إحتجاجه صلى الله عليه وآله وسلم على اليهود في جواز نسخ الشرائع وفي غير ذلك

قال أبو محمد الحسن العسكري عليه السلام: لما كان رسول الله صلى الله عليه وآله بمكة أمره الله تعالى أن يتوجه نحو بيت المقدس في صلاته ويجعل الكعبة بينه وبينها إذا أمكن وإذا لم يمكن استقبل بيت المقدس كيف كان، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله يفعل ذلك طول مقامه بها ثلاث عشرة سنة، فلما كان بالمدينة وكان متعبدا باستقبال بيت المقدس استقبله وانحرف عن الكعبة سبعة عشر شهرا أو ستة عشر شهرا، وجعل قوم من مردة اليهود يقولون: والله ما درى محمد كيف يصلي حتى صار يتوجه إلى قبلتنا ويأخذ في صلاته بهدينا ونسكنا، فاشتد ذلك على رسول الله صلى الله عليه وآله لما اتصل به عنهم وكره قبلتهم وأحب الكعبة فجاءه جبرئيل عليه السلام فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: يا جبرئيل لوددت لو صرفني الله عن بيت المقدس إلى الكعبة فقد تأذيت بما يتصل بي من قبل اليهود من قبلتهم. فقال جبرئيل عليه السلام: فاسأل ربك أن يحولك إليها فإنه لا يردك عن طلبتك ولا يخيبك من بغيتك، فلما استتم؟؟

دعاءه صعد جبرئيل ثم عاد من ساعته فقال: اقرأ يا محمد " قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضيها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره " (1) الآيات.

فقال اليهود عند ذلك: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ فأجابهم الله أحسن جواب فقال " قل لله المشرق والمغرب " وهو يملكهما وتكليفه التحويل إلى جانب كتحويله لكم إلى جانب آخر " يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم " (1) وهو أعلم بمصلحتهم وتؤديهم طاعتهم إلى جنات النعيم.

قال أبو محمد عليه السلام: وجاء قوم من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا:

يا محمد هذه القبلة بيت المقدس قد صليت إليها أربعة عشر سنة ثم تركتها الآن، أفحقا كان ما كنت عليه فقد تركته إلى باطل فإن ما يخالف الحق باطل، أو باطلا كان ذلك فقد كنت عليه طول هذه المدة فما يؤمننا أن تكون الآن على باطل؟

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: بل ذلك كان حقا وهذا حق، يقول الله " قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم " إذا عرف صلاحكم أيها العباد في استقبالكم المشرق أمركم به، وإذا عرف صلاحكم في استقبال المغرب أمركم به، وإن عرف صلاحكم في غيرهما أمركم به، فلا تنكروا تدبير الله في عباده وقصده إلى مصالحكم.

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لقد تركتم العمل يوم السبت ثم عملتم بعده سائر الأيام، ثم تركتموه في السبت ثم عملتم بعده، أفتركتم الحق إلى الباطل أو الباطل إلى الحق أو الباطل إلى الباطل أو الحق إلى الحق؟ قولوا كيف شئتم فهو قول محمد وجوابه لكم. قالوا: بل ترك العمل في السبت حق والعمل بعده حق. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: فكذلك قبلة بيت المقدس في وقته حق ثم قبلة الكعبة في وقته حق.

فقالوا له: يا محمد أفبدا لربك فيما كان أمرك به بزعمك من الصلاة إلى بيت المقدس حتى نقلك إلى الكعبة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما بدا له عن ذلك فإنه العالم بالعواقب والقادر على المصالح لا يستدرك على نفسه غلطا ولا يستحدث رأيا بخلاف المتقدم جل عن ذلك، ولا يقع عليه أيضا مانع يمنعه من مرادة، وليس يبدو إلا لمن كان هذا وصفه، وهو عز وجل يتعالى عن هذه الصفات علوا كبيرا.

ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله: أيها اليهود أخبروني عن الله أليس يمرض ثم يصح ويصح ثم يمرض أبدا له في ذلك، أليس يحيي ويميت أبدا له في كل واحد من ذلك؟ قالوا: لا. قال: فكذلك الله تعبد نبيه محمدا بالصلاة إلى الكعبة بعد أن كان تعبده بالصلاة إلى بيت المقدس وما بدا له في الأول.

ثم قال: أليس الله يأتي بالشتاء في أثر الصيف والصيف في أثر الشتاء، أبدا له في كل واحد من ذلك؟ قالوا: لا. قل: فكذلك لم يبدله في القبلة.

