آبائه و اجداده و عشيرته صلوات الله عليه

أبائه و اجداده و عشيرته صلوات الله عليه:

ابن عبد اللّه : الذي أمه فاطمة بنت عمرو بن عائذ المخزومي، توفي والده بالمدينة وله خمس أو ثمان وعشرون سنة قبل أن يولد رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) ودفن في دار النابغة الجعدي.

 

ابن عبد المطلب : اسمه (شيبة الحمد) وسمي بذلك لأنه كان في رأسه لما ولد شيبة . أمه سلمى بنت عمرو الخزرجية النجارية  وكان وجهه يضيء في الليلة المظلمة وكان يقال له: مطعم طير السماء، وكانت إليه السقاية والرفادة، وهو الذي حفر زمزم وسن خمس سنن أجراها اللّه تعالى في الإِسلام. ومات بمكة وقبره بالحجون مزار مشهور ومعهُ قبر ابي طالب (عليه السلام)

 

ابن هاشم : اسمه (عمرو) أمه عاتكة بنت مرة السلمية ولدته وعبد شمس توأمين وكانت إصبع أحدهما ملتصقة بجبهة صاحبه فنحيت فسال الدم فقيل يكون بينهما دم وكانت اليه السقاية والرفادة. مات بغزة و دفن فيها وهي مدينة في أقصى الشام بينها وبين عسقلان فرسخان.

 ابن عبد منافاسمه المغيرة ويقال له القمر لجماله، أُمه حُبى بنت حُليل وقبره بمكة عند عبد المطلب

ابن قُصَيمصغراً اسمه زيد وأمه فاطمة بنت سعد. وقصي هو الذي أجلى خزاعة عن البيت وجمع قومه الى مكة من الشعاب والأودية والجبال فسمي مجمعاً. وكانت اليه الحجابة والسقاية والرفادة والندوة واللواء فحاز شرف قريش كله، وقسم مكة أرباعاً بين قومه وتيمَّنت قريش بأمره فما تنكح، ولا يُتشاور، ولا يُعقد لواء الا في داره، وكان أمره في قومه كالدين المتَّبع في حياته وبعد موته، فاتَّخذ دار الندوة وبابها في المسجد، وفيها كانت قريش تقضي أمورها. ولما توفي قُصي دفن بالحجون فكانوا يزرون قبره ويعظمونه.

ابن كلاب : وأمه هند بنت سرير، وهو أخو تيم من أبيه، وتيم هو الذي ينتهي اليه نسب أبي بكر.

ابن مرة  : وأمه محشية بنت شيبان، وأخوه عدي جد عمر بن الخطاب.

ابن كعب : وامه مارية بنت كعب القضاعية وكان عظيم القدر عند العرب وأرخوا لموته الى عام الفيل وكان بينهما خمسمئة وعشرون سنة.

ابن لؤيتصغير اللأي وهو النور: وأمه عاتكة بنت يخلد بن النضر.

ابن غالب : وأمه ليلى بنت الحرث.

ابن فهر  : أمه جذلة بنت عامر الجرهمية وكان فهر رئيس الناس بمكة، وكان جمَّاع قريش.

ابن مالكأمه عاتكة بنت عدوان.

ابن النضر  سُمي بذلك لنضارة وجهه، قيل: كان اسمه  قريش (فكل من ولد من النضر فهو قرشي ومن لم يلده النضر فليس بقرشي) أمه برة بنت مر بن اد بن طابخة.

ابن كنانة: امه عوانة بنت سعد.

ابن خزيمة:  تصغير خزمة امه سلمى بنت أسلم.

ابن مدركةسمي بمدركة لأنه أدرك كل ما كان في آبائه. أمه خندف

ابن الياسامه الرباب قيل لما توفي إلياس حزنت عليه خندف حزناً شديداً فلم تقم حيث مات ولم يظلها سقف حتي هلكت فضرب بها المثل، وكانت تبكي كل خميس، من غدوته الى الليل، لأن الياس توفى يوم الخميس، وكان إلياس يدعى كبير قومه وسيد عشيرته ولا يقطع أمرُ ولا يقضى مهمُّ دونه، ولم تزل العرب تعظم الياس تعظيم اهل الحكمة كلقمان وأشباهه.

