باب إبليس لعنه الله و قصصه و بدء خلقه و مكايده و مصايده و أحوال ذريته و الاحتراز عنهم أعاذنا الله من شرورهم

الآيات البقرة وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَ الْفَحْشاءِ وَ أَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ و قال تعالى الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَ يَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ و قال سبحانه الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ آل عمران وَ إِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَ ذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ و قال إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَ خافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ النساء وَ مَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً و قال تعالى فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً و قال    وَ لَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلًا و قال تعالى إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً وَ إِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً لَعَنَهُ اللَّهُ وَ قالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً وَ لَأُضِلَّنَّهُمْ وَ لَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَ مَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً يَعِدُهُمْ وَ يُمَنِّيهِمْ وَ ما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ لا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً المائدة إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ وَ يَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَ عَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ الأنعام وَ كَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَ الْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً و قال وَ إِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ و قال تعالى وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ الأعراف وَ لَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ وَ عَنْ أَيْمانِهِمْ وَ عَنْ شَمائِلِهِمْ وَ لا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ إلى آخر   ما مر في قصة آدم و قال تعالى وَ أَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ و قال تعالى يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَ قَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ و قال تعالى إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ و قال تعالى وَ إِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ وَ إِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ الأنفال وَ إِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَ قالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَ إِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَ قالَ إِنِّي بَرِي‏ءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَ اللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ يوسف إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ و قال تعالى فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ و قال مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَ بَيْنَ إِخْوَتِي إبراهيم وَ قالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَ وَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَ ما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَ لُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَ ما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ   الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ

 الحجر وَ حَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ و قال سبحانه وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَ إِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ النحل فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ و قال تعالى فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَ الَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ الإسراء إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَ كانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً و قال تعالى إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا   مُبِيناً و قال تعالى وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قالَ أَ أَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً قالَ أَ رَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً وَ اسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَ أَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَ رَجِلِكَ وَ شارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ وَ عِدْهُمْ وَ ما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَ كَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا الكهف وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَ فَتَتَّخِذُونَهُ وَ ذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَ هُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَ ما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً و قال تعالى وَ ما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ مريم يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا و قال تعالى فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَ الشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا و قال تعالى أَ لَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا طه فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ إلى قوله تعالى فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ الأنبياء وَ مِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَ يَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذلِكَ وَ كُنَّا   لَهُمْ حافِظِينَ الحج وَ يَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَ يَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ و قال تعالى وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَ الْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ المؤمنون وَ قُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ وَ أَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ النور يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَ مَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ الشعراء فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَ الْغاوُونَ وَ جُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ و قال تعالى وَ ما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ وَ ما يَنْبَغِي لَهُمْ وَ ما يَسْتَطِيعُونَ إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ إلى قوله تعالى هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَ أَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ النمل وَ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ

    القصص قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ سبأ وَ لَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ ما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ وَ رَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ حَفِيظٌ فاطر إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ يس أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَ أَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ وَ لَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً أَ فَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ الصافات وَ حِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَ يُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ دُحُوراً وَ لَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ و قال تعالى طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ ص وَ الشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَ غَوَّاصٍ وَ آخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ و قال تعالى إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَ عَذابٍ و قال تعالى إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ   اسْتَكْبَرَ وَ كانَ مِنَ الْكافِرِينَ قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَ إِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ قالَ فَالْحَقُّ وَ الْحَقَّ أَقُولُ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَ مِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ السجدة وَ إِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ الزخرف وَ مَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ و قال تعالى وَ لا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ محمد الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَ أَمْلى لَهُمْ المجادلة اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ الحشر كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِي‏ءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَ ذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ

    الملك وَ لَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَ جَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ وَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ وَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَ هِيَ تَفُورُ تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَ قُلْنا ما نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ الناس مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ تفسير وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ قال البيضاوي لا تقتدوا به في اتباع الهوى فتحرموا الحلال و تحللوا الحرام إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ظاهر العداوة عند ذوي البصيرة و إن كان يظهر الموالاة لمن يغويه و لذلك سماه وليا في قوله أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَ الْفَحْشاءِ بيان لعداوته و وجوب التحرز عن متابعته و استعير الأمر لتزيينه و بعثه لهم على الشر تسفيها لرأيهم و تحقيرا لشأنهم و السوء و الفحشاء ما أنكره العقل و استقبحه الشرع و العطف لاختلاف الوصفين فإنه سوء لاغتمام العاقل به و فحشاء باستقباحه إياه. و قيل السوء يعم القبائح و الفحشاء ما يجاوز الحد في القبح من الكبائر. و قيل الأول ما لا حد فيه و الثاني ما شرع فيه الحد وَ أَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ كاتخاذ الأنداد و تحليل المحرمات و تحريم الطيبات. و قال الرازي اعلم أن أمر الشيطان و وسوسته عبارة عن هذه الخواطر التي نجدها في أنفسنا و قد اختلف الناس في هذه الخواطر من وجوه   أحدها اختلفوا في ماهياتها فقال بعض إنها حروف و أصوات خفية قالت الفلاسفة إنها تصورات الحروف و الأصوات و أشباهها و تخيلاتها على مثال الصور المنطبعة في المرايا فإن تلك الصور تشبه تلك الأشياء من بعض الوجوه و إن لم تكن مشابهة لها من كل الوجوه و لقائل أن يقول صور هذه الحروف و تخيلاتها هل تشبه هذه الحروف في كونها حروفا أو لا تشبهها فإن كان الأول فتصور الحروف حروف فعاد القول إلى أن هذه الخواطر أصوات و حروف خفية و إن كان الثاني لم يكن تصورات هذه الحروف حروفا لكني أجد من نفسي هذه الحروف و الأصوات مترتبة منتظمة على حسب انتظامها في الخارج و العربي لا يتكلم في قلبه إلا بالعربية و كذا الأعجمي و تصورات هذه الحروف و تعاقبها و تواليها في الخارج فثبت أنها في أنفسها حروف و أصوات خفية. و ثانيها أن فاعل هذه الخواطر من هو. أما على أصلنا أن خالق الحوادث بأسرها هو الله تعالى فالأمر ظاهر. و أما على أصل المعتزلة فهم لا يقولون بذلك. و أيضا فإن المتكلم عندهم من فعل الكلام فلو كان فاعل هذه الخواطر هو الله تعالى و فيها ما يكون كذبا لزم كون الله تعالى موصوفا بذلك تعالى الله عنه. و لا يمكن أن يقال إن فاعلها هو العبد لأن العبد قد يكره حصول تلك الخواطر و يحتال في دفعها عن نفسه مع أنها البتة لا يندفع بل ينجر البعض إلى البعض على سبيل الاتصال فإذا لا بد هاهنا من شي‏ء آخر و هو إما الملك و إما الشيطان فلعلهما متكلمان بهذا   الكلام في أقصى الدماغ أو في أقصى القلب حتى إن الإنسان و إن كان في غاية الصمم فإنه يسمع هذه الحروف و الأصوات. ثم إن قلنا بأن الشيطان و الملك ذوات قائمة بأنفسها غير متحيزة البتة لم يبعد كونها قادرة على مثل هذه الأفعال و إن قلنا بأنها أجسام لطيفة لم يبعد أيضا أن يقال إنها و إن كانت لا تتولج بواطن البشر إلا أنهم يقدرون على إيصال هذا الكلام إلى بواطن البشر. و لا يبعد أيضا أن يقال إنها لغاية لطافتها يقدر على النفوذ في مضايق بواطن البشر و مخارق جسمه و توصل الكلام إلى قلبه و دماغه ثم إنها مع لطافتها تكون مستحكمة التركيب بحيث يكون اتصال بعض أجزائه بالبعض اتصالا لا ينفصل فلا جرم لا يقتضي نفوذها في هذه المضايق و المخارق انفصالها و تفرق أجزائها و كل هذه الاحتمالات مما لا دليل على فسادها و الأمر في معرفة حقائقها عند الله تعالى و مما يدل على إثبات إلهام الملائكة بالخير قوله تعالى إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا أي ألهموهم بالثبات و يدل عليه من الأخبار

 قوله ص للشيطان لمة بابن آدم و للملك لمة

 و في الحديث أيضا إذا ولد المولود لبني آدم قرن إبليس به شيطانا و قرن الله به ملكا فالشيطان جاثم على أذن قلبه الأيسر و الملك قائم على أذن قلبه الأيمن فهما يدعوانه

و من الصوفية و الفلاسفة من فسر الملك الداعي إلى الخير بالقوة العقلية و فسر الشيطان الداعي إلى الشر بالقوة الشهوانية و الغضبية و دلت الآية على أن الشيطان لا يأمر إلا بالقبائح لأن الله تعالى ذكره بكلمة إنما و هي للحصر و قال بعض العارفين إن الشيطان قد يدعو إلى الخير لكن لغرض أن يجره منه إلى الشر و ذلك إلى   أنواع إما أن يجره من الأفضل إلى الفاضل السهل أو من السهل إلى الأفضل الأشق ليصير ازدياد المشقة سببا لحصول النفرة عن الطاعة بالكلية. و قال في قوله تعالى الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ اختلفوا في الشيطان فقيل إبليس و قيل سائر الشياطين و قيل شياطين الجن و الإنس و قيل النفس الأمارة بالسوء و الوعد يستعمل في الخير و الشر و يمكن أن يكون هذا محمولا على التهكم و قد مر الكلام في حقيقة الوسوسة في تفسير الاستعاذة. و روى ابن مسعود أن للشيطان لمة و هي الإيعاد بالشر و للملك لمة و هي الوعد بالخير فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله و من وجد الأول فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم و قرأ هذه الآية و روى الحسن قال بعض المهاجرين من سره أن يعلم مكان الشيطان منه فليتأمل موضعه من المكان الذي منه يجد الرغبة في فعل المنكر. و الفحشاء البخل و الفاحش عند العرب البخل و قال في قوله تعالى إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ التخبط معناه التصرف على غير استواء و تخبطه الشيطان إذا مسه بخبل أو جنون و تسمى إصابة الشيطان بالجنون و الخبل خبطة و المس الجنون يقال مس الرجل فهو ممسوس و به مس و أصله من المس باليد كان الشيطان يمس الإنسان فيجننه ثم سمي الجنون مسا كما أن الشيطان يتخبطه و يطؤه برجله فيخبله فسمي الجنون خبطة فالتخبط بالرجل و المس باليد. و قال الجبائي و الناس يقولون المصروع إنما حدثت به تلك الحالة لأن الشيطان يمسه و يصرعه و هذا باطل لأن قدرة الشيطان ضعيفة لا يقدر على صرع   الناس و قتلهم و يدل عليه وجوه أحدها قوله تعالى حكاية عن الشيطان وَ ما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي و هذا صريح في أنه ليس للشيطان قدرة على الصرع و القتل و الإيذاء. و الثاني أن الشيطان إما أن يقال إنه كثيف الجسم أو يقال إنه من الأجسام اللطيفة فإن كان الأول وجب أن يرى و يشاهد إذ لو جاز فيه أن يكون كثيفا و يحضر ثم لا يرى لجاز أن يكون بحضرتنا شموس و رعود و بروق و جبال و نحن لا نراها و ذلك جهالة عظيمة و لأنه لو كان جسما كثيفا فكيف يمكنه أن يدخل في باطن بدن الإنسان و أما إن كان جسما لطيفا كالهواء فمثل هذا يمتنع أن تكون فيه صلابة و قوة فيمتنع أن يكون قادرا على أن يصرع الإنسان و يقتله. الثالث لو كان الشيطان يقدر على أن يصرع الإنسان فيقتله لصح أن يفعل مثل معجزات الأنبياء و ذلك يجر الطعن في النبوة. الرابع أن الشيطان لو قدر على ذلك فلم لا يصرع جميع المؤمنين و لا يخبطهم من شدة عداوته مع أهل الإيمان و لم لا يغصب أموالهم و يفسد أحوالهم و يفشي أسرارهم و يزيل عقولهم و كل ذلك ظاهر الفساد. و احتج القائلون بأن الشيطان يقدر على هذه الأشياء بوجهين. الأول ما روي أن الشياطين في زمان سليمان ع كانوا يعملون الأعمال الشاقة على ما حكى الله عنهم أنهم كانوا يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَ تَماثِيلَ وَ جِفانٍ كَالْجَوابِ وَ قُدُورٍ راسِياتٍ و الجواب عنه أنه تعالى كثف أجسامهم في زمان سليمان ع. و الثاني أن هذه الآية و هي قوله تعالى يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ صريح في أن تخبطه كان من الشيطان و مسه مسببا عنه.

    و الجواب عنه أن الشيطان يمسه بالوسوسة الموذية التي يحدث عندها الصرع و هو كقول أيوب أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَ عَذابٍ و إنما يحدث الصرع عند تلك الوسوسة فلا جرم فيصرع عند تلك الوسوسة كما يفزع الجبان من الموضع الخالي و بهذا المعنى لا يوجد هذا الخبط من الفضلاء الكاملين و أهل الحزم و العقل و إنما يوجد فيمن به نقص في المزاج و خلل في الدماغ و هذا جملة كلام الجبائي في هذا الباب. و ذكر القفال وجها آخر فيه و هو أن الناس يضيفون الصرع إلى الشيطان و إلى الجن فخوطبوا على ما تعارفوه من هذا. و أيضا من عادة الناس أنهم إذا أرادوا تقبيح شي‏ء يضيفوه إلى الشيطان كما في قوله تعالى طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ. و قال الطبرسي قدس سره قيل إن هذا على وجه التشبيه لأن الشيطان لا يصرع الإنسان على الحقيقة و لكن من غلب عليه المرة السوداء و ضعف ربما يخيل إليه الشيطان أمورا هائلة و يوسوس إليه فيقع الصرع عند ذلك من فعل الله تعالى و نسب ذلك إلى الشيطان مجازا لما كان ذلك عند وسوسته عن الجبائي. و قيل يجوز أن يكون الصرع من فعل الشيطان في بعض الناس دون بعض عن أبي الهذيل و ابن الإخشيد قالا لأن الظاهر من القرآن يشهد به و ليس في العقل ما يمنع منه و لا يمنع الله سبحانه الشيطان عنه امتحانا لبعض الناس و عقوبة لبعض على ذنب ألم به و لم يتب منه كما يسلط بعض الناس على بعض فيظلمه و يأخذ ماله و لا يمنعه الله منه.    وَ إِنِّي أُعِيذُها بِكَ قال البيضاوي أجيرها بحفظك الرَّجِيمِ المطرود و أصل الرجم الرمي بالحجارة

 و عن النبي ص ما من مولود يولد إلا و الشيطان يمسه حين يولد فيستهل من مسه إلا مريم و ابنها

و معناه أن الشيطان يطمع في إغواء كل مولود بحيث يتأثر منه إلا مريم و ابنها فإن الله تعالى عصمها ببركة هذه الاستعاذة. إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ قال الرازي قوله الشيطان خبر ذلكم بمعنى إنما ذلكم المثبط هو الشيطان يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ جملة مستأنفة بيان لشيطنته أو الشيطان صفة لاسم الإشارة و يخوف الخبر و المراد بالشيطان الركب و قيل نعيم بن مسعود و سمي شيطانا لعتوه و تمرده في الكفر كقوله شَياطِينَ الْإِنْسِ وَ الْجِنِّ و قيل هو الشيطان يخوف أولياءه بالوسوسة. و قال في قوله سبحانه إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً لأن الله ينصر أولياءه و الشيطان ينصر أولياءه و لا شك أن نصرة الشيطان لأوليائه أضعف من نصرة الله لأوليائه أ لا ترى أن أهل الخير و الدين يبقى ذكرهم الحميد على وجه الدهر و إن كانوا حال حياتهم في غاية الفقر و الذلة و أما الملوك و الجبابرة فإذا ماتوا انقرضوا و لا يبقى في الدنيا رسمهم و لا ظلمهم و الكيد السعي في فساد الحال على جهة الحيلة و فائدة إدخال كان للتأكيد لضعف كيده يعني أنه منذ كان كان موصوفا بالضعف و الذلة و قال البيضاوي وَ لَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ بإرسال الرسول و إنزال الكتاب لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ بالكفر و الضلال إِلَّا قَلِيلًا إلا قليلا منكم تفضل الله عليه بعقل راجح اهتدى به إلى الحق و الصواب و عصمه عن متابعة الشيطان كزيد بن نفيل   و ورقة بن نوفل أو إلا اتباعا قليلا على الندور. و قال في قوله سبحانه إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً يعني اللات و العزى و مناة و نحوها كان لكل حي صنم يعبدونه و يسمونه أنثى بني فلان و ذلك إما لتأنيث أسمائها أو لأنها كانت جمادات و الجمادات تؤنث من حيث إنها ضاهت الإناث لانفعالها و لعله تعالى ذكرها بهذا الاسم تنبيها على أنهم يعبدون ما يسمونه إناثا لأنه ينفعل و لا يفعل و من حق المعبود أن يكون فاعلا غير منفعل ليكون دليلا على تناهي جهلهم و فرط حماقتهم. و قيل المراد الملائكة لقولهم بنات الله وَ إِنْ يَدْعُونَ و إن يعبدون بعبادتها إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً لأنه الذي أمرهم بعبادتها و أغراهم عليها فكان طاعته في ذلك عبادة له و المارد و المريد الذي لا يعلق بخير و أصل التركيب للملابسة و منه صرح ممرد و غلام أمرد و شجرة مرداء للتي تناثر ورقها لَعَنَهُ اللَّهُ صفة ثانية للشيطان وَ قالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً عطف عليه أي شيطانا مريدا جامعا بين لعنة الله و هذا القول الدال على فرط عداوته للناس. وَ لَأُضِلَّنَّهُمْ عن الحق وَ لَأُمَنِّيَنَّهُمْ الأماني الباطلة كطول البقاء و أن لا بعث و لا عقاب وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ يشقونها لتحريم ما أحله الله و هي عبارة عما كانت العرب تفعل بالبحائر و السوائب و إشارة إلى تحريم كل ما أحل الله و نقص كل ما خلق كاملا بالفعل أو بالقوة وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ عن وجهه صورة أو صفة و يندرج فيه ما قيل من فق‏ء عين الحامي و خصاء العبيد و الوشر و الوشم و اللواط و السحق و نحو ذلك و عبادة الشمس و القمر و تغيير فطرة الله

    التي هي الإسلام و استعمال الجوارح و القوى فيما لا يعود على النفس كمالا و لا يوجب لها من الله زلفا و عموم اللفظ يمنع الخصاء مطلقا لكن الفقهاء رخصوا في خصاء البهائم للحاجة و الجمل الأربع حكاية عما ذكره الشيطان نطقا أو أتاه فعلا. وَ مَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ بإيثاره ما يدعوه إليه على ما أمره الله به و مجاوزته عن طاعة الله إلى طاعته فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً إذ ضيع رأس ماله و بدل مكانه من الجنة بمكان من النار يَعِدُهُمْ ما لا ينجز وَ يُمَنِّيهِمْ ما لا ينالون وَ ما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً و هو إظهار النفع فيما فيه الضرر و هذا الوعد إما بالخواطر الفاسدة أو بلسان أوليائه وَ لا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً معدلا و مهربا. و قال الرازي بعد إيراد كلام المفسرين و يخطر ببالي هاهنا وجه آخر في تخريج الآية على سبيل المعنى و ذلك لأن دخول الضرر و المرض في الشي‏ء يكون على ثلاثة أوجه التشوش و النقصان و البطلان فادعى الشيطان إلقاء أكثر الخلق في مرض الدين و ضرر الدين و هو قوله وَ لَأُمَنِّيَنَّهُمْ ثم إن هذا المرض لا بد و أن يكون على أحد العلل الثلاثة التي ذكرناها و هي التشوش و النقصان و البطلان. فأما التشوش فالإشارة إليه بقوله وَ لَأُمَنِّيَنَّهُمْ و ذلك لأن صاحب الأماني يستعمل عقله و فكره في استخراج المعاني الدقيقة و الحيل و الوسائل اللطيفة في تحصيل المطالب الشهوانية و الغضبية فهذا مرض روحاني من جنس التشوش. و أما النقصان فالإشارة إليه بقوله وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ و ذلك لأن بتك الآذان نوع من النقصان و هذا لأن الإنسان إذا صار بحيث يستغرق العقل في طلب الدنيا صار فاتر الرأي ضعيف الحزم في طلب الآخرة. و أما البطلان فالإشارة بقوله فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ و ذلك لأن التغيير يوجب بطلان الصفة الحاصلة في المرة الأولى و من المعلوم أن من بقي مواظبا على طلب اللذات العاجلة معرضا عن السعادات الروحانية فلا يزال يشتد في قلبه الرغبة في الدنيا   و النفرة عن الآخرة و لا يزال تتزايد هذه الأحوال إلى أن يتغير القلب بالكلية فلا يخطر بباله ذكر الآخرة البتة و لا يزول عن خاطره حب الدنيا البتة فتكون حركته و سكونه و قوله لأجل الدنيا و ذلك يوجب تغير الخلقة لأن الأرواح البشرية إنما دخلت هذا العالم الجسماني على سبيل السفر و هي متوجهة إلى عالم القيامة. فإذا نسيت معادها و ألفت هذه المحسوسات التي لا بد من انقضائها و فنائها كان هذا بالحقيقة تغير الخلقة و هو كما قال تعالى وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ و قال فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَ لكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ. و قال في قوله تعالى إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ إلخ أما وجه العداوة في الخمر فإن الظاهر فيمن يشربها أنه يشربها مع جماعة و يكون غرضه من ذلك الشرب أن يستأنس برفقائه و يفرح بمحادثتهم و مكالمتهم و كان غرضه من ذلك الاجتماع تأكيد الألفة و المحبة إلا أن ذلك ينقلب في الأغلب إلى الضد لأن الخمر تزيل العقل و إذا زال العقل استولت الشهوة و الغضب من غير مدافعة العقل و عند استيلائهما تحصل المنازعة بين أولئك الأحباب و تلك المنازعة ربما أدت إلى الضرب و القتل و المشافهة بالفحش و ذلك يوجب أشد العداوة و البغضاء. و أما الميسر ففيه بإزاء التوسعة على المحتاجين الإجحاف بأرباب الأموال لأن من صار مغلوبا في القمار مرة دعاه ذلك إلى اللجاج فيه على رجاء أنه ربما صار غالبا

    فيه و قد يتفق أن لا يحصل له ذلك إلى أن لا يبقى له شي‏ء من المال و إلى أن يقامر على لحيته و أهله و ولده و لا شك أنه يبقى بعد ذلك فقيرا مسكينا و يصير من أعدى الأعداء لأولئك الذين كانوا غالبين له فظهر أن الخمر و الميسر سببان عظيمان في إثارة العداوة و البغضاء بين الناس و لا شك أن شدة العداوة و البغضاء تفضي إلى أحوال مذمومة من الهرج و المرج و الفتن و كل ذلك مضار لمصالح العالم و أشار إلى المفاسد الدينية بقوله تعالى وَ يَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَ عَنِ الصَّلاةِ. قوله وَ كَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا قيل المراد كما أمرناك بعداوة قومك من المشركين فقد أمرنا من قبلك بمعاداة أعدائهم من الجن و الإنس و متى أمر الله رسوله بمعاداة قوم من المشركين فقد جعلهم أعداء له. و قيل معناه حكمنا بأنهم أعداء و أخبرنا بذلك ليعاملوهم معاملة الأعداء في الاحتراز عنهم. و قيل أي خلينا بينهم و بين اختيارهم العداوة لم نمنعهم من ذلك جبرا. و قيل إنه سبحانه لما أرسل إليهم الرسل و أمرهم بدعائهم إلى الإسلام و خلع الأنداد نصبوا عند ذلك العداوة لأنبيائه فلذا أضاف تعالى إلى نفسه و المراد بشياطين الإنس و الجن مردة الكفار من الفريقين. و قيل إن شياطين الإنس الذين يغوونهم و شياطين الجن الذين هم من ولد إبليس. و قال الطبرسي رحمه الله في تفسير الكلبي عن ابن عباس أن إبليس جعل جنده فريقين فبعث فريقا منهم إلى الإنس و فريقا إلى الجن فشياطين الإنس و الجن أعداء الرسل و المؤمنين فتلقى شياطين الإنس و شياطين الجن في كل حين فيقول بعضهم لبعض أضللت صاحبي بكذا فأضل صاحبك بمثلها فكذلك يوحي بعضهم إلى بعض  

 و روي عن أبي جعفر ع أيضا أنه قال إن الشياطين يلقى بعضهم بعضا فيلقي إليه ما يغوي به الخلق حتى يتعلم بعضهم من بعض

 يُوحِي أي يوسوس و يلقي خفية زُخْرُفَ الْقَوْلِ أي المموه المزين الذي يستحسن ظاهره و لا حقيقة له و لا أصل غُرُوراً أي يغرونهم بذلك غرورا أو ليغروهم بذلك. و قال الرازي اعلم أنه لا يجب أن يكون كل معصية تصدر عن إنسان فإنها تكون بسبب وسوسة شيطان و إلا لزم التسلسل أو الدور فوجب الاعتراف بانتهاء هذه القبائح و المعاصي إلى قبيح أول و معصية سابقة حصلت لا بوسوسة شيطان آخر إذا ثبت هذا فنقول إن أولئك الشياطين كما أنهم يلقون الوساوس إلى الإنس و الجن فقد يوسوس بعضهم بعضا و للناس فيه مذاهب منهم من قال الأرواح إما فلكية و إما أرضية و الأرواح الأرضية منها طيبة طاهرة و منها خبيثة قذرة شريرة تأمر بالمعاصي و القبائح و هم الشياطين. ثم إن تلك الأرواح الطيبة كما أنها تأمر الناس بالطاعات و الخيرات فكذلك قد يأمر بعضهم بعضا بالطاعات و الأرواح الخبيثة كما أنها تأمر الناس بالقبائح و المنكرات فكذلك قد يأمر بعضهم بعضا بتلك القبائح و الزيادة فيها و ما لم يحصل نوع من أنواع المناسبة بين النفوس البشرية و بين تلك الأرواح لم يحصل ذلك الانضمام بالنفوس البشرية و إذا كانت طاهرة نقية عن الصفات الذميمة كانت في جنس الأرواح الخبيثة فتنتظم إليها.   ثم إن صفات الطهر كثيرة و صفات النقص و الخسران كثيرة و بحسب كل نوع منها طوائف من البشر و طوائف من الأرواح الأرضية. و بحسب تلك المجانسة و المشابهة و المشاكلة ينضم الجنس إلى جنسه فإن كان ذلك في أفعال الخير كان الحاصل عليها ملكا و كان تقوية ذلك الخاطر إلهاما و إن كان في باب الشر كان الحاصل عليها شيطانا و كان تقوية ذلك الخاطر وسوسة و يقال فلان يزخرف كلامه إذا زينه بالباطل و الكذب و كل شي‏ء حسن مموه فهو مزخرف. و تحقيقه أن الإنسان ما لم يعتقد في أمر من الأمور كونه مشتملا على خير راجح و نفع زائد فإنه لا يرغب فيه و لذلك سمي الفاعل المختار مختارا لكونه طالبا للخير و النفع ثم إن كان هذا الاعتقاد مطابقا للمعتقد فهو الحق و الصدق و الإلهام و إن كان صادرا من الملك و إن لم يكن مطابقا للمعتقد فحينئذ يكون ظاهره مزينا لأنه في اعتقاده سبب للنفع الزائد و الصلاح الراجح و يكون باطنه فاسدا لأن هذا الاعتقاد غير مطابق للمعتقد فكان مزخرفا. قوله تعالى وَ إِنَّ الشَّياطِينَ قال الطبرسي قدس سره يعني علماء الكافرين و رؤساءهم المتمردين في كفرهم لَيُوحُونَ أي يوحون و يشيرون إِلى أَوْلِيائِهِمْ الذين اتبعوهم من الكفار لِيُجادِلُوكُمْ في استحلال الميتة و قال ابن عباس معناه و إن الشياطين من الجن و هم إبليس و جنوده ليوحون إلى أوليائهم من الإنس و الوحي إلقاء

    المعنى إلى النفس من وجه خفي و هم يلقون الوسوسة إلى قلوب أهل الشرك قوله فَبِما أَغْوَيْتَنِي قيل أي خيبتني من رحمتك و جنتك و قيل أي صرت سببا لغوايتي بأن أمرتني بالسجود لآدم فغويت عنده و قيل أي أهلكتني بلعنك إياي و قيل هذا جرى على اعتقاد إبليس فإنه كان مجبرا لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ أي أرصد لهم لأقطع سبيلهم صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ أي دين الحق أو الأعم و هو منصوب على الظرفية و قيل تقديره على صراطك ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ إلخ أي من جميع الجهات و بأي وجه أمكنه. و قيل من جهة دنياهم و آخرتهم و من جهة حسناتهم و سيئاتهم عن ابن عباس و غيره. و حاصله أني أزين لهم الدنيا و أخوفهم بالفقر و أقول لهم لا جنة و لا نار و لا بعث و لا حساب و أثبطهم عن الحسنات و أشغلهم عنها و أحبب إليهم السيئات و أحثهم عليها قال ابن عباس و إنما لم يقل و من فوقهم لأن فوقهم جهة نزول الرحمة من السماء فلا سبيل له إلى ذلك و لم يقل من تحت أرجلهم لأن الإتيان منه موحش. و قيل مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ و عَنْ أَيْمانِهِمْ من حيث يبصرون وَ مِنْ خَلْفِهِمْ و عَنْ شَمائِلِهِمْ من حيث لا يبصرون

 و روي عن أبي جعفر ع قال ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ معناه أهون عليهم أمر الآخرة وَ مِنْ خَلْفِهِمْ آمرهم بجمع الأموال و البخل بها عن الحقوق لتبقى لورثتهم وَ عَنْ أَيْمانِهِمْ أفسد عليهم أمر دينهم بتزيين الضلالة و تحسين الشبهة وَ عَنْ شَمائِلِهِمْ بتحبيب اللذات إليهم و تغليب الشهوات على قلوبهم

و قال البيضاوي مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ من حيث يعلمون و يقدرون على التحرز   عنه وَ مِنْ خَلْفِهِمْ من حيث لا يعلمون و لا يقدرون وَ عَنْ أَيْمانِهِمْ وَ عَنْ شَمائِلِهِمْ من حيث يتيسر لهم أن يعلموا أو يتحرزوا و لكن لم يفعلوا لعدم تيقظهم و احتياطهم و إنما عدى الفعل إلى الأولين بحرف الابتداء لأنه منهما متوجه إليهم و إلى الآخرين بحرف المجاوزة لأن الآتي منهما كالمنحرف عنهم المار على عرضهم و نظيره قولهم جلست عن يمينه وَ لا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ مطيعين و إنما قاله ظنا لقوله وَ لَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ لما رأى مبدأ الشر فيهم متعددا و مبدأ الخير واحدا و قيل سمعه من الملائكة مَذْؤُماً أي مذموما مَدْحُوراً مطرودا. و قال الرازي بعد ذكر بعض هذه الوجوه أما حكماء الإسلام فقد ذكروا فيها وجوها أخرى. أولها و هو الأشرف الأقوى أن في البدن قوى أربعا هي الموجبة لفوات السعادات الروحانية. فإحداها القوة الخيالية التي تجمع فيها صور المحسوسات و مثلها و هي موضوعة في البطن المقدم من الدماغ و صور المحسوسات إنما ترد عليها من مقدمها و إليه الإشارة بقوله مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ و القوة الثانية القوة الوهمية التي تحكم في غير المحسوسات بالأحكام المناسبة للمحسوسات و هي موضوعة في البطن المؤخر من الدماغ و إليه الإشارة بقوله وَ مِنْ خَلْفِهِمْ و القوة الثالثة الشهوة و هي موضوعة في الكبد و هي يمين البدن و القوة الرابعة الغضب و هي موضوعة في البطن الأيسر من القلب فهذه القوى الأربع هي التي تتولد منها أحوال توجب زوال السعادة الروحانية و الشياطين الخارجية ما لم تستعن بشي‏ء من هذه القوى الأربع لم يقدر على إلقاء الوسوسة فهذا هو السبب في تعيين الجهات الأربع و هو وجه حقيقي شريف.   و ثانيها أن قوله لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ المراد منه الشبهات المبنية على التشبيه إما في الذات و الصفات مثل شبه المجسمة و إما في الأفعال مثل شبه المعتزلة في التعديل و التخويف و التحسين و التقبيح وَ مِنْ خَلْفِهِمْ المراد منه الشبهات الناشئة من التعطيل. أما الأول فلأن الإنسان يشاهد هذه الجسمانيات و أحوالها و هي حاضرة بين يديه فيعتقد أن الغائب يجب أن يكون مساويا لهذا الشاهد و هذا يوجب أن يكون مِنْ خَلْفِهِمْ كناية عن التعطيل لأنه خلافه و أما قوله عَنْ أَيْمانِهِمْ فالمراد به الترغيب في ترك المأمورات وَ عَنْ شَمائِلِهِمْ الترغيب في ترك المنهيات. و ثالثها نقل عن شقيق أنه قال ما من صباح إلا و يأتيني الشيطان من الجهات الأربع من بين يدي و من خلفي و عن يميني و عن شمالي أما بين يدي فيقول لا تخف فإن الله غفور رحيم فأقرأ وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً و أما من خلفي فيخوفني من وقوع أولادي في الفقر فأقرأ وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها و أما من قبل يميني فيأتيني من قبل النساء فأقرأ وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ و أما من قبل شمالي فيأتيني من قبل الشهوات فأقرأ وَ حِيلَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ ما يَشْتَهُونَ ثم قال فالغرض منه أنه يبالغ في إلقاء الوسوسة و لا يقصر في وجه من الوجوه الممكنة.

 و عن رسول الله ص أنه قال إن الشيطان قعد لابن آدم بطريق الإسلام فقال له تدع دين آبائك فعصاه فأسلم ثم قعد له بطريق الهجرة فقال له تدع ديارك و تتغرب فعصاه و هاجر ثم قعد له بطريق الجهاد فقال له تقاتل فتقتل فيقسم مالك و تنكح   امرأتك فعصاه فقاتل

فهذا الخبر يدل على أن الشيطان لا يترك جهة من جهات الوسوسة إلا و يلقيها في القلب. فإن قيل فلم لم يذكر من فوقهم و من تحتهم. قلنا أما في التحقيق فقد ذكرنا أن القوى التي يتولد منها ما يوجب تفوت السعادات الروحانية فهي موضوعة في هذه الجوانب الأربعة. و أما في الظاهر فيروى أن الشيطان لما قال هذا الكلام رقت قلوب الملائكة على البشر فقالوا يا إلهنا كيف يتخلص الإنسان من الشيطان مع كونه مستوليا عليه من هذه الجهات الأربع فأوحى الله تعالى إليهم أنه بقي للإنسان جهتان الفوق و التحت فإذا رفع يديه إلى فوق في الدعاء على سبيل الخضوع أو وضع جبهته على الأرض على سبيل الخشوع غفرت له ذنب سبعين سنة. و قال في نكتة التعدية بمن في الأولين و بعن في الآخرين قد ذكرنا أن المراد من قوله مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ الخيال و الوهم و الضرر الناشي منهما هو حصول العقائد الباطلة و هو الكفر و من قوله عَنْ أَيْمانِهِمْ وَ عَنْ شَمائِلِهِمْ الشهوة و الغضب و ذلك هو المعصية و لا شك أن الضرر الحاصل من الكفر لازم لأن عقابه دائم و أما الضرر الحاصل من المعصية فسهل لأن عقابه منقطع فلهذا السبب خص هذين القسمين بكلمة عن تنبيها على أن هذين القسمين في اللزوم و الاتصال دون القسم الأول. و قال في وجه معرفة إبليس كون أكثرهم غير شاكرين إنه جعل للنفس تسع   عشرة قوة و كلها تدعو النفس إلى اللذات الجسمانية و الطيبات الشهوانية فعشرة منها الحواس الظاهرة و الباطنة و اثنان الشهوة و الغضب و سبعة هي القوى الكامنة و هي الجاذبة و الماسكة و الهاضمة و الدافعة و الغاذية و النامية و المولدة فمجموعها تسعة عشر و هي بأسرها تدعو النفس إلى عالم الجسم و ترغبها في طلب اللذات البدنية و أما العقل فهو قوة واحدة و هي التي تدعو النفس إلى عبادة الله تعالى و طلب السعادة الروحانية و لا شك أن استيلاء تسع عشرة قوة أكمل من استيلاء القوة الواحدة. قوله تعالى إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَ قَبِيلُهُ قال الطبرسي رحمه الله أي نسله يدل عليه قوله أَ فَتَتَّخِذُونَهُ وَ ذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي و قيل جنوده و أتباعه من الجن و الشياطين مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ قال ابن عباس إن الله تعالى جعلهم يجرون من بني آدم مجرى الدم و صدور بني آدم مساكن لهم كما قال الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ فهم يرون بني آدم و بنو آدم لا يرونهم و إنما لا يراهم البشر لأن أجسامهم شفافة لطيفة يحتاج في رؤيتها إلى فضل شعاع. و قال أبو بكر بن الإخشيد و أبو الهذيل يجوز أن يمكنهم الله سبحانه فيتكثفوا فيراهم حينئذ من يحضرهم و إليه ذهب علي بن عيسى و قال إنهم ممكنون من ذلك و هو الذي نصره الشيخ المفيد أبو عبد الله قال الشيخ أبو جعفر قدس الله روحه و هو الأقوى عندي و قال الجبائي لا يجوز أن يرى الشياطين و الجن لأن الله تعالى قال لا تَرَوْنَهُمْ و إنما يجوز أن يروا في زمن الأنبياء ع بأن يكثف الله أجسادهم علما للأنبياء كما يجوز أن يرى الناس الملائكة في زمن الأنبياء إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ أي حكمنا بذلك لأنهم يتناصرون على الباطل. و قال الرازي قال أصحابنا إنهم يرون الإنسان لأنه تعالى خلق في عيونهم

    إدراكا و الإنس لا يرونهم لأنه تعالى لم يخلق هذا الإدراك في عيون الإنس و قالت المعتزلة الوجه في أن الإنس لا يرون الجن لرقة أجسام الجن و لطافتها و الوجه في رؤية الجن للإنس كثافة أجسام الإنس و الوجه في أن يرى بعض الجن بعضا أن الله تعالى يقوي شعاع أبصار الجن و يزيد فيه و لو زاد الله في قوة بصرنا لرأيناهم كما يرى بعضهم بعضا و لو أنه تعالى كثف أجسامهم و بقيت أبصارنا على هذه الحالة لرأيناهم. فعلى هذا كون الإنس مبصرا للجن موقوف عند المعتزلة إما على ازدياد كثافة أجسام الجن أو على ازدياد قوة أبصار الإنس و قوله تعالى مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ يدل على أن الإنس لا يرون الجن لأن قوله مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ يدل على أن الإنس لا يرون الجن لأن قوله مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ يتناول أوقات الاستقبال من غير تخصيص قال بعض العلماء لو قدر الجن على تغير صور أنفسهم بأي صورة شاءوا أو أرادوا لوجب أن ترتفع الثقة عن معرفة الناس فلعل هذا الذي نشاهده و حكم عليه بأنه ولدي أو زوجتي جني صور نفسه بصورة ولدي أو زوجتي. و على هذا التقدير يرتفع الوثوق عن معرفة الأشخاص و أيضا فلو كانوا قادرين على تخبيط الناس و إزالة العقل مع أنه تعالى بين العداوة الشديدة بينهم و بين الإنس فلم لا يفعلون ذلك في حق أكثر البشر و في حق العلماء و الأفاضل و الزهاد لأن هذه العداوة بينهم و بين العلماء و الزهاد أكثر و أقوى و لما لم يوجد شي‏ء من ذلك ثبت أنه لا قدرة لهم على البشر بوجه من الوجوه و يتأكد هذا بقوله ما كانَ لِي عَلَيْكُمْ   مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي قال مجاهد قال إبليس أعطنا أربع خصال نرى و لا نرى و نخرج من تحت الثرى و يعود شيخنا فتى. قوله تعالى وَ إِمَّا يَنْزَغَنَّكَ قال الطبرسي قدس سره معناه يا محمد إن نالك من الشيطان وسوسة في القلب. و النزغ الإزعاج بالإغواء و أكثر ما يكون ذلك عند الغضب و أصله الإزعاج بالحركة. و قيل النزغ الفساد و منه نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَ بَيْنَ إِخْوَتِي أي أفسد قال الزجاج النزغ أدنى حركة تكون و من الشيطان أدنى وسوسة فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ أي سل الله عز اسمه أن يعيذك منه إِنَّهُ سَمِيعٌ للمسموعات عَلِيمٌ بالخفيات. و قيل سميع لدعائك عليم بما عرض لك و قيل النزغ أول الوسوسة و المس لا يكون إلا بعد التمكن و لذلك فصل الله سبحانه بين النبي و غيره فقال للنبي ص وَ إِمَّا يَنْزَغَنَّكَ و قال للناس إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ معناه إذا وسوس إليهم الشيطان و أغراهم بمعاصيه تَذَكَّرُوا ما عليهم من العقاب بذلك فيجتنبونه و يتركونه قال الحسن يعني إذا طاف عليهم الشيطان بوساوسه و قال ابن جبير هو الرجل يغضب الغضبة فيتذكر و يكظم غيظه و قيل طائف غضب و طيف جنون و قيل معناهما واحد فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ للرشد وَ إِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ معناه و إخوان المشركين من شياطين الجن و الإنس يمدونهم في الضلال و المعاصي أي يزيدونهم فيه و يزينون لهم ما هم فيه ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ ثم لا يكفون يعني الشياطين عن استغوائهم و لا يرحمونهم و قيل معناه و إخوان الشياطين من الكفار يمدهم الشياطين في الغي ثم لا يقصرون هؤلاء كما يقصر الذين اتقوا و قيل معناه ثم لا يقصر

    الشياطين عن إغوائهم و لا يقصرونهم عن ارتكاب الفواحش و قال رحمه الله في قوله سبحانه وَ إِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ أي و اذكروا إذ زين الشيطان للمشركين أعمالهم أي حسنها في نفوسهم و ذلك أن إبليس حسن لقريش مسيرهم إلى بدر لقتال النبي ص وَ قالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ أي لا يغلبكم أحد من الناس لكثرة عددكم و قوتكم وَ إِنِّي مع ذلك جارٌ لَكُمْ أي ناصر لكم و دافع عنكم السوء و إني عاقد لكم عقد الأمان من عدوكم فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ أي التقت الفرقتان نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ أي رجع القهقرى منهزما وراءه وَ قالَ إِنِّي بَرِي‏ءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ أي رجعت عما ضمنت لكم من الأمان و السلامة لأني أرى من الملائكة الذين جاءوا لنصر المسلمين ما لا تَرَوْنَ و كان إبليس يعرف الملائكة و هم كانوا يعرفونه إِنِّي أَخافُ اللَّهَ أي أخاف عذاب الله على أيدي من أراهم وَ اللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ لا يطاق عقابه. أقول ثم ذكر رحمه الله كيفية ظهور الشيطان لهم كما ذكرناه في باب قصة بدر ثم قال و رأيت في كلام الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان ره أنه يجوز أن يقدر الله تعالى الجن و من جرى مجراهم على أن يتجمعوا و يعتمدوا ببعض جواهرهم على بعض حتى يتمكن الناس من رؤيتهم و يتشبهوا بغيرهم من أنواع الحيوان لأن أجسامهم من الرقة على ما يمكن ذلك فيها و قد وجدنا الإنسان يجمع الهوى و يفرقه و يغير صور الأجسام الرخوة ضروبا من التغيير و أعيانها لم تزد و لم تنقص و قد استفاض الخبر بأن إبليس تراءى لأهل دار الندوة في صورة شيخ من أهل نجد و حضر يوم بدر في صورة سراقة و أن جبرئيل ع ظهر لأصحاب رسول الله ص في صورة دحية الكلبي قال و غير محال أيضا أن يغير الله صورهم و يكثفها في بعض الأحوال فيراهم   الناس لضرب من الامتحان. و قال الرازي في قوله تعالى وَ إِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ في كيفية هذا التزيين وجهان. الأول أن الشيطان زين بوسوسته من غير أن يتحول في صورة إنسان و هو قول الحسن و الأصم. الثاني أنه ظهر في صورة إنسان قالوا إن المشركين حين أرادوا المسير إلى بدر خافوا من بني بكر بن كنانة لأنهم كانوا قتلوا منهم واحدا فلم يأمنوا أن يأتوهم من ورائهم فتصور لهم إبليس بصورة سراقة بن مالك بن جعشم من بني بكر بن كنانة و كان من أشرافهم في جند من الشياطين و معه راية وَ قالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ و إني مجيركم من بني كنانة و لما رأى إبليس الملائكة تنزل نكص. و قيل كانت يده في يد الحارث بن هشام فلما نكص قال له الحارث أ تخذلنا في هذه الحال فقال إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ و دفع في صدر الحارث و انهزموا و في هذه القصة سؤالات. الأول ما الفائدة في تغيير صورة إبليس إلى صورة سراقة. و الجواب فيه معجزة عظيمة للرسول و ذلك لأن كفار قريش لما رجعوا إلى مكة قالوا هزم الناس سراقة فقال ما شعرت بمسيركم حتى بلغتني هزيمتكم فعند ذلك تبين للقوم أن ذلك الشخص ما كان سراقة بل كان شيطانا. الثاني أنه تعالى لما غير صورته إلى صورة البشر فما بقي شيطانا بل صار بشرا. و الجواب لا نسلم فإن الإنسان إنما كان إنسانا بجوهر نفسه الناطقة و نفوس الشياطين مخالفة لنفوس البشر فلم يلزم من تغيير الصورة تغيير الحقيقة و هذا الباب أحد الدلائل السمعية على أن الإنسان ليس إنسانا بحسب بنيته الظاهرة و صورته   المخصوصة إلى آخر كلامه في هذا المقام. قوله تعالى مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي في الكشاف نزغ أفسد بيننا و أغرى و أصله من نخس الرائض الدابة و حملها على الجري. قوله تعالى وَ قالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ قال الرازي قال المفسرون إذا استقر أهل الجنة في الجنة و أهل النار في النار فيشرع الناس في لوم إبليس و تقريعه فيقوم فيما بينهم خطيبا و يقول ما أخبر الله تعالى عنه بقوله وَ قالَ الشَّيْطانُ و قيل إن المراد لما انقضت المحاسبة و الأول أولى و المراد بالشيطان إبليس

 و عن رسول الله ص أنه إذا جمع الله الخلق و قضى الأمر بينهم يقول الكافر قد وجد المسلمون من شفع لهم فمن يشفع لنا ما هو إلا إبليس هو الذي أضلنا فيأتونه و يسألونه فعند ذلك يقول هذا القول

 إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ هو البعث و الجزاء على الأعمال فوفى لكم وَ وَعَدْتُكُمْ خلاف ذلك فَأَخْلَفْتُكُمْ. و تقدير الكلام أن النفس تدعو إلى هذه الأحوال الدنيوية و لا تتصور كيفية السعادات الأخروية و الكلمات النفسانية و الله يدعو إليها و يرغب فيها كما قال وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ وَ أَبْقى و قوله وَعْدَ الْحَقِّ من قبيل إضافة الشي‏ء إلى   نعته كقوله حَبَّ الْحَصِيدِ. و أما قوله ما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ أي قدرة و مكنة و تسلط و قهر فأقهركم على الكفر و المعاصي و ألجئكم إليها إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ إلا دعائي إليكم إلى الضلالة بوسوستي و تزييني و الاستثناء منقطع أو متصل لأن قدرة الإنسان على حمل الغير على عمل من الأعمال تارة تكون بالقهر و القسر و تارة تكون بتقوية الداعية في قلبه بإلقاء الوساوس إليه فهذا نوع من أنواع التسليط إلا أن ظاهر هذه الآية يدل على أن الشيطان لا قدرة له على تصريع الإنسان و لا على تعويج أعضائه و جوارحه و لا على إزالة العقل عنه كما تقوله العوام و الحشوية ثم قال فَلا تَلُومُونِي وَ لُومُوا أَنْفُسَكُمْ يعني ما كان مني إلا الدعاء و الوسوسة و كنتم سمعتم دلائل الله و شاهدتم مجي‏ء أنبياء الله فكان من الواجب عليكم أن لا تغتروا بقولي و لا تلتفتوا إلي فلما رجحتم قولي على الدلائل الظاهرة كان اللوم عليكم لا علي في هذا الباب. و في هذه الآية مسألتان الأولى قالت المعتزلة هذه الآية تدل على أشياء الأول أنه لو كان الكفر و المعصية من الله تعالى لوجب أن يقال فلا تلوموني و لا على أنفسكم فإن الله قضى عليكم الكفر و أجبركم عليه. و الثاني ظاهر هذه الآية تدل على أن الشيطان لا قدرة له على تصريع الإنسان و على تعويج أعضائه و لا على إزالة العقل عنه كما تقوله العوام و الحشوية. و الثالث هذه الآية تدل على أن الإنسان لا يجوز ذمه و لومه و عقابه بسبب فعل الغير و عند هذا يظهر أنه لا يجوز عقاب أولاد الكفار بسبب كفر آبائهم. و أجاب بعض الأصحاب عن هذه الوجوه بأن هذا قول الشيطان فلا يجوز التمسك   به و أجاب الخصم عنه بأنه لو كان هذا القول منه باطلا لبين الله تعالى بطلانه و أظهر إنكاره و أيضا أي فائدة في ذكر هذا الكلام الباطل و القول الفاسد أ لا ترى أن قوله إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَ وَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ كلام حق و قوله وَ ما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ قول حق بدليل قوله إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ. الثانية هذه الآية تدل على أن الشيطان الأصلي هو النفس و ذلك لأن الشيطان بين أنه ما أتى إلا بالوسوسة فلو لا الميل الحاصل بسبب الشهوة و الغضب و الوهم و الخيال لم يكن لوسوسته تأثير البتة فدل هذا على أن الشيطان الأصلي هو النفس. فإن قال قائل بينوا لنا حقيقة الوسوسة. قلنا الفعل إنما يصدر عن الإنسان لحصول أمور أربعة يترتب بعضها على البعض ترتيبا لازما طبيعيا. بيانه أن أعضاء الإنسان بحكم السلامة الأصلية و الصلاحية الطبيعية صالحة للفعل و الترك و الإقدام و الإجحام فلما لم يحصل في القلب ميل إلى ترجيح الفعل على الترك أو بالعكس فإنه يمتنع صدور الفعل و ذلك الميل هو الإرادة الجازمة و القصد الجازم ثم إن تلك الإرادة الجازمة لا تحصل إلا عند حصول علم و اعتقاد أو ظن بأن ذلك الفعل سبب للنفع أو سبب للضرر فإن لم يحصل فيه هذا الاعتقاد لم يحصل ميل لا إلى الفعل و لا إلى الترك. فالحاصل أن الإنسان إذا أحس بشي‏ء ترتب عليه شعور بكونه ملائما له أو بكونه منافرا له أو بكونه غير ملائم و لا منافر فإن حصل الشعور بكونه ملائما له ترتب عليه الميل الجازم إلى الفعل و إن حصل الشعور بكونه منافرا له ترتب عليه الميل الجازم إلى الترك و إن لم يحصل لا هذا و لا ذاك لم يحصل ميل لا إلى الشي‏ء

    و لا إلى ضده بل بقي الإنسان كما كان و عند حصول ذلك الميل الجازم يصير القدرة مع ذلك الميل موجبا للفعل إذا عرفت هذا فنقول صدور الفعل عن مجموعي القدرة و الداعي الخالص أمر واجب فلا يكون للشيطان مدخل فيه و صدور الميل عن تصور كونه خيرا أو تصور كونه شرا أمر واجب فلا يكون للشيطان مدخل فيه و حصول تصور كونه خيرا أو تصور كونه شرا غير مطلق الشعور بذاته أمر لازم فلا مدخل للشيطان فيه فلم يبق للشيطان مدخل في هذه المقامات إلا في أن أذكره شيئا بأن يلقي إليه حديثه مثل أن كان الإنسان غافلا عن صورة امرأة فيلقي الشيطان حديثها في خاطره و الشيطان لا قدرة له إلا في هذا المقام و هو عين ما حكى الله تعالى عنه أنه قال وَ ما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي يعني ما كان مني إلا هجس هذه الدعوة فأما بقية المراتب ما صدرت مني و ما كان لي أثر البتة. بقي في هذا المقام سؤالان الأول كيف يعقل تمكن الشيطان من النفوذ في داخل أعضاء الإنسان و إلقاء الوسوسة إليه. و الجواب للناس في الملائكة و الشياطين قولان الأول ما سوى الله بحسب القسمة العقلية على أقسام ثلاثة المتحيز و الحال في المتحيز و الذي لا يكون متحيزا و لا حالا فيه. و هذا القسم الثالث لم يقم الدليل البتة على فساد القول به بل الدلائل الكثيرة قامت على صحة القول به و هذا هو المسمى بالأرواح فهذه الأرواح إن كانت طاهرة مقدسة من عالم الروحانيات المقدسة فهم الملائكة و إن كانت خبيثة داعية إلى   الشرور و عالم الأجساد و منازل الظلمات فهم الشياطين. إذا عرفت هذا فنقول فعلى هذا التقدير الشيطان لا يكون جسما يحتاج إلى الولوج في داخل البدن بل هو جوهر روحاني خبيث الفعل مجبول على الشر و النفس الإنسانية أيضا كذلك فلا يبعد على هذا التقدير أن يلقي شي‏ء من تلك الأرواح أنواعا من الوساوس و الأباطيل إلى جوهر النفس الإنسانية. و ذكر بعض العلماء في هذا الباب احتمالا ثانيا و هو أن النفس الناطقة البشرية مختلفة بالنوع فهي طوائف و كل طائفة منها في تدبير روح من الأرواح السماوية بعينها فنوع من النفوس البشرية تكون حسنة الأخلاق كريمة الأفعال موصوفة بالفرح و السرور و سهولة الأمر و هي تكون منتسبة إلى روح معين من الأرواح السماوية و طائفة أخرى منها تكون موصوفة بالحدة و القسوة و الغلظة و عدم المبالاة بأمر من الأمور و هي تكون منتسبة إلى روح أخرى من الأرواح السماوية و هذه الأرواح البشرية كالعون لتلك الروح السماوي و كالنتائج الحاصلة و كالفروع المتفرعة عليها و تلك الروح السماوية هي التي تتولى إرشادها إلى مصالحها و هي التي تخصها بالإلهامات في حالتي النوم و اليقظة و القدماء كانوا يسمون تلك السماوي بالطباع التام و لا شك أن لتلك الروح السماوية التي هي الأصل و الينبوع شعب كثيرة و نتائج كثيرة و هي بأسرها تكون من جنس روح هذا الإنسان و هي لأجل مشاكلتها و مجانستها يعين بعضها بعضا على الأعمال اللائقة بها و الأفعال المناسبة لطبائعها. ثم إنها إن كانت خيرة طاهرة طيبة كانت ملائكة و كانت تلك الإعانة مسماة بالإلهام و إن كانت شريرة خبيثة قبيحة الأعمال كانت شياطين و كانت تلك الإعانة مسماة بالوسوسة و ذكر بعض العلماء أيضا فيه احتمالا ثالثا و هو أن النفوس البشرية

    و الأرواح الإنسانية إذا فارقت أبدانها قويت في تلك الصفات التي اكتسبتها في تلك الأبدان و كملت فيها فإذا حدثت نفس أخرى مشاكلة لتلك النفس المفارقة في بدن مشاكل لبدن تلك النفس المفارقة حدث بين تلك النفس المفارقة و بين هذا البدن نوع تعلق بسبب المشاكلة الحاصلة بين هذا البدن و بين ما كان بدنا لتلك النفس المفارقة تعلق شديد بهذا البدن و تصير تلك النفس المفارقة معاونة لهذه النفس المتعلقة بهذا البدن و معاضدة لها على أفعالها و أحوالها بسبب هذه المشاكلة ثم إن كان هذا المعنى في أبواب الخير و البر كان ذلك إلهاما و إن كان من باب الشر كان ذلك وسوسة فهذه وجوه محتملة تفريعا على القول بإثبات جواهر قدسية مبرأة من الحجمية و التحيز و القول بالأرواح الطاهرة و الخبيثة كلام مشهور عند قدماء الفلاسفة فليس لهم أن ينكروا إثباتها على صاحب شريعتنا صلوات الله عليه. و أما القول الثاني و هو أن الملائكة و الشياطين لا بد و أن تكون أجساما فنقول على هذا التقدير يمتنع أن يقال إنها أجسام كثيفة بل لا بد من القول بأنها أجسام لطيفة و الله سبحانه ركبها تركيبا عجيبا و هي أن تكون مع لطافتها لا يقبل التفرق و التمزق و الفساد و البطلان و نفوذ الأجرام اللطيفة في عمق الأجرام الكثيفة غير مستبعد أ لا ترى أن الروح الإنسانية جسم لطيف ثم إنه نفذ في داخل عمق البدن و إذا عقل ذلك فكيف يستبعد نفوذ أنواع كثيرة من الأجسام اللطيفة في داخل هذا البدن أ ليس أن جرم النار سرى في جرم الفحم و ماء الورد سرى في ورق الورد و دهن السمسم سرى في جسم السمسم فكذا هاهنا فظهر بما قررنا أن القول بإثبات الجن و الشياطين   أمر لا تحيله العقول و لا تبطله الدلائل و أن الإصرار على الإنكار ليس إلا من نتيجه الجهل و قلة الفطنة. و لما ثبت أن القول بالشياطين ممكن في الجملة فنقول الأخلق و الأولى أن يقال الملائكة على هذا القول مخلوقون من النور و أن الشياطين مخلوقون من الدخان و اللهب كما قال تعالى وَ الْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ و هذا الكلام من المشهورات عند قدماء الفلاسفة فكيف يليق بالعاقل أن يستبعده من صاحب شريعتنا صلوات الله عليه انتهى. و قال البيضاوي فَلا تَلُومُونِي بوسوستي فإن من صرح العداوة لا يلام بأمثال ذلك وَ لُومُوا أَنْفُسَكُمْ حيث أطعتموني إذ دعوتكم و لم تطيعوا ربكم لما دعاكم ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ بمغيثكم من العذاب وَ ما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ بمغيثي إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ ما إما مصدرية و هي متعلقة بأشركتموني أي كفرت اليوم بإشراككم إياي من قبل هذا اليوم أي في الدنيا بمعنى تبرأت منه و استكبرته كقوله تعالى وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ أو موصولة بمعنى من و من متعلقة بكفرت أي كفرت بالذي أشركتمونيه و هو الله تعالى بطاعتكم إياي فيما دعوتكم إليه من عبادة الأصنام و غيرها من قبل إشراككم حين رددت أمره بالسجود لآدم. و أشرك منقول من شركت زيدا للتعدية إلى مفعول ثان إِنَّ الظَّالِمِينَ تتمة كلامه أو ابتداء كلام من الله. و قال في قوله سبحانه وَ حَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ فلا يقدر أن يصعد إليها و يوسوس أهلها و يتصرف في أمرها و يطلع على أحوالها إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ بدل من كُلِّ شَيْطانٍ و استراق السمع اختلاسه سرا شبه به خطفتهم اليسيرة من قطان

    السماوات لما بينهم من المناسبة في الجوهر أو بالاستدلال من أوضاع الكواكب و حركاتها. و عن ابن عباس أنهم كانوا لا يحتجبون عن السماوات فلما ولد عيسى منعوا من ثلاث سماوات و لما ولد محمد ص منعوا من كلها بالشهب و لا يقدح فيه تكونها قبل المولد لجواز أن تكون لها أسباب أخر. و قيل الاستثناء منقطع أي و لكن من استرق السمع فَأَتْبَعَهُ أي فتبعه و لحقه شِهابٌ مُبِينٌ ظاهر للمبصرين. و الشهاب شعلة نار ساطعة و قد يطلق للكوكب و السنان لما فوقها من البريق. و قال الرازي في قوله إِلَّا إِبْلِيسَ أجمعوا على أن إبليس كان مأمورا بالسجود لآدم و اختلفوا في أنه هل كان من الملائكة أم لا و ظاهره أن الله تعالى تكلم مع إبليس بغير واسطة و أن إبليس تكلم مع الله بغير واسطة فكيف يعقل هذا مع أن مكالمة الله تعالى بغير واسطة من أعظم المناصب و أشرف المراتب فكيف يعقل حصوله لرأس الكفرة و رئيسهم. و لعل الجواب عنه أن مكالمة الله تعالى إنما كان منصبا عاليا إذا كان على سبيل الإكرام و الإعظام فأما إذا كان على سبيل الإهانة و الإذلال فلا. قوله فَاخْرُجْ مِنْها قال البيضاوي أي من السماء أو من الجنة أو من زمرة الملائكة فَإِنَّكَ رَجِيمٌ مطرود عن الخير و الكرامة فإن من يطرد يرجم بالحجر أو شيطان يرجم بالشهب و هو وعيد يتضمن الجواب عن شبهته وَ إِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ هذا الطرد و الإبعاد إِلى يَوْمِ الدِّينِ فإنه منتهى أمد اللعن لأنه يناسب أيام التكليف لا زمان الجزاء.   و قيل و ما في قوله فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ بمعنى آخر ينسى عنده هذه. و قيل إنما حد اللعن به لأنه أبعد غاية يضربها الناس أو لأنه يعذب فيه بما ينسى اللعن معه فيصير كالزائل قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي فأخرني و الفاء متعلقة بمحذوف دل عليه فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ أراد أن يجد فسحة في الإغواء و نجاة عن الموت إذ لا موت بعد وقت البعث فأجابه إلى الأول دون الثاني قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ المسمى فيه أجلك عند الله أو انقراض الناس كلهم و هو النفخة الأولى عند الجمهور و يجوز أن يكون الأيام الثلاثة يوم القيامة و اختلاف العبارات لاختلاق الاعتبارات فعبر عنه أولا بيوم الجزاء لما عرفت و ثانيا بيوم البعث إذ به يحصل العلم بانقطاع التكليف و اليأس عن التضليل و ثالثا بالمعلوم لوقوعه في الكلامين و لا يلزم منه أن لا يموت فلعله يموت أول اليوم و يبعث الخلائق في تضاعيفه. قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي الباء للقسم و ما مصدرية و جوابه لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ و المعنى أقسم بإغوائك إياي لأزينن لهم المعاصي في الدنيا التي هي دار الغرور لقوله أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ و قيل للسببية و المعتزلة أولو الإغواء بالنسبة إلى الغي أو التسبب له بأمره إياه بالسجود لآدم ع أو بإضلاله عن طريق الجنة.

    و قال الرازي اعلم أن أصحابنا قد احتجوا بهذه الآية على أنه تعالى قد يريد خلق الكفر في الكافر و يضله عن الدين و يغويه عن الحق من وجوه الأول أن إبليس استمهل و طلب البقاء إلى يوم القيامة مع أنه صرح بأنه إنما يطلب هذا لإغواء بني آدم و إضلالهم و أنه تعالى أمهله و أجابه إلى هذا المطلوب و لو كان تعالى يراعي صلاح المكلفين في الدنيا لما أمهله هذا الزمان الطويل و لما أمكنه من الإغواء و الإضلال و الوسوسة. و الثاني أن أكابر الأنبياء و الأولياء مجدون مجتهدون في إرشاد الخلق إلى الدين الحق و أن إبليس و رهطه و شيعته مجدون مجتهدون في الإغواء فلو كان مراد الله هو الإرشاد و الهداية لكان من الواجب إبقاء المرشدين و المحقين و إهلاك المضلين و المغوين و حيث فعل بالضد علمنا أنه أراد بهم الخذلان و الكفر. ثم قال أما الإشكال الأول فللمعتزلة فيه طريقان الأول و هو طريقة الجبائي أنه تعالى إنما أمهل إبليس تلك المدة الطويلة لأنه تعالى علم أنه لا تتفاوت أحوال الناس بسبب وسوسته في الكفر و المعصية البتة و علم أن كل من كفر و عصى عند وسوسته فإنه بتقدير أن لا يوجد إبليس و لا وسوسته فإن ذلك الكافر و العاصي كان يأتي بذلك الكفر و المعصية فلما كان الأمر كذلك لا جرم أمهله هذه المدة الطويلة. الثاني و هو طريقة أبي هاشم أنه لا يبعد أن يقال إنه تعالى علم أن أقواما يقعون بسبب وسوسته في الكفر و المعاصي إلا أن وسوسته ما كانت موجبة لذلك الكفر و تلك المعاصي غاية ما في هذا الباب أن يقال الاحتراز عن القبائح حال عدم   الوسوسة أسهل منه حال وجودها إلا أنه على هذا التقدير تصير وسوسته سببا لزيادة المشقة في أداء الطاعات و ذلك لا يمنع الحكيم من فعله كما أن إنزال المشاق و المشتبهات سبب الشبهات و مع ذلك فلم يمتنع فعله فكذا هاهنا و هذان الطريقان هما بعينهما الجواب عن السؤال الثاني. إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ استثناهم لأنه علم أن كيده لا يعمل فيهم. و قرأ ابن كثير و ابن عامر بكسر اللام و الباقون بالفتح فعلى الأول أي الذين أخلصوا دينهم و عبادتهم من كل شائب يناقض الإيمان و التوحيد و على الثاني معناه الذين أخلصهم الله بالهداية و الإيمان. هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ فيه وجوه الأول أن إبليس لما قال إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ فلفظ الْمُخْلَصِينَ يدل على الإخلاص فقوله هذا عائد إليه و المعنى أن الإخلاص طريق علي و إلى أي يؤدي إلى كرامتي و قال الحسن معناه هذا صراط إلي مستقيم و قال آخرون هذا صراط من مر عليه فكأنه مر على رضواني و كرامتي و هو كما يقال طريقك علي. الثاني أن الإخلاص طريق العبودية فقوله هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ أي هذا الطريق في العبودية طريق علي مستقيم قال بعضهم لما ذكر أن إبليس يغوي بني آدم إلا من عصمه الله بتوفيقه تضمن هذا الكلام تفويض الأمور إلى الله تعالى و إلى إرادته فقال تعالى هذا صِراطٌ عَلَيَّ أي تفويض الأمور إلى إرادتي طريق مُسْتَقِيمٌ إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ اعلم أن إبليس لما قال لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ أوهم هذا الكلام أن له سلطانا على عباد الله الذين لا يكونون من المخلصين فبين الله تعالى أنه ليس له سلطان على أحد من عبيد الله سواء كانوا

    مخلصين أو لم يكونوا مخلصين بل من اتبع منهم إبليس باختياره صار تبعا له و لكن حصول تلك المتابعة أيضا ليس لأجل أن إبليس أوهم أن له على بعض عباد الله سلطانا فبين تعالى كذبه و ذكر أنه ليس له على أحد منهم سلطان و لا قدرة أصلا و نظير هذه الآية قوله تعالى حكاية عن إبليس وَ ما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ الآية و قوله لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَ الَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ و قال الجبائي هذه الآية تدل على بطلان قول من زعم أن الشيطان و الجن يمكنهم صرع الناس و إزالة عقولهم كما تقوله العامة و ربما نسبوا ذلك إلى السحرة و قال ذلك خلاف نص القرآن و في الآية قول آخر و هو أن إبليس لما قال إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ فذكر أنه لا يقدر على إغواء المخلصين صدقه الله و قال إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ فلهذا قال الكلبي المذكورون في هذه الآية هم الذين استثناهم إبليس و اعلم أنه على القول الأول يمكن أن يكون قوله إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ استثناء لأن المعنى أن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين فإن لك عليهم سلطانا بسبب كونهم منقادين لك في الأمر و النهي و أما على القول الثاني فيمتنع أن يكون استثناء بل يكون إلا بمعنى لكن وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ قال ابن عباس يريد إبليس و أشياعه و من اتبعه من الغاوين فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ قالت المعتزلة الآية تدل على فساد قول المجبرة من وجوه شتى.    فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ فيه احتمالات الأول أن المراد منه كفار مكة يقول الشيطان وليهم اليوم يتولى إغواءهم و صرفهم عنك كما فعل بكفار الأمم قبلك. الثاني أنه أراد باليوم يوم القيامة يقول فهو ولي أولئك الذين زين لهم أعمالهم يوم القيامة فلا ولي لهم ذلك اليوم و لا ناصر. فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ ذهب جماعة من الصحابة و التابعين إلى أن الاستعاذة بعد القراءة و أما الأكثرون فقد اتفقوا على أن الاستعاذة متقدمة. فالمعنى إذا أردت أن تقرأ القرآن فَاسْتَعِذْ و المراد بالشيطان في هذه الآية قيل إبليس و الأقرب أنه للجنس لأن لجميع المردة من الشياطين حظا من الوسوسة و لما أمر الله رسوله بالاستعاذة من الشيطان و كان ذلك يوهم أن للشيطان قدرة على التصرف في أبدان الناس فأزال الله تعالى هذا الوهم و بين أنه لا قدرة له البتة إلا على الوسوسة فقال إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ و يظهر من هذا أن الاستعاذة إنما تفيد إذا خطر في قلب الإنسان كونه ضعيفا و أنه لا يمكنه التحفظ عن وسوسة الشيطان إلا بعصمة الله. إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ قال ابن عباس يطيعونه يقال توليته أي أطعته و توليت عنه أي أعرضت عنه. وَ الَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ الضمير راجع إلى ربهم أو إلى الشيطان أي بسببه

    مشركون بالله كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ المراد من هذه الأخوة التشبه بهم في هذا الفعل القبيح و ذلك لأن العرب يسمون الملازم للشي‏ء أخا له فيقول فلان أخو الكرم و الجود و أخو الشعر إذا كان مواظبا على هذه الأفعال. و قيل أي قرناؤهم في الدنيا و الآخرة وَ كانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً معنى كون الشيطان كفورا لربه هو أن يستعمل بدنه في المعاصي و الإفساد في الأرض و الإضلال للناس و كذلك من رزقه الله مالا أو جاها فصرفه إلى غير مرضاة الله كان كفورا لنعمة الله و المقصود أن المبذرين موافقون للشياطين في الصفة و الفعل ثم الشيطان كفور بربه فلزم كون المبذر كفورا بربه. إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ أي يفسد بينهم و يغري بينهم إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً أي العداوة الحاصلة بين الشيطان و بين الإنسان عداوة قديمة. و قال البيضاوي في قوله لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً لمن خلقته من طين فنصب بنزع الخافض و يجوز أن يكون حالا من الراجع إلى الموصول أي خلقته و هو طين أو منه أي أ أسجد له و أصله طين و فيه على الوجوه إيماء بعلة الإنكار قالَ أَ رَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ الكاف لتأكيد الخطاب لا محل له من الإعراب و هذا مفعول أول و الذي صفته و المفعول الثاني محذوف لدلالة صلته عليه و المعنى أخبرني عن هذا الذي كرمته علي بأمري بالسجود له لم كرمته علي لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ كلام مبتدأ و اللام موطئة للقسم و جوابه لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا أي لأستأصلنهم بالإغواء إلا قليلا لا أقدر أن أقاوم شكيمتهم من احتنك الجراد الأرض إذا جرد ما عليها أكلا مأخوذ من الحنك و إنما علم أن ذلك يتسهل له إما استنباطا من قول الملائكة أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها مع التقرير أو تفرسا من خلقه ذا وهم و شهوة و غضب قالَ اذْهَبْ امض لما قصدته و هو طرد   و تخلية بينه و بين ما سولته له نفسه فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جزاؤك و جزاؤهم فغلب المخاطب على الغائب و يمكن أن يكون الخطاب للتابعين على الالتفات جَزاءً مَوْفُوراً مكملا من قولهم فر لصاحبك عرضه و انتصاب جزاء على المصدر بإضمار فعله أو بما في جزائكم من معنى تجازون أو حال موطئة لقوله مَوْفُوراً وَ اسْتَفْزِزْ و استخف مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ أن تستفزه و الفز الخفيف بِصَوْتِكَ بدعائك إلى الفساد. و قال الرازي يقال أفزه الخوف و استفزه أي أزعجه و استخفه و صوته دعاؤه إلى معصية الله. و قيل أراد بصوتك الغناء و اللهو و اللعب و الأمر للتهديد وَ أَجْلِبْ عَلَيْهِمْ قال الفراء إنه من الجلبة و هي الصياح و قال الزجاج في فعل و أفعل أجلب على العدو إجلابا إذا جمع عليه الخيول و قال ابن السكيت يقال هم يجلبون عليه و يجلبون عليه بمعنى أي يعينون عليه و عن ابن الأعرابي أجلب الرجل الرجل إذا توعده الشر و جمع عليه الجمع فالمعنى على قول الفراء صح عليهم بِخَيْلِكَ وَ رَجِلِكَ و على قول الزجاج أجمع عليهم كل ما تقدر من مكايدك فالباء زائدة و على قول ابن السكيت أعن عليهم و مفعول الإجلاب محذوف كأنه يستعين على إغوائهم بخيله و رجله و هذا يقرب من قول ابن الأعرابي و اختلفوا في تفسير الخيل و الرجل فروي عن ابن عباس أنه قال كل راكب أو راجل في معصية الله فهو من خيل إبليس و جنوده و يدخل فيه كل راكب و ماش في معصية الله فخيله و رجله كل من شاركه في الدعاء

    إلى المعصية و يحتمل أن يكون لإبليس جند من الشياطين بعضهم راكب و بعضهم راجل. أو المراد منه ضرب المثل و هذا أقرب و الخيل يقع على الفرسان و على الأفراس و الرجل جمع راجل كالصحب و الركب وَ شارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ هي عبارة عن كل تصرف قبيح في المال سواء كان ذلك القبح بسبب أخذه من غير حقه أو وضعه في غير حقه و يدخل فيه الربا و الغصب و السرقة و المعاملات الفاسدة كذا قاله القاضي و قال قتادة هي أن جعلوا بحيرة و سائبة و قال عكرمة هي تبكيتهم آذان الأنعام. و قيل هي أن جعلوا من أموالهم شيئا لغير الله كما قال تعالى فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَ هذا لِشُرَكائِنا و الأصوب ما قاله القاضي. و أما المشاركة في الأولاد فقالوا إنه الدعاء إلى الزنا أو أن يسموا أولادهم بعبد اللات و عبد العزى أو أن يرغبوا أولادهم في الأديان الباطلة أو إقدامهم على قتل الأولاد و وادهم أو ترغيبهم في حفظ الأشعار المشتملة على الفحش أو ترغيبهم في القتل و القتال و الحرف الخبيثة الخسيسة. و الضابط أن يقال إن كل تصرف من المرء في ولده على وجه يتأدى ذلك إلى ارتكاب منكر و قبيح فهو داخل فيه. قوله تعالى عز و جل وَ عِدْهُمْ اعلم أنه لما كان مقصود الشيطان الترغيب في الاعتقاد الباطل و العمل الباطل و التنفير عن اعتقاد الحق و عمل الحق و معلوم أن الترغيب في الشي‏ء لا يمكن إلا بأن يقرر عنده أنه لا ضرر البتة في فعله و مع ذلك فإنه يفيد المنافع العظيمة و التنفير عن الشي‏ء لا يمكن إلا بأن يقرر عنده أنه لا فائدة في فعله و مع ذلك فيفيد المضار العظيمة فإذا ثبت هذا فنقول إن الشيطان إذا دعا إلى المعصية فلا بد و أن يقرر أولا أنه لا مضرة في فعله البتة و ذلك لا يمكن إلا إذا قال لا معاد و لا جنة و لا نار و لا حياة بعد هذه   الحياة فبهذا الطريق يقرر عنده أنه لا مضرة البتة في فعل هذه المعاصي و إذا فرغ من هذا المقام قرر عنده أن هذا الفعل يفيد أنواعا من اللذة و السرور و لا حياة للإنسان إلا في هذه الدنيا فتفويتها غبن و خسران و أما طريق التنفير عن الطاعة فهو أن قرر أولا عنده أنه لا فائدة فيه من وجهين. الأول أنه لا جنة و لا نار و لا ثواب و لا عقاب. و الثاني أن هذه العبادات لا فائدة فيها للعابد و لا للمعبود فكانت عبثا محضا و إذا فرغ من هذا المقام قال إنها يوجب التعب و المحنة و ذلك أعظم المضار فهذه مجامع تلبيس الشيطان فقوله وَ عِدْهُمْ يتناول كل هذه الأقسام. قال المفسرون وَ عِدْهُمْ بأنه لا جنة و لا نار أو بتسويف التوبة أو بشفاعة الأصنام عند الله أو بالأنساب الشريفة أو إيثار العاجل على الآجل. و بالجملة فهذه الأقسام كثيرة و كلها داخلة في الضبط الذي ذكرناه وَ ما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً لأنه إنما يدعو إلى أحد ثلاثة أمور قضاء الشهوة و إمضاء الغضب و طلب الرئاسة و الرفعة و لا يدعو البتة إلى معرفة الله و لا إلى خدمته و تلك الأشياء الثلاثة معيوبة من وجوه كثيرة. أحدها أنها في الحقيقة ليست لذات بل هي خلاص عن الآلام. و ثانيها أنها و إن كانت لذات و لكنها لذات خسيسة مشترك فيها بين الكلاب و الديدان و الخنافس. و ثالثها أنها سريعة الذهاب و الانقضاء و الانقراض. و رابعها أنها لا تحصل إلا بعد متاعب كثيرة و مشاق عظيمة. و خامسها أن لذات البطن و الفرج لا يتم إلا بمزاولة رطوبات عفنة مستقذرة.

    و سادسها أنها غير باقية بل يمنعها الموت و الهرم و الفقر و الحسرة على الفوت و الخوف من الموت فلما كانت هذه المطالب و إن كانت لذيذة بحسب الظاهر إلا أنها ممزوجة بهذه الآفات العظيمة و المخافات الجسيمة كانت الترغيب فيها تغريرا إِنَّ عِبادِي أي كلهم أو أهل الفضل و الإيمان منهم كما مر وَ كَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا لما أمكن إبليس بأن يأتي بأقصى ما يقدر عليه في باب الوسوسة و كان ذلك سببا لحصول الخوف الشديد في قلب الإنسان قال وَ كَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا و معناه أن الشيطان و إن كان قادرا فالله أقدر منه و أرحم بعباده من الكل فهو تعالى يدفع عنه كيد الشيطان و يعصمه من إضلاله و إغوائه و فيها دلالة على أن المعصوم من عصمة الله و أن الإنسان لا يمكنه أن يحترز بنفسه عن مواقع الضلال. و قال في قوله تعالى إنه كانَ مِنَ الْجِنِّ للناس في هذه المسألة أقوال الأول أنه من الملائكة و لا ينافي ذلك كونه من الجن و لهم فيه وجوه. الأول أن قبيله من الملائكة يسمون بذلك بدليل قوله تعالى وَ جَعَلُوا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً و قوله تعالى وَ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ. و الثاني أن الجن سمي جنا للاستتار فهم داخلون في الجنة. الثالث أنه كان خازن الجنة فنسب إلى الجنة كقولهم كوفي و بصري و عن سعيد بن جبير كان من الجانين الذين يعملون في الجنان جن من الملائكة يصوغون حلي أهل الجنة مذ خلقوا رواه القاضي في تفسيره عن هشام عن ابن جبير.   و الثاني أنه من الجن الذين هم الشياطين و الذين خلقوا من النار و هو أبوهم. و الثالث قول من قال كان من الملائكة فمسخ و غير. و قال البيضاوي كانَ مِنَ الْجِنِّ حال بإضمار قد أو استئناف للتعليل كأنه قيل ما له لم يسجد فقيل كان من الجن فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ فخرج عن أمره بترك السجود و الفاء للتسبب و فيه دليل على أن الملك لا يعصي البتة و إنما عصى إبليس لأنه كان جنيا في أصله أَ فَتَتَّخِذُونَهُ أ عقيب ما وجد منه تتخذونه و الهمزة للإنكار و التعجب وَ ذُرِّيَّتَهُ أولاده و أتباعه و سماهم ذريته مجازا أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي فتستبدلونهم بي فتطيعونهم بدل طاعتي بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا من الله إبليس و ذريته ما أَشْهَدْتُهُمْ إلخ نفي إحضار إبليس و ذريته خَلْقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ و إحضار بعضهم خلق بعض ليدل على نفي الاعتضاد بهم في ذلك كما صرح به بقوله وَ ما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً أي أعوانا ردا لاتخاذهم أولياء من دون الله شركاء له في العبادة فإن استحقاق العبادة من توابع الخالقية و الاشتراك فيه يستلزم الاشتراك فيها. و قيل الضمير للمشركين و المعنى ما أشهدتهم خلق ذلك و ما خصصتهم بعلوم لا يعرفها غيرهم حتى لو آمنوا تبعهم الناس كما يزعمون فلا يلتفت إلى قولهم طمعا في نصرتهم للدين فإنه لا ينبغي لي أن أعتضد بالمضلين لديني و قال في قوله وَ ما أَنْسانِيهُ إلخ أي و ما أنساني ذكره إِلَّا الشَّيْطانُ فإن أَذْكُرَهُ بدل من الضمير و هو اعتذار عن نسيانه بشغل الشيطان له بوسواسه و لعله

    نسي ذلك لاستغراقه في الاستبصار و انجذاب شراشره إلى جناب القدس بما عراه من مشاهدة الآيات الباهرة و إنما نسبه إلى الشيطان هضما لنفسه أو لأن عدم احتمال القوة للجانبين و اشتغالها بأحدهما عن الآخر يعد من نقصان انتهى قوله تعالى لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ أي لا تطعه في عبادة الآلهة ثم علل ذلك بأن الشيطان عاص لله و المطاوع للعاصي عاص وَلِيًّا أي قرينا في اللعن أو العذاب تليه و يليك أو ثابتا في موالاته فإنه أكبر من العذاب كما أن رضوان الله أكبر من الثواب. قوله وَ الشَّياطِينَ قال البيضاوي عطف أو مفعول معه لما روي أن الكفرة يحشرون مع قرنائهم من الشياطين الذين أغووهم كل مع شيطانه في سلسلة جِثِيًّا على ركبهم لما يدهمهم من هول المطلع أو لأنه من توابع التواقف للحساب. أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ قال الطبرسي أي خلينا بينهم و بين الشياطين إذا وسوسوا إليهم و دعوهم إلى الضلال حتى أغووهم و لم يحل بينهم و بينهم بالإلجاء و لا بالمنع و عبر عن ذلك بالإرسال على سبيل المجاز و التوسع و قيل معناه سلطناهم عليهم و يكون في معنى التخلية أيضا تَؤُزُّهُمْ أَزًّا أي تزعجهم إزعاجا من الطاعة إلى المعصية عن ابن عباس. و قيل تغريهم إغراء بالشي‏ء تقول امض في هذا الأمر حتى توقعهم في النار عن ابن جبير. قوله سبحانه وَ مِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ قال الرازي المراد أنهم يغوصون له في البحار فيستخرجون الجواهر و يتجاوزون ذلك إلى الأعمال المهين   و بناء المدن و القصور و اختراع الصنائع العجيبة كما قال يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَ تَماثِيلَ و أما الصناعات فكاتخاذ الحمام و النورة و الطواحين و القوارير و الصابون و ليس في الظاهر إلا أنه سخرهم لكنه قد روي أنه تعالى سخر كفارهم دون المؤمنين و هو الأقرب من وجهين أحدهما إطلاق لفظ الشياطين و الثاني قوله وَ كُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ فإن المؤمن إذا سخر في أمر لا يجب أن يحفظ لئلا يفسد و إنما يجب ذلك في الكافر. و في قوله وَ كُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ وجوه أحدها أنه تعالى وكل بهم جمعا من الملائكة أو جمعا من مؤمني الجن. و ثانيها سخرهم الله تعالى بأن حبب إليهم طاعته و خوفهم من مخالفته. و ثالثها قال ابن عباس يريد و سلطانه مقيم عليهم يفعل بهم ما يشاء. فإن قيل و عن أي شي‏ء كانوا محفظين قلنا فيه ثلاثة أوجه أحدها أنه تعالى كان يحفظهم عليه لئلا يذهبوا و يتركوا و ثانيها كان يحفظهم من أن يهيجوا أحدا في زمانه و ثالثها كان يحفظهم من أن يفسدوا ما عملوا و كان دأبهم أنهم يعملونه في النهار ثم يفسدونه في الليل و سأل الجبائي نفسه و قال كيف يتهيأ لهم هذه الأعمال و أجسامهم رقيقة لا يقدرون على عمل الثقيل و إنما يمكنهم الوسوسة و أجاب بأنه سبحانه كثف أجسامهم خاصة و قواهم و زادهم في عظمهم فيكون ذلك معجزة لسليمان ع فلما مات سليمان ع ردهم إلى الخلقة الأولى لأنه تعالى لو أبقاهم على الخلقة الثانية لصار شبهة على الناس و لو ادعى متنبئ النبوة و جعله دلالة لكان كمعجزات الرسل فلذلك ردهم إلى خلقهم الأولى. و اعلم أن هذا الكلام ساقط من وجوه أحدها لم قلت إن الجن من الأجسام و لم لا يجوز وجود محدث ليس بمتحيز و لا قائم بالمتحيز و يكون الجن منهم.

    فإن قلت لو كان الأمر كذلك لكان مثلا للباري تعالى. قلت هذا ضعيف لأن الاشتراك في اللوازم السلبية سلمنا أنه جسم لكن لم لا يجوز حصول القدرة على هذه الأعمال الشاقة في الجسم اللطيف و كلامه بناء على أن البنية شرط و ليس في يده إلا الاستقراء الضعيف سلمنا أنه لا بد من تكثيف أجسامهم لكن لم قلت إنه لا بد من ردها إلى الخلقة الأولى بعد موت سليمان ع و قوله لأنه يفضي إلى التلبيس قلنا التلبيس غير لازم لأن المتنبئ إذا جعل ذلك معجزة لنفسه فللمدعو أن يقول لم لا يجوز أن يقال إن قوة أجسادهم كانت معجزة لنبي آخر قبلك و مع قيام هذا الاحتمال لا يتمكن المتنبئ من الاستدلال به. و قال البيضاوي وَ يَتَّبِعُ في المجادلة أو في عامة أحواله كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ متجرد للفساد و أصله العري كُتِبَ عَلَيْهِ على الشيطان مَنْ تَوَلَّاهُ تبعه و الضمير للشأن فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ خبر لمن أو جواب له و المعنى كتب عليه إضلال من تولاه لأنه جبل عليه وَ يَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ بالحمل على ما يؤدي إليه. و قال في قوله فِي أُمْنِيَّتِهِ في تشهيه بما يوجب اشتغاله بالدنيا

 كما قال   ص و إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله في اليوم سبعين مرة

 فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فيبطله و يذهب به بعصمته عن الركون و الإرشاد إلى ما يزيحه ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ ثم يثبت آياته الداعية إلى الاستغراق في أمر الآخرة وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بأحوال الناس حَكِيمٌ فيما يفعله بهم لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ علة لتمكين الشيطان منه لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ شك و نفاق وَ الْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ المشركين. أقول قد مضت الأقوال في نزول الآية في المجلد السادس. مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ أي وساوسهم أَنْ يَحْضُرُونِ أن يحوموا حولي في شي‏ء من الأحوال فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَ الْغاوُونَ أي الآلهة و عبدتهم و الكبكبة تكرير الكب معناه أنه ألقي في النار ينكب مرة بعد أخرى حتى يستقر في قعرها وَ جُنُودُ إِبْلِيسَ متبعوه من عصاة الثقلين أو شياطينه وَ ما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ كما زعمت المشركون أنه من قبيل ما يلقي الشيطان إلى الكهنة وَ ما يَنْبَغِي لَهُمْ و ما يصلح لهم أن ينزلوا به وَ ما يَسْتَطِيعُونَ و ما يقدرون إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لكلام الملائكة لَمَعْزُولُونَ أي مصرفون عن استماع القرآن من السماء قد حيل بينهم و بين السمع بالملائكة و الشهب. قيل و ذلك لأنه مشروط بمشاركة في صفات الذات و قبول فيضان الحق   و نفوسهم حينئذ ظلمانية شريرة ثم لما بين سبحانه أن القرآن لا يصح أن يكون مما تنزلت به الشياطين أكد ذلك ببيان من تنزلت عليه فقال هَلْ أُنَبِّئُكُمْ إلى قوله عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ أي كذاب شديد الإثم يُلْقُونَ السَّمْعَ وَ أَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ أي الأفاكون يلقون السمع إلى الشياطين فيتلقون منهم ظنونا و أمارات لنقصان علمهم فيضمون إليها على حسب تخيلاتهم أشياء لا يطابق كذا قيل.

 و في الكافي، في خبر طويل عن الباقر ع قال ليس من يوم و ليلة إلا و جميع الجن و الشياطين تزور أئمة الضلال و يزور أئمة الهدى عددهم من الملائكة حتى إذا أتت ليلة القدر فهبط فيها من الملائكة إلى أولي الأمر خلق الله أو قال قيض الله من الشياطين بعددهم ثم زاروا ولي الضلالة فأتوه بالإفك و الكذب حتى لعله يصبح فيقول رأيت كذا و كذا فلو سأل ولي الأمر عن ذلك لقال رأيت شيطانا أخبرك بكذا و كذا حتى يفسر له تفسيرا و يعلمه الضلالة التي هو عليها

 وَ لَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ صدق في ظنه و هو قوله لَأُضِلَّنَّهُمْ و لَأُغْوِيَنَّهُمْ و قرئ بالتشديد أي حققه إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أي إلا فريقا هم المؤمنون لم يتبعوه و تقليلهم بالإضافة إلى الكفار أو إلا فريقا من فرق المؤمنين لم يتبعوه في العصيان و هم المخلصون مِنْ سُلْطانٍ أي من تسلط و استيلاء إِلَّا لِنَعْلَمَ إلخ أي   إلا ليتعلق علمنا بذلك تعلقا يترتب عليه الجزاء أو ليتميز المؤمن من الشاك و المراد من حصول العلم حصول متعلقة مبالغة.