قال: ثم قال أليس قد ألزمكم في الشتاء أن تحترزوا من البرد بالثياب الغليظة، وألزمكم في الصيف أن تحترزوا من الحر، أفبدا له في الصيف حين أمركم بخلاف ما كان أمركم به في الشتاء؟ قالوا: لا.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: فكذلكم الله تعبدكم في وقت لصلاح يعلمه بشئ ثم تعبدكم في وقت آخر لصلاح يعلمه بشئ آخر فإذا أطعتم الله في الحالتين استحققتم ثوابه، فأنزل الله تعالى " ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم " (1) يعني إذا توجهتم بأمره فثم الوجه الذي تقصدون منه الله وتأملون ثوابه.

ثم قال رسول الله: يا عباد الله أنتم كالمرضى والله رب العالمين كالطبيب، فصلاح المرضى فيما يعمله الطبيب ويدبره به لا فيما يشتهيه المريض ويقترحه.

ألا فسلموا لله أمره تكونوا من الفائزين.

فقيل: يا بن رسول الله فلم أمر بالقبلة الأولى؟ فقال: لما قال الله تعالى " وما جعلنا القبلة التي كنت عليها " وهي بيت المقدس " إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه " (2) إلا لنعلم ذلك منه وجودا بعد أن علمناه سيوجد، وذلك إن هوى أهل مكة كان في الكعبة فأراد الله أن يبين متبعي محمد ممن خالفه باتباع القبلة التي كرهها ومحمد يأمر بها، ولما كان هوى أهل المدينة في بيت المقدس أمرهم بمخالفتها والتوجه إلى الكعبة ليبين من يوافق محمدا فيما يكرهه، فهو مصدقه وموافقه.

ثم قال: " وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله " إن كان التوجه إلى بيت المقدس في ذلك الوقت لكبيرة إلا على من يهدي الله، فعرف أن لله أن يتعبد بخلاف ما يريده المرء ليبتلي طاعته في مخالفة هواه.

وقال أبو محمد عليه السلام: قال جابر بن عبد الله الأنصاري: سأل رسول الله صلى الله عليه وآله عبد الله بن صوريا غلام يهودي أعور تزعم اليهود أنه أعلم يهودي بكتاب الله وعلوم أنبيائه عن مسائل كثيرة يعنته فيها (1)فأجابه عنها رسول الله صلى الله عليه وآله بما لم يجد إلى إنكار شئ منه سبيلا.

فقال له: يا محمد من يأتيك بهذه الأخبار عن الله؟ قال: جبرئيل. قال: لو كان غيره يأتيك بها لآمنت بك ولكن جبرئيل عدونا من بين الملائكة، فلو كان ميكائيل أو غيره سوى جبرئيل يأتيك لآمنت بك.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لم أتخذتم جبرئيل عدوا؟ قال: لأنه ينزل البلاء والشدة على بني إسرائيل، ودفع دانيال عن قتل بخت نصر (2) حتى قوى أمره وأهلك بني إسرائيل، وكذلك كل بأس وشدة لا ينزلها إلا جبرئيل، وميكائيل يأتينا بالرحمة.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ويحك أجهلت أمر الله وما ذنب جبرئيل إلا أن أطاع الله فيما يريده بكم؟ أرأيتم ملك الموت هل هو عدوكم وقد وكله الله بقبض أرواح الخلق، أرأيتم الآباء والأمهات إذا أوجروا الأولاد(3) الدواء 

الكريهة لمصالحهم أيجب أن يتخذهم أولادهم أعداء من أجل ذلك، لا ولكنكم بالله جاهلون وعن حكمه غافلون. أشهد أن جبرئيل وميكائيل بأمر الله عاملان وله مطيعان، وأنه لا يعادي أحدهما إلا من عادى الآخر، وأن من زعم أنه يحب أحدهما ويبغض الآخر فقد كفر وكذب، وكذلك محمد رسول الله وعلي أخوان كما أن جبرئيل وميكائيل إخوان فمن أحبهما فهو من أولياء الله ومن أبغضهما فهو من أعداء الله، ومن أبغض أحدهما وزعم أنه يحب الآخر فقد كذب وهما منه بريئان والله تعالى وملائكته وخيار خلقه منه برآء.

وقال أبو محمد عليه السلام: كان سبب نزول قوله تعالى: " قل من كان عدوا لجبرئيل " الآيتين (1) ما كان من اليهود أعداء الله من قول سئ في جبرئيل وميكائيل، ومن كان من أعداء الله النصاب من قول أسوأ منه في الله وفي جبرئيل وميكائيل وسائر ملائكة الله، أما ما كان من النصاب فهو أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما كان لا يزال يقول في علي عليه السلام الفضائل التي خصه الله عز وجل بها والشرف الذي نحله الله (2)تعالى وكان في كل ذلك يقول أخبرني به جبرئيل عليه السلام عن الله، ويقول في بعض ذلك جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره ويفتخر جبرئيل على ميكائيل في أنه عن يمين علي عليه السلام الذي هو أفضل من اليسار كما يفتخر نديم ملك عظيم في الدنيا يجلسه الملك عن يمينه على النديم الآخر الذي يجلسه على يساره، ويفتخران على إسرافيل الذي خلفه بالخدمة وملك الموت الذي أقامه بالخدمة، وأن اليمين واليسار أشرف من ذلك، كافتخار حاشية الملك على زيادة قرب محلهم من ملكهم.

وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول في بعض أحاديثه: إن الملائكة أشرفها عند الله أشدها لعلي بن أبي طالب عليه السلام حبا، وأنه قسم الملائكة فيما بينها والذي شرف عليا على جميع الورى بعد محمد المصطفى. ويقول مرة: إن ملائكة السماوات والحجب ليشتاقون إلى رؤية علي بن أبي طالب عليه السلام كما تشتاق الوالدة الشفيقة إلى ولدها البار الشفيق آخر من بقي عليها بعد عشرة دفنتهم، فكان هؤلاء النصاب يقولون: إلى متى يقول محمد جبرئيل وميكائيل والملائكة كل ذلك تفخيم لعلي وتعظيم لشأنه، ويقول الله تعالى لعلي خاص من دون سائر الخلق برئنا من رب ومن ملائكة ومن جبرئيل ومن ميكائيل هم لعلي بعد محمد مفضلون وبرئنا من رسل الله الذين هم لعلي بعد محمد مفضلون.

وأما ما قاله اليهود فهو إن اليهود أعداء الله، لما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله المدينة أتوه بعبد الله بن صوريا فقال: يا محمد كيف نومك فإنا قد أخبرنا عن نوم النبي صلى الله عليه وآله الذي يأتي في آخر الزمان؟ فقال: تنام عيني وقلبي يقظان.

قال: صدقت يا محمد.

ثم قال: فاخبرني يا محمد الولد يكون من الرجل أو المرأة؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله: أما العظام والعصب والعروق فمن الرجل وأما اللحم والدم والشعر فمن المرأة. قال: صدقت يا محمد.

ثم قال: يا محمد فما بال الولد يشبه أعمامه ليس فيه من شبه أخواله شئ ويشبه أخواله ليس فيه من شبه أعمامه شئ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أيهما علا ماؤه ماء صاحبه كان الشبه له. قال: صدقت يا محمد، فاخبرني عمن لا يولد له ومن يولد له؟ فقال صلى الله عليه وآله: إذا مغرت النطفة لم يولد له - أي إذا حمرت وكدرت - فإذا كانت صافية ولد له.

فقال: أخبرني عن ربك ما هو؟ فنزلت " قل هو الله أحد " إلى آخرها.

فقال ابن صوريا: صدقت خصلة بقيت لي إن قلتها آمنت بك واتبعتك: أي ملك يأتيك بما تقوله عن الله؟ قال: جبرئيل. قال ابن صوريا: ذاك عدونا من بين الملائكة ينزل بالقتل والشدة والحرب ورسولنا ميكائيل يأتي بالسرور والرخاء فلو كان ميكائيل هو الذي يأتيك آمنا بك لأن ميكائيل كان مسدد ملكنا 

وجبرئيل كان مهلك ملكنا، فهو عدونا لذلك.

فقال له سلمان الفارسي رضي الله عنه: وما بدء عداوته لكم؟ قال: نعم يا سلمان عادانا مرارا كثيرة، وكان من أشد ذلك علينا أن الله أنزل على أنبيائه أن بيت المقدس يخرب على يد رجل يقال (بخت نصر) وفي زمانه، وأخبرنا بالحين الذي يخرب فيه، والله يحدث الأمر بعد الأمر فيمحو ما يشاء ويثبت، فلما بلغنا ذلك الخبر الذي يكون فيه هلاك بيت المقدس بعث أوائلنا رجلا من أقوياء بني إسرائيل وأفاضلهم نبيا كان يعد من أنبيائهم يقال له (دانيال) في طلب بخت نصر، ليقتله فحمل معه وقر مال (1) لينفقه في ذلك، فلما انطلق في طلبه لقيه ببابل غلاما ضعيفا مسكينا ليس له قوة ولا منعة، فأخذه صاحبنا ليقتله فدفع عنه جبرائيل وقال لصاحبنا: إن كان ربكم هو الذي أمر بهلاككم فإن الله لا يسلطك عليه وإن لم يكن هذا فعلى أي شئ تقتله، فصدقه صاحبنا وتركه ورجع إلينا فأخبرنا بذلك، وقوى بخت نصر وملك وغزانا وخرب بيت المقدس فلهذا نتخذه عدوا وميكائيل عدو لجبرئيل.

