل راكباً على فرس, وقد قام الناس يمنة الطريق ويسرته صفين ينظرون إليه, فلما رأيته وقع حبه في قلبي فجعلت أدعو له في نفسي بأن يدفع الله عنه شر المتوكل, فأقبل يسير بين الناس وهو ينظر إلى عرف دابته لا ينظر يمنة ولا يسرة, وأنا دائم الدعاء له, فلما صار بإزائي أقبل إليَّ بوجهه وقال: استجاب الله دعاءك, وطول عمرك, وكثر مالك وولدك! قال: فارتعدت من هيبته ووقعت بين أصحابي, فسألوني وهم يقولون: ما شأنك؟ فقلت: خير, ولم أخبرهم بذلك، فانصرفنا بعد ذلك إلى إصفهان, ففتح الله عليَّ بدعائه ووجوهاً من المال حتى أنا اليوم أغلق بابي على ما قيمته ألف ألف درهم, سوى مالي خارج داري, ورزقت عشرة من الاولاد, وقد بلغت الآن من عمري نيفاً وسبعين سنة وأنا أقول بإمامة هذا الذي عَلم ما في قلبي واستجاب الله دعاءه في وليِّ.[12]

 

* السيد هاشم البحراني في مدينة المعاجز, الحسين بن حمدان الحضيني بإسناده, عن زيد بن علي بن زيد قال: مرضت مرضاً شديداً, فدخل علي الطبيب وقد اشتدت بي العلة, فأصلح دواء في الليل لم يعلم به أحد, فقال: خذ هذا الدواء في كل يوم مرة, عشرة أيام فإنك تُعافى إن شاء الله تعالى, وخرج من عندي وترك الدواء, في نصف الليل, فلم يبعد حتى وافى نصر غلام أبي الحسن علي بن محمد صلى الله عليه وآله فاستاذن عليّ, فدخل ومعه إناء فيه مثل ذلك الدواء الذي أصلحه الطبيب في تلك الساعة, فقال لي: مولاي يقول: قال الطبيب لك: استعمل هذا الدواء عشرة أيام فإنك تُعافى, وقد بعثنا إليك من الدواء الذي أصلحه لك, فخذ منه الساعة مرة واحدة, فإنك تُعافى من ساعتك, قال زيد: فعلمت والله إن قوله الحق, فأخذت ذلك الدواء من الهاون[13] مرة واحدة فعوفيت من ساعتي, ورددت دواء الطبيب عليه, وكان نصرانياً, فسائلني وقد رأني في صبيحة يومي معافى من علتي ما كان السبب في العافية ولم رددت الدواء عليه؟! فحدثته بحديثي ولم أكتمه, فمضى إلى أبي الحسن عليه السلام فأسلم على يده وقال: يا سيدي هذا علم المسيح عليه السلام وليس يعلمه إلا من كان مثله.[14]

 

* الشيخ عباس القمي في الأنوار البهية, عن إثبات الوصية روي أن أبو الحسن عليه السلام دخل دار المتوكل فقام يصلي فأتاه بعض المخالفين فوقف حياله، فقال له: إلى كم هذا الرياء؟ فأسرع في الصلاة وسلم، ثم التفت إليه، فقال: إن كنت كاذباً سحتك الله، فوقع الرجل ميتاً، فصار حديثاً في الدار.[15]

 