 و في الكافي، عن الباقر ع قال كان تأويل هذه الآية لما قبض رسول الله ص و الظن من إبليس حين قالوا لرسول الله ص إنه ينطق عن الهوى فظن بهم إبليس ظنا فصدقوا ظنه

 و في تفسير علي بن إبراهيم، عن الصادق ع قال لما أمر الله نبيه ص أن ينصب أمير المؤمنين ع للناس في قوله يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ في علي بغدير خم قال من كنت مولاه فعلي مولاه فجاءت الأبالسة إلى إبليس الأكبر و حثوا التراب على رءوسهم فقال لهم إبليس ما لكم قالوا إن هذا الرجل قد عقد اليوم عقدة لا يحلها شي‏ء إلى يوم القيامة فقال لهم إبليس كلا إن الذين حوله قد وعدوني فيه عدة لن يخلفوني فأنزل الله عز و جل على رسوله وَ لَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ الآية

 إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ عداوة عامة قديمة فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا في عقائدكم و أفعالكم و كونوا على حذر منه في مجامع أحوالكم إِنَّما يَدْعُوا إلخ تقدير لعداوته و بيان لغرضه. أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ هو من جملة ما يقال لهم يوم القيامة تقريعا و إلزاما للحجة و عهده إليهم ما نصب لهم من الدلائل العقلية و السمعية الآمرة بعبادته الزاجرة عن عبادة غيره و جعلها عبادة الشيطان لأنه الآمر بها المزين لها.    إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ تعليل للمنع عن عبادته بالطاعة فيما يحملهم عليه وَ أَنِ اعْبُدُونِي عطف على أن لا تعبدوا هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ إشارة إلى ما عهد إليهم أو إلى عبادته بالطاعة فيما يحملهم عليه و الجملة استئناف لبيان المقتضي للعهد وَ لَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً رجوع إلى بيان معاداة الشيطان مع ظهور عداوته و وضوح إضلاله لمن له أدنى عقل و رأي و الجبل الخلق. قوله سبحانه وَ حِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ قال البيضاوي حِفْظاً منصوب بإضمار فعله أو العطف على زينة باعتبار المعنى كأنه قال إنا خلقنا الكواكب زينة للسماء و حفظا من كل شيطان مارد خارج عن الطاعة برمي الشهب. قال الرازي قال ابن عباس يريد حفظ السماء بالكواكب من كل شيطان تمرد على الله قال المفسرون الشياطين يصعدون إلى قرب السماء فربما سمعوا كلام الملائكة و عرفوا به ما سيكون من الغيوب و كانوا يخبرون به ضعفاءهم و يوهمونهم أنهم يعلمون الغيب فمنعهم الله تعالى عن الصعود إلى قرب السماء بهذه الشهب فإنه تعالى يرميهم بها فيحرقهم بها. و بقي هاهنا سؤالات الأول هذه الشهب هل هي من الكواكب التي زين الله السماء بها أم لا و الأول باطل لأن هذه الشهب تبطل و تضمحل فلو كانت هذه الشهب تلك الكواكب الحقيقية لوجب أن يظهر نقصان كثير في أعداد كواكب السماء و معلوم أن هذا المعنى لم يوجد البتة و أيضا فجعلها رجوما للشياطين مما يوجب النقصان في زينة السماء فكان الجمع بين هذين المقصودين كالمتناقض. و أما القسم الثاني و هو أن يقال هذه الشهب جنس آخر غير الكواكب المركوزة

    في الفلك فهذا أيضا مشكل لأنه تعالى قال في سورة تبارك وَ لَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَ جَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ و الضمير عائد إلى المصابيح. و الجواب أن هذه الشهب غير تلك الثواقب الباقية و أما قوله وَ لَقَدْ زَيَّنَّا إلخ فنقول كل منير يحصل في الجو العالي فهو مصباح لأهل الأرض إلا أن تلك المصابيح منها باقية على وجه الدهر آمنة من التغير و الفساد و منها ما لا يكون كذلك و هي هذه الشهب التي يحدثها الله تعالى و يجعلها رجوما للشياطين. الثاني كيف يجوز أن يذهب الشياطين إلى السماء حيث يعلمون بالتجربة أن الشهب تحرقهم و لا يصلون إلى مقصودهم البتة و هل يمكن أن يصدر مثل هذا الفعل عن عاقل فكيف من الشياطين الذين لهم مزية في معرفة الحيل الدقيقة و الجواب أن حصول هذه الحالة ليس له موضع معين و إلا لم يذهبوا إليه و إنما يمنعون من المصير إلى مواضع الملائكة و مواضعها مختلفة فربما أن صاروا إلى موضع تصيبهم الشهب و ربما صاروا إلى غيره و لا يصادفون الملائكة فلا تصيبهم الشهب فلما هلكوا في بعض الأوقات و سلموا في بعضها جاز أن يصيروا إلى مواضع يغلب على ظنونهم أنه لا تصيبهم الشهب فيها كما يجوز فيمن يسلك البحر أن يسلكه في موضع يغلب على ظنه حصول النجاة هذا ما ذكره الجبائي في تفسيره. و لقائل أن يقول إنهم إذا صعدوا فإما أن يصلوا إلى مواضع الملائكة أو إلى غير ذلك الموضع فإن وصلوا إلى مواضع الملائكة احترقوا و إن وصلوا إلى غيرها لم يفوزوا بمقصود أصلا فبعد هذه التجزئة وجب أن يمتنعوا عن هذا العمل.   و الأقرب في الجواب أن نقول هذه الواقعة إنما تتفق في الندرة فلعلها لم يشتهر بين الشياطين. الثالث قالوا دلت التواريخ المتواترة على أن حدوث الشهب كان حاصلا قبل مجي‏ء النبي ص و لذلك فإن الحكماء الذين كانوا موجودين قبل مجي‏ء النبي ص بزمان طويل ذكروا ذلك و تكلموا في سبب حدوثه. و أجاب القاضي بأن الأقرب أن هذه الحالة كانت موجودة قبل النبي لكنها كثرت في زمانه ص فصار بسبب الكثرة معجزا انتهى. و أقول يمكن أن يقال في الجواب عن السؤال الأول أما أولا فبأنه على تقدير كون المراد بالمصابيح الكواكب نمنع عدم التغير في أعدادها لأن جميعها غير مرصودة لا سيما على القول بأن المجرة مركبة من الكواكب الصغيرة. و أما ثانيا فبأن يقال يجوز أن يخلق الله تعالى في موضع الكوكب الذي يرمى به الشياطين كوكبا آخر فلا يحس بزواله. و أما ثالثا فبأن يقال لعله ينفصل من الكوكب جسم يحرق الشياطين و يهلكهم مع بقاء الكوكب كما ينفصل عن النار شعل محرقة مع بقائها و الشهاب في الأصل شعلة نار ساطعة و منه قوله تعالى آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ. و أما السؤال الثاني فأجاب الشيخ رحمه الله في التبيان عنه بأنهم ربما جوزوا أن يصادفوا موضعا يصعدون منه ليس فيه ملك يرميهم بالشهب أو اعتقدوا أن ذلك غير صحيح و لم يصدقوا من أخبرهم أنهم رموا حين أرادوا الصعود. و قيل في الجواب إذا جاء القضاء عمي البصر فإذا قضى الله على شيطان بالحرق قبض الله من نفسه ما يبعثه على الإقدام على الهلكة و ربما غفل عن التجربة لشدة حرصه على درك المقصود و قد يقال في الجواب عن الثالث بأن ما حدث بولادته ص

    و بعثه هو طرد الشياطين بالشهب الثواقب لا وجودها مع أن طائفة زعموا أن هذه الشهب ما كانت موجودة قبل البعث و رووه عن ابن عباس و أبي بن كعب قالوا لم يرم بنجم منذ رفع عيسى ابن مريم ع حتى بعث رسول الله ص فرمي بها فرأت قريش أمرا ما رأوه قبل ذلك فجعلوا يسيبون أنعامهم و يعتقون رقابهم يظنون إبان الفناء فبلغ ذلك بعض أكابرهم فقال لم فعلتم ذلك فقالوا رمي بالنجوم فرأينا تتهافت في السماء فقال اصبروا فإن تكن نجوم معروفة فهو وقت فناء الدنيا و إن كانت نجوم لا تعرف فهو أمر حدث فنظروا فإذا هي لا تعرف فأخبروه فقال في الأمر مهلة و هذا عند ظهور نبي فما مكثوا إلا يسيرا حتى قدم أبو سفيان على أخواله و أخبر أولئك الأقوام أنه ظهر محمد بن عبد الله ص و يدعي أنه نبي مرسل و هؤلاء زعموا أن كتب الأوائل قد توالت عليها التحريفات فلعل المتأخرين ألحقوا هذه المسألة بها طعنا منهم في هذه المعجزة و كذا الأشعار المنسوبة إلى أهل الجاهلية لعلها مختلقة عليهم لذلك. قوله تعالى لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى قال البيضاوي كلام مبتدأ لبيان حالهم بعد ما حفظ السماء عنهم و لا يجوز جعله صفة ل كُلِّ شَيْطانٍ فإنه يقتضي أن يكون الحفظ من شياطين لا يسمعون و الضمير لكل باعتبار المعنى و تعدية السماع بإلى لتضمنه معنى الإصغاء مبالغة لنفيه و تهويلا لما يمنعهم و يدل عليه قراءة حمزة و الكسائي و حفص بالتشديد من التسمع و هو طلب السماع و الملأ الأعلى الملائكة أو أشرافهم وَ يُقْذَفُونَ يرمون مِنْ كُلِّ جانِبٍ من السماء إذا قصدوا صعوده دُحُوراً علة أي للدحور و هو الطرد أو مصدر لأنه و القذف متقاربان أو حال بمعنى مدحورين أو منزوع عنه الباء جمع دحر و هو ما يطرد به و يقويه القراءة بالفتح و هو يحتمل أيضا أن يكون مصدرا كالقبول أو صفة له أي قذفا دحورا وَ لَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ أي عذاب آخر دائم أو شديد و هو عذاب الآخرة إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ استثناء من واو يسمعون و من بدل منه و الخطف الاختلاس و المراد اختلاس كلام الملائكة مسارقة و أتبع بمعنى تبع و الثاقب المضي‏ء.   أقول و قد مر بعض الكلام في بعض هذه الآيات. و قال البيضاوي طَلْعُها أي حملها مستعار من طلع الثمر لمشاركته إياه في الشكل أو لطلوعه من الشجر كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ في تناهي القبح و الهول و هو تشبيه بالمتخيل كتشبيه الفائق في الحسن بالملك و قيل الشياطين حيات هائلة قبيحة المنظر لها أعراف و لعلها سميت بها لذلك. و قال وَ الشَّياطِينَ عطف على الريح كُلَّ بَنَّاءٍ وَ غَوَّاصٍ بدل منه وَ آخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ عطف على كل كأنه فصل الشياطين إلى عمله استعملهم في الأعمال الشاقة كالبناء و الغوص و مردة قرن بعضهم مع بعض في السلاسل ليكفوا عن الشر و لعل أجسامهم شفافة صلبة فلا ترى و يمكن تقييدها هذا و الأقرب أن المراد تمثيل كفهم عن الشرور بالإقران في الصفد و هو القيد. و قال الرازي و هاهنا بحث و هو أن هذه الآيات دالة على أن الشياطين لها قوة عظيمة و بسبب تلك القوة قدروا على بناء الأبنية القوية التي لا يقدر عليها البشر و قدروا على الغوص في البحار و احتاج سليمان ع إلى قيدهم و لقائل أن يقول هذه الشياطين إما أن تكون أجسادهم كثيفة أو لطيفة فإن كان الأول وجب أن يراهم من كان صحيح الحاسة إذ لو جاز أن لا نراهم مع كثافة أجسادهم فليجز أن يكون بحضرتنا جبال عالية و أصوات هائلة لا نراها و لا نسمعها و ذلك دخول في السفسطة فإن كان الثاني و هو أن أجسادهم ليست كثيفة بل لطيفة رقيقة فمثل هذا يمتنع أن يكون موصوفا بالقوة الشديدة و أيضا لزم أن تتفرق أجسادهم و أن تتمزق بسبب الرياح القوية و أن يموتوا في الحال و ذلك يمنع وصفهم بالآلات القوية. و أيضا الجن و الشياطين إن كانوا موصوفين بهذه الشدة و القوة فلم لا يقتلون العلماء و الزهاد في زماننا و لم لا يخربون ديار الناس مع أن المسلمين مبالغون في إظهار لعنتهم و عداوتهم و حيث لا يحس شي‏ء من ذلك علمنا أن القول بإثبات الجن و الشياطين ضعيف.

    و اعلم أن أصحابنا يجوزون أن تكون أجسامهم كثيفة مع أنا لا نراها و أيضا لا يبعد أن يقال أجسامهم لطيفة بمعنى عدم اللون و لكنها صلبة بمعنى أنها لا تقبل التفرق و أما الجبائي فقد سلم أنها كانت كثيفة الأجسام و زعم أن الناس كانوا يشاهدونهم في زمن سليمان ع ثم إنهم لما توفي سليمان ع أمات الله تلك الجن و الشياطين و خلق نوعا آخر من الجن و الشياطين و الموجود في زماننا ليس إلا من هذا الجنس و الله أعلم انتهى. قال الطبرسي رحمه الله وَ آخَرِينَ أي و سخرنا له آخرين من الشياطين مشددين في الأغلال و السلاسل من الحديد و كان يجمع بين اثنين و ثلاثة منهم في سلسلة لا يمتنعون عليه إذا أراد ذلك بهم عند تمردهم. و قيل إنه إنما كان يفعل ذلك بكفارهم فإذا آمنوا أطلقهم. بِنُصْبٍ وَ عَذابٍ أي بتعب و مكروه و مشقة و قيل بوسوسة فيقول له طال مرضك و لا يرحمك ربك انتهى. و قال البيضاوي في قوله تعالى فَإِذا سَوَّيْتُهُ عدلت خلقته اسْتَكْبَرَ تعظم و كانَ أي و صار أو في علم الله فَبِعِزَّتِكَ فبسلطانك و قهرك فَالْحَقُّ وَ الْحَقَّ أَقُولُ أي فأحق الحق و أقوله. و قيل الحق الأول اسم الله تعالى و نصب بحذف حرف القسم و جوابه لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَ مِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ و ما بينهما اعتراض و هو على الأول جواب محذوف و الجملة تفسير للحق المقول و قرأ عاصم و حمزة برفع الأول على الابتداء   أي الحق يميني أو قسمي أو الخبر أي أنا الحق وَ إِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ أي نخس به شبه وسوسته لأنها بعث على ما لا ينبغي كالدفع بما هو أسوأ و جعل النزغ نازغا على طريقة جد جده أو أريد به نازغ وصفا للشيطان بالمصدر فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ لاستعاذتك الْعَلِيمُ بنيتك أو بصلاحك وَ مَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ يتعامى و يعرض عنه لفرط اشتغاله بالمحسوسات أو انهماكه في الشهوات نُقَيِّضْ نقدر و نسبب لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ يوسوسه و يغويه دائما. أقول

 و في الخصال، عن أمير المؤمنين ع من تصدى بالإثم أعشى عن ذكر الله تعالى و من ترك الأخذ عمن أمر الله بطاعته قيض لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ

 سَوَّلَ لَهُمْ قيل أي سهل لهم اقتراف الكبائر و قيل حملهم على الشهوات وَ أَمْلى لَهُمْ أي و أمد لهم في الآمال و الأماني أو أمهلهم الله و لم يعاجلهم بالعقوبة اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ أي استولى عليهم و هو مما جاء على الأصل فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ لا يذكرونه بقلوبهم و لا بألسنتهم أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ جنوده و أتباعه أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ لأنهم فوتوا على أنفسهم النعيم المؤبد و عرضوها للعذاب المخلد. كَمَثَلِ الشَّيْطانِ قال البيضاوي أي مثل المنافقين في إغراء اليهود على القتال كمثل الشيطان إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ أغراه على الكفر إغراء الآمر المأمور فَلَمَّا   كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِي‏ءٌ مِنْكَ تبرأ عنه مخافة أن يشاركه في العذاب و لا ينفعه ذلك كما قال إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ إلى قوله جَزاءُ الظَّالِمِينَ و المراد من الإنسان الجنس و قيل أبو جهل قال له إبليس يوم بدر لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَ إِنِّي جارٌ لَكُمْ الآية و قيل راهب حمله على الفجور و الارتداد. وَ لَقَدْ زَيَّنَّا أقول قد مر الكلام فيها في باب السماوات. مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ قال الطبرسي رحمه الله فيه أقوال أحدها أن معناه من شر الوسوسة الواقعة من الجنة التي يوسوسها في صدور الناس فيكون فاعل يوسوس ضمير الجنة و إنما ذكر لأن الجنة و الجن واحد و جازت الكناية عنه و إن كان متأخرا لأنه في نية التقدم. و ثانيها أن معناه من شر ذي الوسواس و هو الشيطان كما جاء في الأثر أنه يوسوس فإذا ذكر ربه خنس. ثم وصفه الله تعالى بقوله الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ أي بالكلام الخفي الذي يصل مفهومة إلى قلوبهم من غير سماع ثم ذكر أن هذا الشيطان الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة و هم الشياطين كما قال سبحانه إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ ثم عطف بقوله وَ النَّاسِ على الوسواس و المعنى من شر الوسواس و من شر الناس كأنه أمر أن يستعيذ من شر الجن و الإنس. و ثالثها أن معناه من شر ذي الوسواس الخناس ثم فسره بقوله مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ كما تقول نعوذ بالله من شر كل مارد من الجن و الإنس و على هذا فيكون وسواس الجنة هو وسواس الشيطان و في وسواس الإنس وجهان أحدهما أنه وسوسة الإنسان نفسه. و الثاني إغواء من يغويه من الناس و يدل عليه قوله شَياطِينَ الْإِنْسِ وَ الْجِنِّ   فشيطان الجن يوسوس و شيطان الإنس يأتي علانية و يرى أنه ينصح و قصده الشر قال مجاهد الخناس الشيطان إذا ذكر الله سبحانه خنس و انقبض و إذا لم يذكر الله انبسط على القلب و يؤيده

 ما روي عن أنس بن مالك قال قال رسول الله ص إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم فإذا ذكر الله سبحانه خنس و إن نسي التقم قلبه فذلك الوسواس الخناس

و قيل الخناس معناه الكثير الاختفاء بعد الظهور و هو المستتر المختفي عن أعين الناس لأنه يوسوس من حيث لا يرى بالعين

 و روى العياشي بإسناده عن أبان بن تغلب عن جعفر بن محمد ع قال قال رسول الله ص ما من مؤمن إلا و لقلبه في صدره أذنان أذن ينفث فيها الملك و أذن ينفث فيها الوسواس الخناس فيؤيد الله المؤمن بالملك و هو قوله سبحانه وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ

1-  تفسير علي بن إبراهيم، قوله تعالى وَ الشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَ غَوَّاصٍ أي في البحر وَ آخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ يعني مقيدين قد شد بعضهم إلى بعض و هم الذين عصوا سليمان ع حين سلبه الله ملكه قال الصادق ع جعل الله عز و جل ملك سليمان في خاتمه فكان إذا لبسه حضرته الجن و الإنس و الشياطين و جميع الطير و الوحش و أطاعوه و يبعث الله رياحا تحمل الكرسي بجميع ما عليه من الشياطين و الطير و الإنس و الدواب و الخيل فتمر بها في الهواء إلى موضع يريده سليمان و كان يصلي الغداة بالشام و الظهر بفارس و كان يأمر الشياطين أن يحملوا الحجارة من فارس يبيعونها بالشام فلما مسح أعناق الخيل و سوقها بالسيف سلبه الله ملكه فجاء شيطان فأخذ من خادمه خاتمه حيث دخل الخلاء و ساق الحديث إلى قوله فلما رد عليه الخاتم و لبسه حوت   عليه الشياطين و الجن و الإنس و الطير و الوحوش و رجع إلى ما كان فطلب ذلك بالشيطان و جنوده الذين كانوا معه فقيدهم و حبس بعضهم في جوف الماء و بعضهم في جوف الصخر بأسامي الله فهم محبوسون معذبون إلى يوم القيامة

2-  القصص، بسنده عن أبي بصير عن أبي جعفر ع قال كان سليمان ع يأمر الشياطين فتحمل له الحجارة من موضع إلى موضع فقال لهم إبليس كيف أنتم قالوا ما لنا طاقة بما نحن فيه فقال إبليس أ ليس تذهبون بالحجارة و ترجعون فراغا قالوا نعم قال فأنتم في راحة فأبلغت الريح سليمان ما قال إبليس للشياطين فأمرهم يحملون الحجارة ذاهبين و يحملون الطين راجعين إلى موضعها فتراءى لهم إبليس فقال كيف أنتم فشكوا إليه فقال أ لستم تنامون بالليل قالوا بلى قال فأنتم في راحة فأبلغت الريح ما قالت الشياطين و إبليس فأمرهم أن يعملوا بالليل و النهار فما لبثوا إلا يسيرا حتى مات سليمان صلوات الله عليه

3-  العيون، و العلل، بإسناده عن الرضا عن آبائه ع قال سأل الشامي أمير المؤمنين ع عن اسم إبليس ما كان في السماء فقال كان اسمه الحارث و سأله عن أول من كفر فقال إبليس لعنه الله

4-  التفسير، قال علي بن إبراهيم في قوله تعالى فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ قال الرجيم أخبث الشياطين قيل و لم سمي رجيما قال لأنه يرجم

5-  القصص، للراوندي بإسناده عن عبد الله بن عمر قال سئل رسول الله ص   عن ذي الكفل فقال كان رجلا من حضرموت و اسمه عويد بن أديم و كان في زمن نبي من الأنبياء قال من يلي أمر الناس بعدي على أن لا يغضب فقام فتى فقال أنا فلم يلتفت إليه ثم قال كذلك فقام الفتى فمات ذلك النبي و بقي ذلك الفتى و جعله الله نبيا و كان الفتى يقضي أول النهار فقال إبليس لأتباعه من له فقال واحد منهم يقال له الأبيض أنا فقال إبليس فاذهب إليه لعلك تغضبه فلما انتصف النهار جاء الأبيض إلى ذي الكفل و قد أخذ مضجعه فصاح و قال إني مظلوم فقال قل له تعالى فقال لا أنصرف قال فأعطاه خاتمه فقال اذهب و أتني بصاحبك فذهب حتى إذا كان من الغد جاء تلك الساعة التي أخذ هو مضجعه فصاح إني مظلوم و إن خصمي لم يلتفت إلى خاتمك فقال له الحاجب ويحك دعه ينم فإنه لم ينم البارحة و لا أمس قال لا أدعه ينام و أنا مظلوم فدخل الحاجب و أعلمه فكتب له كتابا و ختمه و دفعه إليه فذهب حتى إذا كان من الغد حين أخذ مضجعه جاء فصاح فقال ما ألتفت إلى شي‏ء من أمرك و لم يزل يصيح حتى قام و أخذ بيده في يوم شديد الحر لو وضعت فيه بضعة لحم على الشمس لنضجت فلما رأى الأبيض ذلك انتزع يده من يده و يئس منه أن يغضب فأنزل الله جل و علا قصته على نبيه ليصبر على الأذى كما صبر الأنبياء صلوات الله عليهم على البلاء

 بيان كأنه سقط من أول الخبر شي‏ء و القائل هو نبي آخر غير ذي   الكفل و القائل هو ع كما بيناه في المجلد الخامس

6-  مجالس الصدوق، عن أبيه عن عبد الله الحميري عن موسى بن جعفر بن وهب عن علي بن سليمان النوفلي عن فطر بن خليفة عن الصادق جعفر بن محمد ع قال لما نزلت هذه الآية وَ الَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ صعد إبليس جبلا بمكة يقال له ثور فصرخ بأعلى صوته بعفاريته فاجتمعوا إليه فقالوا يا سيدنا لم دعوتنا قال نزلت هذه الآية فمن لها فقام عفريت من الشياطين فقال أنا لها بكذا و كذا قال لست لها فقام آخر فقال مثل ذلك فقال لست لها فقال الوسواس الخناس أنا لها قال بما ذا قال أعدهم و أمنيهم حتى يواقعوا الخطيئة فإذا واقعوا الخطيئة أنسيتهم الاستغفار فقال أنت لها فوكله بها إلى يوم القيامة

 بيان في القاموس رجل عفر و عفرية و عفريت بكسرهن خبيث منكر و العفريت النافذ في الأمر المبالغ فيه مع دهاء

7-  العلل، بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال سألته عن الخناس قال إن إبليس يلتقم القلب فإذا ذكر الله خنس فلذلك سمي الخناس

8-  تفسير الفرات، بإسناده عن الحسن ع فيما سأل كعب الأحبار   أمير المؤمنين ع قال لما أراد الله تعالى خلق آدم بعث جبرئيل فأخذ من أديم الأرض قبضة فعجنه بالماء العذب و المالح و ركب فيه الطبائع قبل أن ينفخ فيه الروح فخلقه من أديم الأرض فطرحه كالجبل العظيم و كان إبليس يومئذ خازنا على السماء الخامسة يدخل في منخر آدم ثم يخرج من دبره ثم يضرب بيده على بطنه فيقول لأي أمر خلقت لئن جعلت فوقي لا أطعتك و لئن جعلت أسفل مني لأعينك فمكث في الجنة ألف سنة ما بين خلقه إلى أن ينفخ فيه الروح الحديث

9-  الكافي، بإسناده عن مسعدة قال سمعت أبا عبد الله ع و سئل عن الكفر و الشرك أيهما أقدم فقال الكفر أقدم و ذلك أن إبليس أول من كفر و كان كفره غير شرك لأنه لم يدع إلى عبادة غير الله و إنما دعا إلى ذلك بعد فأشرك

10-  و منه، بإسناده عن عبد الحميد أبي العلاء عن أبي عبد الله ع قال قال لي يا أبا محمد و الله لو أن إبليس سجد لله بعد المعصية و التكبر عمر الدنيا ما نفعه ذلك و لا قبله الله عز و جل منه ما لم يسجد لآدم كما أمره الله أن يسجد له الحديث

11-  العلل، بإسناده قال دخل أبو حنيفة على أبي عبد الله ع فقال له يا أبا حنيفة بلغني أنك تقيس قال نعم أنا أقيس قال ويلك لا تقس إن أول من قاس إبليس قال خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ قاس ما بين النار و الطين   و لو قاس نورية آدم بنور النار عرف فضل ما بين النورين و صفاء أحدها على الآخر

12-  العياشي، عن جابر عن النبي ص قال إبليس أول من تغنى و أول من ناح لما أكل آدم من الشجرة تغنى

13-  العلل، بإسناده عن يزيد بن سلام قال قال النبي ص الخميس يوم خامس من الدنيا و هو يوم أنيس لعن فيه إبليس و رفع فيه إدريس الخبر

14-  الكافي، بإسناده عن زرارة عن أبي جعفر ع قال كان إبليس يوم بدر يقلل المسلمين في أعين الكفار و يكثر الكفار في أعين المسلمين فشد عليه جبرئيل بالسيف فهرب منه و هو يقول يا جبرئيل إني مؤجل حتى وقع في البحر قال زرارة فقلت لأبي جعفر ع لأي شي‏ء كان يخاف و هو مؤجل قال على أن يقطع بعض أطرافه

15-  و منه، بإسناده عن علي ع قال قال رسول الله ص لا تؤووا   منديل اللحم في البيت فإنه مربض الشيطان و لا تؤووا التراب خلف الباب فإنه مأوى الشيطان فإذا بلغ أحدكم باب حجرته فليسم فإنه يفر الشيطان و إذا سمعتم نياح الكلاب و نهيق الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان الرجيم فإنهم يرون و لا ترون فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ الخبر

16-  العلل، بإسناده عن عبد العظيم الحسني قال كتبت إلى أبي جعفر ع أسأله عن علة الغائط و نتنه قال إن الله تعالى خلق آدم و كان جسده طيبا و بقي أربعين سنة ملقى تمر به الملائكة فتقول لأمر ما خلقت و كان إبليس يدخل في فيه و يخرج من دبره فلذلك صار ما في جوف آدم منتنا خبيثا غير طيب

17-  العلل، عن ماجيلويه عن عمه عن أحمد البرقي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبي أيوب عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال إنما كانت بلية أيوب التي ابتلي بها في الدنيا لنعمة أنعم الله بها عليه فأدى شكرها و كان إبليس في ذلك الزمان لا يحجب دون العرش فلما صعد عمل أيوب بأداء شكر النعمة حسده إبليس فقال يا رب إن أيوب لم يؤد شكر هذه النعمة إلا بما أعطيته من الدنيا فلو حلت بينه و بين دنياه ما أدى إليك شكر نعمة فسلطني على دنياه تعلم أنه لا يؤدي شكر نعمة فقال قد سلطتك على دنياه فلم يدع له دنيا و لا ولدا إلا أهلك ذلك و هو يحمد   الله عز و جل ثم رجع إليه فقال يا رب إن أيوب يعلم أنك سترد عليه دنياه التي أخذتها منه فسلطني على بدنه حتى تعلم أنه لا يؤدي شكر نعمة قال عز و جل قد سلطتك على بدنه ما عدا عينيه و قلبه و لسانه و سمعه فقال أبو بصير قال أبو عبد الله ع فانقض مبادرا خشية أن تدركه رحمه الله عز و جل فيحول بينه و بينه فنفخ في منخريه من نار السموم فصار جسده نقطا نقطا

18-  الكافي، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن سنان عن عثمان النواء عمن ذكره عن أبي عبد الله ع قال إن الله عز و جل يبتلي المؤمن بكل بلية و يميته بكل ميتة و لا يبتليه بذهاب عقله أ ما ترى أيوب كيف سلط إبليس على ماله و على ولده و على أهله و على كل شي‏ء منه و لم يسلط على عقله ترك له يوحد الله به

19-  الفقيه، قال الصادق ع إذا أتى أحدكم أهله فليذكر الله فإن من لم يذكر الله عند الجماع فكان منه ولد كان شرك شيطان و يعرف ذلك بحبنا و بغضنا

20-  و منه، قال أبو جعفر ع إذا انكشف أحدكم لبول أو لغير ذلك فليقل بسم الله فإن الشيطان يغض بصره عنه حتى يفرغ

21-  و منه، بإسناده عن علي بن أسباط عن الرضا ع قال قال لي إذا خرجت من منزلك في سفر أو حضر فقل بسم الله آمنت بالله توكلت على الله ما شاء   الله لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم فتلقاه الشياطين فتضرب الملائكة وجوهها و تقول ما سبيلكم عليه و قد سمى الله و آمن به و توكل على الله و قال ما شاء الله لا حول و لا قوة إلا بالله

22-  الكافي، بإسناده عن حفص بن القاسم قال قال أبو عبد الله ع إن على ذروة كل جسر شيطانا فإذا انتهيت إليه فقل بسم الله يرحل عنك

23-  التهذيب، بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال إن الرجل إذا أتى المرأة و جلس مجلسه حضرة الشيطان فإن هو ذكر اسم الله تنحى الشيطان عنه و إن فعل و لم يسم أدخل الشيطان ذكره فكان العمل منهما جميعا و النطفة واحدة قلت فبأي شي‏ء يعرف هذا جعلت فداك قال بحبنا و بغضنا

24-  و منه، بإسناده عن أبي حمزة قال قال علي بن الحسين ع يا ثمالي إن الصلاة إذا أقيمت جاء الشيطان إلى قرين الإمام فيقول هل ذكر ربه فإن قال نعم ذهب و إن قال لا ركب على كتفيه فكان إمام القوم حتى ينصرفوا قال فقلت جعلت فداك ليس يقرءون القرآن قال بلى ليس حيث تذهب يا ثمالي إنما هو الجهر ب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

    بيان قرين الإمام الملك الذي يحفظ عمله أو الشيطان الذي وكل به

25-  المحاسن، بإسناده عن أبي عبد الله ع قال إذا أكلت الطعام فقل بسم الله في أوله و في آخره فإن العبد إذا سمى في طعامه قبل أن يأكل لم يأكل معه الشيطان و إذا سمى بعد ما يأكل و أكل الشيطان منه تقيا ما كان أكل

26-  و منه، بإسناده عن محمد بن مروان عن أبي عبد الله ع قال إذا وضع الغداء و العشاء فقل بسم الله فإن الشيطان يقول لأصحابه اخرجوا فليس هنا عشاء و لا مبيت و إن هو نسي أن يسمي قال لأصحابه تعالوا فإن لكم هنا عشاء و مبيتا

27-  و قال ع في خبر آخر إذا توضأ أحدكم و لم يسم كان للشيطان في وضوئه شرك و إن أكل أو شرب أو لبس لباسا ينبغي أن يسمي عليه فإن لم يفعل كان للشيطان فيه شرك

28-  الفقيه، في وصايا النبي ص لعلي يا علي النوم على أربعة نوم الأنبياء على أقفيتهم و نوم المؤمنين على أيمانهم و نوم الكفار و المنافقين على يسارهم و نوم الشياطين على وجوههم

    -29  تفسير الإمام، قال ع قال رسول الله ص تعوذوا بالله من الشيطان الرجيم فإن من تعوذ بالله أعاذه الله و تعوذوا من همزاته و نفخاته و نفثاته أ تدرون ما هي أما همزاته فما يلقيه في قلوبكم من بغضنا أهل البيت قالوا يا رسول الله و كيف نبغضكم بعد ما عرفنا محلكم من الله و منزلتكم قال أن تبغضوا أولياءنا و تحبوا أعداءنا قيل يا رسول الله و ما نفخاتهم قال هي ما ينفخون به عند الغضب في الإنسان الذي يحملونه على هلاكه في دينه و دنياه و قد ينفخون في غير حال الغضب بما يهلكون به أ تدرون ما أشد ما ينفخون و هو ما ينفخون بأن يوهموا أن أحدا من هذه الأمة فاضل علينا أو عدل لنا أهل البيت و أما نفثاته فإنه يرى أحدكم أن شيئا بعد القرآن أشفى له من ذكرنا أهل البيت و من الصلاة علينا

30-  العلل، بإسناده عن جابر الأنصاري قال قال رسول الله ص أغلقوا أبوابكم و خمروا آنيتكم و أوكئوا أسقيتكم فإن الشيطان لا يكشف غطاء و لا يحل وكاء

31-  الكافي، بإسناده عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن ع قال قال رسول الله إذا ركب الرجل الدابة فسمى ردفه ملك يحفظه حتى ينزل و إذا ركب و لم يسم ردفه شيطان فيقول له تغن فإن قال له لا أحسن قال له تمن   فلا يزال يتمنى حتى ينزل

32-  العيون، بإسناده عن الرضا عن آبائه ع قال قال رسول الله ص في أول يوم من شهر رمضان تغل مردة الشياطين

33-  العلل، عن أبيه عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد بن يحيى عن الحسن بن علي بن أسباط عن أبي عبد الرحمن قال قلت لأبي عبد الله ع ربما حزنت فلا أعرف في أهل و لا مال و لا ولد و ربما فرحت فلا أعرف في أهل و لا مال و لا ولد فقال إنه ليس من أحد إلا و معه ملك و شيطان فإذا كان فرحه كان دنو الملك منه و إذا كان حزنه كان دنو الشيطان منه و ذلك قول الله تبارك و تعالى الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَ يَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَ اللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَ فَضْلًا وَ اللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ

 بيان كأن المراد أن هذا الهم لأجل وساوس الشيطان لكنه لا يتفطن به الإنسان فيظن أنه بلا سبب. أو المراد أنه لما كان شأن الشيطان ذلك يصير محض دنوه سببا للهم أو أراد السائل عدم كونه لفوت تلك الأمور في الماضي و يجري جميع الأمور في الملك أيضا

34-  الكافي، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد عن أبي عبد الله ع قال ما من قلب إلا و له أذنان على أحدهما ملك مرشد و على الأخرى   شيطان مفتن هذا يأمره و هذا يزجره الشيطان يأمره بالمعاصي و الملك يزجره عنها و هو قول الله عز و جل عَنِ الْيَمِينِ وَ عَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ

35-  و منه، بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال إن للقلب أذنين فإذا هم العبد بذنب قال له روح الإيمان لا تفعل و قال له الشيطان افعل و إذا كان على بطنها نزع منه روح الإيمان

36-  المحاسن، عن أبي طالب عن أنس عن عياض الليثي عن أبي عبد الله عن أبيه ع قال قال رسول الله ص إن على ذروة كل بعير شيطانا فامتهنوها لأنفسكم و ذللوها و اذكروا اسم الله عليها كما أمركم الله

37-  و منه، عن القاسم بن يحيى عن جده الحسن عن يعقوب بن جعفر قال سمعت أبا الحسن ع يقول الخيل على كل منخر منها شيطان فإذا أراد أحدكم أن يلجمها فليسم الله

38-  طب الأئمة، بإسناده قال قال رسول الله ص أكثروا من الدواجن في بيوتكم تتشاغل بها الشياطين عن صبيانكم

39-  الكافي، بإسناده عن سليم بن قيس عن أمير المؤمنين ع قال قال   رسول الله ص إن الله حرم الجنة على كل فحاش بذي قليل الحياء لا يبالي ما قال و لا ما قيل له فإنك إن فتشته لم تجده إلا لغية أو شرك شيطان قيل يا رسول الله و في الناس شرك الشيطان فقال ص أ ما تقرأ قول الله عز و جل وَ شارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ الخبر

 بيان في القاموس ولد غية و يكسر زنية

40-  الكافي، بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع حيث علمه الدعاء إذا دخلت عليه امرأته و قال فيه و لا تجعل فيه شركا للشيطان قال قلت و بأي شي‏ء يعرف ذلك قال أ ما تقرأ كتاب الله عز و جل وَ شارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ ثم قال إن الشيطان ليجي‏ء حتى يقعد من المرأة كما يقعد الرجل منها و يحدث كما يحدث و ينكح كما ينكح قلت بأي شي‏ء يعرف ذلك قال بحبنا و بغضنا فمن أحبنا كان نطفة العبد و من أبغضنا كان نطفة الشيطان

41-  و قال في حديث آخر و إن الشيطان يجي‏ء فيقعد كما يقعد الرجل و ينزل كما ينزل الرجل

42-  و في رواية أخرى عن هشام عنه ع في النطفتين اللتين للآدمي و الشيطان إذا اشتركا فقال أبو عبد الله ع ربما خلق من أحدهما و ربما خلق منهما جميعا

    -43  تفسير الفرات، بإسناده عن أبي جعفر ع قال رأى أمير المؤمنين ع على بابه شيخا فعرفه أنه الشيطان فصارعه و صرعه قال قم عني يا علي حتى أبشرك فقام عنه فقال بم تبشرني يا ملعون قال إذا كان يوم القيامة صار الحسن عن يمين العرش و الحسين عن يسار العرش يعطيان شيعتهما الجواز من النار قال فقام إليه و قال أصارعك قال مرة أخرى قال نعم فصرعه أمير المؤمنين قال قم عني حتى أبشرك فقام عنه فقال لما خلق الله آدم خرج ذريته من ظهره مثل الذر فأخذ ميثاقهم فقال أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى قال فأشهدهم على أنفسهم فأخذ ميثاق محمد و ميثاقك فعرف وجهك الوجوه و روحك الأرواح فلا يقول لك أحد أحبك إلا عرفته و لا يقول لك أحد أبغضك إلا عرفته قال قم صارعني قال ثلاثة قال نعم فصارعه و صرعه فقال يا علي لا تبغضني و قم عني حتى أبشرك قال بلى و أبرأ منك و ألعنك قال و الله يا ابن أبي طالب ما أحد يبغضك إلا شركت في رحم أمه و في ولده فقال له أ ما قرأت كتاب الله وَ شارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ الآية

44-  تفسير علي بن إبراهيم، بإسناده عن أبي بصير عن أبي جعفر في قصة طويلة في   حج إبراهيم و ذبحه ابنه إلى أن قال و سلما لأمر الله و أقبل شيخ فقال يا إبراهيم ما تريد من هذا الغلام قال أريد أن أذبحه فقال سبحان الله تذبح غلاما لم يعص الله عز و جل طرفة عين فقال إبراهيم إن الله أمرني بذلك فقال ربك ينهاك عن ذلك و إنما أمرك بهذا الشيطان فقال له إبراهيم إن الذي بلغني هذا المبلغ هو الذي أمرني به و الكلام الذي وقع في أذني فقال لا و الله ما أمرك بهذا إلا الشيطان فقال إبراهيم لا و الله لا أكلمك ثم عزم إبراهيم على الذبح فقال يا إبراهيم إنك إمام يقتدى بك و إنك إذا ذبحته ذبح الناس أولادهم فلم يكلمه و أقبل على الغلام و استشاره في الذبح و ساق الحديث في الفداء إلى قوله و لحق إبليس بأم الغلام حين نظرت إلى الكعبة في وسط الوادي بحذاء البيت فقال لها ما شيخ رأيته قالت إن ذلك بعلي قال فوصيف رأيته معه قالت ذلك ابني قال فإني رأيته و قد أضجعه و أخذ المدية ليذبحه فقالت كذبت إن إبراهيم أرحم الناس كيف يذبح ابنه قال فو رب السماء و الأرض و رب هذا البيت لقد رأيته أضجعه و أخذ المدية فقالت و لم قال يزعم أن ربه أمره بذلك قالت فحق له أن يطيع ربه فوقع في نفسها أنه قد أمر في ابنها بأمر فلما قضت مناسكها أسرعت في الوادي راجعة إلى منى و هي واضعة يدها على رأسها تقول ربي لا تؤاخذني بما عملت بأم إسماعيل الحديث

45-  العلل، عن أبيه عن محمد بن يحيى العطار عن سهل بن زياد عن الحسن بن محبوب عن خالد بن جرير عن أبي الربيع الشامي عن أبي عبد الله ع قال إن آدم   ع لما هبط من الجنة اشتهى من ثمارها فأنزل الله تبارك و تعالى عليه قضيبين من عنب فغرسهما فلما أورقا و أثمرا و بلغا جاء إبليس فحاط عليهما حائطا فقال له آدم ما لك يا ملعون فقال له إبليس إنهما لي فقال كذبت فرضيا بينهما بروح القدس فلما انتهيا إليه قص آدم ع قصته فأخذ روح القدس شيئا من نار فرمى بها عليهما فالتهبت في أغصانهما حتى ظن آدم أنه لم يبق منهما شي‏ء إلا احترق و ظن إبليس مثل ذلك قال فدخلت النار حيث دخلت و قد ذهب منهما ثلثاهما و بقي الثلث فقال الروح أما ما ذهب منهما فحظ إبليس لعنه الله و ما بقي فلك يا آدم

 الكافي، عن علي بن إبراهيم عن أبيه و عدة من أصحابه عن أحمد بن محمد و سهل بن زياد جميعا عن ابن محبوب مثله

46-  و منه، عن علي بن محمد عن صالح بن أبي حماد عن الحسين بن يزيد عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن إبراهيم عن أبي عبد الله ع قال إن الله تبارك و تعالى لما أهبط آدم ع أمره بالحرث و الزرع و طرح إليه غرسا من غروس الجنة فأعطاه النخل و العنب و الزيتون و الرمان فغرسها لتكون لعقبه و ذريته فأكل هو من ثمارها فقال له إبليس لعنه الله يا آدم ما هذا الغرس الذي لم أكن أعرفه في الأرض و قد كنت بها قبلك ائذن لي آكل منه شيئا فأبى أن يطعمه فجاء عند آخر عمر آدم فقال لحواء إنه قد أجهدني الجوع و العطش فقالت له حواء ع إن آدم عهد إلي   أن لا أطعمك شيئا من هذا الغرس لأنه من الجنة و لا ينبغي لك أن تأكل منه فقال لها فاعصري في كفي منه شيئا فأبت عليه فقال ذريني أمصه و لا آكله فأخذت عنقودا من عنب فأعطته فمصه و لم يأكل منه شيئا لما كانت حواء قد أكدت عليه فلما ذهب يعضه جذبته حواء من فيه فأوحى الله عز و جل إلى آدم ع أن العنب قد مصه عدوي و عدوك إبليس لعنه الله و قد حرمت عليك من عصيرة الخمر ما خالطه نفس إبليس فحرمت الخمر لأن عدو الله إبليس مكر بحواء حتى مص العنبة و لو أكلها لحرمت الكرمة من أولها إلى آخرها و جميع ثمارها و ما يأكل منها ثم إنه قال لحواء ع فلو أمصصتني شيئا من هذا التمر كما أمصصتني من العنب فأعطته تمرة فمصها و كانت العنبة و التمر أشد رائحة و أزكى من المسك الأذفر و أحلى من العسل فلما مصهما عدو الله ذهبت رائحتهما و انتقصت حلاوتهما قال أبو عبد الله ع ثم إن إبليس الملعون ذهب بعد وفاة آدم ع فبال في أصل الكرمة و النخلة فجرى الماء في عروقهما ببول عدو الله فمن ثم يختمر العنب و التمر فحرم الله عز و جل على ذرية آدم كل مسكر لأن الماء جرى ببول عدو الله في النخلة و العنب و صار كل مختمر خمرا لأن الماء اختمر في النخلة و الكرمة من رائحة بول عدو الله إبليس لعنه الله

    بيان قوله ع فمن ثم يختمر العنب أي يغلي و ينتن و يصير مسكرا قوله ع لأن الماء اختمر في النخلة أي غلى و تغير و أنتن من رائحة بول عدو الله. قال الفيروزآبادي الخمر بالتحريك التغير عما كان عليه و قال اختمار الخمر إدراكها و غليانها انتهى. و يحتمل أن يكون المراد باختمار العنب و التمر تغطية أوانيهما ليصيرا خمرا و كذا اختمار الماء المراد به احتباسه في الشجرة لكنه بعيد. و أقول الأخبار بهذا المضمون كثيرة سيأتي بعضها في محالها

47-  تفسير الإمام، قيل للإمام ع فعلى هذا لم يكن إبليس أيضا ملكا فقال لا بل كان من الجن أ ما تسمعون الله عز و جل يقول وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ و هو الذي قال الله عز و جل وَ الْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ إلى آخر ما مر في قصة هاروت و ماروت

48-  النهج، ]نهج البلاغة[ في خطبة يذكر فيها خلقة آدم ع قال صلوات الله عليه و استأدى الله سبحانه و تعالى الملائكة وديعته لديهم و عهد وصيته إليهم في الإذعان بالسجود له و الخنوع لتكرمته فقال اسْجُدُوا لِآدَمَ فسجدوا إلا إبليس و قبيله اعترتهم الحمية و غلبت عليهم الشقوة و تعززوا بخلقة النار و استوهنوا خلق الصلصال   فأعطاه النظرة استحقاقا للسخطة و استتماما للبلية و إنجازا للعدة فقال فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ثم أسكن سبحانه آدم دارا أرغد فيها عيشه و آمن فيها محلته و حذره إبليس و عداوته فاغتره عدوه نفاسة عليه بدار المقام و مرافقة الأبرار

 توضيح استأدى وديعته أي طلب أداءها و الوديعة إشارة إلى قوله تعالى إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً الآية و الخنوع الخضوع و القبيل في الأصل الجماعة تكون من الثلاثة فصاعدا من قوم شتى فإن كانوا من أب واحد فهم قبيله و ضم القبيل هنا إلى إبليس غريب فإنه لم يكن له في هذا الوقت ذرية و لم يكن أشباهه في السماء فيمكن أن يكون المراد به أشباهه من الجن في الأرض بأن يكونوا مأمورين بالسجود أيضا و عدم ذكرهم في الآيات و سائر الأخبار لعدم الاعتناء بشأنهم أو المراد به طائفة خلقها الله تعالى في السماء غير الملائكة و يمكن أن يكون المراد بالقبيل ذريته و يكون إسناد عدم السجود إليهم لرضاهم بفعله

 كما قال ع في موضع آخر إنما يجمع الناس الرضا و السخط و إنما عقر ناقة ثمود رجل واحد فعمهم الله بالعذاب لما عموه بالرضا فقال سبحانه فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ

   اعترتهم أي غشيتهم و التعزز التكبر و استوهنه أي عده وهنا ضعيفا نفاسة أي بخلا

49-  النهج، ]نهج البلاغة[ في الخطبة القاصعة قال أمير المؤمنين ع الحمد لله الذي لبس العز و الكبرياء و اختارهما لنفسه دون خلقه و جعلهما حمى و حرما على غيره و اصطفاهما لجلاله و جعل اللعنة على من نازعه فيهما من عباده ثم اختبر بذلك ملائكته المقربين ليميز المتواضعين منهم من المستكبرين فقال سبحانه و هو العالم بمضمرات القلوب و محجوبات الغيوب إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ اعترضته الحمية فافتخر على آدم بخلقه و تعصب عليه لأصله فعدو الله إمام المتعصبين و سلف المستكبرين الذي وضع أساس العصبية و نازع الله رداء الجبرية و ادرع لباس التعزز و خلع قناع التذلل إلى قوله فاعتبروا بما كان من فعل الله بإبليس إذ أحبط عمله الطويل و جهده الجهيد و كان قد عبد الله ستة آلاف سنة لا يدرى أ من سني الدنيا أم من سني الآخرة عن كبر ساعة واحدة فمن بعد إبليس يسلم على الله بمثل معصيته كلا ما كان الله سبحانه ليدخل الجنة بشرا بأمر أخرج به ملكا إن حكمه في أهل السماء و أهل الأرض لواحد و ما بين الله و بين أحد من خلقه هوادة في إباحة حمى حرمه على العالمين فاحذروا عباد الله عدو الله أن يعديكم بدائه و أن   يستفزكم بخيله و رجله فلعمري لقد فوق لكم سهم الوعيد و أغرق بكم بالنزع الشديد و رماكم من مكان قريب و قال رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ قذفا بغيب بعيد و رجما بظن غير مصيب فصدقه به أبناء الحمية و إخوان العصبية و فرسان الكبر و الجاهلية إلى قوله ع فاجعلوا عليه حدكم و له جدكم فلعمر الله لقد فخر على أصلكم و وقع في حسبكم و دفع في نسبكم و أجلب بخيله عليكم و قصد برجله سبيلكم إلى آخر الخطبة

 بيان لا يدرى على صيغة المجهول و في بعض النسخ على المتكلم المعلوم فعلى الأول لا يدل على عدم علمه ع و على الثاني أيضا المراد به غيره و أدخل نفسه تغليبا و الإبهام لمصلحة كعدم تحاشي السامعين من طول المدة أو غيره. قوله ع أخرج به منها ملكا ظاهره أن إبليس كان من الملائكة و يمكن الجواب بأن إطلاق الملك عليه لكونه من الملائكة بالولاء و قال بعض شراح النهج يسلم على الله أي يرجع إليه سالما من طرده و لعنه تقول سلم على هذا الشي‏ء إذا رجع إليك سالما و لم يلحقه تلف و الباء للمصاحبة كما في قوله بأمر و أما الباء في به فيحتمل المصاحبة و السببية و قد مر تمام الخطبة و شرحها

50-  المحاسن، عن عبد الله بن الصلت عن أبي هدية عن أنس بن مالك أن   رسول الله ص كان ذات يوم جالسا على باب الدار معه علي بن أبي طالب ع إذ أقبل شيخ فسلم على رسول الله ص ثم انصرف فقال رسول الله ص لعلي ع أ تعرف الشيخ فقال له على ما أعرفه فقال ص هذا إبليس فقال علي ع لو علمت يا رسول الله لضربته ضربة بالسيف فخلصت أمتك منه قال فانصرف إبليس إلى علي ع فقال له ظلمتني يا أبا الحسن أ ما سمعت الله عز و جل يقول وَ شارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ فو الله ما شركت أحدا أحبك في أمه

51-  و منه، عن علي بن حسان الواسطي رفع الحديث قال أتت امرأة من الجن إلى رسول الله ص فآمنت به و حسن إسلامها فجعلت تجيئه في كل أسبوع فغابت عنه أربعين يوما ثم أتته فقال لها رسول الله ص ما الذي أبطأ بك يا جنية فقالت يا رسول الله أتيت البحر الذي هو محيط بالدنيا في أمر أردته فرأيت على شط ذلك البحر صخرة خضراء و عليها رجل جالس قد رفع يديه إلى السماء و هو يقول اللهم إني أسألك بحق محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين إلا ما غفرت لي فقلت له من أنت قال أنا إبليس فقلت و من أين تعرف هؤلاء قال إني عبدت ربي في الأرض كذا و كذا سنة و عبدت ربي في السماء كذا و كذا سنة ما رأيت في السماء أسطوانة إلا و عليها مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أمير المؤمنين أيدته به

52-  و منه، عن القاسم بن محمد الأصفهاني عن سليمان بن داود المنقري عن حفص بن غياث عن أبي عبد الله ع قال ظهر إبليس ليحيى بن زكريا ع و إذا عليه معاليق من كل شي‏ء فقال له يحيى ما هذه المعاليق يا إبليس فقال هذه الشهوات التي أصبتها من ابن آدم قال فهل لي منها شي‏ء قال ربما شبعت فثقلتك عن الصلاة و الذكر قال يحيى لله علي أن لا أملأ بطني من طعام أبدا فقال إبليس لله علي أن لا أنصح مسلما أبدا ثم قال أبو عبد الله ع يا حفص و لله على جعفر و آل جعفر أن لا يملئوا بطونهم من طعام أبدا و لله على جعفر و آل جعفر أن لا يعملوا للدنيا أبدا

    بيان ثقلتك على صيغة الغيبة أي الشبعة و يحتمل التكلم بحذف العائد

53-  المحاسن، عن الرضا عن آبائه ع قال قال علي بن أبي طالب ع إن لإبليس كحلا و سفوفا و لعوقا فأما كحله فالنوم و أما سفوفه فالغضب و أما لعوقه فالكذب