فقال سلمان: يا بن صوريا فبهذا العقل المسلوك به غير سبيله ظلمتم، أرأيتم أوائلكم كيف بعثوا من يقتل بخت نصر وقد أخبر الله تعالى في كتبه على ألسنة رسله أنه يملك ويخرب بيت المقدس أرادوا تكذيب أنبياء الله في إخبارهم أو اتهموهم في أخبارهم أو صدقوهم في الخبر عن الله ومع ذلك أرادوا مغالبة الله، هل كان هؤلاء ومن وجهوه إلا كفارا بالله، وآي عداوة يجوز أن يعتقد لجبرئيل وهو يصده عن مغالبة الله عز وجل وينهى عن تكذيب خبر الله تعالى.

فقال ابن صوريا: قد كان الله تعالى أخبر بذلك على ألسن أنبيائه ولكنه يمحو ما يشاء ويثبت. قال سلمان: فإذا لا تثقون بشئ مما في التوراة من الأخبار عما مضى وما يستأنف فإن الله يمحو ما يشاء ويثبت، وإذا لعل الله قد كان عزل موسى وهارون عن النبوة وأبطلا في دعواهما لأن الله يمحو ما يشاء ويثبت، ولعل كلما أخبراكم به عن الله أنه يكون لا يكون وما أخبراكم به أنه لا يكون لعله يكون، وكذلك ما أخبراكم أنه لم يكن لعله كان، ولعل ما وعده من الثواب يمحوه ولعل ما توعد به من العقاب يمحوه فإنه يمحو ما يشاء ويثبت. إنكم جهلتم معنى يمحو الله ما يشاء ويثبت فلذلك أنتم بالله كافرون ولأخباره عن الغيوب مكذبون وعن دين الله منسلخون.

ثم قال سلمان: فإني أشهد أنه من كان عدوا لجبرئيل فإنه عدو لميكائيل وأنهما جميعا عدوان لمن عاداهما مسالمان لمن سالمهما، فأنزل الله تعالى عند ذلك موافقا لقول سلمان: " قل من كان عدوا لجبريل " في مظاهرته لأولياء الله على أعداء الله ونزوله بفضائل علي عليه السلام ولي الله من عند الله " فإنه نزله " فإن جبرئيل نزل هذا القرآن " على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه " من سائر كتب الله " وهدى " من الضلالة " وبشرى للمؤمنين " (1) بنبوة محمد وولاية علي عليه السلام ومن بعده من الأئمة [ الاثنى عشر ] بأنهم أولياء الله حقا إذا ماتوا على موالاتهم لمحمد وعلي وآلهما الطيبين.

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا سلمان إن الله صدق قيلك ووافق رأيك، وإن جبرئيل عن الله تعالى يقول: يا محمد سلمان والمقداد أخوان متصافيان في ودادك ووداد علي أخيك ووصيك وصفيك، وهما في أصحابك كجبرائيل وميكائيل في الملائكة عدوان لمن أبغض أحدهما وليان لمن والى محمدا وعليا عدوان لمن عادى محمدا وعليا وأولياء هما، ولو أحب أهل الأرض سلمان والمقداد كما تحبهما ملائكة السماوات والحجب والكرسي والعرش لمحض ودادهما لمحمد وعلي وموالاتهما لأوليائهما ومعاداتهما لأعدائهما لما عذب الله أحدا منهم بعذاب البتة.

وقال أبو محمد الحسن العسكري عليه السلام: لما نزلت هذه الآية " ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة" (2) في حق اليهود والنواصب فغلظ على اليهود ما وبخهم به رسول الله، فقال جماعة من رؤسائهم وذوي الألسن والبيان منهم: يا محمد إنك تهجونا وتدعي على قلوبنا ما الله يعلم منها خلافه، إن فيها خيرا كثيرا نصوم ونتصدق ونواسي الفقراء.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إنما الخير ما أريد به وجه الله وعمل على ما أمر الله تعالى، وأما ما أريد به الرياء والسمعة ومعاندة رسول الله صلى الله عليه وآله وإظهار الغنى له والتمالك والتشرف عليه فليس بخير بل هو الشر الخالص ووبال على صاحبه ويعذبه الله به أشد العذاب.