* قطب الدين الراوندي في الخرائج والجرائح, روي عن يحيى بن هرثمة قال: دعاني المتوكل فقال: اختر ثلاثمائة رجل ممن تريد واخرجوا إلى الكوفة، فخلفوا أثقالكم فيها، واخرجوا على طريق البادية إلى المدينة، فاحضروا علي بن محمد بن الرضا عليهم السلام إلى عندي مكرماً معظماً مبجلاً, قال: ففعلت وخرجنا وكان في أصحابي قائد من الشراة[16] وكان لي كاتب يتشيع وأنا على مذهب الحشوية[17] وكان ذلك الشاري يناظر ذلك الكتاب وكنت أستريح إلى مناظرتهما لقطع الطريق, فلما صرنا إلى وسط الطريق قال الشاري للكاتب: أليس من قول صاحبكم علي بن أبي طالب أنه ليس من الارض بقعة إلا وهي قبر أو ستكون قبراً؟ فانظر إلى هذه البرية أين من يموت فيها حتى يملأها الله قبوراً كما تزعمون؟! قال: فقلت للكاتب: أهذا من قولكم؟ قال: نعم, قلت: صدق أين من يموت في هذه البرية العظيمة حتى تمتلئ قبورا؟! وتضاحكنا ساعة إذ انخذل الكاتب في أيدينا, قال: وسرنا حتى دخلنا المدينة، فقصدت باب أبي الحسن علي بن محمد بن الرضا عليهم السلام فدخلت إليه فقرأ كتاب المتوكل فقال: انزلوا وليس من جهتي خلاف, قال: فلما صرت إليه من الغد، وكنا في تموز أشد ما يكون من الحر، فإذا بين يديه خياط وهو يقطع من ثياب غلاظ خفاتين[18] له ولغلمانه، ثم قال للخياط: اجمع عليها جماعة من الخياطين، واعمد على الفراغ منها يومك هذا وبكّر بها إليّ في هذا الوقت، ثم نظر إليّ وقال: يا يحيى اقضوا وطركم[19] من المدينة في هذا اليوم، واعمل على الرحيل غداً في هذا الوقت, قال: فخرجت من عنده وأنا أتعجب منه من الخفاتين، وأقول في نفسي: نحن في تموز وحر الحجاز وإنما بيننا وبين العراق مسيرة عشرة أيام فما يصنع بهذه الثياب؟! ثم قلت في نفسي: هذا رجل لم يسافر، وهو يقدر أن كل سفر يحتاج فيه إلى هذه الثياب، وأتعجب من الرافضة حيث يقولون بإمامة هذا مع فهمه هذا, فعدت إليه في الغد في ذلك الوقت، فإذا الثياب قد أحضرت، فقال لغلمانه: ادخلوا وخذوا لنا معكم لبابيد وبرانس[20], ثم قال: ارحل يا يحيى، فقلت: في نفسي وهذا أعجب من الاول، أيخاف أن يلحقنا الشتاء في الطريق حتى أخذ معه اللبابيد والبرانس؟! فخرجت وأنا أستصغر فهمه! فسرنا حتى وصلنا إلى موضع المناظرة في القبور ارتفعت سحابة واسودت وأرعدت وأبرقت حتى إذا صارت على رؤوسنا أرسلت علينا برداً مثل الصخور وقد شد على نفسه وعلى غلمانه الخفاتين ولبسوا اللبابيد والبرانس وقال لغلمانه: ادفعوا إلى يحيى لبادة وإلى الكاتب برنساً وتجمعنا والبرد يأخذنا حتى قتل من أصحابي ثمانين رجلاً وزالت ورجع الحر كما كان, فقال لي: يا يحيى أنزل أنت من بقي من أصحابك ليدفن من قد مات من أصحابك, ثم قال: فهكذا يملأ الله هذه البرية قبوراً، قال يحيى: فرميت بنفسي عن دابتي وعدوت إليه فقبلت ركابه ورجله، وقلت: أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وأنكم خلفاء الله في أرضه، وقد كنت كافراً، وإنني الآن قد أسلمت على يديك يا مولاي، قال يحيى: وتشيعت ولزمت خدمته إلى أن مضى.[21]

 

* الشيخ الطبرسي في إعلام الورى بأعلام الهدى, عن كتاب الواحدة للحسن بن محمد بن جمهور العمي قال: حدثني أبو الحسين سعيد بن سهلويه البصري وكان يلقب بالملاح قال: كان يقول بالوقف جعفر بن القاسم الهاشمي البصري، وكنت معه بسر من رأى، إذ رآه أبو الحسن عليه السلام في بعض الطرق فقال له: إلى كم هذه النومة؟ أما آن لك أن تنتبه منها! فقال لي جعفر: سمعت ما قال لي علي بن محمد، قد والله قدح في قلبي شيء! فلما كان بعد أيام[22] حدث لبعض أولاد الخليفة وليمة فدعانا فيها ودعا أبا الحسن معنا، فدخلنا، فلما رأوه أنصتوا إجلالاً له، وجعل شاب في المجلس لا يوقره، وجعل يلفظ ويضحك، فأقبل عليه وقال له: يا هذا أتضحك ملء فيك وتذهل عن ذكر الله وأنت بعد ثلاثة أيام من أهل القبور! قال: فقلنا: هذا دليل حتى ننظر ما يكون؟ قال: فأمسك الفتى وكف عما هو عليه، وطعمنا وخرجنا، فلما كان بعد يوم اعتل الفتى ومات في اليوم الثالث من أول النهار، ودفن في آخره.[23]