 بيان مناسبة الكحل للنوم ظاهر و أما السفوف للغضب فلأن أكثر السفوفات من المسهلات التي توجب خروج الأمور الردية و الغضب أيضا يوجب صدور ما لا ينبغي من الإنسان و بروز الأخلاق الذميمة به و يكثر منه و في القاموس سففت الدواء بالكسر سفا و استففته قمحته أو أخذته غير ملتوت و هو سفوف كصبور انتهى و أما اللعوق فلأنه غالبا مما يتلذذ به و يكثر منه و الكذب كذلك و في النهاية فيه إن للشيطان لعوقا و دسوما اللعوق بالفتح اسم لما يلعق به أي يؤكل بالملعقة و الدسام بالكسر ما يسد به الأذن فلا تعي ذكرا و لا موعظة

54-  العياشي، عن جميل بن دراج قال سألت أبا عبد الله ع عن إبليس أ كان من الملائكة أو كان يلي شيئا من أمر السماء فقال لم يكن من الملائكة و كانت الملائكة ترى أنه منها و كان الله يعلم أنه ليس منها و لم يكن يلي شيئا من أمر السماء و لا كرامة فأتيت الطيار فأخبرته بما سمعت فأنكر و قال كيف لا يكون من الملائكة و الله يقول للملائكة اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ فدخل عليه الطيار فسأله و أنا عنده فقال له جعلت فداك قول الله عز و جل يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا في غير مكان   في مخاطبة المؤمنين أ يدخل في هذه المنافقون قال نعم يدخل في هذه المنافقون و الضلال و كل من أقر بالدعوة الظاهرة

 كا، ]الكافي[ أبو علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن علي بن حديد عن جميل مثله

55-  العياشي، عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله قال سألته عن إبليس أ كان من الملائكة أو هل كان يلي شيئا من أمر السماء قال لم يكن من الملائكة و لم يكن يلي شيئا من أمر السماء و كان من الجن و كان مع الملائكة و كانت الملائكة ترى أنه منها و كان الله يعلم أنه ليس منها فلما أمر بالسجود كان منه الذي كان

 بيان قوله ع ترى أنه منهم أي في طاعة الله و عدم العصيان لمواظبته على   عبادته سبحانه أزمنة متطاولة لبعد عدم علم الملائكة بأنه ليس منهم بعد أن أسروه من الجن و رفعوه إلى السماء فيكون من قبيل

 قولهم ع سلمان منا أهل البيت

أو أنهم لما رأوا تباين أخلاقه ظاهرا للجن و تكريم الله تعالى إياه و جعله من بينهم بل جعله رئيسا على بعضهم كما قيل ظنوا أنه كان منهم وقع بين الجن أو أن الظان كان بعض الملائكة

56-  العياشي، عن يونس عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله ع في قول الله وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ قال أمر الله بما أمر به

57-  و منه، عن جابر عن أبي جعفر ع في قول الله وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ قال دين الله

 بيان فسر ع في الخبر الأول خلق الله بأمر الله و في الثاني بدين الله و قال الطبرسي رحمه الله قيل يريد دين الله و أمره عن ابن عباس و إبراهيم و مجاهد و الحسن و قتادة و هو المروي عن أبي عبد الله ع و يؤيده قوله سبحانه فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ و أراد بذلك تحريم الحلال و تحليل الحرام و قيل أراد الخصاء و قيل إنه الوشم و قيل إنه أراد الشمس و القمر و الحجارة عدلوا عن الانتفاع بها إلى عبادتها

58-  العياشي، عن جابر عن النبي ص قال كان إبليس أول من ناح و أول من تغنى و أول من حدا قال لما أكل آدم من الشجرة تغنى فلما أهبط حدا به فلما استقر على الأرض ناح فأذكره ما في الجنة فقال آدم رب هذا الذي جعلت بيني و بينه العداوة لم أقو عليه و أنا في الجنة و إن لم تعني عليه لم أقو عليه فقال الله   السيئة بالسيئة و الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مائة قال رب زدني قال لا يولد لك ولد إلا جعلت معه ملكا أو ملكين يحفظانه قال رب زدني قال التوبة مفروضة في الجسد ما دام فيها الروح قال رب زدني قال أغفر الذنوب و لا أبالي قال حسبي قال فقال إبليس رب هذا الذي كرمت علي و فضلته و إن لم تفضل علي لم أقو عليه قال لا يولد له ولد إلا ولد لك ولدان قال رب زدني قال تجري منه مجرى الدم في العروق قال رب زدني قال تتخذ أنت و ذريتك في صدورهم مساكن قال رب زدني قال تعدهم و تمنيهم وَ ما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً

59-  و منه، عن داود بن فرقد عن أبي عبد الله ع قال إن الملائكة كانوا يحسبون أن إبليس منهم و كان في علم الله أنه ليس منهم فاستخرج الله ما في نفسه بالحمية فقال خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ

60-  و منه، عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال الصراط الذي قال إبليس لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ الآية هو علي ع

61-  و منه، عن زرارة و حمران و محمد بن مسلم عن أبي جعفر و أبي عبد الله ع عن قوله يا بَنِي آدَمَ قالا هي عامة

 أقول ذكر الخبر في قوله تعالى يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ

62-  و منه، عن بكر بن محمد الأزدي عن عمه عبد السلام عن أبي عبد الله ع قال قال يا عبد السلام احذر الناس و نفسك فقلت بأبي أنت و أمي أما الناس فقد أقدر على أن أحذرهم و أما نفسي فكيف قال إن الخبيث يسترق السمع يجيئك   فيسترق ثم يخرج في صورة آدمي فيقول قال عبد السلام فقلت بأبي أنت و أمي هذا ما لا حيلة له قال هو ذاك

 بيان الظاهر أن المراد به ما تلفظ به من معايب الناس و غيرها من الأمور التي يريد إخفاءها فيكون مبالغة في التقية و يحتمل شموله لما يخطر بالبال فيكون الغرض رفع الاستبعاد عما يخفيه الإنسان عن غيره ثم يسمعه من الناس و هذا كثير و المراد بالخبيث الشيطان

63-  تأويل الآيات الباهرة، بحذف الإسناد مرفوعا إلى وهب بن جميع عن أبي عبد الله ع قال سألته عن إبليس و قوله رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ أي يوم هو قال يا وهب أ تحسب أنه يوم يبعث الله الناس لا و لكن الله عز و جل أنظره إلى يوم يبعث الله قائمنا فيأخذ بناصيته فيضرب عنقه فذلك اليوم هو الوقت المعلوم

64-  الكافي، عن العدة عن البرقي عن عثمان بن عيسى عن أبي أيوب الخزاز عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله ع قال ما من أحد يموت من المؤمنين أحب إلى إبليس من موت فقيه

65-  و منه، عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن هارون بن خارجة عن زيد الشحام عن أبي عبد الله ع قال سمعته يقول إن العبد إذا سجد فأطال السجود نادى إبليس يا ويله أطاع و عصيت و سجد و أبيت

 توضيح قال في النهاية في حديث أبي هريرة إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي و يقول يا ويله.   الويل الحزن و الهلاك و المشقة من العذاب و كل من وقع في هلكة دعا بالويل و معنى النداء فيه يا ويلي و يا حزني و يا هلاكي و يا عذابي احضر فهذا وقتك و أوانك فكأنه نادى الويل إن يحضره لما عرض له من الأمر الفظيع و الشدة و عدل عن حكاية قول إبليس يا ويلي كراهة أن يضيف الويل إلى نفسه

66-  الخصال، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن ابن عيسى عن الحسن بن علي عن عمر عن أبان بن عثمان عن العلاء بن سيابة عن أبي عبد الله ع قال لما هبط نوح ع من السفينة أتاه إبليس فقال له ما في الأرض رجل أعظم منه علي منك دعوت الله على هؤلاء الفساق فأرحتني منهم أ لا أعلمك خصلتين إياك و الحسد فهو الذي عمل بي ما عمل و إياك و الحرص فهو الذي عمل بآدم ما عمل

67-  و منه، بهذا الإسناد عن أحمد بن محمد عن محمد البرقي عن أحمد بن النضر عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر ع قال لما دعا نوح ع ربه عز و جل على قومه أتاه إبليس لعنه الله فقال يا نوح إن لك عندي يدا أريد أن أكافيك عليها فقال نوح ع إنه ليبغض إلى أن يكون لك عندي يد فما هي قال بلى دعوت الله على قومك فأغرقتهم فلم يبق أحد أغويه فأنا مستريح حتى ينشأ قرن آخر و أغويهم فقال له نوح ع ما الذي تريد أن تكافئني به قال اذكرني   في ثلاث مواطن فإني أقرب ما أكون إلى العبد إذا كان في إحداهن اذكرني إذا غضبت و اذكرني إذا حكمت بين اثنين و اذكرني إذا كنت مع امرأة خاليا ليس معكما أحد

68-  و منه، بالإسناد المتقدم عن محمد البرقي عن عبد الرحمن بن محمد العرزمي عن أبي عبد الله ع قال يقول إبليس لعنه الله ما أعياني في ابن آدم فلم يعيني منه واحدة من ثلاثة أخذ مال من غير حله أو منعه من حقه أو وضعه في غير وجهه

 بيان أي أي شي‏ء أعجزني في إضلال ابن آدم في أمر من الأمور و معصية من المعاصي فلا أعجز عن إضلاله في أحد هذه الأمور الثلاثة فأغويه في واحدة منها أي غالبا

69-  الخصال، عن محمد بن الحسن عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن إسماعيل عن الحسن بن ظريف عن أبي عبد الرحمن عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله ع قال الآباء ثلاثة آدم ولد مؤمنا و الجان ولد كافرا و إبليس ولد كافرا و ليس فيهم نتاج إنما يبيض و يفرخ و ولده ذكور ليس فيهم إناث

70-  مجالس ابن الشيخ، عن أحمد بن هارون بن الصلت عن أحمد بن محمد بن   سعيد عن الحسن بن القاسم عن شبير بن إبراهيم عن سليم بن بلال المدني عن الرضا عن أبيه عن جعفر بن محمد عن آبائه ع أن إبليس كان يأتي الأنبياء ع من لدن آدم ع إلى أن بعث الله المسيح ع يتحدث عندهم و يسائلهم و لم يكن بأحد منهم أشد أنسا منه بيحيى بن زكريا ع فقال له يحيى يا أبا مرة إن لي إليك حاجة فقال له أنت أعظم قدرا من أن أردك بمسألة فاسألني ما شئت فإني غير مخالفك في أمر تريده فقال يحيى يا أبا مرة أحب أن تعرض علي مصايدك و فخوخك التي تصطاد بها بني آدم فقال له إبليس حبا و كرامة و واعده لغد فلما أصبح يحيى ع قعد في بيته ينتظر الموعد و أغلق عليه الباب إغلاقا فما شعر حتى ساواه من خوخة كانت في بيته فإذا وجهه صورة وجه القرد و جسده على صورة الخنزير و إذا عيناه مشقوقتان طولا و إذا أسنانه و فمه مشقوقا طولا عظما واحدا بلا ذقن و لا لحية و له أربعة أيد يدان في صدره و يدان في منكبه و إذا عراقيبه قوادمه و أصابعه خلفه و عليه قباء قد شد وسطه بمنطقة فيها خيوط معلقة بين أحمر و أصفر و أخضر و جميع الألوان و إذا بيده جرس عظيم و على رأسه بيضة و إذا في البيضة حديدة معلقة شبيهة بالكلاب فلما تأمله يحيى ع قال له ما هذه المنطقة التي في وسطك   فقال هذه المجوسية أنا الذي سننتها و زينتها لهم فقال له ما هذه الخيوط الألوان قال له هذه جميع أصناع النساء لا تزال المرأة تصنع الصنيع حتى يقع مع لونها فافتتن الناس بها فقال له فما هذا الجرس الذي بيدك قال هذا مجمع كل لذة من طنبور و بربط و معزفة و طبل و ناي و صرناي و إن القوم ليجلسون على شرابهم فلا يستلذونه فأحرك الجرس فيما بينهم فإذا سمعوه استخفهم الطرب فمن بين من يرقص و من بين من يفرقع أصابعه و من بين من يشق ثيابه فقال له و أي الأشياء أقر لعينك قال النساء هن فخوخي و مصايدي فإني إذا اجتمعت علي دعوات الصالحين و لعناتهم صرت إلى النساء فطابت نفسي بهن فقال له يحيى ع فما هذه البيضة التي على رأسك قال بها أتوقى دعوة المؤمنين قال فما هذه الحديدة التي أرى فيها قال بهذه أقلب قلوب الصالحين قال يحيى ع فهل ظفرت بي ساعة قط قال لا و لكن فيك خصلة تعجبني قال يحيى ع فما هي قال أنت رجل أكول فإذا أفطرت أكلت و بشمت فيمنعك ذلك من بعض صلاتك و قيامك بالليل قال يحيى ع فإني أعطي الله عهدا أني لا أشبع من الطعام حتى ألقاه قال له إبليس و أنا أعطي الله عهدا أني لا أنصح مسلما حتى ألقاه ثم خرج فما عاد إليه بعد ذلك

 بيان قوله و حبا الظاهر زيادة الواو أو هو عطف على مفعول له الآخر مثله أي أفعله طاعة و حبا حتى ساواه أي حاذاه محاذ يقال ساواه مساواة ماثله و عادله قدرا أو قيمة و في القاموس الخوخة كوة تؤدي الضوء إلى البيت و مخترق ما بين كل دارين ما عليه باب و الكلاب كتفاح ما يقال له بالفارسية قلاب قوله أصناع النساء في أكثر النسخ بالصاد و العين المهملتين و النون و في بعضها بالصاد   و الباء و الغين المعجمة و بعده لا تزال المرأة تصنع الصنيع على الأول و تصبغ الصبغ على الثاني و لعله أظهر أي تتبع الأصباغ و الألوان في ثيابها و بدنها حتى يوافق لونها و على الأول أيضا يئول إليه قال الفيروزآبادي صنع الشي‏ء صنعا عمله و ما أحسن صنيع الله عندك و صنعة الفرس حسن القيام عليه صنعت فرسي صنعا و صنعة و الصنيع ذلك الفرس و الإحسان و هو صنيعي و صنيعتي أي اصطنعته و ربيته و صنعت الجارية كعني أحسن إليها حتى سمنت و صنع الجارية أي أحسن إليها و سمنها و رجل صنيع اليدين حاذق في الصنعة من قوم أصناع الأيدي و الصنع بالكسر الثوب و العمامة و الجمع أصناع و التصنع التزين. و قال المعازف الملاهي كالعود و الطنبور الواحد عزف أو معزف كمنبر و مكنسة و قال البشم محركة التخمة و السامة بشم كفرح و أبشمه الطعام و في بعض النسخ و نمت

71-  و أقول وجدت هذا الخبر في كتاب غور الأمور للترمذي على وجه أبسط فأحببت إيراده هنا قال حدثنا أبو مقاتل عن صالح بن سعيد عن أبي سهل عن الحسن قال قال رسول الله ص إن إبليس عدو الله كان يأتي الأنبياء و يتحدث إليهم من لدن نوح إلى عيسى ابن مريم و ما بين ذلك من الأنبياء غير أنه لم يكن لأحد أكثر زيارة و لا أشد استيناسا منه إلى يحيى بن زكريا ع و إنه دخل عليه ذات يوم فلما أراد الانصراف من عنده قال له يحيى يا با مرة و اسمه الحارث و كنيته أبو مرة و إنما سماه الله إبليس لأنه أبلس من الخير كله يوم آدم ع فقال له يا با مرة إني سائلك حاجة فأحببت أن لا تردني عنها فقال له و لك ذلك يا نبي الله فسل فقال له يحيى بن زكريا إني أحبك تجيئني   في صورتك و خلقك و تعرض علي مصايدك التي بها تهلك الناس قال إبليس سألتني أمرا عظيما ضقت به ذرعا و تفاقم خطبه عندي و لكنك أعز علي و أمن من أن أردك بمسألة و لا أجيبك بحاجة و لكني أحب أن تخلو برؤيتي فلا يكون معك أحد غيرك فتواعدا لغد عند ارتفاع النهار صدر من عنده على ذلك فلما كان من الغد في تلك الساعة تمثل بين يديه قائما فنظر إلى أمر من أمر الله عظيم إذا هو ممسوخ منكوس مقبوح هائل كريه جسده على أمثال أجساد الخنازير و وجهه على وجه القردة و شق عينيه طولا و شق فاه طولا حيال رأسه و أسنانه كلها عظم واحد لا ذقن له أصلا و لا لحية و شعر رأسه مقلل مقلوب المنبت نحو السماء و له أربعة أيدي يدان في منكبيه و يدان في جنبيه و أصابعه مما يليه من القدم خلفه و عراقيبه أمامه و أصابع يديه ستة و خده أصلت و منخرا أنفه نحو السماء له خرطوم كخرطوم الطير و وجهه قبل القفاء أعمش العينين أعرج معوج له جناح و إذا عليه قميص مقلص قد تمنطق فوقه بعد المجوس و إذا أكواز صغار قد علقه من منطقته و حوالي قميصه خياعيل شبه الشرب في ألوان شتى من بياض و سواد و حمرة

   و صفرة و خضرة و بيده جرس ضخم و على رأسه بيضة في قلتها حديدة مستطيلة معقفة الطرف فقال له يحيى أخبرني يا با مرة عما أسألك مما أرى قال يا نبي الله ما دخلت عليك على هذه الحالة إلا و أنا أحب أن أخبرك بكل شي‏ء تسألني عنه ثم لا أعمى عليك فقال حدثني يا با مرة إن إنطاقك هذا فوق القميص ما هو قال يا نبي الله تشبه بالمجوس أنا وضعت المجوسية فدنت بها قال فأخبرني ما هذه الأكواز الصغار التي هي معلقة من منطقتك مقدمة قال يا نبي الله فيها شهواتي و خياعيل مصايدي فأول ما أصيد به المؤمن من قبل النساء فإن هو اعتصم بطاعة الله أقبلت عليه من قبل جمع المال من الحرام طمعا فيه حرصا عليه فإن هو اعتصم بطاعة الله و أجنبني بالزهادة أقبلت عليه من قبل الشراب هذا المسكر حتى أكرر عليه هذه الشهوات كلها و لا بد أن يواقع بعضها و لو كان من أورع الناس قال فما هذه الخياعيل إلى طرف قميصك قال يا نبي الله هذه ألوان أصباغ النساء و زينتهن فلا يزال إحداهن تتلون ثيابها حتى تأتي على ما يليق بها فهناك افتتن الرجال إلى ما عليها من الزينة قال فما هذا الجرس بيدك قال يا نبي الله هذا معدن الطرب و جماعات أصوات المعازف من بين بربط و طنبور و مزامير و طبول و دفوف و نوح و غناء و إن القوم يجتمعون على محفل شر و عندهم بعض ما ذكرت من هذه المعازف فلا يكادون يتنعمون في مجلس و يستلذون و يطربون فإذا رأيت ذلك منهم حركت هذا الجرس فيختلط ذلك الصوت بمعازفهم فهناك يزيد استلذاذهم و تطريبهم فمنهم من إذا سمع هذا يفرقع أصابعه و منهم من يهز رأسه و منهم من يصفق بيديه فما زال هذا دأبهم حتى أبرتهم   قال فما هذه البيضة على رأسك قال يا نبي الله احترز مني و من مصايدي التي وصفت لك الأنبياء و الصالحون و النساك و أهل الورع كما أحرز رأسي هذه البيضة من كل نكبة قال و ما النكبة قال اللعنة قال فما هذه الحديدة المستطيلة التي في قلتها قال يا نبي الله هي التي أقلب بها قلوب الصالحين قال بقيت حاجة قال قل قال ما بال خلقك و صورتك على ما أرى من القبح و التقليب و الإنكار قال يا نبي الله هذا بسبب أبيك آدم إني كنت من الملائكة المكرمين ممن لم أرفع رأسي من سجدة واحدة أربعمائة ألف سنة و عصيت ربي في أمر سجودي لآدم أبيك فغضب الله علي و لعنني فحولت من صورة الملائكة إلى صورة الشياطين و لم يكن في الملائكة أحسن صورة مني فصرت ممسوخا منكوسا مقبوحا مقلوبا هائلا كريها كما ترى قال فهل أريت صورتك هذه أحدا قط و مصايدك بهذه الصورة قال لا و عزة ربي إن هذا الشي‏ء ما نظر إليه آدمي قط و لقد أكرمتك بهذه دون الناس كلهم قال فتمم إكرامك إياي بمسألتين أسألك عنهما إحداهما عامة و الأخرى خاصة قال و لك ذلك يا نبي الله فسل قال حدثني أي الأشياء أرجى عندك و أدعمه لظهرك و أسلاه لكآبتك و أقره لعينك و أشد لركنك و أفرحه لقلبك قال يا نبي الله إني أخاف أن تخبر به أحدا فيحفظون ذلك فيعتصمون به و يضيع كيدي قال إن الله قد أنزل في الكتاب شأنك و كيدك و بين لأنبيائه و أوليائه فاحترزوا ما احترزوا و أما الغاوون فأنت أولى بهم قد تلعب بهم كالصوالجة بالكرة فليس قولك عندهم أدعى و أعز من قول الله قال يا نبي الله إن أرجى الأشياء عندي و أدعمه لظهري و أقره لعيني النساء

   فإنها حبالتي و مصايدي و سهمي الذي به لا أخطئ بأبي هن لو لم يكن هن ما أطقت إضلال أدنى آدمي قرة عيني بهن أظفر بمقراتي و بهن أوقع في المهالك يا حبذاهن إذا اغتممت ليست على النساك و العباد و العلماء غلبوني بعد ما أرسلت عليهم الجيوش فانهزموا و بعد ما ركبت و قهرت ذكرت النساء طابت نفسي و سكن غضبي و اطمأن كظمي و انكشف غيظي و سلت كآبتي و قرت عيني و اشتد أزري و لو لا هن من نسل آدم لسجدتهن فهن سيداتي و على عنقي سكناهن و على ما هن ما اشتهت امرأة من حبالتي حاجة إلا كنت أسعى برأسي دون رجلي في إسعافها بحاجتها لأنهن رجائي و ظهري و عصمتي و مسندي و ثقتي و غوثي قال و ما نفعك و فرحك في ضلالة الآدمي و بأي شي‏ء سلبت عليه قال خلق الله الأفراح و الأحزان و الحلال و الحرام و خيرني فيهما يوم آدم فاخترت الشهوات و الأفراح و اخترت الحرام و الفحش و المناكير صارت تلك نهمتي و هواي و خير آدم فاختار الأحزان و العبادة و الحلال فصار ذلك له نهمة و منية فذلك منيته و نهمته و هذا هواي و نهمتي و شهوتي فذلك شيئه و ماله و متاعه و هذا شيئي و مالي و متاعي و بضاعتي و شي‏ء المرء كنفسه لأن فيه نهمته و شهوته و نهمة المرء و شهوته حياته فإذا سلب الحياة هلك المرء فكم نرى من خلق الله سلب منهم نهمته و همته مات   و هلك فكذلك هذا إن ما اخترت صار ذلك شهوتي و هواي و حياتي فمهما سلبت هلكت و مهما ظفرت به فرحت و حييت فإذا رأيت شهوتي و هواي و حياتي عند غيري قد سلبها مني أجتهد كل الجهد حتى أظفر بها ليكون بها قوامي يدي للآدمي سلب حياتي و هي الشهوة و الهوى فجعلها في كنه و حرزه و قد تهيأ و استعد يقاتلني و يحاربني فهل بد من المحاربة ليصل المحق إلى حقه و يقهر الظالم فهذه حالتي و شأني و سبب فرحي إذا غلبته قال له و ما ظلمه حيث تقول يقهر الظالم قال فيظلمني إذا سلب هواي فجعله في كنه لولاه كيف لا أطمع أنا في حربه و حلاله كما طمع في حرامي و هواي قال له أ ليس بمحال أن تقول أنا أريد استرداد هواي فتفرح إن هو استعمله و تحزن إن لم يستعمل هواك في شئونه قال إذا استعمل هواي لست أحزن و لكني أفرح لأنه قد أعطاني نهمتي الفرح إنما أحزن حتى لا يستعمله لست أطلب نهمتي لأخذه مني فإني قد أمنت أن لا يرد لأنه قد خيل عليه و لكنني أريد استعماله فإذا استعمله أعطاني منيتي و مختاري و حياتي فهو نفسي فإذا استعمل منيتي أحياني و فرحني و إنه استعمله على جهته و إذا لم يستعمله فهو في كنه كالمسجون فإذا كان هو في كنه مسجونا مقيدا و هو حياتي كنت كأني المسجون المقيد و صرت حربا لأنه أبدلني بمكان حياتي الموت فلا بد أن احتال بكل حيلة آتية بكل خدعة و أهيئ و أزين الآلة

   و الأدوات و أخرج الملاهي و الأدوات و أضربها و أحركها و ألوحها لعله يرى ذلك فيطرب و يذكر و ينشط و يغتر و يهيج فيستعمل الهواء الذي فيه و هي حياتي و شهوتي فأحيا و أبهج حتى يجد هو السبيل إلى التحرك و الخلاص من السجن و هذا ما لم أذكر لأحد قط منذ خلقت و لو لا ما أرى لك من الفضل و الكرامة ما أخبرتك بهذا كله قال يحيى ع فالمسألة الخاصة التي سألتك قال نعم سل قال هل أصبت مني فرصتك قط في لحظة من بصر أو لفظة بلسان أو هم بقلب قال اللهم لا إلا أنه كان يعجبني منك خصلة فكثر ذلك عنك و وقع عندي موقعا شريفا فتغير لون يحيى من قوله و تبلد و تقاصرت إليه نفسه و ارتعدت فرائصه و غشي عليه قال و ما ذلك يا با مرة قال أنت رجل أكول و كنت أحيانا تكثر الطعام فتبشم منه و يعتريك الوهن و النوم و الثقل و الكسل و النعاس فكنت تنام على جنبك أحيانا من الأوقات التي كنت تقوم فيها من الليل هذا يعجبني منك قال و بهذا كنت تجد علي الفرصة قال نعم قال ما أشد لفرحك و ما أشد لحركتك قال قد ذكرت لك فلم تحفظه و لكن أجملك جميع ما يكره الله فهو مختاري و جميع ما يحب فهو منبوذي لم أتمالك حتى احتال بكل حيلة حتى ينبذه و أزين له مختاري حتى يرفعه لأن حياتي في استعمال مختاري و مماتي و هلاكي و ذلي و ضعفي في استعماله مرفوضي و منبوذي و هو الحلال الطيب من الأشياء و الأحزان و مختاري الحرام و الخبث من الأشياء و الأفراح بها قد خطر الله عليه ثم قال إبليس حسبك يا يحيى فرحا بما قد أظهر ليحيى أنه قد وجد عليه   فرصة قال يحيى و لم تجد علي الفرصة من عمري إلا الذي ذكرت قال اللهم لا إلا ذلك قال يحيى عاهدت عز و جل نذرا واجبا على أن أخرج من الدنيا و لا أشبع من الطعام قال فغضب إبليس و حزن على ما أخبره فاحترز يحيى و اعتصم قال خدعتني يا ابن آدم و كسرت ظهري بما خدعتني و أنا أعاهد الله ربي نذرا واجبا على أن لا أنصح آدميا و لقد غلبتني يا ابن آدم و كسرت ظهري بما خدعتني حتى سلمت مني و خرج من عنده غضبان انتهى

 و أقول كانت النسخة سقيمة جدا فأثبته كما وجدته تأكيدا و توضيحا لما روي من طرق أهل البيت ع

72-  مجالس ابن الشيخ، عن أبيه عن المفيد عن أبي عبد الله بن أبي رافع عن جعفر بن محمد بن جعفر الحسيني عن عيسى بن مهران عن يحيى بن الحسن بن فرات عن ثعلبة بن زيد الأنصاري قال سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري رحمه الله يقول تمثل إبليس لعنه الله في أربع صور تمثل يوم بدر في صورة سراقة بن جعشم المدلجي فقال لقريش لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَ إِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَ قالَ إِنِّي بَرِي‏ءٌ مِنْكُمْ و تصور يوم العقبة في صورة منبه بن الحجاج فنادى إن محمدا و الصباة معه عند العقبة فأدركوهم فقال رسول الله ص للأنصار لا تخافوا فإن صوته لن يعدوه و تصور يوم اجتماع قريش في دار الندوة في صورة شيخ من أهل نجد و أشار عليهم في النبي ص بما أشار فأنزل الله تعالى وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَ يَمْكُرُونَ وَ يَمْكُرُ اللَّهُ وَ اللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ و تصور يوم قبض النبي ص في صورة المغيرة بن شعبة   فقال أيها الناس لا تجعلوها كسروانية و لما قيصرانية وسعوها تتسع فلا تردوها في بني هاشم فينتظر بها الحبالى

 بيان فينتظر بها الحبالى أي إذا كانت الخلافة مخصوصة ببني هاشم صار الأمر بحيث ينتظر الناس أن تلد الحبالى أحدا منهم فيصير خليفة و لم يعطوها غيرهم

73-  تفسير علي بن إبراهيم، عن أبيه عن ابن أبي عمير عن جميل عن أبي عبد الله ع قال سئل عما ندب الله الخلق إليه أدخل فيه الضلال قال نعم و الكافرون دخلوا فيه لأن الله تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم فدخل في أمره الملائكة و إبليس فإن إبليس كان من الملائكة في السماء يعبد الله و كانت الملائكة تظن أنه منهم و لم يكن منهم فلما أمر الله الملائكة بالسجود لآدم أخرج ما كان في قلب إبليس من الحسد فعلمت الملائكة عند ذلك أن إبليس لم يكن منهم فقيل له فكيف وقع الأمر على إبليس و إنما أمر الله الملائكة بالسجود لآدم فقال كان إبليس منهم بالولاء و لم يكن من جنس الملائكة و ذلك أن الله خلق خلقا قبل آدم و كان إبليس فيهم حاكما في الأرض فعتوا و أفسدوا و سفكوا الدماء فبعث الله الملائكة فقتلوهم و أسروا إبليس و رفعوه إلى السماء فكان مع الملائكة يعبد الله إلى أن خلق الله تبارك و تعالى آدم

74-  و منه، في قوله تعالى فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ قال الرجيم أخبث الشياطين فقلت له و لم سمي رجيما قال لأنه يرجم

    بيان أي يرجم بالشهب أو باللعن أو في زمن القائم ع

75-  الإحتجاج، عن هشام بن الحكم قال سأل الزنديق أبا عبد الله ع فقال أ فمن حكمته أن جعل لنفسه عدوا و قد كان و لا عدو له فخلق كما زعمت إبليس فسلطه على عبيده يدعوهم إلى خلاف طاعته و يأمرهم بمعصيته و جعل له من القوة كما زعمت يصل بلطف الحيلة إلى قلوبهم فيوسوس إليهم فيشككهم في ربهم و يلبس عليهم دينهم فيزيلهم عن معرفته حتى أنكر قوم لما وسوس إليهم ربوبيته و عبدوا سواه فلم سلط عدوه على عبيده و جعل له السبيل إلى إغوائهم قال إن هذا العدو الذي ذكرت لا يضره عداوته و لا ينفعه ولايته و عداوته لا تنقص من ملكه شيئا و ولايته لا تزيد فيه شيئا و إنما يتقى العدو إذا كان في قوة يضر و ينفع إن هم بملك أخذه أو بسلطان قهره فأما إبليس فعبد خلقه ليعبده و يوحده و قد علم حين خلقه ما هو و إلى ما يصير إليه فلم يزل يعبده مع ملائكته حتى امتحنه بسجود آدم فامتنع من ذلك حسدا و شقاوة غلبت عليه فلعنه عند ذلك و أخرجه عن صفوف الملائكة و أنزله إلى الأرض ملعونا مدحورا فصار عدو آدم و ولده بذلك السبب و ما له من السلطنة على ولده إلا الوسوسة و الدعاء إلى غير السبيل و قد أقر مع معصيته لربه بربوبيته

76-  و منه، في أسئلة الزنديق المدعي للتناقض في القرآن قال أمير المؤمنين ع الإيمان بالقلب هو التسليم للرب و من سلم الأمور لمالكها لم يستكبر عن أمره كما استكبر إبليس عن السجود لآدم و استكبر أكثر الأمم عن طاعة أنبيائهم فلم ينفعهم التوحيد كما لم ينفع إبليس ذلك السجود الطويل فإنه سجد سجدة واحدة أربعة آلاف عام لم يرد بها غير زخرف الدنيا و التمكين من النظرة فكذلك لا تنفع الصلاة و الصدقة إلا مع الاهتداء إلى سبيل النجاة و طريق الحق الخبر

    -77  مجالس الصدوق، عن محمد بن هارون الفامي عن محمد بن عبد الله الحميري عن أبيه عن إبراهيم بن هاشم عن ابن أبي عمير عن إبراهيم بن زياد الكرخي قال قال الصادق ع إذا كان يوم القيامة نشر الله تبارك و تعالى رحمته حتى يطمع إبليس في رحمته

78-  و منه، عن أحمد بن محمد العطار عن سعد بن عبد الله عن القاسم بن محمد الأصبهاني عن سليمان بن داود المنقري عن حفص بن غياث قال سمعت أبا عبد الله ع يقول جاء إبليس إلى موسى بن عمران ع و هو يناجي ربه فقال له ملك من الملائكة ما ترجو منه و هو في هذه الحال يناجي ربه فقال أرجو منه ما رجوت من أبيه آدم الخبر

79-  تفسير علي بن إبراهيم، إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ قال إذا ذكرهم الشيطان المعاصي و حملهم عليها يذكرون اسم الله فإذا هم مبصرون

80-  العلل، عن الحسين بن محمد بن سعيد الهاشمي عن فرات بن إبراهيم الكوفي عن محمد بن علي بن معتمر عن أحمد بن علي بن محمد الرملي عن أحمد بن موسى عن يعقوب بن إسحاق المروزي عن عمر بن منصور عن إسماعيل بن أبان عن يحيى بن أبي كثير عن أبيه عن أبي هارون العبدي عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال كنا بمنى مع رسول الله ص إذ بصرنا برجل ساجد و راكع و متضرع فقلنا يا رسول الله ما أحسن صلاته   فقال ص هو الذي أخرج أباكم من الجنة فمضى إليه علي ع غير مكترث فهزه هزة أدخل أضلاعه اليمنى في اليسرى و اليسرى في اليمنى ثم قال لأقتلنك إن شاء الله تعالى فقال لن تقدر على ذلك إلى أجل معلوم من عند ربي ما لك تريد قتلي فو الله ما أبغضك أحد إلا سبقت نطفتي إلى رحم أمه قبل نطفة أبيه و لقد شاركت مبغضيك في الأموال و الأولاد و هو قول الله عز و جل في محكم كتابه وَ شارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ قال النبي ص صدق يا علي لا يبغضك من قريش إلا سفاحي و لا من الأنصار إلا يهودي و لا من العرب إلا دعي و لا من سائر الناس إلا شقي و لا من النساء إلا سلقلقية و هي التي تحيض من دبرها ثم أطرق مليا ثم رفع رأسه فقال معاشر الأنصار اعرضوا أولادكم على محبة علي قال جابر بن عبد الله فكنا نعرض حب علي ع على أولادنا فمن أحب عليا علمنا أنه من أولادنا و من أبغض عليا انتفينا منه

81-  العلل و المجالس للصدوق، عن الحسين بن أحمد العلوي عن علي بن أحمد بن موسى عن أحمد بن علي عن الحسن بن إبراهيم العباسي عن عمير بن مرداس الدولقي عن جعفر بن بشير المكي عن وكيع عن المسعودي رفعه إلى سلمان الفارسي رحمه الله قال مر إبليس لعنه الله بنفر يتناولون أمير المؤمنين ع فوقف أمامهم فقال القوم من الذي وقف أمامنا فقال أنا أبو مرة فقالوا يا أبا مرة أ ما تسمع كلامنا فقال سواه لكم تسبون مولاكم علي بن أبي طالب قالوا له من أين علمت أنه   مولانا قال من قول نبيكم ص من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه و انصر من نصره و اخذل من خذله فقالوا له فأنت من مواليه و شيعته فقال ما أنا من مواليه و لا من شيعته و لكني أحبه و لا يبغضه أحد إلا شاركته في المال و الولد فقالوا له يا با مرة فتقول في علي شيئا فقال لهم اسمعوا مني معاشر الناكثين و القاسطين و المارقين عبدت الله عز و جل في الجان اثني عشر ألف سنة فلما أهلك الله الجان شكوت إلى الله عز و جل الوحدة فعرج بي إلى السماء الدنيا فعبدت الله في السماء الدنيا اثني عشر ألف سنة أخرى في جملة الملائكة فبينا نحن كذلك نسبح الله عز و جل و نقدسه إذ مر بنا نور شعشعاني فخرت الملائكة لذلك النور سجدا فقالوا سبوح قدوس هذا نور ملك مقرب أو نبي مرسل فإذا بالنداء من قبل الله عز و جل ما هذا نور ملك مقرب و لا نبي مرسل هذا نور طينة علي بن أبي طالب ع

 بيان كان اللعين ذكر ذلك لهم لتكون الحجة عليهم أتم و عذابهم أشد لعلمه بأنهم لا يؤمنون بذلك

82-  العلل، عن علي بن عبد الله الوراق عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى و الفضل بن عامر الأشعري معا عن سليمان بن مقبل عن محمد بن زياد الأزدي عن عيسى بن عبد الله الأشعري عن الصادق جعفر بن محمد ع قال حدثني أبي عن جدي عن أبيه ع قال قال رسول الله ص لما أسري بي إلى السماء حملني جبرئيل على كتفه الأيمن فنظرت إلى بقعة بأرض الجبل حمراء أحسن لونا من الزعفران و أطيب ريحا من المسك فإذا فيها شيخ على رأسه برنس فقلت لجبرئيل ما هذه البقعة الحمراء التي هي أحسن لونا من الزعفران و أطيب ريحا من المسك قال بقعة شيعتك و شيعة وصيك علي فقلت من الشيخ صاحب البرنس قال إبليس قال فما يريد   منهم قال يريد أن يصدهم عن ولاية أمير المؤمنين و يدعوهم إلى الفسق و الفجور فقلت يا جبرئيل أهو بنا إليهم فأهوى بنا إليهم أسرع من البرق الخاطف و البصر اللامح فقلت قم يا ملعون فشارك أعداءهم في أموالهم و أولادهم و نسائهم فإن شيعتي و شيعة علي ليس لك عليهم سلطان فسميت قم

83-  مجالس الصدوق، عن علي بن الحسين بن شاذويه المؤدب عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن أبيه عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن أبان بن عثمان عن أبان بن تغلب عن عكرمة عن ابن عباس قال لما مضى لعيسى ع ثلاثون سنة بعثه الله تعالى إلى بني إسرائيل فلقيه إبليس لعنه الله على عقبة بيت المقدس و هي عقبة أفيق فقال له يا عيسى أنت الذي بلغ من عظم ربوبيتك أن تكونت من غير أب قال عيسى ع بل العظمة للذي كونني و كذلك كون آدم و حواء قال إبليس يا عيسى فأنت الذي بلغ من عظم ربوبيتك أنك تكلمت في المهد صبيا قال عيسى ع يا إبليس بل العظمة للذي أنطقني في صغري و لو شاء لأبكمني قال إبليس فأنت الذي بلغ من عظم ربوبيتك أنك تخلق من الطين كهيئة الطير فتنفخ فيه فيصير طيرا قال عيسى ع بل العظمة للذي خلقني و خلق ما سخر لي قال إبليس فأنت الذي بلغ من عظم ربوبيتك أنك تشفي المرضى قال عيسى ع بل العظمة للذي بإذنه أشفيهم و إذا شاء أمرضني قال إبليس فأنت الذي بلغ من عظم ربوبيتك أنك تحيي الموتى قال عيسى ع بل العظمة للذي بإذنه أحييهم و لا بد من أن يميت ما أحييت و يميتني قال إبليس يا عيسى فأنت الذي بلغ من عظم ربوبيتك أنك تعبر البحر فلا تبتل قدماك و لا ترسخ فيه قال عيسى ع بل العظمة للذي ذلله و لو شاء أغرقني قال إبليس يا عيسى فأنت الذي بلغ من عظم ربوبيتك أنه سيأتي عليك يوم تكون السماوات و الأرض و من فيهن دونك و أنت فوق ذلك كله تدبر الأمر و تقسم الأرزاق   فأعظم عيسى ع ذلك من قول إبليس الكافر اللعين فقال عيسى ع سبحان الله مل‏ء سماواته و أرضه و مداد كلماته و زنة عرشه و رضا نفسه قال فلما سمع إبليس لعنه الله ذلك ذهب على وجهه لا يملك من نفسه شيئا حتى وقع في اللجة الخضراء قال ابن عباس فخرجت امرأة من الجن تمشي على شاطئ البحر فإذا هي بإبليس ساجدا على صخرة صماء تسيل دموعه على خديه فقامت تنظر إليه تعجبا ثم قالت له ويحك يا إبليس ما ترجو بطول السجود فقال لها أيتها المرأة الصالحة ابنة الرجل الصالح أرجو إذا بررني عز و جل قسمه و أدخلني نار جهنم أن يخرجني من النار برحمته

84-  العلل، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن حسان عن علي بن عطية قال قال أبو عبد الله ع إن إبليس عبد الله في السماء سبعة آلاف سنة في ركعتين فأعطاه الله ما أعطاه ثوابا له بعبادته

85-  و منه، بالإسناد المذكور قال قلت لأبي عبد الله ع حدثني كيف قال الله عز و جل لإبليس فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ قال لشي‏ء كان تقدم شكره عليه قلت و ما هو قال ركعتان ركعهما في السماء في ألفي سنة أو في أربعة آلاف سنة

86-  و في رواية أخرى عبد الله في السماء سبعة آلاف سنة في ركعتين فأعطاه الله ما أعطاه ثوابا له بعبادته

 بيان يمكن رفع التنافي بين أزمنة الصلاة و السجود بوقوع الجميع و بصدور   البعض موافقا لأقوال العامة تقية

87-  تفسير علي بن إبراهيم في خبر ولادة النبي ص قال لما رأت الشياطين ما حدث من الآيات لولادته و نزول الملائكة و رمي الشياطين بالشهب أنكروا ذلك و اجتمعوا إلى إبليس فقالوا قد منعنا من السماء و قد رمينا بالشهب فقال اطلبوا فإن أمرا قد حدث في الدنيا فرجعوا و قالوا لم نر شيئا فقال إبليس أنا لها بنفسي فجال بين المشرق و المغرب حتى انتهى إلى الحرم فرآه محفوفا بالملائكة و جبرئيل على باب الحرم بيده حربة فأراد إبليس أن يدخل فصاح به جبرئيل فقال اخسأ يا ملعون فجاء من قبل حرا فصار مثل الصر فقال يا جبرئيل حرف أسألك عنه قال ما هو قال ما هذا و ما اجتماعكم في الدنيا فقال هذا نبي هذه الأمة قد ولد و هو آخر الأنبياء و أفضلهم قال هل لي فيه نصيب قال لا قال ففي أمته قال بلى قال قد رضيت

 بيان الصر بالفتح طائر كالعصفور أصفر

88-  قرب الإسناد، عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عن أبيه ع أن إبليس عدو الله رن أربع رنات يوم لعن و يوم أهبط إلى الأرض و يوم بعث النبي ص و يوم الغدير

 بيان الرنة بالفتح الصوت و يطلق غالبا على ما يكون عند مصيبة أو داهية شديدة

89-  معاني الأخبار، عن المظفر بن جعفر العلوي عن جعفر بن محمد بن مسعود العياشي عن أبيه عن علي بن الحسن بن فضال عن محمد بن الوليد عن العباس بن هلال عن الرضا ع أنه ذكر أن اسم إبليس الحارث و إنما قول الله عز و جل يا إبليس   يا عاصي و سمي إبليس لأنه أبلس من رحمة الله

 بيان قال الراغب الإبلاس الحزن المعترض من شدة اليأس يقال أبلس و منه اشتق إبليس فيما قيل قال تعالى وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ

90-  المعاني، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن ابن فضال رفعه إلى أبي جعفر ع قال قال رسول الله ص إن لإبليس كحلا و لعوقا و سعوطا فكحله النعاس و لعوقه الكذب و سعوطه الكبر

91-  و منه، عن محمد بن أحمد الشيباني عن محمد بن جعفر الأسدي عن سهل بن زياد عن عبد العظيم الحسني قال سمعت أبا الحسن علي بن محمد العسكري ع يقول معنى الرجيم أنه مرجوم باللعن مطرود من مواضع الخير لا يذكره مؤمن إلا لعنه و إن في علم الله السابق أنه إذا خرج القائم ع لا يبقى مؤمن في زمانه إلا رجمه بالحجارة كما كان قبل ذلك مرجوما باللعن

92-  العلل، عن أبيه عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد عن الحلبي قال سألت أبا عبد الله ع لم سمي الرجيم رجيما قال لأنه يرجم فقلت فهل ينقلب إذا رجم قال لا و لكنه يكون في العلم مرجوما

 بيان قوله فهل ينقلب أي يرجع إلى الحياة و البقاء بعد الرجم فقال ع   لا و الاستدراك لأنه توهم السائل أن الرجم في هذه الأزمنة فرفع ع وهمه بأنه إنما يسمى الآن رجيما لأنه في علم الله أنه يصير بعد ذلك رجيما عند قيام القائم ع كما مر في الخبر السابق و يحتمل أن يكون في الأصل فهل ينفلت و سيأتي في رواية العياشي ما يؤيده

93-  تفسير علي بن إبراهيم، لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ وَ عَنْ أَيْمانِهِمْ وَ عَنْ شَمائِلِهِمْ أما بين أيديهم فهو من قبل الآخرة لأخبرنهم أنه لا جنة و لا نار و لا نشور و أما خلفهم يقول من قبل دنياهم آمرهم بجمع الأموال و آمرهم أن لا يصلوا في أموالهم رحما و لا يعطوا منه حقا و آمرهم أن لا ينفقوا على ذراريهم و أخوفهم على الضيعة و أما عن أيمانهم يقول من قبل دينهم فإن كانوا على ضلالة زينتها و إن كانوا على الهدى جهدت عليهم حتى أخرجهم منه و أما عن شمائلهم يقول من قبل اللذات و الشهوات يقول الله تعالى وَ لَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ و أما قوله اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً فالمذءوم المعيب و المدحور المقصي أي ملقى في جهنم

94-  المعاني، عن أبيه عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد عن يعقوب بن يزيد عن علي بن النعمان عن بعض أصحابنا رفعه إلى أبي عبد الله ع في قوله إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ قال ليس له على هذه العصابة خاصة سلطان قال قلت فكيف جعلت فداك و فيهم ما فيهم قال ليس حيث تذهب إنما قوله لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ أن يحبب إليهم الكفر و يبغض إليهم الإيمان

 المحاسن، و العياشي، عن علي بن النعمان عمن ذكره عنه ع مثله

    -95  التفسير، عن أبيه عن سعيد عن إسحاق بن جرير قال قال أبو عبد الله ع أي شي‏ء يقول أصحابك في قول إبليس خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ قلت جعلت فداك قد قال ذلك و ذكره الله في كتابه قال كذب يا إسحاق ما خلقه الله إلا من طين ثم قال قال الله الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ خلقه الله من ذلك النار و من تلك الشجرة و الشجرة أصلها من طين

 بيان لعل المعنى أن الطين داخل في طينته و إن كان النار فيه أغلب

96-  التفسير، عن أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد عن محمد بن يونس عن رجل عن أبي عبد الله ع في قول الله تبارك و تعالى فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ قال يوم الوقت المعلوم يوم يذبحه رسول الله ص على الصخرة التي في بيت المقدس

97-  العيون، عن محمد بن أحمد بن الحسين بن يوسف البغدادي عن علي بن محمد بن عنبسة مولى الرشيد عن دارم بن قبيصة عن الرضا عن آبائه ع قال كان النبي ص يأكل الطلع و الجمار بالتمر و يقول إن إبليس لعنه الله يشتد غضبه و يقول عاش بن آدم حتى أكل العتيق بالحديث