فقالوا له: يا محمد أنت تقول هذا ونحن نقول بل ما نلفقه إلا لإبطال أمرك ودفع رياستك ولتفريق أصحابك عنك وهو الجهاد الأعظم نأمل به من الله الثواب الأجل العظيم، فأقل أحوالنا إنك تساوينا في الدعاوى فأي فضل لك علينا؟.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا إخوة اليهود إن الدعاوى يتساوى فيها المحقون والمبطلون، ولكن حجج الله ودلائله تفرق بينهم فتكشف عن تمويه المبطلين وتبين عن حقائق المحقين، ورسول الله محمد لا يغتم بجهلكم ولا يكلفكم التسليم له بغير حجة، ولكن يقيم عليكم حجة الله التي لا يمكنكم دفاعها ولا تطيقون الامتناع عن موجبها، ولو ذهب محمد ويريكم آية من عنده لشككتم وقلتم إنه متكلف مصنوع محتال فيه معمول أو متواطئ عليه، وإذا اقترحتم أنتم فأراكم ما تقترحون لم يكن لكم أن تقولوا معمول أو متواطأ عليه أو متأت بحيلة أو مقدمات، فما الذي تقترحون فهذا رب العالمين قد وعدني أن يظهر لكم ما تقترحون ليقطع معاذير الكافرين منكم ويزيد في بصائر المؤمنين منكم.

قالوا: قد أنصفتنا يا محمد فإن وفيت بما وعدت من نفسك من الإنصاف فأنت أول راجع عن دعواك للنبوة وداخل في غمار الأمة ومسلم لحكم التوراة لعجزك عما نقترحه عليك وظهور باطل دعواك فيما ترومه من حجتك.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: الصدق ينبئ عنكم لا الوعيد، اقترحوا ما تقترحون ليقطع معاذيركم فيما تسألون. فقالوا له: يا محمد زعمت أنه ما في قلوبنا شئ من مواساة الفقراء ومعاونة الضعفاء والنفقة في إبطال الباطل وإحقاق 

الحق وأن الأحجار ألين من قلوبنا وأطوع لله منا، وهذه الجبال بحضرتنا فهلم بنا إليها أو إلى بعضها فاستشهدها على تصديقك وتكذيبنا، فإن نطقت بتصديقك فأنت المحق يلزمنا اتباعك وإن نطقت بتكذيبك أو صمتت فلم ترد جوابك فاعلم بأنك المبطل في دعواك المعاند لهواك.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: نعم هلموا بنا إلى أيما جبل شئتم استشهدوه ليشهد لي عليكم، فخرجوا إلى أوعر جبل رأوه فقالوا: يا محمد هذا الجبل فاستشهده.

فقال رسول الله للجبل: إني أسألك بجاه محمد وآله الطيبين الذين بذكر أسمائهم خفف الله العرش على كواهل ثمانية من الملائكة بعد أن لم يقدروا على تحريكه وهم خلق كثير لا يعرف عددهم غير الله عز وجل، وبحق محمد وآله الطيبين الذين بذكر أسمائهم تاب الله على آدم وغفر خطيئته وأعاده إلى مرتبته، وبحق محمد وآله الطيبين الذين بذكر أسمائهم وسؤال الله بهم رفع إدريس في الجنة مكانا عليا لما شهدت لمحمد بما أودعك الله بتصديقه على هؤلاء اليهود في ذكر قساوة قلوبهم وتكذيبهم في جحدهم لقول محمد رسول الله.

فتحرك الجبل وتزلزل وفاض عنه الماء ونادى: يا محمد أشهد أنك رسول رب العالمين وسيد الخلق أجمعين، وأشهد أن قلوب هؤلاء اليهود كما وصفت أقسى من الحجارة لا يخرج منها خير كما قد يخرج من الحجارة الماء سيلا أو تفجرا، وأشهد أن هؤلاء كاذبون عليك فيما به يقرفونك من الفرية على رب العالمين.

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: وأسألك أيها الجبل أمرك الله بطاعتي فيما ألتمسه منك بجاه محمد وآله الطيبين الذين بهم نجى الله نوحا من الكرب العظيم وبرد الله النار على إبراهيم وجعلها عليه بردا وسلاما ومكنه في جوف النار على سرير وفراش وثير لم ير تلك الطاغية مثله لأحد من ملوك الأرض أجمعين، وأنبت حواليه من الأشجار الخضرة النظرة النزهة وعما حوله من أنواع التور مما لا يوجد إلا في فصول أربعة من جميع السنة؟

قال الجبل: بلى أشهد لك يا محمد بذلك، وأشهد أنك لو اقترحت على

ربك أن يجعل رجال الدنيا قرودا وخنازير لفعل، أو يجعلهم ملائكة لفعل، أو يقلب النيران جليدا أو الجليد نيرانا لفعل أو يهبط السماء إلى الأرض أو يرفع الأرض إلى السماء لفعل، أو يصير أطراف المشارق والمغارب والوهاد كلها صرة كصرة الكيس لفعل، وأنه قد جعل الأرض والسماء طوعك، والجبال والبحار تتصرف بأمرك، وسائر ما خلق من الرياح والصواعق وجوارح الإنسان وأعضاء الحيوان لك مطيعة وما أمرتها به من شئ ائتمرت.