ابن مضر : معدول عن ماضر، وهو اللبن قبل أن يروب، واسمه عمر، وامه سودة بنت عك، وإخوته إياد وربيعة وأنمار، ولهم قصة لطيفة في تقسيم اموال أبيهم ورجوعهم الى حكم الافعى الجرهمي في ذلك. وكان مضر أحسن الناس صوتاً، و هو أول من حدا.

ابن نزار:  من النزر أي القليل سمي بذلك لأن اباه حين ولد له ونظر الى النور الذي بين عينيه، وهو نور النبوة فرح فرحاً شديداً ونحر واطعم وقال: إن هذا كله نزر في حق هذا المولود، فسُمِّيَ نزازاً، وأمه معانة بنت حوشم.

ابن معدكمرد أمه مهدة.

ابن عدنانروي عن النبي (صلى اللّه عليه وآله وسلم) قال: اذا بلغ نسبي إلى عدنان فأمسكوا. أمه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة.

أعمامه و عماته : 

في المناقب (لابن شهرآشوب) كان لعبد المطلب عشرة بنين الحارث و الزبير و حجل و هو الغيداق و ضرار و هو نوفل و المقوم و أبو لهب و هو عبد العزى و عبد الله و أبو طالب و حمزة و العباس و هو أصغرهم سنا و كانوا من أمهات شتى إلا عبد الله و أبو طالب فإنها كانا ابني أم و أمهما فاطمة بنت عمرو بن عائذ و أعقب منهم البنون أربعة أبو طالب و عباس و الحارث و أبو لهب. و عماته ست عاتكة أميمة البيضاء و هي أم حكيم صفية و هي أم الزبير أروى برة و يقال و زيدة و أسلم من أعمامه أبو طالب و حمزة و العباس و من عماته صفية و أروى و عاتكة و آخر من مات من أعمامه العباس و من عماته صفية. جدته لأبيه فاطمة بنت عمرو المخزومي و جدته لأمه برة بنت عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار. إخوته من الرضاعة عبد الله و أنيسة. و خدامه أولاد الحارث و كان له أخ في الجاهلية اسمه الخلاص بن علقمة و كان النبي ص يقرظه و أخوه و وزيره و وصيه و ختنه علي ع و ربيبه هند بن أبي هالة الأسدي من خديجة و عمر بن أبي سلمة و زينب أخته من أم سلمة

 

موجز في قصة عبدالمطّلب وابنه عبداللّه‏ :

قال الراوي : إنّ عبدالمطّلب كان ذات يوم نائما في الحجر إذ أتاه آت فقال له : احفر طيبة ، قال : فقلت له : وما طيبة ؟ فغاب عنّي إلى غد ، فنمت في مكاني فأتى الهاتف فقال : احفر برّة ، فقلت : وما برّة ؟ فغاب عنّي ، فنمت في اليوم الثالث فأتى وقال : احفر مضنونة ، فقلت : وما مضنونة ؟ فغاب عنّي ، وأتاني في اليوم الرابع وقال : احفر زمزم فقلت : وما زمزم ؟

قال : لا تنزف أبدا ولا تذمّ ، تسقي الحجيج الأعظم عند قرية النمل ، فلمّا دلّه على الموضع أخذ عبدالمطّلب معوله وولده الحارث ولم يكن له يومئذ ولد غيره ، فلمّا ظهر له البناء وعلمت قريش بذلك قالوا له :

هذا بئر زمزم ، بئر أبينا إسماعيل عليه‏السلام ونحن فيه شركاء ، قال :

لا أفعل ، لأنّه أمر خصصت به دونكم ، فحفر زمزم ، وما كان بمكّة من يحسده ولا يضادّه إلاّ رجل واحد وهو عديّ بن نوفل ، وكان أيضا صاحب منعة وبسطة وطول يد ، وكان المشار إليه قبل قدوم عبد المطّلب ، فلمّا قدم عبدالمطّلب إلى مكّة وسوّده أهل مكّة عليهم كبر ذلك على عديّ بن نوفل ، إذ مال الناس إلى عبدالمطّلب وكبر ذلك عليه ، فلمّا كان بعض الأيام تناسبا وتقاولا ووقع الخصام ، فقال عديّ بن نوفل لعبدالمطّلب : أمسك عليك ما أعطيناك ولا يغرنّك ما خوّلناك ، فإنّما أنت غلام من غلمان قومك ، ليس لك ولد ولا مساعد فبم تستطيل علينا ؟ ولقد كنت في يثرب وحيدا حتّى جاء بك عمّك إلينا وقدم بك علينا فصار لك كلام . فغضب عبدالمطّلب لذلك وقال له :