98-  و منه، بهذا الإسناد عن علي بن أبي طالب ع قال كنت جالسا عند الكعبة   فإذا شيخ محدودب قد سقط حاجباه على عينيه من شدة الكبر و في يده عكازة و على رأسه برنس أحمر و عليه مدرعة من الشعر فدنا إلى النبي ص و النبي مسند ظهره على الكعبة فقال يا رسول الله ادع لي بالمغفرة فقال النبي ص خاب سعيك يا شيخ و ضل علمك فلما تولى الشيخ قال لي يا أبا الحسن أ تعرفه قلت لا قال ذلك اللعين إبليس قال علي ع فعدوت خلفه حتى لحقته و صرعته إلى الأرض و جلست على صدره و وضعت يدي في حلقه لأخنقه فقال لي لا تفعل يا أبا الحسن فإني مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ و الله يا علي إني لأحبك جدا و ما أبغضك أحد إلا شركت أباه في أمه فصار ولد زنا فضحكت و خليت سبيله

 بيان في القاموس الحدب محركة خروج الظهر و دخول الصدر و البطن حدب و احدودب و قال العكاز عصا ذات زج و قال البرنس بالضم قلنسوة طويلة أو كل ثوب رأسه منه و قال المدرعة كمكنسة ثوب كالدراعة و لا يكون إلا من صوف

99-  التفسير، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ و إنما هو أعوذ برب الناس مَلِكِ النَّاسِ إِلهِ النَّاسِ مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ اسم الشيطان في صدور الناس يوسوس فيها و يؤيسهم من الخير و يعدهم الفقر و يحملهم على المعاصي و الفواحش و هو قول الله الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَ يَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ و قال الصادق ع ما من قلب إلا و له أذنان على أحدهما ملك مرشد و على   الآخر شيطان مفتر هذا يأمره و ذا يزجره كذلك من الناس شيطان يحمل الناس على المعاصي كما يحمل الشيطان من الجن

 بيان قوله و إنما هو لعل المراد أن ما قرأه الرسول ص عند التعوذ بها أسقط منها كلمة قل أو ينبغي ذلك لكل من قرأها لذلك أو ينبغي إعادة تلك الفقرة ثانية بدون قل

 كما روى الطبرسي رحمه الله عن أبي عبد الله ع إذا قرأت قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ فقل في نفسك أعوذ برب الفلق و إذا قرأت قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ فقل في نفسك أعوذ برب الناس

100-  التفسير، عن سعيد بن محمد عن بكر بن سهل عن عبد الغني بن سعيد الثقفي عن موسى بن عبد الرحمن عن مقاتل بن سليمان عن الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس في قوله مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ يريد الشيطان على قلب ابن آدم له خرطوم مثل خرطوم الخنزير يوسوس ابن آدم إذا أقبل على الدنيا و ما لا يحب الله فإذا ذكر الله عز و جل انخنس يريد رجع قال الله الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ ثم أخبر أنه من الجن و الإنس فقال عز و جل مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ يريد من الجن و الإنس

101-  العلل، عن أبيه عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد عن أبي جعفر عن أبي الجوزاء عن الحسين بن علوان عن عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي ع قال قال رسول الله ص إن الله عز و جل حين أمر آدم أن يهبط هبط آدم و زوجته و هبط إبليس و لا زوجة له و هبطت الحية و لا زوج لها فكان أول من يلوط بنفسه إبليس فكانت ذريته من نفسه و كذلك الحية و كانت ذرية آدم من   زوجته فأخبرهما أنهما عدوان لهما

102-  و منه، عن محمد بن موسى عن عبد الله الحميري عن محمد بن الحسين عن أحمد بن محمد البزنطي عن أبان بن عثمان عن أبي بصير عن أحدهما ع في قول لوط إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ فقال إبليس أتاهم في صورة حسنة فيه تأنيث عليه ثياب حسنة فجاء إلى شباب منهم فأمرهم أن يقعوا به و لو طلب إليهم أن يقع بهم لأبوا عليه و لكن طلب إليهم أن يقعوا به فلما وقعوا به التذوه ثم ذهب عنهم و تركهم فأحال بعضهم على بعض

103-  العيون، و العلل، بإسناده قال سأل الشامي أمير المؤمنين ع عن اسم إبليس ما كان في السماء فقال كان اسمه الحارث و سأله عن أول من عمل عمل قوم لوط فقال إبليس فإنه أمكن من نفسه

104-  الخصال، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن علي بن فضال عن علي بن عقبة عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله ع قال رن إبليس أربع رنات أولهن يوم لعن و حين أهبط إلى الأرض و حين بعث محمد ص على حين فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ و حين أنزلت أم الكتاب و نخر نخرتين حين أكل آدم من الشجرة و حين أهبط من الجنة

 القصص، بإسناده عن الصدوق عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن جميل بن دراج عنه ع مثله بيان مخالفة الرنة الرابعة لما سبق لا ضير فيها لعدم التصريح فيهما بالحصر   و النخير صوت بالأنف يصات به عند الفرح و المرأة تفعله عند الجماع و لذا تكرهه بعض العرب قال في القاموس نخر ينخر و ينخر نخيرا مد الصوت في خياشيمه

105-  الخصال، عن أحمد بن هارون الفامي عن محمد بن جعفر بن بطة عن أحمد بن محمد البرقي عن أبيه عن صفوان بن يحيى رفعه إلى أبي عبد الله ع أنه قال قال إبليس خمسة أشياء ليس لي فيهن حيلة و سائر الناس في قبضتي من اعتصم بالله عن نية صادقة و اتكل عليه في جميع أموره و من كثر تسبيحه في ليله و نهاره و من رضي لأخيه المؤمن ما يرضاه لنفسه و من لم يجزع على المصيبة حين تصيبه و من رضي بما قسم الله له و لم يهتم لرزقه

106-  و منه، عن محمد بن علي ماجيلويه عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن اليشكري عن محمد بن زياد الأزدي عن أبان بن عثمان عن أبان بن تغلب عن سفيان بن أبي ليلى عن الحسن بن علي بن أبي طالب ع أنه قال في حديث طويل له مع ملك الروم أن ملك الروم سأله فيما سأله عن سبعة أشياء خلقها الله عز و جل لم تخرج من رحم فقال آدم و حواء و كبش إبراهيم و ناقة صالح و حية الجنة و الغراب الذي بعثه الله عز و جل يبحث في الأرض و إبليس لعنه الله

107-  و منه، عن أبيه عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد عن موسى بن جعفر البغدادي عن علي بن معبد عن عبيد الله الدهقان عن درست عن عطية أخي أبي العرام قال ذكرت لأبي عبد الله ع المنكوح من الرجال قال ليس   يبلي الله عز و جل بهذا البلاء أحدا و له فيه حاجة إن في أدبارهم أرحاما منكوسة و حياء أدبارهم كحياء المرأة و قد شرك فيهم ابن لإبليس يقال له زوال فمن شرك فيه من الرجال كان منكوحا و من شرك فيه من النساء كان من الموارد الخبر

 الكافي، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن علي بن معبد مثله بيان الموارد المجاري و الطرق إلى الماء جمع مورد من الورود استعير هنا للنساء الزواني اللاتي لا يمنعن ورود وارد عليهن

108-  العلل، عن أبيه عن عبد الله بن جعفر الحميري عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن رجل عن أبي عبد الله ع قال إذا ولد ولي الله خرج إبليس لعنه الله فصرخ صرخة يفزع لها شياطينه قال فقالت له يا سيدنا ما لك صرخت هذه الصرخة قال فقال ولد ولي الله قال فقالوا و ما عليك من ذلك قال إنه إن عاش حتى يبلغ مبلغ الرجال هدى الله به قوما كثيرا قال فقالوا له أ و لا تأذن لنا فنقتله قال لا فيقولون له و لم و أنت تكرهه قال لأن بقاءنا بأولياء الله فإذا لم يكن في الأرض من ولي قامت القيامة فصرنا إلى النار فما لنا نتعجل إلى النار

109-  قصص الراوندي، بالإسناد إلى الصدوق عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن جميل بن دراج قال سألت أبا عبد الله ع أ كان إبليس من الملائكة أم من الجن قال كانت الملائكة ترى أنه منها و كان الله يعلم أنه ليس منها فلما أمره بالسجود كان منه الذي كان

    -110  و منه، بالإسناد عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن الصادق ع قال أمر الله إبليس بالسجود لآدم فقال يا رب و عزتك إن أعفيتني من السجود لآدم لأعبدنك عبادة ما عبدك أحد قط مثلها قال الله جل جلاله إني أحب أن أطاع من حيث أريد

111-  و منه، بالإسناد عن الصدوق عن أبيه عن محمد العطار عن الحسين بن الحسن بن أبان عن محمد بن أورمة عن مصعب بن يزيد عمن ذكره عن أبي عبد الله ع قال جاء نوح ع إلى الحمار ليدخله السفينة فامتنع عليه و كان إبليس بين أرجل الحمار فقال يا شيطان ادخل فدخل الحمار و دخل الشيطان فقال إبليس أعلمك خصلتين فقال نوح ع لا حاجة لي في كلامك فقال إبليس إياك و الحرص فإنه أخرج أبويك من الجنة و إياك و الحسد فإنه أخرجني من الجنة فأوحى الله اقبلهما و إن كان ملعونا

112-  و منه، بالإسناد عن الصدوق عن علي بن أحمد بن موسى عن محمد بن جعفر الأسدي عن سهل بن زياد عن عبد العظيم الحسني عن علي بن محمد العسكري ع قال جاء إبليس إلى نوح ع فقال إن لك عندي يدا عظيمة فانتصحني فإني لا أخونك فتأثم نوح بكلامه و مساءلته فأوحى الله إليه أن كلمه و سله فإني سأنطقه بحجة عليه فقال نوح ع تكلم فقال إبليس إذا وجدنا ابن آدم شحيحا أو حريصا أو حسودا أو جبارا أو عجولا تلقفناه تلقف الكرة فإن اجتمعت لنا هذه الأخلاق سميناه شيطانا مريدا فقال نوح ع ما اليد العظيمة التي صنعت قال إنك دعوت الله على أهل الأرض فألحقتهم في ساعة بالنار فصرت فارغا و لو لا دعوتك لشغلت بهم دهرا طويلا

 توضيح الانتصاح قبول النصيحة و التأثم التحرج و الامتناع مخافة   الإثم و التلقف الأخذ بسرعة

113-  القصص، بالإسناد إلى الصدوق بإسناده إلى ابن عباس قال قال إبليس لنوح ع لك عندي يد سأعلمك خصالا قال نوح و ما يدي عندك قال دعوتك على قومك حتى أهلكهم الله جميعا فإياك و الكبر و إياك و الحرص و إياك و الحسد فإن الكبر هو الذي حملني على أن تركت السجود لآدم فأكفرني و جعلني شيطانا رجيما و إياك و الحرص فإن آدم أبيح له الجنة و نهي عن شجرة واحدة فحمله الحرص على أن أكل منها و إياك و الحسد فإن ابن آدم حسد أخاه فقتله فقال نوح ع فأخبرني متى تكون أقدر على ابن آدم قال عند الغضب

114-  و منه، بالإسناد إلى الصدوق عن أبيه عن سعد عن أحمد بن محمد عمن ذكره عن درست عمن ذكره عنهم ع قال بينا موسى جالس إذ أقبل إبليس و عليه برنس فوضعه و دنا من موسى و سلم فقال له موسى من أنت قال إبليس قال لا قرب الله دارك لما ذا البرنس قال اختطفت به قلوب بني آدم فقال له موسى ع أخبرني بالذنب الذي إذا أذنبه ابن آدم استحوذت عليه قال ذلك إذا أعجبته نفسه و استكثر عمله و صغر في نفسه ذنبه و قال يا موسى لا تخل بامرأة لا تحل لك فإنه لا يخلو رجل بامرأة لا تحل له إلا كنت صاحبه دون أصحابي و إياك أن تعاهد الله عهدا فإنه ما عاهد الله أحد إلا كنت صاحبه دون أصحابي حتى أحول بينه و بين الوفاء   به و إذا هممت بصدقة فأمضها فإذا هم العبد بصدقة كنت صاحبه دون أصحابي حتى أحول بينه و بينها

 مجالس المفيد، عن جعفر بن محمد بن قولويه عن الكليني عن علي بن إبراهيم عن اليقطيني عن يونس عن سعدان عن أبي عبد الله ع عن النبي ص مثله و زاد في آخره ثم ولى إبليس و هو يقول يا ويله يا عوله علمت موسى ما يعلمه بني آدم و قد أوردناه في باب جوامع المساوي

115-  القصص، بإسناده إلى الصدوق بإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن فضال عن علي بن عتبة عن بريد القصراني قال قال لي أبو عبد الله ع صعد عيسى ع على جبل بالشام يقال له أريحا فأتاه إبليس في صورة ملك فلسطين فقال له يا روح الله أحييت الموتى و أبرأت الأكمه و الأبرص فاطرح نفسك عن الجبل فقال ع إن ذلك أذن لي فيه و إن هذا لم يؤذن لي فيه

 و منه، عن الصدوق عن محمد بن الحسن بن الوليد عن الصفار عن محمد بن خالد عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن الصادق ع قال جاء إبليس إلى عيسى فقال أ ليس تزعم أنك تحيي الموتى قال عيسى بلى قال إبليس فاطرح نفسك من فوق الحائط فقال عيسى ع ويلك إن العبد لا يجرب ربه و قال إبليس يا عيسى هل يقدر ربك على أن يدخل الأرض في بيضة و البيضة كهيئتها فقال إن الله تعالى عز و علا لا يوصف بالعجز و الذي قلت لا يكون قال الراوندي رحمه الله يعني هو مستحيل في نفسه كجمع الضدين

116-  المحاسن، عن ابن محبوب عن حنان بن سدير و ابن رئاب عن زرارة قال قلت لأبي جعفر ع قوله لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ   أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ وَ عَنْ أَيْمانِهِمْ وَ عَنْ شَمائِلِهِمْ وَ لا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ فقال أبو جعفر ع يا زرارة إنما صمد لك و لأصحابك فأما الآخرين فقد فرغ منهم

 العياشي، عن زرارة مثله

117-  المناقب، في حديث طويل عن علي بن محمد الصوفي أنه لقي إبليس و سأله فقال له من أنت قال أنا من ولد آدم فقال لا إله إلا الله أنت من قوم يزعمون أنهم يحبون الله و يعصونه و يبغضون إبليس و يطيعونه فقال من أنت فقال أنا صاحب الميسم و الاسم الكبير و الطبل العظيم و أنا قاتل هابيل و أنا الراكب مع نوح في الفلك أنا عاقر ناقة صالح أنا صاحب نار إبراهيم أنا مدبر قتل يحيى أنا ممكن قوم فرعون من النيل أنا مخيل السحر و قائده إلى موسى أنا صانع العجل لبني إسرائيل أنا صاحب منشار زكريا أنا السائر مع أبرهة إلى الكعبة بالفيل أنا المجمع لقتال محمد يوم أحد و حنين أنا ملقي الحسد يوم السقيفة في قلوب المنافقين أنا صاحب الهودج يوم الخريبة و البعير أنا الواقف في عسكر صفين أنا الشامت يوم كربلاء بالمؤمنين أنا إمام المنافقين أنا مهلك الأولين أنا مضل الآخرين أنا شيخ الناكثين أنا ركن القاسطين أنا ظل المارقين أنا أبو مرة مخلوق من نار لا من طين أنا الذي غضب الله عليه رب العالمين فقال الصوفي بحق الله عليك إلا دللتني على عمل أتقرب به إلى الله و أستعين به على نوائب دهري فقال اقنع من دنياك بالعفاف و الكفاف و استعن على الآخرة بحب علي بن أبي طالب ع و بغض أعدائه فإني عبدت الله في سبع سماواته و عصيته في سبع أرضيه   فلا وجدت ملكا مقربا و لا نبيا مرسلا إلا و هو يتقرب بحبه قال ثم غاب عن بصري فأتيت أبا جعفر فأخبرته بخبره فقال آمن الملعون بلسانه و كفر بقلبه

 بيان في القاموس الخريبة كجهينة موضع بالبصرة يسمى البصرة الصغرى و المراد بالهودج ما ركبته عائشة يوم الجمل

118-  العياشي، عن الحسن بن عطية قال سمعت أبا عبد الله ع يقول إن إبليس عبد الله في السماء الرابعة في ركعتين ستة آلاف سنة و كان إنظار الله إياه إلى يوم الوقت المعلوم بما سبق من تلك العبادة

119-  و منه، عن وهب بن جميع مولى إسحاق بن عمار قال سألت أبا عبد الله ع عن قول إبليس رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ قال له وهب جعلت فداك أي يوم هو قال يا وهب أ تحسب أنه يوم يبعث الله فيه الناس إن الله أنظره إلى يوم يبعث فيه قائمنا فإذا بعث الله قائمنا كان في مسجد الكوفة و جاء إبليس حتى يجثو بين يديه على ركبته فيقول يا ويله من هذا اليوم فيأخذ بناصية فيضرب عنقه فذلك يوم الوقت المعلوم

120-  و منه، عن أبي جميلة عن أبي عبد الله ع و عن جابر عن أبي جعفر ع قال قلت أ رأيت قول الله إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ ما تفسير هذا قال قال الله إنك لا تملك أن تدخلهم جنة و لا نارا

 بيان كان المعنى لا تقدر على إجبارهم على ما يوجب الجنة أو النار

121-  العياشي، عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال سمعته يقول فَإِذا   قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَ الَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ قال فقال يا با محمد يسلط و الله من المؤمنين على أبدانهم و لا يسلط على أديانهم قد سلط على أيوب فشوه خلقه و لم يسلط على دينه قلت له قوله إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَ الَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ قال الذين هم بالله مشركون يسلط على أبدانهم و على أديانهم

 الكافي، عن علي بن محمد عن علي بن العباس عن الحسن بن عبد الرحمن عن منصور بن يونس عن أبي بصير مثله

122-  العياشي، عن سماعة عن أبي عبد الله ع في قول الله فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ قلت كيف أقول قال تقول أستعيذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم قال إن الرجيم أخبث الشياطين قلت لم يسمى الرجيم قال لأنه يرجم قلت فما ينفلت منها شي‏ء قال لا قلت فكيف سمي الرجيم و لم يرجم بعد قال يكون في العلم أنه رجيم

123-  و منه، عن حماد بن عيسى رفعه إلى أبي عبد الله ع قال سألته عن قول الله إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَ الَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ قال ليس له أن يزيلهم عن الولاية فأما الذنوب و أشباه ذلك فإنه ينال منهم كما ينال من غيرهم

    -124  و منه، عن زرارة عن أبي جعفر ع قال سمعته يقول كان الحجاج بن شيطان يباضع ذي الردهة ثم قال إن يوسف دخل على أم الحجاج فأراد أن يصيبها فقالت أ ليس إنما عهدك بذلك الساعة فأمسك عنها فولدت الحجاج

 بيان يباضع أي يجامع و ذي الردهة نعت أو عطف بيان للشيطان إن لم يكن في الكلام تصحيف

 قال في النهاية، في حديث علي ع أنه ذكر ذا الثدية فقال شيطان الردهة

و الردهة النقرة في الجبل يستنقع فيها الماء و قيل الردهة قلة الرابية و في حديثه و أما شيطان الردهة فقد كفيته سمعت لها وجيب قلبه قيل أراد به معاوية لما انهزم أهل الشام يوم صفين و أخلد إلى المحاكمة انتهى. و قال ابن أبي الحديد و قال قوم شيطان الردهة أحد الأبالسة المردة من أعوان عدو الله إبليس و رووا في ذلك خبرا عن النبي ص و أنه كان يتعوذ منه و هذا مثل قوله هذا أزب العقبة أي شيطانها و لعل أزب العقبة هو شيطان الردهة بعينه و قال قوم إنه عفريت مارد يتصور في صورة حية و يكون في الردهة

125-  العياشي، عن جعفر بن محمد الخزاعي عن أبيه قال سمعت أبا عبد الله ع يذكر في حديث غدير خم أنه لما قال النبي ص لعلي ع ما قال و أقامه للناس صرخ إبليس صرخة فاجتمعت له العفاريت فقالوا يا سيدنا ما هذه الصرخة فقال ويلكم يومكم كيوم عيسى و الله لأضلن فيه الخلق قال فنزل القرآن وَ لَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فقال فصرخ إبليس صرخة فرجعت إليه العفاريت فقالوا يا سيدنا ما هذه الصرخة الأخرى فقال ويحكم حكى الله و الله كلامي   قرآنا و أنزل عليه وَ لَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ثم رفع رأسه إلى السماء ثم قال و عزتك و جلالك لألحقن الفريق بالجميع قال فقال النبي ص بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ قال ثم صرخ إبليس صرخة فرجعت إليه العفاريت فقالوا يا سيدنا ما هذه الصرخة الثالثة قال و الله من أصحاب علي و لكن و عزتك و جلالك يا رب لأزينن لهم المعاصي حتى أبغضهم إليك قال فقال أبو عبد الله ع و الذي بعث بالحق محمدا للعفاريت و الأبالسة على المؤمن أكثر من الزنابير على اللحم و المؤمن أشد من الجبل و الجبل تدنو إليه بالفأس فتنحت منه و المؤمن لا يستقل عن دينه

126-  العياشي، عن عبد الرحمن بن سالم في قول الله إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَ كَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا قال نزلت في علي بن أبي طالب ع و نحن نرجو أن يجري لمن أحب الله من عباده المسلمين

127-  الكافي، عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن ابن فضال عن أبي جميلة عن جابر عن أبي جعفر ع قال إن إبليس عليه لعائن الله يبث جنود الليل من حين تغيب الشمس و تطلع فأكثروا ذكر الله عز و جل في هاتين الساعتين و تعوذوا بالله من شر إبليس و جنوده و عوذوا صغاركم في هاتين الساعتين فإنهما ساعتا غفلة

128-  و منه، عن علي بن محمد بن مابنداد عن أحمد بن أبي عبد الله عن محمد بن علي عن عبد الرحمن بن أبي هاشم عن أبي خديجة عن أبي عبد الله ع قال ما من أحد يحضره الموت إلا وكل به إبليس من شياطينه من يأمره بالكفر و يشككه في دينه حتى تخرج نفسه فمن كان مؤمنا لم يقدر عليه فإذا حضرتم موتاكم فلقنوهم شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله حتى يموت

    -129  و في رواية أخرى قال فلقنه كلمات الفرج و الشهادتين و تسمى له الإقرار بالأئمة ع واحدا بعد واحد حتى ينقطع عنه الكلام

130-  و منه، عن الحسين بن محمد و محمد بن يحيى جميعا عن علي بن محمد بن إسماعيل عن محمد بن مسلم عن أحمد بن زكريا عن محمد بن خالد بن ميمون عن عبد الله بن سنان عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله ع قال ما اجتمع ثلاثة من المؤمنين فصاعدا إلا حضر من الملائكة مثلهم فإن دعوا بخير أمنوا و إن استعاذوا من شر دعوا الله ليصرفه عنهم و إن سألوا حاجة تشفعوا إلى الله و سألوه قضاها و ما اجتمع ثلاثة من الجاحدين إلا حضرهم عشرة أضعافهم من الشياطين فإن تكلموا تكلم الشياطين بنحو كلامهم و إذا ضحكوا ضحكوا معهم و إذا نالوا من أولياء الله نالوا معهم فمن ابتلي من المؤمنين بهم فإذا خاضوا في ذلك فليقم و لا يكن شرك شيطان و لا جليسه فإن غضب الله عز و جل لا يقوم له شي‏ء و لعنته لا يردها شي‏ء ثم قال ع فإن لم يستطع فلينكر بقلبه و ليقم و لو حلب شاة أو فواق ناقة

 بيان الفواق كغراب بين الحلبتين من الوقت و يفتح أو ما بين فتح يدك و قبضها على الضرع

131-  الكافي، بالإسناد المتقدم عن محمد بن سليمان عن محمد بن محفوظ عن أبي المغراء قال سمعت أبا الحسن ع يقول ليس شي‏ء أنكى لإبليس و جنوده من زيارة الإخوان في الله بعضهم لبعض و قال و إن المؤمنين يلتقيان فيذكران الله ثم يذكران فضلنا أهل البيت فلا يبقى على وجه إبليس مضغة إلا تخدد حتى إن روحه لتستغيث من شدة ما تجد من الألم فتحس ملائكة السماء و خزان الجنان فيلعنونه حتى لا يبقى ملك مقرب   إلا لعنه فيقع خاسئا حسيرا مدحورا

 بيان في القاموس نكى العدو فيه نكاية قتل و جرح و القرحة نكاها أي قشرها قبل أن تبرأ فنديت و قال خدد لحمه و تخدد هزل و نقص و قال خسأ الكلب طرده و الحسير الكال و المتلهف و المعيي و الدحر الطرد و الإبعاد و الدفع

132-  الكافي، عن العدة عن سهل بن زياد عن محمد بن بكر عن زكريا المؤمن عمن حدثه عن أبي عبد الله ع قال اطووا ثيابكم بالليل فإنها إذا كانت منشورة لبسها الشيطان

133-  و منه، عن العدة عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه عن فضالة عن داود بن فرقد عن أبي عبد الله ع قال إن الملائكة كانوا يحسبون أن إبليس منهم و كان في علم الله أنه ليس منهم فاستخرج ما في نفسه بالحمية و الغضب فقال خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ

134-  و منه، عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى بن عبيد عن يونس عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص بينما موسى ع جالس إذ أقبل إبليس و عليه برنس ذو ألوان فلما دنا من موسى خلع البرنس و قام إلى موسى فسلم عليه فقال له موسى من أنت قال أنا إبليس قال أنت فلا قرب الله دارك قال إني إنما جئت لأسلم عليك لمكانك من الله قال فقال له موسى فما هذا البرنس قال به أختطف قلوب بني آدم فقال له موسى فأخبرني عن الذنب الذي إذا أذنبه ابن آدم استحوذت عليه قال إذا أعجبته نفسه و استكثر عمله و صغر في عينيه ذنبه

    -135  و منه، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن يحيى الخزاز عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله ع قال إن الشيطان يدبر ابن آدم في كل شي‏ء فإذا أعياه جثم له عند المال فأخذ برقبته

 بيان جثم الإنسان و الطائر لزم مكانه فلم يبرح أو وقع على صدره

136-  الكافي، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله ع قال يقول إبليس لجنوده ألقوا بينهم الحسد و البغي فإنهما يعدلان عند الله الشرك

137-  و منه، عن محمد بن يحيى عن سلمة بن الخطاب عن إبراهيم بن ميمون عن عيسى بن عبد الله عن جده قال قال أمير المؤمنين ع قال رسول الله ص بيت الشيطان من بيوتكم بيوت العنكبوت

138-  و منه، عن العدة عن أحمد بن محمد عن عثمان بن عيسى عن سماعة قال سألت أبا عبد الله ع عن إغلاق الأبواب و إيكاء الأواني و إطفاء السراج فقال أغلق بابك فإن الشيطان لا يكشف مخمرا يعني مغطى

    -139  و منه، عن العدة عن سهل بن زياد عن أحمد بن أبي محمد بن نصر عن صفوان عن العلاء عن محمد بن مسلم عن أحدهما أنه قال لا تشرب و أنت قائم و لا تبل في ماء نقيع و لا تطف بقبر و لا تخل في بيت وحدك و لا تمش بنعل واحدة فإن الشيطان أسرع ما يكون إلى العبد إذا كان على بعض هذه الأحوال و قال إنه ما أصاب أحدا شي‏ء على هذه الحال فكاد أن يفارقه إلا أن يشاء الله عز و جل

 بيان لا تطف بقبر كان المعنى لا تتغوط عليه قال في النهاية الطوف الحدث من الطعام و منه الحديث نهى عن محدثين على طوفهما أي عند الغائط و في القاموس الطوف الغائط و طاف ذهب ليتغوط كاطاف على افتعل

140-  الكافي، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن عبد الله بن المغيرة عن السكوني عن أبي عبد الله عن آبائه ع أن النبي ص قال لأصحابه أ لا أخبركم بشي‏ء إن أنتم فعلتموه تباعد الشيطان منكم كما تباعد المشرق من المغرب قالوا بلى قال الصوم يسود وجهه و الصدقة تكسر ظهره و الحب في الله و الموازرة على العمل الصالح يقطع دابره و الاستغفار يقطع وتينه

 بيان في النهاية يقطع دابرهم أي جميعهم حتى لا يبقى منهم أحد و دابر القوم آخر من يبقى منهم و يجي‏ء في آخرهم و قال الوتين عرق في القلب إذا قطع مات صاحبه

141-  الكافي، عن العدة عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن الحسين بن علوان عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر ع قال قال رسول الله ص إذا طلع هلال شهر رمضان غلت مردة الشياطين

    -142  و منه، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن جميل قال كان الطيار يقول لي إبليس ليس من الملائكة و إنما أمرت الملائكة بالسجود لآدم ع فقال إبليس لا أسجد فما لإبليس يعصي حين لم يسجد و ليس هو من الملائكة قال فدخلت أنا و هو على أبي عبد الله ع قال فأحسن و الله في المسألة فقال جعلت فداك أ رأيت ما ندب الله إليه المؤمنين من قوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أ دخل في ذلك المنافقون معهم قال نعم و الضلال و كل من أقر بالدعوة الظاهرة و كان إبليس ممن أقر بالدعوة الظاهرة معهم

143-  و منه، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن إسماعيل و علي بن إبراهيم عن أبيه عن حنان بن سدير قال سمعت أبا عبد الله ع يقول قال النبي ص لعلي ع إياك أن تركب ميثرة حمراء فإنها ميثرة إبليس

 بيان في النهاية فيه أنه نهى عن ميثرة الأرجوان الميثرة بالكسر مفعلة من الوثارة يقال وثر وثارة فهو وثير أي وطي‏ء لين و هي من مراكب العجم تعمل من حرير أو ديباج يحشى بقطن أو صوف يجعلها الراكب تحته على الرحال

144-  التهذيب، عن محمد بن علي بن محبوب عن محمد بن الحسين عن صفوان عن العلاء عن محمد عن أبي عبد الله ع أنه قال ليس من عبد إلا و يوقظ في كل ليلة   مرة أو مرتين أو مرارا فإن قام كان ذلك و إلا فحج الشيطان فبال في أذنه أ و لا يرى أحدكم أنه إذا قام و لم يكن ذلك منه قام و هو متخثر ثقيل كسلان

 توضيح كأن بول الشيطان كناية عن قوة استيلائه و غلبته عليه و إن احتمل الحقيقة أيضا قال في النهاية فيه أنه بال قائما ففحج رجليه أي فرقهما و باعد ما بينهما و الفحج تباعد ما بين الفخذين و قال فيه من نام حتى أصبح فقد بال الشيطان في أذنه قيل معناه سخر منه و ظهر عليه حتى نام عن طاعة الله كقول الشاعر

بال سهيل في الفضيح ففسد

 أي لما كان الفضيح يفسد بطلوع سهيل كان ظهوره عليه مفسدا له

 و في حديث آخر عن الحسن مرسلا أن النبي ص قال فإذا نام شغر الشيطان برجله فبال في أذنه

و حديث ابن مسعود كفى بالرجل شرا أن يبول الشيطان في أذنه و كل هذا على سبيل المجاز و التمثيل انتهى. و قال الطيبي فيه تمثيل لتثاقل نومه و عدم تنبهه بصوت المؤذن بحال من بول في أذنه و فسد حسه. و قال النووي قال القاضي لا يبعد حمله على ظاهره و خص الأذن لأنها حاسة الانتباه

145-  الكافي، عن علي بن محمد عن صالح بن أبي حماد عن علي بن الحكم عن أبان بن عثمان عن أبي عبد الله ع قال إن لإبليس عونا يقال له تمريح إذا جاء الليل ملأ ما بين الخافقين

    -146  نوادر الراوندي، بإسناده عن موسى بن جعفر عن آبائه ع عن أمير المؤمنين ع قال قيل لرسول الله ص يا رسول الله ما الذي يباعد الشيطان منا قال الصوم لله يسود وجهه و الصدقة تكسر ظهره و الحب في الله تعالى و المواظبة على العمل الصالح يقطع دابره و الاستغفار يقطع وتينه

147-  النهج، ]نهج البلاغة[ قال أمير المؤمنين ع لقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه ص فقلت يا رسول الله ما هذه الرنة فقال هذا الشيطان قد آيس من عبادته إنك تسمع ما أسمع و ترى ما أرى إلا أنك لست بنبي و لكنك وزير و إنك لعلى خير

148-  الكافي، عن علي بن محمد عن علي بن العباس عن الحسن بن عبد الرحمن عن منصور بن يونس عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال قلت له فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ فقال يا أبا محمد يسلط و الله من المؤمن على بدنه و لا يسلط على دينه قد سلط على أيوب ع فشوه خلقه و لم يسلط على دينه و قد يسلط من المؤمنين على أبدانهم و لا يسلط على دينهم قلت له قول الله عز و جل إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَ الَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ قال الذين هم بالله مشركون يسلط على أبدانهم و على أديانهم

 تبيين قد مر الكلام في تفسير الآية و لما كانت الاستعاذة الكاملة ملزومة للإيمان الكامل بالله و قدرته و علمه و كماله و الإقرار بعجز نفسه و افتقاره في جميع أموره إلى معونته تعالى و توكله في كل أحواله عليه فلذا ذكر بعد الاستعاذة أنه ليس له   سلطنة و استيلاء على الذين آمنوا و على ربهم يتوكلون فالمستعيذ به تعالى في أمانه و حفظه إذا راعى شرائط الاستعاذة. و قوله ع و لا يسلط على دينه أي في أصول عقائده أو الأعم منها و من الأعمال فإنه إذا كان على حقيقة الإيمان و ارتكب بإغوائه بعض المعاصي فالله يوفقه للتوبة و الإنابة و يصير ذلك سببا لمزيد رفعته في الإيمان و بعده عن وساوس الشيطان و يدل الخبر على أن ضمير به راجع إلى الرب كما هو الأظهر لا إلى الشيطان

149-  الكافي، عن عدة من أصحابه عن سهل بن زياد و علي بن إبراهيم عن أبيه جميعا عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر ع قال إن هذا الغضب جمرة من الشيطان توقد في قلب ابن آدم و إن أحدكم إذا غضب احمرت عيناه و انتفخت أوداجه و دخل الشيطان فيه فإذا خاف أحدكم ذلك من نفسه فليلزم الأرض فإن رجز الشيطان ليذهب عنه عند ذلك

150-  حياة الحيوان، قال وهب بن الورد بلغنا أن إبليس تمثل ليحيى بن زكريا ع فقال له أنصحك فقال لا أريد ذلك و لكن أخبرني عن بني آدم فقال هم عندنا ثلاثة أصناف صنف منهم أشد الأصناف عندنا نقبل على أحدهم حتى نفتنه في دينه و نستمكن منه فيفزع إلى الاستغفار و التوبة فيفسد علينا كل شي‏ء نصيبه منه ثم نعود إليه فيعود إلى الاستغفار و التوبة فلا نيأس منه و لا نحن ندرك منه حاجتنا فنحن معه في عناء و صنف هم في أيدينا بمنزلة الكرة في أيدي صبيانكم نتلقفهم كيف شئنا قد كفينا مئونة أنفسهم و صنف منهم مثلك معصومون لا نقدر منهم على شي‏ء

    -151  المتهجد، عن جماعة عن أبي المفضل عن عبد الله بن الحسين العلوي عن عبد العظيم الحسني أن أبا جعفر محمد بن علي ع كتب هذه العوذة لابنه أبي الحسن ع و ساق الدعاء الطويل إلى قوله أمتنع من شياطين الإنس و الجن و من رجلهم و خيلهم و ركضهم و عطفهم و رجعتهم و كيدهم و شرهم و شر ما يأتون به تحت الليل و تحت النهار من البعد و القرب و من شر الغائب و الحاضر إلى قوله و من شر الدناهش و الحس و اللمس و اللبس و من عين الجن و الإنس و من شر كل صورة و خيال أو بياض أو سواد أو مثال أو معاهد أو غير معاهد ممن يسكن الهواء و السحاب و الظلمات و النور و الظل و الحرور و البر و البحور و السهل و الوعور و الخراب و العمران و الآكام و الآجام و المغايض و الكنائس و النواويس و الفلوات و الجبانات من الصادرين و الواردين ممن يبدو بالليل و ينتشر بالنهار و بالعشي و الإبكار و الغدو و الآصال و المريبين و الأسامرة و الأفاترة و ابن فطرة و الفراعنة و الأبالسة و من جنودهم و أزواجهم و عشائرهم و قبائلهم و من همزهم و لمزهم و نفثهم و وقاعهم و أخذهم و سحرهم و ضربهم و عينهم و لمحهم و احتيالهم و إحلافهم و من شر كل ذي شر من السحرة و الغيلان و أم الصبيان   و ما ولدوا و ما وردوا إلى آخر الدعاء

 توضيح قال الكفعمي رحمه الله الدناهش جنس من أجناس الجن و الحس الصوت الخفي و برد يحرق الكلاء و القتل و التمثال الصورة و المعاهد الذي حصل منه الأمان و الآكام جمع أكمة و هي الرابية و الآجام جمع أجمة و هي منبت الشجر و القصب الملتف و المغايض جمع مغيضة و هي الأجمة و كنائس اليهود معروفة. و النواويس مقابر النصارى و المريبين الذين يأتون بالريبة و التهمة و الأسامرة الذين يتحدثون بالليل و الأفاترة الأبالسة و ابن فطرة حية خبيثة. و الفراعنة العتاة و الأبالسة هم الشياطين و هم ذكور و إناث يتوالدون و لا يموتون و يخلدون في الدنيا كما خلد إبليس و إبليس هو أبو الجن و الجن ذكور و إناث و يتوالدون و يموتون و أما الجان فهو أبو الجن و قيل هو إبليس و قيل إنه مسخ الجن كما أن القردة و الخنازير مسخ الإنس و الكل خلقوا قبل آدم ع و العرب تنزل الجن مراتب فإذا ذكروا الجنس قالوا جن فإن أرادوا أنه يسكن مع الناس قالوا عامر و الجمع عمار فإن كانوا ممن يتعرض للصبيان قالوا أرواح فإن خبث فهو شيطان فإن زاد على ذلك قالوا مارد فإن زاد على القوة قالوا عفريت

 و روي أن النبي ص قال خلق الله الجن خمسة أصناف صنف كالريح في الهواء و صنف حيات و صنف عقارب و صنف حشرات الأرض و صنف كبني آدم عليهم الحساب و العقاب

و الغيلان سحرة الجن و أم الصبيان ريح تعرض لهم. أقول و سيأتي الدعاء بتمامه مشروحا في كتاب الدعاء إن شاء الله

152-  الفقيه، قال قال الصادق ع إذا تغولت بكم الغول فأذنوا

153-  المحاسن، عن عبيد بن يحيى بن المغيرة عن محمد بن سنان عن سلام   المدائني عن جابر الجعفي عن محمد بن علي ع قال قال رسول الله ص إذا تغولت بكم الغيلان فأذنوا بأذان الصلاة

 بيان قال الشهيد رحمه الله في الذكرى

 في الجعفريات عن النبي ص إذا تغولت بكم الغيلان فأذنوا بأذان الصلاة

و رواه العامة و فسره الهروي بأن العرب تقول إن الغيلان في الفلوات تراءى للناس تتغول تغولا أي تتلون تلونا فتضلهم عن الطريق و تهلكهم و روي في الحديث لا غول و فيه إبطال لكلام العرب فيمكن أن يكون الأذان لدفع الخيال الذي يحصل في الفلوات و إن لم تكن له حقيقة و في مضمر سليمان الجعفري سمعته يقول أذن في بيتك فإنه يطرد الشيطان و يستحب من أجل الصبيان و هذا يمكن حمله على أذان الصلاة. و في النهاية فيه لا غول و لا صفر الغول أحد الغيلان و هي جنس من الجن و الشياطين و كانت العرب تزعم أن الغول تتراءى للناس فتتغول تغولا أي تتلون تلونا في صور شتى و تغولهم أي تضلهم عن الطريق و تهلكهم فنفاه النبي ص و أبطله و قيل قوله لا غول ليس نفيا لعين الغول و وجوده و إنما فيه إبطال مزعم العرب و تلونه بالصور المختلفة و اغتياله فيكون المعنى بقوله و لا غول أنها لا تستطيع أن تضل أحدا و يشهد له الحديث الآخر لا غول و لكن السعالى السعالى سحرة الجن أي و لكن في الجن سحرة لهم تلبيس و تخييل و منه الحديث إذا تغولت الغيلان فبادروا بالأذان أي ادفعوا شرها بذكر الله تعالى و هذا يدل على أنه لم يرد بنفيها عدمها

154-  الشهاب، قال رسول الله ص إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم   الضوء الشيطان فيعال من شطن إذا تباعد فكأنه يتباعد إذا ذكر الله تعالى و قيل إنه فعلان من شاط يشيط إذا احترق غضبا لأنه يحترق و يغضب إذا أطاع العبد فيقول ص إن الشيطان لا يزال يراقب العبد و يوسوس إليه في نومه و يقظته و هو جسم لطيف هوائي يمكنه أن يصل إلى ذلك و الإنسان غاو غافل فيوصل كلامه و وسواسه إلى باطن أذنه فيصير إلى قلبه و الله تعالى هو العالم بكيفية ذلك فأما وسواسه فلا شك فيه و الشيطان هنا اسم جنس و لا يريد به إبليس فحسب و ذلك لأن له أولادا و أعوانا و ذكر جريانه من ابن آدم مجرى الدم مثل و لا يعني به أنه يدخل عروقه و أوراده و تجاويف أعضائه بل المعنى أنه لا يزايله كما يقال فلان يلازمني ملازمة الظل و ملازمة الحفيظين و ملازمة الروح الجسد و ملازمة القرن الشاة إلى غير ذلك و كلام العرب إشارات و تلويحات و الكلام إذا ذهب عنه المجاز و الاستعارة زالت طلاوته و فارقه رونقه و بقي مغسولا و كان سيدنا رسول الله ص من أفصح الناس و في كلام بعضهم احترس من الشيطان فإنه عدو مبين يراك و لا تراه و يكيدك و أنت لا تعلم و هو قديم و أنت حديث و أنت سليم الصدر و هو خبيث و فائدة الحديث إعلام أن الشيطان يلازمك و يراصدك من حيث لا تعلم فعليك بالاحتراز منه و التوقي من مكره و كيده و وسوسته و الراوي أنس بن مالك

155-  الكافي، بإسناده عن عطية أبي العرام قال ذكرت لأبي عبد الله ع المنكوح من الرجال فقال ليس يبلي الله بهذا البلاء أحدا و له فيه حاجة إن في أدبارهم أرحاما منكوسة و حياء أدبارهم كحياء المرأة قد شرك فيهم ابن لإبليس يقال له زوال فمن شرك فيه من الرجال كان منكوحا و من شارك فيه من النساء كانت من الموارد   و العامل على هذا من الرجال إذا بلغ أربعين سنة لم يتركه الخبر

156-  و منه، بإسناده عن يعقوب بن جعفر قال سأل رجل أبا عبد الله ع أو أبا إبراهيم ع عن المرأة تساحق المرأة و كان متكئا فجلس فقال ملعونة ملعونة الراكبة و المركوبة و ساق الحديث إلى أن قال قاتل الله لاقيس بنت إبليس ما ذا جاءت به فقال الرجل هذا ما جاء به أهل العراق فقال و الله لقد كان على عهد رسول الله ص قبل أن يكون العراق الخبر

157-  نوادر علي بن أسباط، عن سعيد بن عمرو بن أبي نصر عن أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين ع قال كان عابد من بني إسرائيل فقال إبليس لجنده من له فإنه قد غمني فقال واحد منهم أنا له فقال في أي شي‏ء قال أزين له الدنيا قال لست بصاحبه قال الآخر فأنا له قال في أي شي‏ء قال في النساء قال لست بصاحبه قال الثالث أنا له قال في أي شي‏ء قال في عبادته قال أنت له فلما جنه الليل طرقه فقال ضيف فأدخله فمكث ليلته يصلي حتى أصبح فمكث ثلاثا يصلي و لا يأكل و لا يشرب فقال له العابد يا عبد الله ما رأيت مثلك فقال له إنك لم تصب شيئا من الذنوب و أنت ضعيف العبادة قال و ما الذنوب التي أصيبها قال خذ أربعة دراهم فتأتي فلانة البغية فتعطيها درهما للحم و درهما للشراب و درهما لطيبها و درهما لها فتقضي حاجتك منها قال فنزل و أخذ أربعة دراهم فأتى بابها فقال يا فلانة يا فلانة فخرجت فلما رأته قالت مفتون و الله مفتون و الله قالت له ما تريد قال خذي أربعة دراهم فهيئي لي طعاما و شرابا و طيبا و تعالي حتى آتيك فذهبت فدارت فإذا هي بقطعة من حمار ميت   فأخذته ثم عمدت إلى بول عتيق فجعلته في كوز ثم جاءت به إليه فقال هذا طعامك قالت نعم قال لا حاجة لي فيه و هذا شرابك فلا حاجة لي فيه اذهبي فتهيئي فتقذرت جهدها ثم جاءته فلما شمها قال لا حاجة لي فيك فلما أصبحت كتب على بابها أن الله قد غفر لفلانة البغية بفلان العابد

158-  تفسير الإمام، قال ع قال رسول الله ص ألا فاذكروا يا أمة محمد محمدا و آله عند نوائبكم و شدائدكم لينصر الله بهم ملائكتكم على الشياطين الذين يقصدونكم فإن كل واحد منكم معه ملك عن يمينه يكتب حسناته و ملك عن يساره يكتب سيئاته و معه شيطانان من عند إبليس يغويانه فإذا وسوسا في قلبه ذكر الله و قال لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم و صلى الله على محمد و آله حبس الشيطانان ثم سار إلى إبليس فشكواه و قالا له قد أعيانا أمره فامددنا بالمردة فلا يزال يمدهما حتى يمدهما بألف مارد فيأتونه فكلما راموه ذكر الله و صلى على محمد و آله الطيبين لم يجدوا عليه طريقا و لا منفذا قالوا لإبليس ليس له غيرك تباشره بجنودك فتغلبه و تغويه فيقصده إبليس بجنوده فيقول الله تعالى للملائكة هذا إبليس قد قصد عبدي فلانا أو أمتي فلانة بجنوده ألا فقاتلوه فيقاتلهم بإزاء كل شيطان رجيم منهم مائة ألف ملك و هم على أفراس من نار بأيديهم سيوف من نار و رماح من نار و قسي و نشاشيب و سكاكين و أسلحتهم من نار فلا يزالون يخرجونهم و يقتلونهم بها و يأسرون إبليس فيضعون عليه تلك الأسلحة فيقول يا رب وعدك وعدك قد أجلتني إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ فيقول الله تعالى للملائكة وعدته أن لا أميته و لم   أعده أن لا أسلط عليه السلاح و العذاب و الآلام اشتفوا منه ضربا بأسلحتكم فإني لا أميته فيثخنونه بالجراحات ثم يدعونه فلا يزال سخين العين على نفسه و أولاده المقتولين المقتلين و لا يندمل شي‏ء من جراحاته إلا بسماعه أصوات المشركين بكفرهم فإن بقي هذا المؤمن على طاعة الله و ذكره و الصلاة على محمد و آله بقي إبليس على تلك الجراحات و إن زال العبد عن ذلك و انهمك في مخالفة الله عز و جل و معاصيه اندملت جراحات إبليس ثم قوي على ذلك العبد حتى يلجمه و يسرج على ظهره و يركبه ثم ينزل عنه و يركب ظهره شيطانا من شياطينه و يقول لأصحابه أ ما تذكرون ما أصابنا من شأن هذا ذل و انقاد لنا الآن حتى صار يركبه هذا ثم قال رسول الله ص فإن أردتم أن تديموا على إبليس سخنة عينه و ألم جراحاته فداوموا على طاعة الله و ذكره و الصلاة على محمد و آله و إن زلتم عن ذلك كنتم أسراء فيركب أقفيتكم بعض مردته