فقالت اليهود: يا محمد علينا تلتبس وتشبه، قد أجلست مردة من أصحابك خلف صخور من هذا الجبل فهم ينطقون بهذا الكلام ونحن لا ندري أنسمع من الرجال أم من الجبل، لا يغتر بمثل هذا إلا ضعفاؤك الذين تبجبج في عقولهم (1) فإن كنت صادقا فتنح عن موضعك هذا إلى ذلك القرار وأمر هذا الجبل أن ينقلع من أصله فيسير إليك إلى هناك، فإذا حضرك ونحن نشاهده فأمره أن ينقطع نصفين من ارتفاع سمكه ثم يرتفع السفلى من قطعيته فوق العليا وتنخفض العليا تحت السفلى، فإذا تجعل أصل الجبل قلته وقلته أصله لنعلم أنه من الله، لا يتفق مثله بمواطأة ولا بمعاونة مموهين متمردين.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله - وأشار إلى حجر فيه قدر خمسة أرطال - فقال:

يا أيها الحجر تدحرج، فتدحرج ثم قال لمخاطبة: خذه وقربه من أذنك فسيعيد عليك ما سمعت، فإن هذا جزء من ذلك الجبل، فأخذه الرجل فأدناه إلى إذنه فنطق الحجر بمثل ما نطق به الجبل أولا من تصديق رسول الله صلى الله عليه وآله فيما ذكره عن قلوب اليهود ومما غبر به (2) من أن نفقاتهم في دفع أمر محمد صلى الله عليه وآله باطل ووبال عليهم.

فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله أسمعت هذا أخلف هذا الحجر أحد يكلمك ويوهمك أن الحجر يكلمك؟ قال: فأتني بما اقترحت في الجبل فتباعد رسول الله

 

 صلى الله عليه وآله وسلم إلى فضاء واسع ثم نادى الجبل وقال: يا أيها الجبل بحق محمد وآله الطيبين بجاههم ومسائلة عباد الله بهم أرسل الله على قوم عاد ريحا صرصرا عاتية لنزع الناس كأنهم أعجاز نخل خاوية، وأمر جبرئيل أن يصيح صيحة هائلة في قوم صالح حتى صاروا كهشيم المحتضر لما انفصلت من مكانك بإذن الله وجئت إلى حضرته هذه - ووضع يده على الأرض بين يديه.

فتزلزل الجبل وصار كالفارع الهملاج (1) حتى دنى من إصبعه أصله فلزق بها ووقف ونادى: ها أنا سامع لك مطيع يا رسول رب العالمين وإن رغمت أنوف هؤلاء المعاندين مرني بأمرك. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن هؤلاء اقترحوا على أن آمرك أن تنقلع من أصلك فتصير نصفين ثم ينحط أعلاك ويرتفع أسفلك فتصير ذروتك أصلك وأصلك ذروتك. فقال الجبل: أتأمرني بذلك يا رسول رب العالمين؟ قال: بلى فانقطع نصفين وانحط أعلاه إلى الأرض وارتفع أسفله فوق أعلاه فصار فرعه أصله وأصله فرعه، ثم نادى الجبل: يا معاشر اليهود هذا الذي ترون دون معجزات موسى الذين تزعمون أنكم به مؤمنون؟.

فنظر اليهود بعضهم إلى البعض، فقال بعضهم: ما عن هذا محيص، وقال آخرون منهم: هذا رجل منجوت مؤتى له ما يريد - والمنجوت يتأتى له العجائب - فلا يغرنك ما تشاهدون. فناداهم الجبل: يا أعداء الله قد أبطلتم بما تقولون نبوة موسى، هلا قلتم لموسى إن قلب العصا ثعبانا وانفلاق البحر طرقا ووقوف الجبل كالظلة فوقكم إنما تأتي لك لأنك مؤتى لك يأتيك جدك بالعجائب فلا يغرنا ما نشاهده، فألقمتهم الجبال بمقالتها والصخور ولزمتهم حجة رب العالمين.

وعن معمر بن راشد قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: أتى يهودي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقام بين يديه يحد النظر إليه، فقال: يا يهودي ما حاجتك؟

فقال: أنت أفضل أم موسى بن عمران النبي الذي كلمه الله عز وجل وأنزل عليه التوراة والعصا وفلق له البحر وظله بالغمام؟

فقال له النبي صلى الله عليه وآله: إنه يكره للعبد أن يزكي نفسه ولكني أقول: إن آدم لما أصاب الخطيئة كانت توبته أن قال " اللهم إني سألك بحق محمد وآل محمد لما غفرت لي " فغفرها الله له، وإن نوحا لما ركب السفينة وخاف الغرق قال " اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لم أنجيتني من الغرق " فأنجاه الله عز وجل، وإن إبراهيم لما ألقي في النار قال " اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما أمنتني " فجعلها بردا وسلاما، وأن موسى لما ألقى عصاه وأوجس في نفسه خيفة قال " اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما آمنتني " قال الله تعالى، لا تخف إنك أنت الأعلى.