ياويلك تعيّرني بقلّة الولد ، للّه‏ عليّ عهد وميثاق لازم لإن رزقني اللّه‏ عشرة أولاد ذكورا وزاد عليهم لأنحرنّ أحدهم إكراما وإجلالاً لحقّه وطلبا بثاري

بالوفاء ، اللّهم فكثّر لي العيال ولا تشمت بي أحدا إنّك أنت الفرد الصمد ، ولا أعاين بمثل قولك أبدا ، ثمّ مضى وأخذ في خطبة النساء والتزويج حرصا على الأولاد ، ثمّ تزوّج بستّ نساء فرزق منهنّ عشرة أولاد ، وكلّ امرأة تزوّجها هي كانت ذات حسن وجمال وعزّ في قومها ، منهنّ : منعة بنت حباب الكلابيّة ، والطائفيّة ، والطليقيّة بنت غيدق اسمها سمراء ، وهاجرة الخزاعيّة ، وسعدى بنت حبيب الكلابيّة ، وهالة بنت وهب ، وفاطمة بنت عمرو المخزوميّة ، وأمّا فاطمة فولدت له ولدين ؛ أحدهما عبد مناف ، ويقال له : أبو طالب ، والآخر عبداللّه‏ أبو رسول اللّه‏ ، وكان عبداللّه‏ أصغر أولاده ، وكان في وجهه نور رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم ، فأولاد عبدالمطّلب : الحارث ، وأبو لهب ، والعباس ، وضرار ، وحمزة ، والمقوم ، والجمل ، والزبير ، وأبو طالب ، وعبداللّه‏ ، وكان عبدالمطّلب قائما مجتهدا في خدمة الكعبة ، وكان عبدالمطّلب نائما في بعض الليالي قريبا من حائط الكعبة فرأى رؤيا فانتبه فزعا مرعوبا فقام يجرّ أذياله ويجرّ ردائه إلى أن وقف على جماعته وهو يرتعد فزعا فقالوا له : ما وراءك ياأبا الحارث ؟ إنّا نراك مرعوبا طائشا .فقال : إنّي رأيت كأن قد خرج من ظهري سلسلة بيضاء مضيئة يكاد ضوئها يخطف الأبصار ، لها أربعة أطراف ، طرف منها قد بلغ المشرق ، وطرف منها قد بلغ المغرب ، وطرف منها قد غاص تحت الثرى ، وطرف منها قد بلغ عنان السماء ، فنظرت وإذا رأيت تحتها شخصين عظيمين فقلت لأحدهما : من أنت ؟ فقال : أنا نوح نبيّ ربّ العالمين ، وقلت للآخر : من أنت ؟ قال : أنا إبراهيم الخليل جئنا نستظلّ بهذه الشجرة ، فطوبى لمن استظلّ بها ، والويل لمن تنحّى عنها ، فانتبهت لذلك فزعا مرعوبا ، فقال له الكهنة:

