عصمة الانبياء والاوصياء

نحن نعتقد في الانبياء والرسل والائمة الاطهار والملائكة صلوات الله عليهم اجمعين ، انهم معصومون مطهرون من كل دنس ، وانهم لا يذنبون ذنبا صغيرا ولا كبيرا ، ولا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون ، ومن نفى عنهم العصمة في شيء من احوالهم فقد جهلهم ... وتوجد لدينا ادلة على ذلك من الكتاب والسنة والعقل وقد ذكرت مفصلا في كتب مختلفة وكثيرة توجد في متناول الايدي والمكتبات يمكنكم مراجعتها لمن يريد المعرفة تفصيلا. ونحن هنا نذكر باختصار بعض النقاط المهمة في هذا الباب. ان اخطر المناصب واكبرها مسؤولية ، قيادة المجتمع البشري وهدايته الى السعادة وبعده عن الاخطاء والانحرافات ، فهذه تتطلب في المتصدي والمرشد والمبلغ مؤهلات وامتيازات خاصة يتفرد بها عن سائر الناس ، وكلما كبرت المسؤولية وشملت جميع الجوانب وتدير دفة كافة الجوانب الحياتية ، كما هي مسؤولية رسل السماء وخاصة خاتمهم الذي سد باب الوحي والنبوة من بعده ، فلابد وحسب الامور العقلية والنقلية ان يتصف هذا النبي او الرسول او ذاك الوصي الذي يحمل مثل هذه المسؤولية الخطيرة ، ان يتصفوا بفضائل روحية ومُثل خُلُقية تُميزهم عن غيرهم من البشر ، وتجعلهم في قمة الاخلاق والتزكية وحسن السيرة ، ثم في القيادة والادارة ، وتجتمع هذه الصفات في العصمة والمعصوم. والعصمة ، لها مراتب ومراحل ثلاث : المرتبة الاولى : العصمة عن المعصية وعدم ارتكاب الذنب ومخالفة الاوامر المولوية. المرتبة الثانية : العصمة في تبليغ الرسالة ، اي المصونية في تلقي الوحي ، ووعيه ، وابلاغه للناس. المرتبة الثالثة : العصمة عن الخطا في تطبيق الرسالة والامور الفردية والاجتماعية. وبعد هذه المراحل الثلاثة المهمة ، هناك مراحل اخرى يجب على النبي او الوصي او المبلغ الرسالي ان يتحلى بها وهي : 1 ـ التنزه عن كل ما يوجب نفرة الناس عنه وعُقم التبليغ. 2 ـ الاطلاع على اصول الدين وفروعه وكل ما القي ابلاغه وتعليمه وتعلمه على عاتقه. 3 ـ التحلي بكفاءة خاصة في القيادة مقترنة بحسن التدبير. وفي النهاية يكون انتخاب هذه الشخصية وحملها لهذه المسؤولية وهذه الصفة من قبل الله عزوجل وتعيينه ، اما مباشرة وعن طريق الوحي مثل الانبياء ، واما بواسطة وعن طريق الانبياء مثل الائمة الاطهار عليهم السلام ... (1) ادلة العصمة من الآيات القرآنية باختصار : 1 ـ قال تعالى في عصمة الملائكة : « عليها ملائكةغلاظ شداد لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون » (2) والشاهد هنا : « لا يعصون الله ما امرهم ». 2 ـ وكذلك في وصف القرآن بقوله تعالى : « لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد » (3). 3 ـ وقوله تعالى في عصمة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم : « ما ضل صاحبكم وما غوى ، وما ينطق عن الهوى ، ان هو الا وحي يوحى ، علمه شديد القوى » (4). 4 ـ انتخاب الرسل والاوصياء لهدايتهم المجتمع البشري من قبل الله تعالى وذلك في قوله تعالى : « واجتبيناهم وهديناهم الى صراط مستقيم ، ذلك هدى الله ، يهدي به من يشاء من عباده ، ولو اشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون » (5). وقوله تعالى : « يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته ، والله يعصمك من الناس » (6). « واذكر عبادنا ابراهيم واسحاق ويعقوب اولي الايدي والابصار ، انا اخلصناهم بخالصة ذكرى الدار ، وانهم عندنا لمن المصطفين الاخيار ، واذكر اسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الاخيار » (7). وقوله تعالى : « ولقد اخترناهم على علم على العالمين ، وءآتيناهم من الآيات مافيه بلاء مبين » (8). فان قوله تعالى « انهم لمن المصطفين الاخيار » ، وقوله : « لقد اخترناهم على علم على العالمين ». دليل على ان النبوة والعصمة واعطاء الآيات لاصحابها ، من مواهب الله سبحانه للانبياء ومن يقوم مقامهم من الاوصياء والائمة عليهم السلام فتأمل. وبعد التأمل يظهر من ان العصمة الالهية لا تفاض على المعصوم ولا توهب له الا بعد وجود ارضيات صالحة في نفسه ، تقتضي افاضة تلك الموهبة اليه .... يقول العلامة الطباطبائي قدس سره : « ان الله سبحانه خَلقَ بعضَ عباده على استقامة الفطرة واعتدال الخلقة ، فنشؤا من باديء الأمر بأذهان وقّادة ، وادراكات صحيحة ، ونفوس طاهرة ، وقلوب سليمة ، فنالوا بمجرد صفاء الفطرة وسلامة النفس ، من نعمة الاخلاص ما ناله غيرهم بالاجتهاد والكسب ، بل اعلى وارقى ، لطهارة داخلهم من التلوث بأوساخ الموانع والمزاحمات. والظاهر ان هؤلاء هم المخلَصون لله في مصطلح القرآن الكريم. ومن الآيات المهمة في القرآن الكريم التي تدل على عصمة الانبياء والرسل ، نذكر هذه الآيات من قوله تعالى : « ووهبنا له اسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داوود وسليمان وايوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين ، وزكريا ويحيى وعيسى والياس كل من الصالحين ، واسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين ، ومن آبائهم وذرياتهم واخوانهم واجتبيناهم وهديناهم الى صراط مستقيم ، ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ... ، اولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ... » (9). تصف الآية الاخيرة بان الانبياء مهديون بهداية الله سبحانه ، على وجه يجعلهم القدوة والاسوة ، ونرى من جانب آخر انه سبحانه وتعالى يصرح بان من شملته الهداية الالهية لا مضل له وذلك في قوله تعالى : « ومن يهد الله فماله من مضل ... » (10). وتكون النتيجة المنطقية : 1 ـ النبي قد شملته الهداية الالهية. 2 ـ ومن شملته الهداية الالهية ، لا تتطرق اليه الضلالة. 3 ـ فينتج : النبي لا تتطرق اليه الضلالة. وبما ان الضلالة والمعصية متساويان ، فيصح ان يقال في النتيجة : ان النبي لا تتطرق اليه المعصية ويكون معصوما ... فتأمل. وقال المحقق الطوسي رضي الله عنه في التجريد : « ويجب في النبي العصمة ليحصل الوثوق فيحصل الغرض ... ويجب كمال العقل ، والذكاء ، والفطنة ، وقوة الرأي ، وعدم السهو » (11). ولو جاز على النبي ، السهو والخطأ ، لجاز ذلك في جميع اقواله وافعاله ، فلم يبق وثوق باخباراته عن الله تعالى ، ولا بالشرائع والاديان ، لجواز الزيادة فيها والنقيصة ، فتنتفي فائدة البعثة ، فلا يجوز على النبي والرسول صلى الله عليه وآله وسلم السهو مطلقا ، في الشرع وغيره ... لو جاز ان يسهو في الصلاة ، لجاز ان يسهو في التبليغ ، لان الصلاة فريضة عليه ، كما ان التبليغ عليه فريضة. واما الاحاديث والروايات الواردة في هذا الباب كثيرة نختصر منها مع ما يقتضيه المقام : 1 ـ قال الامام علي عليه السلام في كتاب غرر الحكم : من اعتصم بالله لم يضره شيطان ، ومن اعتصم بالله عز مطلبه. ومن دعاء للامام علي بن ابي طالب عليه السلام قال : « الهي خلقت لي جسما ، وجعلت لي فيه آلات اطيعك بها واعصيك ، واغضبك بها وارضيك ، وجعلت لي من نفسي داعية الى الشهوات ، واسكنتني دارا قد ملئت من الآفات ، ثم قلت لي : انزجر ، فبك انزجر ، وبك اعتصم ، وبك استجير ، وبك احترز واستوفقك لما يرضيك. (12) 2 ـ عن حسين الاشقر ، قال : قلت لهشام بن الحكم : ما معنى قولكم : « ان الامام لا يكون الا معصوما » ؟ فقال : سألت ابا عبد الله عليه السلام عن ذلك فقال : المعصوم هو الممتنع بالله من جميع المحارم ، وقد قال الله تبارك وتعالى « ومن يعتصم بالله فقد هدي الى صراط مستقيم » (13). وعن الامام علي بن الحسين عليهما السلام قال : الامام منا لا يكون الا معصوما ، وليست العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها ، فلذلك لا يكون لا منصوصا. ومن اقوال الامام الصادق عليه السلام : ... والامام معصوما من الزلات ، مصونا عن الفواحش كلها ، فهو معصوم مؤيد موفق مسدد ، قد أمن من الخطايا والزلل والعثار ، يخصه الله بذلك ليكون حجته على عباده ، وشاهده على خلقه. (14)
________________________________________
1 ـ للتفصيل مراجعة كتاب الالهيات ج 2 لآية الله الشيخ السبحاني ( حفظه الله تعالى ). 
2 ـ التحريم : 6. 
3 ـ فصلت : 42. 
4 ـ النجم : 3 ـ 5. 
5 ـ الانعام : 87 ـ 88. 
6 ـ المائدة : 67. 
7 ـ ص : 45 ـ 48. 
8 ـ الدخان : 32 و 33. 
9 ـ الانعام : 84 ـ 90. 
10 ـ الزمر : 36 و 37. 
11 ـ شرح التجريد : ص 195. 
12 ـ ميزان الحكمة : ج 6 ص 341. 
13 ـ نفس المصدر ، آل عمران : 101. 
14 ـ نفس المصدر.