 بيان النشاشيب جمع النشاب بالضم و التشديد و هو النبل و قال الجوهري سخنة العين نقيض قرتها و قد سخنت عينه بالكسر فهو سخين العين و أسخن الله عينه أي أبكاه و المقتلين على بناء المفعول من باب الإفعال أي المعرضين للقتل أو التفعيل تأكيدا لبيان كثرة مقتوليهم. قال الجوهري أقتلت فلانا عرضته للقتل و قتلوا تقتيلا شدد للكثرة

159-  تفسير الإمام، قال ع الشيطان هو البعيد من كل خير الرجيم المرجوم باللعن المطرود من بقاع الخير

    -160  تفسير علي بن إبراهيم، عن أبيه عن ابن أبي عمير عن جميل عن أبي عبد الله ع قال سئل عما ندب الله الخلق إليه أ دخل فيه الضلال قال نعم و الكافرون دخلوا فيه لأن الله تبارك و تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم فدخل في أمره الملائكة و إبليس فإن إبليس كان مع الملائكة في السماء يعبد الله و كانت الملائكة تظن أنه منهم و لم يكن منهم فلما أمر الله الملائكة بالسجود لآدم أخرج ما كان في قلب إبليس من الحسد فعلمت الملائكة عند ذلك أن إبليس لم يكن منهم فقيل له ع فكيف وقع الأمر على إبليس و إنما أمر الله الملائكة بالسجود لآدم فقال كان إبليس منهم بالولاء و لم يكن من جنس الملائكة و ذلك أن الله خلق خلقا قبل آدم و كان إبليس فيهم حاكما في الأرض فعتوا و أفسدوا و سفكوا الدماء فبعث الله الملائكة فقتلوهم و أسروا إبليس و رفعوه إلى السماء و كان مع الملائكة يعبد الله إلى أن خلق الله آدم

161-  و منه، عن أبيه عن ابن محبوب عن عمرو بن أبي المقدام عن ثابت الحذاء عن جابر الجعفي عن أبي جعفر عن آبائه عن أمير المؤمنين ع قال إن الله تبارك و تعالى أراد أن يخلق خلقا بيده و ذلك بعد ما مضى من الجن و النسناس في الأرض سبعة آلاف سنة و ساق الحديث إلى أن قال تعالى إني أريد أن أخلق خلقا بيدي و أجعل من ذريته أنبياء و مرسلين و عبادا صالحين و أئمة مهتدين و أجعلهم خلفاء على خلقي في أرضي و أبيد النسناس من أرضي و أطهرها منهم و أنقل مردة الجن العصاة من بريتي و خلقي و خيرتي و أسكنهم في الهواء و في أقطار الأرض فلا يجاورون نسل خلقي و أجعل بين الجن و بين خلقي حجابا فلا يرى نسل خلقي الجن و لا يجالسونهم و لا يخالطونهم و ساق الحديث إلى قوله فخلق الله آدم فبقي   أربعين سنة مصورا فكان يمر به إبليس اللعين فيقول لأمر ما خلقت فقال العالم ع فقال إبليس لئن أمرني الله بالسجود لهذا لعصيته ثم نفخ فيه ثم قال للملائكة اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ فأخرج إبليس ما كان في قلبه من الحسد فأبى أن يسجد فقال الله عز و جل ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ قال الصادق ع أول من قاس إبليس و استكبر و الاستكبار هو أول معصية عصي الله بها قال فقال إبليس يا رب اعفني من السجود لآدم و أنا أعبدك عبادة لم يعبدكها ملك مقرب و لا نبي مرسل قال الله تبارك و تعالى لا حاجة لي إلى عبادتك إنما أريد أن أعبد من حيث أريد لا من حيث تريد فأبى أن يسجد فقال الله تبارك و تعالى فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَ إِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ قال إبليس يا رب و كيف و أنت العدل الذي لا تجور و لا تظلم فثواب عملي بطل قال لا و لكن سلني من أمر الدنيا ما شئت ثوابا لعملك فأعطيك فأول ما سأل البقاء إلى يوم الدين فقال الله قد أعطيتك قال سلطني على ولد آدم قال سلطتك قال أجرني فيهم مجرى الدم في العروق قال قد أجريتك قال لا يولد لهم ولد   إلا ولد لي اثنان و أراهم و لا يروني و أتصور لهم في كل صورة شئت فقال قد أعطيتك قال يا رب زدني قال قد جعلت لك و لذريتك في صدورهم أوطانا قال رب حسبي فقال إبليس عند ذلك فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ وَ عَنْ أَيْمانِهِمْ وَ عَنْ شَمائِلِهِمْ وَ لا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ

162-  و منه، عن أبيه عن ابن أبي عمير عن جميل عن زرارة عن أبي عبد الله ع قال لما أعطى الله تبارك و تعالى إبليس ما أعطاه من القوة قال آدم يا رب سلطت إبليس على ولدي و أجريته فيهم مجرى الدم في العروق و أعطيته ما أعطيته فما لي و لولدي فقال لك و لولدك السيئة بواحدة و الحسنة بعشرة أمثالها قال يا رب زدني قال التوبة مبسوطة إلى حين تبلغ النفس الحلقوم قال يا رب زدني قال أغفر و لا أبالي قال حسبي قال قلت جعلت فداك بما ذا استوجب إبليس من الله أن أعطاه ما أعطاه قال بشي‏ء كان منه شكره الله عليه قلت و ما كان منه جعلت فداك قال ركعتان ركعهما في السماء أربعة آلاف سنة

163-  دلائل الطبري، عن محمد بن هارون بن موسى عن أبيه عن محمد بن همام عن أحمد بن الحسين المعروف بابن أبي القاسم عن أبيه عن بعض رجاله عن الحسن بن شعيب عن علي بن هاشم عن المفضل بن عمر قال قلت لأبي عبد الله ع جعلت فداك ما لإبليس من السلطان قال ما يوسوس في قلوب الناس قلت فما لملك الموت قال يقبض أرواح الناس قلت و هما مسلطان على من في المشرق و من في المغرب قال نعم قلت فما لك أنت جعلت فداك من السلطان قال أعلم ما في المشرق و المغرب و ما في السماوات   و الأرض و ما في البر و البحر و عدد ما فيهن و ليس ذلك لإبليس و لا لملك الموت

164-  الكافي، بإسناده عن الحسن بن العباس بن الجريش قال قال أبو جعفر ع لما يزور من بعثه الله للشقاء على أهل الضلالة من أجناد الشياطين و أرواحهم أكثر مما يزور خليفة الله الذي بعثه للعدل و الصواب من الملائكة قيل يا أبا جعفر و كيف يكون شي‏ء أكثر من الملائكة قال كما شاء الله عز و جل قال السائل يا أبا جعفر إني لو حدثت بعض الشيعة بهذا الحديث لأنكروه قال كيف ينكرونه قال يقولون إن الملائكة ع أكثر من الشياطين قال صدقت افهم عني ما أقول إنه ليس من يوم و لا ليلة إلا و جميع الجن و الشياطين تزور أئمة الضلالة و يزور إمام الهدى عددهم من الملائكة حتى إذا أتت ليلة القدر فيهبط فيها من الملائكة إلى ولي الأمر خلق الله أو قال قيض الله عز و جل من الشياطين بعددهم ثم زاروا ولي الضلالة فأتوه بالإفك و الكذب حتى لعله يصبح فيقول رأيت كذا و كذا فلو سئل ولي الأمر عن ذلك لقال رأيت شيطانا أخبرك كذا و كذا حتى يفسر له تفسيرها و يعلمه الضلالة التي هو عليها الحديث

165-  و منه، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن محمد بن   سنان عمن أخبره عن أبي عبد الله ع قال كان عابد في بني إسرائيل لم يقارف من أمر الدنيا شيئا فنخر إبليس نخرة فاجتمعت إليه جنوده فقال من لي بفلان فقال بعضهم أنا فقال من أين تأتيه فقال من ناحية النساء قال لست له لم يجرب النساء فقال له آخر فأنا له قال من أين تأتيه قال من ناحية الشراب و اللذات قال لست له ليس هذا بهذا قال آخر فأنا له قال من أين تأتيه قال من ناحية البر قال انطلق فأنت صاحبه فانطلق إلى موضع الرجل فأقام حذاءه يصلي قال و كان الرجل ينام و الشيطان لا ينام و يستريح و الشيطان لا يستريح فتحول إليه الرجل و قد تقاصرت إليه نفسه و استصغر عمله فقال يا عبد الله بأي شي‏ء قويت على هذه الصلاة فلم يجبه ثم عاد عليه فلم يجبه ثم عاد عليه فقال يا عبد الله إني أذنبت ذنبا و أنا تائب منه فإذا ذكرت الذنب قويت على الصلاة قال فأخبرني بذنبك حتى أعمله و أتوب فإذا فعلته قويت على الصلاة فقال ادخل المدينة فسل عن فلانة البغية فأعطها درهمين و نل منها قال و من أين لي درهمين ما أدري ما الدرهمين فتناول الشيطان من تحت قدمه درهمين فناوله إياهما فقام فدخل المدينة بجلابيبه يسأل عن فلانة البغية فأرشدوه الناس و ظنوا أنه جاء يعظها فأرشدوه فجاء إليها فرمى إليها بالدرهمين و قال قومي فقامت فدخلت منزلها و قالت ادخل و قالت إنك جئتني في هيئة ليس يؤتى مثلي في مثلها فأخبرني بخبرك فأخبرها فقال له يا عبد الله إن ترك الذنب أهون من طلب التوبة و ليس كل من طلب التوبة وجدها و إنما ينبغي أن يكون هذا شيطانا مثل لك فانصرف فإنك لا ترى شيئا فانصرف و ماتت من ليلتها فأصبحت فإذا على بابها مكتوب احضروا فلانة فإنها من أهل الجنة فارتاب الناس فمكثوا ثلاثا لا يدفنونها ارتيابا في أمرها فأوحى الله عز و جل إلى نبي من الأنبياء لا أعلمه إلا موسى بن عمران ع أن ائت فلانة فصل عليها و مر الناس أن يصلوا عليها   فإني قد غفرت لها و أوجبت لها الجنة بتثبيطها عبدي فلانا عن معصيتي

166-  و منه، عن عدة من أصحابه عن أحمد بن محمد بن خالد عن محمد بن سعيد عن زكريا بن محمد عن أبيه عن عمرو عن أبي جعفر ع قال كان قوم لوط من أفضل قوم خلقهم الله فطلبهم إبليس الطلب الشديد و كان من فضلهم و خيرتهم أنهم إذا خرجوا إلى العمل خرجوا بأجمعهم و تبقى النساء خلفهم فلم يزل إبليس يعتادهم و كانوا إذا رجعوا خرب إبليس ما يعملون فقال بعضهم لبعض تعالوا نرصد هذا الذي يخرب متاعنا فرصدوه فإذا هو غلام أحسن ما يكون من الغلمان فقالوا له أنت الذي تخرب متاعنا مرة بعد أخرى فأجمع رأيهم على أن يقتلوه فبيتوه عند رجل فلما كان الليل صاح فقال له ما لك فقال كان أبي ينومني على بطنه فقال له تعال فنم على بطني قال فلم يزل يدلك الرجل حتى علمه أن يفعل بنفسه فأولا علمه إبليس و الثانية علمه هو ثم انسل ففر منهم فأصبحوا فجعل الرجل يخبر بما فعل بالغلام و يعجبهم منه و هم لا يعرفونه فوضعوا أيديهم فيه حتى اكتفى الرجال بعضهم ببعض ثم جعلوا يرصدون مارة الطريق فيفعلون بهم حتى تنكب مدينتهم الناس ثم تركوا نساءهم و أقبلوا على الغلمان فلما رأى أنه قد أحكم أمره في الرجال جاء إلى النساء فصير نفسه امرأة ثم قال إن رجالكن يفعل بعضهم ببعض قالوا نعم قد رأينا ذلك و كل ذلك يعظهم لوط ع و يوصيهم و إبليس يغويهم حتى استغنى النساء بالنساء الحديث الطويل

    بيان يعتادهم أي يعتاد المجي‏ء إليهم أو ينتابهم كلما رجعوا أقبل اللعين قال في القاموس العود انتياب الشي‏ء كالاعتياد و في المحاسن فلما حسدهم إبليس لعبادتهم كانوا إذا رجعوا و في ثواب الأعمال فأتى إبليس عبادتهم فأولا علمه كذا في النسخ بتقديم اللام على الميم في الموضعين و لعل الأظهر تقديم الميم أي أولا أدخل إبليس ذكر الرجل و ثانيا أدخل الرجل ذكره و على ما في النسخ كان المعنى أنه كان أولا معلم هذا الفعل حيث علمه ذلك الرجل ثم صار الرجل معلم الناس

167-  تفسير علي بن إبراهيم، عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبان بن عثمان عن أبي بصير عن أبي جعفر ع قال إن سليمان بن داود أمر الجن فبنوا له بيتا من قوارير فبينا هو متكئ على عصاه ينظر إلى الشياطين كيف يعملون و ينظرون إليه إذ حانت منه التفاتة فإذا هو برجل معه في القبة ففزع منه و قال من أنت قال أنا الذي لا أقبل الرشى و لا أهاب الملوك أنا ملك الموت فقبضه و هو متكئ على عصاه فمكثوا سنة يبنون و ينظرون إليه و يدأبون له و يعملون حتى بعث الله الأرضة فأكلت منسأته و هي العصا فلما خر تبينت الإنس أن لو كان الجن يعلمون الغيب ما لبثوا سنة في العذاب المهين فالجن تشكر الأرضة بما عملت بعصا سليمان قال فلا تكاد تراها في مكان إلا وجد عندها ماء و طين فلما هلك سليمان وضع إبليس السحر و كتبه في كتاب ثم طواه و كتب على ظهره هذا ما وضع آصف بن برخيا للملك سليمان بن داود من ذخائر كنوز العلم من أراد كذا و كذا فليفعل كذا و كذا ثم دفنه تحت السرير ثم استشاره لهم فقرأه فقال الكافرون ما كان سليمان ع يغلبنا إلا بهذا و قال المؤمنون بل هو   عبد الله و نبيه

168-  الدعائم، عن علي ع أنه قال كنا مع رسول الله ص ذات ليلة إذ رمي بنجم فاستنار فقال للقوم ما كنتم تقولون في الجاهلية إذا رأيتم مثل هذا قالوا كنا نقول مات عظيم و ولد عظيم قال فإنه لا يرمى به لموت أحد و لحياة أحد و لكن ربنا إذا قضى أمرا سبح حملة العرش و قالوا قضى ربنا بكذا فيسمع ذلك أهل السماء التي تليهم فيقولون ذلك حتى يبلغ ذلك أهل السماء الدنيا فيسترق الشياطين السمع فربما اعتلقوا شيئا فأتوا به الكهنة فيزيدون و ينقصون فتخطئ الكهنة و تصيب ثم إن الله عز و جل منع السماء بهذه النجوم فانقطعت الكهانة فلا كهانة و تلا جعفر بن محمد ع إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ و قوله وَ أَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ الآية

 بيان فربما اعتلقوا شيئا أي أحبوه أو تعلموه أو تعلقوا به في القاموس اعتلقه أي أحبه و تعلقه و تعلق به بمعنى و في النهاية أنى علقها أي من أين تعلمها و ممن أخذها

169-  الدر المنثور، للسيوطي عن ابن عمر قال لقي إبليس موسى فقال لموسى أنت الذي اصطفاك الله برسالته و كلمك تكليما أذنبت و أنا أريد أن أتوب فاشفع لي إلى ربي أن يتوب علي قال موسى نعم فدعا موسى ربه فقيل يا موسى قد قضيت حاجتك فلقي موسى إبليس و قال قد أمرت أن تسجد بقبر آدم و يتاب عليك فاستكبر و غضب و قال لم أسجد له حيا أسجد له ميتا ثم قال إبليس يا موسى إن لك علي حقا بما شفعت لي إلى ربك فاذكرني عند ثلاث لا أهلكك فيمن أهلك اذكرني   حين تغضب فإني أجري منك مجرى الدم و اذكرني حين تلقى الزحف فإني آتي ابن آدم حين يلقى الزحف فأذكره ولده و زوجته حتى يولي و إياك أن تجالس امرأة ليست بذات محرم فإني رسولها إليك و رسولك إليها

170-  و عن أنس قال إن نوحا لما ركب السفينة أتاه إبليس فقال له نوح من أنت قال أنا إبليس قال فما جاء بك قال جئت تسأل لي ربك هل لي من توبة فأوحى الله إليه أن توبته أن يأتي قبر آدم فيسجد له قال أما أنا لم أسجد له حيا أسجد له ميتا قال ف اسْتَكْبَرَ وَ كانَ مِنَ الْكافِرِينَ

171-  و عن جنادة بن أبي أمية قال أول خطيئة كانت الحسد حسد إبليس آدم أن يسجد له حين أمره فحمله الحسد على المعصية

172-  و عن قتادة قال لما هبط إبليس قال آدم أي رب قد لعنته فما علمه قال السحر قال فما قراءته قال الشعر قال فما كتابته قال الوشم قال فما طعامه قال كل ميتة و ما لم يذكر اسم الله عليه قال فما شرابه قال كل مسكر قال فأين مسكنه قال الحمام قال فأين مجلسه قال الأسواق قال فما صوته قال المزمار قال فما مصايده قال النساء

173-  و عن ابن عباس قال قال رسول الله ص قال إبليس لربه تعالى يا رب قد أهبط آدم و قد علمت أنه سيكون كتب و رسل فما كتبهم و رسلهم قال رسلهم الملائكة و النبيون و كتبهم التوراة و الإنجيل و الزبور و الفرقان قال فما كتابي قال كتابك الوشم و قراءتك الشعر و رسلك الكهنة و طعامك ما لم يذكر اسم الله عليه و شرابك كل مسكر و صدقك الكذب و بيتك الحمام و مصايدك النساء و مؤذنك المزمار و مسجدك الأسواق

    -174  و عن ابن عباس قال جاء إبليس في جند من الشياطين و معه راية في صورة رجال من بني مدلج و الشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم فقال الشيطان لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَ إِنِّي جارٌ لَكُمْ و أقبل جبريل على إبليس فلما رآه و كانت يده في يد رجل من المشركين انتزع إبليس يده و ولى مدبرا و شيعته فقال الرجل يا سراقة إنك جار لنا فقال إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ و ذلك حين رأى الملائكة إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَ اللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ

175-  و عن رفاعة الأنصاري قال لما رأى إبليس ما تفعل الملائكة بالمشركين يوم بدر أشفق أن يخلص القتل إليه فتشبث به الحارث بن هشام و هو يظن أنه سراقة بن مالك فوكز في صدر الحارث فألقاه ثم خرج هاربا حتى ألقى نفسه في البحر يرفع يديه فقال اللهم إني أسألك نظرتك إياي

176-  و عن أبي التياح قال قال رجل لعبد الرحمن خنيش كيف صنع رسول الله ص كادته الشياطين قال نعم تحدرت الشياطين من الجبال و الأودية يريدون رسول الله ص فيهم شيطان معه شعلة من نار يريد أن يحرق بها رسول الله ص فلما رآهم رسول الله ص فزع منهم و جاءه جبرئيل فقال يا محمد قل ما أقول أعوذ بكلمات الله التامات اللاتي لا يجاوزهن بر و لا فاجر من شر ما خلق و برأ و ذرأ و من شر ما ينزل من السماء و من شر ما يعرج فيها و من شر ما ذرأ في الأرض و من شر ما يخرج منها و من شر فتن الليل و النهار و من شر كل طارق إلا طارقا يطرق بخير يا رحمان قال فطفئت نار الشياطين و هزمهم الله عز و جل

    -177  و عن ابن مسعود قال لما كان ليلة الجن أقبل عفريت من الجن في يده شعلة من نار فجعل النبي ص يقرأ القرآن فلا يزداد إلا قربا فقال له جبرئيل أ لا أعلمك كلمات تقولهن ينكب منها لفيه و تطفئ شعلته قل أعوذ بوجه الله الكريم و كلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر و لا فاجر من شر ما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ و من شر ما يَعْرُجُ فِيها و من شر ما ذرأ في الأرض و من شر ما يَخْرُجُ مِنْها و من شر فتن الليل و النهار و من شر طوارق الليل و من شر كل طارق إلا طارقا يطرق بخير يا رحمان فقالها فانكب لفيه و طفيت شعلته

 تتمة تشمل على فوائد جمة الأولى لا خلاف بين الإمامية بل بين المسلمين في أن الجن و الشياطين أجسام لطيفة يرون في بعض الأحيان و لا يرون في بعضها و لهم حركات سريعة و قدرة على أعمال قوية و يجرون في أجساد بني آدم مجرى الدم و قد يشكلهم الله بحسب المصالح بأشكال مختلفة و صور متنوعة كما ذهب إليه السيد المرتضى رضي الله عنه أو جعل الله لهم القدرة على ذلك كما هو الأظهر من الأخبار و الآثار. قال صاحب المقاصد ظاهر الكتاب و السنة و هو قول أكثر الأمة إن الملائكة أجسام لطيفة نورانية قادرة على التشكلات بأشكال مختلفة كاملة في العلم و القدرة على الأفعال الشاقة و ساق الكلام إلى قوله و الجن أجسام لطيفة هوائية متشكل بأشكال مختلفة و يظهر منها أفعال عجيبة منهم المؤمن و الكافر و المطيع و العاصي و الشياطين أجسام نارية شأنها إلقاء النفس في الفساد و الغواية بتذكير أسباب المعاصي و اللذات و إنساء منافع الطاعات و ما أشبه ذلك على ما قال تعالى حكاية عن الشيطان وَ ما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَ لُومُوا أَنْفُسَكُمْ و قيل تركيب الأنواع الثلاثة من امتزاج العناصر الأربعة إلا أن الغالب على الشيطان عنصر النار و على الآخرين عنصر الهواء و ذلك أن امتزاج العناصر قد لا يكون على القرب من الاعتدال بل على قدر صالح من غلبة أحدهما فإن كانت الغلبة   للأرضية يكون الممتزج مائلا إلى عنصر الأرض و إن كانت للمائية فإلى الماء أو للهوائية فإلى الهواء أو للنارية فإلى النار لا يبرح و لا يفارق إلا بالإجبار أو بأن يكون حيوانا فيفارق بالاختيار و ليس لهذه الغلبة حد معين بل تختلف إلى مراتب بحسب أنواع الممتزجات التي تسكن هذا العنصر و لكون الهواء و النار في غاية اللطافة و الشفيف كانت الملائكة و الجن و الشياطين بحيث يدخلون المنافذ و المضايق حتى أجواف الإنسان و لا يرون بحس البصر إلا إذا اكتسبوا من الممتزجات الأخر التي تغلب عليها الأرضية و المائية جلابيب و غواشي فيرون في أبدان كأبدان الناس أو غيره من الحيوانات و الملائكة كثيرا ما تعاون الإنسان على أعمال يعجز هو عنها بقوته كالغلبة على الأعداء و الطيران في الهواء و المشي على الماء و يحفظه خصوصا المضطرين عن كثير من الآفات و أما الجن و الشياطين فيخالطون بعض الأناسي و يعاونونهم على السحر و الطلسمات و النيرنجات ثم تعرض لدفع الشبهة الواردة على هذا القول و هي أن الملائكة و الجن و الشياطين إن كانت أجساما ممتزجة من العناصر يجب أن تكون مرئية لكل سليم الحس كسائر المركبات و إلا لجاز أن تكون بحضرتنا جبال شاهقة و أصوات هائلة لا نبصرها و لا نسمعها و العقل جازم ببطلان ذلك على ما هو شأن العلوم العادية و إن كانت غلبته اللطيف بحيث لا تجوز رؤية الممتزج يلزم أن لا يروا أصلا و أن تتمزق أبدانهم و تنحل تراكيبهم بأدنى سبب و اللازم باطل لما تواتر من مشاهدة بعض الأولياء و الأنبياء إياهم و مكالمتهم و من بقائهم زمانا طويلا مع هبوب الرياح العاصفة و الدخول في المضايق الضيقة و أيضا لو كانوا من المركبات المزاجية لكانت لهم صور نوعية و أمزجة مخصوصة تقتضي أشكالا مخصوصة كما في سائر الممتزجات فلا يتصور التصور بأشكال مختلفة. و الجواب منع الملازمات أما على القول باستناد الممكنات إلى القادر المختار

    فظاهر لجواز أن يخلق رؤيتهم في بعض الأبصار و الأحوال دون البعض و أن يحفظ بالقدرة و الإرادة تركيبهم و يبدل أشكالهم. و أما على القول بالإيجاب فلجواز أن يكون فيهم من العنصر الكثيف ما يحصل منه الرؤية لبعض الأبصار دون البعض و في بعض الأحوال دون البعض أو يظهروا أحيانا في أجسام كثيفة هي بمنزلة الغشاء و الجلباب لهم فيبصروا و أن يكون نفوسهم أو أمزجتهم أو صورهم النوعية تقتضي حفظ تركيبهم عن الانحلال و تبدل أشكالهم بحسب اختلاف الأوضاع و الأحوال و يكون فيهم من الفطنة و الذكاء ما يعرفون به جهات هبوب الرياح و سائر أسباب انحلال التركيب فيحترزون عنها و يأوون إلى أماكن لا يلحقهم ضرر. و أما الجواب بأنه يجوز أن تكون لطافتهم بمعنى الشفافية دون رقة القوام فلا يلائم ما يحكى عنهم من النفوذ في المنافذ الضيقة و الظهور في ساعة واحدة في صور مختلفة بالصغر و الكبر و نحو ذلك. ثم ذكر مذاهب الحكماء في ذلك فقال و القائلون من الفلاسفة بالجن و الشيطان زعموا أن الجن جواهر مجردة لها تصرف و تأثير في الأجسام العنصرية من غير تعلق بها تعلق النفوس البشرية بأبدانها و الشياطين هي القوى المتخيلة في أفراد الإنسان من حيث استيلائها على القوى العقلية و صرفها عن جانب القدس و اكتساب الكمالات العقلية إلى اتباع الشهوات و اللذات الحسية و الوهمية. و منهم من زعم أن النفوس البشرية بعد مفارقتها عن الأبدان و قطع العلاقة عنها إن كانت خيرة مطيعة للدواعي العقلية فهم الجن و إن كانت شريرة باعثة على الشرور و القبائح معينة على الضلال و الانهماك في الغواية فهم الشياطين و بالجملة فالقول بوجود الملائكة و الشياطين مما انعقد عليه إجماع الآراء و نطق به كلام الله تعالى و كلام الأنبياء ع و حكي مشاهدة الجن عن كثير من العقلاء و أرباب المكاشفات من الأولياء فلا وجه لنفيها كما لا سبيل إلى إثباتها بالأدلة العقلية ثم ذكر طريقة المتألهين من الحكماء و قولهم بالعالم بين العالمين و عالم المثال و أنهم جعلوا الملائكة و الجن و الشياطين و الغيلان من هذا العالم و قد مضى بعض الكلام فيه.   الثانية اختلف أصحابنا و المخالفون في أن إبليس هل كان من الملائكة أم لا فالذي ذهب إليه أكثر المتكلمين من أصحابنا و غيرهم أنه لم يكن من الملائكة و قد مرت الأخبار الدالة عليه قال الشيخ المفيد رحمه الله في كتاب المقالات إن إبليس من الجن خاصة و إنه ليس من الملائكة و لا كان منها قال الله تعالى إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ و جاءت الأخبار متواترة عن أئمة الهدى من آل محمد ع بذلك و هو مذهب الإمامية كلها و كثير من المعتزلة و أصحاب الحديث انتهى. و ذهب طائفة من المتكلمين إلى أنه منهم و اختاره من أصحابنا شيخ الطائفة روح الله روحه في التبيان و قال و هو المروي عن أبي عبد الله ع و الظاهر في تفاسيرنا ثم قال رحمه الله ثم اختلف من قال كان منهم فمنهم من قال إنه كان خازنا على الجنان و منهم من قال كان له سلطان سماء الدنيا و سلطان الأرض و منهم من قال إنه كان يوسوس ما بين السماء و الأرض انتهى. و احتج الأولون بوجوه أحدها قوله تعالى إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ قالوا و متى أطلق لفظ الجن لم يجز أن يعنى به إلا الجنس المعروف الذي يقابل بالإنس في الكتاب الكريم. و أجيب عنه بوجهين الأول أن معنى كانَ مِنَ الْجِنِّ صار من الجن كما أن قوله وَ كانَ مِنَ الْكافِرِينَ معناه صار من الكافرين ذكر ذلك الأخفش و جماعة من أهل اللغة. الثاني أن إبليس كان من طائفة من الملائكة يسمون جنا من حيث كانوا خزنة الجنة و قيل سموا جنا لاجتنانهم من العيون و استشهدوا بقول الأعشى في سليمان ع

و سخر من جن الملائك تسعة. قياما لديه يعملون بلا أجر.

   و رد الأول بأنه خلاف الظاهر فلا يصار إليه إلا لدليل. و ثانيها قوله تعالى لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ فنفى عن الملائكة المعصية نفيا عاما فوجب أن لا يكون إبليس منهم. و أجيب عنه بأنه قوله تعالى لا يَعْصُونَ صفة لخزنة النيران لا لمطلق الملائكة يدل عليه قوله تعالى عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ و لا يلزم من كونهم معصومين كون الجميع كذلك و يرد عليه أن الدلائل الدالة على عصمة الملائكة كثيرة و قد مر كثير منها. و ثالثها أن إبليس له نسل و ذرية قال تعالى أَ فَتَتَّخِذُونَهُ وَ ذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَ هُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ و الملائكة لا ذرية لهم لأنه ليس فيهم أنثى لقوله تعالى وَ جَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً و الذرية إنما تحصل من الذكر و الأنثى. و يمكن الجواب عنه بعد تسليم دلالة الآية على السلب الكلي بأن انتفاء الأنثى فيهم لا يدل على انتفاء الذرية كما أن الشياطين ليس فيهم أنثى مع أن لهم ذرية كما مر أن ذرية إبليس من نفسه و أنه يبيض و يفرخ. و قال الشيخ رحمه الله في التبيان من قال إن إبليس له ذرية و الملائكة لا ذرية لهم و لا يتناكحون و لا يتناسلون فقد عول على خبر غير معلوم. و رابعها أن الملائكة رسول الله لقوله جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا و رسل الله معصومون لقوله سبحانه اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ و لا يجوز على رسل الله الكفر   و العصيان ملائكة كانوا أم بشرا. و أجيب بأنه ليس المراد بالآية العموم لقوله تعالى اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَ مِنَ النَّاسِ قال في التبيان و كلمة من للتبعيض بلا خلاف. و لو لم يكن كذلك لجاز لنا أن نخص هذا العموم بقوله تعالى إِلَّا إِبْلِيسَ لأن حمل الاستثناء على أنه منقطع حمل له على المجاز كما أن تخصيص العموم مجاز و إذا تعارضا سقطا لو لم يكن التخصيص أولى. و استدلوا على مغايرة الجن للملائكة بأن الملائكة روحانيون مخلوقون من الريح في قول بعضهم و من النور في قول بعضهم و لا يطعمون و لا يشربون و الجن خلقوا من النار لقوله تعالى وَ الْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ و قد ورد في الأخبار النهي عن التمسح بالعظم و الروث لكونهما طعاما لهم و لدوابهم. و أجيب بمنع المقدمات قال في التبيان الأكل و الشرب لو علم فقدهما في الملائكة فلا نعلم أن إبليس كان يأكل و يشرب و قد قيل إنهم يتشممون الطعام و لا يأكلونه انتهى. و استدل أيضا بقوله تعالى وَ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَ هؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ و عورض بقوله تعالى وَ جَعَلُوا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً لأن قريشا قالت الملائكة بنات الله فرد الله عليهم بقوله سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ

    و أجيب بالمنع فإنه فسرت الآية بوجوه أخرى منها أن المراد به قول الزنادقة إن الله و إبليس أخوان أو أن الله خلق النور و الخير و الحيوان النافع و إبليس خلق الظلمة و الشر و الحيوان الضار و بعضهم أشركوا الشيطان في عبادة الله تعالى و ذلك هو النسب الذي جعلوه بينه سبحانه و بين الجنة. و منها أنهم قالوا صاهر الله الجن فحدثت الملائكة. و احتج القائلون بأنه من الملائكة بوجهين الأول أن الله تعالى استثناه من الملائكة و الاستثناء يفيد إخراج ما لولاه لدخل و ذلك يوجب كونه من الملائكة. و أجيب بأن الاستثناء هاهنا منقطع و هو مشهور في كلام العرب كثير في كلامه تعالى قال سبحانه لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَ لا تَأْثِيماً إِلَّا قِيلًا سَلاماً سَلاماً و قال لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ و أيضا فلأنه كان جنيا واحدا بين الألوف من الملائكة فغلبوا عليه في قوله فَسَجَدُوا ثم استثنى هو منهم استثناء واحد منهم و قد كان مأمورا بالسجود معهم فلما دخل معهم في الأمر جاز إخراجه بالاستثناء منهم. و رد بأن كل واحد من هذين الوجهين على خلاف الأصل فلا يصار إليه إلا عند الضرورة و الدلائل التي ذكرتموها في نفي كونه من الملائكة ليس فيها إلا الاعتماد على العمومات فلو جعلناه من الملائكة لزم تخصيص ما عولتم عليه من العمومات و لو قلنا إنه ليس من الملائكة لزمنا حمل الاستثناء على المنقطع و معلوم أن تخصيص العموم أكثر في كتاب الله من حمل الاستثناء على المنقطع فكان قولي أولى و أما قولكم إنه جني واحد بين الألوف من الملائكة فغلبوا عليه فنقول إنما يغلب الكثير على القليل إذا كان ذلك القليل ساقط العبرة غير ملتفت إليه و أما إذا كان معظم الحديث ليس إلا عن ذلك الواحد لم يجز تغليب غيره عليه و فيه نظر. الثاني أنه لو لم يكن من الملائكة لما كان قوله تعالى وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ   اسْجُدُوا متناولا له فلا يكون تركه للسجود إباء و استكبارا و معصية و لما استحق الذم و العقاب فعلم أن الخطاب كان متناولا له و لا يتناوله الخطاب إلا إذا كان من الملائكة. و أجيب بأنه و إن لم يكن من الملائكة إلا أنه نشأ منهم و طالت خلطته بهم و التصق بهم فلا جرم تناوله ذلك الخطاب و أيضا يجوز أن يكون مأمورا بالسجود بأمر آخر و يكون قوله تعالى ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ إشارة إلى ذلك الأمر و رد الأول بأن مخالطته لهم لا يوجب توجه الخطاب إليه كما حقق في موضعه و الثاني بأن ظاهر قوله تعالى وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ الآية أن الإباء و العصيان إنما حصل بمخالفة هذا الأمر لا بمخالفة أمر آخر. هذا ما قيل أو يمكن أن يقال في هذا المقام لكن الظاهر من أكثر الأخبار و الآثار عدم كونه من الملائكة و أنه لما كان مخلوطا بهم و توجه الخطاب إليهم شمله هذا الخطاب و قوله تعالى وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ مبني على التغليب الشائع في الكلام و أما ما يشعر به كلام الشيخ رحمه الله في التبيان من ورود الأخبار بأن إبليس كان من الملائكة فلم نظفر بها و إن ورد في بعضها فهو نادر مؤول. و قال رحمه الله و أما ما روي عن ابن عباس من أن الملائكة كانت تقاتل الجن فسبي إبليس و كان صغيرا فكان مع الملائكة فتعبد معها فلما أمروا بالسجود لآدم سجدوا إلا إبليس فلذلك قال تعالى إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فإنه خبر واحد لا يصح و المعروف عن ابن عباس أنه كان من الملائكة ف أَبى وَ اسْتَكْبَرَ وَ كانَ مِنَ الْكافِرِينَ.

    الثالثة لا خلاف في أن الجن و الشياطين مكلفون و أن كفارهم في النار معذبون و أما أن مؤمنهم يدخلون الجنة فقد اختلف فيه العامة و لم أر لأصحابنا فيه تصريحا. قال علي بن إبراهيم في تفسيره سئل العالم ع عن مؤمني الجن يدخلون الجنة فقال لا و لكن لله حظائر بين الجنة و النار يكون فيها مؤمنو الجن و فساق الشيعة و لا خلاف في أن نبينا ص مبعوث عليهم و أما سائر أولي العزم ع فلم يتحقق عندي بعثهم عليهم نفيا أو إثباتا و إن كان بعض الأخبار يشعر بكونهم مبعوثين عليهم و لا بد في إثبات الحجة عليهم من بعثة نبي عليهم منهم أو بعثة الأنبياء من الإنس عليهم أيضا و قد مر أنه بعث فيهم نبي يقال له يوسف و قد مضى كلام الطبرسي رحمه الله و الأقوال التي ذكرها في ذلك. الرابعة فيما ذكره المخالفون في ذلك و رواياتهم التي رووها في خواصهم و أنواعهم و أحكامهم قال الدميري في كتاب حياة الحيوان إن الجن أجسام هوائية قادرة على التشكل بأشكال مختلفة لها عقول و أفهام و قدرة على الكلام و الأعمال الشاقة و هم خلاف الإنس الواحد جني و يقال إنما سميت بذلك لأنها تبقى و لا ترى

 و روى الطبراني بإسناد حسن عن ثعلبة الحسني أن النبي ص قال الجن ثلاثة أصناف فصنف لهم أجنحة يطيرون بها في الهواء و صنف حيات و صنف يحلون و يظعنون

و كذلك رواه الحاكم و قال صحيح الإسناد

 و روى أبو الدنيا في كتاب مكايد الشيطان من حديث أبي الدرداء أن النبي ص قال الجن ثلاثة أصناف صنف حيات و عقارب و خشاش   الأرض و صنف كالريح في الهواء و صنف عليهم الحساب و العقاب و خلق الله الإنس ثلاثة أصناف صنف كالبهائم لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَ لَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها وَ لَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها و صنف أجسادهم أجساد بني آدم و أرواحهم أرواح الشياطين و صنف كالملائكة في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله

و أجمع المسلمون على أن نبينا محمد ص مبعوث إلى الجن كما هو مبعوث إلى الإنس قال الله تعالى وَ أُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَ مَنْ بَلَغَ و الجن بلغهم القرآن و قال تعالى وَ إِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ الآية و قال تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً و قال وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ. و قال الجوهري الناس قد تكون من الجن و الإنس و قال تعالى خطابا لفريقين سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ و الثقلان الجن و الإنس سميا بذلك لأنهما ثقلا الأرض و قيل لأنهما مثقلان بالذنوب و قال وَ لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ و لذلك قيل إن من الجن مقربين و أبرارا كما أن من الإنس كذلك و خالف في ذلك أبو حنيفة و الليث فقال ثواب   المؤمنين منهم أن يجاروا من العذاب و خالفهم الأكثرون حتى أبو يوسف و محمد و ليس لأبي حنيفة و الليث حجة إلا قوله تعالى يُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ و قوله فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَ لا رَهَقاً فلم يذكر في الآيتين ثوابا غير النجاة من العذاب. و الجواب من وجهين أحدهما أن الثواب مسكوت عنه. و الثاني أن ذلك من قول الجن و يجوز أن يكونوا لم يطلعوا إلا على ذلك و خفي عليهم ما أعد الله لهم من الثواب و قيل إنهم إذا دخلوا الجنة لا يكونون مع الإنس بل يكونون في ربضها و في الحديث عن ابن عباس قال الخلق كلهم أربعة أصناف فخلق في الجنة كلهم و هم الملائكة و خلق في النار كلهم و هم الشياطين و خلق في الجنة و النار و هم الجن و الإنس لهم الثواب و عليهم العقاب و فيه شي‏ء و هو أن الملائكة لا يثابون بنعيم الجنة. و من المستغربات ما رواه أحمد بن مروان المالكي الدينوري عن مجاهد أنه سئل عن الجن المؤمنين أ يدخلون الجنة فقال يدخلونها و لكن لا يأكلون فيها و لا يشربون بل يلهمون التسبيح و التقديس فيجدون فيه ما يجد أهل الجنة من لذيذ الطعام و الشراب. و يدل على عموم بعثته ص من السنة أحاديث منها

 ما روى مسلم عن أبي هريرة أن النبي ص قال أعطيت جوامع الكلم و أرسلت إلى الناس كافة

    و فيه من حديث جابر و بعثت إلى كل أحمر و أسود

 و فيه عن ابن مسعود قال كنا مع النبي ص كنا مع النبي ص ذات ليلة ففقدناه فالتمسناه في الأودية و الشعاب فقلنا استطير أو اغتيل فبتنا بشر ليلة بات بها قوم فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل حراء فقلنا يا رسول الله فقدناك فطلبناك فلم نجدك فبتنا بشر ليلة بات بها قوم قال أتاني داعي الجن فذهبت معه و قرأت عليهم القرآن فانطلق بنا فأرانا آثار نيرانهم و سألوه الزاد فقال لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه تأخذونه فيقع في أيديكم أوفر ما كان لحما و كل بعر علف لدوابكم قال فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم الجن

 و روى الطبراني بإسناد حسن عن الزبير بن العوام قال صلى بنا رسول الله ص صلاة الصبح في مسجد المدينة فلما انصرف قال أيكم يتبعني إلى وفد الجن الليلة فسكت القوم و لم يتكلم منهم أحد قال ذلك ثلاثا فمر بي يمشي فأخذ بيدي فجعلت أمشي معه حتى يتباعد عنا جبال المدينة كلها و أفضينا إلى أرض براز و إذا رجال طوال كأنهم الرماح مستثفري ثيابهم من بين أرجلهم فلما رأيتهم غشيتني رعدة شديدة حتى ما تمسكني رجلاي من الفرق فلما دنونا منهم خط لي رسول الله ص بإبهام رجله في الأرض خطا و قال لي اقعد في وسطه فلما جلست ذهب عني كل شي‏ء أجده من ريبة و بقي ص بيني و بينهم فتلا قرآنا رفيعا حتى طلع الفجر ثم أقبل حتى مر بي فقال الحق بي فجعلت أمشي معه فمضينا غير بعيد فقال التفت فانظر هل ترى حيث كان أولئك من أحد قلت يا رسول الله أرى سوادا كثيرة فخفض رسول الله ص رأسه إلى الأرض   فنظم عظما بروثة فرمى به إليهم ثم قال هؤلاء وفد جن نصيبين سألوني الزاد فجعلت لهم كل عظم و روثة قال الزبير و لا يحل لأحد أن يستنجي بعظم و لا روثة

 ثم روي أيضا عن ابن مسعود قال استتبعني رسول الله ص ليلة فقال إن نفرا من الجن خمسة عشر بنو إخوة و بنو عم يأتون الليلة فأقرأ عليهم القرآن فانطلقت معه إلى المكان الذي أراد فجعل لي خطا ثم أجلسني فيه و قال لا تخرجن من هذا فبت فيه حتى أتاني رسول الله ص من السحر و في يده عظم حائل و روثة و جمجمة و قال إذا أتيت الخلأ فلا تستنج بشي‏ء من هذا قال فلما أصبحت قلت لأعلمن حيث كان رسول الله ص فذهبت فرأيت موضع سبعين بعيرا

 و في كتاب خبر البشر بخير البشر للعلامة محمد بن ظفر عن ابن مسعود أنه قال قال رسول الله ص و هو بمكة من أحب منكم أن يحضر الليلة أمر الجن فانطلقت معه حتى إذا كنا بأعلى مكة خط لي خطا ثم انطلق حتى قام فافتتح القرآن فغشيته أسود كثيرة فحالت بيني و بينه حتى ما أسمع صوته ثم انطلقوا يتقطعون مثل قطع السحاب ذاهبين حتى بقي منهم رهط ثم أتى النبي ص فقال ما فعل الرهط قلت هم أولئك يا رسول الله فأخذ عظما و روثا فأعطاهم إياه و نهى أن يستطيب أحد بعظم أو روث

و في إسناده ضعف و فيه أيضا عن بلال بن الحارث قال نزلنا مع النبي ص في بعض أسفاره بالعرج فتوجهت نحوه فلما قاربته سمعت لغطا و خصومة   رجال لم أسمع أحد من ألسنتهم فوقفت حتى جاء النبي ص و هو يضحك فقال اختصم إلي الجن المسلمون و الجن المشركون و سألوني أن أسكنهم فأسكنت المشركين الغور كل مرتفع من الأرض جلس و نجد و كل منخفض غور.

 و روي أيضا عن ابن عباس أنه قال انطلق النبي ص في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ و قد حيل بين الشياطين و بين خبر السماء فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا ما لكم قد حيل بيننا و بين خبر السماء و أرسلت علينا الشهب قالوا ما ذاك إلا من شي‏ء حدث فاضربوا مشارق الأرض و مغاربها فالتقى الذين أخذوا نحو تهامة النبي ص و أصحابه و هو بنخلة عامدين إلى سوق عكاظ و هو يصلي بأصحابه صلاة الفجر فلما سمعوا القرآن أنصتوا و قالوا هذا الذي حال بيننا و بين خبر السماء و رجعوا إلى قومهم فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً الآيتين

و هذا الذي ذكره ابن عباس أول ما كان من أمر الجن مع النبي ص و لم يكن النبي ص رآهم إذ ذاك إنما أوحي إليه بما كان منهم. روى الشافعي و البيهقي أن رجلا من الأنصار خرج يصلي العشاء فسبته الجن و فقد أعواما و تزوجت امرأته ثم أتى المدينة فسأله عمر عن ذلك فقال اختطفتني الجن فلبثت فيهم زمانا طويلا فغزاهم جن مؤمنون فقاتلوهم فظهروا عليهم فسبوا منهم سبايا و سبوني معهم فقالوا نراك رجلا مسلما و لا يحل لنا سباؤك فخيروني بين المقام عندهم أو القفول إلى أهلي فاخترت أهلي فأتوا بي إلى المدينة فقال له عمر ما كان طعامهم.   قال الفول و ما لم يذكر اسم الله عليه قال فما كان شرابهم قال الجذف و هو الرغوة لأنها تجذف عن الماء و قيل نبات يقطع و يؤكل و قيل كل إناء كشف عنه غطاؤه. و أما الإجماع فنقل ابن عطية و غيره الاتفاق على أن الجن متعبدون بهذه الشريعة على الخصوص و أن نبينا محمدا ص مبعوث إلى الثقلين. فإن قيل لو كانت الأحكام بجملتها لازمة لهم لكانوا يترددون إلى النبي ص يتعلمونها و لم ينقل أنهم أتوه إلا مرتين بمكة و قد تجدد بعد ذلك أكثر الشريعة. قلنا لا يلزم من عدم النقل عدم اجتماعهم به و حضورهم مجلسه و سماعهم كلامه من غير أن يراهم المؤمنون و يكون ص يراهم هو و لا يراهم أصحابه فإن الله تعالى يقول عن رأس الجن إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَ قَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ فقد يراهم هو ص بقوة يعطيها الله له زائدة على قوة أصحابه و قد يراهم بعض الصحابة في بعض الأحوال كما رأى أبو هريرة الشيطان الذي يسرق من زكاة رمضان كما رواه البخاري. فإن قيل فما تقول فيما حكي عن بعض المعتزلة أنه ينكر وجود الجن قلنا عجب أن يثبت ذلك عمن صدق بالقرآن و هو ناطق بوجودهم

 و روى البخاري و مسلم و النسائي عن أبي هريرة أن النبي ص قال إن عفريتا من الجن تفلت علي البارحة يريد أن يقطع علي صلاتي فذعته بالذال المعجمة و العين المهملة أي خنقته و أردت أن أربطه في سواري المسجد فذكرت قول أخي سليمان ع و قال إن   بالمدينة جنا قد أسلموا و قال لا يسمع نداء صوت المؤذن جن و لا إنس و لا شي‏ء إلا شهد له يوم القيامة

 و روى مسلم عن ابن مسعود أن النبي ص قال ما منكم من أحد إلا و قد وكل به قرينه من الجن قالوا و إياك يا رسول الله قال و إياي إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير

و روي فأسلم بفتح الميم و ضمها و صحح الخطابي الرفع و رجح القاضي عياض و النووي الفتح و أجمعت الأمة على عصمة النبي ص من الشيطان و إنما المراد تحذير غيره من فتنة القرين و وسوسته و إغوائه و أعلمنا أنه معنا لنتحرز منه بحسب الإمكان و الأحاديث في وجود الجن و الشياطين لا تحصى و كذلك أشعار العرب و أخبارها فالنزاع في ذلك مكابرة فيما هو معلوم بالتواتر ثم إنه أمر لا يحيله العقل و لا يكذبه الحس و لذلك جرت التكاليف عليهم و مما اشتهر أن سعد بن عبادة لما لم يبايعه الناس و بايعوا أبا بكر سار إلى الشام فنزل حوران و أقام بها إلى أن مات في سنة خمس عشرة و لم يختلفوا في أنه وجد ميتا في مغتسله بحوران و أنهم لم يشعروا بموته حتى سمعوا قائلا يقول

نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة. فرميناه بسهمين و لم نخط فؤاده.