ياأبا الحارث هذه بشارة لك وخير يصل إليك ليس لأحد فيها شيء ، وإن صدقت رؤياك ليخرجنّ من ظهرك من يدعو أهل المشرق والمغرب ويكون رحمة لقوم وعذابا على قوم . فانصرف عبدالمطّلب فرحا مسرورا ، وقال في نفسه : ليت شعري من يقبض النور من ولدي ، وكان يخرج كلّ يوم إلى الصيد  وحده ، فأخذه ذات يوم العطش ، فنظر إلى ماء صاف في حجر معيّن ، فشرب منه فوجده أبرد من الثلج وأحلى من العسل ، وأقبل من وقته وغشى زوجته فاطمة بنت عمرو فحملت بعبداللّه‏ أبي رسول اللّه‏ ، فانتقل النور الذي كان في وجهه إلى زوجته فاطمة ، فما مرّت بها الليالي والأيام حتّى ولدت عبداللّه‏ أبا رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم فانتقل النور إليه ، فلمّا ولدته سطع النور في غرّته حتّى لحق عنان السماء ، فلمّا نظر إليه عبدالمطّلب فرح فرحا شديدا ، ولم يخف مولده على الكهنة والأحبار ، فأمّا الكهنة فعظم أمره عليهم لإبطال كهانتهم ، فلمّا كملت لعبدالمطّلب عشرة أولاد ذكورا وولد له الحارث فصاروا أحد عشر ولدا ذكرا فذكر نذره الذي نذر ، والعهد الذي عاهد ؛ لئن بلغت أولادي أحد عشر ولدا ذكورا لأقرّبن أحدهم لوجه اللّه‏ تعالى ، فجمع عبدالمطّلب أولاده بين يديه ثمّ قال لهم : ياأولادي إنّكم كنتم تعلمون أنّكم عندي بمنزلة واحدة ، وأنتم الحدقة من العين ، والروح بين الجنبين ، ولو أنّ أحدكم أصابته شوكة لساءني ذلك ، ولكن حقّ اللّه‏ أوجب من حقّكم ، وقد عاهدته ونذرت له متى رزقني اللّه‏ أحد عشر ولدا ذكرا لأنحرنّ أحدهم قربانا ، وقد أعطاني ما سألته ، وبقي الآن ما عاهدته ، وقد جمعتكم لاُشاوركم فما أنتم قائلون ؟

فجعل بعضهم ينظر إلى بعض وهم سكوت لا يتكلّمون ، فأوّل من تكلّم منهم عبداللّه‏ ، وكان أصغر أولاده ، فقال : ياأبت أنت الحاكم علينا ونحن أولادك وفي طوع يدك وحقّ اللّه‏ أوجب من حقّنا ، وكان لعبداللّه‏ في ذلك اليوم إحدى عشر سنة ، فلمّا سمع أبوه كلامه بكى بكاءً شديدا ثمّ قال لهم : ياأولادي ما الّذي تقولون ؟ فقالوا له : سمعنا وأطعنا فافعل ما بدا لك ، ثمّ قال لهم : اذهبوا ودّعوا اُمّهاتكم وداع من لا يرجع أبدا ، ثمّ إنّ عبدالمطّلب بات تلك الليلة مهموما مغموما ولم يغمض عينا حتّى طلع الفجر ، ثمّ لبس أفخر أثوابه ، فأخذ بيده خنجرا ماضيا ليذبح به بعض أولاده ، وخرج يناديهم واحدا واحدا ، فأقبلوا إليه مسرعين فلم يتأخّر غير عبداللّه‏ ، فخرج إليه بنفسه حتّى ورد منزل فاطمة زوجته فأخذ بيده ، فتعلّقت به اُمّه وهو يريد أباه وهو يقول : يااُمّاه اتركيني أمضي مع أبي ليفعل بي ما يريد ، فتركته وشقّت جيبها وصرخت وقالت : لفعلك يا أبا الحارث فعل لم يفعله أحد غيرك ، فكيف تطيب نفسك بذبح ولدك ؟ وإن كان ولابدّ من ذلك فخلّ عبداللّه‏ لأنّه طفل صغير ، وارحمه لأجل صغره ولأجل هذا النور الذي في غرّته . فلم يكترث بكلامها ثمّ جذبه من يدها ، فأطلقته اُمّه فمشي وراء أبيه وجملة أولاده إلى الكعبة ، وكان يدعو اللّه‏ ويقول : ياربّ وأنت تعلم أنّي نذرت نذرا لأُقربنّ لوجهك واحدا من أولادي الذكور فاختر منهم من أحببت ، فاجعله في الكبار ولا تجعله في الصغار ، ثمّ دعا بصاحب الجرائد فقدّها فقذفها وكتب على كلّ واحدة اسم ولد ، ثمّ دعا بصاحب القداح وهي الأزلام التي ذكرها اللّه‏ وكانوا يقتسمون بها في الجاهلية فأخذ الجرائد من يده وساق أولاد عبدالمطّلب وقصد بهم الكعبة فتطاولت الأعناق وفاضت العبرات ، فبينما هم في ذلك وإذا بصاحب القداح قد خرج من الكعبة وهو قابض على عبداللّه‏ وقال : ياعبدالمطّلب هذا ولدك قد خرج عليه السهم ، فلمّا سمع كلامه خرّ مغشيا عليه ووقع إلى الأرض ، وخرج بقيّة أولاده وهم يبكون على أخيهم ، وكان أشدّهم عليه حزنا أبو طالب لأنّه شقيقه من اُمّه ، ثمّ لمّا أفاق عبدالمطّلب سمع البكاء من الرجال والنساء من كلّ ناحية ، فنظر وإذا فاطمة اُمّ عبداللّه‏ وهي تحثو التراب على وجهها ، فلمّا نظر إليها لم يجد صبرا ، وقبض على يد ولده وأراد أن يذبحه ، فتعلّقت به سادات قريش وبنو عبد مناف فصاح بهم صيحة منكرة وقال : ياويلكم لستم أشفق على ولدي منّي ولكن أمضي حكم ربّي .