 

* قطب الدين الراوندي في الخرائج والجرائح, روي أن هبة الله بن أبي منصور الموصلي قال: كان بديار ربيعة كاتب نصراني وكان من أهل كفرتوثا[24]، يسمى يوسف بن يعقوب، وكان بينه وبين والدي صداقة قال: فوافانا فنزل عند والدي فقال له والدي: ما شأنك قدمت في هذا الوقت؟ قال: قد دعيت إلى حضرة المتوكل، ولا أدري ما يراد مني، إلا أني اشتريت نفسي من الله بمائة دينار، وقد حملتها لعلي بن محمد بن الرضا عليهم السلام معي, فقال له والدي: قد وُفقت في هذا.

قال: وخرج إلى حضرة المتوكل وانصرف إلينا بعد أيام قلائل فرحاً مستبشراً, فقال له والدي: حدثني حديثك؟ قال: صرت إلى سر من رأى وما دخلتها قط، فنزلت في دار وقلت: أحب أن أوصل المائة إلى ابن الرضا عليه السلام قبل مصيري إلى باب المتوكل، وقبل أن يعرف أحد قدومي, قال: فعرفت أن المتوكل قد منعه من الركوب، وأنه ملازم لداره فقلت: كيف أصنع؟ رجل نصراني يسأل عن دار ابن الرضا؟! لا آمن أن يُنذر[25] بي فيكون ذلك زيادة فيما أحاذره, قال: ففكرت ساعة في ذلك، فوقع في قلبي أن أركب حماري وأخرج في البلد، فلا أمنعه من حيث يذهب، لعلي أقف على معرفة داره من غير أن أسأل أحداً, قال: فجعلت الدنانير في كاغدة، وجعلتها في كمي، وركبت فكان الحمار يخترق الشوارع والاسواق يمر حيث يشاء إلى أن صرت إلى باب دار، فوقف الحمار فجهدت أن يزول فلم يزل، فقلت للغلام: سل لمن هذه الدار؟ فقيل: هذه دار علي بن محمد ابن الرضا, فقلت: الله أكبر! دلالة والله مقنعة! قال: وإذا خادم أسود قد خرج من الدار فقال: أنت يوسف بن يعقوب؟ قلت: نعم, قال: انزل, فنزلت فأقعدني في الدهليز ودخل، فقلت في نفسي: وهذه دلالة أخرى من أين عرف هذا الخادم اسمي واسم أبي وليس في هذا البلد من يعرفني، ولا دخلته قط؟! قال: فخرج الخادم فقال: المائة الدينار التي في كمك في الكاغدة هاتها! فناولته إياها، فقلت: وهذه ثالثة، ثم رجع إلي، فقال: ادخل, فدخلت إليه وهو في مجلسه وحده فقال: يا يوسف أما آن لك أن تُسلم؟ فقلت: يا مولاي قد بان لي من البرهان ما فيه كفاية لمن اكتفى! فقال: هيهات أما إنك لا تُسلم، ولكن سيسلم ولدك فلان، وهو من شعيتنا, فقال: يا يوسف إن أقواماً يزعمون أن ولايتنا لا تنفع أمثالك، كذبوا والله! إنها لتنفع أمثالك، امض فيما وافيت له، فإنك سترى ما تحب, وسيولد لك ولد مبارك, قال: فمضيت إلى باب المتوكل فقلت كل ما أردت فانصرفت.

