حكم و مواعظ من حياة النبي زكريا ويحيى عليهما السلام

قصة زكريا ويحيى عليهما السلام
قال تعالى : « هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة انك سميع الدعاء * فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب ان الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين » (1).
استجابة دعاء زكريا :
قيل : ان زوجة زكريا ، واسمها : « اليصابات » (2) وام مريم زوجة عمران واسمها « حنة » كانتا اختين ، وكانتا عاقرين ، وعندما رزقت ام مريم بلطف من الله هذه الذرية الصالحة ، ورأى زكريا خصائصها العجيبة حيث كان كلما يدخل على مريم في محرابها يجد عندها طعام ، فسالها : من اين لك هذا قالت هو من عند الله ، فعند ذلك تمنى زكريا ان يرزقه الله ذرية صالحة وطاهرة وتقية مثل مريم. وعلى الرغم من كبر سن زكريا وزوجته ، حيث كانت عاقرا ايضا كان يستحيل من الناحية الطبيعية ان يرزقا طفلا ، لكن زكريا لم يستبعد من حصوله على طفل مع شيخوخته ، لذلك راح يتضرع الى الله ويدعو ويصلي في محرابه لطلب الولد. ولم يمضي وقت طويل حتى اجاب الله دعاء زكريا ، فبينما كان يعبد الله في محرابه ، نادته الملائكة وقالت : ان الله يبشرك بمولود اسمه ـ يحيى ـ وسوف يؤمن بالمسيح عيسى ويشد ازره ، وسيصبح من حيث العلم والعمل قائدا للناس وسيدا وحصورا ، اي يضع نفسه في المحاصرة والمراقبة ويمتنع عن الشهوات المادية ، وسيكون ايضا من الانبياء والصالحين. فلما سمع زكريا قول الملائكة ، استولى عليه العجب والحيرة ، فقال لدى سماعه بشارة الملائكة ، كيف يمكن ان يولد لي ولد وانا في هذا السن من الشيخوخة ، ثم ان زوجتي عاقرا لا تلد. فجاءه الجواب : ان الله يفعل ما يشاء وبيده كل شيء. كم هو جميل ورائع ان يستجيب الله دعاء عبده بهذه الصورة ، ويبشره على تحقيق مراده ، ويعطيه مولودا ذكرا في مقابل طلب الولد ، ويسميه ايضا بنفسه تعالى ، ولم يسبقه احد بهذا الاسم : « لم نجعل له من قبل سميا ». وكان قبل هذا قد طلب زكريا ايضا من الله ان يجعل له آية وامارة وعلامة وكان يريد ان يمتليء قلبه بالايمان : « قال رب اجعل لي آية قال آيتك الا تكلم الناس ثلاثة ايام الا رمزا واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والابكار » (3). اجاب الله طلب زكريا هذا ايضا ، وعين له علامة ، وهي ان يكف لسانه عن الكلام ثلاثة ايام ، فلم يقدر على المحادثة العادية ، ولكن لسانه كان ينطق بذكر الله والتسبيح فقط ، ويستطيع ان يخاطب الناس بالايماء في الامور الضرورية. بعد هذه البشارة والآية الواضحة ، خرج زكريا من المحراب الى الناس فكلمهم بالاشارة « فخرج على قومه من المحراب فأوحى اليهم ان سبحوا بكرة وعشيا » (4). هذا بالاضافة الى انه كان يسبح الله ، كذلك طلب من القوم ان يسبحوا لله ويشكروه من اجل ان تقوى اسس الايمان في قلوب الناس. وروي ان زكريا عليه السلام سأل ربه ان يعلمه اسماء الخمسة ، فاهبط عليه جبرئيل عليه السلام فعلمه اياها ، فكان زكريا عليه السلام اذا ذكر محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعليا وفاطمة والحسن عليهم السلام وانكشف عنه همه وانجلى كربه ، واذا ذكر اسم الحسين عليه السلام خنقته العبرة ووقعت عليه الزفرة وتشايع النفس. فقال ذات يوم : الهي ما بالي اذا ذكرت اربعة منهم تسليت باسمائهم من همومي ، واذا ذكرت الحسين عليه السلام تدمع عيني وتثور زفرتي ، فانبأه الله تعالى عن قصة كربلاء وما يجري على الحسين عليه السلام وعترته الطاهرة ... (5) 
________________________________________
1 ـ آل عمران : 38 ـ 39. 
2 ـ وقيل اسمها « اشياع بنت فاقوذ » الكامل في التاريخ ج 1 ص 197
3 ـ آل عمران : 41
4 ـ مريم : 11. 
5 ـ البحار : ج 14 ص 178.