في وفاة النبي ادريس عليه السلام

روي عن ابن عباس قال : كان ادريس النبي عليه السلام يسبح النهار ويصومه ويبيت حيث ما جنه الليل ويأتيه رزقه حيث ما افطر ، وكان يصعد له من العمل الصالح مثل ما يصعد لاهل الارض كلهم. فسأل ملك الموت ربه في زيارة ادريس عليه السلام وان يسلم عليه ، فاذن له ، فنزل واتاه ، فقال لادريس : اني اريد ان اصحبك فأكون معك ، فصحبه. كانا يسيران في النهار ويصومانه فاذا جنهما الليل اتي ادريس فطوره فيأكل ويدعو ملك الموت اليه فيقول : لا حاجة لي فيه ، ـ اي لا يأكل لانه ملك ـ ، ثم يقومان يصليان ، وادريس يصلي ويفتر وينام ، وملك الموت يصلي ولا ينام ولا يفتر ، فمكثا بذلك اياما. ثم انهما مرا بقطيع غنم وكرم قد اينع ، فقال ملك الموت : هل لك ان تأخذ من ذلك حملا او من هذا عناقيد فنفطر عليه ؟. فقال : سبحان الله ادعوك الى مالي فتابى فكيف تدعوني الى مال الغير ؟! ثم قال ادريس عليه السلام : فقد صحبتني واحسنت فيما بيني وبينك من انت ؟ قال : انا ملك الموت ، قال ادريس : لي اليك حاجة ، فقال : وما هي ؟ قال : تصعد بي الى السماء ، فاستاذن ملك الموت ربه في ذلك فاذن له ، فحمله على جناحه فصعد به الى السماء. ثم قال له ادريس عليه السلام : ان لي اليك حاجة اخرى ، قال وما هي ؟. قال : بلغني من الموت شدة فأحب ان تذيقني منه طرفا فانظر هو كما بلغني ، فاستاذن ربه له فاذن فأخذ بنفسه ساعة ثم خلّى عنه. فقال له : ـ ملك الموت ـ كيف رأيت ؟ قال : بلغني عنه شدة وانه لاشد مما بلغني. قال ادريس عليه السلام : ولي اليك حاجة اخرى تريني النار ، فاستاذن ملك الموت صاحب النار ، ففتح له فلما رآها ادريس عليه السلام سقط مغشيا عليه. ثم قال : لي اليك حاجة اخرى تريني الجنة ، فاستاذن ملك الموت خازن الجنة فدخلها ، فلما نظر اليها قال : يا ملك الموت ما كنت لاخرج منها. ان الله تعالى يقول : « كل نفس ذائقة الموت » (1) وقد ذقته ، ويقول : « وان منكم الا واردها » وقد وردت النار ، ويقول في الجنة : « وماهم منها بمخرجين » ولست اخرج من الجنة بعد دخولها. فأوحى الله الى ملك الموت : خصمك عبدي فاتركه ولا تتعرض له فبقي في الجنة. (2) كانت هذه المحاجة بين ملك الموت وادريس النبي عليه السلام بوحي من الله تعالى ، واراد بها الله عزوجل تعجيل دخول ادريس عليه السلام الجنة ، وذلك بما كان يتعب نفسه وجسده لعبادة الله سبحانه ، وكان حقا على الله ان يعوضه من ذلك الراحة والطمانينة ، وان يبوئه بتواضعه لله تعالى وصالح عبادته من الجنة مقعدا ومكانا عليا. وهكذا نتيجة كل مؤمن صالح متقي يعمل لاجل الله تعالى ويتعب نفسه وجسده من اجل الله ومن اجل الاسلام واعلاء اكلمة لا اله الا الله محمد رسول الله علي ولي الله. 

________________________________________

1 ـ العنكبوت : 57. 

2 ـ البحار : ج 11 ص 278.