قال هبة الله: فلقيت ابنه بعد موت أبيه وهو مسلم حسن التشيع، فأخبرني أن أباه مات على النصرانية، وأنه أسلم بعد موت والده, وكان يقول: أنا بشارة مولاي عليه السلام.[26]

* محمد بن جرير الطبري في دلائل الامامة, حدثني أبو عبد الله القمي قال: حدثني ابن عياش قال: حدثني أبو الحسين محمد بن إسماعيل بن أحمد الفهقلي الكاتب بسر من رأى سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة قال: حدثني أبي قال: كنت بسر من رأى أسير في درب الحصاء فرأيت يزداد النصراني تلميذ بختيشوع وهو منصرف من دار موسى بن بغا، فسايرني وأفضى بنا الحديث إلى أن قال لي: أترى هذا الجدار، تدري من صاحبه؟ قلت: ومن صاحبه؟ قال: هذا الفتى العلوي الحجازي, يعني علي بن محمد بن الرضا عليه السلام وكنا نسير في فناء داره، قلت ليزداد: نعم فما شأنه؟ قال: إن كان مخلوق يعلم الغيب فهو! قلت: وكيف ذلك؟ قال: أخبرك عنه بأعجوبة لن تسمع بمثلها أبداً، ولا غيرك من الناس، ولكن لي الله عليك كفيل وراع أنك لا تحدث به عني أحداً، فإني رجل طبيب ولي معيشة أرعاها عند هذا السلطان, وبلغني أن الخليفة استقدمه من الحجاز فرقاً منه لئلا ينصرف إليه وجوه الناس، فيخرج هذا الأمر عنهم يعني بني العباس, قلت: لك علي ذلك، فحدثني به وليس عليك بأس، إنما أنت رجل نصراني، لا يتهمك أحد فيما تحدث به عن هؤلاء القوم، وقد ضمنت لك الكتمان, قال: نعم، اعلمك أني لقيته منذ أيام وهو على فرس أدهم، وعليه ثياب سود، وعمامة سوداء، وهو أسود اللون، فلما بصرت به وقفت إعظاماً له, لا وحق المسيح ما خرجت من فمي إلى أحد من الناس وقلت في نفسي: ثياب سود، ودابة سوداء، ورجل أسود، سواد في سواد في سواد، فلما بلغ إلي وأحدّ النظر قال: قلبك أسود مما ترى عيناك من سواد في سواد في سواد, قال أبي: قلت له: أجل فلا تحدث به أحداً، فما صنعت؟ وما قلت له؟ قال: سقط في يدي[27] فلم أجد جواباً, قلت له: أفما ابيض قلبك لما شاهدت؟ قال: الله أعلم.

قال أبي: فلما اعتل يزداد بعث إلي فحضرت عنده، فقال: إن قلبي قد ابيض بعد سواده، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله، وأن علي بن محمد حجة الله على خلقه وناموسه الاعلم، ثم مات في مرضه ذلك، وحضرت الصلاة عليه رحمه الله.[28]

 