ثمّ ساق ولده عبداللّه‏ إلى المنحر ، فلمّا وصل المنحر عقل رجليه ، فلمّا رأته اُمّه أنّه لا محالة عازم على ذبحه مضت مسرعة إلى قومها ، فبينما عبدالمطّلب كذلك إذا أتاه عشرة رجال في أيديهم السيوف وحالوا بينه وبين ولده ، فقال لهم : ما شأنكم ؟ قالوا له : لا ندعك تذبح ابن اُختنا ولو قتلتنا عن آخرنا ، ولقد كلّفت هذه المرأة بما لا تطيق ، ونحن أخواله من بني مخزوم ، فبينما هم كذلك إذ أقبل إليهم رجل من كبار قومه يقال له عكرمة بن عامر فأشار بيده إلى الناس أن اسكتوا ثم قال : ياأبا الحارث أعلم أنّك قد أصبحت سيّد الأبطح ، فلو فعلت هذا بولدك لصار سنّة بعدك يلزمك عارها وهذا لا يليق بك ، فقال : أترى ياعكرمة أُغضب ربّي ؟ قال : إنّي أدلّك على ما فيه الصلاح : إنّ معنا في بلادنا كاهنة عارفة تحدّث بما يكون في ضمائر الناس ، وذلك أنّ لها صاحبا من الجنّ يخبرها بذلك ، فأخذ عبدالمطّلب ولده وأقبل إلى منزله وأخذ اُهبّة  السفر إلى الكاهنة ، فلمّا كان بعد ثلاثة أيّام خرج عبدالمطّلب في قومه إلى الكاهنة ، فتقدّم عبدالمطّلب إليها فسألها عن أمره ، فقالت بعد يوما :وربّ البنية ، وناصب الجبال المرسية ، وساطح الأرض المدحية ، إنّ هذا الفتى الذي ذكرتموه سوف يعلو ذكره ، ويعظم أمره ، وإنّي سأرشدكم إلى خلاصه ، فكم الديّة عندكم ؟ قالوا : عشرة من الإبل ، قالت : ارجعوا إلى بلدكم واستقسموا بالأزلام على عشرة من الإبل وعلى ولدكم ، فإن خرج عليه السهم فزيدوا عشرة اُخرى وارموا عليها بالسهام ، فإن خرج عليه دونها فزيدوا عشرة اُخرى هكذا إلى المائة ، فإن لم تخرج على الإبل إذبحوا ولدكم ، ففرح القوم ورجعوا إلى مكّة ، وضربوا السهام على العشرة الاُولى من الإبل وعلى عبداللّه‏ فوقع السهم على عبداللّه‏ ، وكذلك في العشرة الثانية والثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة والثامنة والتاسعة في كل مرّة يقع السهم على عبداللّه‏ ، ثم زاد على الإبل العشرة الأخيرة فصارت مائة ، ثمّ أمر صاحب القداح أن يضربها فضربها وخرج السهم على الإبل ، فنزع الناس عبداللّه‏ من يد أبيه وأقبلت اُمّه وهي تعثر في أذيالها فأخذت ولدها وقبّلته وضمّته إلى صدرها ثمّ قالت :