 فحفظوا ذلك اليوم فوجدوه اليوم الذي مات فيه و وقع في صحيح مسلم أنه شهد بدرا   و روي عن حجاج بن علاط السلمي أنه قدم مكة في ركب فأجنهم الليل بواد مخوف موحش فقال له أهل الركب قم فخذ لنفسك أمانا و لأصحابك فجعل لا ينام بل يطوف بالركب و يقول.

أعيذ نفسي و أعيذ صحبي من كل جني بهذا النقب‏حتى أعود سالما و ركبي.

 فسمع قائلا يقول يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ الآية فلما قدم مكة أخبر كفار قريش بما سمع فقالوا صبأت يا أبا كلاب إن هذا يزعم أنه أنزل على محمد فقال و الله لقد سمعته و سمعه هؤلاء معي ثم أسلم و حسن إسلامه و هاجر إلى المدينة و ابتنى بها مسجدا يعرف به. و قال محمد بن الحسن الأبرسي قال الربيع سمعت الشافعي يقول من زعم من أهل العدالة أنه يرى الجن أبطلنا شهادته لقوله تعالى إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَ قَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إلا أن يكون الزاعم نبيا. و عد ابن سعد و الطبراني و الحافظ و أبو موسى و غيرهم عمرو بن جابر الجني في الصحابة فرووا بأسانيدهم عن صفوان بن المعطل السلمي أنه قال خرجنا حجاجا فلما كنا بالعرج إذا نحن بحية تضطرب فلم نلبث أن ماتت فأخرج لها رجل منا خرقة فلفها فيها ثم حفر لها في الأرض ثم قدمنا مكة فأتينا المسجد الحرام فوقف علينا رجل فقال أيكم صاحب عمرو بن جابر قلنا ما نعرفه قال أيكم صاحب الجان قالوا هذا قال جزاك الله خيرا أما إنه كان آخر التسعة الجن   الذين سمعوا القرآن من النبي ص موتا و كذا رواه الحاكم في المستدرك. و ذكر ابن أبي الدنيا عن رجل من التابعين أن حية دخلت عليه في خبائه تلهث عطشا فسقاها ثم إنها ماتت فدفنها فأتى له من الليل فسلم عليه و شكر و أخبر أن تلك الحية كانت رجلا صالحا من جن نصيبين اسمه زوبعة. قال و بلغنا من فضائل عمر بن عبد العزيز أنه كان يمشي بأرض فلاة فإذا حية ميتة فكفنها بفضله من ردائه فإذا قائل يقول يا سرق أشهد لقد سمعت رسول الله ص يقول لك ستموت بأرض فلاة فيكفنك و يدفنك رجل صالح فقال و من أنت يرحمك الله فقال أنا من الجن الذين سمعوا القرآن من رسول الله ص لم يبق منهم إلا أنا و هذا الذي قد مات.

 و روى البيهقي في دلائله عن الحسن أن عمار بن ياسر قال قاتلت مع رسول الله ص الإنس و الجن فسئل عن قتال الجن فقال أرسلني رسول الله ص إلى بئر أستقي منها فلقيت الشيطان في صورته حتى قاتلني فصرعته ثم جعلت أدمي أنفه بفهر كان معي أو حجر فقال رسول الله ص لأصحابه إن عمارا لقي الشيطان عند بئر فقاتله فلما رجعت سألني فأخبرته الأمر

و كان أبو هريرة يقول إن عمار بن ياسر أجاره الله من الشيطان على لسان نبيه ص و هذا الذي أشار إليه البخاري بما رواه   عن إبراهيم النخعي قال ذهب علقمة إلى الشام فلما دخل المسجد قال اللهم ارزقني جليسا صالحا فجلس إلى أبي الدرداء فقال أبو الدرداء ممن أنت قال من أهل الكوفة قال أ ليس فيكم أو منكم صاحب السر الذي لا يعلمه غيره يعني حذيفة قال قلت بلى قال أ ليس فيكم أو منكم الذي أجاره الله من الشيطان على لسان نبيه يعني عمارا قلت بلى قال أ ليس فيكم أو منكم صاحب السواك أو السوار قلت بلى قال كيف كان عبد الله يقرأ وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشى وَ النَّهارِ إِذا تَجَلَّى قلت و الذكر و الأنثى الحديث. و في كتاب خبر البشر بخير البشر عن عبيد المكتب عن إبراهيم قال خرج نفر من أصحاب عبد الله بن مسعود يريدون الحج حتى إذا كانوا ببعض الطريق رأوا حية بيضاء تثني على الطريق يفوح منها ريح المسك فقال قلت لأصحابي امضوا فلست ببارح حتى أرى ما ذا يصير إليه أمره فما لبثت أن ماتت فظننت به الخير لمكان الرائحة الطيبة فكفنته في خرقة ثم نحيتها عن الطريق و أدركت أصحابي في المتعشي قال فو الله إنا لقعود إذ أقبل أربع نسوة من قبل المغرب فقالت واحدة منهن أيكم دفن عمرا فقلنا من عمرو فقالت أيكم دفن الحية قال قلت أنا قالت أما و الله لقد دفنت صواما قواما يؤمن بما أنزل الله و لقد آمن بنبيكم و سمع صفته في السماء قبل أن يبعث بأربعمائة سنة قال فحمدت الله ثم قضينا حجنا ثم مررت بعمر فأخبرته خبر الحية فقال صدقت سمعت رسول الله ص يقول فيه هذا. و فيه أيضا عن ابن عمر قال كنت عند عثمان إذ جاءه رجل فقال أ لا أحدثك بعجب قال بلى قال بينما أنا بفلاة من الأرض رأيت عصابتين قد التقتا ثم   افترقتا قال فجئت معتركهما قال فإذا أنا من الحيات شي‏ء ما رأيت مثله قط و إذا ريح المسك أجده من حية منها صفراء دقيقة و ظننت أن تلك الرائحة لخير فيها فأخذتها فلففتها في عمامتي ثم دفنتها فبينما أنا أمشي إذا مناديا ينادي هداك الله إن هذين حيان من أحياء الجن كان بينهما قتال فاستشهدت الحية التي دفنت و هو من الذين استمعوا الوحي من رسول الله ص. و فيه أيضا أن فاطمة بنت النعمان النجارية قالت كان تابع من الجن و كان إذا اقتحم البيت الذي أنا فيه اقتحاما فجاءني يوما فوقع على الجدار و لم يصنع كما يصنع فقلت له ما بالك لم تصنع كما كنت تصنع صنيعك قبل فقال إنه قد بعث اليوم نبي يحرم الزنا. و روى أبو بكر في رباعياته و القاضي أبو يعلى عن عبد الله بن الحسين المصيصي قال دخلت على طرطوس فقيل له هاهنا امرأة يقال لها نهوس رأت الجن الذين وفدوا على رسول الله ص فأتيتها فإذا هي امرأة مستلقية على قفاها فقلت رأيت أحدا من الجن الذين وفدوا على رسول الله ص قال نعم حدثني علية بن سمحج و سماه النبي ص عبد الله قال

 قال رسول الله ص ما من مريض يقرأ   عنده يس إلا مات و دخل قبره ريانا و حشره يوم القيامة ريانا

 و في أسد الغابة عن أنس بن مالك قال كنت مع رسول الله ص خارجا من جبال مكة إذ أقبل شيخ متكئ على عكازة فقال النبي ص مشية جني و نغمته قال أجل قال من أي الجن قال أنا هامة بن الهيم أو أبي هيم بن لاقيس بن إبليس قال لا أرى بينك و بينه إلا أبوين قال أجل قال كم أتى عليك قال أكلت الدنيا إلا أقلها كنت ليالي قتل قابيل هابيل غلاما ابن أعوام فكنت أستوي على الآكام و أورش بين الأنام فقال ص بئس العمل فقال يا رسول الله دعني من العتب فإني ممن آمن بنوح ع و تبت على يديه و إني عاتبته في دعوته فبكى و أبكاني و قال إني و الله من النادمين و أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ و لقيت هودا و آمنت به و لقيت إبراهيم و كنت معه في النار إذ ألقي فيها و كنت مع يوسف إذ ألقي في الجب فسبقته إلى قعره و كنت مع شعيب و موسى و لقيت عيسى ابن مريم و قال لي إن لقيت محمدا فأقرئه مني السلام و قد بلغت رسالته و آمنت بك فقال رسول الله و على عيسى و عليك السلام ما حاجتك يا هامة قال إن موسى علمني التوراة و إن عيسى علمني الإنجيل فعلمني القرآن فعلمه

و في رواية علمه عشر سور من القرآن و قبض رسول الله ص و لم ينعه إلينا فلا نراه و الله أعلم إلا حيا. و فيه أيضا أن عمر بن الخطاب قال ذات يوم لابن عباس حدثني بحديث تعجبني به فقال حدثني خريم بن فاتك الأسدي أنه خرج يوما في الجاهلية في طلب إبل له قد ضلت فأصابها في أبرق الغراف و سمي بذلك لأنه يسمع به غريف الجن قال فعقلتها و توسدت ذراع بكر منها ثم قلت أعوذ بعظيم هذا المكان و في رواية بكبير هذا الوادي و إذا بهاتف يهتف و يقول.   

تعوذن بالله ذي الجلال منزل الحرام و الحلال‏و وحد الله و لا تبال ما هول ذي الجن من الأهوال.

 فقلت

يا أيها الداعي ما تخييل أرشد عنك أم تضليل.

 فقال

هذا رسول الله ذو الخيرات جاء بياسين و حاميمات‏و سور بعد مفصلات يدعو إلى الجنة و النجاةيأمر بالصوم و بالصلاة و يزجر الناس عن الهنات.

 قال فقلت من أنت يرحمك الله قال أنا مالك بن مالك بعثني رسول الله ص على جن أهل نجد قال فقلت لو كان لي من يكفيني إبلي هذه لأتيته حتى أؤمن به قال أنا أكفيكها حتى أؤديها إلى أهلك سالمة إن شاء الله فاقتعدت بعيرا منها حتى أتيت النبي ص بالمدينة فوافقت الناس يوم الجمعة و هم في الصلاة فإني أنيخ راحلتي إذ خرج إلي أبو ذر فقال لي يقول لك رسول الله ص ادخل فدخلت فلما رآني قال ما فعل الشيخ الذي ضمن لك   أن يرد إبلك إلى أهلك أما إنه قد أداها إلى أهلك سالمة فقلت رحمه الله قال رسول الله ص أجل رحمه الله فأسلم و حسن إسلامه. و في مسند الدارمي عن الشعبي قال قال عبد الله بن مسعود لقي رجل من أصحاب رسول الله ص رجلا من الجن فصارعه فصرعه الإنسي فقال له الإنسي إني أراك ضئيلا شخيتا كان ذراعيك ذراعا كلب فكذلك أنتم معشر الجن أم أنت من بينهم كذلك قال لا و الله إني من بينهم لضليع و لكن عاودني الثانية فإن صرعتني علمتك شيئا ينفعك قال نعم قال فعاوده فصرعه فقال له أ تقرأ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ قال نعم قال فإنك لا تقرؤها في بيت إلا خرج منه الشيطان له خبج كخبج الحمار ثم لا يدخل حتى يصبح. قال الدارمي الضئيل الرقيق و الشخيت المهزول و الضليع جيد الأضلاع و الخبج الريح قال أبو عبيدة الخبج الضراط. ثم قال الدميري يصح انعقاد الجمعة بأربعين مكلفا سواء كانوا من الجن أو من الإنس أو منهما. قال القمولي لكن نقل في مناقب الشافعي أنه كان يقول من زعم من أهل العدالة أنه يرى الجن ردت شهادته و عزر لمخالفته قوله تعالى إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَ قَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إلا أن يكون الزاعم نبيا و يحمل قوله على من   ادعى رؤيتهم على ما خلقوا عليه و قول القمولي على ما إذا تصورا صور بني آدم. و المشهور أن جميع الجن من ذرية إبليس و بذلك يستدل على أنه ليس من الملائكة لأن الملائكة لا يتناسلون لأنهم ليس فيهم إناث و قيل الجن جنس و إبليس واحد منهم و لا شك أن لهم ذرية بنص القرآن و من كفر من الجن يقال له شيطان و في الحديث لما أراد الله تعالى أن يخلق لإبليس نسلا و زوجة ألقى عليه الغضب فطارت منه شظية من نار فخلق منه امرأته. و نقل ابن خلكان في تاريخه في ترجمة الشعبي أنه قال إني لقاعد يوما إذ أقبل جمال و معه دن فوضعه ثم جاءني فقال أنت الشعبي قلت نعم قال أخبرني هل لإبليس زوجة فقلت إن ذلك العرس ما شهدته قال ثم ذكرت قوله تعالى أَ فَتَتَّخِذُونَهُ وَ ذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي فقلت إنه لا يكون ذرية إلا من زوجة فقلت نعم فأخذ دنه و انطلق قال فرأيته يختبرني. و روي أن الله تعالى قال لإبليس لا أخلق لآدم ذرية إلا ذرأت لك مثلها فليس أحد من ولد آدم إلا و له شيطان قد قرن به. و قيل إن الشياطين فيهم الذكور و الإناث يتوالدون من ذلك و أما إبليس فإن الله تعالى خلق له في فخذه اليمنى ذكرا و في اليسرى فرجا فهو ينكح هذه بهذا فيخرج له كل يوم عشر بيضات. و ذكر مجاهد أن من ذرية إبليس لاقيس و ولها و هو صاحب الطهارة

    و الصلاة و الهفاف و هو صاحب الصحاري و مرة و به يكنى و زلنبور و هو صاحب الأسواق و يزين اللغو و الحلف الكاذب و مدح السلعة و بثر و هو صاحب المصائب يزين خمش الوجوه و لطم الخدود و شق الجيوب و الأبيض و هو الذي يوسوس للأنبياء و الأعور و هو صاحب الزنا ينفخ في إحليل الرجل و عجز المرأة و داسم و هو الذي إذا دخل الرجل بيته و لم يسلم و لم يذكر اسم الله تعالى دخل معه و وسوس له فألقى الشر بينه و بين أهله فإن أكل و لم يذكر اسم الله تعالى أكل معه فإذا دخل الرجل بيته و لم يسلم و لم يذكر الله و رأى شيئا يكره فليقل داسم داسم أعوذ بالله منه و مطرش و هو صاحب الأخبار يأتي بها فيلقيها في أفواه الناس و لا يكون لها أصل و لا حقيقة و الأقبض و أمهم طرطبة و قال النقاش بل هي حاضنتهم و يقال إنه باض ثلاثين بيضة عشرا في المشرق و عشرا في المغرب و عشرا في وسط الأرض و إنه خرج من كل بيضة جنس من الشياطين كالعفاريت و الغيلان و القطاربة و الجان و أسماء مختلفة كلهم عدو لبني آدم لقوله تعالى أَ فَتَتَّخِذُونَهُ وَ ذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَ هُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ إلا من آمن منهم و كنية إبليس أبو مرة. و اختلف العلماء في أنه من الملائكة من طائفة يقال لهم الجن أم ليس من الملائكة و في أنه اسم عربي أو عجمي فقال ابن عباس و ابن مسعود و ابن   المسيب و قتادة و ابن جريح و الزجاج و ابن الأنباري كان إبليس من الملائكة من طائفة يقال لهم الجن و كان اسمه بالعبرانية عزازيل و بالعربية الحارث و كان من خزان الجنة و كان رئيس ملائكة سماء الدنيا و سلطانها و سلطان الأرض و كان من أشد الملائكة اجتهادا و أكثرهم علما و كان يسوس ما بين السماء و الأرض نعوذ بالله من خذلانه قالوا و قوله تعالى كانَ مِنَ الْجِنِّ أي من طائفة من الملائكة هم الجن. و قال ابن جبير و الحسن لم يكن من الملائكة طرفة عين و إنه لأصل الجن كما أن آدم أصل الإنس. و قال عبد الرحمن بن زيد و شهر بن حوشب و إنما كان من الجن الذين ظفر بهم الملائكة فأسره بعضهم و ذهب به إلى السماء. و قال أكثر أهل اللغة و التفسير إنما سمي إبليس لأنه أبلس من رحمة الله و الصحيح كما قاله الإمام النووي و غيره من الأئمة الأعلام أنه من الملائكة و أنه اسم أعجمي و الاستثناء متصل لأنه لم يقل إن غيرهم أمر بالسجود و الأصل في الاستثناء أن يكون من جنس المستثنى منه. و قال القاضي عياض الأكثر على أنه أبو الجن كما أن آدم أبو البشر و الاستثناء من غير الجنس شائع في كلام العرب قال تعالى ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ

    و الصحيح المختار على ما سبق عن النووي و من وافقه و عن محمد بن كعب القرظي أنه قال الجن مؤمنون و الشياطين كفار و أصلهم واحد و سئل وهب بن منبه عن الجن ما هم و هل يأكلون و يشربون و يتناكحون فقال هم أجناس فأما الصميم الخالص من الجن فإنهم ريح لا يأكلون و لا يشربون و لا يموتون في الدنيا و لا يتوالدون و لهم أجناس يأكلون و يشربون و يتناكحون و هم السعالى و الغيلاب و القطارب و أشباه ذلك. و قال القرافي اتفق الناس على تكفير إبليس بقصته مع آدم ع و ليس مدرك الكفر فيها الامتناع من السجود و إلا لكان كل من أمر بالسجود فامتنع منه كافرا و ليس كذلك و لا كان كفره لكونه حسد آدم على منزلته من الله تعالى و إلا لكان كل حاسد كافرا و ليس كذلك و لا كان كفره لعصيانه و فسوقه و إلا لكان كل عاص و فاسق كافرا و قد أشكل ذلك على جماعة من الفقهاء فضلا عن غيرهم و ينبغي أن يعلم أنه إنما كفر لنسبة الحق جل جلاله إلى الجور و التصرف الذي ليس بمرضي و أظهر ذلك من فحوى قوله أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ و مراده على ما قاله الأئمة المحققون من المفسرين و غيرهم أن إلزام العظيم الجليل بالسجود للحقير من الجور و الظلم فهذا وجه كفره لعنه الله و قد أجمع المسلمون قاطبة على أن من نسب ذلك للحق تعالى و تنزه كافر. و اختلفوا هل كان قبل إبليس كافر أو لا فقيل لا و إنه أول من كفر قيل كان قبله قوم كفار و هم الجن الذين كانوا في الأرض انتهى. و قد اختلفوا في كفر إبليس هل كان جهلا أو عنادا على قولين لأهل السنة و لا خلاف أنه كان عالما بالله تعالى قبل كفره فمن قال إنه كفر جهلا قال إنه سلب   العلم الذي كان عنده عند كفره و من قال كفر عنادا قال كفر و معه علمه قال ابن عطية و الكفر مع بقاء العلم مستبعد إلا أنه عندي جائز لا يستحيل مع خذلان الله تعالى لمن يشاء. و ذكر البيهقي في شرح الأسماء الحسنى في قوله تعالى ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ عن عمر بن ذر قال سمعت عمر بن عبد العزيز يقول لو أراد الله تعالى أن لا يعصى لم يخلق إبليس و قد بين ذلك في آية من كتابه و فصلها علمها من علمها و جهلها من جهلها و هي قوله تعالى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ ثم

 روي من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي ص قال لأبي بكر يا أبا بكر لو أراد الله أن لا يعصى ما خلق إبليس

انتهى. و قال رجل للحسن يا أبا سعيد أ ينام إبليس فقال لو نام لوجدنا راحة و لا خلاص للمؤمن منه إلا بتقوى الله تعالى. و قال في الإحياء من غفل عن ذكر الله تعالى و لو لحظة ليس له قرين في تلك اللحظة إلا الشيطان قال تعالى وَ مَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ. و اختلفوا هل بعث الله إليهم من الجن رسلا قبل بعثة نبينا محمد فقال الضحاك كان منهم رسل لظاهر قوله تعالى يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ أَ لَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ. و قال المحققون لم يرسل إليهم منهم رسول و لم يكن ذلك في الجن قط و إنما الرسل من الإنس خاصة و هذا هو الصحيح المشهور أما الجن ففيهم النذر و أما الآية فمعناها   من أحد الفريقين كقوله تعالى يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجانُ و إنما يخرجان من المالح دون العذب. و قال منذر بن سعيد البلوطي قال ابن مسعود إن الذين لقوا النبي ص من الجن كانوا رسلا إلى قومهم و قال مجاهد النذر من الجن و الرسل من الإنس و لا شك أن الجن مكلفون في الأمم الماضية كما هم مكلفون في هذه الأمة لقوله تعالى أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ و قوله تعالى وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ قيل المراد مؤمنو الفريقين فما خلق أهل الطاعة منهم إلا لعبادته و لا خلق الأشقياء إلا للشقاوة و لا مانع من إطلاق العام و إرادة الخاص و قيل معناه إلا لأمرهم بعبادتي و أدعوهم إليها و قيل إلا ليوحدوني. فإن قيل لم اقتصر على الفريقين و لم يذكر الملائكة فالجواب أن ذلك لكثرة من كفر من الفريقين بخلاف الملائكة فإن الله تعالى عصمهم كما تقدم. فإن قيل لم قدم الجن على الإنس في هذه الآية فالجواب أن لفظ الإنس أخف لمكان النون الخفيفة و السين المهموسة و كان الأثقل أولى بأول الكلام من الأخف لنشاط المتكلم و راحته. فرع كان الشيخ عماد الدين يونس يجعل من موانع النكاح اختلاف الجنس و يقول لا يجوز للإنسي أن يتزوج جنية لقوله تعالى أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَ جَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَ رَحْمَةً فالمودة الجماع و الرحمة الولد   و نص على منعه جماعة من الحنابلة و في الفتاوي السراجية لا يجوز ذلك لاختلاف الجنس و في القنية سئل البصري عنه فقال يجوز بحضرة شاهدين و في مسائل ابن حرب عن الحسن و قتادة أنهما كرها ذلك ثم روي بسند فيه ابن لهيعة أن النبي ص نهى عن نكاح الجن و عن زيد العمى أنه كان يقول اللهم ارزقني جنية أتزوج بها تصاحبني حيثما كانت. و ذكر ابن عدي في ترجمة نعيم بن سالم بن قنبر مولى علي بن أبي طالب ع عن الطحاوي قال حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال قدم علينا نعيم بن سالم مصر فسمعته يقول تزوجت امرأة من الجن و لم أعد إلى ذلك.

 و روي في ترجمة سعيد بن بشير عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة قال قال رسول الله ص أحد أبوي بلقيس كان جنيا

قال الشيخ نجم الدين القمولي و في المنع عن التزويج نظر لأن التكليف يعم الفريقين قال و قد رأيت شيخا كبيرا صالحا أخبرني أنه تزوج جنية انتهى. قلت و قد رأيت أنا رجلا من أهل القرآن و العلم تزوج أربعا من الجن واحدة بعد واحدة لكن يبقى النظر في حكم طلاقها و لعانها و الإيلاء منها و عدتها و نفقتها و كسوتها و الجمع بينها و بين أربع سواها و ما يتعلق بذلك و كل ذلك فيه نظر لا يخفى. قال شيخ الإسلام شمس الدين الذهبي رأيت بخط الشيخ فتح الدين اليعمري يقول و حدثني عنه عثمان المقاتلي قال سمعت أبا الفتح القشيري يقول سمعت الشيخ عز الدين عبد السلام يقول و قد سئل عن ابن عربي فقال شيخ سوء كذاب   فقال و كذاب أيضا قال نعم تذاكرنا يوما نكاح الجن فقال الجن روح لطيف و الإنس جسم كثيف فكيف يجتمعان ثم غاب عنا مدة و جاء و في رأسه شجة فقيل له في ذلك فقال تزوجت امرأة من الجن فحصل بيني و بينها شي‏ء فشجني هذه الشجة قال الإمام الذهبي بعد ذلك و ما أظن عن ابن عربي تعمد هذه الكذبة و إنما هي من خرافات الرياضة. فرع روى أبو عبيد في كتاب الأموال و البيهقي عن الزهري عن النبي أنه نهى عن ذبائح الجن و ذبائح الجن هو أن يشتري الرجل الدار و يستخرج العين و ما أشبه ذلك فيذبح لها ذبيحة للطيرة و كانوا في الجاهلية يقولون إذا فعل الرجل ذلك لا يضر أهلها الجن فأبطل ص ذلك و نهى عنه. و قال الدميري لا تدخل الجن بيتا فيه أترج قال

 و روي أن النبي ص قال إن الجن لا يدخلون دارا فيه فرس عتيق

و أقول قال السعلاة أخبث الغيلان و كذلك السعلاء يمد و يقصر و الجمع السعالى. قال الجاحظ كان عمرو بن يربوع متولدا من السعلاة و الإنسان قال و ذكروا أن جرهما كان من نتاج الملائكة و بنات آدم قال و كان الملائكة إذا عصى ربه أهبط إلى الأرض في صورة رجل كما صنع بهاروت و ماروت فولدت منهما جرهما. قال و من هذا الضرب كانت بلقيس ملكة سبإ و كذلك كان ذو القرنين كانت أمه آدمية و أبوه من الملائكة و لذلك لما سمع عمر رجلا ينادي رجلا يا ذا القرنين قال أ فرغتم من أسماء الأنبياء فارتفعتم إلى أسماء الملائكة انتهى. و الحق في ذلك أن الملائكة معصومون من الصغائر و الكبائر كالأنبياء ع كما   قاله القاضي عياض و غيره و ما ذكروه من أمر جرهم و ذي القرنين و بلقيس فممنوع و استدلالهم بقصة هاروت و ماروت ليس بشي‏ء فإنها لم تثبت على الوجه الذي أرادوه بل قال ابن عباس هما رجلان ساحران كانا ببابل. و قال الجاحظ و زعموا أن التناكح و التلاقح قد يقع بين الجن و الإنس لقوله تعالى وَ شارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ و هذا ظاهر و ذلك أن الجنية إنما تصرع رجال الإنس على جهة العشق في طلب السفاد و كذلك رجال الجن لنساء الإنس و لو لا ذلك لعرض الرجال للرجال و النساء للنساء قال تعالى لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَ لا جَانٌّ فلو لا كان الجان تقتض الآدميات و لم يكن ذلك في تركيبه لما قال الله تعالى هذا القول و ذكروا أن الواق واق نتاج ما بين بعض النباتات و بعض الحيوان. و قال السهيلي السعلاة ما يتراءى للناس بالنهار و الغول الذي يتراءى بالليل. و قال القزويني السعلاة نوع من المتشيطنة مغاير للغول و أكثر ما توجد السعلاة في الغياض إذا ظفرت بإنسان ترقصه و تلعب به كما يلعب القط بالفأر و قال و ربما اصطادها الذئب بالليل فأكلها فإذا افترسها ترفع صوتها و تقول أدركوني فإن الذئب قد أكلني و ربما تقول من يخلصني و معي ألف دينار يأخذها و الناس يعرفون أنه كلام السعلاة فلا يخلصها أحد فيأكلها الذئب.   و قال الدميري أيضا الغول واحد الغيلان و هو جنس من الجن و الشياطين و هم سحرتهم قال الجوهري هو من السعالى و الجمع أغوال و غيلان و كل من اغتال الإنسان فأهلكه فهو غول و التغول التلون.

 و روى الطبراني و غيره عن أبي هريرة أن النبي ص قال إذا تغولت لكم الغيلان فنادوا بالأذان فإن الشيطان إذا سمع النداء أدبر و له حصاص أي ضراط

قال النووي في الأذكار إنه حديث صحيح أرشد ص إلى دفع ضررها بذكر الله.

 و رواه النسائي في آخر سننه الكبرى عن جابر بن عبد الله أن النبي ص قال عليكم بالدلجة فإن الأرض تطوى بالليل فإذا تغولت لكم الغيلان فنادوا بالأذان

قال النووي و كذلك ينبغي أن يؤذن أذان الصلاة إذا عرض للإنسان شيطان لما روى مسلم عن سهل بن أبي صالح أنه قال أرسلني أبي إلى بني حارثة و معي غلام لنا أو صاحب لنا فناداه مناد من حائط باسمه فأشرف الذي معي على الحائط فلم ير شيئا فذكرت ذلك لأبي فقال لو شعرت أنك تلقى هذا لم أرسلك و لكن إذا سمعت صوتا فناد بالصلاة فإني

 سمعت أبا هريرة يحدث عن رسول الله ص أنه قال إن الشيطان إذا نودي بالصلاة أدبر

 و روى مسلم عن جابر أن النبي ص قال لا عدوى و لا طيرة و لا غول

قال جمهور العلماء كانت العرب تزعم أن الغيلان في الفلوات و هي جنس من الشياطين تتراءى للناس و تتغول تغولا أي تتلون تلونا فتضلهم عن الطريق و تهلكهم فأبطل النبي ص ذلك و قال آخرون ليس المراد بالحديث نفي وجود الغول و إنما معناه إبطال ما تزعم العرب من تلون الغول بالصور المختلفة قالوا و معنى لا غول أي لا تستطيع أن تضل أحدا و يشهد له حديث آخر   لا غول و لكن السعالى قال العلماء السعالى بالسين المفتوحة و العين المهملة من سحرة الجن و منه ما

 روى الترمذي و الحاكم عن أبي أيوب الأنصاري أنه قال كانت لي سهوة فيها تمر فكانت تجي‏ء الغول كهيئة السنور فتأخذ منه فشكونا ذلك إلى النبي ص فقال اذهب فإذا رأيتها فقل بسم الله أجيبي رسول الله فأخذتها فحلفت أن لا تعود فأرسلها ثم جاء إلى رسول الله ص فقال ما فعل أسيرك قال حلفت أن لا تعود قال ص كذبت و هي معاودة للكذب فأخذها و قال ما أنا بتاركك حتى أذهب بك إلى رسول الله ص فقالت إني ذاكرة لك شيئا آية الكرسي اقرأها في بيتك فلا يقربك شيطان و لا غيره فجاء إلى رسول الله ص فقال ما فعل أسيرك فأخبره بما قال قال ص صدقك و هو كذوب

قال الترمذي هذا حديث حسن غريب و هذا روى مثله البخاري عن أبي هريرة و في آخره تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة قال لا قال ص ذاك الشيطان. و روى الحاكم و ابن حبان عن أبي بن كعب أنه كان له جرين تمر و كان يجده ينقص فحرسه ليلة فإذا هو بمثل الغلام المحتلم قال فسلمت فرد علي السلام فقلت ما أنت ناولني يدك فإذا يد كلب و شعر كلب فقلت أ جني أم إنسي فقال بل جني قلت إني أراك ضئيل الخلقة أ هكذا خلق الجن قال لقد علمت الجن   أن ما فيهم أشد مني فقلت ما يحملك على ما صنعت قال بلغني أنك رجل تحب الصدقة فأحببت أن أصيب من طعامك فقلت فما يجيرنا منكم قال تقرأ آية الكرسي فإنك إن قرأتها غدوة أجرت منا حتى تمسي و إن قرأتها حين تمسي أجرت منا حتى تصبح قال فغدوت إلى رسول الله ص فأخبرته فقال صدق الخبيث. و تزعم العرب أنه إذا انفرد الرجل في الصحراء ظهرت له في خلقة إنسان فلا يزال يتبعها حتى تضله عن الطريق و تدنو له و تتمثل له في صور مختلفة فتهلكه روعا و قالوا إذا أرادت أن تضل إنسانا أوقدت له نارا فيقصدها فيفعل ذلك قالوا و خلقتها خلقة إنسان و رجلاها رجلا حمار. و قال القزويني و رأى الغول جماعة من الصحابة منهم عمر حين سافر إلى الشام قبل الإسلام فضربها بالسيف و ذكر عن ثابت بن جابر الفهري أنه رأى الغول و ذكر أبياته النونية في ذلك. و قال الدميري أيضا قطرب طائر يجول الليل كله لا ينام و قال ابن سيدة إنه الذكر من السعالى و قيل هم صغار الجن و قيل القطارب صغائر الكلاب واحدها قطرب دويبة لا تستريح نهارها سعيا و قال محمد بن ظفر القطرب حيوان يكون بالصعيد في أرض مصر يظهر للمنفرد من الناس فربما صده عن نفسه إذا كان شجاعا و إلا لم ينته حتى ينكحه فإذا نكحه هلك و هم إذا رأوا من ظهر له القطرب قالوا أ منكوح أم مروع فإن قال منكوح يئسوا منه و إن قال مروع عالجوه قال و قد رأيت أهل مصر يلهجون بذكره انتهى ما أخرجته من كتاب   حياة الحيوان. و لنبين بعض ما ربما يحتاج إلى البيان الحشاش مثلثة حشرات الأرض و في النهاية مستطير أي منتشر متفرق كأنه طائر في نواحيها و منه حديث ابن مسعود فقدنا رسول الله ليلة فقلنا اغتيل استطير أي ذهب به بسرعة كأن الطير حملته أو اغتاله أحد و الاستطارة و التطاير التفرق و الذهاب و الاغتيال أن يخدع فيقتل في موضع لا يراه فيه أحد قوله أوفر ما كان قال الآبي الأظهر أنه مما يبقى عليه بعد الأكل و يحتمل أنه تعالى يخلق ذلك عليها و النظر في أنه هل يستحب أن لا يستقصى العظام بتقشير ما عليها و هل يثاب مثله له و الأظهر أن انتفاعهم إنما هو بالشم لأنه لا يبقى عليه ما يقولون إلا أن يكونوا في القوت بخلاف الإنس انتهى. و في النهاية في صفة الجن فإذا نحن برجال طوال كأنهم الرماح مستثفرين ثيابهم هو أن يدخل الرجل ثوبه بين رجليه كما يفعل الكلب بذنبه. و قال العرج بفتح العين و سكون الراء قرية جامعة من أعمال الفرع على أيام من المدينة و قال اللغط صوت و ضجة لا يفهم معناه و قال الجلس كل مرتفع من الأرض و الغور ما انخفض من الأرض. و قال فيه ذكر عكاظ و هي موضع بقرب مكة كانت تقام به في الجاهلية سوق يقيمون فيها أياما. و قال في حديث عمر إنه سأل رجلا استهوته الجن فقال ما كان طعامهم قال الفول و ما لم يذكر اسم الله عليه قال فما كان شرابهم قال الجذف الفول هو الباقلى و الجذف بالتحريك نبات يكون باليمن لا يحتاج آكله معه إلى شرب ماء و قيل هو كل ما لا يغطى من الشراب و غيره قال القتيبي أصله من الجذف القطع أراد ما يرمى به عن الشراب من زبد أو رغوة أو قذى كأنه قطع من الشراب فرمي به هكذا حكاه الهروي عنه و الذي جاء في صحاح الجوهري أن القطع هو الجذف بالذال المعجمة و لم يذكره في الدال المهملة و أثبته الأزهري فيهما.

    و قال تفلت علي أي تعرض في صلاتي فجأة و قال في ذعت فأمكنني الله منه فذعته أي خنقته و الذعت و الدعت بالذال و الدال الدفع العنيف و الذعت أيضا المعك في التراب. و قال و فيه ما من آدمي إلا و معه شيطان قيل و معك قال نعم و لكن الله أعانني عليه فأسلم و في رواية حتى أسلم أي انقاد و كف عن وسوستي و قيل دخل في الإسلام فسلمت من شره و قيل إنما هو فأسلم بضم الميم على أنه فعل مستقبل أي أسلم أنا منه و من شره و يشهد للأول الحديث الآخر كان شيطان آدم كافرا و كان شيطاني مسلما انتهى. و أقول قصة سعد مما افتري على الجن و إنما قتله من بعثه عمر ليقتله كما ذكرناه في كتاب الفتن مفصلا. و في النهاية يقال صبأ فلان إذا خرج من دين إلى دين غيره و كانت العرب تسمي النبي ص الصابئ لأنه خرج من دين قريش إلى دين الإسلام و يسمون المسلمين الصباة بغير همز. و قال لهث الكلب و غيره يلهث لهثا إذا أخرج لسانه من شدة العطش و الحر و قال الفهر الحجر مل‏ء الكف و قيل هو الحجر مطلقا. و في القاموس الغريف صوت الجن و هو جرس يسمع في المفاوز بالليل و كشداد رمل لبني سعد أو جبل بالدهناء على اثني عشر ميلا من المدينة سمي به لأنه كان يسمع به غريف الجن و أبرق الغراف ماء لبني أسد و قال القعدة بالضم من الإبل ما يقتعده الراعي في كل حاجة و اقتعده اتخذه قعدة. و في النهاية قال للجني إني أراك ضئيلا شخيتا الضئيل النحيف الدقيق و الشخت و الشخيت النحيف الجسم الدقيق. و قال إني منهم لضليع أي عظيم الخلق و قيل هو العظيم الصدر الواسع الجبينين و قال الشظية الفلقة من العصا و نحوها و قال الفيروزآبادي القط بالكسر السنور.   و قال في النهاية الحصاص شدة العدو و حدته و قيل هو أن يمصع بذنبه و يصر بأذنيه و يعدو و قيل هو الضراط و قال السهوة بيت صغير منحدر في الأرض قليلا شبيه بالمخدع و الخزانة و قيل هو كالصفة يكون بين يدي البيت و قيل شبيه بالرف و الطاق يوضع فيه شي‏ء و قال الجرين هو موضع تجويف التمر و هو له كالبيدر للحنطة. و قال الرازي في مفتتح تفسيره في تحقيق الاستعاذة من الشيطان و في بيان المستعاذ منه قال و فيه مسائل المسألة الأولى اختلف الناس في وجود الجن و الشياطين فمن الناس من ينكر الجن و الشياطين و اعلم أنه لا بد من البحث أولا عن ماهية الجن و الشياطين فنقول أطبق الكل على أنه ليس الجن و الشياطين عبارة عن أشخاص جسمانية كثيفة تجي‏ء و تذهب مثل الناس و البهائم بل القول المحصل فيه قولان الأول أنها أجسام هوائية قادرة على التشكل بأشكال مختلفة و لها عقول و أفهام و قدرة على أعمال صعبة شاقة. و القول الثاني أن كثيرا من الناس أثبتوا أنها موجودات غير متحيزة و لا حاله في المتحيز و زعموا أنها موجودات مجردة عن الجسمية ثم إن هذه الموجودات قد تكون عالية مقدسة عن تدبير الأجسام بالكلية و هي الملائكة المقربون كما قال تعالى وَ مَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَ لا يَسْتَحْسِرُونَ و تليها مرتبة الأرواح المتعلقة بتدبير الأجسام و أشرفها حملة العرش كما قال تعالى وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ. و المرتبة الثانية الحافون حول العرش كما قال تعالى وَ تَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ.

    و المرتبة الثالثة ملائكة الكرسي. و المرتبة الرابعة ملائكة السماوات طبقة فطبقة. و المرتبة الخامسة ملائكة كرة الأثير. و المرتبة السادسة ملائكة كرة الهواء الذي هو في طبع النسيم. و المرتبة السابعة ملائكة كرة الزمهرير. و المرتبة الثامنة مرتبة الأرواح المتعلقة بالبحار. و المرتبة التاسعة مرتبة الأرواح المتعلقة بالجبال. و المرتبة العاشرة مرتبة الأرواح السفلية المتصرفة في هذه الأجسام النباتية و الحيوانية الموجودة في هذا العالم. و اعلم أنه على كلا القولين فهذه الأرواح قد تكون مشرقة إلهية خيرة سعيدة و هي المسماة بالصالحين من الجن و قد تكون كدرة سفلية شريرة شقية و هي المسماة بالشياطين. و احتج المنكرون لوجود الجن و الشياطين بوجوه. الحجة الأولى أن الشيطان لو كان موجودا لكان إما أن يكون جسما لطيفا أو كثيفا و القسمان باطلان فيبطل القول بوجوده و إنما قلنا إنه يمتنع أن يكون كثيفا لأنه لو كان كذلك لوجب أن يراه كل من كان سليم الحس إذ لو جاز أن يكون بحضرتنا أجسام كثيفة و نحن لا نراها لجاز أن تكون بحضرتنا جبال عالية و شموس مضيئة و رعود و بروق مع أنا لا نشاهد شيئا منها و من جوز ذلك كان خارجا عن العقل. و إنما قلنا إنه لا يجوز كونها أجساما لطيفة لأنه لو كان كذلك لوجب أن يتمزق و يتفرق عند هبوب الرياح العاصفة القوية و أيضا يلزم أن لا يكون لها قدرة و قوة على الأعمال الشاقة و مثبتو الجن ينسبون إليها الأعمال الشاقة و لما   بطل القسمان ثبت فساد القول بالجن. و الحجة الثانية أن هذه الأشخاص المسماة بالجن إذا كانوا حاضرين في هذا العالم و مخالطين للبشر فالظاهر الغالب أن يحصل لهم بسبب طول المخالطة و المصاحبة إما صداقة و إما عداوة فإن حصلت الصداقة وجب ظهور المنافع بسبب تلك الصداقة و إن حصلت العداوة وجب ظهور المضار بسبب تلك العداوة إلا أنا لا نرى أثرا لا من تلك الصداقة و لا من تلك العداوة و هؤلاء الذين يمارسون صنعة التعزيم إذا تابوا من الأكاذيب يعترفون بأنهم قط ما شاهدوا أثرا من هذا الجن و ذلك مما يغلب على الظن عدم هذه الأشياء و سمعت ممن تاب عن هذه الصنعة قال إني واظبت على العزيمة الفلانية كذا من الأيام و ما تركت دقيقة من الدقائق إلا أتيت بها ثم إني ما شاهدت من تلك الأحوال المذكورة أثرا و لا خبرا. الحجة الثالثة أن الطريق إلى معرفة هذه الأشياء إما الحس و إما الخبر و إما الدليل أما الحس فلم يدل دليل على وجود هذه الأشياء فإذا كنا لا نرى صورة و لا سمعنا صوتا فكيف يمكننا أن ندعي الإحساس بها و الذين يقولون إنا أبصرناها أو سمعنا أصواتها فهم طائفتان المجانين الذين يتخيلون أشياء بسبب خلل أمزجتهم فيظنون أنهم رأوها و الكاذبون المنحرفون. و أما إثبات هذه الأشياء بواسطة إخبار الأنبياء و الرسل ع فباطل لأن هذه الأشياء لو ثبتت لبطلت نبوة الأنبياء فإن على تقدير ثبوتها يجوز أن يقال إن كل ما تأتي به الأنبياء من المعجزات إنما حصل بإعانة الجن و الشياطين و كل فرع أدى إلى إبطال الأصل كان باطلا مثاله إذا جوزنا نفوذ الجن في بواطن الإنسان فلم لا يجوز أن يقال إن حنين الجذع إنما كان لأجل أن الشيطان نفذ في ذلك الجذع ثم أظهر الحنين و لم لا يجوز أن يقال إن الناقة إنما تكلمت مع الرسول ص لأجل أن الشيطان دخل في بطنها و تكلم و لم لا يجوز أن يقال إن الشجرة إنما انقلعت من

    أصلها لأن الشيطان اقتلعها فثبت أن القول بإثبات الجن و الشياطين يوجب القول ببطلان نبوة الأنبياء ع و أما إثبات هذه الأشياء بواسطة الدليل و النظر فهو متعذر لأنا لا نعرف دليلا عقليا يدل على وجود الجن و الشياطين فثبت أنه لا سبيل لنا إلى العلم بوجود هذه الأشياء فوجب أن يكون القول بوجود هذه الأشياء باطلا فهذا جملة شبه منكري الجن و الشياطين. و الجواب عن الأول بأنا نقول إن الشبهة التي ذكرتم تدل على أنه يمتنع كون الجن جسما فلم لا يجوز أن يقال إنه جوهر مجرد عن الجسمية و اعلم أن القائلين بهذا القول فرق الأولى الذين قالوا النفوس الناطقة البشرية المفارقة للأبدان قد تكون خيرة و قد تكون شريرة فإن كانت خيرة فهي الملائكة الأرضية و إن كانت شريرة فهي الشياطين الأرضية ثم إذا حدث بدن شديد المشابهة ببدن تلك النفس المفارقة و تعلق بذلك البدن نفس شديدة المتشابهة لتلك النفس المفارقة فحينئذ يحدث لتلك النفس المفارقة ضرب تعلق بهذا البدن الحادث و تصير تلك النفس المفارقة معاونة لهذه النفس المتعلقة بهذا البدن على الأعمال اللائقة بها فإن كانت النفسان من النفوس الطاهرة المشرقة الخيرة كانت تلك المعاونة و المعاضدة إلهاما و إن كانتا من النفوس الخبيثة الشريرة كانت تلك المعاونة و المناصرة وسوسة فهذا هو الكلام في الإلهام و الوسوسة على قول هؤلاء. الفريق الثاني الذين قالوا الجن و الشياطين جواهر مجردة عن الجسمية و علائقها و جنسها مخالف لجنس النفوس الناطقة البشرية ثم إن ذلك الجنس يندرج فيه أنواع أيضا فإن كانت طاهرة نورانية فهي الملائكة الأرضية و هم المسمون بصالحي الجن و إن كانت خبيثة شريرة فهي الشياطين المؤذية إذا عرفت هذا فنقول الجنسية علة الضم فالنفوس البشرية الطاهرة النورانية تنضم إليها تلك الأرواح النورانية الطاهرة و تعينها على أعمالها التي هي من أبواب الخير و البر و التقوى   و النفوس البشرية الخبيثة الكدرة تنضم إليها تلك الأرواح الخبيثة الشريرة و تعينها على أعمالها التي هي من باب الشر و الإثم و العدوان. الفريق الثالث و هم الذين ينكرون وجود الأرواح السفلية و لكنهم أثبتوا الأرواح المجردة الفلكية و زعموا أن تلك الأرواح أرواح عالية قاهرة قوية و هي مختلفة بجواهرها و ماهياتها فكما أن لكل روح من الأرواح البشرية بدنا معينا فكذلك لكل روح من الأرواح الفلكية بدن معين و هو ذلك الفلك المعين و كما أن الروح البشري يتعلق أولا بالقلب ثم بواسطته يتعدى أثر ذلك الروح إلى كل البدن فكذلك الروح الفلكي يتعلق أولا بالكواكب ثم بواسطة ذلك التعلق يتعدى أثر ذلك الروح إلى كلية ذلك الفلك و إلى كلية ذلك العالم و كما أنه يتولد في القلب و الدماغ أرواح لطيفة و تلك الأرواح تتأدى في الشرايين و الأعصاب إلى أجزاء البدن و تصل بهذا الطريق قوة الحياة و الحس و الحركة إلى كل جزء من أجزاء الأعضاء فكذلك ينبعث من جرم الكواكب خطوطا شعاعية تتصل بجوانب العالم و تتأدى قوة ذلك الكواكب بواسطة تلك الخطوط الشعاعية إلى أجزاء هذا العالم و كما أن بواسطة الأرواح الفائضة من القلب و الدماغ إلى أجزاء البدن يحصل في كل جزء من أجزاء ذلك البدن قوى مختلفة و هي الغاذية و النامية و المولدة و الحساسة فتكون هذه القوى كالنتائج و الأولاد لجوهر النفس المدبرة لكلية البدن فكذلك بواسطة الخطوط الشعاعية المنبثة من الكواكب الواصلة إلى أجزاء هذا العالم تحدث في تلك الأجزاء نفوس مخصوصة مثل نفس زيد و نفس عمرو و هذه النفوس كالأولاد لتلك النفوس الفلكية و لما كانت النفوس الفلكية مختلفة في جواهرها و ماهياتها فكذلك النفوس المتولدة من نفس فلك زحل مثلا طائفة و النفوس المتولدة من نفس فلك المشتري طائفة

    أخرى فتكون النفوس المنتسبة إلى روح زحل متجانسة متشاركة و يحصل بينها مودة و محبة و تكون النفوس المنتسبة إلى روح زحل مخالفة بالطبع و الماهية للنفوس المنتسبة إلى روح المشتري و إذا عرفت هذا فنقول قالوا إن العلة تكون أقوى من المعلول فلكل طائفة من النفوس البشرية طبيعة خاصة و هي تكون معلولة لروح من تلك الأرواح الفلكية و تلك الطبيعة تكون في الروح الفلكي أقوى و أعلى بكثير منها في هذه الأرواح البشرية و تلك الروح الفلكية بالنسبة إلى تلك الطائفة من الأرواح البشرية كالأب المشفق و السلطان الرحيم فلهذا السبب تلك الأرواح الفلكية تعين أولادها على صلاحها و تهديها تارة في النوم على سبيل الرؤيا و الأخرى في اليقظة على سبيل الإلهام. ثم إذا اتفق لبعض هذه النفوس البشرية قوة قوية من جنس تلك الخاصية و قوي اتصاله بالروح الفلكي الذي هو أصله و معدنه ظهرت عليه أفعال عجيبة و أعمال خارقة للعادات فهذا تفصيل مذاهب من يثبت الجن و الشياطين و يزعم أنها موجودات ليست أجساما و لا جسما. و اعلم أن قوما من الفلاسفة طعنوا في هذا المذهب و زعموا أن المجرد يمتنع عليه إدراك الجزئيات و المجردات يمتنع كونها فاعلة للأفعال الجزئية. و اعلم أن هذا باطل لوجهين الأول أنه يمكننا أن نحكم على هذا الشخص المعين بأنه إنسان و ليس بفرس و القاضي على الشيئين لا بد و أن يحضره المقضي عليهما فهاهنا شي‏ء واحد هو مدرك للكلي و هو النفس فيلزم أن يكون المدرك للجزئي هو النفس.   الثاني هب أن النفس المجردة لا تقوى على إدراك الجزئيات ابتداء لكن لا نزاع أنه يمكنها أن تدرك الجزئيات بواسطة الآلات الجسمانية فلم لا يجوز أن يقال إن تلك الجواهر المجردة المسماة بالجن و الشياطين لها آلات جسمانية من كرة الأثير أو من كرة الزمهرير ثم إنها بواسطة تلك الآلات الجسمانية تقوى على إدراك الجزئيات و على التصرف في هذه الأبدان فهذا تمام الكلام في شرح هذا المذهب. و أما الذين زعموا أن الجن أجسام هوائية أو نارية فقالوا الأجسام متساوية في الحجمية و المقدار و هذان المعنيان أعراض فالأجسام متساوية في قبول هذه الأعراض و الأشياء المختلفة في الماهية لا يمتنع اشتراكها في بعض اللوازم فلم لا يجوز أن يقال إن الأجسام مختلفة بحسب ذواتها المخصوصة و ماهياتها المعينة و إن كانت مشتركة في قبول الحجمية و المقدار و إذا ثبت هذا فنقول لم لا يجوز أن يقال أحد أنواع الأجسام أجسام لطيفة نفاذة حية لذواتها عاقلة لذواتها قادرة على الأعمال الشاقة لذواتها و هي غير قابلة للتفرق و التمزق و إذا كان الأمر كذلك فتلك الأجسام تكون قادرة على تشكيل أنفسها بأشكال مختلفة ثم إن الرياح العاصفة لا تمزقها و الأجسام الكثيفة لا تفرقها أ ليس أن الفلاسفة قالوا إن النار التي تنفصل عن الصواعق تنفذ في اللحظة اللطيفة في بواطن الأحجار و الحديد و تخرج من الجانب الآخر فلم لا يعقل مثله في هذه الصورة و على هذا التقدير فإن الجن تكون قادرة على النفوذ في بواطن الناس و على التصرف فيها و إنها تبقى حية فعالة مصونة عن الفساد إلى الأجل المعين و الوقت المعلوم فكل هذه الأحوال احتمالات ظاهرة و الدليل لم يقم على إبطالها فلم يجز المصير إلى القول بإبطالها. و الجواب عن الشبهة الثانية أنه لا يجب حصول تلك الصداقة و العداوة مع كل واحد و كل واحد لا يعرف إلا حال نفسه أما حال غيره فإنه لا يعلمها فبقي هذا الأمر في حيز الاحتمال.