* ابن حمزة الطوسي في الثاقب في المناقب, عن الحسن بن محمد بن علي قال: جاء رجل إلى علي بن محمد بن علي بن موسى عليهم السلام وهو يبكي وترتعد فرائصه فقال: يا ابن رسول الله! إن فلاناً - يعني الوالي - أخذ ابني واتهمه بموالاتك، فسلمه إلى حاجب من حجابه، وأمره أن يذهب به إلى موضع كذا فيرميه من أعلى جبل هناك ثم يدفنه في أصل الجبل! فقال عليه السلام: فما تشاء؟ فقال: ما يشاء الوالد الشفيق لولده! قال: إذهب فإن ابنك يأتيك غداً إذا إمسيت ويخبرك بالعجب من أمره. فانصرف الرجل فرحاً, فلما كان عند ساعة من آخر النهار غداً إذا هو بابنه قد طلع عليه في أحسن صورة فسره وقال: ما خبرك يا بني؟ فقال: يا أبت إن فلاناً - يعني الحاجب - صار بي إلى أصل ذلك الجبل، فأمسى عنده إلى هذا الوقت يريد أن يبيت هناك ثم يصعدني من غد إلى أعلى الجبل ويدهدهني لبئر حفر لي قبراً في هذه الساعة، فجعلت أبكي وقوم موكلون بي يحفظونني، فأتاني جماعة عشرة لم أر أحسن منهم وجوهاً، وأنظف منهم ثياباً، وأطيب منهم روائح، والموكلون بي لا يرونهم فقالوا لي: ما هذا البكاء والجزع والتطاول والتضرع؟! فقلت: ألا ترون قبراً محفوراً! وجبلاً شاهقاً! وموكلين لا يرحمون يريدون أن يدهدهوني منه ويدفنوني فيه! قالوا: بلى، أرأيت لو جعلنا الطالب مثل المطلوب فدهدهناه من الجبل ودفناه في القبر، أتحرر نفسك فتكون لقبر رسول الله صلى الله عليه وآله خادماً؟ قلت: بلى والله! فمضوا إليه - يعني الحاجب - فتناولوه وجروه وهو يستغيث ولا يسمع به أصحابه ولا يشعرون به، ثم صعدوا به إلى الجبل ودهدهوه منه، فلم يصل إلى الارض حتى تقطعت أوصاله، فجاء أصحابه وضجوا عليه بالبكاء واشتغلوا عني، فقمت وتناولني العشرة، فطاروا بي إليك في هذه الساعة، وهم وقوف ينتظرونني ليمضوا بي إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله لاكون خادماً, ومضى. فجاء الرجل إلى علي بن محمد عليه السلام فأخبره، ثم لم يلبث إلا قليلاً حتى جاء الخبر بأن قوماً أخذوا ذلك الحاجب فدهدهوه من ذلك الجبل فدفنه أصحابه في ذلك القبر، وهرب ذلك الرجل الذي كان أراد أن يدفنه في ذلك القبر، فجعل علي بن محمد عليه السلام يقول للرجل: إنهم لا يعلمون ما نعلم, ويضحك.[29]

 

* الميرزا محمد تقي المامقاني في صحيفة الأبرار, المناقب لابن شهر آشوب، عن أبي محمد الفحام بالإسناد، عن سلمة الكاتب قال: قال خطيب يلقب بالهريسة للمتوكل: ما يعمل أحد بك ما تعمله بنفسك في علي بن محمد، فلا في الدار إلا من يخدمه، ولا يتعبونه بشيل الستر لنفسه، فأمر المتوكل بذلك، فرفع صاحب الخبر أن علي بن محمد دخل الدار، فلم يخدم ولم يشل أحد بين يديه الستر، فهب هواء فرفع الستر حتى دخل وخرج! فقال: شيلوا له الستر بعد ذلك, فلا نريد أن يشيله له الهواء.[30]

قال صاحب المناقب، وفي تخريج أبي سعيد العامري رواية، عن صالح بن الحكم بياع السابري قال: كنت واقفياً فلما أخبرني حاجب المتوكل بذلك أقبلت أستهزئ به, إذ خرج أبو الحسن فتبسم في وجهي من غير معرفة بيني وبينه وقال: يا صالح إن الله تعالى قال في سليمان: {فسخرنا له الريح تجري لأمره رُخاء حيث أصاب} ونبيك وأوصياء نبيك أكرم على الله تعالى من سليمان، قال: وكأنما انسل من قلبي الضلالة، فتركت الوقف.[31]


المصادر تحقيق مركز سيد الشهداء عليه السلام للبحوث الاسلامية

[1] التجافيف: جمع تجفاف وهو آلة للحرب يلبسها الفرس تقيه الجراح.

[2] الثاقب في المناقب ص557, الخرائج والجرائح ج1 ص414, عنه البحار ج50 ص155, كشف الغمة ج3 ص188, مدينة المعاجز ج7 ص484, الصراط المستقيم ج2 ص205 مختصراً، الأنوار البهية ص282.

[3] الكافي ج1 ص498، إعلام الورى ج2 ص125، بصائر الدرجات ص426، عنه البحار ج50 ص132، الإرشاد ج2 ص310، الإختصاص ص324، الأنوار البهية ص290، كشف الغمة ج3 ص176، عيون المعجزات ص126، الثاقب في المناقب ص542، روضة الواعظين ص245، الخرائج والجرائح ج2 ص680، مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص514، مدينة المعاجز ج7 ص421. 