يا يهودي إن موسى لو أدركني ثم لم يؤمن بي وبنبوتي ما نفعه إيمانه شيئا ولا نفعته النبوة، يا يهودي ومن ذريتي المهدي إذا خرج نزل عيسى بن مريم عليه السلام لنصرته فقدمه ويصلي خلفه.

وعن ابن عباس قال: خرج من المدينة أربعون رجلا من اليهود قالوا:

انطلقوا بنا إلى هذا الكاهن الكذاب حتى نوبخه في وجهه ونكذبه، فإنه يقول، أنا رسول رب العالمين، وكيف يكون رسولا وآدم خير منه ونوح خير منه - وذكروا الأنبياء عليهم السلام - فقال النبي صلى الله عليه وآله لعبد الله بن سلام: التوراة بيني وبينكم فرضيت اليهود بالتوراة فقال اليهود: آدم خير منك لأن الله عز وجل خلقه بيده ونفخ فيه من روحه.

فقال النبي صلى الله عليه وآله: آدم النبي أبي وقد أعطيت أنا أفضل مما أعطي آدم.

قال اليهود: وما ذاك؟ قال: إن المنادي ينادي كل يوم خمس مرات " أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله " ولم يقل آدم رسول الله، ولواء الحمد بيدي يوم القيامة وليس بيد آدم. فقال اليهود: صدقت يا محمد وهو مكتوب في التوراة. قال: هذه واحدة.

قالت اليهود: موسى خير منك. قال النبي صلى الله عليه وآله ولم؟ قالوا: لأن الله عز وجل كلمه بأربعة آلاف كلمة ولم يكلمك بشئ. فقال النبي صلى الله عليه وآله.

لقد أعطيت أنا أفضل من ذلك. قالوا: وما ذاك؟ قال: هو قوله عز وجل " سبحان الذي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي

باركنا حوله " (1) وحملت على جناح جبرائيل حتى انتهيت إلى السماء السابعة فجاوزت سدرة المنتهى عندها جنة المأوى، حتى تعلقت بساق العرش فنوديت من ساق العرش " إني أنا الله لا إله إلا أنا السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الرؤف الرحيم " ورأيته بقلبي وما رأيته بعيني، فهذا أفضل من ذلك قالت اليهود: صدقت يا محمد وهو مكتوب في التوراة. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: هذه اثنتان.

قالوا: نوح أفضل منك. قال النبي صلى الله عليه وآله: ولم ذاك؟ قالوا: لأنه ركب السفينة فجرت على الجودي. قال النبي صلى الله عليه وآله: لقد أعطيت أنا أفضل من ذلك. قالوا: وما ذاك؟ قال: إن الله عز وجل أعطاني نهرا في السماء مجرية من العرش وعليه ألف ألف قصر لبنة من ذهب ولبنة من فضة حشيشها الزعفران ورضراضها (2) الدر والياقوت وأرضها المسك الأبيض، فذلك خير لي ولأمتي، وذلك قوله تعالى " إنا أعطيناك الكوثر " (3) قالوا: صدقت يا محمد هو مكتوب في التوراة وهذا خير من ذلك. قال النبي صلى الله عليه وآله هذه الثلاثة.

قالوا: إبراهيم خير منك. قال: ولم ذاك؟ قالوا: لأن الله اتخذه خليلا. قال النبي صلى الله عليه وآله: إن كان إبراهيم خليله فأنا حبيبه محمد.

قالوا: ولم سميت محمدا؟ قال: سماني الله محمدا وشق اسمى من اسمه هو المحمود وأنا محمد وأمتي الحامدون على كل حال. فقالت اليهود: صدقت يا محمد هذا خير من ذلك. قال النبي صلى الله عليه وآله هذه أربعة.

قالت اليهود: عيسى خير منك. قال: ولم ذاك؟ قالوا: إن عيسى بن مريم كان ذات يوم بعقبة بيت المقدس فجاءه الشياطين ليحملوه فأمر الله جبرائيل أن اضرب بجناحك الأيمن وجوه الشياطين والقهم في النار، فضرب بأجنحته وجوههم وألقاهم في النار. فقال رسول الله: لقد أعطيت أنا أفضل من ذلك.

