الفضيحة

نعم : لم تيأس امرأة العزيز « زليخا » من يوسف ، وارادت ان ترمي بنفسها عليه عسى ان يستسلم لها ، ولكن يوسف احس بالخطر مرة ثانية وهرب منها واسرع نحو الباب ليفتحه ويخرج ، واسرعت زليخا خلفه لتمنعه من الخروج ، وسحبت قميصه من خلفه ، فقدته من دبر ، اي مزقته طولا » « واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر ». وعلى كل حال تمكن يوسف من الوصول نحو الباب وفتحه ، فرآه عزيز مصر خلف الباب فجاة ، « والفيا سيدها لدى الباب ». وفي هذه اللحظة الحرجة رأت زليخا نفسها امام زوجها واحست بالفضيحة من جهة ، وشعلة الانتقام تتأجج في داخلها على يوسف من جهة اخرى ، كان اول شيء توجهت اليه ان تخاطب زوجها بمظهر الحق متهمة يوسف اذ : « قالت ما جزاء من اراد باهلك سوءا الا ان يسجن او عذاب اليم » (1). ولكن يوسف هنا وفي هذه اللحظة الحرجة لم يجد من الرد بدا ووجد السكوت حراما لئلا تثبت التهمة عليه ، فاماط اللثام عن عشق زليخا وقال : « قال هي راودتني عن نفسي ». من الطبيعي ان مثل هذا الحادث عسير جدا ولا يمكن ان يصدقه كل احد ، اي ان شابا يافعا غير متزوج لا يعد آثما ، وفي مقابله امرأة متزوجة ذات شخصية مرموقة ، فلذلك كانت شعلة الاتهام تحوم حول يوسف اكثر من امرأة العزيز. ولكن حين ان الله عزوجل حامي المخلصين والصالحين فلا يرضى ان يحترق هذا الشاب المجاهد بشعلة الاتهام ، لذلك انجاه بحضور شاهد من اهلها مع دليل قاطع وقوي « وشهد شاهد من اهلها ان كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين * وان كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين » (21). اي دليل اقوى من هذا الدليل ، فقد ركضت خلف يوسف وقدت قميصه من دبر ، لانه كان يريد الفرار منها فامسكت بثوبه فقدته. ولكن من هو هذا الشاهد الذي انقذ يوسف في اللحظة الحاسمة ؟ سوف يأتي انشاء الله ... كان هذا سندا على طهارة يوسف وبرائته من الجريمة ، وفي نفس الوقت دليلا على افتضاح المجرم ! اما عزيز مصر لما رأى الحقيقة قِبَل هذا الحكم ، وخوفا من ان يذيع هذا الحادث المؤسف على الملا ، ويسقط ماء وجهه ، رأى من الصلاح جعل القضية طي الكتمان والسر ، فالتفت الى زوجته قائلا لها ... « انه من كيدكن ان كيدكن عظيم » ، والتفت الى يوسف قائلا له : « يوسف اعرض عن هذا » اي اكتم هذا الأمر ولا تخبر به احدا ، ثم التفت مرة ثانية الى امرأته وقال : « واستغفري لذنبك انك كنت من الخاطئين » (3). هل كان هذا اول مرة وآخر مرة من امرأة العزيز في مراودته ليوسف ؟ كلا ، بل كانت هناك محاولات متعددة قبل هذه الحادثة وبعدها في جلب يوسف لها ، وقد استولى عليها الوله وسلب منها الحب والغرام كل حلم وحزم ، ولم تكن المراودة مرة او مرتين الى ان انتشر حبها ليوسف بين اكثر نساء مصر وخاصة بين نساء القصور والامراء واصبح حديث الساعة في محافلهن ومجالسهن ، واخذن يعيّرن بذلك عزيزة مصر وقلن انها تولهت الى فتاها وافتتنت به فراودته عن نفسه « وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا انا لنراها في ضلال مبين ». وكان ذلك مكرا منهن بها على ما في طبع اكثر النساء من الحسد والعجب والغيرة ، فان المرأة تغلبها العواطف الرقيقة والاحساسات اللطيفة.

________________________________________

1 ـ يوسف : 25. 

2 ـ يوسف : 26. 

3 ـ يوسف : 29.