[4] أشنقة: كل خيط علقت به شيء فهو شناق.

[5] دلائل الإمامة ص413، نوادر المعجزات ص185، مدينة المعاجز ج7 ص442. 

[6] مدينة المعاجز ج7 ص459, عيون المعجزات ص120, البحار ج50 ص185.

[7] الخرائج والجرائح ج2 ص673، عنه البحار ج50 ص138، الثاقب في المناقب ص532، كشف الغمة ج3 ص192، مدينة المعاجز ج7 ص452، إعلام الورى ج2 ص118.

[8] أثاب عقله: أرجعه بعد ذهاب.

[9] الهداية الكبرى ص319، مشارق أنوار اليقين ص154، عنه البحار ج50 ص211، مدينة المعاجز ج7 ص462.

[10] الخرائج والجرائح ج2 ص673، عنه البحار ج50 ص136، الأنوار البهية ص274، إعلام الورى ج2 ص117، كشف الغمة ج3 ص191، مدينة المعاجز ج7 ص451، الثاقب في المناقب ص533، مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص512، الصراط المستقيم ج2 ص205.

[11] الثاقب في المناقب ص529, عنه مدينة المعاجز ج7 ص490.

[12] الخرائج والجرائح ج1 ص392، عنه البحار ج50 ص141، كشف الغمة ج3 ص183، الثاقب في المناقب ص550، مدينة المعاجز ج7 ص463, الأنوار البهية ص277.

[13] الهاون: ما يُدق فيه الدواء والكحل.

[14] مدينة المعاجز ج7 ص528, عنه الهداية الكبرى ص314.

[15] الأنوار البهية ص290 عن إثباة الوصية.

[16] الشراة جمع شار: وهم الخوارج الذين خرجوا عن طاعة الامام، وإنما لزمهم هذا اللقب لانهم زعموا أنهم شروا دنياهم بالآخرة أي باعوا.

[17] الحشوية: طائفة من أصحاب الحديث تمسكوا بالظاهر, لقبوا بهذا اللقب لاحتمالهم كل حشو روى من الاحاديث المختلفة المتناقضة.

[18] الخفتان: ضرب من الثياب.

[19] الوطر: الحاجة.

[20] اللبادة: هنة من صوف تلبس على الرأس, أو هي القباء من اللبد، وقيل: ما يلبس للمطر, والبرنس: كل ثوب رأسه منه ملزوق به من دراعة أو جبة أو ممطر أو غيره.

[21] الخرائج والجرائح ج1 ص393, عنه البحار ج50 ص142, الثاقب في المناقب ص55, كشف الغمة ج3 ص183, مدينة المعاجز ج7 ص466.

[22] من هنا ورد في الثاقب في المناقب ومناقب آشوب.

[23] إعلام الورى ج2 ص123, عنه البحار ج50 ص181, مدينة المعاجز ج7 ص456, الثاقب في المناقب ص536, مناقب آشوب ج3 ص517.

[24] كفر توثا: قيل قرية كبيرة من أعمال الجزيرة.

[25] الانذار: الإعلام.

[26] الخرائج والجرائح ج1 ص396, عنه البحار ج50 ص144, كشف الغمة ج3 ص185, فرج المهموم ص234, الثاقب في المناقب ص553, مدينة المعاجز ج7 ص469, الأنوار البهية ص278.

[27] أي ندمت وتحيرت.

[28] دلائل الإمامة ص418, نوادر المعجزات ص187, فرج المهموم ص133, مدينة المعاجز ج7 ص448, البحار ج50 ص161 عن كتاب النجوم.

[29] الثاقب في المناقب ص543, مدينة المعاجز ج7 ص500, مناقب آشوب ج3 ص518 مختصراً, عنه البحار ج50 ص174.

[30] إلى هنا ورد في الأمالي للطوسي ومدينة المعاجز.

[31] صحيفة الأبرار ج2 ص392, عن مناقب آشوب ج3 ص510, عنه البحار ج50 ص203, الأمالي للطوسي ص287 نحوه, عنه مدينة المعاجز ج7 ص434.