النبي محمد بن عبد الله صلى الله عليه واله وسلم

  الموعظة : 
    قال تعالى : « يا ايها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور » (1).     كتب هارون الرشيد الى ابي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام : عظني واوجز ، فكتب اليه : « ما من شيء تراه عينيك الا وفيه موعظة‌ » (2).     وقال علي عليه السلام : ابلغ العظات النظر الى مصارع الاموات والاعتبار بمصائر الاباء والامهات (3).     معنى الوعظ والموعظة : هو النهي الممتزج بالترغيب والتهديد ، والموعظة عبارة عن التذكير بنعم الله والطيبات ، والخيرات ، والبركات ، والنصح والارشاد الى طريق الحق والرشاد ، وكذلك التذكير باهوال يوم الحساب وعقاب المذنبين ، والتخويف من عقاب الله للعاصين والمخالفين وانه تعالى رؤوف رحيم وشديد العقاب.     الموعظة ، هي النصيحة والمحبة التي يقدمها الاخ الى اخيه والاب الى ابنه ، والمعلم الى تلميذه ، والوالي الى رعيته .. ، ويرشده فيها الى الطريق المستقيم والتمسك به والعمل فيه ، وفي نفس الوقت يخوفه وينهاه من السيئات والموبقات والذنوب ، ويحذره من السقوط في الهاوية والظلام.     والموعظة اذا خرجت من القلب تدخل في القلب ، والموعظة تؤثر في القلوب المستعدة لتلقي الوعظ والارشاد ، بشرط ان يكون الواعظ متعظ.     وافضل واعظ هو القران الكريم : قال الامام الصادق عليه السلام : « اصدق القول ، وابلغ الموعظة ، واحسن القصص ، كتاب الله » (4).     القران شفاء لما في الصدور ، وشفاء للامراض القلبية ، وجلاء للتلوثات الروحية والمعنوية ، كالبخل ، والحسد ، والحقد ، والغل ، والجبن ، والشرك ، والنفاق ، وامثال ذلك من الامراض الروحية.     والقران هو الذي يعظ البشر على اختلاف طبقاته ، وهو الذي يغسل القلوب من تبعات الذنوب والصفات القبيحة ، والقران هو الذي يوقد نور الهداية في القلوب ليضيئها.     والواعظ الثاني يأتي بعد القران هم الانبياء.     القران هو الواعظ الصامت والنبي هو الواعظ الناطق.     بعث الله تبارك وتعالى الانبياء والرسل « عليهم افضل الصلاة والسلام » ليبلغوا رسالات الله ويوعضوا الناس ورشدوهم لطريق الحق والصواب ويهدوهم الى طريق الحق ويدعوهم للعمل والجهاد وانقاذهم من الهاوية ... « الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون احدا الا الله وكفى بالله حسيبا » (5).     بعث الله تعالى الانبياء والرسل ليدعون الناس الى الحق والعدالة والحرية والايمان وعبادة الله ، ولم يختصر الانبياء في دعوتهم لتربية الناس فقط ، بل اهتموا بتربية المعلمين والمربين وقادة الجماعات ، اي تربية افراد بحيث يستطيع كل فرد منهم ان يقوم بدور الانبياء والرسل ويربي مما تعلم محيطا واسعا من حوله ... « انا ارسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا * لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة واصيلا » (6).    والواعظ الثالث الذي يأتي بعد الانبياء هم اوصياء الانبياء وخلفائهم وحوارييهم ، وافضلهم واشرفهم هم الائمة الاطهار المعصومون علي بن ابي طالب وابناءه الاحد عشر عليهم افضل الصلاة والسلام ...     وهناك مراحل اربعة تمر بها الموعظة والنصيحة حتى تستقر في روح الانسان وتؤثر في افعاله وتصرفاته هي :     المراحلة الاولى : مرحلة القاء الموعظة والنصيحة على الانسان ، والتي نعبر عنها بالتخلية.     المرحلة الثانية : مرحلة تطهير النفس والروح الانسانية من مختلف الرذائل الاخلاقية ، والتي نعبر عنها بالتجلية. تجلي الذنوب وتطهر القلب منها.     المرحلة الثالثة : مرحلة الهداية التي تجري بعد مرحلة التطهير ، وهي مرحلة التحلية ، تزينها وتحليها بالاعمال الصالحة كما تزين جيد الفتاة بالقلادة المرصعة بالمجوهرات. المرحلة الرابعة : هي مرحلة العمل ، المرحلة التي يصل فيها الانسان الى ان يكون لائقا لان تشمله رحمة الله ونعمته.     الموعظة هي التي تغسل القلوب من تبعات الذنوب والصفات القبيحة ، وتوقد نور الهداية في القلوب ليضيء له الدرب ويبصر طريقه ويستمر بسيره حتى يصل الى السعادة ، سعادة الدارين ...
___________________________________________________
1 ـ يونس : 57. 
2 ـ بحار : ج 78 ص 319. 
3 ـ غرر الحكم. 
4 ـ بحار : ج 77 ص 114. 
5 ـ الاحزاب : 39. 
6 ـ الفتح : 8 و 9.