>الحمد للّه‏ الّذي لم يبتلني بذبحك ، ولم يشمت بي الأعداء وأهل العناد ، فبينما هم كذلك إذ سمعوا هاتفا من داخل الكعبة وهو يقول : «قد قبل منكم الفداء وقد قرب خروج المصطفى ، فقالت قريش : بخّ بخّ لك يا أبا الحارث ، هتفت بك وبابنك الهواتف ، وهمّ الناس بذبح الإبل . فقال عبدالمطّلب : مهلاً اُراجع ربّي مرّة اُخرى ، فإنّ هذه القداح تصيب وتخطئ ، وقد خرجت على ولدي تسع مرّات متواليات ، وهذه مرّة واحدة ، فلا أدري ما يكون في الثانية ، اُتركوني اُعاود ربّي مرّة واحدة ، فقالوا له : افعل ما تريد ، ثمّ إنّه استقبل الكعبة وقال :

>اللّهمّ سامع الدعاء ، وسابغ النعم ، ومعدن الجود والكرم ، فإن كنت يا مولاي مننت عليّ بولدي هبةً منك فاظهر لنا برهانه مرّة ثانية» ثمّ أمر صاحب القداح أن يضربها فضربها ، فخرج السهم على الإبل ، فأخذت فاطمة ولدها وذهبت به إلى بيتها وأتى إليها الناس من كلّ جانب ومكان سحيق وفجّ عميق يهنّؤونها بمنّة اللّه‏ عليها ، ثم أمر عبداللّه‏ المطّلب أن تنحر الإبل فنحرت عن آخرها وتناهبها الناس ، وقال لهم : لا تمنعوا منها الوحوش والطير ، وانصرف ، فجرت سنّة في الدية مائة من الإبل إلى هذا الزمان .

ومضى عبد المطّلب وأولاده ، فلمّا رأته الكهنة والأحبار وقد تخلّص خاب أملهم ، فقال بعضهم لبعض : تعالوا نسع في هلاكه من حيث لا يشعر به أحد ، فعزم القوم على ذلك فصنعوا طعاما ، ووضعوا فيه سمّا ، وأرسلوه مع نساء متبرقعات إلى بيت عبدالمطّلب ، وهنّ خافيات أنفسهنّ بحيث لا تعلم إحداهنّ ، فقرعوا الباب فخرجت إليهم فاطمة ورحبّت بهنّ وقالت : من أين أنتنّ ؟ قلن لها : نحن من قرابتك من بني عبد مناف ، دخل علينا السرور لخلاص إبنك ، فأخذت فاطمة منهنّ الطعام وأقبلت إلى عبدالمطّلب ، فذكرت له الخبر فقال : هلّموا إلى ما خصّكم به قرابتكم ، فقاموا وأرادوا الأكل منه وإذا بالطعام قد نطق بلسان فصيح وقال : لا تأكلوا منّي فإنّي مسموم . وكان هذا من دلائل نور رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم .

فامتنعوا من أكله ، وخرجوا يقتفون النساء فلم يروا لهنّ أثرا ، فعلموا أنّه مكيدة من الأعداء ، فحفروا للطعام حفيرة ووضعوه فيها .

فلمّا لحق عبداللّه‏ ملاحق الرجال تطاولت إليه الخطّاب ، وبذلوا في طلبه الجزيل من المال كلّ ذلك رغبة في نور رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم ، ولم يكن في زمانه أجمل ولا أبهى ولا أكمل منه ، وكان إذا مرّ بهم ليلاً تضيئ من نوره الظلم ، فسمّوه أهل مكّة مصباح الحرم ، وإذا مرّ بهم في النهار يشمّون منه رائحة المسك الأذفر والكافور والعنبر ، وأقام عبدالمطّلب وابنه عبداللّه‏ بمكّة حتّى تزوّج عبداللّه‏ بآمنة بنت وهب .