قالوا: وما هو؟ قال: أقبلت يوم بدر من قتال المشركين وأنا جائع شديد الجوع، فلما وردت المدينة استقبلتني امرأة يهودية وعلى رأسها جفنة وفي الجفنة جدي مشوي وفي كمها شئ من سكر فقالت: الحمد لله الذي منحك السلامة وأعطاك النصر والظفر على الأعداء، وإني قد كنت نذرت لله نذرا إن أقبلت سالما غانما من غزاة بدر لأذبحن هذا الجدي ولأشوينه ولأحملنه إليك لتأكله. فقال النبي صلى الله عليه وآله: فنزلت عن بغلتي الشهباء فضربت بيدي إلى الجدي لآكله فاستنطق الله الجدي فاستوى على أربع قوائم وقال: يا محمد لا تأكلني فإني مسموم. قالوا:

صدقت يا محمد هذا خير من ذلك. قال النبي صلى الله عليه وآله: هذه خمسة.

قالوا: بقيت واحدة ثم نقوم من عندك. قال: هاتوا. قالوا: سليمان خير منك. قال: ولم ذاك؟ قالوا: لأن الله عز وجل سخر له الشياطين والإنس والجن والطير والرياح والسباع. فقال النبي صلى الله عليه وآله: فقد سخر الله لي البراق وهو خير من الدنيا بحذافيرها، وهي دابة من دواب الجنة وجهها مثل وجه آدمي وحوافرها مثل حوافر الخيل وذنبها مثل ذنب البقر وفوق الحمار ودون البغل، وسرجه من ياقوتة حمراء وركابه من درة بيضاء، مزمومة بألف زمام من ذهب عليه جناحان مكللان بالدر والياقوت والزبرجد. مكتوب بين عينيه " لا إله الله وحده لا شريك له وأن محمدا رسول الله".

قالت اليهود: صدقت يا محمد وهو مكتوب في التوراة وهذا خير من ذلك.

يا محمد نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله: لقد أقام نوح في قومه ودعاهم ألف سنة إلا خمسين عاما ثم وصفهم الله عز وجل فقللهم فقال " وما آمن معه إلا قليل " (1) ولقد تبعني في سنيي القليلة وعمري اليسير ما لم تتبع نوحا في طول عمره وكبر سنة، وأن في الجنة عشرين ومائة صف أمتي منها ثمانون صفا، وأن الله عز وجل جعل كتابي المهيمن على كتبهم الناسخ لها، ولقد جئت بتحليل ما حرموا وبتحريم بعض ما أحلوا. من ذلك أن موسى جاء بتحريم

صيد الحيتان يوم السبت حتى أن الله تعالى قال من اعتدى منهم في صيدها يوم السبت " كونوا قردة خاسئين " (1) فكانوا، ولقد جئت بتحليل صيدها حتى صار صيدها حلالا. قال الله تعالى " أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم " (2) وجئت بتحليل الشحوم كلها وكنتم لا تأكلونها.

ثم إن الله عز وجل صلى علي في كتابه العزيز، قال الله عز وجل " إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما " (3) ثم وصفني الله عزو جل بالرأفة والرحمة وذكر في كتابه " لقد جائكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم" (4) وأنزل الله تعالى أن لا يكلموني حتى يتصدقوا بصدقة وما كان ذلك لنبي قط، قال الله عز وجل " يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة" (5) ثم وضعها عنهم بعد أن افترضها عليهم برحمته ومنه.

وعن ثوبان قال: إن يهوديا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا محمد أسألك فتخبرني، فركض ثوبان برجله وقال: قل يا رسول الله. فقال: لا أدعوه إلا بما سماه أهله. فقال: أرأيت قوله عز وجل " يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات" (6) أين الناس يومئذ؟ فقال: في الظلمة دون المحشر. فقال: فما أول ما يأكل أهل الجنة إذا دخلوها؟ قال: كبد الحوت. قال: فما طعامهم على أثر ذلك؟ قال:

كبد الثور. قال: فما شرابهم على أثر ذلك؟ قال: السلسبيل. قال: صدقت أفلا أسألك عن شئ لا يعلمه إلا نبي؟ قال: وما هو؟ قال: عن شبه الولد أباه وأمه.

قال: ماء الرجل أبيض غليظ وماء المرأة أصفر دقيق، فإذا علا ماء الرجل ماء المرأة كان الولد ذكرا بإذن الله تعالى ومن تشبه أباه قبل ذلك يكون الشبه، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل خرج الولد أنثى بإذن الله عز وجل ومن تشبه أمه قبل ذلك يكون الشبه.

ثم قال النبي صلى الله عليه وآله: والذي نفسي بيده ما كان عندي شئ مما سألتني عنه حتى انبأنيه الله عز وجل في مجلسي هذا على لسان أخي جبرئيل.