    فأما الجواب عن الشبهة الثالثة فهو أنا نقول لا نسلم أن القول بوجود الجن و الملائكة يوجب الطعن في نبوة الأنبياء ع و سيظهر الجواب عن الشبهة التي ذكرتموها فيما بعد ذلك فهذا آخر الكلام في الجواب عن هذه الشبهات. المسألة الثانية اعلم أن القرآن و الأخبار يدلان على وجود الجن و الشياطين أما القرآن فآيات الآية الأولى قوله تعالى وَ إِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَ إِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ و هذا نص على وجودهم و على أنهم سمعوا القرآن و على أنهم أنذروا قومهم. و الآية الثانية قوله تعالى وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ. و الآية الثالثة قوله تعالى في قصة سليمان يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَ تَماثِيلَ وَ جِفانٍ كَالْجَوابِ وَ قُدُورٍ راسِياتٍ. و قال تعالى وَ الشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَ غَوَّاصٍ وَ آخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ. و قال تعالى وَ لِسُلَيْمانَ الرِّيحَ إلى قوله تعالى وَ مِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ. و الآية الرابعة قوله تعالى يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ   أَقْطارِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ. و الآية الخامسة قوله تعالى إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ وَ حِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ. و أما الأخبار فكثيرة الخبر الأول

 روى مالك في الموطإ عن صيفي بن أفلح عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة أنه دخل على أبي سعيد الخدري قال فوجدته يصلي فجلست أنتظره حتى يقضي صلاته قال فسمعت تحريكا تحت سريره في بيته فإذا هي حية نفرت فهممت أن أقتلها فأشار أبو سعيد أن أجلس فجلست أنتظره حتى يقضي صلاته فلما انصرف من صلاته أشار إلى بيت في الدار فقال ترى هذا البيت قلت نعم قال إنه كان فيه فتى من الأنصار حديث عهد بعرس و ساق الحديث إلى أن قال فرأى امرأته واقفة بين البابين فهيأ الرمح ليطعنها بسبب الغيرة فقالت امرأته ادخل بيتك لترى فدخل بيته فإذا هو بحية على فراشها فركز فيها رمحه فاضطربت الحية في رأس الرمح و خر الفتى فما يدرى أيهما كان أسرع موتا الفتى أم الحية فسألنا رسول الله ص فقال إن بالمدينة جنيا قد أسلموا فمن بدا لكم منهم فأذنوا ثلاثة أيام فإن عاد فاقتلوه فإنه شيطان

   و الخبر الثاني روى مالك في الموطإ عن يحيى بن سعيد قال لما أسري بالنبي ص رأى عفريتا من الجن يطلبه بشعلة من النار كلما التفت رآه فقال جبرئيل ع أ لا أعلمك كلمات إذا قلتهن طفيت شعلته و صرفته قل أعوذ بوجه الله الكريم و بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر و لا فاجر من شر ما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ و من شر ما يَعْرُجُ فِيها و من شر ما ينزل إلى الأرض و من شر ما يَخْرُجُ مِنْها و من شر فتن الليل و النهار و من شر طوارق الليل و النهار إلا طارقا يطرق بخير يا رحمان. و الخبر الثالث روى أيضا مالك في الموطإ أن كعب الأحبار كان يقول أعوذ بوجه الله العظيم الذي ليس شي‏ء أعظم منه و بكلماته التامات التي لا يجاوزهن بر و لا فاجر و بأسمائه كلها ما قد علمت منها و ما لم أعلم من شر ما خلق و ذرأ و برأ. و الخبر الرابع

 روى أيضا مالك أن خالد بن الوليد قال يا رسول الله إني أروع في منامي فقال له رسول الله ص قل أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه و عقابه و شر عباده و مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ و أَنْ يَحْضُرُونِ

و الخبر الخامس ما اشتهر و بلغ مبلغ التواتر من خروج النبي ص ليلة الجن و قراءته عليهم و دعوته إياهم إلى الإسلام. و الخبر السادس روى القاضي أبو بكر في الهداية أن عيسى ع دعا ربه أن يريه موضع الشيطان من بني آدم فأراه ذلك فإذا رأسه مثل رأس الحية واضع رأسه على قلبه فإذا ذكر الله تعالى خنس و إذا لم يذكره وضع رأسه على حبة قلبه. و الخبر السابع

 قوله ع إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم و قال ما منكم من أحد إلا و له شيطان قيل و لا أنت يا رسول الله قال و لا أنا إلا   أن الله تعالى أعانني عليه فأسلم

و الأحاديث في ذلك كثيرة و القدر الذي ذكرناه كاف. المسألة الثالثة في بيان أن الجن مخلوق من النار و الدليل عليه قوله تعالى وَ الْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ و قال تعالى حاكيا عن إبليس إنه قال خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ و اعلم أن حصول الحياة في النار غير مستبعد أ لا ترى أن الأطباء قالوا إن المتعلق الأول للنفس هو القلب و الروح و هما في غاية السخونة و قال جالينوس إني بقرت مرة بطن قرد و أدخلت يدي في بطنه و أدخلت إصبعي في قلبه فوجدته في غاية السخونة و نقول أطبق الأطباء على أن الحياة لا تحصل إلا بسبب الحرارة الغريزية و قال بعضهم الأغلب على الظن أن كرة النار تكون مملوة من الروحانيات. المسألة الرابعة ذكروا قولين في أنهم لم سموا بالجن. الأول أن لفظ الجن مأخوذ من الاستتار و منه الجنة لاستتار أرضها بالأشجار و منه الجنة لأنها ساترة للإنسان و منه الجن لاستتارهم عن العيون و منه المجنون لاستتار عقله و منه الجنين لاستتاره في البطن و منه قوله تعالى اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً أي وقاية و سترا. و اعلم أن على هذا القول يلزم أن تكون الملائكة من الجن لاستتارهم عن العيون إلا أن يقال إن هذا من باب تقييد المطلق بسبب العرف. و القول الثاني أنهم سموا بهذا الاسم لأنهم كانوا في أول أمرهم خزان الجنة و القول الأول أقوى. المسألة الخامسة اعلم أن طوائف المكلفين أربعة الملائكة و الإنس و الجن و   الشياطين و اختلفوا في الجن و الشياطين فقيل الشياطين جنس و الجن جنس آخر كما أن الإنسان جنس و الفرس جنس آخر و قيل الجن منهم أخيار و منهم أشرار و الشياطين اسم لأشرار الجن. المسألة السادسة المشهور أن الجن لهم قدرة على النفوذ في بواطن البشر و أنكر أكثر المعتزلة ذلك و أما المثبتون فقد احتجوا بوجوه الأول أنه إن كان الجن عبارة عن موجود ليس بجسم و لا جسماني فحينئذ يكون معنى كونه قادرا على النفوذ في باطنه أنه يقدر على التصرف في باطنه و ذلك غير مستعبد و إن كان عبارة عن حيوان هوائي لطيف نفاذ كما وصفناه كان نفاذه في باطن بني آدم غير ممتنع قياسا على النفس و غيره. الثاني قوله تعالى لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ. الثالث

 قوله ع إن الشيطان ليجري من بني آدم مجرى الدم

أما المنكرون فقد احتجوا بأمور الأول قوله تعالى حكاية عن إبليس وَ ما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي صرح بأنه ما كان له على البشر سلطان إلا من الوجه الواحد و هو إلقاء الوسوسة و الدعوة إلى الباطل. و الثاني لا شك أن الأنبياء و العلماء المحققين يدعون الناس إلى لعن الشيطان و البراءة منه فوجب أن تكون العداوة بين الشياطين و بينهم أعظم أنواع العداوة فلو كانوا قادرين على النفوذ في بواطن البشر و على إيصال البلاء و الشر إليهم لوجب أن يكون تضرر الأنبياء و العلماء منهم أشد من تضرر كل أحد و لما لم يكن كذلك علمنا أنه باطل. المسألة السابعة اتفقوا على أن الملائكة لا يأكلون و لا يشربون و لا ينكحون يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ لا يَفْتُرُونَ و أما الجن و الشياطين فإنهم يأكلون و يشربون

 قال   ص في الروث و العظم إنه زاد إخوانكم من الجن

و أيضا فإنهم يتوالدون قال تعالى أَ فَتَتَّخِذُونَهُ وَ ذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي و الله أعلم. المسألة الثامنة في كيفية الوسوسة بناء على ما ورد في الآثار ذكروا أنه يغوص في باطن الإنسان و يضع رأسه على حبة قلبه و يلقي إليه الوسوسة و احتجوا عليه بما

 روي أن النبي ص قال إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم ألا فضيقوا مجاريه بالجوع

 و قال ص لو لا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السماوات و الأرض

و من الناس من قال هذه الأخبار لا بد من تأويلها لأنه يمتنع حملها على ظواهرها و احتج عليه بوجوه الأول أن نفوذ الشياطين في بواطن الناس محال لأنه يلزم إما اتساع تلك المجاري أو تداخل تلك الأجسام. و الثاني ما ذكرنا أن العداوة الشديدة حاصلة بينه و بين أهل الدين فلو قدر على هذا النفوذ فلم لم يخصهم بمزيد الضرر. الثالث أن الشيطان مخلوق من النار فلو دخل في داخل البدن لصار كأنه نفذ النار في داخل البدن و معلوم أنا لا نحس بذلك. الرابع أن الشياطين يحبون المعاصي و أنواع الكفر و الفسق ثم إنا نتضرع بأعظم الوجوه إليهم ليظهروا أنواع الكفر و الفسق فلا نجد منه أثرا و لا فائدة و بالجملة فلا نرى من عداوتهم ضررا و لا نجد من صداقتهم نفعا. و أجاب مثبتو الشياطين عن السؤال الأول بأن على القول بأنها نفوس مجردة فالسؤال زائل و على القول بأنها أجسام لطيفة كالضوء و الهواء فالسؤال أيضا زائل.   و عن الثاني لا يبعد أن يقال إن الله و الملائكة يمنعونهم من إيذاء علماء البشر. و عن الثالث أنه لما جاز أن يقول الله تعالى لنار إبراهيم يا نارُ كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ فلم لا يجوز مثله هاهنا. و عن الرابع أن الشياطين مختارون و لعلهم يفعلون بعض القبائح دون بعض. المسألة التاسعة في تحقيق الكلام في الوسوسة على الوجه الذي قرره الشيخ الغزالي في كتاب الإحياء قال القلب مثل قبة لها أبواب تنصب إليها الأحوال من كل باب أو مثل هدف ترمى إليه السهام من كل جانب أو مثل مرآة منصوبة يجتاز عليها الأشخاص فيتراءى فيها صورة بعد صورة أو مثل حوض ينصب إليه مياه مختلفة من أنهار مفتوحة و اعلم أن مداخل هذه الآثار المجددة في القلب ساعة فساعة إما من الظاهر كالحواس الخمس و إما من الباطن كالخيال و الشهوة و الغضب و الأخلاق المركبة في مزاج الإنسان فإنه إذا أدرك بالحواس شيئا حصل منه أثر في القلب و كذا إذا هاجت الشهوة أو الغضب حصل من تلك الأحوال آثار في القلب و أما إذا منع الإنسان عن الإدراكات الظاهرة فالخيالات الحاصلة في النفس تبقى و ينتقل الخيال من الشي‏ء إلى الشي‏ء و بحسب انتقال الخيال ينتقل القلب من حال إلى حال فالقلب دائما في التغير و التأثر من هذه الأسباب و أخص الآثار الحاصلة في القلب هي الخواطر و أعني بالخواطر ما يعرض فيه من الأفكار و الأذكار و أعني بهذا إدراكات و علوما إما على سبيل التجدد و إما على سبيل التذكر فإنما تسمى خواطر من حيث إنها تخطر بالخيال بعد أن   كان القلب غافلا عنها فالخواطر هي المحركات للإرادات و الإرادات محركة للأعضاء ثم إن هذه الخواطر المحركة لهذه الإرادات تنقسم إلى ما يدعو إلى الشر أعني إلى ما يضر في العاقبة و إلى الخير أعني ما ينفع في العاقبة فهما خاطران مختلفان فافتقرا إلى اسمين مختلفين فالخاطر المحمود يسمى إلهاما و المذموم يسمى وسواسا ثم إنك تعلم أن هذه الخواطر أحوال حادثة فلا بد لها من سبب و التسلسل محال فلا بد من انتهاء الكل إلى واجب الوجود هذا مخلص كلام الغزالي و قد حذفنا التطويل منه. المسألة العاشرة في تحقيق الكلام فيما ذكره الغزالي و اعلم أن هذا الرجل دار حول المقصود إلا أنه لا يحصل الغرض إلا من بعد مزيد التنقيح فنقول لا بد قبل الخوض في المقصود من تقديم مقدمات فالمقدمة الأولى لا شك أن هاهنا مطلوبا و مهروبا و كل مطلوب فإما أن يكون مطلوبا لذاته أو لغيره و لا يجوز أن يكون كل مطلوب مطلوبا لغيره و أن يكون كل مهروب مهروبا عنه لغيره و إلا لزم إما الدور و إما التسلسل و هما محالان فثبت أنه لا بد من الاعتراف بوجود شي‏ء يكون مطلوبا لذاته و وجود شي‏ء يكون مهروبا عنه لذاته. و المقدمة الثانية أن الاستقراء يدل على أن المطلوب بالذات هو اللذة و السرور و المطلوب بالتبع ما يكون وسيلة إليهما و المهروب عنه بالذات هو الألم و الحزن و المهروب عنه بالتبع ما يكون وسيلة إليهما. و المقدمة الثالثة أن اللذيذ عند كل قوة من القوى النفسانية شي‏ء آخر فاللذيذ عند القوة الباصرة شي‏ء و اللذيذ عند القوة السامعة شي‏ء آخر و اللذيذ عند القوة الشهوانية شي‏ء ثالث و اللذيذ عند القوة الغضبية شي‏ء رابع و اللذيذ عند القوة العاقلة شي‏ء خامس.

    و المقدمة الرابعة أن القوة الباصرة إذا أدركت موجودا في الخارج لزم من حصول ذلك الإدراك البصري وقوف الذهن على ماهية ذلك المرئي و عند الوقوف عليه يحصل العلم بكونه لذيذا أو مؤلما أو خاليا عنهما فإن حصل العلم بكونه لذيذا ترتب على حصول هذا العلم أو الاعتقاد حصول الميل إلى تحصيله و إن حصل العلم بكونه مؤلما ترتب على هذا العلم أو الاعتقاد حصول الميل إلى البعد عنه و الفرار منه و إن لم يحصل العلم بكونه مؤلما و لا بكونه لذيذا لم يحصل في القلب لا رغبة إلى الفرار عنه و لا رغبة إلى تحصيله. المقدمة الخامسة أن العلم بكونه لذيذا إنما يوجب حصول الميل و الرغبة في تحصيله إذا حصل ذلك العلم خاليا عن المعارض و المعاوق فأما إذا حصل هذا المعارض لم يحصل ذلك الاقتضاء مثاله إذا رأينا طعاما لذيذا فعلمنا بكونه لذيذا إنما يؤثر في الإقدام على تناوله إذا لم نعتقد أنه حصل فيه ضرر زائد أما إذا اعتقدنا أنه حصل فيه ضرر زائد فعندئذ يعتبر العقل كيفية المعارضة و الترجيح فأيهما غلب على ظنه أنه راجح عمل بمقتضى ذلك الرجحان و مثال آخر لهذا المعنى أن الإنسان قد يقتل نفسه و قد يلقي نفسه من السطح العالي إلا أنه إنما يقدم على هذا العمل إذا اعتقد أنه بسبب تحمل ذلك العمل المؤلم يتخلص عن مؤلم آخر أعظم منه أو يتوصل به إلى تحصيل منفعة أعلى حالا منها فثبت بما ذكرنا أن اعتقاد كونه لذيذا أو مؤلما إنما يوجب الرغبة و النفرة إذا خلا ذلك الاعتقاد عن المعارض المقدمة السادسة في بيان أن التقرير الذي بيناه يدل على أن الأفعال الحيوانية لها مراتب مترتبة ترتيبا ذاتيا لزوميا عقليا و ذلك لأن هذه الأفعال مصدرها القريب هو القوى الموجودة في العضلات إلا أن هذه القوى صالحة للفعل و الترك فامتنع صيرورتها مصدرا للفعل بدلا عن الترك و للترك بدلا عن الفعل إلا بضميمة تنضم إليها و هي الإرادات ثم إن تلك الإرادات إنما توجد و تحدث لأجل العلم بكونها لذيذة أو مؤلمة ثم إن تلك العلوم إن حصلت بفعل إنسان عاد البحث الأول فيه و لزم إما الدور و إما التسلسل و هما محالان و إما الانتهاء إلى علوم و إدراكات و تصورات تحصل في جوهر النفس من   الأسباب الخارجة و هي إما الاتصالات الفلكية على مذهب قوم أو السبب الحقيقي فهو أن الله تعالى يخلق تلك الاعتقادات و العلوم في القلب فهذا تلخيص الكلام في أن الفعل كيف يصدر عن الحيوان إذا عرفت هذا فاعلم أن نفاة الشياطين و نفاة الوسوسة قالوا ثبت أن المصدر القريب للأفعال الحيوانية هو هذه القوى المركوزة في العضلات و الأوتاد و ثبت أن تلك القوى لا تصير مصادر للفعل و الترك إلا عند انضمام الميل و الإرادة إليها و ثبت أن تلك الإرادة من لوازم حصول الشعور بكون ذلك الشي‏ء لذيذا أو مؤلما و ثبت أن حصول ذلك الشعور لا بد و أن يكون بخلق الله تعالى ابتداء أو بواسطة مراتب شأن كل واحد منها في استلزام ما بعده على الوجه الذي قررناه و ثبت أن ترتب كل واحد من هذه المراتب على ما قبله أمر لازم لزوما ذاتيا واجبا فإنه إذا أحس بالشي‏ء و عرف كونه ملائما مال طبعه إليه و إذا مال طبعه إليه تحركت القوة إلى الطلب و إذا حصلت هذه المراتب حصل الفعل لا محالة فلو قدرنا شيطانا من الخارج و فرضنا أنه حصلت له وسوسة كانت تلك الوسوسة عديمة الأثر لأنه إذا حصلت تلك المراتب المذكورة حصل الفعل سواء حصل هذا الشيطان أو لم يحصل و إن لم يحصل مجموع تلك المراتب امتنع حصول الفعل سواء حصل هذا الشيطان أو لم يحصل فعلمنا أن القول بوجود الشيطان و بوجود الوسوسة قول باطل بل الحق أن نقول إن اتفق حصول هذه المراتب في الطرف النافع سميناها بالإلهام و إن اتفق حصولها في الطرف الضار سميناها بالوسوسة هذا تمام الكلام في تقرير هذا الإشكال. و الجواب أن كل ما ذكرتموه حق و صدق إلا أنه لا يبعد أن يكون الإنسان غافلا عن الشي‏ء فإذا ذكره الشيطان ذلك الشي‏ء تذكره ثم عند التذكر ترتب عليه الميل إليه و ترتب الفعل على حصول ذلك الميل فالذي أتى به الشيطان الخارجي ليس إلا ذلك التذكر و إليه الإشارة بقوله تعالى حكاية عن إبليس أنه قال وَ ما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ   إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي

 إلا أنه بقي لقائل أن يقول فالإنسان إنما أقدم على المعصية بتذكير الشيطان فالشيطان إن كان إقدامه على المعصية بتذكير شيطان آخر لزم التسلسل و إن كان عمل ذلك الشيطان ليس لأجل شيطان آخر ثبت أن ذلك الشيطان الأول إنما أقدم على ما أقدم عليه لحصول ذلك الاعتقاد في قلبه و لا بد لذلك الاعتقاد الحادث من محدث و ما ذاك إلا الله تعالى و عند هذا يظهر أن الكل من عند الله تعالى فهذا غاية الكلام في هذا البحث الدقيق العميق و صار حاصل الكلام

 ما قاله سيد الرسل ص و هو قوله و أعوذ بك منك

و الله أعلم. المسألة الحادية عشر اعلم أن الإنسان إذا جلس في الخلوة و تواترت الخواطر في قلبه فربما صار بحيث كأنه يسمع في داخل قلبه و دماغه أصواتا خفية و حروفا خفية و كان متكلما يتكلم معه و مخاطبا يخاطبه و هذا أمر وجداني يجده كل أحد من نفسه ثم اختلف الناس في تلك الخواطر فقالت الفلاسفة إن هذه الأشياء ليست حروفا و لا أصواتا و إنما هي تخيلات الأصوات و الحروف و تخيل الشي‏ء عبارة عن حضور رسمه و مثاله في الخيال و هذا كما أنا إذا تخيلنا صورة البحار و الأشخاص فأعيان تلك الأشياء غير موجودة في العقل و القلب بل الموجود في العقل و القلب صورها و أمثلتها و رسومها و هي على سبيل التمثيل جارية مجرى الصورة المرتسمة في المرآة فإذا أحسسنا صورة الفلك و الشمس و القمر في المرآة فإن ذلك ليس بأنه حضرت ذوات هذه الأشياء في المرآة فإن ذلك محال و إنما الحاصل في المرآة رسوم هذه الأشياء و صورها و أمثلتها فإذا عرفت هذا في تخيل المبصرات فاعلم أن الحال في تخيل الحروف و الكلمات المسموعة كذلك فهذا قول جمهور الفلاسفة و لقائل أن يقول هذا الذي سميته بتخيل الحروف و الكلمات هل هو مساو للحروف و الكلمة في الماهية أو لا فإن حصلت المساواة فقد عاد   الكلام إلى أن الحاصل في الخيال حقائق الحروف و الأصوات و إلى أن الحاصل في الخيال عند تخيل البحر و السماء حقيقة البحر و السماء و إن كان الحق هو الثاني و هو أن الحاصل في الخيال شي‏ء آخر مخالف للمبصرات و المسموعات فحينئذ يعود السؤال و هو أنا كيف نجد من أنفسنا صور هذه المرئيات و كيف نجد من أنفسنا هذه الكلمات و العبارات وجدانا لا نشك أنها حروف متوالية على العقل متعاقبة على الذهن فهذا منتهى الكلام في كلام الفلاسفة و أما الجمهور الأعظم من أهل العلم فإنهم سلموا أن هذه الخواطر المتوالية المتعاقبة حروف و أصوات خفية. و اعلم أن القائلين بهذا القول قالوا فاعل هذه الحروف و الأصوات إما ذلك الإنسان أو إنسان آخر و إما شي‏ء روحاني مباين يمكنه إلقاء هذه الحروف و الأصوات إلى هذا الإنسان سواء قيل إن ذلك المتكلم هو الجن و الشياطين أو الملك و إما أن يقال خالق تلك الحروف و الأصوات هو الله تعالى أما القسم الأول و هو أن فاعل هذه الحروف و الأصوات هو ذلك الإنسان فهذا قول باطل لأن الذي يحصل باختيار الإنسان يكون قادرا على تركه فلو كان حصول هذه الخواطر بفعل الإنسان لكان الإنسان إذا أراد دفعها أو تركها لقدر عليه و معلوم أنه لا يقدر على دفعها فإنه سواء حاول فعلها أو حاول تركها فتلك الخواطر تتوارد على طبعه و تتعاقب على ذهنه بغير اختياره. و أما القسم الثاني و هو أنها حصلت بفعل إنسان آخر فهو ظاهر الفساد و لما بطل هذان القسمان بقي الثالث و هي أنها من فعل الجن أو الملك أو من فعل الله تعالى و أما الذين قالوا إن الله لا يجوز أن يفعل القبائح فاللائق بمذهبهم أن يقولوا إن هذه الخواطر الخبيثة ليست من فعل الله تعالى فبقي أنها من أحاديث الجن و الشياطين و أما الذين قالوا إنه لا يقبح من الله شي‏ء فليس في مذهبهم مانع يمنعهم من نسبة

    إسناد هذه الخواطر إلى الله تعالى. و اعلم أن الثنوية يقولون للعالم إلهان أحدهما خير و عسكره الملائكة و الثاني شر و عسكره الشياطين و هما يتنازعان أبدا و كل شي‏ء في هذا العالم فلكل واحد منهما تعلق به فالخواطر الداعية إلى أعمال الخير إنما حصلت من عساكر الله و الخواطر الداعية إلى أعمال الشر إنما حصلت من عساكر الشيطان و اعلم أن القول بإثبات إلهين قول باطل على ما ثبت فساده بالدلائل فهذا منتهى القول في هذا الباب. المسألة الثانية عشر من الناس من أثبت لهذه الشياطين قدرة على الإحياء و على الإماتة و على خلق الأجسام و على تغيير الأشخاص عن صورتها الأصلية و خلقتها الأولوية و منهم من أنكر هذه الأحوال و قال إنه لا قدرة لها على شي‏ء من هذه الأحوال و أما أصحابنا فقد أقاموا الدلالة على أن القدرة على الإيجاد و التكوين و الإحداث ليست إلا لله فبطلت هذه المذاهب كلها بالكلية و أما المعتزلة فقد سلموا أن الإنسان قادر على إيجاد بعض الحوادث فلا جرم صاروا محتاجين إلى بيان أن هذه الشياطين لا قدرة لها على خلق الأجسام و الحياة و دليلهم هو أن قالوا الشيطان جسم و كل جسم فإنه قادر بالقدرة و القدرة التي لنا لا تحصل لإيجاد الأجسام فهذه مقدمات ثلاث فالمقدمة الأولى أن الشيطان جسم فقد بنوا هذه المقدمة على أن ما سوى الله إما متحيز و إما حال في المتحيز و ليس لهم في إثبات هذه المقدمة شبهة فضلا عن حجة. و أما المقدمة الثانية و هي قولهم الجسم إنما يكون قادرا بالقدرة فقد بنوا   هذا على أن الأجسام متماثلة فلو كان شي‏ء منها قادرا لذاته لكان الكل قادرا لذاته و بناء هذه المقدمة على تماثل الأجسام. و أما المقدمة الثالثة و هي قولهم هذه القدرة التي لنا لا تصلح لخلق الأجسام فوجب أن لا تصلح القدرة الحادثة لخلق الأجسام و هذا أيضا ضعيف لأنه يقال لهم لم لا يجوز حصول قدرة مخالفة لهذه القدرة الحاصلة لنا و تكون تلك القدرة صالحة لخلق الأجسام فإنه لا يلزم من عدم وجود الشي‏ء في الحال امتناع وجوده فهذا تمام الكلام في هذه المسألة. المسألة الثالثة عشر اختلفوا في أن الجن هل يعلمون الغيب و قد بين الله تعالى في كتابه أنهم بقوا في قيد سليمان ع و في حبسه بعد موته مدة و هم ما كانوا يعلمون موته و ذلك يدل على أنهم لا يعلمون الغيب و من الناس من يقول إنهم يعلمون الغيب ثم اختلفوا فقال بعضهم إن فيهم من يصعد إلى السماوات أو يقرب منها و يتلقى بعض تلك الغيوب على ألسنة الملائكة و منهم من قال إن لهم طرقا أخرى في معرفة الغيوب عن الله تعالى. و اعلم أن فتح الباب في مثل هذه المباحث لا يفيد إلا الظنون و الحسبانات و العالم بحقائقها هو الله سبحانه و تعالى. و قال أيضا في تفسير سورة الجن اختلف الناس قديما و حديثا في ثبوت الجن و نفيه فالنقل الظاهر عن أكثر الفلاسفة إنكاره و ذلك لأن أبا علي بن سينا قال في رسالته في حدود الأشياء الجن حيوان هوائي متشكل بأشكال مختلفة ثم قال و هذا شرح للاسم. فقوله فهذا شرح للاسم يدل على أن هذا الحد شرح المراد من هذا اللفظ

    و ليس لهذه الحقيقة وجود في الخارج. و أما جمهور أرباب الملل و المصدقين للأنبياء ع فقد اعترفوا بوجود الجن و اعترف به جمع عظيم من قدماء الفلاسفة و أصحاب الروحانيات و يسمونها بالأرواح السفلية و زعموا أن الأرواح السفلية أسرع إجابة إلا أنها أضعف و أما الأرواح الفلكية فهي أبطأ إجابة إلا أنها أقوى. و اختلف المثبتون على قولين فمنهم من زعم أنها ليست أجساما و لا حاله في الأجسام بل هي جواهر قائمة بأنفسها قالوا و لا يلزم من هذا أن يقال إنها تكون مساوية لذات الله لأن كونها ليست أجساما و لا جسمانية سلوب و المشاركة في السلوب لا تقتضي المساواة في الماهية قالوا ثم إن هذه الذوات بعد اشتراكها في هذه السلوب أنواع مختلفة بالماهية كاختلاف ماهيات الأعراض بعد استوائها في الحاجة إلى المحل فبعضها خيرة و بعضها شريرة و بعضها كريمة حرة محبة للخيرات و بعضها دنيئة خسيسة محبة للشرور و الآفات و لا يعرف عدد أنواعهم و أصنافهم إلا الله تعالى قالوا و كونها موجودات مجردة لا يمنع من كونها عالمة بالخيرات قادرة على الأفعال فهذه الأرواح يمكنها أن تسمع و تبصر و تعلم الأفعال الخيرة فيفعل الأفعال المخصوصة و لما ذكرنا أن ماهياتها مختلفة لا جرم لا يبعد أن يكون في أنواعها ما يقدر على أفعال شاقة عظيمة يعجز عنها قدرة البشر و لا يبعد أيضا أن يكون لكل نوع منها تعلق بنوع مخصوص من أجسام هذا العالم و كما أنه دلت الدلائل الطبيعية على أن التعلق   الأول للنفس الناطقة التي ليس للإنسان إلا هي هي الأرواح و هي أجسام بخارية لطيفة تتولد من ألطف أجزاء الدم و تتكون في الجانب الأيسر من القلب ثم بواسطة تعلق النفس بهذه الأرواح تصير متعلقة بالأعضاء التي تسري فيها هذه الأرواح لم يبعد أيضا أنه يكون لكل واحد من هؤلاء الجن تعلق بجزء من أجزاء الهواء فيكون ذلك الجزء من الهواء هو المتعلق الأول لذلك الروح ثم بواسطة سريان ذلك الهواء في جسم آخر كثيف يحصل لتلك الأرواح تعلق و تصرف في تلك الأجسام الكثيفة. و من الناس من ذكر في الجن طريقة أخرى فقال هذه الأرواح البشرية و النفوس الناطقة إذا فارقت أبدانها ازدادت قوة و كمالا بسبب ما في ذلك العالم الروحاني من انكشاف الأسرار الروحانية فإذا اتفق أن حدث بدن آخر مشابه لما كان لتلك النفس المفارقة من البدن فبسبب تلك المشاكلة يحصل لتلك النفس المفارقة تعلق ما بهذا البدن و تصير تلك النفس المفارقة كالمعاونة لنفس ذلك البدن في أفعالها و تدبيرها لذلك البدن فإن الجنسية علة الضم فإن اتفقت هذه الحالة في النفوس الخيرة سمي ذلك المعين ملكا و تلك الإعانة إلهاما و إن اتفقت في النفوس الشريرة سمي ذلك المعين شيطانا و تلك الإعانة وسوسة و القول الثاني في الجن أنهم أجسام ثم القائلون بهذا المذهب اختلفوا على قولين منهم من زعم أن الأجسام مختلفة في ماهياتها إنما المشترك بينها صفة واحدة و هي كونها بأسرها حاصلة في الحيز و المكان و الجهة و كونها موصوفة بالطول و العرض و العمق و هذه كلها إشارة إلى الصفات و الاشتراك في الصفات لا يقتضي الاشتراك في تمام الماهية لما ثبت أن الأشياء المختلفة في تمام الماهية لا يمتنع اشتراكها في لازم واحد قالوا و ليس لأحد أن يحتج على تماثل الأجسام بأن يقال الجسم من حيث إنه جسم له حد واحد و حقيقة واحدة فيلزم أن لا يصل التفاوت في ماهية الجسم من حيث

    هو جسم بل إن حصل التفاوت حصل في مفهوم زائد على ذلك و أيضا فلأنه يمكننا تقسيم الجسم إلى اللطيف و الكثيف و العلوي و السفلي و مورد التقسيم مشترك بين الأقسام فالأقسام كلها مشتركة في الجسمية و التفاوت إنما يحصل بهذه الصفات و هي اللطافة و الكثافة و كونها علوية و سفلية قالوا و هاتان الحجتان ضعيفتان. أما الحجة الأولى فلأنا نقول كما أن الجسم من حيث إنه جسم له حد واحد و حقيقة واحدة فكذا العرض من حيث إنه عرض له حد واحد و حقيقة واحدة فيلزم منه أن تكون الأعراض كلها متساوية في تمام الماهية و هذا مما لا يقوله عاقل بل الحق عند الفلاسفة أنه ليس للأعراض البتة قدر مشترك بينها من الذاتيات إذ لو حصل بينها قدر مشترك لكان ذلك المشترك جنسا لها و لو كان كذلك لما كانت التسعة أجناسا عالية بل كانت أنواع جنس واحد. إذا ثبت هذا فنقول الأعراض من حيث إنها أعراض لها حقيقة واحدة و لم يلزم من ذلك أن يكون بينها ذاتي مشترك أصلا فضلا عن أن تكون متساوية في تمام الماهية فلم لا يجوز أن يكون الحال في الجسم كذلك فإنه كما أن الأعراض مختلفة في تمام الماهية ثم إن تلك المختلفات متساوية في وصف عارض و هو كونه عارضا لموضوعاتها فكذا من الجائز أن يكون ماهيات الأجسام مختلفة في تمام ماهياتها ثم إنها تكون متساوية في وصف عارض و هو كونها مشارا إليها بالحس و حاصلة في الحيز و المكان و موصوفة بالأبعاد الثلاثة فهذا الاحتمال لا دافع له أصلا. و أما الحجة الثانية و هي قولهم إنه يمكن تقسيم الجسم إلى اللطيف و الكثيف فهي أيضا منقوضة بالعرض فإنه يمكن تقسيم العرض إلى الكيف و الكم و لم يلزم أن يكون هناك قدر مشترك من الذاتي فضلا عن التساوي في كل الذاتيات فلم لا يجوز أن يكون الأمر هنا أيضا كذلك و إذا ثبت أنه لا امتناع في كون الأجسام مختلفة و لم يدل دليل على بطلان هذا الاحتمال و حينئذ قالوا لا يمتنع في بعض الأجسام اللطيفة الهوائية أن تكون مخالفة لسائر أنواع الهواء في الماهية ثم يكون تلك الماهية تقتضي لذاتها علما مخصوصا و قدرة مخصوصة على أفعال عجيبة و على هذا التقدير يكون   القول بالجن ظاهر الاحتمال و تكون قدرتها على التشكل بالأشكال المختلفة ظاهرة الاحتمال. القول الثاني قول من قال الأجسام متساوية في تمام الماهية و القائلون بهذا المذهب أيضا فرقتان الفرقة الأولى الذين زعموا أن البنية ليست شرطا في الحياة و هذا قول الأشعري و جمهور أتباعه و أدلتهم في هذا الباب ظاهرة قوية قالوا لو كانت البنية شرطا في الحياة لكان إما أن يقال إن الحياة الواحدة قامت بمجموع الأجزاء أو يقال قام بكل واحدة من الأجزاء حياة واحدة على حدة و الأول محال لأن حلول العرض الواحد في المحال الكثيرة دفعة واحدة غير معقول. و الثاني أيضا باطل لأن الأجزاء التي منها تألف الجسم متساوية و الحياة القائمة بكل واحد منها متساوية للحياة القائمة بالجزء الآخر و حكم الشي‏ء حكم مثله فلو افتقر قيام الحياة بهذا الجزء إلى قيام تلك الحياة بذلك الجزء يحصل هذا الافتقار من الجانب الآخر فيلزم وقوع الدور و هو محال و إن لم يحصل هذا الافتقار فحينئذ ثبت أن قيام الحياة بهذا الجزء لا يتوقف على قيام الحياة الثانية بذلك الجزء الثاني و إذا بطل هذا التوقيف ثبت أنه يصح كون الجزء الواحد موصوفا بالحياة و العلم و في القدرة و الإرادة و بطل القول بأن البنية شرط قالوا و أما دليل المعتزلة و هو أنه لا بد من البنية فليس إلا الاستقراء و هو أنا رأينا أنه متى فسدت البنية بطلت الحياة و متى لم تفسد بقيت الحياة فوجب توقف الحياة على حصول البنية إلا أن هذا ركيك فإن الاستقراء لا يفيد القطع بالوجوب فما الدليل على أن حال ما لم يشاهد كحال ما شوهد و أيضا فلأن هذا الكلام إنما يستقيم على قول من ينكر خرق العادات أما من يجوزها فهذا لا يتمشى على مذهبه و الفرق بينهما في جعل بعضها على سبيل العادة و جعل بعضها على سبيل الوجوب تحكم محض لا سبيل إليه فثبت أن البنية ليست شرطا في الحياة

    و إذا ثبت هذا لم يبعد أن يخلق الله تعالى في الجوهر الفرد علما بأمور كثيرة و قدرة على أشياء شاقة شديدة و عند هذا ظهر القول بإمكان وجود الجن سواء كانت أجسامهم لطيفة أو كثيفة و سواء كانت أجرامهم كبيرة أو صغيرة. القول الثاني أن البنية شرط الحياة و أنه لا بد من صلابة من البنية حتى يكون قادرا على الأفعال الشاقة. فهاهنا مسألة أخرى و هي أنه هل يمكن أن يكون المرئي حاضرا و الموانع مرتفعة و الشرائط من القرب و البعد حاصلة و تكون الحاسة سليمة ثم مع هذا لا يحصل الإدراك أو يكون هذا ممتنعا عقلا أما الأشعري و أتباعه فقد جوزوه و أما المعتزلة فقد حكموا بامتناعه عقلا و استدل الأشعري على قوله بوجوه عقلية و نقلية أما العقلية فأمران. الأول أنا نرى الكبير من البعيد صغير و ما ذاك إلا أنا نرى بعض أجزاء ذلك البعيد دون البعض مع أن نسبة الحاسة و جميع الشرائط إلى تلك الأجزاء المرئية كهي بالنسبة إلى الأجزاء التي هي غير مرئية فعلمنا أن مع حصول سلامة الحاسة و حضور المرئي و حصول الشرائط و انتفاء الموانع لا يكون الإدراك واجبا. الثاني أن الجسم الكبير لا معنى له إلا مجموع تلك الأجزاء المتألفة فإذا رأينا ذلك الجسم الكبير على مقدار من البعد فقد رأينا تلك الأجزاء فإما أن تكون رؤية هذا الجزء مشروطة برؤية ذلك الجزء الآخر أو لا يكون فإن كان الأول لزم الدور لأن الأجزاء متساوية فلو افتقرت رؤية هذا الجزء إلى رؤية ذلك الجزء لافتقرت أيضا رؤية ذلك الجزء إلى رؤية هذا الجزء فيقع الدور و إن لم يحصل هذا الافتقار فحينئذ رؤية الجوهر الفرد على القدر من المسافة تكون ممكنة. ثم من المعلوم أن ذلك الجوهر الفرد لو حصل وحده من غير أن ينضم إليه سائر الجواهر فإنه لا يرى فعلمنا أن حصول الرؤية عند اجتماع جملة الشرائط لا يكون واجبا بل جائزا.   و أما المعتزلة فقد عولوا على أنا إن جوزنا ذلك لجوزنا أن يكون بحضرتنا طبلات و بوقات و لا نراها و لا نسمعها و إذا عارضناهم بسائر الأمور العادية و قلنا لهم فجوزوا أن يقال انقلبت مياه البحار ذهبا و فضة و الجبال ياقوتا و زبرجدا و حصل في السماء حال ما غمضت العين ألف شمس و قمر ثم كما فتحت العين أعدمها الله تعالى عجزوا عن الفرق و السبب في هذا التشويش أن هؤلاء المعتزلة نظروا إلى هذه الأمور المطردة في مناهج العادات فزعموا أن بعضها واجبة و بعضها غير واجبة فلما لم يجدوا قانونا مستقيما و مأخذا سليما بين البابين تشوش الأمر عليهم بل الواجب أن يسوى بين الكل فيحكم على الكل بالوجوب كما هو قول الفلاسفة أو على الكل بعدم الوجوب كما هو قول الأشعري فأما التحكم في الفرق فهو بعيد. إذا ثبت هذا ظهر جواز القول بالجن و أن أجسامهم و إن كانت كثيفة قوية إلا أنه لا يمتنع أن لا نراها و إن كانوا حاضرين هذا على قول الأشعري فهذا هو تفصيل هذه الوجوه. و أنا متعجب من هؤلاء المعتزلة أنهم كيف يصدقون ما جاء في القرآن من إثبات الملك و الجن مع استمرارهم على مذاهبهم و ذلك لأن القرآن دل على أن للملائكة قوة عظيمة على الأفعال الشاقة و الجن أيضا كذلك و هذه القدرة لا تثبت إلا في الأعضاء الكثيفة الصلبة فإذا يجب في الملك و الجن أن يكونوا كذلك ثم إن هؤلاء الملائكة حاضرون عندنا أبدا و هم الكرام الكاتبون و الحفظة و يحضرون أيضا عند قبض الأرواح و قد كانوا يحضرون عند الرسول ص و إن أحدا من القوم ما كان يراهم و كذلك الناس الجالسون عند من يكون في النزع لا يرون أحدا فإن وجبت رؤية الكثيف عند الحضور فلم لا نراها و إن لم تجب الرؤية فقد بطل مذهبهم و إن كانوا موصوفين بالقوة و الشدة مع عدم الكثافة و الصلابة فقد بطل قولهم إن البنية شرط الحياة فإن قالوا إنها أجسام لطيفة و لكنها للطافتها لا تقدر على الأعمال الشاقة فهذا إنكار لصريح القرآن و بالجملة فحالهم في الإقرار بالملك و الجن مع هذه المذاهب عجيبة.

    بيان أقول إنما أوردت هذه الأقوال الركيكة لتطلع على مذاهب جميع الفرق في ذلك و قد عرفت ما دلت عليه الآيات و الأخبار المعتبرة و أشرنا إلى ما هو الحق الحقيق بالإذعان و لم نتعرض لتزييف الأقوال السخيفة حذرا من الإطناب. قوله فآذنوه ثلاثة أيام أي فأعلموه و أتموا الحجة عليه قال النووي فإنه إذا لم يذهب بالإنذار علمتم أنه ليس من عوامر البيوت و لا ممن أسلم من الجن بل هو شيطان فاقتلوه و لن يجعل الله له سبيلا إلى الانتصار عليكم بثأره بخلاف العوامر و صفة الإنذار أن يقول أنشدكم بالعهد الذي أخذ عليكم سليمان أن تؤذونا و أن تظهروا لنا قالوا لا تقتل حيات المدينة إلا بالإنذار و في غيرها يقتل بغيره بسبب أن طائفة من الجن أسلم بها و قيل النهي في حيات البيوت في جميع البلاد و ما ليس في البيوت يقتل بدونه انتهى. و أقول و في بعض رواياتهم فليحرج عليها قال في النهاية قوله ع في قتل الحيات فليحرج عليها هو أن يقول لها أنت في حرج أي ضيق إن عدت إلينا فلا تلومينا إن ضيق عليك بالتتبع و الطرد و القتل انتهى. و قال النووي يقول أحرج عليك بالله و اليوم الآخر أن لا تبدوا لنا و لا تؤذونا و لا تظهروا لنا فإن لم يذهب أو عاد بعده فاقتلوه فإنه إما جني كافر أو حية و قوله شيطان أي ولد من أولاد إبليس أو حية