قال أبو الحسن البكري : ولمّا تزوّج عبداللّه‏ بآمنة أقامت معه زمانا ، والنور في وجهه لم يزل حتّى نفذت مشية اللّه‏ وقدرته ، وأراد أن يخرج خيرة خلقه محمّدا رسول اللّه‏ ، وأن يشرق به الأرض وينوّرها بعد ظلامها ويطهّرها بعد تنجيسها ، أمر اللّه‏ تعالى جبرئيل عليه‏السلام أن ينادي في جنّة المأوى أنّ اللّه‏ قد تمّت كلمته ومشيّته ، وأنّ الّذي وعده من ظهور البشير النذير السراج المنير الذي يأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر ، ويدعوا إلى اللّه‏ ، وهو صاحب الأمانة والصيانة سيظهر نوره في البلاد ، ويكون رحمة على العباد ، ومن أحبّه بشّر بالشّرف والحباء ، ومن أبغضه بسوء القضاء ، وهو الذي عرض عليكم من قبل أن يخلق آدم عليه‏السلام ، الذي يسمّى في السماء أحمد ، وفي الأرض محمّد ، وفي الجنّة أبا القاسم ، فأجابته الملائكة بالتسبيح والتهليل والتقديس والتكبير للّه‏ ربّ العالمين ، وفتحت أبواب الجنان ، وغلّقت أبواب النيران ، وأشرفت الحور العين ، وسبّحت الأطيار على رؤوس الأشجار .

فلمّا فرغ جبريل من أهل السماوات أمره اللّه‏ أن ينزل في مائة ألف من الملائكة إلى أقطار الأرض وإلى جبل قاف وإلى خازن السحاب وجملة ما خلق اللّه‏ يبشّرهم بخروج رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم ، ثمّ نزل إلى الأرض السابعة فأخبرهم بخبره ، ومن أراد أن به خيرا ألهمه محبّته ومن أراد به شرّا ألهمه بغضه ، وزلزلت الشياطين وصفدت وطردت عن الأماكن الّتي كانوا يسترقون فيها السمع ، ورجموا بالشهب .

قال صاحب الحديث : ولمّا كانت ليلة الجمعة عشيّة عرفة ، وكان عبداللّه‏ قد خرج هو وإخوته وأبوه ، فبينما هم سائرون وإذا بنهر عظيم فيه ماء زلال ولم يكن قبل ذلك اليوم هناك ماء ، فبقى عبدالمطّلب وأولاده متعجّبين ، فبينما عبداللّه‏ كذلك إذ نودي ، ياعبداللّه‏ اشرب من هذا النهر ، فشرب منه وإذا هو أبرد من الثلج وأحلى من العسل وأزكى من المسك ، فنهض مسرعا والتفت إلى إخوته فلم يروا للنهر أثرا فتعجّبوا منه ، ثمّ إنّ عبداللّه‏ مضى مسرعا إلى منزله فقال لآمنة : قومي فتطهّري وتطيّبي وتعطّري فعسى اللّه‏ أن يستودعك هذا النور ، فقامت وفعلت ما أمرها ، ثمّ جاءت إليه فغشيها تلك الليلة المباركة ، فحملت برسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم فانتقل النور من وجه عبداللّه‏ في ساعته إلى آمنة ، قالت آمنة : لمّا دنى منّي ومسّني أضاء منه نور ساطع وضياء لامع فأنارت منه السماء والأرض فأدهشني ما رأيت ، وكانت آمنة بعد ذلك يرى النور في وجهها كأنّه المرآة المضيئة.

                   

نصرة الملائكة لعبداللّه‏:

روي أنّ عبداللّه‏ بن عبدالمطّلب لمّا ترعرع ركب يوما ليصيد ، وقد نزل بالبطحاء قوم من اليهود ، قدموا ليهلكوا والد محمّد صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم ليطفؤا نور اللّه‏ ، فنظروا إلى عبداللّه‏ فرءوا حلية اُبوّة النبوّة فيه ، فقصدوه وكانوا ثمانين نفرا بالسيوف والسكاكين ، وكان وهب بن عبد مناف بن زهرة والد آمنة اُمّ محمّد صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم في ذلك الصوب يصيد ، وقد رأى عبداللّه‏ وقد صفّ به اليهود ليقتلوه ، فقصد أن يدفعهم عنه وإذا بكثير من الملائكة معهم الأسلحة طردوا عنه اليهود ، فعجب من ذلك وانصرف ودخل على عبدالمطّلب وقال : اُزوّج بنتي آمنة من عبداللّه‏ ، وعقد فولدت رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم